Wednesday, December 29, 2010

متى يبدأ التطبيع وينتهي التواصل

متى يبدأ التطبيع وينتهي التواصل؟
علي زبيدات – سخنين

النقاش حول التطبيع، المقصود هنا علاقة طبيعية بين الفلسطينيين والعرب من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وحول التواصل، والمقصود هنا العلاقة التي تربط أهالي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وبين باقي الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، مستمر بدون توقف. يهدأ تارة ويعلو تارة أخرى. وقد كتب الكثير حول هذا الموضوع وسوف يكتب حوله أكثر. النظرة السائدة في هذا النقاش هي من غير شك إدانة التطبيع بكافة أشكاله، رفضه ومقاومته من جهة والدفاع عن التواصل وتشجيعه من جهة أخرى. ولكن هذه النظرة السائدة لم تحل المشكلة بل زادتها تعقيدا وجعلت الموضوع برمته محفوفا بالمخاطر وكأنه حقلا مزروعا بالألغام. فالمسالة ليست إذا كان التطبيع مرفوض أم لا بل إذا ما كان هذا العمل أم ذاك، هذه السياسة أم تلك تطبيعا أم لا. وإذا ما كان ما نسميه تواصلا لا يصب في مصب التطبيع أم لا.
عاد هذا الموضوع مؤخرا وطفا على السطح واحتل واجهة الأخبار في أعقاب منع وفد لجنة المتابعة العليا من دخول الجزائر للمشاركة بمؤتمر لنصرة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وذلك بإيعاز شخصي ومباشر من قبل الرئيس الجزائري. فقد رأى الجزائريون بهذه المشاركة تطبيعا بينما أعتبر الوفد مشاركته تواصلا. وقد وعد رئيس لجنة المتابعة برفع شكوى حول هذا الموضوع إلى جامعة الدول العربية والى القمة العربية. لا أدري كيف ستبت جامعة الدول العربية أو القمة العربية بهذا الشأن وهي نفسها متهمة بالتطبيع.
حسب رأيي يوجد هناك نظرتان إلى قضية التطبيع والتواصل، الأولى: هي نظرة ميتافيزيقية، ميكانيكية، أحادية الجانب تنظر إلى الأمور وكأنها منعزلة عن بعضها البعض فإما أن يكون أمرا معينا تطبيعيا وإما أن يكون تواصلا. والثانية: نظرة جدلية ترى في هذين المصطلحين تناقضا تربط فيما بينهما وحدة وصراع. قد يتحول الأول إلى الثاني وبالعكس. فقد يكون هناك تواصل نتيجته تطبيعية وقد يكون هناك تطبيع يفرز نوعا من التواصل. أنا شخصيا أومن بالنظرة الجدلية لهذه المعضلة لأنها هي الوحيدة القادرة على نقد تحليل المعطيات بشكل علمي وواقعي واستخلاص العبر منها.
ليس المقصود من هذه المقالة توزيع شهادات وطنية على هذا الشخص أو ذاك أو على هذه الجهة أو تلك أو سحبها منهم إن كانوا يمتلكونها. فلا أحد يملك الصلاحية لمنح أو سحب مثل هذه الشهادات، ولكني لا أنكر الهدف النقدي منها وذلك لأيماني أن النقد هو المقدمة الأولى للحفاظ على الثوابت.
زيارة وفد لجنة المتابعة المفترضة إلى الجزائر قد تكون تواصلا كما كانت الزيارة من قبل إلى ليبيا. ولكن هذا لا ينفي أنها كانت في الوقت نفسه تطبيعا. أعضاء الوفد، بحسن نية أو بغيرها، يرون جانب التواصل فقط ويعمون عن رؤية جانب التطبيع بالرغم من أن هذا الجانب هو الطاغي. إسرائيل قادرة، لو أرادت، على منع الوفد من مغادرة البلاد، ولكنها لم تفعل ذلك لأنها تعرف أن ذلك هو جوهر التطبيع من وجهة نظرها. فماذا يعطي انطباعا على أن الأمور "طبيعية" بين إسرائيل والدول العربية أكثر من مثل هذه الزيارات. على فكرة يجب أن نوضح هنا أن دولة إسرائيل لا تريد علاقات طبيعية مع الدول العربية، وعندما نتكلم عن التطبيع بالمفهوم الإسرائيلي للكلمة هذا يعني قبول الدول العربية لدولة إسرائيل كما هي. أي أن التطبيع هو الاعتراف بالرواية والسيادة الإسرائيليتين. وفد لجنة المتابعة لا يذهب إلى الجزائر أو إلى أية دولة عربية على انه وفد فلسطيني محض بل على انه وفد فلسطيني من مواطني دولة اسرائيل. أي انه يحمل معه المواطنة الإسرائيلية إلى كل مكان يذهب إليه. ويجب هنا ألا ننسى الاسم الكامل للجنة المتابعة:" لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل". لاحظوا أن هذا الاسم الرسمي يشطب كلمة فلسطينية بينما يؤكد على كلمة إسرائيلية. لا يمكن أن تكون في النهار إسرائيليا وفي الليل فلسطينيا وفي الوقت نفسه تتباكى لماذا يرفضون دخولك إلى الجزائر!
التطبيع يتداخل مع التواصل في كافة المجالات وليس فقط في الزيارات من هذا النوع والمشاركة في المؤتمرات. خذوا مثلا الرحلات السياحية إلى مصر من طابا وشرم الشيخ إلى القاهرة أليس تطبيعا بين إسرائيل وأكبر دولة عربية على قاعدة اتفاقية كامب ديفيد؟ أم أنها مجرد تواصل بريء؟ وهل يغير من الحقيقة شيء أن يلجأ بعض الوطنيين إلى زيارة المرحوم الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم هربا من تأنيب ضمائرهم؟
مثل آخر، طلابنا في الأردن الذين يعدون بالآلاف، لا يمكن نفي جانب التواصل في هذه القضية والفوائد الأخرى ولكن ماذا عن جانب التطبيع؟ أليس تواجد هؤلاء الطلاب يشكل دعما للتطبيع بين النظام الأردني ودولة إسرائيل؟ هل يمكن أن نكون ضد معاهدة السلام بين الدولتين وفي الوقت نفسه نقبل ببعض نتائجها؟
زيارات "التواصل" التي بدأها عزمي بشارة إلى سوريا والتي جمعت أقارب طال فراقهم عشرات السنين الم يكن لها أيضا جانبا تطبيعيا؟ ألم تخدم هذه الزيارات دولة إسرائيل وتجمل وجها البشع وتضفي عليه مسحة من الإنسانية؟ هذه الزيارات التي اتسعت وشملت دول أخرى من الخليج إلى اليمن إلى المغرب العربي والتي انضم إليها أشخاص لا يتلفعون بعباءة القومية العربية ألم تكن أفضل وسيلة لتغلغل إسرائيل في العالم العربي؟
زيارات الشاعر سميح القاسم المتكررة إلى دول الخليج وغيرها، وهو شاعر المقاومة الذي يملك رصيدا وطنيا لا يمكن أن ينكره أحد والذي يقول أن جوازه الحقيقي هو بيت الشعر وليس جواز السفر الإسرائيلي الذي يحمله والذي يقول لو طبع كل العرب يبقى شخص واحد في الجليل اسمه سميح القاسم لن يطبع، والذي ينعت الدول العربية بحظائر سايكس – بيكو، ألا يوجد موضوعيا لهذه الزيارات نتائج تطبيعية توازي إن كانت لا تفوق نتائجها التواصلية؟
هذه فقط بعض الأمثلة على إشكالية وحدة التناقض بين التطبيع والتواصل.وهي إشكالية عملية وليست نظرية فحسب.
سوف يبقى التناقض بين التطبيع والتواصل قائما ما دام التناقض الأوسع والاشمل بين دولة إسرائيل والعالم العربي قائما. لذلك يجب إخضاع هذا التناقض الثانوي مهما بلغت أهميته إلى التناقض الرئيسي بين الكيانين العربي والإسرائيلي. التواصل الحقيقي هو ذلك التواصل الذي يواجه التطبيع ويقاومه وليس ذلك الذي يتعايش معه. يجب التضحية بالتواصل الذي يخدم التطبيع بالرغم من كل الاعتبارات العاطفية.

Wednesday, December 22, 2010

رسالة مفتوحة إلى "جيراننا" في عتصمون

رسالة مفتوحة إلى "جيراننا" في عتصمون
علي زبيدات - سخنين

أولا وقبل كل شيْ، أرجو المعذرة لأني لم أستهل رسالتي هذه بالتحية والسلام كما هو مألوف. يبدو أن دوركم قد جاء لكي تدلوا بدلوكم في موضوع العنصرية التي دنست كل بقعة نقية في هذه البلاد، ولكي تشيدوا مدماكا جديدا في صرح العنصرية الذي أصبح يناطح السحاب. فبعد القوانين العنصرية التي اجتاحت الكنيست مؤخرا، من قانون الجنسية وحتى قانون الولاء للدولة اليهودية الديمقراطية، مرورا بباقي القوانين ومشاريع القوانين العنصرية، وبعد الفتوى سيئة الصيت التي بادر إليها 50 حاخاما، جاء دوركم يا جيراننا في مستوطنة عتصمون لكي تنضموا إلى زملائكم وشركائكم في مستوطنات مانوف ويوفيليم ومتسبي أفيف، لكي تستبقوا الأحداث وتعالجوا كوابيسكم ومخاوفكم الوهمية بمنع العرب من السكنى بينكم. فقد تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية خبرا مفاده أن اللجنة المحلية قد تبنت نظما جديدة لقبول سكان جدد في المستوطنة تشترط "الحفاظ على الطابع اليهودي الصهيوني" للمستوطنة. لا أدري إذا كنتم بحاجة لمن يذكركم بأنكم نهبتم الأرض التي تسكنون عليها من أهالي ميعار المهجرين في القرى المحيطة بكم، في سخنين وشعب وكابول وغيرها. وأظنكم تشاهدون كل صباح من شبابيك بيوتكم قبور أهالي ميعار والتي لم تستطع الأحراش التي غرسها "الصندوق القومي اليهودي" من حولكم إخفائها تماما الأمر الذي كما يبدوا يسبب لكم الأرق والهلع.
أريد أن أذكركم، أنتم وباقي المستوطنين في المجلس الإقليمي مسغاف، إنكم قد نهبتم معظم أراضينا وتمارسون سياسة عنصرية لخنق القرى العربية في المنطقة تسمونها سياسة تهويد الجليل. ولكن لا تقلقوا، بل تستطيعون أن تطمئنوا تماما، بأننا لن نترك مدننا وقرانا ونأتي لنسكن بينكم. فالمشاعر بيننا متبادلة. حتى وإن حاول بعض الأفراد ذلك من خلال اللجوء إلى محاكمكم "العادلة" فهؤلاء شواذ وليسوا القاعدة. ولكن ينبغي ألا تنسوا القاعدة أبدا وهي أننا منحناكم الأرض التي تقيمون عليها، وبنينا لكم بيوتكم، قصرنا جدرانها وطليناها بالدهان، بلطنا مصاطبها، زرعنا لكم الجنائن وما زلنا نقلم لكم الأشجار ونروي العشب ونقصه عندما يطول. وعندما تتعطل سياراتكم تسرعون إلى كراجاتنا فنصلحها لكم بتكلفة زهيدة بالمقارنة بكراجاتكم. وعندما تجوعون تأتون إلى مطاعمنا وتتناولون أشهى المأكولات بأرخص الأسعار، أو تأتون للتبضع في أسواقنا الشعبية الرخيصة هربا من الغلاء في مراكزكم التجارية. وغير ذلك الكثير. وعندما تعودون في المساء إلى بيوتكم تظنون إنكم مجبولون من طينة غير طينتنا، تتكبرون علينا وتقرفون منا. ترددون على مسامعنا من غير خجل بأنكم سوف تحافظون على:" القيم الصهيونية" وعلى الدولة كدولة يهودية ديمقراطية. لا أدري ماذا تعنون بالقيم الصهيونية. بالنسبة لنا، نحن سكان هذا البلد الأصليون، فإن هذه القيم لا تعني سوى النهب والتمييز والظلم والعنصرية.
وبكل وقاحة تتكلمون في النظام الجديد الذي تبنته لجنتكم عن التسامح وعن كرامة الإنسان. أي تسامح هذا وأنتم تفرضون حصارا على قرانا العربية أشبه بالحصار الذي تفرضه دولتكم على قطاع غزة؟ وأية كرامة إنسان هذه وانتم تنكرون إنسانيتنا أصلا؟
لقد استغليتم طيبة قلبنا التي وصلت إلى حد الغباء حتى النهاية، فتراثنا العربي يقول: الجار قبل الدار. وقد راقكم قول نبينا العربي الساذج عندما قال:" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه". ولكن ماذا يعني الجار عندما يقوم بهدم الدار؟ أو عندما يقتل جاره ثم يرثه؟
أنا شخصيا تحررت من هذا التراث. بالنسبة لي أنتم لستم أكثر من مغتصبين لا تمتون للجيرة بأية صلة. بالنسبة لي تستطيع جميع المستوطنات في المجلس الإقليمي مسغاف أن تحذو حذوكم. أوليس ما تقومون به هو ما يبرر وجودكم على هذه الأرض؟ لم تعد كذبة التعايش المشترك تنطلي علي. أما حسن الجوار فهو مصطلح لا أفهمه. لا المدرسة ثنائية اللغة ولا المشاريع الحكومية التي تستقطب بعض المنتفعين تستطيع أن تغير هذا الواقع.
العنصريون على كافة أشكالهم سوف يحملون عنصريتهم ويرحلوا.

Wednesday, December 15, 2010

أين مصدر العنصرية الاسرائيلية؟

أين مصدر العنصرية الإسرائيلية؟
علي زبيدات – سخنين

دعونا نبدأ من النهاية. عندما يقول حاخام أشدود المدعو يوسي شاينن، وهو أحد 50 حاخاما وقعوا على عريضة تدعو إلى عدم بيع أو تأجير البيوت للعرب أن مصدر العنصرية هو التوراة (هآرتس 7/12/2010) فقد أجاب على هذا السؤال، فلماذا لا نصدقه؟ بصفته "حاخاما" يعرف كل كلمة مكتوبة في التوراة؟ عندما قال جملته هذه فهو يعرف مصدرها بالضبط: يعرف في أي سفر من التوراة وردت وفي أي إصحاح أيضا. فإذا أصرت الصهيونية بكافة تياراتها على أن تربط نفسها باليهودية، وآخر تقليعة هوسها بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، فلماذا نصر نحن على الفصل بين اليهودية والصهيونية؟ ونصرح بكرة وأصيلا بأننا ضد الصهيونية كأيديولوجية وممارسة ولكننا لسنا ضد اليهودية كدين. إذا كان التوراة مصدرا للعنصرية فيجب علينا بكل بساطة أن نكون ضد التوراة. هذا إذا أردنا مناهضة العنصرية مهما كان شكلها ومهما كان مصدرها.
أنا كنت ولا أزال وبدون تحفظ مع حرية العبادة وحرية المعتقدات . حتى عندما لا أومن بكلمة واحدة بهذه العبادة أو ذلك المعتقد. عالمنا يعج بالديانات والمذاهب والملل والنحل والمدارس اللاهوتية. وقد كنت أظن أنه في ظل الثورة المعلوماتية التي يتميز بها عصرنا فإن عصر الإكراه الديني قد ولى من غير رجعة. فكل المعلومات عن جميع الأديان والمعتقدات أصبحت على مرمى كبسة أو كبستين على الحاسوب. لم يعد هناك ضرورة للحروب الدينية والفتوحات والحملات التبشيرية. في عصر الثورة المعلوماتية أصبح من غير المعقول بل من الجنون حرق الفيلسوف الايطالي جيوردانو برونو أو محاكمة جاليليو أو فرض المقاطعة والحرمان على سبينوزا وذلك بسبب مواقفهم من الأديان والمعتقدات السائدة.
عندما التقي بشخص قادم من الهند لا أسأله، ولا يهمني أصلا أن كان ينتمي إلى الديانة الهندوسية أو البوذية أو السخية أو إلى المسيحية أو الإسلام، بل يهمني أن أعرف موقفه من الفقر في الهند، من الفساد والعنصرية والاضطهاد، الخ. لا يهمني إذا كان الصيني ما زال يدين بالكونفوشيوسية أو البوذية أو الإلحاد، بل يهمني ما هو موقفه من النظام السياسي والاقتصادي القائم في الصين وأوضاع الشعب الصيني في ظل هذا النظام، الخ. ولا يهمني إذا كان الياباني يدين بالشنتو أم بالبوذية وما هي الفوارق فيما بينها. بل يهمني أكثر أن أفهم ماذا يجري في اليابان وما هو دورها في العالم الحديث. ولكن إذا كنت مهتما بالأديان والمعتقدات، وأنا أعترف بأني مهتم بها، عندها ألجأ إلى طريقة الكبسة أو الكبستين على الحاسوب.
لكن حاخامات إسرائيل، الذين وقعوا على العريضة والذين لأسبابهم لم يوقعوا عليها، يصرون على العودة إلى ظلمات العصور الوسطى إلى عصور ما قبل الوسطى ويستعملون التوراة مصدرا لا ينضب لعنصريتهم. فألاه التوراة لا شغل لديه ولا عمل سوى الاهتمام بشعبه المختار، كالأب الذي لا عمل لديه سوى إرضاء طفله المدلل: يغفر له خطاياه كل سنة، ويتجاوز عن جرائمه بل في كثير من الأحيان يشجعه على ارتكابها. وحتى عندما يعاقبه لا يتخلى عنه أبدا، وهو كنسخة قديمة من اللورد بلفور: يعد من لا يستحق بما لا يملك. فعندما يقول حاخام أشدود وغيره من الحاخامات: أن الله وعد شعب إسرائيل بأرض إسرائيل، مثل هذا القول، والممارسة الناتجة عنه لم يعدا مجرد معتقد ديني، بل أصبحا موقفا سياسيا يمسنا جميعا. وأنا أدعو هؤلاء الحاخامات إن كانوا صادقين أن يجدد الله وعده المزعوم هذا أمام أية مؤسسة يختارونها: الأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، أو حتى أمام أية محكمة صلح إسرائيلية بشرط وجود 3 شهود حياديين. وعلى هؤلاء الحاخامات أن يعرفوا لنا ماذا يقصدون ب"شعب إسرائيل" وأن يثبتوا انتمائهم لهذا الشعب وأخيرا أن يعرفوا لنا ما هي حدود "أرض إسرائيل" هذه.
قد يفسر البعض دعوتي هذه بالكفر بكافة الديانات السماوية، فليكن، فالنقاش ليس لاهوتيا ولا فقهيا، وأنا لست بصدد دخول أي نقاش ديني، بل هو سياسي بحت.
حسب رأيي جميع الأديان، وهذا ليس حصرا على الديانة اليهودية، تحمل في أحشائها بذرة عنصرية. فكل معتقد يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ويعتمد على نصوص أزلية لا يمكن تغييرها، في أحسن الحالات يمكن تفسيرها وفهمها بشكل مختلف تحمل مثل هذه البذرة. هذا بحد ذاته أمر طبيعي. فالمعتقدات في نهاية المطاف هي قناعة ذاتية، ولو لم يكن الشخص مؤمنا بصحتها لما آمن بها أصلا. يمكن تحمل مثل هذه العنصرية ما دامت على المستوى الشخصي أو مستوى مجموعة المؤمنين، ولكن لا يمكن تحملها إذا تجاوزت ذلك. من حق اليهودي أن يؤمن بأن الله اختاره من بين الأمم، كما من حق المسلم أن يؤمن بأن الله فضله على العالمين، ولكن ليس من حقهما أن يفرضا هذا الاعتقاد على أحد. والأهم من ذلك لا يحق لهما استعمال هذا الاعتقاد للمس بشخص آخر بأي شكل من الأشكال. حرية الاعتقادات تتطلب بالضرورة حرية اللا اعتقاد أو الاعتقاد المضاد.
لا يمكن فصل عريضة الحاخامات المذكورة عن الجو العام السائد في البلاد. ليس من باب الصدفة أن تحظى بتأييد 55% من السكان اليهود. لا يمكن فصلها عن سياسة هدم البيوت ومنع تصاريح البناء وإغلاق البلدات اليهودية في وجه العرب ولا يمكن فصلها عن القوانين العنصرية التي تسن مؤخرا بالجملة حول المواطنة ولم شمل العائلات والولاء وغيرها. لذلك فإن المعارضين لفظيا لهذه العريضة من داخل المؤسسة الإسرائيلية، ابتداء من الحاخام عوباديا يوسف مرورا برئيس الكنيست وحتى رئيس الدولة ليسوا أكثر من منافقين وديماغوغيين.
النضال من أجل تجفيف مستنقع العنصرية يجب أن يبدأ من مصدرها.

