Wednesday, March 27, 2013

يوم الارض من الجليل الى النقب

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000010509 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000010493
يوم الارض من الجليل إلى النقب
علي زبيدات – سخنين
مما لا شك فيه أن يوم الارض قد اصبح يوما وطنيا لكافة ابناء الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجدهم: في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨ حيث تفجر قبل ٣٧ عاما، في الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧، في دول اللجوء العربية وفي الدول التي تسكنها جاليات فلسطينية في اوروبا، امريكا، افريقيا، آسيا واستراليا. فهذا اليوم يلخص في طياته جوهر القضية الفلسطينية: الصراع على ارض الوطن بين الشعب الاصلي وبين حركة استيطانية وافدة من الخارج. لذلك ليس من الغريب أن يصبح هذا اليوم رمزا لتشبث الفلسطيني بأرضه. ولكن ككل رمز وعلى مر السنين تعلق به الكثير من الشوائب السلبية مثل الروتينية وتراجع الروح النضالية ومحاولات تفريغه من مضمونه الوطني التقدمي هذا بالاضافة الى تزايد ظواهر التسلق من قبل جهات وشخصيات تعمل على حرفه عن اتجاهه الصحيح وهدفه. لذلك من الضروري جدا ان يقوم ابناء الشعب الفلسطيني حيث وجدوا بنفض الغبار المتراكم على هذا اليوم والحفاظ عليه لامعا متألقا ينير الطريق في مسيرة االنضال لطويلة والشاقة حتى العودة والتحرير.
من الضروري احياء يوم الارض في كل مكان وبكافة الاشكال المتاحة انطلاقا من الصعيد الشخصي من خلال التفكير والتمعن وتجديد الارتباط الجسدي والعاطفي بالارض ومن خلال الحديث في البيت والمدرسة والشارع واماكن العمل والمقاهي وباقي المرافق العامة وحتى المشاركة في الندوات والمهرجانات والاعتصامات والمسيرات بغض النظر (وحتى في بعض الاحيان بالرغم) عن الجهات المنظمة لهذه النشاطات. فقط بهذه الطريقة نستطيع أن نبقي يوم الارض حيا في صدور ابناء شعبنا.
طبعا، بالنسبة لنا، نحن ابناء الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة عام ١٩٤٨، يوجد ليوم الارض بعدا خاصا ونكهة خاصة، وذلك بحكم علاقتنا المباشرة والمستمرة يوميا مع الارض الفلسطينية التي صودرت والتي لم تصادر بعد. لذلك من الطبيعي أن يكون احياؤنا لهذا اليوم مميزا وذو نكهة خاصة. وهنا يدخل العامل الذاتي في الموضوع، أي دور القيادات السياسية التي تحدد نشاطات يوم الارض على الصعيد القطري. حسب رأيي هذه القيادات قذ أثبتت ليس فقط انها لا ترتقي الى المستوى المطلوب في احياء هذه الذكرى بل أيضا هي مسؤولة الى درجة عالية، بحكم موقعها القيادي، عن الشوائب السلبية التي تكلمت عنها سابقا.
