Thursday, September 22, 2016

اين العرب على خارطة العالم؟

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000012766 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000012750
أين العرب على خارطة العالم؟
على زبيدات – سخنين
من بين النتائج التي تمخضت عنها الحرب العالمية الثانية قيام معسكرين على صعيد السياسة العالمية، متنافسين ومتناقضين من جهة ومتعاونين من جهة اخرى. كانت التسمية الشائعة لهذين المعسكرين: المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي. طبعا، لم يخل هذا التقسيم العام من الاشكاليات خصوصا حول دور الدول الاخرى التي كانت معدودة على هذا المعسكر أو ذاك واذا كان هذان المعسكران يعكسان بالفعل وعلى ارض الواقع تسميتهما (الرأسمالي والاشتراكي) على الطايع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول المنضوية تحت كنفيهما. وقد تم التعارف على تسمية هذه الفترة بالحرب الباردة وكان من ابرز تجلياتها قيام حلف الشمال الاطلسي (الناتو) العسكري الذي يمثل المعسكر الاول وحلف وارسو الذي يمثل المعسكر الثاني. كانت الحرب الباردةتعكس العلاقة بين الدول المركزية في هذين المعسكرين ولكنها كانت حربا ساخنة في العديد من دول الاطراف حيث كانت تدور هناك العديد من الحروبات الطاحنة بالوكالة. على سبيل المثال لا الحصر الحرب الكورية والفيتنامية والحروب ضد الاستعمار القديم في افريقيا وامريكا اللاتينية. في مرحلة معينة بدأت بعض الدول تتذمر وتتململ من هذا التقسيم القاتل بالنسبة لها بينما توصلت الدول المتطورة في كلا المعسكرين إلى صيغة من التعايش السلمي في ظل الرعب والردع الذي فرضته الاسلحة النووية. فحاولت هذه الدول أن تنظم نفسها في معسكر ثالث سمي حركة عدم الانحياز. كان المؤتمر التأسيسي في باندونغ عام ١٩٥٥ بمبادرة من الزعيم الهندي نهرو والمصري جمال عبدالناصر واليوغسلافي تيتو. وخلال فترة وجيزة استطاعت حركة عدم الانحياز ضم العديد من دول العالم الثالث التي كانت تتوق للابتعاد عن اجواء الحرب الباردة. بعد وفاة القادة المؤسسين تراجعت اهمية هذه الحركة حتى تلاشت تماما مع انها ما زالت قائمة رسميا وتضم حوالى نصف دول العالم. اهمية المرحلة الاولى لحركة عدم الانحياز والتي امتدت لحوالي عقدين من تأسيسها، أن العرب ممثلين بالزعيم المصري جمال عبد الناصر في هذه المرحلة فقط كانوا موجودين على الساحة السياسية العالمية.
في بداية سنوات التسعين، مع انهيار الاتحاد السوفياتي، انهار معه المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو وبقي هناك معسكر واحد مهيمن هو المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية. في هذه المرحلة لعبت امريكا دور الشرطي العالمي بدون منازع فكانت تتدخل اينما تشاء وكيفما تشاء. الا ان هذه الفترة لم تطل كثيرا فقد بدأت الازمات الاقتصادية تعصف بها وبالدول المتطورة المتحالفة معها في اوروبا الغربية، هذا بالاضافة إلى سياسة التمرد على السياسة الامريكية التي اخذت تجرف العديد من دول العالم الثالث.
