Wednesday, March 28, 2012

يا حيف من بابا عمرو إلى مجدل شمس

يا حيف من بابا عمرو إلى مجدل شمس
علي زبيدات – سخنين

منذ زمن طويل، اتخذت موقفا مبدئيا وقررت ألا أحيد عنه مهما كانت الظروف ومهما كانت الأسباب وهو ألا أدعم بأي شكل من الأشكال، لا قولا ولا فعلا أي نظام عربي بغض النظر كيف يعرف نفسه أو كيف يعرفه ويصنفه الآخرون. نعم، لقد وضعت جميع الأنظمة العربية في سلة واحدة لا فرق عندي بين نظام ملكي أو جمهوري، تقدمي أو رجعي، ديكتاتوري أو ديمقراطي. في نهاية المطاف هو نظام. والنظام، كل نظام هو في رأيي جهاز قمع واستغلال واضطهاد مكون من جيش وشرطة وأجهزة أمن أخرى وبيروقراطية تخدم الطبقة الحاكمة. النظام والمرض سيان. لا يوجد هناك مرض جيد كذلك لا يوجد هناك نظام جيد. صحيح، الأمراض تتفاوت من حيث خطورتها ومن حيث هولها وما تسببه من آلام ومعاناة. ولكن هل يوجد هناك أحد يحب المرض مهما كان خفيفا ولطيفا؟ وقد أعجبتني مقولة لجبران خليل جبران يقول فيها: "أكره المرض ولكني أحب المريض".
عندما رفعت الملايين من جماهير الشعوب العربية شعار:" الشعب يريد إسقاط النظام" شعرت بأن هذا المبدأ الذي تبنيته قد نزل أخيرا من برج النظرية إلى ساحة الممارسة العملية وكان من الطبيعي أن أضم صوتي المتواضع الذي بالكاد يسمع إلى الأصوات الهدارة التي تنادي بإسقاط النظام.
وكنت أتوقع أن النظام لن يرحل بمحض إرادته ولن يرحل بهدوء بل سيقاوم حتى النهاية من باب الدفاع عن النفس. ولكن مقاومة النظام هي الأخرى تتفاوت كالأمراض من نظام إلى آخر. وقد ازداد التفاؤل والأمل بعدما رحل نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر بعد مقاومة ضعيفة نسبيا. ولكن الأمور تعقدت في ليبيا وفي سوريا. كان لإستشراس النظامين في هذين البلدين في صراعهما من أجل البقاء نتائج وخيمة. في ليبيا تدخلت قوات حلف الناتو متحالفة مع المعارضة الليبية ومدعومة من قبل الرجعية العربية ممثلة في جامعة الدول العربية. وكان المطلوب من كل واحد أن يختار إما الوقوف إلى جانب النظام البائد وإما الوقوف إلى جانب المعارضة المدعومة امبرياليا ورجعيا. ولكن هذا الموقف الذي يبدو للوهلة الأولى واقعيا ومنطقيا كان مرفوضا. وكان الموقف الشخصي الذي عبرت عنه في بعض المقالات لا يحسد عليه: فالنظام بعد أكثر من 40 عامل قد جاء أجله وكان لا بد أن يسقط. ولكن في الوقت نفسه كان الوقوف إلى جانب قوات أجنبية غازية مرفوض قطعيا ومن المحرمات ولا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال. كنت أتمنى وأحلم أن تقوم قوة ثورية حقيقية تفجر الثورة ضد النظام البائد وفي الوقت نفسه تقف سدا منيعا في وجه كل تدخل خارجي. ولكن للأسف هذا الموقف بالرغم من قناعتي المطلقة بصحته كان موقفا مثاليا ونظريا بحتا. نظام القذافي في ليبيا قد سقط ولكن النظام الجديد الذي فرضته طائرات وصواريخ الناتو لن يكون أفضل منه. ولعل العزاء في أن الصراع لن ينتهي وبالتالي فإن شعار الشعب يريد إسقاط النظام سوف يسري مفعوله ليشمل هذا النظام أيضا.
