Tuesday, February 22, 2011

الشعب يريد إسقاط سلطة أوسلو

الشعب يريد إسقاط سلطة أوسلو
علي زبيدات – سخنين

بينما تنتشر الثورة العربية كالنار في الهشيم بعد انتصارها الساحق في تونس ومصر وقرب انتصارها في ليبيا واليمن والبحرين. وبينما ما زالت الجماهير العربية الثائرة ترفع شعار المرحلة: الشعب يريد إسقاط النظام، نرى بعض المأجورين وبعض المغرر بهم في رام الله وفي بعض الأماكن الفلسطينية الأخرى يرفعون الشعار المسخ والمشوه والخادع: "الشعب يريد إنهاء الانقسام". هذا الشعار الإنتهازي يعني من ضمن ما يعنيه تبرئة سلطة أوسلو من مسئوليتها عن خلق الظروف التي أدت إلى هذا الانقسام. أنا شخصيا، لا أؤمن بأن هذه المظاهرات قامت بمبادرة شباب فلسطين على غرار شباب ميدان التحرير بل على ثقة بأن الذين نظموها هم وجوه أكل الدهر عليها وشرب، ركبت الموجة الشبابية في محاولاتها اليائسة لإنقاذ سلطة أوسلو. يكفي أن نلقي نظرة خاطفة على الشخصيات التي سارت في الصف الأول من المظاهرة المركزية في رام الله ووقفت أمام الكاميرات: عزام الأحمد: رئيس كتلة فتح البرلمانية، قيس عبد الكريم: عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، خالدة جرار: عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، مصطفى البرغوثي: أمين عام المبادرة الوطنية. وقد استطعت أن المح ممثل "التيار القومي" لعرب الداخل، سكرتير التجمع الوطني الديمقراطي عوض عبد الفتاح. هذا بالإضافة إلى وجوه متعبة لم أتعرف على أصحابها تهتف بصوت مشروخ يخرج من بين الشفاه ويتلاشى قبل أن يصل إلى آذان الناس وإذا وصل إلى آذانهم فأنه لا يلامس شغاف قلوبهم: "الشعب يريد إنهاء الانقسام".
سلطة أوسلو التي ينبغي على الشعب الفلسطيني إسقاطها لا تقتصر على رئيس السلطة ورئيس حكومته وأجهزته الأمنية وباقي المؤسسات الرسمية، بل تشمل أيضا تلك المعارضة الداجنة المدجنة من التنظيمات التي تسمي نفسها وطنية، قومية، يسارية، أو إسلامية. وهي لا تقتصر على الضفة الغربية فحسب بل تشمل قطاع غزة أيضا. لقد كدنا أن ننسى أن سلطة حماس في قطاع غزة جاءت نتاجا لاتفاقيات أوسلو التفريطية. وقد كدنا أن ننسى أن الانقسام كان نتيجة صراع شرس على سلطة وهمية. مقاومة الاحتلال، والنضال من أجل العودة والحرية والاستقلال ليس بحاجة إلى سلطة تقدم التنازلات تلو التنازلات.
الانقسام سوف ينتهي من ذاته فور إسقاط سلطة أوسلو. نقطة سطر جديد.
مسرحية إدانة الاستيطان الإسرائيلي في مجلس الأمن لن تنقذ سلطة أوسلو ولن تجعل منها سلطة وطنية. مرة أخرى ينزل بعض المأجورين يرافقهم بعض المغرر فيهم إلى الشارع يهتفون للسلطة التي: "مضت قدما في إدانة الاستيطان بالرغم من الضغط الأمريكي والإسرائيلي". لم يخطر على بالهم أن هذه المسرحية كتبت، أنتجت وأخرجت بواسطة هذا الثالوث حيث خرجت كافة الأطراف رابحة: فالسلطة تريد أن تدحض ما فضحته وثائق "كشف المستور"، وإسرائيل تستطيع مواصلة الاستيطان وأمريكا ما زالت راعية "مفاوضات السلام" بالرغم من الفيتو.