في بداية القرن الواحد وعشرين أخذت روسيا تعود لكي تملأ الفراغ الذي تركه انهيار الاتحاد السوفياتي. وبدأت تخوض منافسة شرسة مع امريكا وحلفائها. وها هو العالم يتم تقسيمه مرة اخرى الى معسكرين أعادا سياسة الحرب الباردة لأن رعب التوازن النووي يؤجل التصادم الساخن بين القوتين العظميين. وفي الوقت نفسه عادت الحروب الساخنة بالوكالة إلى الدول النامية. وقد اتاح هذا الصراع الشرس بين امريكا وروسيا وجود قوى اقليمية تنفذ سياسة احدى القوتين العظمى بما ينسجم مع مصالح الطبقات الحاكمة في تلك الدول. في منطقتنا العربية يوجد ثلاثة قوى اقليمية لا يوجد بينها اية دولة عربية. وهي: اسرائيل وايران وتركيا. لست هنا بصدد الكلام عن دولة اسرائيل كقوة اقليمية فقد نجحت منذ قيامها وحتى اليوم بأن تلعب الدور الحاسم في سياسة المنطقة بفضل جيشها الذي يعتبر رابع اقوى جيش في العالم وبسبب تطورها الصناعي والتخنولوجي والدعم الهائل الذي تتلقاه من امريكا والدول الاوروبية. ايران اصبحت القوة الاقليمية الثانية، ليس بفضل برنامجها النووي فحسب لان هذا البرنامج نفسه كان نتيجة لاستقرارها الداخلي وتطورها الاقتصادي واستغلالها لثرواتها الطبيعية ولنجاعة نظامها بالرغم من مساوئه السياسية والاجتماعية. وها نحن نراها تلعب دورا سياسيا حاسما في المنطقة وخصوصا في العراق وسوريا واليمن.
تركيا هي القوة الاقليمية الثالثة. فقد استطاعت في السنوات الاخيرة ان تقفز قفزة نوعية وخصوصا في المجال الاقتصادي واستقرار النظام بالرغم من الصراعات الطبقية والاثنية التي تعصف بها منذ وقت طويل. فنراها تتدخل في شوون الدول المجاورة وخصوصا في سوريا. واصبحت الدولة الاولى من حيث تأثيرها على قطاع غزة بفضل علاقتها الجيدة مع اسرائيل من جهة ومع حماس من جهة اخرى. التوافق الامريكي - الاوروبي - الروسي منح هذه الدول الثلاث مساحة واسعة لكي تلعب دور القوة الاقليمية.
مرة أخرى يغيب العرب تماما عما يجري في بلدانهم. تبقى مصر هي المرشحة العربية الوحيدة التي تستطيع أن تلعب دور القوة الاقليمية. جميع الظروف الموضوعية متوفرة من حيث عدد السكان والمساحة والموارد الطبيعية. العامل الذاتي هو العامل الغائب، أي النظام الوطني التقدمي. عندما كان هذا العامل متوفرا زمن عبد الناصر لم تكن مصر قوة اقليمية فحسب بل كانت زعيمة لحركة عدم الانحياز العالمية ايضا. غياب مصر على هذا الشكل الكارثي ترك الساحة لاقزام من امثال السعودية وقطر والامارات. مصر كانت وما زالت بوابة العرب للعودة الى خارطة العالم.

Wednesday, September 07, 2016

صبرا وشاتيلا أولا - أيلول يأتي قبل تشرين

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000011265 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000011249
صبرا وشاتيلا أولا
ايلول يأتي قبل تشرين
على زبيدات – سخنين
لفت انتباهي خبر عادي قرأته بطريق الصدفة على احد المواقع الاخبارية المحلية يفيد بان المجلس العام للجنة المتابعة العليا سوف يناقش في اجتماعه الدوري القادم (غدا الخميس، عند نشر هذه المقالة سيكون الاجتماع قد انتهى) كيفية احياء ذكرى هبة القدس والاقصى بالاضافة لموضوعات اخرى. ونوه الخبر ذاته انه قد جرى اجتماع آخر قبل اسبوع بمشاركة وفد من ذوي الشهداء وتمت مناقشة هذا الموضوع ، ومن المفروض ان يطرح رئيس لجنة المتابعة محمد بركة تصورات سكرتارية لجنة المتابعة لشكل احياء الذكرى، مناقشتها واتخاذ القرار فيها.