Wednesday, December 08, 2010

الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني بين الحماية الوهمية والتفريط العملي

الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني بين الحماية الوهمية والتفريط العملي.
علي زبيدات – سخنين

من المتفق عليه أن نهج التفريط على الساحة الفلسطينية ليس جديدا. وأن اتفاقيات أوسلو ليست سببا لهذا النهج بقدر كونها نتيجة وتتويجا له. هناك اتفاق واسع على أن نهج التسوية والتفريط أخذ شكلا واضحا ورسميا في عام 1974 عندما تبنت منظمة التحرير الفلسطينية ما يسمى بالبرنامج المرحلي الذي أصبح حجر الأساس لهذا النهج داخل المنظمة ومن ثم السلطة الفلسطينية والذي نص في خطوطه العريضة على التخلي عن مشروع التحرير لصالح مشروع الدولة.
بالطبع لم يترعرع هذا النهج ويتطور حتى وصوله إلى هذه الدرجة المأساوية من غير مقاومة. العكس هو الصحيح. فبعد تبني البرنامج المرحلي قامت التنظيمات الفلسطينية المعارضة بتشكيل ما يسمى بجبهة الرفض. وبالرغم من النوايا الحسنة لبعض هذه التنظيمات ومن مواقفها المبدئية إلا أن هذه المحاولة قد باءت بالفشل. ولعل أهم أسباب هذا الفشل هو غياب الرؤية الواضحة،العجز عن تقديم بديل ثوري جذري لنهج التسوية، عدم مصداقية بعض الإطراف التي كانت تغير مواقفها بين عشية وضحاها، وفقدان الجرأة لقطع العلاقات السياسية مع رموز نهج التسوية، بالإضافة إلى أسباب عديدة أخرى لا مجال للخوض فيها هنا. أذكر في هذه المناسبة، على سبيل المثال لا الحصر، الموقف الوسطي الذي اتخذته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الفصيل الأكبر في منظمة التحرير بعد منظمة فتح، بالاكتفاء بتجميد عضويتها في اللجنة التنفيذية وتابعت نشاطها في المجلس المركزي والمجلس الوطني مما منح القيادة المتنفذة التي تقود نهج التفريط غطاء وطنيا.
عندما قررت نهج التسوية لانتقال إلى مرحلة جديدة من تطورها من خلال الاعتراف بقرار 242 وإدانة الإرهاب ومن ثم الاعتراف بدولة إسرائيل، وتغطية انتقالها هذا بالإعلان عن قيام "الدولة المستقلة" في الجزائر والترويج لوثيقة الاستقلال في محاولة بائسة لتقليد وثيقة الاستقلال الصهيونية، قامت هذه التنظيمات مرة أخرى بمحاولة جديد للجم نهج التسوية. إلا أن هذه المحاولة للأسباب نفسها ولأسباب جديدة أخرى باءت بالفشل الذر يع. وهكذا نضجت الظروف لاتفاقيات أوسلو التي كانت بمثابة الانتصار شبه النهائي لنهج التفريط داخل منظمة التحرير الفلسطينية. منذ ذلك الحين وحتى اليوم أصبح باقي القصة معروفا للجميع.
مؤخرا زفت لنا وسائل الإعلام بشرى جديدة عن تحرك جديد على الساحة الفلسطينية يحمل اسما طويلا بعنوان:" الهيئة الوطنية لحماية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني" وككل فلسطيني يهتم بالقضية الفلسطينية تابعت بعض نشاطاتها التي نشرت في وسائل الإعلام الفلسطينية. ويبدو أن هذه المبادرة منذ البداية لم تستطع تخطي الدائرة الفلسطينية ومن هنا غابت تقريبا عن الإعلام العربي والدولي. وحالا بعد قراءتي لبعض البيانات الصادرة عن هذه الهيئة تذكرت المحاولات السابقة لمواجهة نهج التسوية والتفريط. لم أفاجأ هذه المرة بأننا لم نتعلم شيئا من التاريخ وقد بدت الصورة واضحة: فشل هذه المبادرة يبرز من بين السطور والكلمات والشعارات. ما عدا الشعارات المألوفة ضد التفريط بالثوابت، ضد المفاوضات ومع حق العودة وإقامة الدولة المستقلة، لم ألمس أية رؤيا جديدة، أية انطلاقة ثورية جديدة. مجرد كلام يلف ويدور حتى يبدو المبادرون أنفسهم وكأنهم ضائعون تائهون: هل هم بصدد تنظيم سياسي جديد أم هم بصدد إطار شعبي لا علاقة تنظيمية له بالفصائل القائمة.
لم يعد التباكي على منظمة التحرير الفلسطينية يجدي فتيلا. لا يوجد هناك منظمة تحرير أخرى سوى تلك التي يسيطر عليها تيار التسوية في السلطة. الكلام عن تحرير المنظمة من قبضة هؤلاء وإعادة ترميمها ليس أكثر من وهم. الميثاق الوطني الفلسطيني تم تغييره ودفنه والدعوة إلى إعادته لم تعد سوى مفارقة. الكلام المجرد عن المقاومة والاكتفاء بالتنظير لم يعد كافيا لمواجهة نهج التسوية والتفريط. إننا بحاجة إلى انطلاقة جديدة، إلى هيئة تأسيسية تقيم تجربة النضال الفلسطيني منذ عام النكبة وحتى اليوم وتجرؤ على اتخاذ قرارات حاسمة بما فيها ضرورة قيام منظمة تحرير جديدة وميثاق وطني جديد.
لم ألمس من المبادرين بإقامة "الهيئة الوطنية لحماية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني" المقدرة أو حتى الرغبة بالقيام بهذه المهمة. وجاء التأكيد على بأسرع مما كنت أتوقع، حيث دب الخلاف بين المبادرين فمنهم من أعلن انسحابه ومنهم من غاب عن الساحة لأسباب لا يعلمها أحد. هذا بالإضافة إلى عدم مصداقية بعض المشاركين والممارسات التنافسية الأنانية والخاطئة وخدمة أجندات شخصية. لا أدري كيف يمكن حماية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني من بلد يصرح بأن خيار السلام مع إسرائيل هو خيار استراتيجي ويحافظ على حدود آمنة بينهما. ولا أدري كيف يمكن حماية هذه الحقوق من خلال الدعوة إلى إسقاط اتفاقيات أوسلو وفي الوقت نفسه التشبث بسلطة أوسلو؟ ولا أدري كيف يمكن الحفاظ على هذه الحقوق الثابتة من خلال الكنيست الإسرائيلي كعضو سابق أو حزب راهن؟
هذه المحاولات البائسة ليس فقط أنها أعجز من لجم نهج التسوية والتفريط بل تزيد من شراسته، وليس فقط أنها أعجز من حماية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني بل تساهم في ضياعها.
حماية "الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني" هي مهمة الجماهير العربية جميعا من خلال حركة تحررية ثورية على صعيد العالم العربي.



Saturday, December 04, 2010

The king is naked

The king is naked
by Ali Zbeidat – Sakhnin

Israel considered to be a regional super power and even in eyes of others is a super power on world level. Now one can ignore or deny the military power of Israel. During its short life it engaged in many wars against the Palestinians and the surrounding Arab states mostly achieved big victories. It's long hand arrived to Bagdad in 1981 destroying a nuclear central. Before that this hand arrived to Entebbe in Uganda, and many places around the world. Now a days Israel declares openly to everybody who likes to listen that it can attack Iran without any help and burry under the ground all the Iranian nuclear project. This small country talks and behave as a superpower indeed.
But how such a super power stands stands so weak and powerless in front of the fire on the Carmel mountain? And shameless it asks the help of small and poor countries such as Cyprus and Greece? Unbelievable, isn't it?
Israel owns the strongest air force in the whole region, it has 620 F15 and F16 and F35 war planes and unknown number of other war planes. But it has only 7 mall and old fire planes. It has thousands tons of all kind of bombs and missiles and other explosive materials, some of it forbidden according international law and it was used recently in Lebanon and Gaza. but it has only 200 tons of extinguishing fire material which was finished after 7 hours. Although Israel is a small country but it has a huge army of 400,000 soldiers, and in times of emergency almost the whole population can became an army, but it has only 1500 firemen.
In this situation became understandable how this superpower stood powerless and helpless in front of the fire on the Carmel. But this is not all. Corruption and bureaucracy played also an important role. The Fire Service received the first warning at 11:15 AM when the fire was still limited to small area, but the fighting against the fire began only 2 and a half hours later. With small group of firemen only. Because of the bureaucracy it took more hours to bring more firemen from other stations. But it was too late: the wind and the fire were in hurry.
The next step was taken by the politicians. Prime minister Netenyahu, president Peres, interior minister Yeshay, other ministers and members of the Knesset came all of them to praise the spirit of sacrifice and the divine heroism of the firemen. But actually they came to find alibi for their guilt and look for excuses to get rid of responsibility.
Interior minister, Yeshay, who's the direct responsible for the fire service was busy all his time with bringing new racist laws to the Knesset how to stop unifications of Palestinian families, and how to be faithful to Israel as “democratic Jewish” state, how to deport children of foreign workers and how to get more money for his party Shas institution. Fire service was neglected.
More and more voices accuse these politicians with this criminal failure. But no one of them, who's ready to burn gaza strip or burn the whole region with a war dare to take the responsibility for this crime.
As usual they used their super racist attitude to find the guilty somewhere else. The media, the police, the political parties, began to talk about Palestinian terrorist who could set the fire for so called “nationalistic” reasons. What a shame. They forgot that the Carmel mountains are for us, there we have history, life and culture. The Carmel like the Galilee, the Triangle, the Negev are all parts of palestine. The Jewish National Fund (JNF) stole them from us and we demand them back, but we want them back green and beautiful as always they been.
The Israeli leaders play in fire not only in Carmel mountains put also in war fire in the region. If we don't stop them the will burn not only their own hands but all of us.

Wednesday, December 01, 2010

متى سيكون لدينا "ويكيليكس" عربي؟

متى سيكون لدينا " ويكيليكس" عربي؟

علي زبيدات – سخنين

شهد الأسبوع الأخير ثلاثة أحداث ألقت بظلالها الثقيلة على منطقتنا: الانتخابات البرلمانية المصرية، يوم "التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني" ونشر تسريبات مئات آلاف البرقيات الأمريكية المصنفة سريا في موقع ويكيليكس. للوهلة الأولى تبدو هذه الإحداث الثلاثة منفصلة، لا تربطها أية صلة مع بعضها البعض فكل منها يتعلق بجانب يبدو بعيدا عن الآخر. قد يكون ذلك صحيحا نسبيا إذا حكمنا على مظاهرها الخارجية. ولكن حقيقة الأمر تبدو عكس ذلك تماما إذا ما سبرنا عمق العلاقة التي تربط هذه الإحداث مع بعضها البعض. إنها جميعها إفرازات للنظام الامبريالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والذي وصل إلى أوج تعفنه وفساده وجعل من مهمة تغييره مسألة عملية.

أبدأ بما يسمى بيوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني الذي أحيته مؤخرا الأمم المتحدة وبعض الفعاليات الفلسطينية والعربية والدولية. في 29 نوفمبر 1947 أصدرت الأمم المتحدة قرارها الشهير المعروف بقرار التقسيم، قرار 181. وبذلك جردت الشعب الفلسطيني من وطنه ومنحته هدية لحركة كولونيالية رجعية أقامت عليه دولة إسرائيل. هذه الجريمة التي ارتكبتها الأمم المتحدة بتركيبتها التي لم تتغير جذريا منذ ذلك الوقت وحتى اليوم لا مثيل لها في التاريخ البشري. لأول مرة تقوم هيئة تدعي أنها جاءت للحفاظ على السلام العالمي بتجريد شعب من وطنه وتقيم على أنقاضه دولة لا يمكن أن تعيش إلا من خلال الحروب. معظم جماهير الشعب الفلسطيني رفضت هذا القرار الجائر وقاومته بإمكانياتها المحدودة جدا وخسرت المعركة. لا يغير من هذه الحقيقة قيد أنملة وجود فئة ضئيلة قبلت بهذا القرار وادعت فيما بعد إنها تنبأت بالمستقبل وإنها هي حاملة شعلة الوطنية، حتى عندما تبنت نظرتها أغلبية الأحزاب والمنظمات الفلسطينية التي تفتقد للعمق الجماهيري. ذرا للرماد في عيون الفلسطينيين أصدرت الأمم المتحدة المسيطر عليها امبرياليا وصهيونيا في عام 1977 وفي تاريخ قرار التقسيم نفسه: 29 نوفمبر قرارا بجعل هذا اليوم يوم تضامن دولي مع الشعب الفلسطيني. وكان الهدف من إصداره في ذلك الوقت بالذات أمرين: الأول، محو ذكرى قرار التقسيم من الذاكرة الجمعية الفلسطينية بعد تحويله إلى يوم "تضامن" أجوف فارغ من أي محتوى. والثاني، هو تمهيد الطريق أمام منظمة التحرير الفلسطينية للانخراط بمشاريع التسوية التي قامت على قدم وساق في حينه. صورت معظم التنظيمات "الفدائية" هذا القرار بأنه انتصار للحقوق الفلسطينية الثابتة والغير قابلة للتصرف. من غير الدخول في جدالات عقيمة أتساءل فقط: ماذا حققت 33 سنة من "التضامن الدولي" غير التفريط بالمزيد من الثوابت الوطنية واعتبار مثل هذه الترهات والقرارات الجوفاء شرعية دولية؟

في الأسبوع الماضي كتبت أن مصر وليس فلسطين هي الساحة الحقيقية للتغيير الثوري في المنطقة. لأن مصر هي البلد الوحيد الذي يمتلك من الطاقات الكمية والكيفية ما تجعله المناسب لقيادة النضال ضد الامبريالية والصهيونية. في الوقت نفسه قلت أيضا أن الانتخابات المزورة ليست هي الطريق لمثل هذا التحول الثوري. وقد رأينا جميعا مهزلة الانتخابات "الديمقراطية" وما أفرزته من نتائج. مصر تستحق أكثر من أن تبقى رهينة الصراع بين الحزب "الوطني" الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين وتحت الهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية. تاريخ الشعب المصري الثوري لا يخفى على أحد، يكفي أن نذكر هنا النضال الطويل الذي خاضه الشعب المصري ضد الاستعمار الانجليزي والفرنسي والصهيوني. لقد أوضحت تسريبات البرقيات الأمريكية أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تكن أي احترام لحلفائها وعملائها في المنطقة، تتعامل معهم بمعياريين وتتكلم معهم بلغتين. وعندما تهتز الأرض تحت أقدامهم سوف تكون عاجزة حتى عن حمايتهم كما عجزت عن حماية شاه إيران.

