Tuesday, May 31, 2011

أيها الشباب: أتركوا الأحزاب السياسية فورا

أيها الشباب أتركوا الأحزاب السياسية فورا
علي زبيدات – سخنين

في أحسن الحالات، لن تحب الأحزاب السياسية هذه السطور أما في أسوأ الحالات، سوف تشن هجوما كاسحا عليها وعلى كاتبها. ولكن بعد أن بلغ السيل الزبى لم يعد هناك مجالا للتردد أو للشك: لقد أصبحت هذه الأحزاب مقبرة للشباب بدل أن تكون دفيئة لهم يتربون ويترعرعون في أحضانها حتى يأخذوا دورهم في المجتمع.
لعل أهم سمة ميزت ورافقت الثورة العربية في البلدان التي انتصرت بها كما في البلدان التي تعرقلت وتعقدت بها الأمور هو الغياب شبه الكامل للاحزاب السياسية العريقة التي لعبت في أحسن الأحوال دورا هامشيا في التحولات الثورية. ذلك لأن هذه الأحزاب قد فقدت صلتها مع الجماهير وأصيبت بالترهل والتحجر الفكري والشلل في النشاط هذا بالإضافة إلى فساد القيادة والنزاعات الداخلية التي نخرت في أوصالها. أحزاب المعارضة لم تكن تختلف من حيث الجوهر عن الأحزاب الحاكمة. وقد لعب الشباب الدور الرئيسي في هذه الثورات بعد أن نفضوا عن كواهلهم غبار هذه الأحزاب المتراكم، كسروا قيودها، تحرروا من القمع الفكري وأخذوا يبدعون أشكالا جديدة لتنظيم أنفسهم بعيدا عن وصاية ورقابة هذه الأحزاب.
الوضع عندنا لا يختلف كثيرا عن الأوضاع في البلدان العربية الأخرى. الأحزاب السياسية عندنا، هذا إذا استطعنا أن نسميها أحزابا سياسية، فالكثير منها أشبه بعزبة خاصة للزعيم المؤسس وحاشيته من المقربين، قد وقف نموها وتحجر فكرها وتعيش في الوقت الضائع بحكم القوة الدافعة الأولى أو عن طريق التنفس الاصطناعي (التمويل الحكومي).
المصيبة هي أن هذه الأحزاب قد خلقت حركات شبيبة على صورتها، تحمل جيناتها الوراثية. فبينما مثلا تخرج هذه الأحزاب من ثيابها فرحا في حالة فوزها برئاسة بلدية أو مجلس محلي في انتخابات شكلية تقوم على تحالفات عائلية ومصالح شخصية وفساد ورشوات، وإذا حصلت على عضوين أو ثلاثة أعضاء في الكنيست الصهيوني فلا يسعها العالم من الفرحة بهذا الانجاز التاريخي في "العرس الديمقراطي"، نرى حركات الشبيبة التابعة لهذه الأحزاب تتصرف هي الأخرى على النحو نفسه. فيصبح الحصول على مقعد واحد من 40 مقعدا في انتخابات النقابة العامة للطلاب في إحدى الجامعات "نصرا للحركة الوطنية" التي استطاعت إسقاط التحالف المنافس. وتبدأ الاحتفالات بهذا النصر. قرف انتخابات لجان الطلاب العرب في الجامعات الاسرائيلية أو الانتخابات لنقابة الطلاب العامة لا يقل عن قرف الانتخابات المحلية والانتخابات البرلمانية. هل هذه هي النخبة المثقفة التي تبنى عليها الآمال من أجل الانتقال بمجتمعنا إلى غد أفضل؟
ليس من باب الصدفة أن يكون دور ونشاط حركات الشبيبة التابعة للأحزاب العربية مغيبا أو مهمشا. فقد حرصت هذه الأحزاب على قتل روح النقد وكبت الطموح عند الشباب، وقامت بحشوهم بأفكار جاهزة وبشاعرات عقيمة لكي تجعل منهم كوادر مطيعة، يصفقون للقيادة الحزبية وتربيهم على ثقافة التسلق لكي يأخذوا مكانهم في المستقبل. أين الروح التحررية الجامحة التي تضع كل شيء في موضع السؤال ولا تقبل الأشياء مسلمة؟ أين الطموح وروح النقد وأخذ زمام المبادرة والنشاط والحماس والمثالية؟ أقول بدون تلعثم أن الأحزاب السياسية قد اغتالت كل هذه الصفات.
السؤال الذي يجب أن يطرحه الشباب على أنفسهم هنا ويجيبون عليه بكل جرأة وصراحة هو: هل نريد شبابا يقرع الطبول في المسيرات ويصفق للخطباء في المهرجانات؟ هل نريد شبيبة تستنزف طاقاتها في تنظيم مخيمات صيفية لكي يأتي هذا المسئول الحزبي أو ذاك لإلقاء محاضرته المملة؟ أم نريد ما قاله الشاعر نزار قباني بعد النكسة التي تقترب ذكراها: " نريد جيلا غاضبا
نريد جيلا يفلح الآفاق
وينكش التاريخ من جذوره
نريد جيلا قادما مختلف الملامح
لا ينحني، لا يعرف النفاق
نريد جيلا رائدا عملاق."
ألا نريد شبابا يصنع ثورة مثل شباب تونس ومصر؟
ليس من باب الصدفة أيضا أن الشباب الأكثر نشاطا وحيوية في المناسبات الوطنية هم من الشباب الذين تحرروا من القيود التنظيمية التي وضعتها الأحزاب حول معاصمهم. حتى عندما يكونون منتمين لهذا الحزب أو ذاك فغالبا ما يكون نشاطهم بالرغم من الحزب وليس بفضله.
مسيرة العودة الثانية في 5 حزيران على الأبواب. لجنة المتابعة بكل مركباتها الحزبية والمجتمعية لم تحرك ساكنا. الدعوة للمشاركة في مظاهرة تل أبيب عشية ذكرى النكسة من أجل الإعلان عن استقلال دولة فلسطينية وهمية هي هروب إلى الوراء. من الأجدر بشبابنا أن يلتحموا مع شباب فلسطين في كافة أماكن تواجدهم لإنجاح مسيرات العودة حتى تحقيق أهدافها كاملة.
الخطوة الأولى في هذا الطريق الشاق والطويل هي أن يغادر الشباب الأحزاب السياسية فورا وأن يبدؤوا بإبداع أشكال جديدة وخلاقة لتنظيم أنفسهم.