من الجيد جدا تتمسك جماهيرنا باحياء هذه الذكرى للمرة السادسة عشرة بالرغم من كافة الانتفادات الموجهة لشكل احياء هذه الذكرى من اطراف وجهات عديدة. ولا انفي انني شخصيا من ضمن الذين يوجهون الكثير من الانتقادات. في الحقيقة، انتقاداتي نفسها تتكرر كل سنة تقريبا، حتى بدأت افكر بالتوقف عنها لانها تكاد تخلو من اي شيء جديد. كنت اتساءل دائمت: لماذا نصر على احياء ذكرى الشهداء الثلاثة عشرة بمعزل وبشكل منفصل عن ذكرى مئات الشهداء الذين سقطوا خلال الانتفاضة نفسه،ا في القدس والخليل ونابلس وجنين وغزة وتقريبا في كل مدينة وقرية فلسطينية؟ في الوقت الذي نؤكد فيه باننا جزء لا يتجزأ من شعب واحد وان قضيتنا واحدة؟. التساؤل الثاني الذي مان وما زال يقلقني واعبر عنه كل سنة تقريبا: لماذا نقفز عن احياء ذكرى ابشع مجزرة عرفها شعبنا في تاريخه المليئ بالمجازر؟، وهي مجزرة صبرا وشاتيلا والتي حدثت في ١٦-١٨ أيلول اي بفارق أيام قليلة عن ذكرى هبة القدس والاقصى؟ هل من الغريب ان تدرج اللجنة التمثيلية الاعلى لجماهيرنا احياء ذكرى هذه المجزرة على جدول اعمالها لمناقشتها واتخاذ القرار المناسب بشأنها؟ وإذا لم تفعل ذلك من تلقاء نفسها، فهل من الغريب مطالبتها بذلك؟ .
لست هنا بصدد الكلام بالتفصيل عما جرى في صبرا وشاتيلا في ايلول من عام ١٩٨٢، فقد كتبت المجلدات عن هذه المجزرة الرهيبة. بالرغم من ذلك ما زلنا نجهل الكثير مما جرى حقا. السؤال المهم هنا: ماذا بقى في وجداننا وفي ذاكرتنا الجماعية من هذه المجزرة؟ لا أظن اني ابالغ عندما اقول: لم يبق شيء يذكر. والا كيف يعقل ان تمر هذه الذكرى مرور الكرام وبشكل عابر ولا تهزنا من الاعماق وتخرجنا إلى الشوارع كما اخرجتنا في السنوات الاولى بعد وقوعها؟واذا كان الزمن هو المسؤول عن ذلك فلماذا ابقى هذا الزمن على ذكرى النكبة ويوم الارض وهبة القدس والاقصى؟ واليس من مهمات القيادة الوطنية ان تتحدى الزمن وتبقي الذكرى حية؟
اعتقد ان قرار احياء ذكرى وطنية وتناسي ذكرى وطنية اخرى هو في نهاية المطاف قرار سياسي. هناك قرار سياسي وراء التمسك باحياء ذكرى الشهداء الثلاثة عشر الذين سقطوا في بداية الانتفاضة الثانية بهذا الشكل المنعزل والخاضع لرقابة صارمة وبالمقابل القفز عن احياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا. قد يجد البعض تبريرات جيدة لذلك: الذكرى الاولى اقرب الينا جغرافيا واجتماعيا وسياسيا، اذ نعرف العائلات الثكلى شخصيا، وما زلنا نعاني يوميا من السياسة نقسها التي كان ابناؤنا ضحية لها. قد تفسر هذه التبريرات بعض الجوانب وقد تكون صحيحة بالنسبة لقطاعات واسعة من جماهيرنا ولكنها لا تفسر كافة الجوانب وخصوصا الجوهرية منها. حسب رأيي، بالنسبة لمتخذي القرارات، الامر ابعد من ذلك بكثير ويتعلق بالعلاقة الراهنة والمستقبلية من منظورهم بين الجماهير الفلسطينية والدولة. السؤال الاساسي الذي يقلق متخذي القرارات وقد عبروا عنه في مناسبات عديدة هو: كيف يعقل أن تطلق الدولة النار على مواطنيها؟ أي ان قلقهم الحقيقي يقتصر على "المواطنة" ومستقبلها. أن تطلق الدولة نيرانها على الفلسطينيين الاخرين هو أمر مدان ولكنه يحدث، ولكن أن تطلقها على مواطنيها؟ فهذا لا يجوز. من هذا المنطلق يكون من المسموح المطالبة بمحاكمة اليك رون أو غاي رايف ولكن لا تجوز المطالبة بمحاكمة شارون ورفول على دورهم في مجزرة صبرا وشاتيلا.