التسريبات التي نشرها موقع ويكيليكس في غاية الأهمية بلا شك. ولكنها في الواقع لم تأت بشيء جديد. من منا يستطيع أن ينكر تواطؤ سلطة رام الله مع إسرائيل في حربها الأخيرة في غزة؟ ومن منا لا يعلم بالحلف "المعتدل" من الأنظمة العربية التي تقف مع أمريكا وإسرائيل ليس بخصوص النزاع مع إيران فحسب بل في لبنان وفلسطين أيضا. أهمية هذه التسريبات تتلخص بمقولة: من فمك أدينك. لم تعد القضية قضية تحليلات سياسية ومواقف لقوى معارضة لها علاقة بما يسمى بالإرهاب الدولي. إنها وثائق رسمية صادرة عن متخذي القرارات. بالرغم من الكم الهائل للبرقيات المتسربة فإن الكم الأكثر ما زال يقبع في أقبية وحواسيب المخابرات المركزية الأمريكية ووزارة دفاعها وخارجيتها. وهي تمس كل واحد منا مهما وأينما كان موقعه. اليوم حتى المواطن الأمريكي العادي يحتج على انتهاك خصوصيته وكرامته الإنسانية في المطارات الأمريكية وغيرها من المواقع. ما ينقصنا في الوطن العربي هو موقع مشابه يتحلى بالشجاعة يقوم بتسريب بعض أسرار الملوك والرؤساء العرب خصوصا أولئك الذين يتسربلون بعباءات الوطنية والسهر على مصلحة شعوبهم.

دحر هذا النظام العالمي هو مهمة إنسانية شاملة، وهذا ليس مجرد شعار للاستهلاك، بل هو حقيقة يؤكده تنامي النضال التحرري في جميع أرجاء العالم.

Wednesday, November 24, 2010

نهاية الوهم الفلسطيني

نهاية الوهم الفلسطيني

علي زبيدات – سخنين

في الماضي، كنا نعلل أنفسنا بأننا حركة تحرر وطني تخوض نضالا ضد الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية أطلقنا عليها مجازا اسم "الثورة الفلسطينية". وكنا ندعي بكل صلف وغرور بأن حركتنا الوطنية هذه هي طليعة حركة التحرر العربية وطالبنا الشعوب العربية وأنظمتها أن تحشد جميع طاقاتها لخدمة قضية العرب الأولى ألا وهي تحرير فلسطين من براثن الصهيونية.
بعد مرور فترة قصيرة من ضياع فلسطين تبين إننا لا نملك حركة تحرر وطني ولا يحزنون. وإن الثورة التي طبلنا لها وزمرنا لم تكن في أحسن الحالات أكثر من مقاومة متواضعة فرضها الواقع المؤلم نتيجة لنهب الأرض والتشريد في عام النكبة. مجرد اعترافنا الرسمي بدولة إسرائيل تخلينا بمحض إرادتنا عن تحرير 78% من فلسطين. أما ال22% المتبقية فيتم التفاوض حولها، وبما إننا كرماء وإسرائيل تستأهل يمكن أن نتنازل عن بعض نسبة مئوية أخرى. أما كلامنا السابق عن النضال ضد المعسكر الامبريالي العالمي فقد لحسناه تماما بع أن حولناه إلى تعاون وتحالف، كيف لا وهذا المعسكر يمللك 99% من أوراق حل القضية؟ وتعبيرا عن حسن نوايانا فقد عينا موظفا من بنك إمبريالي رئيسا لحكومتنا الوطنية. وجلبنا أحد الجنرالات الامبرياليين لكي يدرب " فدائيينا" ولكن هذه المرة ليس من أجل القيام بعمليات فدائية في عمق إسرائيل بل من أجل حمايتها.
أما بالنسبة لاعتبار حركتنا الوطنية طليعة حركة التحرر الوطني فقد كفرنا عنه بانضمامنا إلى معسكر المعتدلين العرب. حلفاؤنا اليوم هم الملوك والرؤساء والأمراء العرب الذين يجثمون على صدور شعوبهم. شطبنا من قاموسنا مصطلح الرجعية العربية واستعضنا عنه بمصطلح "المرجعية العربية" بعد انطلاقة مبادرة السلام العربية التي بالرغم من تفاهتها تدوسها أقدام الإسرائيليين والامبرياليين على مختلف جنسياتهم.
بالرغم من ذلك ما زلنا نعيش وهم حركة التحرر الوطني أو ما يسميه المتفائلون منا بالثورة الفلسطينية. لقد آن الأوان أن نستفيق من هذا الوهم الذي هو ليس أكثر من مزيج من أحلام اليقظة والكوابيس. الاستفاقة من هذا الوهم تحتم تحطيم الأصنام التي نعبدها، ونحر بقراتنا المقدسة على مذبح الحقيقة. الاستفاقة من هذا الوهم تحتم انطلاقة فكرية وسياسية جديدة.
أولا وقبل كل شيء يجب أن نعترف أن فلسطين ليست مركز العالم حتى إنها ليست مركز المنطقة. لم تكن فلسطين على مر العصور أكثر من إقليم، مقاطعة، ولاية، سنجق، من منطقة أوسع كانت تسمى وما زالت تسمى بلاد الشام، وهي بدورها جزء من منطقة أوسع تمتد من الهلال الخصيب حتى وادي النيل. الشعب الفلسطيني الذي عاش في هذا الإقليم كان هو الآخر على مر العصور جزءا لا يتجزأ من شعوب هذه المنطقة. قامت في هذه المنطقة قديما وحديثا حضارات إنسانية عديدة واندثرت، قامت إمبراطوريات وممالك ودول وزالت، بعضها كانت تفرض سيطرتها على المنطقة بكاملها وبعضها كان يستفرد بالسيطرة على هذا الإقليم أو ذاك أو على بعض الأقاليم لفترة من الزمن. حسب معلوماتي لم تكن فلسطين في يوم من الأيام كياننا سياسيا منفردا ومستقلا. مثلها مثل باقي الأقاليم. في العصور القديمة والحديثة كانت جزءا من دولة عاصمتها إما في الحجاز أو دمشق أو بغداد أو مصر أو اسطنبول. بعض المؤرخين يشيرون إلى فترة حكم ظاهر العمر بأنها الفترة الوحيدة التي تمتع فيها هذا الإقليم ببعض الاستقلال السياسي. ولكن هذا أيضا حدث في إطار صراع داخل الدولة العثمانية ومع أقاليم أخرى من صدا وحتى دمشق.
عندما كانت فلسطين أو أي إقليم آخر يقع تحت نير الاحتلال الأجنبي كانت مسؤولية تحريرها تقع على عاتق باقي الأقاليم حسب ميزان قوتها. صلاح الدين الأيوبي هو خير مثال على ذلك عندما حررها من الصليبين.
الدول العربية الحديثة ليست سوى إفرازات للتوافق الانجليزي الفرنسي أطلقنا عليها في حينه: حظائر سايكس – بيكو. لكننا في الواقع تهافتنا عليها وقبلناها بالأحضان نحيي ذكرى "استقلالها" كل عام.
لقد آن الأوان أن نعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي، إلى وضعها الطبيعي: فلسطين هي جزء لا يتجزأ من بلاد الشام وارض الكنانة وهي التي كانت دائما تتولى قيادة الحركة الوطنية. سكان فلسطين عاجزون ماديا وتاريخيا عن القيام بمثل هذه المهمة. لا يوجد عندنا عنصر بشري كاف للقيام بهذه المهمة. التحولات الكمية لا يمكن أن تتحول إلى تحولات كيفية، لسبب واحد على الأقل وهو انه لا يوجد هناك كم أصلا. عندما نقول مصر هي أم الدنيا نتكلم عن وجود أكثر من 80 مليون إنسان وهذا بحد ذاته أكبر ضمان لتحول التراكمات الكمية في النضال إلى تحولات كيفية. بلاد الشام هي الأخرى تملك طاقات كمية تستطيع أن تتحول إلى طاقات كيفية تغير وجه المنطقة. جريمتنا التي لا تغتفر هو تمسكنا بالوهم القائل أن حركة التحرر الفلسطينية هي طليعة حركة التحرر العربية وأن "الثورة" الفلسطينية هي طليعة الثورة العربية. كلام فارغ: الثورة في مصر أو في سوريا هي أهم بما لا يقاس من أية أوهام عن ثورة في فلسطين. اليوم تقف مصر أمام انتخابات برلمانية، وهذه الانتخابات بالطبع لن تجلب أية تغييرات كيفية. ما زال الحزب "الوطني" الحاكم قادرا على تزييف إرادة الشعب، لكن مصر حبلى بالتغيرات الثورية. تصوروا ثورة منتصرة في مصر كيف سوف تغير وجه التاريخ؟. الثورة في سوريا هي الأخرى أهم من الثورة في فلسطين بما لا يقاس. والشعب السوري يمتلك الكم الذي قد يتحول إلى كيف. ثورة ظافرة في سوريا لن تطالب بتحرير الجولان المحتل فحسب بل بتحرير كل شبر من بلاد الشام. على المناضلين الفلسطينيين أن يتخلوا عن غرورهم المصطنع ويعودوا إلى الأصل، ينخرطوا بل ينصهروا بحركات التحرر في مصر وسوريا على وجه الخصوص. يجب التخلص نهائيا من سياسة "عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية" التي مارستها منظمة التحرير لفلسطينية لفترة طويلة واستعملتها وسيلة للارتماء في أحضان الامبريالية والرجعية. لعل أكبر خطأ ارتكبه جورج حبش ورفاقه على الساحة الفلسطينية كان إقامة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدلا من العمل على تطوير حركة القوميين العرب لكي تصبح نواة لثورة عربية شاملة. هذه الخطوة سببت تشرذم الحركة وسقوطها في مستنقع القطرية حتى انحلالها حتى في الأماكن التي حققت فيها انتصارات كاليمن الجنوبي.
يجب على الوهم الفلسطيني أن يخلي مكانه أمام الحلم العربي.

Wednesday, November 10, 2010

في الذكرى السادسة لاستشهاد ياسر عرفات

في الذكرى السادسة لاستشهاد ياسر عرفات – هل بكيتم على عمرو؟؟
علي زبيدات – سخنين

لقد كتب الكثير عن الشهيد ياسر عرفات، عن حياته، نضاله واستشهاده. ومما لا شك فيه أن المزيد سوف يكتب عنه خصوصا وأنه أخذ من الإسرار في مماته أكثر مما أبقاه في حياته. لم أكن في يوم من الأيام من أنصار ياسر عرفات. لم أعتبره رمزا، مع انه كان رمزا رغما عن أنفي وأنوف جميع من عارضوه. ولم أعتبره أب الأمة مع أنه في الحقيقة كان الجد والأب والأخ في شخص واحد، وإلا كيف أصبحنا بعد رحيله أشبه بالأيتام على طاولة اللئام.
ولكني في هذه المناسبة أجد نفسي أردد القول العربي المأثور: دعوت على عمرو فمات فسرني وعاشرت أقواما بكيت على عمرو.
هل بكيتم أنتم أيضا على عمرو؟؟
كان ياسر عرفات أول من فرض نهج التسوية الذي بدأ يتدحرج ككرة ثلج صغيرة حتى أصبح اليوم كتلة مخيفة سحقتنا جميعا. الولادة الرسمية لهذا النهج خرجت إلى الحياة مع تبني ما يسمى بالبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تم تبنيه في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1974. شكل هذا البرنامج نقطة تحول في القضية الفلسطينية من مشروع التحرير لكامل التراب الفلسطيني إلى مشروع إقامة الدولة على أية بقعة يتم "تحريرها" المقصود انسحاب الاحتلال منها عن طريق المفاوضات. لم يكن تبني مثل هذا البرنامج في تلك الفترة من باب الصدفة، حيث دخلت المنطقة بأسرها بعد حرب 1973 التحريكية إلى حمى المفاوضات المباشرة مع اسرائيل. فكان مؤتمر جنيف، وكانت جولات كيسنجر المكوكية. بينما جلس أبو عمار ينتظر الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر، وكان لا بد من قرار فلسطيني يفتح بابا للمشاركة فجاء هذا البرنامج ليلبي الطلب. غير أن الدعوة لم تأت. لأن الطرف الإسرائيلي – الأمريكي لم يكن معنيا والطرف العربي "المنتصر" هو الآخر لم يكن معنيا. النتيجة كانت إنفراد السادات بالمفاوضات والتوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من معادلة الصراع.
أفرز البرنامج المرحلي، على الساحة الفلسطينية، تشكيل جبهة الرفض المثيرة للشفقة. والتي بدلا من إيقاف كرة الثلج عملت على تسريعها وذلك بقبولها قيادة اليمين الفلسطيني وهيمنته على منظمة التحرير.
عندما أعلن أنور السادات أمام أعضاء مجلس الشعب المصري عن عزمه زيارة القدس المحتلة بحثا عن "السلام" كان أبو عمار يجلس في الصف الأول من المجلس وكان من بين المصفقين للرئيس. ولكن كما هو معروف، خذل السادات أبا عمار مرة أخرى. فبعد أن تخلى السادات عن دور مصر التاريخي مقابل الحصول المشروط على سيناء، لم يستطع أن يقدم لأبي عمار أكثر من حكما ذاتيا هزيلا لا يغني من جوع ولا يؤمن من خوف.
رفض أبو عمار الحكم الذاتي على طريقة كامب ديفيد، ولكنه لم يفقد الأمل من خيار التسوية. وشن حملة سلمية ترأسها أشخاص من الصف الثاني وبعض ممثلي منظمة التحرير في العواصم الأوروبية: عصام سرطاوي، سعيد حمامي، عز الدين قلق. وقوى يسارية إسرائيلية: أوري أفنيري، لوبا الياف وغاصوا في حوارات لم يعرف أول من آخر. هذه الحوارات لم تتمخض إلا عن المزيد من البلبلة والتمزق على الساحة الفلسطينية وتوسيع دائرة الفساد. فبينما كانت المخابرات الإسرائيلية منهمكة في اغتيال المناضلين الحقيقيين في أوروبا مثل وائل زعيتر، محمود الهمشري، باسل الكبيسي وفي لبنان: غسان كنفاني، كمال عدوان، كمال ناصر وغيرهم الكثيرين في أماكن أخرى، كان الآخرون في مكاتب منظمة التحرير يعيثون فسادا مثل نمر حماد في روما الذي أصبح مستشارا رفيعا لرئيس السلطة محمود عباس، وعبد الله فرنجي في ألمانيا ألذي كان يتجسس على الطلاب الفلسطينيين لصالح المخابرات الألمانية، كما أكد لي شخصيا في حينه بعض الطلبة الناشطين، بالإضافة إلى حمامي وقلق في لندن وباريس الذين قتلا بسبب علاقتهما مع الإسرائيليين.
هذه الفترة توجت بخطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة في جنيف عام 1988، حيث وعد إذا ما لبى الشروط الأمريكية بفتح حوار مباشر مع الإدارة الأمريكية. وقد كانت عدة وفود تمثل الأحزاب العربية الإسرائيلية حاضرة إثناء الخطاب وكنت أنا أيضا موجودا ولكن بصفة شخصية. في هذا الخطاب قام أبو عمار ولأول مرة بتلبية الشروط الأمريكية وهي الاعتراف بفرار 242 وإدانة جميع أشكال الإرهاب وسط تصفيق مدوي من جميع الحاضرين الأمر الذي أفقدني أعصابي فصرخت بوقاحة أذهلت الحاضرين عندما وصفت أقوال عرفات بالكذب وأن الشعب الفلسطيني يرفض قرار 242 وقد قدم آلاف الشهداء لإحباط هذا القرار وأن النضال الفلسطيني ليس إرهابا.
في أعقاب هذا الخطاب وافقت الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ريغان بفتح حوار مباشر مع منظمة التحرير. وهذا الحوار بدوره عزز نهج التسوية وأصبح الرجوع إلى إستراتيجية المقاومة والتحرير مستحيلا. وكان إعلان "الاستقلال" في الجزائر محطة على طريق التسوية والتفريط بالثوابت وليس كما يظن البعض، انتصارا وطنيا وانجازا سياسيا.
وصلت مسيرة التسوية والتفريط التي قادها أبو عمار ذروتها في اتفاقيات أوسلو. ولكنه هنا لم يكن وحيدا وربما لم يكن اللاعب الأساسي أصلا في هذه الصفقة، فقد كان محمود عباس هو المهندس الرئيسي لهذه الاتفاقيات. مجريات الأحداث فيما بعد تعزز صحة هذه الفرضية.
بعد 7 سنوات من التوقيع على اتفاقيات أوسلو وبعد تقديم التنازلات الواحد تلو الآخر والتفريط بالثوابت الوطنية. فاجأنا أبو عمار بأنه ما زالت لديه خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها وأنه ما زال يملك فرامل تعمل بصورة جيدة. فقام بفضح كذبة العرض السخي جدا الذي قدمه رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود براك في مفاوضات كامب ديفيد الثانية. وانه لن يقبل أن يكون منسقا أمنيا لدى قوات الاحتلال الصهيوني وأكثر من ذلك فقد أكد أن خيار المقاومة لم يدفن نهائيا وإن كلفه ذلك دفع ثمن باهظ. لقد أنقذ أبو عمار في استشهاده، أولا وقبل كل شيء، تاريخه النضالي، تراثه وسمعته الوطنية.
ولكن أخشى أن يكون ذلك قد جاء متأخرا ولم يعد بالإمكان إيقاف كرة الثلج المتدحرجة. وقد بدا واضحا أن الذين إستورثوا أبو عمار لا يملكون أية خطوطا حمراء وفراملهم معطلة تماما.
تستحق يا أبا عمار في الذكرى السادسة على رحيلك أن نذرف دمعة صادقة على ضريحك تختلف عن دموع التماسيح التي سوف يسكبها من يدعون مواصلة مسيرتك.