Wednesday, May 25, 2011

أجراس العودة ما زالت تقرع

أجراس العودة ما زالت تقرع
علي زبيدات – سخنين

للأسبوع الثالث على التوالي أكتب عن موضوع العودة، لأنه حسب اعتقادي هو موضوع الساعة على الساحة الفلسطينية. لاحظوا أنني استعملت كلمة العودة فقط، ولم أذكر كلمة "حق" العودة. لم تسقط هذه الكلمة سهوا أو من باب الصدفة، بل كانت مقصودة تماما. بكل بساطة، بعد مسيرة العودة في 15 أيار 2011 يجب أن نتكلم عن العودة مباشرة وبدون مقدمات. عن حق العودة تكلمنا 63 عاما وكان ذلك كافيا بل وأكثر من اللازم. تكلمنا كثيرا، وكثيرا جدا عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إنسانيا وسياسيا وقانونيا. تكلمنا مع أنفسنا ومع غيرنا، لمن يريد أن يسمع ولمن لا يريد أن يسمع. ولكننا لم نفعل شيئا، لم نحرك ساكنا اللهم إلا إذا اعتبرنا الخطابات والشعارات وزيارات قرانا المهجرة عملا. حتى جاء الخامس عشر من شهر أيار وشكل نقطة فارقة، نقطة تحول في مفهومنا للعودة. للمرة الأولى وقف اللاجئون وأنصارهم على أقدامهم وتوجهوا نحو الوطن. لم يزحفوا بالملايين كما كنا نحلم. أتوا بالآلاف وفي بعض الأماكن بالمئات، ولكنهم أتوا. ولكن كان ذلك كافيا لتحويل العودة من مجرد حق إلى عمل سياسي ملموس على أرض الواقع. الحق، كل حق، لا يتحقق من تلقاء نفسه، ولا يتحقق من مجرد الكلام عنه أو حتى من مجرد التمسك وعدم التفريط به. الحق، كل حق، يتحقق من خلال تحويله إلى ممارسة عملية. وهذا بالضبط ما حدث في الذكرى أل 63 للنكبة.
لقد كتبت في الأسبوع الماضي منتقدا موقف لجنة المتابعة والأحزاب السياسية وباقي مؤسسات وجمعيات ما يسمى المجتمع المدني الذين غابوا تماما عن المشهد: لا حضور، لا موقف وحتى لا تصريح. وفقط بعد انتهائه سارعوا بكيل المدائح له. أذكر إني بعدها رأيت الشيخ رائد صلاح في إحدى المناسبات وسألته: أين كانت جميع القيادات التي تزاحمت على الصف الأول في مهرجان الرويس في 10 أيار، لماذا اختفت في 15 أيار؟ أين الآلاف الذين جاؤوا لمهرجان "العودة والبقاء" في كفر كنا؟ فرد علي الشيخ مستعجلا: "خيرها بغيرها". حسنا جدا، أرجو أن يكون الوضع كذلك. ها هي ذكرى نكسة حزيران قريبة وقد أعلن أنها ستكون الجولة القادمة في معركة العودة. فهل سوف تعوضنا هذه القيادات والأحزاب والجمعيات عن غيابها السابق؟
على الجانب الآخر من الوطن الفلسطيني، وقفت الفصائل الفلسطينية التي طبعت على راياتها شعار العودة أيضا وقفة المتفرج، مما عرض الشباب الزاحف على حاجز قلنديا إلى بطش جنود الاحتلال الإسرائيلي والاستفراد بهم. لم نعد نسمع أحد من حركة فتح يقول: "أنا أبن فتح ما هتفت لغيرها ولجيشها المقدام صانع عودتي". باقي الفصائل ليست بأفضل حالا. في الخامس من حزيران سيكون هناك امتحان آخر لهذه التنظيمات ولتلك الفصائل على طرفي خط الهدنة.
قلت في مقال سابق أن مسيرة العودة التي بدأت في 15 أيار يجب ألا تتوقف أبدا مهما كانت الأسباب ومهما كانت الظروف. وهنا أضيف أن أحد شروط انتصار المسيرة هو أن تأخذ زمام المبادرة وتتحرر من مناسبات الذكرى بالرغم من أهميتها في حشد وتعبئة الجماهير. أي انه ينبغي عدم الانتظار لذكرى نكبة أو نكسة أو مجزرة لمواصلة الزحف نحو الوطن. على حركة العودة أن تكتسب ديناميكية ذاتية تدفعها إلى الأمام وإلى الاستمرار. عدد العائدين سوف يزداد مع المثابرة والاستمرار، حتى ميدان التحرير لم يمتلئ بالملايين منذ اليوم الأول.
طبعا دولة الاحتلال لن تقف مكتوفة الأيدي مهما كانت المسيرات سلمية، فقد رأينا كيف قتلت بدم بارد 15 عائدا. وهي لن تتورع عن إطلاق النار على حشود العائدين وقتل المزيد منهم. ولكن هذا يجب ألا يردعنا من جهة ومن جهة أخرى يجب ملاحقة إسرائيل قضائيا وسياسيا في جميع المحافل المحلية والعالمية. وهنا الفت النظر إلى تقصير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية التي تتعامل مع دولة إسرائيل بكفوف مخملية. لماذا لا يتم التوجه إلى أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مثلا ومطالبته بإصدار مذكرة رسمية لاعتقال رئيس الحكومة الاسرائيلية بتهمة إعطاء الأوامر لقتل مدنيين. أم أن مثل هذه المذكرات صالحة للقيادات العربية فقط؟
السؤال الأخير الذي أطرحه هنا على الجميع ومن ضمنها منظمات حقوق الإنسان الناشطة بيننا: ماذا حصل للعائد الأول ابن مدينة يافا حسن حجازي؟ هل ما زال قيد الاعتقال أم هل تم تهجيره ثانية؟ لماذا لم تقم لجنة شعبية للدفاع عنه ومتابعة قضيته؟ لماذا تم تجاهله إعلاميا بعد ظهوره على القناة الإسرائيلية؟ في مسيرات العودة القادمة سوف يكون هناك المزيد من العائدين بشكل فردي أو جماعي وسيكون هؤلاء بحاجة إلى احتضان حماية، فهل نحن على استعداد لذلك؟
يجب ألا ننتظر حتى اللحظة الأخيرة. فإذا عاد اللاجئون إلى مارون الراس فيجب تنظيم مسيرة لاستقبالهم حتى ولو وضعوا الحواجز وأعلنوا عن المنطقة كمنطقة عسكرية مغلقة. وإذا اختاروا نقطة أخرى للعبور فيجب أن نكون جاهزين لاستقبالهم. وإذا حاول العائدون اختراق حاجز قلنديا من الشمال فلماذا لا نلاقيهم من الجنوب.
أجراس العودة التي قرعت في أل 15 من أيار يجب ألا تصمت حتى تحقيق العودة كاملة.