مثلا: العمل المركزي في هذا اليوم ليس ملكا لاحد او لبلد او لمنطقة بل هو مرهون بالظروف الراهنة والمتغيرة. فاذا كانت قضية الارض في سنوات السبعين من القرن الماضي ملتهبة في الجليل وعلى وجه التحديد في منطقة مثلث يوم الارض فمن الطبيعي أن يكون النشاط المركزي في هذه المنطقة. واذا انتقل لهيب القضية الى منطقة اخرى فمن الطبيعي ان ينتقل العمل المركزي اليها ايضا. اليوم قضية الارض في منطقة سخنين حيث اختارتها لجنة المتابعة، لاعتبارات غير موضوعية، لكي تحتضن المسيرة المركزية خامدة. والمصيبة أن الذين كانوا السبب في هذا الخمود هم الذين سيقودون هذه المسيرة. هذا لا يعني ان قضايا الارض والمسكن في هذه المنطقة قد انحلت لصالح السكان، العكس هو الصحيح، فقضايا الارض والمسكن قد تفاقمت في هذه المنطقة منذ يوم الارض الاول وحتى اليوم بما لا يقاس. الاسباب لهذا الخم كثيرة ومتعددة ولا مجال لمعالجتها هنا واكتفي بالتأكيد على ان السبب الرئيسي هو تخاذل القيادات السياسية وعجزها.
على كل حال، قضية الارض الآن ملتهبة في منطقة اخرى من فلسطين وهي منطقة النقب. ولا ابالغ اذا قلت: أن ما يجري في النقب اليوم بحاجة الى يوم أرض جديد يفوق من حيث اتساعه وعمقه يوم الارض الاول. ماذا كان موقف القيادات السياسية من ذلك؟ الدعوة الى "نشاط مركزي قطري" في النقب. وكلنا يعلم ان هذا النشاط لن يكون مركزيا ولا قطريا، بل سيكون نشاطا ثانويا ومحليا يقتصر على السكان المحليين وبعض المتضامنين معظمهم من النخبة التي تتوفر لديها وسائل التنقل والسفر. في الحقيقة ان هذا الواقع يقودنا الى قضية بالغة الاهمية وهي حالة الانقطاع شبه التامة بين النقب وباقي المناطق الفلسطينية. والشعارات الرنانة حول الشعب الواحد والوطن الواحد لا تغير في هذا الواقع شيئا. بلادنا صغيرة من حيث المساحة فما الذي يمنع تسيير عشرات الحافلات من الجليل والمثلث والساحل للدفاع عن أرض النقب في هذا اليوم؟ ماذا يعرف اهل الشمال أصلا عن النقب وما هي العلاقات التي تربطهم بأهله؟ لماذا يسافر الاف الاهالي والطلاب من الشمال الى ايلات للاستجمام وحتى لا يتوقفون في النقب؟ واذا توقفوا فقط في الاستراحات الصهيونية؟.
لا يمكن التصدي لسياسة التطهير العرقي التي تمارسها الدولة في حق اهلنا في النقب الا من خلال هبة شعبية وطنية تحمل روح يوم الارض الاول.