Wednesday, November 03, 2010

صفقات الإدعاء - انتصار على الذات

صفقات الإدعاء – انتصار على الذات
علي زبيدات – سخنين

لست محاميا. ولست خبيرا في القضاء الإسرائيلي أو غيره. ولكني لا أعتبر هذا سببا كافيا لكي أحجم عن الكتابة في هذا الموضوع، الظاهرة الخطيرة التي تسمى في لغة القانون: "صفقات إدعاء". مما شجعني على الكتابة في هذا الموضوع هو علمي أن بعض المحامين الملتزمين والخبراء في القضاء الإسرائيلي ينتقدون هذه الظاهرة التي أصبحت نهجا، طريقة عمل، إستراتيجية يلجأ إليها محامو الدفاع بشكل جارف لإنهاء المحاكمة بصفقة يكون المتهم فيها هو الضحية الأساسية. لكن للأسف لا يعبر هؤلاء المحامون والخبراء في القضاء عادة عن أفكارهم إلا داخل حلقات خاصة ولا يخرجون بها إلى الملأ عبر وسائل الإعلام. هذه المقالة ليست سوى محاولة لطرح هذه المسألة الخطيرة للنقاش على المستوى المهني وعلى المستوى الشعبي.
بالرغم من أن الصفقة التي أعلن عنها مؤخرا بين طاقم دفاع أمير مخول والنيابة العامة كانت السبب المباشر لكتابة هذه السطور، إلا أن الكلام لا يدور عن هذه الصفقة بالذات بل عن الصفقات بشكل عام وعن نتائجها وإسقاطاتها على العمل السياسي الوطني. فقد سبق هذه الصفقة صفقات أخرى تركت طعما مرا في أفواه جميع من تابعوها. أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض الصفقات التي أبرمت في الآونة الأخيرة والتي دفع ثمنها الباهظ مناضلونا : الشاب أنيس صفوري حكم عليه ب14 سنة سجن في إطار صفقة ادعاء. الرفيق حسام كناعنة يدفع 10 سنوات من حياته ثمنا لمثل هذه الصفقة. الشاب راوي سلطاني حكم عليه ب6 سنوات سجن على تهم ما انزل الله بها من سلطان. السبب الأساسي في قبول هذه الصفقات كما عبر عنه مؤخرا المحامي حسين أبو حسين لوسائل الإعلام هو:" القبول بأهون الشرين في ظل الظروف السياسية والقضائية السائدة في إسرائيل". ولكن حسب رأيي السبب هو الرضوخ للابتزاز الذي تمارسه النيابة العامة والجهاز القضائي على المتهم وعلى طاقم دفاعه.
لم أطلع على لائحة التهام الأصلية أو المعدلة لأمير مخول أو باقي المناضلين المذكورين. ولكن الصورة أصبحت واضحة: بعد الحصول على الاعترافات بأساليب غير مشروعة يتم تسليمها للنيابة العامة التي تترجمها إلى لائحة اتهام خطيرة ومبالغ بها إلى حد اللامنطق. فمخالفة بسيطة، ولنفرض المشاركة في مظاهرة شهدت بعض المواجهات بين المتظاهرين والشرطة، يتم ترجمتها في لائحة التهام إلى تسعة أو عشرة بنود منها: 1) مهاجمة شرطي بظروف خطيرة. 2) التسبب بأضرار عن سابق إصرار. 3) هجوم يسبب إصابة ملموسة. 4) عرقلة شرطي في حالة تأدية عمله. 5) مشاغبة ينتج عنها ضرر. 6) تجمهر ممنوع. 7) تخطي الحدود لعمل مخالفة...... الخ. الخ. هذا بالإضافة إلى عشرات الشهود (معظمهم من رجال الشرطة). بينما المتهم المسكين لم يعمل شيء سوى انه شارك في مظاهرة مرخصة في دولة تعتبر نفسها ديمقراطية. وعند بدأ المحاكمة، أو حتى قبلها وخلالها، تبدأ المفاوضات للتوصل إلى صفقة إدعاء. هنا تعرض النيابة العامة كرمها الزائد، فهي على أتم الاستعداد لشطب بعض البنود وحتى معظم البنود، المهم في هذه الحالة الحصول على إدانة. هذا ما تصر عليه النيابة العامة: الإدانة أولا والإدانة أخيرا. العقاب يصبح ثانويا: سنة أكثر سنة أقل، أو بضع سنين أكثر أو بضع سنين أقل، هذا قابل للتفاوض عليه حتى التوصل إلى صفقة ترضي جميع الأطراف، أو تقريبا جميع الأطراف. عادة المتهم، وهو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة هو الذي يخرج غير راض. من مصلحة القضاة عادة الموافقة على صفقة الادعاء وذلك لتوفير وقت المحكمة بعد الاعتراف بالتهم التي تم الاتفاق بشأنها. النيابة العامة من جهتها حققت ما تريده وهو الحصول على إدانة. أما طاقم الدفاع، يستطيع أن يخرج إلى الملأ ويقول: لقد حصلنا على عقوبة مخففة. وهكذا يخرج الجميع سعداء. المتهم وحده يدخل السجن بدون محاكمة أصلا. أليست هذه مفارقة غريبة عجيبة؟
حسب وسائل الإعلام، تم شطب البند الأخطر في لائحة أمير مخول حول:"مساعدة العدو أبان الحرب" ولكنها أبقت بنود أخرى لا أدري كم تقل خطورتها عن البند المشطوب مثل: "التآمر لمساعدة العدو أبان الحرب" والتجسس، والتجسس الخطير، والاتصال بعميل أجنبي. فإذا كنا متفائلين سوف يقضي أمير السنوات السبع القادمة في السجن أما إذا كنا متشائمين فإنه سوف يقضي عشر سنوات. أليست هذه مأساة؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لو استمرت محاكمة أمير حتى النهابة ولم يتم "توفير" زمن المحكمة بل على العكس تم "تبذيره" إلى أقصى حد لمناقشة التهم الموجهة إليه حتى آخر تفاصيلها، وتمت فضح أساليب المخابرات في التحقيق وانتزاع الاعترافات، وبالتوازي استمرت الحملة الشعبية والدولية للدفاع عنه، هل سيتم فرض عقوبة تزيد عن 10 سنوات؟
لقد نفست هذه الصفقة الهواء من أشرعة سفينة المدافعين، وأنقذت المخابرات من التعرض للكشف والفضائح وأضفت على الجهاز القضائي مسحة من الموضوعية والعدالة الزائفة.
ألا تكفينا الصفقات البائسة على الصعيد السياسي حتى نكملها بصفقات أشد بؤسا على الصعيد القضائي؟

Wednesday, October 27, 2010

قانون الولاء لفلسطين عربية ديمقراطية

قانون الولاء لفلسطين عربية ديمقراطية

لقد أثار قانون الولاء لدولة إسرائيل كدولة "يهودية ديمقراطية"، لمن يريد أن يحمل الجنسية الإسرائيلية من غير اليهود، ردود فعل كثيرة على الصعيدين المحلي والعالمي. ما يهمنا هنا هو ردود الفعل الفلسطينية داخل ما يسمى بالخط الأخضر وخارجه. حيث يوجد هناك إجماع بأن الجماهير الفلسطينية في كافة أماكن تواجدها هي المستهدف الرئيسي بل تكاد أن تكون المستهدف الوحيد لهذا القانون. جاء هذا القانون ليحقق هدفين كانا وما زالا حلم الحركة الصهيونية وهما، أولا: تمهيد الطريق لترحيل من تبقى على أرضه من الفلسطينيين. ثانيا: سد الطريق نهائيا أمام عودة اللاجئين.
ردود الفعل الفلسطينية بالرغم من غزارتها الكمية إلا أنها جاءت هزيلة وعقيمة تراوحت بين الإدانة الكلامية الشديدة وتوجيه الشتائم النابية والتي في نهاية المطاف لا تلحق أي لضرر حتى ببعوضة، مرورا بتوجيه نقد لطيف أقرب إلى العتاب بين الأحبة للمؤسسة الإسرائيلية التي تضع العراقيل أمام "عملية السلام" بخطواتها هذه، إلى موقف اللامبالاة وعدم الاكتراث التي تبديه أوساط واسعة من الجماهير.
لقد سبق قانون الولاء مطالبة الفلسطينيين والعرب الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة "يهودية ديمقراطية". وكان الرد الفلسطيني المتخاذل أحد الأسباب الذي شجع الحكومة الإسرائيلية بالمضي قدما وتتقدم خطوة أخرى نحو قانون الولاء. فها هو رئيس السلطة "الوطنية" الفلسطينية يصرح: " إسرائيل حرة كيف تعرف نفسها" وفي تصريح آخر يقول: اعترفنا بدولة إسرائيل عام 1993 ويهوديتها أمر يخص الأمم المتحدة" وبعد أيام يصرح ياسر عبد ربه بأن السلطة على استعداد للاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية. هذا قبل أن يتراجع عن تصريحه أمام الضغط الشعبي واتهامه لوسائل الإعلام بأنها شوهت كلامه.
لم تكن تصريحات الزعامة الفلسطينية في الداخل أفضل حالا. فقد كان مشهدا سرياليا رؤية أعضاء الكنيست العرب الذين أقسموا يمين الولاء للدولة ولقوانينها في اللحظة التي تخطت بها أقدامهم عتبة الكنيست، ومنهم من يؤمن بأن دولة إسرائيل هي تجسيد لحق "الشعب اليهودي" في تقرير مصيره، يتسابقون لشجب هذا القانون ويتنافسون فيما بينهم لإيجاد الألفاظ النابية لإدانة هذا القانون. أما موقف لجنة المتابعة العليا، التي يشكل أعضاء الكنيست العرب عمودها الفقري، فلم تكن أحسن حالا واكتفت بمجموعة من الإدانات الكلامية. باختصار، لا يوجد هناك رؤيا واضحة، لا يوجد أفق جديد، لا يوجد إستراتيجية ولا تكتيك. ولا يمكن أن تكون ما دامت هذه هي تركيبة وطبيعة هذه الزعامة.
من أجل إعادة التاريخ إلى مساره الصحيح ، ومن أجل إيقاف العدالة على أرجلها وليس على رأسها كما هي حالتها الآن، اقترح بصفتنا سكان هذه البلاد الأصليين أن نصيغ قانونا مضادا يقول وبكل بساطة:
من يقسم يمين الولاء لفلسطين عربية ديمقراطية يستحق أن يكون مواطنا في هذه البلاد. ما يحق لوزير القضاء الإسرائيلي، يعقوب نئمان ووزير الخارجية الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان وهما الوافدان من الخارج لماذا لا يحق للمواطن الأصيل المنزرع في هذه الأرض منذ الأزل؟
لا تكتفي دولة إسرائيل بسن القوانين بل تعمل على تمهيد الطريق وتستعد لتنفيذها. وكانت آخر هذه الاستعدادات إجراء تدريبات ومناورات واسعة النطاق هدفها باعتراف مسئولين رسميين مواجهة الاحتجاجات الفلسطينية عند تنفيذ القانون أو في حالة ترحيل جماعية قسرية. هنا أيضا اكتفت زعامتنا ببعض عبارات الشجب والإدانة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا نقوم نحن أيضا بالاستعدادات للدفاع أن أنفسنا؟ لماذا لا نعمل على تنظيم أنفسنا لمواجهة محاولات الترحيل بالقوة، كتنظيم دورات مجانية واسعة النطاق للرجال والنساء والأطفال لتعليم طرق الدفاع عن النفس كالكاراتيه والجودو مثلا؟ هل سنساق مرة أخرى كالقطيع إلى الشاحنات التي سوف تقذف بنا إلى ما وراء الحدود؟ لقد أظهرت الحكومة نواياها بما لم يبق مجالا للتفسير أو الشك. ولا أبالغ إذا قلت أن خطة التهجير أصبحت جاهزة في أدراجها تنتظر اللحظة المناسبة لإخراجها واستعمالها. هذا الأمر يحتم علينا أن ننفض عن كواهلنا غبار السلبية واللامبالاة وننظم أنفسنا بشكل يمكننا الصمود أمام التطورات والتحديات.
وأخيرا، إلى متى نصبر على قطعان الفاشيين من أمثال باروخ مرزل؟ وننتفخ رجولة فقط عندما يحاول اقتحام إحدى مدننا؟ إلى متى نبقى أسيري نظرية رد الفعل السلبية؟ ونكتفي مرة أخرى بالإدانة والتنديد؟. لماذا لا نبادر إلى تنظيم مظاهرة جبارة في قلب الخليل حيث يستوطن هذا المأفون ومن على شاكلته تحت حماية قوات الأمن الإسرائيلية؟ مثل هذه المظاهرة لن تكون ردا مناسبا على استفزازات هؤلاء الفاشيين فحسب بل نصرة لمدينة الخليل وأهلها الصامدين أيضا. ولماذا لا ننظم مظاهرة جبارة تسير نحو مستوطنة نوكديم حيث يقبع الوزير الترانسفيري ليبرمان؟ إذا كان يحق في الدولة "اليهودية الديمقراطية" لمرزل وليبرمان التحريض ضد الجماهير الفلسطينية صباح مساء، ألا يحق لهذه الجماهير أن تدافع عن بقائها؟

Wednesday, October 20, 2010

وقفة حق من سويتو الى القدس

وقفة حق من سويتو إلى القدس
علي زبيدات – سخنين

في عام 1985 عندما كان النضال العالمي ضد نظام الابرتهايد على أشده وبعد أن أعلن هذا النظام البائد حالة الطوارئ وصعد من ممارساته القمعية، التقى بعض اللاهوتيين الأفارقة ممن يطلق عليهم اسم: لاهوتيي الحرية، في مدينة سويتو وأصدروا "وثيقة كايروس جنوب إفريقيا" والتي لعبت دورا حاسما في النضال ضد نظام الابرتهايد الذي تكلل بزوال هذا النظام بعد عدة سنوات، في عام 1994 على وجه تحديد.
تقول هذه الوثيقة أن لحظة الحق قد حانت وعلى الجميع أن يحدد ويتخذ موقف، وكان النداء موجها أولا وقبل كل شيء إلى الكنيسة نفسها إذ لا يعقل أن تضع هذه الكنيسة تحت كنفها العنصرين الكولونياليين مع جماهير الشعب المسحوقة والمضطهدة. شنت هذه الوثيقة هجوما عنيفا على لاهوت السلطة الذي يبرر التمييز والقمع من خلال تفسير مشوه لنصوص التوراة والإنجيل لتبرير سياستها العنصرية. وكذلك شنت هجوما قاسيا على لاهوت الكنيسة الرسمية الذي يتماها مع لاهوت السلطة ويتخذ موقفا وسطا وتدعو إلى المصالحة من دون تحقيق العدالة كما تدعو إلى نبذ العنف من جميع الإطراف من غير أن تميز بين عنف السلطة الإجرامي وعنف الجماهير التي تدافع عن نفسها. وأخيرا تدعوا هذه الوثيقة إلى لاهوت نبوئي تحرري يقف بلا تحفظ إلى جانب المظلومين والمعذبين في الأرض كما كان السيد المسيح. وقد دعت هذه الوثيقة العالم وخصوصا الكنائس إلى مقاطعة نظام الابرتهايد والوقوف إلى جانب الشعب الإفريقي في نضاله ضد هذا النظام.
من وحي وثيقة كايروس جنوب إفريقيا انبثقت وثائق كايروس في شتى أنحاء العالم كان آخرها وثيقة كايروس فلسطين التي أصدرتها مجموعة من اللاهوتيين الفلسطينيين في أواخر عام 2009 حيث انتقدت بشدة، على غرار الوثيقة الأصلية إساءة استخدام الكتاب المقدس لأغراض سياسية ولتبرير الاحتلال واعتبرت ذلك جريمة في حق الله والناس. وحملت دولة إسرائيل المسؤولية عن الاحتلال والقتل والتدمير كما وجهت النقد الشديد للإدارة الأمريكية التي تقف إلى جانب النظام الظالم بدون تحفظ. وطالبت هذه الوثيقة بعدم التفريط بالثوابت الوطنية وعلى رأسها حق العودة وتحرير كافة الأسرى. ولكن صرختها الأساسية كانت موجهة إلى الكنائس الأخرى في شتى أنحاء العالم وطالبتها بالوقوف إلى جانب المظلومين قدوة بالسيد المسيح وحثتها إلى مقاطعة النظام الإسرائيلي.
لقد أحدثت كايروس فلسطين ردود فعل ايجابية في عدة دول وخصوصا في جنوب أفريقيا وبعض الدول الإفريقية ولكن تم تجاهلها ووأدها هنا في فلسطين وخصوصا من قبل السلطة الفلسطينية التي أيدتها ظاهريا ولكن أفرغت محتواها التحرري عمليا.
عندما كنت في جنوب إفريقيا دعوت إلى مؤتمر نظمته جامعة كوازولو – ناتال ومركز أوجاما للدراسات اللاهوتية بعنوان: "النضال مستمر: تواصل الأصوات النبوية" وذلك بمناسبة مرور 25 عاما على صدور وثيقة كايروس جنوب إفريقيا. وقد شارك في هذا المؤتمر بالإضافة إلى العديد من اللاهوتيين الأفارقة ومنهم من شارك في صياغة الوثيقة الأصلية، والذين لم تنشر أسماءهم في حينه خوفا من بطش السلطة، ممثلين من 11 دولة يمثلون وثيقة كايروس المحلية في بلدانهم. وكان من المفروض قدوم مجموعة من اللاهوتيين الفلسطينيين لكي يمثلوا كايروس فلسطين ولكن لأسباب متعددة لم يصل احد منهم. ووجدت نفسي، وأنا العلماني البعيد عن اللاهوت، بمثابة ممثل عن وثيقة كايروس فلسطين. في الحقيقة لم يكن ذلك أمرا غريبا أو صعبا. فكما أسلفت، تعد هذه الوثيقة من أهم الوثائق الفلسطينية التي تتمسك بالثوابت الوطنية وهي متقدمة بما لا يقاس على الحلول المطروحة من خلال المفاوضات العبثية التي تتبناها السلطة منذ 20 عاما. بالطبع لم يخل الأمر من بعض التحفظات وهذا شيء طبيعي أيضا. وقد عبرت عن تحفظاتي أمام الجميع. وقد انصب تحفظي الأساسي حول نقطتين: النقطة الأولى تقول أن اللاهوتيين الأحرار يستطيعون الانخراط بالنضال من أجل الحرية ويشاركون في قيادته ولكني لا أظن أن اللاهوت كفكر وممارسة يستطيع قيادة نضال تحرري حتى نهايته وذلك نظرا لمحدوديته متعددة الجوانب. والنقطة الثانية تقول أن الوثيقة مهما بلغت أهميتها تبقى عاجزة عن انجاز المطلوب منها إذا ما بقيت وثيقة ولم تتحول إلى خطة عمل ومرشد للنضال. مصير كل وثيقة أن تجد نفسها ملقاة على الرف يعلوها الغبار أو مطمورة في أحد جوارير أرشيفات السلطة. خصوصا وأن بعض الموقعين على هذه الوثيقة لا تربطهم أية علاقة بالنضال حيث وجدوا أنفسهم مرغمين على توقيعها بسبب الضغط الشعبي أو إنهم ركبوا الموجة لتحقيق بعض المصالح الشخصية، وتبقى علاقتهم العضوية مرتبطة بالسلطة وليس بالجماهير.
قد يظن البعض أن النضال ضد الابرتهايد في جنوب أفريقيا قد انتهى مع زوال النظام السياسي عام 1994. ولكن هذا ابعد ما يكون عن الحقيقة. فالتغيير السياسي لم يرافقه تغير اقتصادي أو اجتماعي. الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما زالت شاسعة بل وتزداد اتساعا. الفئات المهمشة تملأ البلاد طولا وعرضا وأوضاعها مزرية من كافة النواحي. وكان انطباعي الذي لا يمحى أن نظام الابرتهايد ما زال قائما وأن النضال ما زال مستمرا حتى تحقيق العدالة على المستوى الشعبي. انه لمن المؤلم والمحزن رؤية الجماهير الإفريقية التي قدمت الضحايا في النضال ضد الكولونيالية العنصرية ما زالت تعاني، هذه المرة من قبل النظام "الوطني" "الديمقراطي".
نعم النضال مستمر، في جنوب أفريقيا كما في فلسطين كما في كل أرجاء العالم. وما أحوجنا إلى أصوات نبوية توصل بيننا.