من المؤسف جدا ان محاكمة المجرمين في الحالتين أو على الاصح المطالبة بمحاكمتهم لم تسفر عن شيء. ذلك لان حال قيادتنا المحلية كحال قايدتنا على الصعيد الوطني تعيسة ويرثى لها. في هذه المناسبة وللتذكير فقط اذكر هنا بعض المسؤولين عن مجزرة صبرا وشاتيلا منهم من مات ومنهم من زال حيا، وأظن لأسف أن تقديمهم للمحاكمة في هذه الظروف هو آخر ما يقلق راحتهم: ١- أريك شارون ٢- رفائيل ايتان (رفول) ٣- ايلي حبيقة ٤- كوبرا روبير حاتم ٥- أمين جميل ٦- سمير جعجع ٧- اتيان صقر ٨- فادي افرام ٩- فؤاد ابو ناضر ١٠- سعد حداد ١١- وليد فارس ١٢- مارون مشعلاني

Thursday, September 01, 2016

المعتقدات الثابتة والثورات المتجددة

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000012332 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000012316
المعتقدات الثابتة والثورات المتجددة
على زبيدات – سخنين
لم يكن الفيلسوف الالماني هيغل هو الاب الروحي للنظرية الجدلية ولم يكن كارل ماركس كذلك، هذا بالرغم من مساهمتهما الفذة في نقلها إلى ذروة تطورها في الفلسفة المعاصرة مما اهلها لان تلعب دورا حاسما في التاريخ الفكري للبشرية في القرنين التاسع عشر والعشرين. تعود جذورالنظرية الجدلية إلى قرون عديدة خلت، فنجدها باروع صورها في الفلسفة اليونانية القديمة وخصوصا عند هرقليطس وافلاطون. وقد لخصها الاول بمقولته الغنية عن التعريف:” كل شيء يجري (Panta rhei)، لا يمكن الدخول مرتين إلى النهر نفسه".
النظرية الجدلية باختصار شديد هي تلك النظرية التي تقول أن كافة الظواهر: الطبيعية، الاجتماعية، الاقتصادية، الفكرية وغيرها في حركة مستمرة وتطور مستمر وتتعامل معها من منطلق قوانين عامة تحدد العلاقة بين وحدة وصراع الاضداد وتفسر كيف تتحول التراكمات الكمية في مجرى تطورها إلى تحولات نوعية وكيف تنفي بعضها البعض لكي ترتقي إلى درجة اعلى من التطور. على عكس النظرية الميتافيزيائية التي تنظر الى الظواهر منعزلة عن بعضها، متقوقعة داخل ذاتها، وتتطور بشكل تراكمي تتحكم بها قوانين سرمدية لا تتغير ابدا.
المعتقدات الدينية هي نموذج كلاسيكي للنظرة الميتافيزيائية (الغيبية) للعالم، فهي تسير حسب قواعد وقوانين تلائم كافة الازمنة والاماكن، بالرغم من انها نفسها تتطور بشكل جدلي. فالقبائل (الاسباط) اليهودية التوراتية شيء واليهود في زمننا الراهن هم شيء آخر تماما، ولا يكفي ان يردد المصلون اليوم عبارة: "مبارك انت يا رب الهنا ملك العالم.." لاثبات أية علاقة تاريخية فيما بينهم. معظم يهود اليوم لا يؤمنون بالرب الذي وصفه التوراة وبالتالي لا يعتبرون انفسهم شعبه المختار. النظرية الصهيونية هي مفارقة تاريخية لن تصمد طويلا. يمكن قول الشيء نفسه عن الديانة المسيحية فلا يوجد اية علاقة بين معتنقي المسيحية اليوم والذين حسب الاحصائيات تجاوز عددهم المليارين وبين المسيحيين الاوائل حتى ولو رددوا عبارة: بسم الآب والابن والروح القدس كل يوم في شتى ارجاء العالم. الديانة الاسلامية لا تشذ عن هذه القاعدة، فالنطق بالشهادتين: اشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله، لم تنقذ المسلمين من حروبهم الداخلية على مر التاريخ. كذلك الديانات الاخرى مثل البوذية والهندوسية والكونفوشية والزرداشتية وغيرها، المتواجدة اليوم في اماكن شاسعة من عالمنا، ليست هي نفسها التي ظهرت قبل الاف السنين. وعلى غرار مقولة هرقليطس الشهيرة يمكن القول: لا يمكن للمؤمن الدخول إلى نفس الدين مرتين. وربما كانت مقولة تلميذه كراتيلوس هي الاصح عندما قال:”لا يمكن دخول النهر نفسه حتى مرة واحدة"، أي لا يمكن أن يدخل المؤمن الدين حتى مرة واحدة.
