Thursday, January 26, 2017

عالمنا في الشهر الاول

عالمنا في الشهر الاول
علي زبيدات - سخنين

ها هو الشهر الأول من العام الجديد قد أشرف على نهايته. وبعيدا عن الامنيات والتمنيات التي رافقت وداع العام المنصرم واستقبال العام الجديد، يبدو أن هذا العام لن يخيب آمال أحد فهو مثقل بالأحداث ككل عام وربما أكثر قليلا وعلى كافة الأصعدة: العالمي والإقليمي والمحلي. وتستحق جميعها التوقف عندها والتأمل في أعماقها ومن ثم الكلام والكتابة عنها. على الصعيد العالمي، انتهى العام الماضي بانتخاب دونالد ترامب رئيسا لأقوى دولة في العالم بعد حملة انتخابية لم تشهد الساحة السياسية الأمريكية مثلها من قبل كان عنوانها من غير منازع: نشر العنصرية والكراهية ضد "الأجانب".
وبدأ العام الجديد بتسلمه مقاليد الحكم فعليا لكي يبدأ بتنفيذ ما وعد به. وبالفعل عند كتابة هذه السطور كان الرئيس يوقع على مراسيم تلغي تأشيرات الدخول لأمريكا  لسبع دول إسلامية وبناء جدار على طول الحدود مع المكسيك ومراسيم أخرى تحدد علاقة امريكا بمؤسسات دولية. وكانت هذه البداية فقط. في باريس عقد مؤتمر للسلام في الشرق الاوسط طال انتظاره ولكنه انتهى بسرعة وبدون أية نتائج تذكر ما عدا تكرار المكرر واجترار المجتر.  مؤتمر غريب عجيب آخر يعقد وينتهي في استانة عاصمة كازاخستان بين النظام السوري والمعارضة المسلحة برعاية روسيا وتركيا وإيران مع إقصاء بامريكا وكافة الدول العربية.
الوضع الإقليمي يشهد استمرارية من العام الماضي وتجديدات خاصة بالعام الحالي. تحالفات جديدة وصراعات قديمة. في سوريا يتكلمون عن هدنة سبقتها هدنات وسوف تتلوها هدنات بينما يستمر القتل والدمار بوتائر متفاوتة، جرائم تقترف في وضح النهار وأمام العالم لكنها تسجل ضد مجهول، فلا القاتل يحاسب ولا المقتول ينصف. تركيا تبتعد عن أمريكا وتقترب من روسيا. أمريكا تتقهقر وروسيا تتقدم. الصراع الطائفي بين إيران والسعودية الذي تنبعث منه رائحة نفط قوية يلوث أجواء العالم العربي من اقصاه الى اقصاه.
لنترك العالم يتخبط بصراعاته وتحالفاته ولنلق نظرة سريعة على أوضاعنا المحلية. في غزة يدخل الحصار عامه العاشر والناس صابرون، بعض المظاهرات ضد انقطاع الكهرباء تقمع بشراسة، المهم أن يبقى صمام الأمان متينا ومتماسكا بفضل الاتفاق التركي-الإسرائيلي وصدقات الدول المانحة، حيث يدخل كل شيء إلى غزة بالقطارة. في الضفة الغربية الاحتلال بصحة جيدة بفضل التنسيق الأمني وبفضل النضال "الذكي" الذي تخوضه سلطة أوسلو. يعرضون علينا، للهو والتسلية، مسرحية "عمونا" وفي الوقت نفسه