Wednesday, September 29, 2010

ماتت المفاوضات فلتحيى المفاوضات

ماتت المفاوضات فلتحيى المفاوضات
علي زبيدات – سخنين

انه لمن المؤلم حقا أن نرى كيف تتحول حركة تحرير وطني إلى نقيضها، إلى حركة تخدم الامبريالية والاحتلال لأراضيها. كيف انحدرنا إلى هذا الحضيض؟ انه فعلا سؤال محير، لا أظن أن أحدا يملك الإجابة عليه. كنا نعلم من تجاربنا ومن تجارب حركات التحرر الوطني للشعوب الأخرى التي خاضت نضالا تحرريا أنه خلال مسيرة النضال يوجد هناك فئات تتساقط وتنتقل إلى المعسكر الآخر. كنا نعرف أنه لا بد من وجود انتكاسات وتراجعات في هذه المسيرة، قد تطول أو تقصر قد تكون عميقة أو سطحية ولكن في جميع الحالات وتحت كل الظروف يبقى الاتجاه التحرري العام واضحا. وكنا نعلم أيضا أنه بعد انجاز معظم المهمات الوطنية والحصول على الاستقلال مهما كان شكليا تتحول السلطة"الوطنية" الجديدة تدريجيا حتى تصبح سلطة رجعية مثلها مثل غيرها من الأنظمة الرجعية. ولكن أن تتساقط حركة تحرر وطني بكامل أطرها تقريبا وتنحدر إلى مثل هذا الحضيض قبل أن تنجز شيئا من المهام التي من أجلها نشأت، فهذه ظاهرة فريدة من نوعها تستحق دراسة عميقة.
ما حدث في الجولة الأخيرة من المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برعاية أمريكية ومباركة عربية وأوروبية أمور لا تصدق. أولا وقبل كل شيء كذبة تجميد الاستيطان التي انتشرت كالنار في الهشيم في شتى أرجاء العالم. لم يكن هناك ثمة تجميد للمستوطنات لا قبل المفاوضات ولا بعدها، وهذا باعتراف مؤسسات إسرائيلية رسمية. وكما قال احد الكتاب الاسرائيلي: في فترة "التجميد" تجمد كل شيء ما عدا المستوطنات. أعمال الاستيطان المختلفة تواصلت على الأقل في 120 مستوطنة وتم بناء آلاف الشقق السكنية وشق الطرق وتمهيد الأرض وتحضير الخرائط ومواصلة مصادرة الأراضي الخ. كل ما حدث هو أنه تم اختيار بعض المستوطنات النائية التي تعتبرها الحكومة الإسرائيلية نفسها غير شرعية وبعض المواقع والإعلان المتلفز عن وقف الاستيطان فيها وذلك للاستهلاك المحلي والدولي لكي تتاح للمفاوض الفلسطيني أن يعود إلى طاولة المفاوضات من غير أن يتهم بالخيانة والعمالة.
وألان تظهر مطالب الحكومة الإسرائيلية باستمرار المفاوضات من غير هذا القناع منطقية جدا من وجهة نظرها: لقد جرت المفاوضات منذ حوالي 20 سنة في ظل توسيع الاستيطان فماذا تغير اليوم؟ المفاوض الفلسطيني لم يطالب ابدآ بوقف الاستيطان كشرط للمفاوضات، فماذا حدث الآن؟ هل السبب ما يقوله محمود عباس: اليوم بلغ السيل الزبى؟ وحسب الاتفاق المبدئي بين الطرفين المتفاوضين بأنه في كل اتفاق ستبقى الكتل الاستيطانية الرئيسية جزءا من دولة إسرائيل وانه تم الاتفاق على مبدأ تبادل الأراضي فبأي حق يطالب الطرف الفلسطيني بتجميد شامل للاستيطان؟ وكما صرحت الحكومة الإسرائيلية: مسألة تجميد الاستيطان هو أمر ثانوي بالمقارنة مع هدف المفاوضات الرئيسي بالتوصل إلى معاهدة سلام وحل النزاع نهائيا.
إذن الكلام عن تجميد الاستيطان أو عدم تجميده كان وما زال من باب ذر الرماد في العيون. المفاوض الفلسطيني بحاجة إليه لكي يحفظ القليل من ماء الوجه اتجاه المواطن الفلسطيني الذي تصادر أرضه أو يهدم بيته ويعامل كالحيوان على الحواجز. والمفاوض الإسرائيلي بحاجة إلى "اللاتجميد" لكي يكسب رضا قطعان المستوطنين ويحافظ على ائتلافه الحكومي. وهكذا يفتح الباب على مصراعيه للتوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين بصورة خلاقة ومبتكرة. ونحن، جماهير الشعب البسيط ومن ورائنا العالم بأسره علينا أن نصدق هذه الكذبة ونبقى متعلقين بوهم السلام.
من يظن أن توقف المفاوضات أو فشلها ستكون ذات عواقب وخيمة، جاءت أقوال محمود (جهينة) عباس لتقطع قول كل خطيب عندما قال: لن نعود إلى الانتفاضة مهما كانت الظروف والأسباب. فلا يوجد بديل عن طريق المفاوضات. وإذا تذكرنا قول أحد الزعماء الاسرائيليين الذي قال: سوف نفاوضهم 100 سنة وفي النهاية لن يحصلوا على شيء، فهذا يعني أن محمود عباس وسلطته يبشروننا بدوام الاحتلال.
يبدو الظلام حالكا، ويبدو النفق طويل جدا وعميق جدا ولا يوجد بصيص نور لا في أوله ولا في آخره. هذا صحيح، ولكن فقط إذا قبلنا بهذه اللعبة وبقواعدها. من الذي يقول انه يتحتم علينا أن نسير في هذا النفق الطويل المعتم؟ ومن يقول انه يتوجب علينا المشاركة في هذه اللعبة التي وضع قوانينها غيرنا؟ لماذا لا نحطم النفق ونخرج إلى النور؟ ولماذا لا ننسحب من هذه اللعبة السمجة أو نغير قواعدها؟
نعم، القضية ليست قضية مفاوضات ولا قضية مستوطنات، إنها اكبر من ذلك بكثير: إنها قضية شعب ووطن وحياة.

Wednesday, September 22, 2010

شكرا ليبرمان

شكرا ليبرمان
علي زبيدات - سخنين

قد يبدو غريبا، على عكس الشتائم التي انهالت على رأس وزير الخارجية الإسرائيلي أفغدور ليبرمان من قبل أعضاء الكنيست العرب،لجنة المتابعة،وسائل الإعلام العربية المحلية والقطرية، وبعض الجهات المعدودة على ما يسمى اليسار الإسرائيلي أو قوى السلام اليهودية، على عكس هؤلاء جميعا أن أبعث إليه بتحية شكر: أخيرا قام شخص وقال بصراحة: " قضية السكان العرب من مواطني دولة إسرائيل يجب أن تكون قضية مركزية على طاولة المفاوضات". أن هذا التصريح الصادر عن شخصية عنصرية معروفة يعبر أكثر من أي تصريح آخر في السنوات الأخيرة عن وحدة الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، أكثر بما لا يقاس من كافة شعارات زعامتنا الجوفاء التي تردد بأننا شعب واحد ذو قضية واحدة. هل هذه مفارقة؟
إحدى مساوئ اتفاقيات أوسلو الكثيرة هو تهميش هذا الجزء من الشعب الفلسطيني الذي بقي منغرسا في أرضه واعتباره مسألة إسرائيلية داخلية. منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا يتبنى المفاوض الفلسطيني هذا الموقف. فنحن بالنسبة له لسنا موضوعا للتفاوض لأننا لسنا فلسطينيين كاملين. بالمقابل يتبنى المفاوض الإسرائيلي الموقف نفسه، فنحن لسنا فلسطينيين كاملين من جهة ولسنا إسرائيليين كاملين من جهة أخرى. منذ أن ظهر ليبرمان وأشكاله الظاهرين والمستترين، بدت الصورة تبرز على شكلها الطبيعي: الشعب الفلسطيني مهما عانى من التشتت والتمزق يبقى شعب واحد ذو قضية واحدة ذات حل واحد.
الشتائم المنهالة على الوزير الإسرائيلي مهما كانت صائبة وحقيقية فهي لا تعبر عن موقف سياسي مبدئي واضح وملتزم. أفكار هذا الوزير العنصري وحزبه لا تختلف من حيث الجوهر عن أفكار القيادات والأحزاب الصهيونية العمالية والدينية والقومية الأخرى التي صنعت النكبة الفلسطينية على مر العصور، إذن لماذا كل هذا التركيز عليه وفي الوقت نفسه التغاضي عن الآخرين؟ في هذه الحكومة، كما في الحكومات السابقة، إنها مسألة تقاسم أدوار: ليبرمان يجعجع، براك يمهد، يشاي يخطط ونتنياهو ينفذ. قد تتغير هذه الأدوار في الحكومات المختلفة حسب التقاسم الوظيفي وميزان القوى الداخلي. فرئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت الذي يقال أنه كان قاب قوسين أو أدنى من التوقيع على اتفاقية سلام هو من شن أشرس حربين في تاريخ إسرائيل: على لبنان وعلى قطاع غزة. أما وزير الحرب ورئيس الحكومة السابق، إيهود براك ألذي يقال أنه عرض على عرفات تنازلات غير مسبوقة في كرمها في مفاوضات كامب ديفيد الثانية ولكن هذا الأخير رفضها، فتاريخه حافل بجرائم الحرب ولو كان هناك حد أدنى من العدالة في عالمنا هذا لكان الآن يقف أمام المحكمة الجنائية الدولية أو يقبع في أحد السجون.
أقول لجميع المتسابقين، من الساسة المنافقين ومن ذوي النوايا الحسنة على حد سواء، الذين يبحثون عن شتائم جديدة لإلقائها على رأس ليبرمان: رويدكم، تمهلوا، فهذا العنصري الصغير لم يصل بعد حتى إلى كعب من اقترفوا الجرائم في حق الشعب الفلسطيني والإنسانية أمثال نتنياهو وبراك والمرت وموفاز وحالوتس واشكنازي والقائمة تطول.
قد يكون ليبرمان حمار في التاريخ، كما وصفه أحد أعضاء الكنيست العرب، ولكن معظم زعمائنا السياسيين هم أيضا حمير ليس فقط في التاريخ بل وفي الجغرافيا أيضا. التاريخ يقول: نحن سكان الأصليون لهذه البلاد وجميع من قدموا إليها من وراء البحار هم غزاة مستعمرون وعليهم أن يرحلوا. أصحاب الأرض فقط يحق لهم أن يقرروا من يبقى ومن يرحل منهم. والجغرافيا تقول: إن هذه البلاد لا تقبل القسمة، وعندما أقول هذه البلاد لا أقصد فلسطين فقط بل بلاد الشام بأسرها، هكذا خلقت وهكذا ستبقى مهما كانت محاولات تقطيع أوصالها.
إذن لماذا كل هذا الخوف من ليبرمان؟ لأنه يطرح حل الترانسفر؟ أو كما يسمى حاليا: التبادل السكاني، لكي يحافظ على "يهودية" الدولة؟ الرد على ذلك بسيط جدا وقد عبرت عنه الصحفية الأمريكية التي طردت من البيت الأبيض، هيلين ثوماس: ليعودوا إلى ديارهم من حيث أتوا. موقفنا يجب أن يكون واضحا: على ليبرمان أن يعود إلى مولدافيا من حيث أتى وعلى شمعون بيرس أن يعود إلى بولندا، وهكذا بالنسبة لجميع الغزاة. الشعب الفلسطيني وحده هو صاحب الحق من يقبل للعيش هنا ومن يرفض. مثله مثل باقي شعوب العالم. هكذا تعمل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر نفسها ديمقراطية ومدافعة عن حقوق الإنسان. أنظروا كيف تعامل أوروبا مهاجريها مع أنهم لم يأتوا كغزاة مستوطنين، بل أتوا كضحايا لقرون طويلة من الاستعمار والنهب. لقد أصبحت أوروبا مرتعا للأحزاب اليمينية المتطرفة التي وضعت على رأس سلم أولوياتها ملاحقة ومعادة المهاجرين، بينما تقوم الحكومات "الديمقراطية" كل يوم بسن قانون جديد للتضييق على المهاجرين. أما سياسة الهجرة الأمريكية فهي وصمة عار على مجتمع هو نفسه وليد هجرة بعد أكبر عملية تطهير عرقي في تاريخ البشرية.
سوف تكون فلسطين الديمقراطية الحرة أفضل بما لا يقاس من جميع الدول الأوروبية ومن أمريكا لأنها سوف تفتح صدرها للمهاجرين بشرط ألا يكونوا غزاة مستوطنين.

