Thursday, August 10, 2017

عندما يصبح مثيرو الحروب رجال سلام!

عندما يصبح مثيرو الحروب رجال سلام
علي زبيدات - سخنين

لماذا تتدخل الدول الكبيرة في الشؤون الداخلية لدول  تبعد عنها عشرات آلاف الكيلومترات؟ لماذا تشن دول قوية وغنية الحروب على دول فقيرة لا تهدد أمنها ومصالحها؟  وبشكل عام لماذا كل هذا الاقتتال وكل هذه الصراعات والنزاعات المتفشية على طول هذا العالم وعرضه بين الدول والشعوب والجماعات والأفراد؟ قد تستغربون من الجواب على هذه التساؤلات وأغلب الظن أنكم لن تصدقوه بالرغم من أننا نسمعه ونقرأه بشكل يومي. فالجواب هو: أولا، من أجل الحفاظ على السلم (العالمي، الإقليمي، المحلي). ثانيا، من أجل محاربة الارهاب بكل اشكاله وفي كل مكان. ثالثا، من أجل الدفاع عن الشرعية أو إعادتها إلى نصابها. رابعا، من أجل الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين. خامسا، من أجل حماية حقوق الإنسان وحريته وكرامته. والقائمة تطول. أليست جميعها غايات سامية؟
فها هي أمريكا، الدولة العظمى، التي تعتبر نفسها شرطي العالم، وعلى لسان رئيسها ووزير حربيتها، تهدد بشن حرب نووية ضد كوريا الشمالية وإبادة شعب بكامله، وذلك من أجل الحفاظ على السلم العالمي. فترد كوريا الشمالية بتهديد مماثل يقضي على كوريا الجنوبية واليابان وحتى أمريكا نفسها. ولا ننسى الحروب الأمريكية في أفغانستان، الصومال، السودان، العراق وسوريا وذلك ضد الإرهاب الدولي. وتدخلاتها في باقي الدول كبيرة كانت أم صغيرة، قريبة أم بعيدة. وها هي دولة إسرائيل تشن كل بضعة أعوام حربا تدميرية على غزة بحجة محاربة الإرهاب وتبني الجدران العازلة وتقيم الحواجز وتقتل بدم بارد في الضفة الغربية وذلك حفاظا على سلامة المواطنين (أي مواطنين؟!) وها هو النظام السوري وحلفاؤه يحاربون الإرهاب في كل قرية ومدينة سورية حتى ولو كلف ذلك قتل مئات آلاف المدنيين وتهجير نصف الشعب. أما النظام السعودي فهو يقصف المدنيين في اليمن ويهدم البيوت على رؤوس أصحابها كل ذلك دفاعا عن "الشرعية" والعمل من أجل إعادتها إلى سدة الحكم لكي تسهر على أمن وسلامة المواطنين وترسخ أسس العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان. لا يوجد أحد أحسن من أحد، فها هو الطيران الروسي المدجج بالصواريخ  يقصف كل من تسول له نفسه التمرد على "شرعية" نظام الأسد. وها هي دول الخليج المنقسمة على نفسها تتنافس على محاربة الإرهاب والحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته ومن أجل ذلك فليتنافس المتنافسون. مثل هذه النماذج التي لا تعد ولا تحصى تشمل العالم من اقصاه الى اقصاه.
السؤال الذي يجب أن يسأل هنا: إذا كان الجميع موحدا خلف شعار الحفاظ على السلم العالمي فلماذا لا يحظى هذا العالم ولو بلحظة سلام واحدة؟ وإذا كان جميعهم موحدين في محاربة الإرهاب فلماذا يزداد الإرهاب انتشارا وشراسة؟ وإذا كان الجميع حريصين إلى هذا الحد على حقوق الانسان فكيف فقد الإنسان إنسانيته؟ وإذا كان الهدف هو الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين العزل فكيف أصبحت حياة الإنسان لا تساوي أكثر من رصاصة؟
الجواب بسيط وواضح: لأنهم يكذبون. لأنهم يفعلون عكس ما يقولون. فحروبهم ليست من أجل حفظ السلام بل من أجل الأرباح وتحقيق مصالحهم الخاصة ومن أجل الهيمنة والاستغلال. ولا يحاربون الارهاب لانهم هم الارهاب بعينه. ويفرضون بإمكانياتهم بأسلحة الدمار الشامل التي يملكونها جوا من الرعب والإرهاب على كل شعوب العالم. وكيف يتوقعون أن نصدق شعاراتهم حول حرصهم على حقوق الإنسان وهم يقترفون الجرائم ضد الإنسانية صباح مساء.
الكذبة كبيرة، وبسبب كبرها ما زال الكثيرون للأسف يصدقها. وذلك بسبب أبواق الدعاية من فضائيات وإذاعات وصحف ومواقع إخبارية التي تروجها وتنشرها. هذه الأبواق هي التي تصور الحرب العدوانية على انها سلم وتصور الارهاب الحقيقي وكأنه حرب على الإرهاب وتصور القمع والعنصرية والاستغلال والجرائم ضد المدنيين وكأنها حفاظا على أمنهم وسلامتهم، وتصور انتهاك حقوق الإنسان وكأنها دفاع عن حقوق الإنسان وتقدمه لنا في نشرات الاخبار الصباحية والمسائية.
فضح هذه الكذبة وإسقاط كافة الأقنعة عن وجوه صانعيها ومروجيها هي مهمة كل فرد حريص فعلا على السلم العالمي، حريص فعلا على حقوق الإنسان. هي مهمة كل إنسان متشبث بإنسانيته في وجهة الهمجية الحديثة. وهي المقدمة الأولى لإعادة بناء وترميم التضامن العالمي والأخوة بين الشعوب للنضال من أجل مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.