Wednesday, May 18, 2011

وأخيرا أجراس العودة قد قرعت

وأخيرا أجراس العودة قد قرعت
علي زبيدات – سخنين

خلال 63 عاما كنا نحلم بالعودة، ننتظرها بفارغ الصبر، نتكلم مع أنفسنا ومع غيرنا عن حقنا التاريخي والإنساني والسياسي والحقوقي في العودة. كنا نحيي ذكرى النكبة كل عام، حولنا يوم استقلالهم إلى يوم نكبتنا. وكنا نختم هذه الذكرى على أطلال هذه القرية المهجرة أو تلك بالخطابات النارية والشعارات الرنانة حول هذا الحق الذي لا يسقط بالتقادم. وكنا نشعر ونحن نرى الجماهير الغفيرة المشاركة وكأن العودة أصبحت وشيكة وكل ما بقي علينا أن نفعله هو أن نفتح الأبواب لاستقبال جموع العائدين. ومن ثم نعود إلى بيوتنا متفائلين إلى أبعد حدود التفاؤل، راضين عن أنفسنا. ونعود إلى روتين حياتنا اليومية حتى نستيقظ بعد عام لمعركة وهمية أخرى بين نكبتنا واستقلالهم. هكذا كبر فينا الوهم حتى أصبحنا كالمرأة التي تعاني من الحمل الكاذب وأعراضه.
سئمنا من الانتظار، سئمنا اجترار كلماتنا السقيمة وخطاباتنا العقيمة، سئمنا إحياء ذكرى النكبة في الطرق الخلفية بعيدا عن أنظار العالم وكأننا نمارس العادة السرية. هكذا كان حالنا حتى جاء 15 أيار من هذا العام. في هذا اليوم اكتشفنا أمريكا من جديد، اكتشفنا القانون الساذج، البدائي الذي يقول: إذا أردت أن تعرف طعم التفاحة امسك بواحدة منها بيدك ضعها بفمك واقضمها، وإذا أردت أن تعرف طعم العودة أنفض الغبار المتراكم عليك قف، وتحرك وعد. هكذا بكل بساطة.
في هذا العام وقفنا أمام خيارين: إما مواصلة الانتظار بشتى أشكاله وإما البدء بالعودة الفعلية: النزول إلى الشوارع، التوجه نحو الحدود من كل حدب وصوب، تحدي قوات الشرطة والجيش وفتح صدورنا أمام رصاصهم. لا يوجد هناك خيار آخر. الخطوة الأولى كلفتنا 15 شهيدا ومئات الجرحى. الولادة كانت عسيرة ولكن المولود بخير. دولة إسرائيل لن تتورع عن إطلاق النار على المتظاهرين وعلى العائدين مهما كانت مسيراتهم سلمية. هذا الغول "الديمقراطي" سوف يكشف عن أنيابه ويحاول افتراس كل ما يواجهه مهما كان مسالما. ولكن علينا أن نكون كالأساطير الإغريقية، لا بد من مواجهة هذا الغول والانتصار عليه هذا إذا أردنا أن نحظى بحياة حرة كريمة.
مسيرة العودة في 15 أيار 2011، أي بعد 63 سنة من النكبة، هي مسيرة العودة الأولى. أشطبوا من دفاتر يومياتكم كل ما سبق. كانت هذه هي المسيرة الأولى والتي يجب أن يتبعها مسيرات عديدة من نفس النوع ولكن بزخم أكبر. سوف يكون من الخطأ القاتل انتظار 15 أيار القادم للقيام بمسيرة العودة الثانية. التوقف يعني الانتحار، يجب الاستمرار بهذا التحرك أسبوعيا، وإن كان ذلك بالإمكان أكثر من مرة في الأسبوع.. المهم عدم التوقف مهما كانت الظروف ومهما كانت الأسباب والعقبات. إننا نقف اليوم أمام صورة كلاسيكية من التحدي: قوة الحق أمام حق القوة.
لن تكون قضية عودة اللاجئين سهلة، ولكن متى كانت القضايا المصيرية في حياة الشعوب قضية سهلة؟ لن تكون مسيرة العودة نزهة في أحضان الطبيعة. وقد أعطت دولة إسرائيل المؤشر والبرهان على ذلك عندما أطلقت النار وقتلت بدم بارد 15 شهيدا. ولن يكون هناك من يردعها سوى صدور العائدين. الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت موقفها المؤيد لدولة إسرائيل وحقها في "الدفاع" عن نفسها وعن حدودها. هذا الموقف ليس بالمفاجأة. الدول الأوروبية حافظت على تواطئها وفي أحسن الأحوال على صمتها وهذا الموقف أيضا ليس بالمفاجأة، ولا حاجة لمناقشته بعد الآن.