واضح أن سلطة أوسلو هي جزء لا يتجزأ من النظام الرسمي العربي. علاقاتها الحميمة مع الرئيس التونسي الهارب، زين العابدين بن علي قديمة جدا وتعود إلى ما قبل تحولها إلى سلطة. استمرت هذه العلاقة الحميمة حتى اليوم الأخير. كان موقفا مخجلا أن يقف من يدعون زعامة الثورة الفلسطينية إلى جانب النظام التونسي وضد الثورة التونسية. وكانت علاقة هذه السلطة أكثر حميمية مع نظام كامب ديفيد الذي أسقطه الشعب المصري. وهي اليوم تقف إلى جانب الأنظمة الديكتاتورية التي تترنح على كراسيها. هذه السلطة هي وصمة عار في جبين الثورة الفلسطينية ويجب إسقاطها الآن قبل غدا. ما يقوم به نظام القذافي، الذي أشبعنا على مدى أكثر من 40 سنة بشعارات ثورية وقومية لا تسمن ولا تؤمن من جوع، من جرائم في قمع الجماهير الثائرة سوف تقوم به سلطة أوسلو بواسطة أجهزتها الأمنية لقمع كل معارضة تطالب في إسقاطها.
بالنسبة لنا، نحن فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948، قد يقول البعض: لا يوجد لدينا نظام نسقطه، وكما قال لي أحد أصدقائي "الوطنيين": لا نستطيع أصلا أن نسقط ذبابة، وخير ما نعمله هو أن نلتصق بأجهزة التلفزيون لمتابعة الأخبار، وقلوبنا ودعواتنا مع الشعوب العربية. وقد يشارك البعض في تظاهرة هنا رفع شعارات هناك ينظمها أحد الأحزاب، أو في مهرجان خطابي تنظمه لجنة المتابعة بعد السقوط وكأن النصر كان مستحيلا بدونها.
طبعا هذه النظرة خاطئة من أساسها. نستطيع أن نفعل الكثير لو تخطينا حاجز الخوف.
على صعيد الزعامة لا أمل للأسف الشديد. قبل أقل من عام قام وفد كبير يمثل هذه الزعامة أحسن تمثيل بالحجيج إلى ليبيا لزيارة قائد "ثورة الفاتح" بحجة التواصل. وقد تزاحم أعضاء الوفد من ينال شرف الكلام بين يدي القائد، ومن نال شرف الكلام منهم تنافس في إبداع آيات المدح والتبجيل من رئيس رؤساء العرب إلى ملك ملوك أفريقيا. حتى أن أحد ممثلي التيار "القومي الجذري" الذي يرفض حل الدولتين حيا القائد لتبنيه حل الدولة الواحدة التي تنادي به حركته مشيرا بذلك إلى ترهات "إسراطين". أنا أتحدى أعضاء الوفد الأربعين أن يجتمعوا من جديد ويدينوا قصف ملك الملوك لجماهير المتظاهرين العزل بالطيران الحربي.
ولكن على الصعيد الجماهيري يمكن فعل الكثير. لقد آن الأوان لكي ننفض عن أنفسنا غبار السلبية والخمول ونخرج إلى الشوارع لكي نثبت لأنفسنا أولا وللعالم بأسره بعد ذلك إننا لسنا فقط جزءا لا يتجزأ من الشعب العربي بل جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الثائر. علينا أن نساهم في رفع شعار: الشعب يريد إسقاط النظام العربي. وعندما يسقط هذا النظام من المحيط إلى الخليج يصبح زوال الهيمنة الكولونيالية والامبريالية مسألة وقت ليس أكثر.