Wednesday, September 15, 2010

الاضراب الشامل ليس شعارا للاستهلاك

الإضراب الشامل ليس شعارا للاستهلاك
علي زبيدات – سخنين

قبل فترة من الزمن تناقلت وسائل الإعلام العربية المحلية خبرا مفاده أن لجنة المتابعة العليا بجميع مركباتها قد اتخذت قرارا بالإجماع إعلان الإضراب الشامل بالمناسبة العاشرة لما تسميه "هبة القدس والأقصى" وسقوط 13 شهيدا من أبنائنا.
على ما أظن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ لجنة المتابعة مثل هذا القرار. في المرات السابقة القليلة التي اتخذ فيها قرار الإضراب الشامل لم يكن هناك إجماع من كافة المركبات. على العكس كان هناك دائما من يعارض بحجة الظروف غير الملائمة، عدم استعداد الجماهير أو عدم جدوى الإضراب. في العديد من المناسبات كانت إحدى المركبات الأساسية في هذه اللجنة والتي تتمتع بتأثير حاسم داخلها كانت هي التي تعمل على إجهاض قرار الإضراب الشامل. واليوم حسب وسائل الإعلام ذاتها كانت هي المبادرة بضرورة إعلان الإضراب وقبل المناسبة بأكثر من شهر.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا جرى؟ هل استوعبت لجنة المتابعة بكافة مركباتها أخيرا ضرورة تصعيد النضال الشعبي كرد على سياسة تصعيد القمع والتمييز التي تمارسها السلطة ضد جماهيرنا الفلسطينية؟ هل أصبحت هذه اللجنة أكثر جذرية في مواقفها بعد أن توصلت إلى قناعة بأنه لا بد من المواجهة بدلا من الطريق المهادنة الذي اتبعته حتى ألان؟ في الحقيقة قرار المتابعة هذا يثير البلبلة أكثر مما يشير إلى تصعيد الوسائل النضالية. وأنا بصفتي أحد المواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في لجنة المتابعة وبقراراتها لا من قريب ولا من بعيد وكنت دائما من أنصار الإضراب الشامل في المناسبات الوطنية الثلاث لجماهيرنا ( يوم النكبة، يوم الأرض، وانتفاضة الأقصى)، للوهلة الأولى تفاجأت خصوصا بعد أن شن علي بعض الأصدقاء هجوما كاسحا واتهموني بالمزايدة على لجنة المتابعة التي تتخذ القرارات الحكيمة والصائبة وتعرف متى تتبنى الإضراب الشامل ومتى تكتفي بالمسيرات والنشاطات الأخرى.
نظرة أخرى إلى مجريات الأمور ورؤية الصورة من كافة جوانبها مع نظرة خاطفة إلى العمق تشير إلى انه لا جديد تحت الشمس في موضوعنا. وأن الإضراب الشامل المعلن لم يأت بهدف تصعيد النضال لمواجهة الهجمة السلطوية الشرسة بقدر ما يصب نهاية المطاف في إفراغ هذا الشكل النضالي من محتواه الثوري التقدمي. أشكال النضال أمر ثانوي بالمقارنة مع مضامينها. قد يكون الشكل متطورا ولكن عندما يكون فارغا من المضمون فلا فائدة ترجى منه. لننظر ماذا لدينا هنا: الأول من أكتوبر سيكون يوم جمعة، أي أن المدارس العربية تكون مغلقة ولن يشعر أحد بالإضراب في سلك التعليم مع أهمية الطلاب في مثل هذه المناسبات. وتكون معظم المصالح العربية في هذا اليوم مغلقة أيضا. وإذا لم أكن مخطئا في السابق أيضا كان سهلا على لجنة المتابعة الإعلان عن الإضراب الشامل عندما تصادف عطلا رسميا. بالإضافة إلى ذلك، فقد اتخذ القرار قبل المناسبة بشهر تقريبا، هذا بحد ذاته أمر جيد وأفضل بكثير من اتخاذه في اللحظة الأخيرة. هذه الفترة ضرورية للإعداد والتحضير للإضراب تستغل لتعبئة وتحريك الجماهير من خلال المهرجانات والمحاضرات والأمسيات الملتزمة وحلقات النقاش والعديد من النشاطات التي تتوج عادة بالإضراب الشامل. منذ الإعلان عن الإضراب الشامل لم نسمع عن أي نشاط تحضيري تعبوي. وفي نهاية المطاف ستكون النتيجة كما في السنوات السابقة: زيارة أضرحة الشهداء في الصباح مسيرة رئيسية تنهي بالخطابات الروتينية، مسيرات محلية في بعض الأماكن، تظاهرات على مفارق الطرقات. وينتهي اليوم وتعود المياه إلى مجاريها.
يقول لينين: " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" هذه الفكرة البديهية في النضال هي ما ينقص لجنة المتابعة وقراراتها. عندما لا نملك نظرة إستراتيجية واعية للقضية الوطنية بكافة جوانبها فإن التخبط في الممارسة لا مناص منه. وفي الحقيقة أنا لا ألوم لجنة المتابعة لعدم امتلاكها مثل هذه النظرة. فجميع التنظيمات الوطنية الفلسطينية ومنها من له تاريخ حافل في النضال تتخبط في مستنقع الاضمحلال الثوري. لجنة المتابعة العليا لم تكن في يوم من الأيام تنظيما ثوريا ولم تدعي ذلك أصلا وهذا الأمر لصالحها. مصيبتنا الكبرى تكمن في تلك التنظيمات التي وعدتنا بأن تكون طليعة الثورة العربية حتى تحرير فلسطين وانتهت إلى الارتماء في أحضان إسرائيل وأمريكا. كنا في الماضي نرفض الانضمام إلى الأحزاب العربية لإسرائيلية مهما ادعت من وطنية وتقدمية ونشجع الانضمام إلى المنظمات الفلسطينية المقاومة التي تجسد وحدة الشعب الفلسطيني. أما اليوم فلا تختلف هذه التنظيمات من حيث الجوهر عن الأحزاب العربية الإسرائيلية.
لجنة المتابعة بكافة مركباتها الحزبية وغير الحزبية تحيي مناسبة "هبة القدس والأقصى" وسقوط 13 شهيدا. وهي لا تحيي انطلاقة انتفاضة الأقصى وسقوط آلاف الشهداء. وهي بذلك تلتقي وتنسجم مع رموز السلطة الذين يعتبرون هذه الانتفاضة كارثة على الشعب الفلسطيني ويرفضون أي مشاركة نضالية جذرية لفلسطينيي الداخل وكل ما يطلبونه منا هو أن نكون جسرا للتفاهم بينهم وبين سلطات الاحتلال. وقد قالها رئيس السلطة الفلسطينية بصراحة: لا تتدخلوا في شؤوننا ساعدونا فقط في المفاوضات مع إسرائيل.
وقد رضيت لجنة المتابعة بمعظم مركباتها بهذا الدور. ما نسميه "هبة أكتوبر" أو "هبة القدس والأقصى" هو جزء لا يتجزأ من الانتفاضة الثانية التي يعتبرها قسم كبير منا كارثة، والشهداء الثلاثة عشر هم جزء لا يتجزأ من قافلة شهداء الانتفاضة وفلسطين. لا يكفي الاعتراف بذلك كلاميا والتنكر له عمليا.
إننا نحيي الذكرى العاشرة للانتفاضة الثانية، انتفاضة القدس والأقصى بدون تلاعب بالكلمات. هذه الانتفاضة التي تكالب على إجهاضها الفلسطيني والعربي قبل الأمريكي والإسرائيلي. إعلان الإضراب هذه السنة وكل سنة يجب أن يكون جزءا من استمرارية الانتفاضة وليس ذرا للرماد في العيون. الجماهير الشعبية وحدها من يقرر ذلك.

Wednesday, September 01, 2010

كل مفاوضات وأنتم بخير

كل مفاوضات وأنتم بخير
علي زبيدات – سخنين

سوف تتجدد غدا المفاوضات المباشرة بين دولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية بإشراف وتحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية. على عكس معظم المحللين "المتشائمين" الذين يعلنون سلفا فشل هذه المفاوضات أسوة بالجولات السابقة على مدى العشرين سنة السابقة أؤكد أن هذه المفاوضات سوف تحقق نجاحات باهرة. المسألة تتعلق بمقاييس النجاح والفشل ليس إلا. وأقول أكثر من ذلك، أن هذه الجولة الأخيرة من المفاوضات في البيت الأبيض قد نجحت حتى قبل أن تبدأ. حيث اتفقت جميع الإطراف المتفاوضة على إدانة واستنكار العملية التي طالت إحدى المستوطنات في منطقة الخليل. فها هو رئيس السلطة الفلسطينية يصرح أن الهدف من هذه العملية هو المس بالعملية السلمية والسياسية. بينما يصرح رئيس حكومته أن هذه العملية تتعارض مع المصالح الفلسطينية ويشن حملة اعتقالات واسعة تطول كافة المعارضين للمفاوضات. في الجانب الآخر يصرح رئيس الحكومة الإسرائيلية أن هذه العملية أكدت مطالب إسرائيل الأمنية وضرورة حماية المستوطنات في كل الظروف. بينما صرحت الإدارة الأمريكية بالتناغم مع الموقف الإسرائيلي – الفلسطيني الرسمي وعلى لسان الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته على ضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل وإدانة هذه العملية الإجرامية ضد "المدنيين". ألا يعد هذا الاتفاق نجاحا للمفاوضات حتى قبل أن تبدأ. ولا كلمة واحدة عن المستوطنات والمستوطنين المدججين بالسلاح. مساكين هؤلاء المستوطنين المسالمين الأبرياء، لقد لاقوا حتفهم وهم نيام من غير ذنب اقترفوه.
من يقول أن المفاوضات التي بدأت منذ قبل أسلو واتفاقياتها وحتى اليوم قد فشلت؟ العكس تماما هو الصحيح، فقد حققت هذه المفاوضات أهدافها كاملة. حيث نجحت في تفريغ النضال الفلسطيني من مضمونه التقدمي التحرري وورطت منظمة التحرير في مسيرة طويلة من التفريط بالثوابت الوطنية الفلسطينية ومنحت الشرعية للاحتلال الإسرائيلي وأصبحت طرفا ملحقا بالمعسكر الصهيوني – الامبريالي - الرجعي. أليس هذا نجاحا؟ هل يوجد من يصدق أن هدف المفاوضات هو الوصول إلى سلام عادل ودائم؟
على عكس باقي الزملاء والرفاق الذين ترتفع أصواتهم عاليا ضد المفاوضات من على الموائد الرمضانية في دمشق حيث اجتمع مؤخرا 11 تنظيما معارضا أدانوا المفاوضات واصفين إياها بأبشع العبارات، والمعارضون الذين حاولوا الاجتماع في رام الله وتراجعوا عن اجتماعهم بعد تدخل مرتزقة القوى الأمنية التابعة للسلطة، أقول أن هذه المفاوضات جيدة ومفيدة. يجب أن نخرج رؤوسنا من تحت الرمل ونرى الصورة كما هي. أقول للذين يتهمون رئيس السلطة الفلسطينية بالتفريط: دعوا الرجل وشأنه. ماذا تتوقعون من شخص يقول أن المقاومة عبثية وأن عملياتها حقيرة؟ ماذا تتوقعون من شخص يقول أنه يتفهم معاناة "الشعب اليهودي" بينما معاناة شعبه لا تهمه وكأنها قشرة برتقالة؟ وأكثر من ذلك، فهو لا يشكك أبدا في حق "الشعب اليهودي" في فلسطين؟ هل تتوقعون أن يقود المقاومة؟ هل من غرابة في أن يقود مثل هذه المفاوضات؟ وماذا تتوقعون من رئيس حكومة عينته أمريكا ويتلقى معاشه منها مباشرة كأي موظف أمريكي عادي؟
بدل الصراخ بمناسبة ومن غير مناسبة ضد المفاوضات لماذا لا يجري العمل على طرح البديل وبنائه على أسس جديدة؟ لماذا يسكت المعارضون في الفترة الأخيرة عن حقيقة كون محمود عباس رئيسا غير شرعي انتهت صلاحيته منذ فترة طويلة حتى حسب النظم التي وضعها هو وأسياده وأن حكومته هي الأخرى تفتقد أية شرعية؟ لماذا هذا التركيز على رفض المفاوضات والسكوت عن المفاوض نفسه؟ دعوا رئيس السلطة ورئيس حكومته وكبير مفاوضيه وباقي طاقم "الحياة مفاوضات" وشأنهم، دعوهم يفاوضون على راحتهم، هذا هو الدور المرسوم لهم. لن تكون مفاوضاتهم والاتفاقيات التي قد يوقعونها في نهاية المطاف أكثر من فقاعات صابون سرعان ما تنفجر وتتلاشى.
جميع الإطراف المشاركة في المفاوضات تعرف تمام المعرفة أن الهدف منها ليس التوصل إلى سلام شامل ودائم، حتى وإن لم يكن عادلا، في المنطقة. بل هدفها الإبقاء على الأوضاع تحت السيطرة بما يحقق مصالحها: إسرائيل تريد الحفاظ على كيانها من خلال تخليد الاحتلال من جهة وبناء دولة أبرتها يد كولونيالية. بينما تريد الشريحة الكومبرادورية الفلسطينية نصيبا أوفر من السلطة، أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تريد تثبيت هيمنتها على المنطقة وفرض سيطرتها على مصادر الطاقة.
في المقابل على الشعوب المضطهدة وقواها التقدمية والثورية أن تعيد بناء صفوفها على مبادئ تحررية إنسانية متينة وتواصل النضال حتى التحرير الكامل.

Wednesday, July 28, 2010

هذه اخطوات الاحتجاجية لا تكفي لوقف سياسة الهدم

هذه الخطوات الاحتجاجية لا تكفي لوقف سياسة الهدم
علي زبيدات – سخنين

أقدمت دولة إسرائيل، الدولة اليهودية الديمقراطية التي تطالبنا بالولاء لها، على اقتراف جريمة جديدة ليس فقط في حق أهالنا في قرية العراقيب بل أيضا في حق الإنسانية جمعاء، عندما قامت جرافاتها بهدم هذه القرية الصامدة التي بنيت قبل أن ترى هذه الدولة الغاصبة النور. جميع القوانين والمواثيق الدولية تقول أن هدم البيوت وتشريد سكانها الآمنين هي جريمة ضد الإنسانية يجب تقديم مقترفيها إلى المحاكمة وإنزال العقاب الرادع بهم. ولكن، بالطبع، دولة إسرائيل فوق القانون الدولي. هذه الجريمة ليست الأولى من هذا النوع التي تقترفها الدولة ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، فقد سبق ودمرت أكثر من 500 قرية فلسطينية وشردت أهلها، ولم تجد من يردعها، لا على الصعيد المحلي ولا على الصعيد الدولي.
دولة إسرائيل لم ولن تتغير فهي لا تستطيع أن تبني نفسها وتتطور إلا على أنقاض القرى والمدن العربية التي دمرتها وشردت أهلها. المصيبة الكبرى أن رد فعلنا، نحن كضحايا هذه السياسة الغاشمة لم يتغير. ما زلنا عاجزين عن تخطي موقف الاستنكار والإدانة وربما بعض الأمور الأخرى من باب تسكيت الأوجاع ومن ثم الاستكانة والخضوع للأمر الواقع.
ما حدث هو أن لجنة المتابعة، التي من المفروض أن تقود النضال ضد سياسة هدم البيوت قد دعت إلى اجتماع لأعضائها على ارض العراقيب وأصدرت سلسلة من القرارات، منها ما يبدو كقرارات جيدة وضرورية مثل إعادة بناء البيوت المدمرة ولكن تجارب الماضي تقول أن مثل هذا القرار يبقى حبر على ورق. والسعي لتوفير الدعم المادي والمعنوي، لاحظوا كلمة السعي لتوفير الدعم، ومن يضمن أن هذا السعي سوف يتمخض عن نتائج ملموسة؟ لا ضمان. وهكذا نبقى في دائرة الاستنكار والإدانة ليس إلا. ولا أدري ما هي ضرورة تشكيل لجنة خاصة تبقى في حالة استنفار وانعقاد دائم لملاحقة مثل هذه القرارات.
لقد آن الأوان أن تقوم لجنة المتابعة بكافة مركباتها السياسية والأهلية بإعادة تقييم نشاطاتها والعمل من أجل الارتقاء إلى مستوى الإحداث وتطوير جاهزيتها لمواجهة هذه الإحداث. بهذا الصدد أطرح هنا بعض الأفكار التي قد تساهم في بلوغ هذه المهمة:
1) من الواضح أن مواجهة سياسة الهدم تحظى بتعاطف ودعم أوساط واسعة من جماهيرنا ولكن هذا التعاطف وهذا الدعم لا يحظيان بالتعبير العملي عنهما. لجنة المتابعة تكتفي بتواجد بعض أعضائها القادرين على التنقل والتواجد ولا تعمل بما فيه الكفاية لتعبئة وتجنيد الجماهير. مثلا، بدل تواجد بعض الاشخاص في قرية العراقيب أثناء الهدم والذي كان معروفا مسبقا، كان من الأفضل بما لا يقاس وصول الحافلات من شتى قرانا ومدننا العربية للوقوف إلى جانب أهلنا في النقب. ليس كل واحد منا يملك الإمكانية والوسيلة التي تنقله إلى مسافات بعيدة، وعلى لجنة المتابعة تأمين مثل هذه الإمكانية وهذه والوسيلة. يجب على لجنة المتابعة ألا تكون بديلا للعمل الجماهيري بل منظما له.
2) يجب العمل على إنشاء صندوق خاص يتكفل بتعويض الأضرار وإعادة بناء البيوت المدمرة، صندوق يستطيع مواجهة الصندوق القومي اليهودي، الكيرن كييمت، الذي يلعب دورا حاسما في سياسة الهدم والاقتلاع الإسرائيلية وتهويد المكان. بعد مرور 62 عاما من الهدم والتشريد ما زلنا نتكلم عن "السعي" لتوفير الدعم المادي. على كافة الجماهير العربية أن تساهم في تمويل هذا الصندوق من كل حسب طاقته.
3) منذ سنوات ونحن نتكلم عن ضرورة طرق أبواب الهيئات الدولية ولكننا حتى الآن لم نحرك ساكنا. ما المانع للتوجه إلى محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية أو الأمم المتحدة وباقي المؤسسات المهتمة بحقوق الإنسان؟
4) الإعلام العربي متخلف في تغطية هذه الناحية أيضا. تصوروا لو أن دولة في العالم مهما كانت قامت بإخلاء عائلة يهودية من بيتها لمجرد كونها يهودية، ماذا سيحدث لهذه الدولة؟ سوف يقوم الإعلام الإسرائيلي والغربي المؤيد لها بشن حرب إعلامية عالمية عليها. أما نحن فلا يصل إعلامنا إلى أكثر من بعض المواقع الصفراء التي لا تخاطب سوانا. أين المؤسسات الإعلامية التي ترقد تحت مظلة لجنة المتابعة مثل إعلام، عدالة، مدى الكرمل وغيرها؟
5) يقول المثل: إذا أردت أن تدفن قضية معينة فأقم لها لجنة لمتابعتها. لقد أثبتت سياسة "تشكيل لجنة خاصة" لمتابعة قضايا الهدم فشلها. إننا بحاجة إلى خطة عمل مدروسة ومبرمجة حسب المعايير العلمية والعملية التي تضمن نجاحها. مشكلتنا أننا ما زلنا أسرى سياسة رد الفعل لا يوجد هناك أية بوادر للانتقال إلى العمل المخطط والمدروس.
أرجو أن تعلمنا قرية العراقيب درسا يخلصنا من أوهامنا ففي نهاية المطاف جميع قرانا ومدننا ليست بأفضل من قرية العقاريب ومصيرها ليس بأفضل من مصير قرية العقاريب.