لا تنطبق هذه النظرة على المعتقدات الدينية فحسب بل على كافة الايديولوجيات التي تحجرت وتحولت مع الوقت إلى نقيضها أيضا. منها من يدعي تشبثه بالقوانين الجدلية العلمية مثل الماركسية والفوضوية وباقي النظريات الاشتراكية. هذه المعتقدات والايدولوجيات تتحجر مع الوقت وبعضها يتلاشى حتى يزول. أما شجرة الحياة فتبقى يانعة وتستمر بالنمو والتطور ليس بفضل هذه المعتقدات والايدولوجيات المتحجرة بل بالرغم منها. التطور لا بد منه، والسؤال الذي نواجهه اليوم هو السؤال نفسه الذي واجهه كبار المفكرين الثوريين: هل ندع هذا التطور ينمو بشكل عشوائي أم نعمل على ان يتم بشكل واع وهادف؟ احدى مشاكلنا الاساسية اليوم هو انقراض المفكرين الثوريين العظماء.
الثورات التي غيرت وجه التاريخ انتهت ولن تعود بعد ان حققت مهامها. هناك ضرورة لثورات جديدة. لا يمكن فصل الثورة عن مكان وزمان تفجرها وعن خلفيتها الاجتماعية والفكرية والسياسية. هذا لا يعني الا نتعلم من تجاربها ودروسها، من نقاط قوتها وضعفها، من انجازاتها وفشلها، بالعكس لا بد من ذلك وبشكل خلاق ومبدع. ينبغي التخلص من وهم القيام بثورات متطابقة والنضال من أجل تفجير ثورات جديدة تنسجم مع محيطها. الثورة الفرنسية الكبرى لن تعود لانه لم يبق في فرنسا ملك مطلق الصلاحية وطبقة ارستقراطية فاسدة وبرجوازية صاعدة. وكومونة باريس لن تعود. ثورة اكثوبر الاشتراكية لن تعود، فلم يعد هناك قيصر وحرب عالمية ومجاعات وحزب بلشفي ثوري وقيادة ثورية تعرف كيف تقتنص اللحظة المناسبة. كذلك الثورة الصينية والفيتنامية، والكوبية والجزائرية هي الاخرى لن تعود، ولكن ثورات جديدة سوف تنفجر في كل مكان وزمان. أذكر في سنوات مضت أن احدى الفصائل الفلسطينية ارادت أن تطبق استراتيجية الثورة الصينية ورفعت شعار محاصرة القرى للمدن حتى تحريرها وكأن الاردن أو فلسطين هي الصين بمساحتها وعدد سكانها وتركيبة مجتمعها والقوى الفاعلة بها. وبعضهم نادى بخوض حرب تحرير شعبية طويلة الامد على غرار فيتنام، وكأن البلاد مليئة بالادغال وكأن عمان أو بيروت هي هانوي وان العمق العربي هو نفس العمق الذي اعتمدت عليه الثورة الفيتنامية. واذكر ايضا من رفع شعار: كل السلطة للسوفيتات، عندما لم يكن هناك شيء اسمه سوفيتات، وعندما لم يفهم معظم العمال والفلاحين حتى معنى هذه الكلمة.
المعتقدات الثابتة مهما كان مصدرها وشكلها، والتي اكل الدهر عليها وشرب حتى تحجرت لن تسطيع ان تفجر ثورة تقدمية تكون رافعة للمجتمع ليلتحق بركب الحضارة. يجب التخلص منها اولا.