Wednesday, February 16, 2011

سقط النظام ولكنه ما زال حيا

سقط النظام ولكنه ما زال حيا
علي زبيدات – سخنين

الشعب يريد إسقاط النظام، هذا هو شعار المرحلة بدون منازع. الشعب التونسي أسقط نظام زين العابدين بن علي في تونس والشعب المصري أسقط نظام حسني مبارك في مصر. وتقع على عاتق كل شعب عربي أن يسقط نظامه. إذن شعار:" الشعب يريد إسقاط النظام" هو شعار استراتيجي ساري المفعول في كافة الدول العربية. وهو شعار صحيح من حيث الجوهر يلخص مطالب الشعوب من أجل الحرية والكرامة والتقدم.
ولكن، وهنا يوجد لكن كبيرة: ماذا نعني بالضبط عندما نقول يجب إسقاط النظام؟ هنا تختلف الرؤى والتأويلات. من يسقط من ارتفاع شاهق قد يحالفه الحظ وحالما يقع على الأرض يقف مرة أخرى على رجليه ينفض عنه الغبار ويتابع سيره كسابق عهده وكأن شيئا لم يحدث. وفي أحيان أخرى يتعرض إلى أضرار تتراوح ما بين أضرار طفيفة، متوسطة أو جسيمة، يصاب بالكسور هنا وهناك وقد يخرج بإعاقة دائمة. ومنهم من ينقل على جناح السرعة إلى قسم الطوارئ لتلقي العلاج ويخضع لعمليات معقدة. ومنهم من يسقط ولا تقوم له قائمة بعد ذلك إذ يدق عنقه ويفارق الحياة مرة واحدة والى الأبد.
كذلك الأنظمة عندما تسقط. النظام المصري والنظام التونسي من قبله اللذين سقطا من ارتفاع شاهق قد تعرضا من غير شك إلى أضرار جسيمة، أثخنا بالجراح والكسور ولكنهما لم يلفظا أنفاسهما الأخيرة بعد. فالنظام المصري الساقط ما زال حيا من خلال بقاء نائب الرئيس، عمر سليمان الذي ما زال يمارس نشاطه التخريبي في الظل وكأن شيئا لم يحدث. ومن خلال الحكومة التي عينها الرئيس المخلوع برئاسة أحمد شفيق، ومن خلال رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ومن خلال كبار الضباط الموجودين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يديرون البلاد حاليا، ومن خلال البيروقراطيين ورجال الأعمال والمسئولين في المؤسسات الرسمية الذين يشكلون جزءا لا يتجزأ من النظام البائد ويعرقلون التقدم إلى نظام جديد.
مما لا شك فيه أن النظام المصري الذي سقط بشكل مدوي قد تعرض إلى أضرار قاتلة، ولكنه يحاول أن يستعيد عافيته بشتى الطرق، من ضمنها تقديم التنازلات للشعب والوعود السخية ولكن أيضا من خلال تلقي الدعم من قوى الهيمنة الخارجية وعلى رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية اللتين تعملان بلا كلل من أجل إنقاذ النظام حتى ولو كان الثمن التضحية برأس أو رؤوس النظام. ما دام النظام الساقط لم يستعد عافيته بعد فإنه سوف يواصل المراوغة والخداع حيث نرى العديد من أعمدة هذا النظام يلبسون الأقنعة وينتقلون إلى معسكر الشعب الثائر. ويطبقون المثل العربي القائل:" يتمسكن لكي يتمكن" بحذافيره.
نعم، أنا أؤيد شعار: الشعب يريد إسقاط النظام من غير تحفظ. ويجب تعميم هذا الشعار ليشمل كافة الشعوب العربية بل كافة شعوب العالم التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها. ولكن إسقاطه يجب أن يعني تنحيه تماما عن مكانته، يعني زواله من منصة التاريخ. لا يعقل أن يسقط النظام ويبقى في الوقت نفسه. يخرج من الباب لكي يعود ويدخل من الشباك. يجب تكنيسه تماما وتنظيف الوطن تنظيفا شاملا وجذريا من قاذوراته. فقط بهذه الطريقة يمكن بناء نظام جديد يقوم على أساس العدالة الاجتماعية وإعادة الكرامة للمواطن.
النظام المصري الساقط، في حالة استعادة عافيته، لا سمح الله، سوف ينقض على الجماهير الشعبية حالما يستطيع ذلك ويجردها من مكتسباتها التي انتزعتها بنضالها وبتقديم الشهداء. لذلك على الشعب الثائر أن يقف بالمرصاد لحماية الثورة. عليه ألا يغادر ميدان التحرير واللجوء إلى المسيرات المليونية حتى يتم التخلص من بقايا النظام البائد وحتى يتم تلبية مطالبه كاملة.
كما قلت في مقال سابق: الثورة الحقيقية تبدأ بعد إسقاط النظام السابق ولا تنتهي عند إسقاطه. على الثورة أن تبقى مستمرة لأن توقفها يمنح الفرصة لفلول النظام أن تلملم نفسها وتشن هجوما مضادا. ليس من باب الصدفة أن تدعو بعض الجهات التي كان وما زال يربطها أواصر قوية مع النظام البائد إلى منع الاعتصام في ميدان التحرير وعدم اللجوء إلى المظاهرات الشعبية والعودة إلى "الحياة الطبيعية" و"الاستقرار". بينما معظم الوعود في الإصلاح ما زالت حبرا على ورق.
نعم، الشعب يريد إسقاط النظام، ولكنه يريدها سقطة لا قيام بعدها.