Wednesday, March 20, 2013

ما هي علاقة يوم الارض بالارض؟

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000014552 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000014536
ما هي علاقة يوم الارض بالارض؟
علي زبيدات – سخنين
تجتمع في مثل هذه الايام من كل سنة لجنة المتابعة، وباسمها الكامل لمن نسي ذلك: "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل"، لكي تقرر كيفية احياء ذكرى يوم الارض. في هذه السنة وعلى ضوء اعادة ترتيب اوراق هذه اللجنة، ولا اريد ان اقول اعادة بنائها، الذي اجتمع واتخذ القرارات هو المجلس المركزي المنبثق عن هذه اللجنة وهو الهيئة المسؤولة عن اقرار السياسة الاستراتيجية العامة للجماهير العربية. من هم اعضاء هذا المجلس بالضبط ومن الذي عينهم او انتخبهم؟ أنا لا ادري وهذا الامر ليس من اختصاصي اصلا.
المهم، اجتمع هذا المجلس واتخذ قراراته بالاجماع (واشدد على كلمة اجماع). اي ان تفاصيل النقاش الذي دار قبل اتخاذ القرار ليست ذات اهمية حاسمة: مثلا من اقترح اضرابا عاما ومن عارض ذلك، من اقترح هذا المكان للمسيرة المركزية ومن اقترح ذاك المكان وهل ترفع به الاعلام الحزبية أم الاعلام الفلسطينية فقط، الخ. المهم انهم اتفقوا على احياء هذه الذكرى كمناسبة "نضالية كفاحية". غني عن القول ان قرارات لجنة المتابعة، من وجهة نظرها على الاقل، هي كل سنة قرارت نضالية كفاحية، لذلك لا يوجد هناك أي مجال للتغيير او التجديد: تنظيم المسيرة المركزية القطرية في مدينة سخنين، تنظيم نشاط مركزي قطري في منطقة النقب، تنظيم فعالية مركزية قطرية قبيل يوم الارض في مدينة الطيبة. لاحظوا التلاعب بالكلمات: مسيرة مركزية قطرية، نشاط مركزي قطري وفعالية مركزية قطرية.
من المفروض، بصفتي من سكان سخنين أن اكون مسرورا بوجود المسيرة المركزية في المدينة. ولكني في الحقيقة لست كذلك. ولعلي لا افضح سرا اذا قلت ان اختيار مدينة سخنين لم يأت بسبب انجازات البلدية في الدفاع عن الارض، او لأن قضية الارض ما زالت قضية محورية تستحوذ على اهتمام المسئولين هنا، بل لانه توجد فكرة عند متخذي القرار في لجنة المتابعة أن المسيرة في سخنين سوف تكون ناجحة في كافة الاحوال نظرا لان مشاركة الاهالي مرتفعة بالمقارنة مع المدن الاخرى، وهذا هو المطلوب: الكم لا الكيف. في هذه الايام، لا يربط سخنين بيوم الارض سوى تلك العلاقة التاريخية العاطفية منذ سنوات طويلة خلت. العلاقات مع المجلس الاقليمي مسجاف الذي يحاصر سخنين ويستولي على معظم اراضيها جيدة، بالنسبة لمناطق النفوذ كل سنة يتم تجديد المكتوب المرسل لوزير الداخلية مطالبا بتوسيعها، الخارطة الهيكلية أكل الدهر عليها وشرب.
قرارات لجنة المتابعة الروتينية على الاقل في الثلاثين سنة الاخيرة اغتالت "الروح النضالية والكفاحية" التي ما زالت موجودة لكن على الورق فقط. اقترحت منذ سنوات، ومن اجل انقاذ ما يمكن انقاذه من يوم الارض ابعاد المسيرة المركزية من محيط مثلث يوم الارض (سخنين، عرابة، دير حنا) ونقلها إلى حيث تكون الارض قضية ملتهبة، الى النقب مثلا. وليس الاكتفاء ب"نشاط قطري مركزي" الذي لا يصله سوى بعض الناشطين الممولين حزبيا. تصوروا لو تم تجنيد مائة حافلة فقط من كافة المدن والقرى العربية وارسالها الى النقب حتى ولو تسبب ذلك في اغلاق الشارع الرئيسي المؤدي الى بئر السبع. فقط بهذه الطريقة نؤكد أن النقب لا يقف وحده وأن الارض في النقب والجليل هي أرض واحدة يسكنها ابناء شعب واحد. أو أن توحه المسيرة المركزية صوب القدس حيث تتعرض اراضيها للغزو المنظم من قبل المستوطنين المدعومين حكوميا. قد يقول البعض: النقب!! ممكن، أما القدس فهذه مزاودة فارغة لا بل خيال مريض. طبعا، أن يأتي المستوطنون من امريكا وكندا فهذا أمر معقول جدا أما أن نأتي من المثلث والجليل لندافع عن وطننا ونقف الى جانب ابناء شعبنا فهذا غير معقول.
اشد ما اغاظني هذا الاسبوع العناوين التي اجتاحت الصحف والمواقع الاخبارية العربية المحلية:"احياء ذكرى يوم الارض". هذه الكلمات الاربعة التي تحمل معاني عادية في حد ذاتها تتمخض عن مأساة اذا ما اجتمعت في جملة مفيدة. إحياء: يعني محاولة بعث الحياة من جديد في جسد ميت او على وشك الموت وهذه المحاولة كثيرا ما تنتهي بالفشل. ذكرى: شيء حدث في الماضي وانتهى ويعود الينا إما كحلم او كابوس او مجرد ذكرى تمر علينا مرور الكرام. يوم: تلك الفترة القصيرة من الزمن التي تكاد لا تكفي لان يلتقط الشخص انفاسه. الارض: الحاضرة في عقولنا الغائبة عن اعمالنا الحية في قلوبنا الميتة في تصرفاتنا.
هل يوم الارض ما زال حقا يوما للارض ام هو يوم للذين خذلوها وخيبوا آمالها؟