Tuesday, July 20, 2010

خواطر حول التاريخ والإعلام والمقاومة

خواطر حول التاريخ والإعلام والمقاومة
علي زبيدات – سخنين

لقد أظهرت دولة إسرائيل في السنوات الأخيرة مقدرة خارقة على تزييف الحقائق بل وقلبها رأسا على عقب. حيث شنت حرب إبادة على قطاع غزة واقترفت جرائم حرب على مرأى ومسمع من العالم وبعد ذلك خرجت إلى هذا العالم متسربلة بقناع الضحية وكأن غزة هي التي شنت الحرب عليها.، فوجدت من يسمعها ويتبنى روايتها ويكذب كل ما رآه بأم عينه. حتى التقرير المتهاون الذي لم يذكر سوى النزر القليل من الجرائم التي اقترفتها هذه الدولة والمعروف بتقرير غولدستون، وجد طريقه إلى سلة المهملات. وفرضت حصارا على قطاع غزة يعد سابقة في التاريخ البشري من حيث فظاعته وشموله وطول مدته وخرجت مرة أخرى للعالم برواية وكأن قطاع غزة هو الذي يفرض عليها الحصار وجل ما تفعله هو الدفاع عن نفسها، وكأن للآخرين لا يوجد نفس أصلا للدفاع عنها. وها هي مؤخرا تهاجم مواطنين عزل جاؤوا على متن أسطول الحرية لتقديم بعض المساعدات الإنسانية للمحاصرين، فتترك 9 شهداء وعشرات الجرحى وتخرج للعالم مرة أخرى مولولة على صورة ضحية لا حول ولا قوة لها وكل ما فعلته لا يتعدى الدفاع المشروع عن النفس وكأن أسطول الحرية أصبح أسطول نابليون جاء لاحتلال الشرق الأوسط بكامله. وعينت لجنة خاصة لكي تثبت ذلك للعالم. هذا بالطبع بدون أن نسهب في قضية الأسير الإسرائيلي الأكثر شهرة في العالم، جلعاد شليط، الذي أصبح اسمه معروفا من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي وعلى مدار خط الاستواء وكأنه رجل مسالم أكثر من المهاتما غاندي ونلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ مجتمعين وكأن اختطافه تم بعد انتزاعه من حضن أمه بعد منتصف الليل وليس من على ظهر دبابة حربية. أما آلاف الأسرى الفلسطينيين فليسوا سوى مجرمين وأرقام في السجون الإسرائيلية.
في ظل هذه المقدرة الخارقة على تزييف وقلب الحقائق، لا أدري كيف ستكون كتابة التاريخ في المستقبل ممكنة. لا أظن إني أبالغ إذا ما قلت، أمام هذه الآلة الدعائية الهائلة، أن التاريخ وكتابته قد دخلا في أزمة خانقة وربما أصبحا من المستحيلات.
لقد أثبتت دولة إسرائيل تفوقها على العرب في جميع المجالات وخصوصا في المجال الإعلامي. فلو أخذنا قناة الجزيرة كمثل وهي وسيلة الإعلام العربية ، نرى أنها تتكلم بلغتين فما تقوله على القناة الناطقة بالعربية لا تقوله بالضرورة على القناة الناطقة بالانجليزية. وهي حفاظا على "الموضوعية" و"الحيادية" و "المهنية" تفتح أبوابها على مصراعيها أمام أبواق الدعاية الإسرائيلية. فكل خبر يتعلق بالمنطقة لا بد من اتصال مباشر بأحد المسئولين الإسرائيليين لأخذ رأيه بالموضوع. بينما في الدولة الديمقراطية الأولى في العالم وفي أكبر وأوسع وسائل الإعلام يتم فصل الصحفيين مهما كانت مرتبتهم لمجرد تصريح بسيط أو زلة لسان كما حدث مع هلين توماس وأكتافيا ناصر مؤخرا. نريد أن نرى وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تفتح أبوابها أمام المحللين والمعلقين العرب كما هو الوضع في وسائل الإعلام العربية المخترقة كغيرها من المؤسسات.
متى يرتقي الإعلام العربي إلى المستوى المطلوب؟ أتحدى أن يقف إعلامي عربي واحد ويجيب عن هذا السؤال بجرأة وصراحة.
لنعود إلى ساحتنا المحلية. في الحقيقة لم يكن هدف هذا المقال تناول وسائل الإعلام العربية بشكل عام، فهذا موضوع واسع وشائك ولا أظن أن مقالة صحفية قادرة على إيفائه حقه. لقد لفت نظري خبر على ساحتنا المحلية يجسد مأساتنا الإعلامية الخاصة. يقول الخبر: أن وفدا من لجنة متابعة قضايا الأسرى المنبثقة عن لجنة "المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل" زار وزير الأسرى في مقر وزارته في رام الله. حيث استعرض الوزير بالإسهاب الخدمات التي تقدمها وزارته للأسرى ولذويهم. بالطبع لم يذكر الأسرى الموجودين في سجون السلطة وكل جريمتهم هو مقاومة الاحتلال، وما هي الخدمات التي تقدمها لهم ولذويهم اللهم سوى نقل التقارير لأجهزة الأمن الإسرائيلية من خلال التنسيق الأمني. ولم يتطرق بالطبع للتعذيب الذي يلاقيه هؤلاء الأسرى. ولا أظن أن أحدا من أعضاء الوفد قد تجرأ على توجيه سؤال بهذا الموضوع لمعالي الوزير. قبل هذا اللقاء بفترة وجيزة قد تم تدشين جمعية جديدة تهتم بشؤون الأسرى، هي مؤسسة حريات – المؤسسة العربية من أجل الأسرى والمعتقلين بمبادرة أبناء البلد الذين كان أميناها العامين من ضمن الوفد لتنضم إلى أخواتها في هذا المجال كمؤسسة يوسف الصديق والرابطة العربية للأسرى والمحررين واللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التي وضعت نفسها تحت سقف لجنة المتابعة العليا ووزارة الأسرى. هذا بالرغم من النوايا الحسنة لبعض العاملين في هذه الجمعيات خصوصا ممن قضوا سنوات في السجون الإسرائيلية. ولكن كما يقول المثل: الطريق إلى جهنم مليئة بالنوايا الحسنة. بهذه المناسبة أريد أن أجري بعض المقارنة بين ما تفعله هذه المؤسسات مجتمعة لآلاف الأسرى الفلسطينيين وبين ما تفعله المؤسسة الإسرائيلية لأسيرها الوحيد. لا يزور إسرائيل أحد، إن كان رئيس دولة أو رئيس حكومة أو وزير خارجية أو مبعوث لأية لجنة دولية إلا ويتم إخباره عن ضرورة الإفراج عن الأسير شليط وعلى بلاده أن تبذل جهودا أكثر من أجل ذلك، وفي كثير من الحالات تكون عائلة شليط أول المتحدثين. بالمقابل: هل وزير الأسرى ورئيس حكومته ورئيس سلطته يطرحون قضية الأسرى على الضيوف الذين يحلون عليهم؟ أشك في ذلك. هل أشركوا أحد أفراد عائلة الأسرى الذين قضوا ربع قرن ونيف في هذه المقابلات؟ أجزم أن هذا الأمر لم يحصل.
منذ عشرات السنين وأنا أسمع من المسئولين على ضرورة طرح قضية الأسرى على المحافل الدولية. وفي اللقاء المذكور كرر وزير الأسرى قول ذلك. فلماذا الانتظار كل هذه السنين؟ لا أحد يدري.
ما فعلته عائلة شليط في المسيرة التي نظمتها من شمال البلاد إلى القدس على طول عدة أيام لم تستطع أن تفعله مؤسسات الأسرى مجتمعة على مدار سنوات. حيث كانت منغمسة بتنظيم المهرجانات، وفي بعض المناسبات تنظيم احتجاجات أمام بعض السجون تقتصر على ذوي الأسرى وبعض المهتمين. ماذا فعلت هذه المؤسسات لجعل قضية الأسرى قضية وطنية حقا، لتجنيد وتعبئة الجماهير الواسعة لكي تأخذ دورها في هذه المعركة. هل كثرة اللجان في هذا المجال هي من باب التعددية والتنافس أم من باب العجز والشرذمة؟ وهل هي قادرة أصلا على اجتياز أجندتها الخاصة والارتقاء بالعمل إلى المستوى المطلوب لخدمة القضية التي يتفق الجميع على أهميتها الوطنية؟

Wednesday, July 14, 2010

التضامن واجب وطني ولكن ليس في كل مكان

التضامن واجب وطني ولكن ليس في كل مكان
علي زبيدات – سخنين

عندما عاد أعضاء وفد فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948 الذين شاركوا في أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة والذي هاجمته دولة إسرائيل بهمجية تاركة تسعة شهداء وعشرات الجرحى، استقبلوا استقبال الأبطال وكأنهم قد عادوا من معركة. وقد كانت معركة بالفعل بالرغم من تواضعها. فالمعارك ليست حصرا على المدافع والدبابات والطائرات العسكرية. المواقف الوطنية الملتزمة والدفاع عن الحقوق الإنسانية لأي شعب أو فرد والكلمات الصادقة والجريئة ضد أي عدوان هي أيضا معارك، وهي لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية بل وفي كثير من الأحيان تتفوق عليها من حيث الأهمية.
لذلك، كان من الطبيعي أن تستقبل جماهير شعبنا أعضاء الوفد العائدين بالحفاوة والترحاب وتعبر عن ذلك بزيارات التضامن لأعضاء الوفد في بيوتهم أو مكاتبهم وتنظم أمسيات التضامن الاحتفالية على طول الوطن السليب وعرضه. لقد شارك في أعمال التضامن هذه أعداد كبيرة من كافة طبقات الشعب بغض النظر عن انتماءاتها الحزبية وبرامجها السياسية. لا أبالغ إن قلت أن أسطول الحرية قد قرب بين القلوب المتنافرة أضعاف ما يمكن أن تعمله الخطابات البلاغية الداعية للوحدة والصفقات المبرمة في مواسم الانتخابات المختلفة.
وقد كان للنائبة حنين الزعبي نصيب الأسد في هذا الترحاب والتضامن. ولم يكن ذلك فقط لكونها امرأة، وهي عملة نادرة في مثل هذه المناسبات، بل أيضا لموقفها الرائع في الدفاع عن المشاركين الذين تعرضوا للعدوان الإسرائيلي وموقفها الجريء في التصدي للمعتدين وفضح ممارساتهم وهي التي لا تملك إلا قوة جسدية سياسية محدودة جدا.
وأنا شخصيا، وغيري الكثيرين، وبالرغم من خلافاتي السياسية المبدئية مع النائبة حنين الزعبي ومع حزب التجمع الذي تمثله، ساهمت بشكل متواضع في التضامن معها لما قدمته ولما مثلته في مشاركتها بأسطول الحرية.
ولكني، وأقولها بصراحة، لم أستطع التضامن معها أمام الهجمة العنصرية التي تعرضت لها من قبل زملائها في الكنيست الإسرائيلي. وأظن أن السبب الرئيسي لذلك واضح للعيان: لقد كان عليها واجب وطني، أخلاقي وإنساني أن تشارك في أسطول الحرية وتعمل على كسر الحصار الجائر على قطاع غزة، بينما وجودها في الكنيست كان بمحض إرادتها، بسبب قناعاتها السياسية. لا يوجد هناك أي واجب وطني أو أخلاقي للتواجد في الكنيست، بل كان هناك واجب حزبي نابع عن قناعات سياسية معينة هي تعتبرها صحيحة وأنا أعتبرها خاطئة.
بالنسبة لي، وربما أيضا بالنسبة لآخرين، حنين الزعبي المناضلة التي كانت تشق عباب البحر متجهة إلى غزة من على متن سفينة مرمرة هي شخص وحنين الزعبي، عضوة الكنيست التي تقارع ريفلن وميخائيلي وليفين وغيرهم من العنصرين في الكنيست هي شخص آخر. لا يستطيع أحد أن يقنعني أن التضامن الذي منح من القلب لحنين ولغيرها من المشاركين في أسطول الحرية هو نفس التضامن معها من أجل الحفاظ على بعض "الامتيازات" التي تمنحها الكنيست لأعضائها والتي يريد بعض الأعضاء سلبها منها.
المرحلة ليست مرحلة انتخابات، وهذه المقالة ليست بصدد مقاطعة الانتخابات للكنيست الإسرائيلي. والكلام عن حنين الزعبي بالذات فقط لأنها كانت عضو الكنيست الوحيد في الأسطول، ولكنه ينطبق على كافة أعضاء الكنيست العرب بغض النظر عن جنسهم وأحزابهم.
ما جرى لحنين الزعبي في الكنيست يؤكد ما كنا دوما نقوله وما زلنا نقوله: أن الكنيست الإسرائيلي هو بؤرة عنصرية لا أمل في تغييره. وقد آن الأوان للأحزاب العربية أن تستفيق من أوهامها وتكف عن الترويج لمعاركها الدونكيشوتية التي تشنها في أروقة الكنيست:
تقول حنين الزعبي في خطابها الدفاعي:" قضيتي هي الامتحان الحقيقي للديمقراطية الإسرائيلية، وتهديدكم لي هو تهديد للإمكانية الوحيدة للديمقراطية والمساواة الحقيقية بين المواطنين العرب واليهود" ألم تكن أحداث النكبة وما نجم عنها من تشريد وسلب وقتل وحصار على مدى 62 عاما امتحانا حقيقيا للديمقراطية الإسرائيلية؟
ويقول عضو الكنيست محمد بركة: " هذه كنيست كهانا، أجواء البهيمية وأخلاقيات الرعاع تسيطر عليها". ومن الذي يضربك على يديك لكي تستنشق هذه الأجواء يا رفيق؟
عتابي لحنين الزعبي ولغيرها من أعضاء الكنيست العرب ليس من باب التشفي. لا أقول لها أنك تستحقين هذه المعاملة التي سعيت إليها بنفسك ولا تلومين غير نفسك. بل أقول أن الكنيست هو آخر مكان يمكن أن يكون مسرحا لمعركة وطنية أو أخلاقية. لندع العنصريين يرقصون مع بعض على أنغامهم العنصرية.

Wednesday, July 07, 2010

كيف أصبحنا جمهورية موز

كيف أصبحنا جمهورية موز؟
علي زبيدات – سخنين

يخطئ من يعتقد أن هذا المصطلح يقتصر على دول أمريكا الوسطى الصغيرة والفقيرة المنتجة للموز فقط، بل ينطبق أيضا على دول عديدة في العالم، من ضمنها وبدرجات متفاوتة على 22 دولة عربية. تتسم جمهورية الموز (حتى ولو كانت تسمى مملكة أو مشيخة أو إمارة) بعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، بسبب وقوعها تحت حكم طبقات أو فئات صغيرة وفاسدة تشكل نظاما ديكتاتوريا رجعيا متخلفا، تتصرف وكأن البلاد مزرعة خاصة لها، تحرص على أن تبقى البنى التحتية في البلد متدنية ومتخلفة تعتمد على مصدر اقتصادي واحد، قد يكون الموز في أمريكا الوسطى وقد يكون النفط في دول الخليج. هذا بالإضافة إلى الفوارق الاقتصادية الشاسعة بين الطبقات والبون الشاسع في توزيع الثروات الوطنية. كما تعتمد في الأساس على الرأسمال الأجنبي الذي يجلب معه الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للبلد.
هذه باختصار صفات جمهورية الموز بغض النظر عن موقعها الجغرافي. ألا تنطبق هذه الصفات على كافة بلدان جامعة الدول العربية؟ لنأخذ دول الخليج على سبيل المثال للحصر: سوف تعود هذه البلدان عندما ينضب النفط إلى العصر الحجري وستتحول سيارات الكاديلاك والمرسيدس إلى أقنان للدجاج. يعيث الفساد في أوساط الزمرة الحاكمة التي تستأثر بثروات البلد مما يجعل الفوارق بين الطبقات أبعد من المسافة بين السماء والأرض. من جهة أخرى أصبحت هذه الدول مرتعا لكافة مخابرات العالم ومشاعا أمام الهيمنة الأجنبية وخصوصا الغربية والإسرائيلية. تنتشر القواعد العسكرية على طول البلاد وعرضها وتستعمل لبسط الهيمنة وشن الاعتداءات على البلدان المجاورة مقابل حماية هذه الأنظمة.
الوضع ليس أفضل بكثير في باقي الدول العربية ولكني هنا لست بصدد تناول كل دولة ودولة. سوف اقتصر الكلام على مكان احترت في تسميته: هل هو جمهورية أم هو مشيخة ؟ هل يشكل دولة أصلا؟ أم هو خليط فريد من نوعه يجب أن نبحث له عن اسم مناسب؟ حسنا، الاسم ليس مهما هنا، المقصود طبعا المناطق الفلسطينية التي تسمى مجازا: "السلطة الوطنية الفلسطينية" والتي أصبحت خلال فترة عمرها القصير نموذجا كلاسيكيا لجمهوريات الموز.
فساد الزمرة "الحاكمة" – وقد وضعت هذه الكلمة بين هلالين لأنها في الحقيقة محكومة وليست حاكمة- أصبح على كل لسان. اعتمادها الأول والأخير على الرأسمال الأجنبي إن كان ذلك من الدول المانحة أو من هبات وكالة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وبعض الدول العربية. الفوارق الطبقية بين فئة المقامرين والمتسولين من عامة الشعب فاحشة جدا. والأسوأ من كل ذلك أن هذه الزمرة تتصرف وكأن فلسطين مزرعة خاصة لها ورثتها عن أجدادها. فتتنازل هنا وتعطي هناك وتفاوض في مكان آخر وكأن الشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات غير موجود بتاتا. فهذا رئيس السلطة يخبر الوسيط الأمريكي لكي يخبر المحتل الإسرائيلي (وكأنه لا يعلم!) بأنه في حالة التوصل إلى اتفاقية سلام سيوافق على بقاء حائط البراق و"الحي اليهودي" تحت السيطرة الإسرائيلية بالإضافة إلى ضم المستوطنات فيما يسمى غوش عتصيون ومودعين عيليت وجفعات زئيف وغيرها. يقول ذلك ببساطة وكأن هذه الأماكن ملك خاص له ولعائلته جاءته بالوراثة وليست ملكا للشعب الفلسطيني. وفي مناسبة أخرى، حول مائدة عشاء ضمته مع بعض الصحفيين الإسرائيليين يقول: إننا أخطأنا في رفض قرار التقسيم. والنا هنا تعني الشعب الفلسطيني، هل فوضه أحد أن يتكلم باسمه؟ كما يفتخر أمامهم بنجاح الأجهزة الأمنية بالحفاظ على أمن إسرائيل وذلك باعتراف رئيس الشاباك يوفال ديسكن نفسه. ويؤكد أمامهم مرة أخرى بأنه لن يقبل المصالحة مع حماس إذا لم تتبنى مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق وكافة الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل. ووصلت به المجاملة، وهذه ألطف كلمة أجدها، بأن نصف الفلسطينيين على الأقل يشجعون المنتخب الأمريكي في المونديال، وأنا أتحدى أن يقف عشرة فلسطينيين يعلنون على الملأ بأنهم من مشجعي المنتخب الأمريكي.
في الوقت نفسه يرسل رئيس حكومته للقاء وزير الحرب الإسرائيلي، ويقولون لنا أن لا علاقة بين هذا اللقاء وبين المفاوضات مباشرة كانت أو غير مباشرة. هل يوجد من يصدق مثل هذا الكلام؟ أم أنهم يتبعون المثل الذي يقول: كلما كبرت الكذبة كثر من يصدقها؟
هذه هي باختصار جمهورية الموز الفلسطينية. السؤال الذي يطرح نفسه على كل فلسطيني بعد هذه السنوات الطوال من النضال والتضحيات: هل نقبل أن نكون تلك القرون المعوجة من الموز، مع الاعتذار للموز كفاكهة، في أيدي تجار الموز الفاسدين؟
لقد آن الأوان أن نقرر: هل نريد جمهورية موز أم وطنا عزيزا حرا؟