في هذا السياق أود فقط أن أتوقف قليلا عند الموقف العربي والفلسطيني الرسميين. ما قامت به قوات الأمن الأردنية من مهاجمة همجية للعائدين في الكرامة ومنعهم من الوصول للحدود كان متوقعا فالنظام الأردني يقوم بدوره الذي أنشأ أصلا من أجله منذ البداية والذي يتلخص بحماية دولة إسرائيل من الشرق. لكن ما لا يمكن تقبله أو السكوت عليه هو الموقف المصري: لمصلحة من كان إغلاق شبه جزيرة سيناء العربية والإعلان عنها منطقة عسكرية مغلقة؟ لمصلحة من كان إيقاف العائدين والمتضامنين معهم في الإسماعيلية ومنعهم من عبور قناة السويس؟ لمصلحة من كان منع الاقتراب من معبر رفح؟ هل هذا الموقف نابع من روح الثورة المصرية أم من بقايا النظام البائد التي ما زالت تعشش في الكثير من زوايا السلطة؟ كيف يمكن للنظام المصري أن يبرر الوقوف إلى جانب حق العودة وفي الوقت نفسه معارضة تحقيقه.
الموقف الفلسطيني الرسمي لم يكن أفضل من ذلك بكثير، خصوصا على ضوء تصريحات بعض أقطاب السلطة الفلسطينية بمناسبات عديدة على أن حق العودة قابل للتفاوض وأنه يمكن التخلي عنه جزئيا أو كليا، أو تتمسك به كلاميا وتفرط به فعليا. كيف يمكن تحقيق حق العودة في ظل التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال؟ كيف يمكن اجتياح الحواجز وإزالة المستوطنات وقوات الأمن الفلسطينية تساهم في حمايتها؟. لن تنجح مسيرات العودة الحقيقية إذا لم تنطلق أولا من مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وغزة كما انطلقت الانتفاضات.
المصيبة الحقيقية تكمن في موقف ما يسمى زعامات فلسطينيي الداخل. قبل اقل من أسبوع كانوا يتزاحمون على الكراسي الأمامية في مهرجان الرويس ويتصيدون الفضائيات لالتقاط صورهم أو لإجراء مقابلات معهم، وكان مندوبيهم يلقون الخطابات الحماسية من على المنصة. في 15 أيار اختفوا وكأن الأرض قد انشقت وابتلعتهم. لا أحد من هذه الزعامات كانت متواجدا في المسيرة التي كانت متوجه إلى مارون الراس والتي تم إيقافها بالقرب من برعم. لا أدري أين كان رئيس لجنة المتابعة في ذلك الوقت، ولكن أين كان أعضاء الكنيست العرب؟ وزعماء الأحزاب والجمعيات الكبرى؟ والطامة الكبرى أين كانت لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين التي تحتكر النكبة في الداخل كما تحتكر الحركة الصهيونية الكارثة اليهودية؟. هل يعقل أن تكون في 10 أيار من أشد أنصار العودة وفي 15 أيار تختفي وكأنك غير موجود على الإطلاق؟ لقد حدثت أخطاء عديدة في المسيرة المذكورة منها محاولة البعض السيطرة على مجرياتها بحجة المبادرة في تنظيمها، ومحاولة البعض إلقاء مسئولية المواجهات على بعض الشباب وليس على قوات الشرطة. ولكن ضعفها الأساسي كان يكمن بعدم التعبئة الكافية والتنظيم السليم لها مما أسفر عن مشاركة هزيلة سهلت للشرطة ولقوات الجيش حجزها في مكان ضيق بعيدا عن هدفها. مهما كانت أخطاء هذه المسيرة فإن الاتجاه العام كان صحيحا، وهذا المسيرة كانت المحاولة الأولى للعودة الفعلية مهما كانت متواضعة.
رياح التغيير التي تهب على عالمنا العربي لن تقفز عن بلادنا. على العكس فأن هذه الرياح سوف تتحول هنا إلى أعاصير وعواصف.