Wednesday, March 13, 2013

بشرة سوداء أقنعة بيضاء

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000010657 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000010641
بشرة سوداء أقنعة بيضاء
علي زبيدات – سخنين
مع الاعتذار والشكر في آن واحد من وللكاتب المناضل المارتينكي الاصل الجزائري النضال والانتماء فرانس فانون. الاعتذار لأني قمت بالسطو على عنوان كتابه الاول الذي حلل فيه، بصفته طبيبا نفسيا ينتمي الى شعب يعاني من آفات الاستعمار، العلاقة المعقدة التي تربط بين المستعمر (بفتح الميم) والمستعمر (بكسر الميم) وشكرا لأن نضاله وافكاره ما زالت حية تلهم الشعوب التي ما زالت تناضل من اجل حقوقها الطبيعية في الحرية والاستقلال وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، وخصوصا من خلال كتابه الاخير "معذبو الارض".
في كتابه الاول المذكور تناول فانون العلاقة بين المستعمر الاوروبي (الفرنسي بشكل خاص) والشعوب المستعمرة في البحر الكاريبي ومن ضمنها جزيرة المارتنيك وكيف ان الاستعمار الاوروبي لا يسطو على البلد فينهب خيراتها فحسب بل يدمر حضارتها وثقافتها الوطنية ويشوه الطبيعة الانسانية للانسان ايضا. يحاول وقد ينجح احيانا بدرجات متفاوتة في مسخ الانسان المنتمي لشعب البلاد الاصلي الذي يلبس قناعا ابيضا ويبدأ في تقليد المستعمر الاوروبي. وكيف ان الانخراط في النضال ضد الاستعمار يعيد لهذا المواطن ليس فقط بلده وحريته بل انسانيته ايضا.
لم يكتف الاستعمار الصهيوني في فلسطين بسلب الارض وتشريد الشعب بل شن حربا على الانسان الفلسطيني لتدمير شخصيته وثقافته وتراثه وقيمه حتى استطاع الى درجة مقلقة من افراغ الانسان الفلسطيني من انسانيته. واصبح يتعامل معه وكأنه حيوان لا يستحق الحياة اذا تعارضت حياته مع حياة "الانسان" الوحيد في المنطقة الا وهو المستعمر الصهيوني. لنتذكر هنا بعض الدرر التي صدرت عن قيادات صهيونية: "الفلسطيني حيوان يمشي على قدمين" (بيغن)، "العرب صراصير مسممة في قنينة" (رفائيل ايتان) "العرب أسوأ من الافاعي السامة" (عوفاديا يوسف). وهذا غيض من فيض. عندما تنزع صفة الانسان عن عدوك تصبح عملية تصفيته جسديا امرا عاديا ليس بحاجة الى أي تبرير. فاذا صادفتك افعى فمن الطبيعي ان تسحق رأسها، واذا ضايقك صرصور فلا احد يلومك اذا رششته بالمبيدات. وعلى هذا القياس اذا اخافك احد الفلسطينيين فما المانع في ان تنزل على رأسه وعلى رأس من حوله قنبلة بوزن طن؟وتستمر في نومك الهانىء؟ أو أن تحاصر مليون فلسطيني وتتمتع بتجوعهم كما تحاصر وتجوع سربا من الصراصير؟. تجري هذه الممارسات في ظل ايديولوجيا "انسانية" من الطراز الراقي والرفيع: فدولة اسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وجيشها اكثر جيش اخلاقي في العالم والاحتلال الذي تمارسه هو احتلال متنور وانساني، فهي دولة تقدس حياة الانسان وكرامته وقد سنت القوانين بهذا الخصوص لمن يخامرهالشك في ذلك. وهذا ما يفضحه فرانس فانون في كتابه المذكور: فالانسان بالنسبة للمستعمر هو الانسان الاوروبي فقط وكل ما كتبه المفكرون الاوروبيون من افلاطون مرورا بجون لوك وفولتير وهيغل وحتى آخر مفكر راهن جاء لخدمة هذا الانسان. اما البشر في دول العالم الثالث فهم اما أقل انسانية وإما هم نوع من انواع الحيوانات.
النضال ضد الصهيونية بالنسبة للشعب الفلسطيني لا يقتصر على تحرير الارض وعودة اللاجئين فحسب بل أيضا ومن حيث الاساس من أجل استرداد انسانيته المهدورة. وهذه الانسانية لا يمكن أن تسترد من خلال لبس الاقنعة البيضاء التي يصنعهاويسوقها المستعمر، لا تأتي من خلال التقليد الاعمى للمستعمر، من خلال تبني ثقافته المتعجرفة والتكلم بلغته والتعايش السلمي معه، أو بالمقابل من خلال ازدراء ثقافته وتراثه هو. لقد نجحت الصهيونية بنشر وتعميم مثل هذه الاقنعة البيضاء على عدد كبير من الفلسطينيين. في الضفة الغربية نجحت الفئة المقنعة، وهو طبعا قناع شفاف لا يخفي بشاعة الوجه، بالهيمنة على القرار الفلسطيني وحرفه عن غاياته حتى اصبحت تشكل احتياطا للاحتلال من خلال التنسيق الامني والتعاون الاقتصادي والثقافي. وفي الداخل نجحت في أسرلة شرائح واسعة بدرجات متفاوته بقدر ما تسمح به العنصرية الصهيونية. التطبيع والاسرلة هذا هو لون ومضمون القناع الذي يجب نزعه والالقاء به الى مزبلة التاريخ. علينا أن نتصالح مع بشرتنا السمراء، أن نمشي رافعين الرؤوس، نتكلم لغتنا، نغني أغانينا، نستمع الى موسيقانا، نتخلص من عاداتنا البالية، نطهر نفوسنا من افكارنا المتخلفة التي سهلت الطريق امام المستعمر لاختراق صفوفنا واخضاعنا. الشعب الفلسطيني قوي بحقه وعدالة قضيته ولكنه ضعيف في كافة المجالات الاخرى فلنتمسك بقوتنا الاخلاقية والانسانية ولنحول نقاط ضعفنا الى قوة.