النموذج الليبي يتكرر في سوريا ولكن بصورة أشرس: نظام دموي، ليس منذ السنة الأخيرة فحسب بل منذ قيامه، هذا من جهة ومن جهة أخرى معارضة مخترقة وتدخل عربي وأجنبي رجعي. مرة أخرى أجد نفسي أمام عملية اغتصاب سياسي لاتخاذ موقف: إما مع النظام وإما مع الدخلاء والمتآمرين. في هذه المعادلة لا وجود للشعب السوري إلا كمادة خام للتضحية مهما ادعى الطرفان الكلام باسمه. مرة أخرى وجدت نفسي أتشبث بالموقف الذي ينادي بإسقاط النظام وفي الوقت نفسه إسقاط المؤامرات الخارجية مهما نظريا ومثاليا محضا.
من استمع للهتافات والخطابات في المهرجان الذي نظمته اللجنة التي تسمي نفسها:"اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب السوري وقيادته الوطنية" في سخنين لا بد وأن يدخل في حالة من الإحباط والكآبة. الاحتفال بالنصر بعد السيطرة على حي بابا عمرو في حمص وكأنه تم تحرير الجولان أمر يثير الاشمئزاز إلى حد التقيؤ. منظر محمد حسن كنعان وهو يلقي خطابا ناريا يمجد هذا النصر ومنظر عبد عنبتاوي وهو يرقص على المنصة معجبا بذاته و بفلذكاته الكلامية ومنظر الشيخ الجولاني الذي يعرف أن النظام لم يحرك ساكنا من أجل تحرير الجولان منذ احتلالها كان منظرا سرياليا بامتياز حقا. وهذا على سبيل المثال لا الحصر. والأقبح من ذلك لم يكن قيام المشاركين بالهتاف: "شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد" فحسب بل محاولتهم تطبيق ذلك على أرض الواقع محاولين كتم الأصوات الناقدة بالتهديد حتى عندما تصدر عن فرد واحد هو أنا خلال نقاشه مع بعض المتواجدين.
هل يعقل اختزال وطن كامل، شعب بأكمله في شخص واحد يسمى رئيس؟ أو في حزب واحد أو في نظام؟ هل جميع الداعين إلى إسقاط النظام هم من المتآمرين والعملاء لأمريكا وإسرائيل وتركيا ودول الخليج؟ أنا مع إسقاط النظام البعثي الفاسد ولست متآمرا مع أحد ولست عميلا لأحد وكم كنت أتمنى أن تقوم حركة شعبية الآن وليس غدا لإسقاط جميع الأنظمة العربية ابتداء من السعودية مرورا بقطر وباقي دول الخليج وحتى المغرب. بل أكثر من ذلك: أتمنى أن يتواصل النضال لإسقاط الأنظمة الجديدة خطفت الثورة في تونس ومصر. لم يبق أمامي سوى أن أضم صوتي إلى صوت الرفيق الفنان الملتزم سميح شقير وأقول: يا حيف