Wednesday, February 09, 2011

أين التضامن؟ أين الوفاء؟

أين التضامن؟ أين الوفاء؟
علي زبيدات – سخنين

تدخل الثورة المصرية مرحلة بالغة الخطورة من مراحل تطورها. التناقضات الداخلية التناحرية تحتدم وتصل إلى أوجها: إما النظام وإما الشعب. لا يوجد هناك خيار آخر. لقد أصبح تراجع الثورة عن مطلبها الأساسي ألا وهو إسقاط النظام مستحيلا. النظام نفسه يعرف هذه الحقيقة لذلك نراه يلجأ إلى كافة الأساليب من أجل إنقاذ نفسه، تارة بالقمع والتنكيل وتارة باللجوء إلى تقديم التنازلات ووعود بالإصلاحات.
لقد أثبت الشعب المصري أنه قادر على تحقيق النصر وذلك من خلال صموده ومن خلال إيمانه الذي لا يتزعزع بعدالة قضيته. ولكن الثورة في نهاية المطاف ليست لعبة وليست نزهة. إنها صراع دامي مليء بالفداء والتضحيات. لن تترك الطبقة الحاكمة الملتصقة بالكراسي أماكنها بمحض إرادتها. بل سوف تتمسك بها حتى الرمق الأخير، حتى يتم اقتلاعها بالقوة وطرحها في سلة مهملات التاريخ. ولكن على الشعب المصري ألا يبقى وحيدا. انه بحاجة إلى تضامن كافة الشعوب والطبقات المضطهدة معه، حتى التوصل إلى تشكيل جبهة عالمية للدفاع ولنصرة الثورة المصرية. هذه الجبهة ضرورية لصد تدخلات الامبريالية الأمريكية وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.
خيبة الأمل الكبيرة تكمن بالموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي المخزي إزاء الثورة المصرية. أين التضامن؟ أين الوفاء؟ لقد قدم الشعب المصري آلاف بل عشرات الآلاف من الضحايا دفاعا عن فلسطين منذ عام 1948 مرورا بعام 1956 وحرب حزيران 1967 وحتى حرب تشرين عام 1973. واليوم يقف هذا الشعب في وجه النظام الذي باع القضية الفلسطينية قبل أن يغتصب حقوق الشعب المصري نفسه. وماذا كانت النتيجة؟ صمت، مشاهدة عن بعد، هذا في أفضل الأحيان وتواطؤ وتأييد النظام في حالات عديدة.
وأنا هنا لا أقصد الموقف الرسمي للسلطة في رام الله: هذه السلطة كانت قبل الثورة حليفة إستراتيجية للنظام المصري وستبقى كذلك إذا تمكن هذا النظام لا سمح الله من النجاة والبقاء. لذلك لن أعلق حتى ولو بكلمة واحدة على موقف هذه السلطة التي تنتظر بدورها تحويل ساحة المنارة إلى ميدان تحرير.