Wednesday, May 11, 2011

المسيرة ... المسيرة ... ولكن أين العودة؟

المسيرة ... المسيرة ... ولكن أين العودة؟

علي زبيدات –سخنين

يلومني بعض القراء بأن مقالاتي تقتصر على النقد وفي كثير من الأحيان النقد اللاذع وحسب رأيهم من غير حق خصوصا عندما أتكلم عن المؤسسات الرسمية مثل الأحزاب العربية، أعضاء الكنيست العرب، لجنة المتابعة وبعض الجمعيات وباقي القيادات. وأنا إذ أعترف جزئيا بهذه التهمة لأني أومن بأن النقد وليس المديح هو الذي يشحن الهمم ويكشف العيوب التي تؤدي إلى تصحيح الأخطاء والمسار، إلا أن هذه التهمة ليست صحيحة دائما ففي بعض الحالات لا يسع المرء إلا أن يحني قامته إكراما وإجلالا أمام بعض الأحداث. وها أنا أبدأ مقالاتي هذه بكيل المديح والثناء لآلاف الشباب والصبايا الذين شاركوا بمسيرة العودة الرابعة عشرة في الدامون والرويس. هذه الحشود الشبابية تطمئن القلوب وتدخل السكينة في النفوس. فهي الرد الحاسم والمناسب ليس فقط على قانون "النكبة" العنصري الذي سنته دولة إسرائيل مؤخرا بل أيضا على جميع التصريحات القديمة والحديثة المحلية والعالمية بشأن ضرورة التوصل إلى حل للنزاع العربي الإسرائيلي على أساس التخلي عن حق العودة.
ولكن، وهنا أعود إلى سلاح النقد، ليكن واضحا وصريحا أن نجاح المسيرات في ذكرى النكبة هذه السنة وفي السنوات السابقة لم يأت بفضل المنظمين والمؤسسات الراعية من لجنة المتابعة إلى لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين بل بالرغم عنها وعن تخبطها. أبدى عدد كبير من المشاركين الشباب على مسامعي استياءهم الشديد من التنظيم الذي تتكرر أخطاؤه كل سنة بل وتتفاقم أيضا. ففي المسيرة الأخيرة تم إنهاك المشاركين من خلال حشر السيارات في عنق زجاجة حيث استغرق قطع كيلومترات قليلة أكثر من ساعة وكان ذلك على حساب زيارة قرية الدامون المهجرة فمعظم المشاركين لم يتسنى لهم حتى التوقف لبضع دقائق على أطلال هذه القرية وكأن الهدف الأساسي كان جلبهم للمهرجان لسماع الخطابات فحسب، وهو الأمر الأقل أهمية في كل الموضوع. مرة أخرى تم زج الحشود في طريق خلفية نائية وضيقة وكأننا نقوم بعملية سرقة جماعية أو بعمل مشين وتم تحاشي الطريق الرئيسية التي تربط بين القريتين المهجرتين الدامون والرويس. أظن أنه تم اختيار هذا المسار بالتوافق بين المنظمين وشرطة إسرائيل التي لا تريد أن ترى مثل هذه المسيرة في الفضاء المفتوح بجانب الشارع الرئيسي.لا أدري إذا انتبه أحد بأن المهرجان الذي تضمن بعض الخطابات الساخنة قد جرى تحت ظل الأشجار الباسقة التي غرسها الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كيمت) لطمس أطلال القرية وإخفاء الجريمة.