Wednesday, March 06, 2013

هوغو تشافيز - رب رئيس لم تلده بلدك

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000010773 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000010757
هوغو تشافيز - رب رئيس لم تلده بلدك
علي زبيدات – سخنين
ابتليت أمتنا العربية على مر السنين بالعديد من الرؤساء والملوك والامراء. وما زال هذا الابتلاء مستمرا من المحيط الى الخليج بالرغم من التغيير الطبيعي وغير الطبيعي لهؤلاء الرؤساء والملوك والامراء. وكأن كل واحد منهم يعد قبل رحيله نسخة طبق الاصل منه تواصل طريقه اما عن طريق التوريث او الانقلاب او كليهما معا. فكم ابتلينا بملك "عربي" كان ضابط اجنبي يدير له مملكته؟ وكم ابتلينا برئيس لبس قناع الوطنية وتلفع بعباءة الكرامة القومية امام شعبه وفي الوقت نفسه كان يزحف على بطنه امام المستعمرين. وكم من رئيس أقسم بانه سوف يكون نصير المظلومين والفقراء وعندما استلم الحكم أدار البلاد وكأنها مزرعة خاصة له ولعائلته؟
لم يكن الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز رئيسا عربيا بالمفهوم الجغرافي أو بمفهوم الانتماء القومي الاثني للكلمة. لم يولد في بلد عربي ولم تكن أمه عربية ولكنه بمعنى آخر يستطيع أن يكون رئيسا عربيا آكثر من أي رئيس أو ملك يتكلم اللغة العربية بطلاقها ويعتز بشجرة نسبه المزيف التي تصل في معظم الاحيان الى النبي العربي واصحابه المقربين. وعلى غرار المثل العربي الذي يقول: رب أخ لك لم تلده امك، كذلك يمكن القول: رب رئيس لك لم تلده بلدك. فبينما كان الرئيس الامريكي جورج بوش الابن يدمر العراق تحت سمع وبصر، لا بل بمباركة ومساهمة الملوك والرؤساء العرب، بحجة الحرب على الارهاب وقف تشافيز وقال:" حرب بوش على الارهاب هي الارهاب". وبينما كان الحكام العرب يعدون الصواريخ والقنابل الساقطة على غزة يفركون ايديهم ويقولون في احسن الاحوال: لا حول ولا قوة الا بالله. كان تشافيز الوحيد الذي قام بطرد السفير الاسرائيلي من بلاده وسحب سفيره. وبينما كانت البلاد العربية تغلق حدودها امام الفلسطينيين وامام ابناء الشعوب العربية الاخرين ولم يسمح لهم بالتنقل الا بشق الانفس كانت فينزويلا الدولة الوحيدة في العالم التي يستطيع الفلسطيني دخولها من غير تأشيرة دخول.
مواقف تشافيز ضد الهيمنة الامريكية -الاسرائيلية هي مفخرة ليس للشعب الفنزويلي وشعوب امريكا اللاتينية فحسب، بل للشعوب العربية ولكافة الشعوب التي ترفض الهيمنة الامبريالية بكافة اشكالها أيضا.