المصيبة الكبرى تأتي من موقف سلطة حماس في قطاع غزة. لقد صدمت من تصريحات القيادي البارز في حركة حماس محمود الزهار والتي نشرتها إحدى الصحف المحلية حيث يقول:" سنبقى على الحياد حتى يحسم الشعب المصري خياراته ونحن سنتعامل مع هذه الخيارات بما فيه مصلحة القضية الفلسطينية" ويتابع: " من الحكمة أن نترك لمصر تخطي هذه المرحلة حتى تتمكن من استرداد دورها العربي والإقليمي". الوقوف على الحياد في هذه القضية لن يكون خطأ استراتيجيا فحسب، بل هو جريمة يصل إلى حد الخيانة. ألا يفهم الزهار وهو القيادي البارز أن مصلحة القضية الفلسطينية يمكن في الوقوف بقوة وصلابة إلى جانب الشعب المصري في ثورته؟ هل نسي هو وغيره في حركة حماس نزول الجماهير المصرية إلى الشوارع احتجاجا على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل سنتين؟ تتحدى آلة القمع التي يستعملها النظام الآن؟ لماذا تمنع المسيرات المؤيدة للثورة في شوارع غزة ورفح وخان يونس وباقي المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية؟ باختصار: موقف سلطة غزة لا يقل خزيا عن موقف سلطة رام الله، إذا لم تقم فورا بقلبه رأسا على عقب قبل فوات الأوان.
أين التنظيمات الفلسطينية، اليسارية والوطنية والإسلامية، الجذرية منها والانتهازية، الموجودة في السلطة أو في المعارضة مما يجري الآن في مصر؟ أين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟ أين الجبهة الديمقراطية، والنضال الشعبي وحزب الشعب؟ أين الجهاد الإسلامي وحماس؟
أين التحرك الفلسطيني في الشتات؟ في مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن؟ لا تقولوا إننا نلجأ إلى أضعف الإيمان فقلوبنا مع الشعب المصري ودعواتنا لهم بالنصر. الشعب المصري في هذه الساعات ينتظر أقوى الإيمان وليس أضعفه.
قلت في مناسبات عديدة، وها أنا أكرر ما قلته: إن موقف الجماهير الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1948 من القمة وحتى القاعدة هو موقف بائس وتعيس. يقول رئيس لجنة المتابعة أن ما يجري في مصر هو شأن داخلي ويرفض أن يعلن عن موقف رسمي للجنة. بل يتحاشى حتى مناقشة هذا الموضوع في جلسة بحضور كافة مركبات هذه اللجنة. الأحزاب العربية، وخاصة الجبهة الديمقراطية والتجمع الوطني الديمقراطي، تكرس حالة الشرذمة وكل منها يقاطع النشاطات التي ينظمها الطرف الآخر. كل حزب يجمع شلة ضئيلة من كوادره على أحد المفارق أو في إحدى الساحات ويدعي أنه الوحيد الذي يدعم الثورة المصرية. إذا كان هذا كل ما تستطيع أن تفعله الأحزاب العربية فذلك مصيبة وإذا كانت تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك ولا تفعله الآن فالمصيبة أكبر.
الثورة في مصر هي الأمل الوحيد في عودة الشعوب العربية إلى التاريخ والى الحضارة الإنسانية الحديثة وانتصارها هو الضمان الوحيد لانتصار الثورة في كافة البلدان العربية.