Wednesday, March 21, 2012

هل على القدس أن تنتظر حتى يكتمل التهويد؟

هل على القدس أن تنتظر حتى يكتمل التهويد؟
علي زبيدات – سخنين

أقرت لجنة المتابعة العليا، كما هو معروف، إحياء ذكرى يوم الأرض بمسيرتين مركزيتين تختتم بمهرجانيين إحداهما في مثلث يوم الأرض والأخرى في النقب. على ضوء الأخبار حول "المسيرة العالمية لمناهضة تهويد القدس" والتي من المحتمل أن تدخل روحا جديدة لذكرى يوم الأرض كنت قد اقترحت في مقال سابق أن تكون الجماهير الفلسطينية في الداخل في قلب هذا الحدث وتقرر أن تكون المسيرة المركزية إلى القدس وأن يكون المهرجان المركزي في القدس. ولكن مع السف الشديد، الجماهير الفلسطينية ليست هي من يتخذ القرارات بل ينوب عنها لجنة تطلق على نفسها: "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في ...". وقد علمت، من وسائل الإعلام طبعا، أن الحضور في اجتماع اللجنة الذي اتخذ القرار كان هزيلا وشهد مقاطعة أو تغيب بعض مركباتها هذا بالإضافة إلى النقاش العقيم والمتكرر حول ضرورة الإضراب في هذا اليوم أو عدمه. وكان القرار هذا العام عدم الإضراب على عكس السنة الماضية.
على كل حال، بينما ستكون أنظار العالم في 30 آذار، يوم الأرض متجهة نحو القدس ستكون أنظارنا وأقدامنا متجهة نحو قرية دير حنا. فالسيناريو هنا معد مسبقا ومضمون: فالشباب المتحمس سوف يبدأ المسيرة من سخنين وسوف يقطع أكثر من عشرة كيلومترات حتى أرض المهرجان في دير حنا. والأقل حماسا سوف يبدؤون مسيرتهم في منتصف الطريق من قرية عرابة أما الآخرون ومن بينهم معظم القيادات سيكتفون بمسيرة متواضعة في دير حنا نفسها. وفي المهرجان نفسه سوف يستمعون إلى خطابين ليس أكثر: الأول من رئيس السلطة المحلية للبلد المضيف والثاني من رئيس لجنة المتابعة.
إذن، لماذا المخاطرة والتوجه إلى القدس وقد تكون النتائج لا يحمد عقباها من مواجهات وقنابل مسيلة للدموع؟ بل وقد تعيد إلى الاذهان ما حدث السنة الماضية في مجدل شمس في ذكرى النكسة.
منذ اليوم الأول لاحتلالها والقدس تتعرض للتهويد ولعملية منهجية من التطهير العرقي أمام سمع وبصر العالم. وكان رد العالم خجولا لا يتعدى الإدانات اللفظية. ولم يكن الرد العربي والفلسطيني أفضل من ذلك بكثير إن لم يكن أسوأ. فالقدس تستحق أكثر من يوم أرض واحد وها نحن نبخل عليها حتى بالمسيرة المركزية ليوم الأرض ونفضل أن نبقى متقوقعين في مثلثنا الآمن.
تهويد القدس جار على قدم وساق ولكنه لم يكتمل بعد. ويظن منظمو نشاطات يوم الأرض أن الإدانات شديدة اللهجة تكفي لوقف التهويد وأن كيل المدائح للمقدسيين على صمودهم كاف للجم قطعان المستوطنين. ويظنون أن القدس تستطيع أن تنتظر وعلى يوم الأرض أن يبقى داخل مثلث يوم الأرض وينتقل بالتناوب من قرية إلى أخرى.
أغلب الظن ألا تستطيع "المسيرة العالمية لمناهضة تهويد القدس" الوصول إلى القدس. فهناك أطراف عديدة سوف تعمل على أبقافها: اللوبي الصهيوني في شتى أنحاء العالم بدأ يستعمل نفوذه ويمارس ضغوطه لإيقافها. أذرع الأمن الإسرائيلية على مختلف أشكالها مستنفرة لمواجهتها. دول الطوق العربية بما فيها السلطة الفلسطينية سوف تعمل على صدها بالتنسيق مع الدولة العبرية وأمريكا.
الجماهير الفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة سوف يتم إيقافها بالقوة إذا لزم الأمر على الحواجز. فلسطينيو الداخل، وهم الطرف الوحيد الذي يستطيع الوصول إلى القدس بسهولة نسبية، ليسوا في هذا الوارد لأن زعامتهم قد اختارت ألا تنام بين القبور وألا تحلم أحلام مرعبة. وتبنت قول جرير: "زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا فابشر بطول سلامة يا مربع". خطابات المهرجان المركزي لن توقف مصادرة أراضي الجليل والنقب ولن تمنع هدم البيوت وتهويد القدس وإفراغها من سكانها الأصليين.
لقد أصبح يوم الأرض يوما وطنيا فلسطينيا يوحد الفلسطينيين أينما كانوا: في الأراضي المحتلة عام 1948 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات. ويوحد الأرض الفلسطينية المغتصبة في كافة أرجاء فلسطين فلماذا نصر على إبقائه حبيسا في زاوية ضيقة؟
القدس لا تستطيع أن تنتظر أكثر مما انتظرته. كل يوم بيت يهدم أو أرض تصادر أو مستوطن يعيث فسادا. فإلى متى هذا الخذلان؟ أدعو الشباب أن يأخذوا زمام الأمور في أيديهم، يضربوا بقرارات المتابعة بعرض الحائط ويقودوا المسيرة المركزية ليوم الأرض إلى القدس.