لم أكن في يوم من الايام ولن اكون في المستقبل مؤيدا ونصيرا لأي حاكم بصورة عمياء. مسيرة تشافيز لم تخل من اخفاقات وتخبطات وتشويهات على الصعيد الداخلي كما على الصعيد الخارجي. ولكني هنا لست بصدد تقييم هذه المسيرة فهذا الأمر يترك للتاريخ وللمؤرخين الشرفاء. ولكن بمناسبة رحيله ارى لزاما أن أذكر بعض الصفات والمواقف لهذا الرئيس الفذ والتي كنا نتمنى أن يتحلى ولو ببعضها الرؤساء العرب.
لقد اكتسب تشافيز شعبيته التي قادته إلى رئاسة البلاد من خلال محاربته للفساد المستشري في كافة اجهزة الدولة. فكما هو معروف فينزويلا ليست بلادا فقيرة ومع ذلك يعصف الفقر بمعظم طبقات الشعب.ذلك لأن فئة فاسدة من الاوليغارخيين كانت تستأثر بثروة البلاد النفطية والزراعية. وخلال فترة رئاسته القصيرة نسبيا (اذا ما قسناها بفترة الرؤساء العرب) تراجع الفقر لاكثر من النصف،وتراجعت البطالة وزال الفساد. اما في بلادنا العربية فإن الفساد ينمو ويترعرع تحت كنف الرئيس وحاشيته. والفقر يزداد وينتشر كلما ازداد الرئيس وحاشيته ثراءا. احدى ركائز سياسته الداخلية كانت تأمين الخدمات الصحية والتعليم للجميع وقد نجح بذلك الى حد بعيد بينما لا يتوفر ذلك في بلادنا حتى في بلدان النفط فاحشة الثراء.
على صعيد السياسة الخارجية حارب تشافيز النظرة السائدة التي تقول: إن امريكا اللاتينية ما هي الا الساحة الخلفية للولايات المتحدة وانتصر عليها الى حد كبير من خلال الدعوة الى الاكتفاء الذاتي ورفض هيمنة صندوق النقد والبنك الدوليين، ومن خلال دعم مشاريع التنمية المشتركة وخصوصا في البلدان التي تتعرض للحصار الامريكي مثل كوبا ونيكارغوا. على عكس الملوك والرؤساء العرب ذوي الصدور الرحبة في تقبل شروط صندوق النقد الدولي المذلة والارتماء في احضان الهيمنة الغربية مقابل حفنة من الدولارات تستأثر بها العصابات الحاكمة.
بالرغم من ان الرئيس الفنزويلي الراحل قد صرح في عدة مناسابات عن دعمه لرئيىس السلطة الفلسطينية محمود عباس خصوصا إزاء التعنت الاسرائيلي والانحياز الامريكي. الا ان الرئيس الفلسطيني يكاد أن يكون النقيض لكل ما يمثله تشافيز وخصوصا رضوخه لسياسة الدول المانحة ولهثة وراء سراب المفاوضات والوعود الاسرائيلية. لا ابالغ اذا قلت ان غالبية الشعب الفلسطيني كانت تحبذ ان ترى تشافيز أو من يشبهه رئيسا لفلسطين.