Wednesday, February 02, 2011

الثورة في مصر: عشرة أيام هزت العالم

الثورة في مصر: عشرة أيام هزت العالم

علي زبيدات – سخنين

من الصعب جدا، بل من المستحيل الكتابة عن حدث على مستوى الثورة المصرية خلال أوج تطوره وفي خضم أحداثه حيث تتغير المجريات بسرعة فائقة وتبدو التطورات غير متوقعة، من غير الوقوع في تحليلات ذاتية وتقييمات قد تقترب أو تبتعد عما يجري على ارض الواقع، وفي حالتنا هذه عما يجري من حيث الأساس في ميدان التحرير في القاهرة.
لا شك في أن ما جرى حتى الآن وما يجري إلى هذه اللحظة وما سوف يجري في الأيام القليلة القادمة، وبالتحديد من يوم الغضب الأول في 25 كانون الثاني إلى يوم الغضب القادم في 4 شباط، عشرة أيام هزت العالم ودخلت التاريخ من أوسع أبوابه. لست هنا بصدد تقييم أو تحليل ما يجري في مصر، ولست بصدد إسداء النصائح لأحد، وانصح كل من لديه نصائح أن يبقيها لنفسه لأن انفجار الثورات وتطورها لا يجري حسب نصائح وتمنيات أحد. كل ما أطمح إليه هنا هو أن أعبر عن موقف شخصي متواضع إزاء ما يجري في مصر. واطمح كذلك أن يلاقي هذا الموقف استحسانا وقبولا عند قوى التغيير التي تصنع التاريخ في تونس ومصر وغدا في باقي الدول العربية.
لطالما قلت وآمنت أن الثورة في مصر (وليس في فلسطين أو أية دولة عربية أخرى) هي الكفيلة في إعادة الأمة العربية إلى التاريخ، وهي الضمان الوحيد لتغيير وجه المنطقة بما فيه تحدي الهيمنة الامبريالية- الصهيونية وإلحاق الهزيمة بها من جهة وربط المنطقة بأكملها من جديد بركب الحضارة. وما زلت أقول ذلك وأؤمن به بدون تحفظ. من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم تكالب إسرائيل، الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي والرجعية العربية لفعل المستحيل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام البائد حتى وإن كان ثمن ذلك التضحية ببعض رموز النظام التي خدمت هذا المعسكر لفترة طويلة وتقديم بعض التنازلات للجماهير الثائرة التي يمكن الانقضاض عليها لاحقا عندما تستقر الأمور.
من هنا أنبش في تاريخ الثورات وأقول أن الخطر الرئيسي للثورة، كل ثورة، يأتي من تناقضاتها الداخلية. التناقضات الخارجية ليست أكثر من عامل مساعد لا يعمل مستقلا بل من خلال الامتزاج بالتناقضات الداخلية. ينبغي على الثورة لكي تنجح وتحقق مهماتها الأساسية أن تكون مستمرة. حالما تتوقف الثورة يبدأ العد التنازلي وتبدأ الثورة المضادة برفع رأسها. حتى الآن جميع الثورات توقفت في مرحلة ما من مراحل تطورها. ويبدو أن الثورة المصرية هي الأخرى سوف تتوقف في مرحلة ما من مراحل تطورها. ولكن كلما كان التوقف في مراحل متأخرة كلما كانت الخسائر أقل وكلما كانت الانجازات أكثر. النظام البائد يعمل المستحيل لإجهاض الثورة قبل أن تنفجر وعندما يفشل في ذلك يعمل المستحيل لوأدها في بدايتها.