يتمددون في كافة الاتجاهات. تطير فتح وحماس وباقي الفصائل إلى موسكو من أجل عيون المصالحة، يأكلون ويشربون ويقضون ليال حمراء برفقة الحسناوات الروسيات ومن ثم يعودون إلى صراعاتهم القديمة. السلطة الفلسطينية تسجل انتصارين في فترة قصيرة. الاول: قرار من حبر على ورق صادر عن مجلس الامن يعتبر الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية غير شرعي ولكنه في الوقت نفسه يشرعن ما هو أخطر من الاستيطان. والانتصار الثاني: عقد المؤتمر الدولي للسلام في باريس بالرغم من معارضة إسرائيل، ولا يهم إذا خاض هذا المؤتمر بكل المواضيع في الدنيا ماعدا السلام. فالانتصارات الوهمية هي الأخرى انتصارات.
عندنا، القضية الملتهبة هي قضية هدم البيوت، أولا في قلنسوة ومن ثم في أم الحيران والحبل عالجرار. وهذه قضية قديمة جديدة تشهد تصعيدا تارة وركودا تارة أخرى. لكنها سياسة إسرائيلية ثابتة منذ قيام هذه الدولة. وهنا ايضا من حقنا أن نعلن عن انتصارات وإن كانت وهمية هي الأخرى أسوة بإخواننا الفلسطينيين. فخلال فترة قصيرة من الزمن قمنا بإضرابين ناجحين ومظاهرة جبارة في قلنسوة بالإضافة إلى العديد من النشاطات ضد الهدم شملت أماكن عديدة على طول وعرض البلاد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل استطاعت كل هذه التحركات أن تمنع هدم بيت واحد؟ والجواب هو: حتى الآن لا، واشك أن تستطيع ذلك في المستقبل.
رد الفعل حتى عندما يكون جيدا وناجحا يبقى رد فعل. التغيير يأتي عندما يتحول رد الفعل إلى أخذ زمام المبادرة. زعامتنا بكافة تركيبتها ومستوياتها ما زالت أسيرة سياسة رد الفعل ويبدو انها لم تسمع بشيء اسمه روح المبادرة، حتى عندما يتكلمون عن تخطيط بديل يبقى هذا التخطيط خاضعا لاعتبارات استراتيجية رد الفعل.
أعمال الهدم الأخيرة أثبتت أن الطاقة الشعبية المناهضة لهذه الأعمال والقادرة على إحباطها موجودة تبقى مهمة جمعها تنظيمها، تعبئتها وتفجيرها في الاتجاه الصحيح. الجماهير مستعدة أن تضرب وأن تتظاهر ولكن فقدان الاستراتيجية يفقد الإضراب والمظاهرات مفعولها.
الاحتجاج على هدم بيت ضروري جدا ولكن الاهم منه هو أن نبني بدل البيت المهدوم بيتين أو ثلاثة. يجب ألا تكون شرعية البيوت العربية مستمدة من قوانين التنظيم والبناء العنصرية ولا من قرارات الوزارات الإسرائيلية المختلفة، ويجب ألا تكون خاضعة لسياسة الميزانيات بالتواطؤ مع أعضاء الكنيست العرب ورؤساء السلطات المحلية العربية. شرعية البيوت العربية يجب أن تكون مستمدة فقط من حاجة الجماهير العربية لها لكي تعيش حياة إنسانية كريمة.