Wednesday, March 07, 2012

أين الأرض في يوم الأرض؟

أين الأرض في يوم الأرض؟
علي زبيدات – سخنين

منذ سنوات طويلة ونحن نطلق عليه مجازا اسم "يوم الأرض" ونضيف عليه في كل خطاباتنا ونشراتنا كلمة خالد حتى أصبح يعرف للقاصي والداني باسم "يوم الأرض الخالد". ولكن مع مرور السنين فقدت الأرض علاقتها بهذا اليوم بعد أن اختلطت علينا الأمور ولم نعد ندري عن أية أرض نتكلم؟ هل نتكلم عن الأرض الفلسطينية التي أغتصبت عام 1948 وأقامت عليها الحركة الصهيونية دولة إسرائيل؟ أم نتكلم عن الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967؟ أم نقصد تلك المنطقة المحددة التي تسمى في القاموس العسكري الإسرائيلي منطقة رقم 9 والتي كانت محاولة مصادرتها منذ أكثر من ربع قرن السبب المباشر لانفجار يوم الأرض الأول؟
مهما كانت الأرض المقصودة فقد وصلت القطيعة بين الأرض وبين اليوم الذي يحمل أسمها إلى أوجها وأصبحت شبه كاملة. تقول الإحصائيات، ولا أدري إن كانت رسمية أو غير رسمية، الأمر الذي لا يغير في الواقع شيئا، أن الدولة العبرية قد استولت على 97 % منها، هذا في الأراضي التي احتلت عام 1948. أما في الأراضي التي احتلت بعد ذلك فقد تم حتى الآن ابتلاع حوالي نصفها بينما يعرف النصف الآخر بأنه أراض متنازع عليها.
وهكذا أصبح الكلام حول الدفاع عن الأرض كلاما سرياليا. إذ كيف يمكن الدفاع عن شيء تم فقدانه منذ زمن طويل؟ ولعل الكلام الواقعي الوحيد ينبغي أن يكون المطالبة باسترجاع الأرض المفقودة ، ولكن للأسف يبدو هذا الواقع أبعد من الخيال ولا يجرؤ على المجاهرة به أحد.
أظن، بعد هذه السنوات الطويلة، قد آن الأوان لكسر الروتين الذي جعل من يوم الأرض أشبه بجثة هامدة محنطة تحيط بها حالة من القدسية. أصبح إحياء ذكرى يوم الأرض يتم بحكم العادة وقانون القصور الذاتي ولأنه موجود على الرزنامة ولا يستطيع أحد يشطبه بجرة قلم. أقصد بالروتين الذي يجب كسره هنا تعامل لجنة المتابعة، بكافة مركباتها، وهي الجهة المكلفة باتخاذ القرار لإحياء يوم الأرض، بعد غياب لجنة الدفاع عن الأراضي. حيث تبقي النقاش حول هذا الموضوع مكبوتا حتى الأسبوع الأخير من الشهر ومن ثم تعقد جلسة طارئة ومستعجلة وتخرج من الدرج الوصفة المعروفة: مسيرة مركزية في إحدى قرى مثلث يوم الأرض بالإضافة إلى بعض النشاطات المحلية الأخرى وفي أحسن الظروف يتم النقاش ما إذا كان من الضروري بالإضافة للمسيرة المركزية الإعلان عن يوم إضراب أم لا. في النهاية، تتوصل إلى قرار توافقي بحيث لا يكون هناك فرق كبير بين الإضراب العام أو عدمه. وبعد المسيرة تعتلي الشخصيات القيادية نفسها المنصة، الاختلاف الوحيد هو تبدل بعض الخطباء حسب البلد المضيف. والتي تخرج من جيوبها خطاباتها القديمة، بتغيير بعض المفردات فقط لكي لا يكون التناقض صارخا مع المستجدات. وعادة ما تكون هذه الخطابات خطابات عصماء تنضح بالحماس والشعارات الرنانة وكأن الأرض بألف خير. وهكذا تنتهي الذكرى، وينتهي يوم الأرض ونبدأ بانتظار ذكرى العام القادم. بينما الهجمة الحكومية لنهب المزيد من النزر القليل المتبقي من الأرض الفلسطينية مستمرة وفي السنوات الأخيرة يتم التركيز على أرض النقب والقدس.
أظن أنه ليس فقط قد آن الأوان لكسر هذا الروتين بل أصبح ذلك ضرورة قصوى وفي الوقت نفسه أصبح ممكنا أيضا. هناك اليوم تحرك عالمي لتنظيم مسيرة مليونية تتوجه هذه السنة في يوم الأرض إلى القدس التي تتعرض لعملية تهويد شرسة وهي ليست أقل من عملية تطهير عرقي واسعة النطاق. في الثلاثين من آذار هذه السنة سوف يسير الآلاف من شتى بقاع العالم نحو القدس، فهل نقف وقفة المتفرج ونحن لا نبعد سوى كيلومترات معدودة عنها؟ هل تستطيع لجنة المتابعة العليا وكافة الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والأفراد أن يتخذوا موقفا تاريخيا جريئا ويقرروا التوجه في هذا اليوم نحو القدس؟ هل نستطيع أن نخرج من التقوقع الذي فرضناه على أنفسنا في مثلث يوم الأرض ونتجه إلى رحاب القدس ونلتحم مع الذين هدمت بيوتهم في الشيخ جراح وسلوان والمهددين بالترحيل من كافة أحياء القدس؟
هل يوجد هناك مكان في هذه الأيام أفضل من القدس لكي تحتضن يوم الأرض وتتم المصالحة بين اليوم والأرض؟
للقدس رايحين متظاهرين (ولا أقول شهداء) بالملايين.