Wednesday, June 30, 2010

اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب

اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب
علي زبيدات – سخنين

مر اليوم العالمي لمناهضة التعذيب في الأسبوع الماضي مرور الكرام. ذكرته بعض المواقع الإخبارية بسطر أو سطرين ونوهت به بعض منظمات حقوق الإنسان وكأنه من مخلفات الماضي السحيق وكأن عالمنا اليوم مليء بالرفق والحنان ويخلو من كافة أشكال التعذيب مع أن الحقيقة تشير إلى العكس من ذلك تماما.
يظن البعض أن وفرة الاتفاقيات الدولة المناهضة للتعذيب كافية بأن ترسل هذه الظاهرة اللاإنسانية إلى متحف التاريخ وكأنها من مخلفات عصور مظلمة في التاريخ البشري. فها هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على عدم جواز إخضاع أحد للتعذيب وسوء المعاملة والعقوبة القاسية واللاانسانية. وها هي اتفاقيات جنيف تؤكد على ضرورة منح جميع المعتقلين حق ممارسة الأنشطة الذهنية والتعليمية والترفيهية والرياضية ومواصلة الدراسة وتوفير الغذاء الكافي كما ونوعا وتوفير الرعاية الصحية وغيرها من الحقوق الإنسانية. وها هي الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب تؤكد مرة أخرى عدم شرعية استعمال أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أم عقليا بقصد الحصول على اعترافات أو معلومات. وتدعو إلى مقاضاة كل من يلجأ إلى هذه الأساليب. هذا غيض من فيض من النصوص الدولية حول هذا الموضوع، لكن يبدو أنه كلما زاد الحديث عن مناهضة التعذيب كلما نما وترعرع واتسعت رقعته.
قلت في الماضي، وها أنا اكرر ما قلته: أن الدولة، كل دولة، هي في الحقيقة عبارة عن جهاز قمع مكون من جيش وشرطة ومخابرات وسجون هدفه الأساسي الحفاظ على النظام وليس الدفاع عن جماهير الشعب. قد يكون هذا الجهاز القمعي همجيا وبدائيا وقد يكون متطورا. وبالتالي يستعمل كل جهاز الأساليب التي تلائمه في التعذيب.
لقد قطعت الدول الحديثة وخصوصا الدول المتطورة صناعيا وتكنولوجيا شوطا بعيدا في تطوير جهازها القمعي. وهي تمارس شتى أنواع التعذيب بينما تعلن صباح مساء التزامها وتمسكها بالاتفاقات الدولية المناهضة للتعذيب. ولعل الممارسات الأمريكية في سجن أبو غريب وغوانتنامو وغيرهما من السجون المعروفة والسرية خير مثال على ذلك ولكنها ليست المثال الوحيد. ينبغي ألا ننسى أن الهدف من التعذيب الأمريكي هو نشر الحرية والديمقراطية.
أما دولة إسرائيل فقد طورت أساليب التعذيب حتى جعلت منه علما وفنا. في البداية كانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تركز على استعمال التعذيب الجسدي للمعتقلين من أجل انتزاع الاعترافات والمعلومات منهم. في الوقت نفسه كانت تنفي اللجوء إلى التعذيب وتدعي أن المعتقلين قدموا اعترافاتهم بمحض إرادتهم وأن الكلام عن التعذيب ليس إلا افتراء على الأجهزة الأمنية الأكثر أخلاقية في العالم، على غرار الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. مع الوقت ومع تطور الصراع طورت هذه الأجهزة أساليبها في التعذيب وأخذت تركز على التعذيب النفسي والذهني مع أنها لم تتخلى عن التعذيب الجسدي الذي حددته محكمة العدل الإسرائيلية العليا وبهذا أصبحت إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تجيز استعمال التعذيب قانونيا. يرتكز التعذيب النفسي عن العزل التام وإرهاق المعتقل بمنع النوم عنه لفترات طويلة وإخضاعه للتحقيق لساعات طويلة بالإضافة إلى استعمال الوسائل الحديثة التي تهدف إلى كسر معنويات المعتقل وتدمير شخصيته. لقد استشهد العشرات من المناضلين خلال التحقيق معهم بينما لا يزال الآلاف من المعتقلين يعانون من آثار التعذيب حتى بعد سنين طويلة من خروجهم من السجون الإسرائيلية.
حسب رأيي تعريف التعذيب في المواثيق الدولية ضيق وناقص وعلى المختصين في هذا المجال إعادة النظر في هذا التعريف. فالتعذيب لا يقتصر على ممارسات الأجهزة الأمنية في السجون وفي أقبية التحقيق، بل هو أوسع من ذلك بكثير. أليس الحصار المفروض على غزة هو شكل من أشكال التعذيب؟ أليست سياسة هدم البيوت واقتلاع الأشجار ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وإرهابهم شكلا آخرا من أشكال التعذيب؟ وماذا عن الجدار الفصل العنصري ومئات الحواجز وسياسة الاعتقالات والمداهمات العشوائية للبيوت والتصفيات الجسدية؟ أليست هذه تعذيبا على نطاق جماعي؟ هل يمكن الفصل بين ما يدور داخل السجون والمعتقلات وبين ما يدور خارجها؟ هل يكفي أن نضع ما يدور في أبو غريب وغوانتانمو مثلا في خانة التعذيب وتدمير العراق وقتل العديد من أهله خارج هذه الخانة؟ هل يمكن التمييز بين من يستشهد برصاص الجنود أو المستوطنين وبين من يستشهد على أيدي المخابرات؟
قلت انه كلما تطورت الدولة كلما تطورت أساليب التعذيب التي تستعملها. الأمة العربية ابتليت بدول متخلفة وما زالت تستعمل أساليب متخلفة في التعذيب. ما يجري في سجون مصر وسوريا والأردن والسعودية وغيرها من الدول العربية لا يعلمه غير الأجهزة الأمنية وغير الله. من حين لآخر تتسرب بعض المعلومات التي تقشعر لها الأبدان. هل تستطيع دول كهذه أن تكون طرفا في أي نضال تحرري؟
ونحن، الشعب الفلسطيني، أنعم الله علينا بدولة ممسوخة أو بالأحرى بدولتين ممسوختين واحدة في الضفة الغربية وأخرى في قطاع غزة. وها هي سجون السلطة تمتلئ بالمساجين بعدما أصبح فدائيو الأمس سجانين اليوم يزجون بالمقاومين الجدد في بالسجون. تعلمنا أساليب التعذيب من إسرائيل بسرعة فائقة وفي كثير من الأحيان تفوقنا عليهم. إن الكلام عن التعذيب في السجون الإسرائيلية يكون مجرد جبن ونفاق إذا صمتنا عن التعذيب في سجون السلطة أو في سجون الحكومة المقالة في قطاع غزة. لقد أصبح معروفا أن أجهزة أمن السلطة تعمل تحت إشراف، رقابة وتدريب أجهزة الأمن الأمريكية والإسرائيلية وهي مجتمعة المسئولة عن التعذيب في السجون الفلسطينية.
مناهضة التعذيب على الصعيدين المحلي والعالمي هي رافد من روافد النضال من أجل الحرية.

Wednesday, June 23, 2010

من أجل إنقاذ محمود درويش من "المستورثين"

علي زبيدات – سخنين

قبل حوالي اسبوعين جرى احتفال رسمي وشعبي في كفر ياسيف بمناسبة إفتتاح "مؤسسة محمود درويش للإبداع" وصفه القيمين عليه بأنه كان احتفالا مهيبا. وقد انفردت صحيفة حديث الناس بتغطية موسعة لهذا الاحتفال، هذا بالإضافة إلى مقال بقلم المحامي جواد بولس بهذه المناسبة وعن أهداف هذه المؤسسة نشرته الجريدة نفسها. أقول مسبقا، منعا لأي التباس، أن هذه المقالة ليست عن محمود درويش كشاعر أو كسياسي أو حتى كمهجر أو لاجئ. لا يستطيع أحد أن ينكر مكانة درويش وقيمته اللامحدودة وتأثيره على القضية الفلسطينية. ولا اعتراض لدي على التسميات التي أطلقت على الشاعر مهما بلغت من مبالغة مثل: شاعر فلسطين، شاعر الثورة والمقاومة ورمز الثقافة الفلسطينية الإنسانية وغيرها من الأوصاف العاطفية التي تميز ثقافتنا في المجاملات خصوصا في حالات الرحيل عن هذه الحياة. في نهاية المطاف، كل واحد حر في رأيه. هذا لا يعني بطبيعة الحال أن محمود درويش فوق النقد وأن هناك ثمة مسوغ لرعاية نوع من عبادة الشخصية.

على كل حال محمود درويش ليس بحاجة لشهادة مني أو من غيري لإثبات مكانته الخاصة في مجمل القضية الفلسطينية. ولكن يبدو أن البعض بحاجة لمحمود درويش ليثبتوا مكانة لا يستحقونها في القضية الوطنية الفلسطينية وهذا ما كشفه لنا مرة أخرى الاحتفال الأخير في كفر ياسيف. هذه المقالة عن هذا البعض الذي اسميه مجموعة من "المستورثين" مع الاعتذار للسيدة سهى عرفات التي قد تكون تحتفظ بحقوق ابتكار واستعمال هذه المصطلح.

يقول المحامي بولس في مقالته أن الاحتفال كان مميزا بالحضور الذي شمل وفد رفيع المستوى من السلطة الفلسطينية برئاسة رئيس حكومتها سلام فياض بالإضافة إلى بعض أعضاء الكنيست العرب والوزير السابق يوسي سريد وغيرهم، ويتابع المحامي قوله:" إننا نصر أن تبقى المؤسسة خارج تأثير أي حزب أو فصيل أو مجموعة ذات مآرب فئوية". لا أدري إذا كان أحد يصدق مثل هذا الكلام بينما جرى الاحتفال برمته تحت رعاية أكثر شخص مختلف عليه فلسطينيا.

لقد قال محمود درويش ذات مرة: "على الشاعر أن يبقى على مسافة من السياسي. لأن السياسي يتعامل مع الممكن بينما يعبر الشاعر عن الحلم ويتعامل مع المستحيل في السياسة". لكن بعد الشاعر عن السياسي، حسب رأيي، كانت قصيرة جدا وفي بعض الأحيان كانت تتلاشى تماما. قبل اتفاقيات أوسلو كان شاعرنا يمشي جنبا إلى جنب مع السياسي وكان كلاهما يمر في أزمة. بعد اتفاقيات أوسلو اتسعت المسافة بعض الشيء وقد وصف درويش الوضع الذي تمخض عن هذه الاتفاقيات، كمن يخرج المحتل من غرفة نومه إلى الشرفة. بالنسبة للشاعر الشرفة مجال ضروري لاستنشاق الهواء واستمداد الوحي من أجل التواصل مع الحلم ولكنها ليست كذلك بالنسبة للسياسي. لو أخرجت اتفاقيات أوسلو المحتل إلى الساحة الخلفية مثلا لربما اختلفت الأمور. ولكن ها هو المحتل يعود بعد حوالي 20 سنة إلى غرف النوم ولكن هذه المرة بدون أن يقض مضجع النائمين.

احتفال كفر ياسيف يعيد الشاعر بعد رحيله للارتماء في أحضان السياسي.

في الحقيقة كثرة التكريمات التي نالها الشاعر منذ وفاته وحتى اليوم يفوح منها رائحة فاسدة. بدأت منذ اليوم الأول لوفاته. فقد أصرت السلطة على دفنه في رام الله ضاربة بعرض الحائط برغبة ذويه وأصدقائه ورغبته هو نفسه بأن يدفن في الجليل مكان ولادته ومرتع طفولته وصباه. ما زلت أذكر النقاش الساخن الذي دار حول مكان الدفن. وكيف أرسلت السلطة وفدا رفيع المستوى للضغط على أهله لقبول دفنه في رام الله تحت تبريرات واهية. كانت السلطة بحاجة إلى أيقونة أخرى إلى جانب عرفات لكي تعزز من شرعيتها المهزوزة ولكي تمارس عملية التسول السياسي عليها. عرفات دفن في المقاطعة بعد أن تحولت المقاطعة من ثكنة محاصرة إلى بؤرة للتنسيق الأمني. ودرويش دفن في "قصر الثقافة" التطبيعية على ارض مسروقة من أصحابها.

لم يكن هذا "التكريم" عفويا. بل جاء ليقول لدرويش الشاعر اللاجئ ولغيره: من حقك أن تحلم في العودة ولكن ليس من حقك أن تعود ولو كنت ميتا.

لم يكن هذا"التكريم" الوحيد المخجل الذي منحته سلطة رام الله للشاعر. فقد أعلنت قبل عدة أشهر يوم مولده كيوم الثقافة الوطنية الفلسطينية. وأحيت هذا اليوم في احتفال راقص في قصر الثقافة. وتحت رعاية من؟ حزرتم، تحت رعاية رئيس الحكومة الفلسطينية الذي يعدنا بدولة فلسطينية مستقلة في غضون عامين. لا أدري ما سر العلاقة بين الشاعر ورئيس الحكومة. وبما إنني شخصيا لا أؤمن بالصدفة لذلك لم تكن دعوته إلى احتفال كفر ياسيف من باب الصدفة.

طبعا لا يمكن أن أنسى "تكريما" مخجلا آخرا للشاعر في قريته غير المهجرة التي يترأس بلديتها شخص معروف بعلاقاته الحميمة مع السلطات الإسرائيلية. وذلك بإقامة نصب تذكاري للشاعر في وسط البلد حيث سار المحتفلون وراء العلم الإسرائيلي من النصب التذكاري إلى مكان الاحتفال.

ولنعود إلى الاحتفال الأخير في كفر ياسيف. لست ناقدا أدبيا ولا يهمني كثيرا إذا كان الشاعر ندم أو تخلي عن بعض قصائده مثل: بطاقة هوية أو عابرون في مكان عابر أو محمد الدرة أم لا. فبعد أن تم نشر هذه القصائد لم تعد ملكا للشاعر أو لأي شخص آخر بل أصبحت ملكا للقراء. من المخجل أن يدعى الوزير السابق يوسي سريد بصفته صديقا للشاعر لكي يخبرنا أن درويش ندم على كتابة بعض قصائده. وأن يبعث كاتب صهيوني آخر معروف بعنجهيته وعنصريته المبطنة هو عاموس عوز بكلمة تتلى على الحضور يكيل المديح على الشاعر ويشبهه بشاعر الصهيونية الوطني حاييم نحمان بيالك، على غرار تشبيه رئيس حكومة السلطة بمؤسس الصهيونية هرتسل.

لست ضد تكريم المبدعين خصوصا إذا كانوا بهامة محمود درويش مهما اختلفنا حول التفاصيل. على العكس من ذلك فالتكريم ضروري وواجب. ولنتعلم من الحركة الصهيونية نفسها التي تكرم كل من ساهم في خدمتها مهما كان دوره ضئيلا وأسماء المدن والشوارع والمؤسسات الإسرائيلية تشهد على ذلك وتبرزه بشكل يفقئ العيون. علينا أن نكرم كل من ساهم في حمل الهم الفلسطيني والقضية الفلسطينية. ولكن التكريم شيء و"الاستيراث" شيء آخر.