كانت المسيرة ناجحة، وناجحة جدا ولكن المسافة ما بين المسيرة وما بين العودة ما زالت شاسعة. هذه المسافة سوف تتقلص عندما نهدم حاجز الخوف ونسير في الطرق الرئيسية وليس في أي طريق جانبي بعيد عن الأنظار. هذه الطرق والمسارات الخلفية جاءت نتيجة لصفقة عقدت بين لجنة المتابعة وحكومة إسرائيل في أعقاب أكتوبر عام 2000، ومفادها باختصار: إلزموا قراكم وتظاهروا في أماكن مستورة وبالمقابل لن تقترب الشرطة كثيرا إلى المتظاهرين لمنع الاحتكاكات أو المواجهات. أي يجب علينا كما يقول المثل: أن نرقص بالعتمة ونكتفي بوسائل الإعلام المحلية وبقناة الجزيرة.
بهذه المناسبة أود أن أتطرق للموقف الإسرائيلي كما عبر عنه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. قال الثعلب بيرس الذي يضع على وجهه قناع السلام ويتلفع بجائزة نوبل للسلام في خطابه بمناسبة ما يسمى يوم الذكرى للذين سقطوا في حروب إسرائيل بعد أن يعيد كتابة التاريخ: " لم نبحث عن الحروب، لقد فرضت علينا. ولكن بعد أن هوجمنا لم نسمح بأن نهزم، وبعد أن ننتصر نعود إلى السلام. لن نتخلى عن إمكانية السلام الشامل والحقيقي، ضحايانا سقطوا من أجل السلام.."
المصيبة أن عددا كبيرا في العالم، ومن ضمنهم في عالمنا العربي، يصدقون هذه الأكاذيب ويناشدون بيرس بإلقاء ثقله لدفع عربة السلام إلى الأمام.
نتنياهو يكرر الاسطوانة المشروخة التي تقول: "أن إسرائيل هي جزيرة وحيدة من الحرية والديمقراطية في منطقة واسعة ومظلمة". لذلك في هذه الجزيرة المليئة بالحرية عندما يحتفلون بعيد "الاستقلال" أو أي عيد آخر أول ما يفعلونه هو تشديد الحصار والخناق على المدن والقرى الفلسطينية وإغلاق كافة منافذها، لكي لا يزعجهم أحد في احتفالاتهم ولا نمد أيدينا إلى مشاويهم.
ويتابع نتنياهو قوله أن أهم إنجازات دولة إسرائيل بعد 63 عاما على قيامها كان إعادة "قوة الدفاع للشعب اليهودي". هل قانون النكبة هو جزء من قوة الدفاع هذه أم هو نتيجة البرانويا التي تلاحقهم منذ اليوم الأول؟
الرواية الصهيونية كما عبرت عنها زعامتها تحتكر الألم والتحمل وكأن باقي البشرية عديمة المشاعر والأحاسيس، ومن هذا المنطلق يحيون ذكرى جميع الذين سقطوا في حروب إسرائيل الذين بلغ عددهم: 22867. ولا يكترثون بسقوط عشرات أضعاف هذا العدد في الجانب الآخر.
ربما آن الأوان، أن نتعلم ، بهذا الخصوص، شيئا من دولة إسرائيل ونبدأ بإحصاء كل الشهداء الفلسطينيين والعرب وأبناء الشعوب الأخرى المتضامنة مع شعبنا والذين سقطوا دفاعا عن فلسطين في الحروب المستمرة التي شنتها وما زالت تشنها الدولة ونحيي ذكراهم بالتزامن مع ذكرى النكبة. لقد حرثت الشبكة العنكبوتية طولا وعرضا بحثا عن إحصائيات شاملة وموثقة بهذا الخصوص فلم أجد سوى شظايا معلومات. حتى شهداء الانتفاضة نبدأ بعدهم في الأيام الأولى أو في الأشهر الأولى ومن ثم نتوقف عن إحصائهم.
مسيرة العودة حتى ولو كانت لألف ميل ستبدأ بخطوة واحدة، ولكن على هذه الخطوة أن تكون خطوة عملية وليست مجازية.