ر/

Thursday, January 12, 2017

صناعة الرعب

صناعة الرعب
علي زبيدات - سخنين

هناك نوعان من الرعب (ويمكن استعمال أحد مرادفاته: هلع، خوف، ذعر) تصنعهما دولة إسرائيل بجودة عالية وتكثف من استعمالهما. أسمي النوع الاول "رعب سلبي" وهو موجه للمجتمع الإسرائيلي نفسه، وأطلق على النوع الآخر اسم "رعب إيجابي" وهو الذي يصنع خصيصا لدبه في قلوب الفلسطينيين بشكل خاص وفي قلوب العرب والعالم بشكل عام.
ما زالت الصور التي نقلتها القنوات الاسرائيلية ووسائل اعلامها الأخرى عن العملية الفدائية التي وقعت في خريف 2015 ماثلة أمام عيوننا. واقصد هنا صور الرعب والهلع التي سيطرت على كافة المتواجدين من رجال الأمن وحتى الناس العاديين الذين تواجدوا هناك من باب الصدفة. صور لرجال أمن مسلحين يهربون بكل اتجاه، صور لرجل أمن يطلق النار على مواطن من اريتريا لم يكن له ضلع في العملية لا من قريب ولا من بعيد فقط لأنه رأى أمامه شخص لون بشرته كان يختلف، صور لمواطنين اسرائيليين ينفذون لينشا في مواطن ارتري ويضربونه حتى الموت حتى بعد اطلاق النار عليه. هذا المشهد تكرر مرات عديدة وفي أماكن مختلفة كان أشهرها في أعقاب العملية التي نفذها نشأت ملحم في تل أبيب بعد العملية الأولى بأشهر قليلة حيث تم إغلاق تل أبيب من كافة الاتجاهات لفترة اسبوع تقريبا وكأنها تخضع لأوامر منع تجول صارمة. بل يمكن القول أن منطقة المركز بكاملها قد تم إغلاقها. وكان أخرها عملية دهس الجنود في القدس حيث هرب عدد من الجنود المسلحين حالما شاهدوا الشاحنة تدهس زملاءهم مما اثار استياء الجهات الأمنية المختصة التي طالبت بإجراء تحقيق في مثل هذه السلوكيات. حجز جثامين منفذي هذه العمليات ورفض السلطات إعادتها لذويهم إلا بعد فترة طويلة لا يمكن فصلها عن حالة الرعب والهلع التي تجتاح المجتمع الاسرائيلي بغض النظر اذا كان منفذ العملية طفل أو طفلة لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره أو رجل بالغ يحمل بين طيات ثيابه حسب الادعاءات سكينا.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن تفسير حالة الرعب والهلع التي تنتاب المجتمع الإسرائيلي بعد كل عملية بغض النظر عن حيثياتها وعن نتائجها ومنفذيها؟ قد يقول البعض هذا رد فعل طبيعي لمن يريد الحفاظ على حياته وامنه. قد يحتوي هذا التبرير على بعض الحقيقة ولكنه غير كاف لتفسير هذه الظاهرة الهستيرية بكافة جوانبها. أظن أن تفسير هذه الظاهرة أبعد مما نراه بكثير وأظن أنه مخطط لها استراتيجيا من قبل كافة أجهزة الدولة وخصوصا الاجهزة الامنية، والسياسية والتربوية وذلك للحفاظ على سلامة واستمرارية النظام الإسرائيلي ككل. حالة الرعب الجماعية ضرورية لتبقي كافة الاسرائيليين متكتلين وراء حكومتهم خصوصا بعد نجاحها في زرع الفكرة التي تقول أن كافة الفلسطينيين هم أعداء وأن الدولة هي ملاذها الوحيد. من وجهة نظر الطبقات الحاكمة، هذه السياسة المبنية على التحريض ونشر الكراهية والحقد هي الضمان الوحيد لسلامة النظام الكولونيالي في البلاد. يوجد لحالة الرعب هذه التي تسيطر على المجتمع الإسرائيلي فوائد أخرى أهمها أنها تتيح لابواق الدعاية الصهيونية أن تصور الإسرائيليين في أعين العالم على أنهم ضحايا لإرهاب همجي الذي يتيح بدوره ابتزاز تعاطف الحكومات والشعوب الأجنبية، وتصوير الجرائم الإسرائيلية المقترفة في حق الشعب الفلسطيني وكأنها دفاع عن النفس وبالتالي من حقهم قتل الفلسطينيين حتى عندما لا يكون سبب مباشر لذلك.
بالمقابل يوجد هناك رعب من نوع آخر تصنعه الدولة، وخصوصا من خلال اجهزتها الامنية، وتزرعه في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني. لقد نجحت المؤسسة الإسرائيلية في نشر هذا الرعب بين أوساط واسعة من مجتمعنا الفلسطيني، إذ لا يمكن تجاهل الرعب الذي تبثه هذه الأجهزة من جنود وحرس حدود وشرطة وسجون وشين بيت ويسام وموساد وغيرها. هذا الخوف الذي يمنعنا من الرد على الجرائم المقترفة في حقنا بشكل لائق يرتقي إلى مستوى هذه الجرائم. يمنعنا من النزول إلى الشوارع بشكل مكثف، يمنعنا من المواجهة مع الأجهزة الأمنية مهما كان السبب. كما حدث مؤخرا في هدم البيوت في قلنسوة حيث تخاذلت الجماهير من النزول للشوارع والذين تواجدوا وقفوا مكتوفي الأيدي يتفرجون على البلدوزرات وهي تقوم بعملها. فإذا كان النوع الأول من الرعب، "الرعب السلبي" يهدف الى توحيد الإسرائيليين خلف حكومتهم فان النوع الثاني والذي  سميته "الرعب الإيجابي" موجه لقمع وشل حركة جماهيرنا ومنعها من المطالبة بحقوقها المشروعة.
المهمة الأساسية التي تواجهنا هو كسر والتخلص من حالة الرعب هذه. وهذا الأمر ممكن على ضوء تجربتين جادتين كادتا أن تحطم حاجز الخوف تماما. الحالة الاولى في يوم الارض الاول والحالة الثانية في هبة القدس والاقصى. ولكن في كلتا الحالتين تم جبر هذا الكسر من قبل الحكومة بالتعاون مع زعامتنا . الظروف الراهنة تجعل من محاولة ثالثة مطلبا وطنيا يمكن تحقيقه.