حسب رأيي، الموقف السليم الذي يجب التشبث به في جميع الحالات وتحت كافة الظروف هو عدم التوقف في أول الطريق أو في وسطها بل المضي بالثورة قدما حتى النهاية. حتى الآن حققت الثورة المصرية انجازات هامة لا يمكن الاستهانة بها: فقد دفنت قضية التوريث مرة واحدة والى الأبد ودفنت معها قضية التمديد أيضا مرة واحدة والى الأبد. وأعادت للشعب المصري كرامته وهيبته في العالم كله. ولكن هذه الانجازات تبقى متواضعة بالمقارنة بما يجب إنجازه بعد. المشكلة الأساسية التي تواجهها الجماهير الثائرة الآن هو الحذر من عودة النظام البائد الذي أخرج من الباب لكي لا يعود من الشباك بحلة جديدة. المتسلقون على أنواعهم منتشرون في كل مكان وخصوصا بين الجماهير الثائرة. بقايا النظام البائد لا تقتصر على نائب الرئيس القديم الجديد، عمر سليمان ولا تقتصر على الحكومة الجديدة التي هي نسخة طبق الأصل عن الحكومة السابقة بل تشمل أيضا شخصيات تغطي نفسها برداء المعارضة، وتتزين بهذه التسمية ليس لمعارضتها النظام بل لمعارضتها الفئة الحاكمة التي منعتها من المشاركة في هذا النظام. وأخص بالذكر هنا البرادعي وعمرو موسى وغيرهما من الحزبيين والسياسيين الإصلاحيين.
لقد أثبتت الثورة في مصر وقبلها في تونس حقيقة جديدة سوف تلعب دورا هاما في النضال الثوري في باقي البلدان العربية وهي إنه لم تعد هناك حاجة للأحزاب السياسية، مهما ادعت من ثورية، من أجل تفجير الثورة وقيادتها. لقد وجدت الأحزاب السياسية نفسها متخلفة عن الجماهير بأميال طويلة. وتحاول أن تلحق بالركب الثوري بطرق وممارسات انتهازية وبواسطة مقدرتها على التسلق وتبدأ في حرف الثورة عن مسارها الصحيح والبحث مع بقايا النظام السابق عن صفقة يؤمن لها بعض المكاسب الشخصية. وهذا هو الخطر الأكبر الآن على الثورة في تونس وفي مصر.
ولكن هذا لا يعني أن باستطاعة الجماهير الثائرة الاستغناء عن القيادة الثورية الحقيقية. العكس هو الصحيح. إن ما تحتاجه الثورة المصرية الآن هو قيادة ثورية ملتزمة تسترشد بنظرية ثورية وتواصل النضال بأساليب ثورية. غياب مثل هذه القيادة يشكل الخطر الأكبر الآخر على الثورة وعلى استمراريتها.
لم تعد الثورة في البلدان العربية مجرد أمنيات بل أصبحت واقعا ملموسا يشعر بها الداني والقاصي. وأول من يشعر بها هي الأنظمة العربية المتهرئة التي بدأت تحضر نفسها لمواجهتها. ولكنها سوف تكون أعجز من المواجهة: تغيير الحكومة في الأردن لن ينقذ النظام الملكي، الكلام عن الإصلاح في سوريا والمغرب والجزائر والسعودية وغيرها لن يجدي فتيلا. الثورة قادمة لا محالة عاجلا أم آجلا. هذه العاصفة الثورية لن تقفز عن بلادنا فلسطين أيضا. بعد فضائح "كشف المستور" يستطيع محمود عباس وبطانته في السلطة أن ينظموا مسيرات التأييد المزيفة كما يحلو لهم. ولكن من الغباء أن يظنوا بأن مثل هذه المسيرات سوف تضمن بقاءهم. لقد قامت هذه الزمرة خلال عقدين من الزمن بنقل الشعب الفلسطيني من طليعة النضال الثوري التحرري في العالم العربي إلى خادم ملحق للمعسكر الأمريكي –الصهيوني – الرجعي العربي.
هذه العاصفة الثورية لن تقفز عنا نحن أيضا في فلسطين المحتلة عام 1948. أولا يجب التخلص من الزعامة البائسة الممثلة في لجنة المتابعة العليا، التي عجزت عن اتخاذ موقف واضح إزاء الثورة في تونس وفي مصر ولم تدع حتى لمظاهرة تأييد واحدة كما حصل في جميع أنحاء العالم واعتبرت ما يجري محض قضية داخلية . أما الأحزاب السياسية العربية فقد كانت مواقفها هزيلة تعكس طبيعتها الهزيلة وكإسقاط واجب قامت بتنظيم بعض النشاطات الهامشية الانعزالية.
المارد العربي الذي خرج من قممه ينطلق من المحيط إلى الخليج وقد أصبح من المستحيل إعادته إلى قمقمه. وعندما ينظف هذه البلدان من الرؤساء والملوك والأمراء الذين انتهى تاريخ صلاحيتهم سوف يصبح الانتصار على الصهيونية والامبريالية العالمية حتمية تاريخية.