Wednesday, May 04, 2011

النكبة بين الذكرى والقانون

النكبة بين الذكرى والقانون

علي زبيدات – سخنين

من يظن أن قانون النكبة الذي سنه البرلمان الإسرائيلي مؤخرا ووصفناه بحق بالعنصرية هو الأسوأ في موضوع النكبة فهو مخطئ. حسب رأيي طريقة إحيائنا "لذكرى" النكبة هي الأسوأ. وضعت كلمة ذكرى بين هلالين عن قصد وذلك لأنها أصبحت فعلا مجرد ذكرى تضاف إلى أخواتها التي ينضح بها التاريخ الفلسطيني مثل ذكرى يوم الأرض المتخاصم مع الأرض، وذكرى هبة أكتوبر المغتربة عن كل هبة. إذن، لم يبق من النكبة سوى ذكرى نحييها كل سنة بقوة الروتين وحكم العادة. لكي لا ننسى يقول البعض. ولكي لا نحقق الحلم الصهيوني الذي يقول: "الكبار يموتون والصغار ينسون". ونربت على أكتاف بعضنا البعض بفخر واعتزاز ونحن نرى الأعداد المتزايدة من الشباب الفلسطيني يشاركون في "مسيرة العودة" كل سنة.
هل هذه هي مهمة الشباب الفلسطيني؟ أن يتذكروا؟؟ ألا ينسوا أنه قبل 63 عاما تعرض الشعب الفلسطيني للنكبة؟ وماذا بعد؟ لم ولن ننسى أن يوم استقلالهم هو يوم نكبتنا، وماذا بعد ذلك؟ متى سوف نبدأ بإزالة آثار هذه النكبة؟ لقد قلنا كل ما يمكن أن يقال عن حقنا القانوني والسياسي والإنساني والأخلاقي في العودة، وكررنا ما قلناه عشرات المرات، في كل ذكرى، في كل مسيرة "عودة" لإحدى قرانا المهجرة، ولكن متى سوف نخطو خطوة واحدة في طريق العودة الحقيقية؟؟
لقد أقرت جمعية "الدفاع عن حقوق المهجرين" ولا أدري من هي هذه الجمعية بالضبط ومن منحها حق احتكار هذه المناسبة، أن تكون المسيرة الرابعة عشرة هذه السنة إلى القريتين المهجرتين الرويس والدامون. وعممت بيانا على وسائل الإعلام بهذه المناسبة. من المخجل أنه بعد العواصف التي هبت في العالم العربي من ثورات أسقطت أنظمة عاتية أن نرى برنامج المهرجان المركزي لم يتزحزح قيد أنملة. التغيير الوحيد، إذا صح أن نسميه تغييرا، هو أن هذه الجمعية حملت هذا البرنامج الجاهز منذ سنوات على ظهرها وتنقلت به بين مسكة والكفرين وصفورية واللجون وغيرها من قرانا المهجرة. هل ينبغي أن ننتظر 500 سنة أخرى لكي نعطي كافة قرانا المهجرة حقها؟
جاء في بيان الجمعية أن المسيرة سوف تنتهي بمهرجان خطابي يتضمن كلمة للجنة المتابعة وكلمة لجمعية الدفاع عن حقوق المهجرين وكلمة لمهجري القريتين وكلمة للجمعيات اليهودية التي تدعم حق العودة. ألم نحضر هذا الفلم عدة مرات؟ من يملك تسجيل لخطاب رئيس لجنة المتابعة من السنة الماضية في مسكة ليقارنه بالخطاب الذي سوف يلقيه بعد أيام في الدامون، ومن يجد فرقا واحدا، على غرار المسابقات التافه في بعض القنوات الفضائية العربية لإيجاد فارق واحد بين صورتين متشابهتين، فله جائزة. وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الخطابات.
بما أن قضية اللاجئين والمهجرين وبالتالي حق العودة ليست ملكا لأحد حتى ليس للاجئين والمهجرين أنفسهم، فهي قضية وطنية من الدرجة الأولى فانا أطالب بكسر احتكار أية جمعية أو مؤسسة لهذه القضية وفتح المجال أمام كل فلسطيني يريد ويستطيع أن يساهم في خدمة هذه القضية. أنا لا أطالب بعزل أو اعتزال الناشطين الحاليين في هذا المجال فقد قاموا بجهود جبارة تستحق الثناء، الله يعطيهم العافية، كل ما أطلبه هو عدم الاحتكار، ألا تكون القرارات في اجتماعات مغلقة لا يعلم بها إلا بعض الأفراد، الكف عن أسلوب الإقصاء وإلغاء الآخرين.
منذ بداية مسيرات العودة في سنوات التسعين وحتى اليوم اقترحت أنا شخصيا في مناسبات مختلفة بعض الاقتراحات التي من شأنها أن تخدم قضية العودة وتدفعها إلى الأمام. ولكن لم يكن هناك حتى من يستمع إليها ويناقشها وذلك لأني لا انتمي لأية جمعية أو حزب سياسي. وأنا على يقين أن الكثيرين من المهتمين الآخرين في هذا الموضوع قد قدموا العديد من المقترحات التي لم يتم الاستماع إليها أو مناقشتها للأسباب مشابهة. وها أنا أعود وأذكر بعض هذه المقترحات:
لماذا تم حتى الآن استثناء المدن الفلسطينية التي تعرضت هي الأخرى للتصفية عرقية في عام النكبة من مسيرات العودة؟ لماذا تم تجاهل عكا، حيفا، يافا، اللد، الرملة، طبريا، صفد؟ أليست هذه المدن أهم، مع كل الاحترام لجميع قرانا المهجرة، من قرية الكفرين النائية مثلا التي ضل الطريق إليها عدد كبير من المشاركين هذا بالرغم من الجهود لتعليم الطريق؟ هل هي مجرد صدفة أم سياسة الجمعية التي تتلاءم مع سياسة السلطات الإسرائيلية لمنح التصريح للمسيرة؟
منذ سنوات والقدس تتعرض لعملية غاشمة من التهويد وتهجير أهلها وآخرها المخططات الاستيطانية في الشيخ جراح وسلوان، هل لسياسة إسرائيل الراهنة في القدس علاقة بالنكبة أم لا؟ إذا كان الجواب نعم، وهو كذلك فلماذا لا نفكر حتى بأن تكون مسيرة العودة في شوارع القدس؟ بل لماذا لم نجرؤ لأن تكون المسيرة في احدى قرى القدس المهجرة مثل دير ياسين، لفتا، عين كارم، المالحة، الخ.
نحن نعيش في عصر الفضائيات والإعلام السريع العابر للقارات فلماذا لا نقوم بالعودة الفعلية إلى قرية معينة تحت تغطية إعلامية مكثفة والاعتصام في هذه القرية لفترة طويلة حتى تأتي قوات الأمن الإسرائيلية لإخلائنا بالقوة؟
اليوم يوجد تحرك شبابي فلسطيني – عربي – عالمي للزحف الملاييني نحو فلسطين في الخامس عشر من أيار، ما هو موقف لجنة المتابعة ولجنة الدفاع عن حقوق المهجرين من هذا التحرك؟ لماذا هذا الصمت؟ هل هو نابع عن استهتار بهذه الفكرة ودمغها بالخيالية؟ أم أن اسم "انتفاضة فلسطينية ثالثة" يخيفهم؟
هذه الفكرة التي تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن الواقع هي أكثر واقعية من كل الخطابات التي سوف نستمع إليها في المهرجان الخطابي. لماذا لا نفكر بتنظيم مسيرة سلمية لاستقبال اللاجئين الذين سوف يتوجهون إلى فلسطين في هذا اليوم؟ إلى قرية عرب العرامشة مثلا أو إلى بوابة فاطمة أو إلى أحد الجسور مع الأردن. لن تقدم العودة على طبق من ذهب أو فضة لأحد. لقد انتظرنا 63 عاما أكثر من اللازم للعودة وقد آن الأوان ليقوم كل لاجئ على رجليه يحمل عصاه ويسلك الطريق التي سوف تعيده إلى دياره.