Thursday, August 03, 2017

عندما يصبح "اللاعنف" شكلا من أشكال العنف

عندما يصبح "اللاعنف" شكلا من أشكال العنف
علي زبيدات - سخنين

قرأت، صدفة، مقالا كتبه أحد الناشطين الفلسطينيين في مجال حقوق الإنسان نشرته، ولا اظن صدفة،  إحدى الصحف اليهودية الأمريكية الليبرالية بعنوان:" احتجاجات الأقصى تدل على أن اللاعنف الفلسطيني قد وصل". ظاهر المقال كيل المديح للتحرك السلمي الفلسطيني لرفض بوابات التفتيش الإلكترونية التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي على ابواب الاقصى ولكن جوهر المقال يذهب بعيدا إلى إدانة النضال الفلسطيني "العنيف" وإلى السكوت عن عنف وجرائم الاحتلال. حسب الكاتب مقتل الشرطيين الإسرائيليين وعائلة المستوطنين في مستوطنة حلميش هي جريمة مدانة قام بها أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم ويعمى الكاتب عن رؤية أسبابها وخلفياتها التاريخية. وكأن الامر مفروغ منه، فالنظام مهما كانت طبيعته ومهما كان شكله يحق له احتكار العنف واستعماله  في كافة سلوكه وخطواته متى يشاء وكيفما يشاء أما ضحايا هذا العنف فيحق لهم في أحسن الحالات "الاحتجاج السلمي" فإذا تعدوه أصبح في عداد العنف المرفوض.
لقد غاب عن بال الكاتب أن "اللاعنف" الفلسطيني كان دائما هناك ولم يصل مؤخرا مع احتجاجات الأقصى الأخيرة. هل كان هناك عنف فلسطيني في عام النكبة 1948؟ هل بعض البنادق التركية القديمة تعد عنفا في مواجهة عصابات منظمة مدججة بالسلاح ومدعومة من قبل دولة استعمارية وتخاذل بل وخيانة دول عربية أخرى؟ فلو كان هناك "عنف" فلسطيني مواز ومساو واجه العنف الصهيوني لما حصلت النكبة اصلا. وهل كان الحجر في ايدي اطفال الانتفاضة الأولى في مواجهة الجنود المدججين بالسلاح والدبابات الإسرائيلية بمثابة "عنف" ممنوع اللجوء إليه؟ وهل استعمال الأسلحة البدائية التي وصفها بعض الفلسطينيين قبل الأجانب بالصواريخ العبثية خلال الحروب المتكررة على غزة  في مواجهة طائرات الاباتشي وأف 16 والقنابل العنقودية والفسفورية وغيرها هي أيضا "عنف"مرفوض ومدان؟ حتى فصائل المقاومة الفلسطينية في عصرها الذهبي لم تمتلك أكثر من كلاشينكوف وعبوة ناسفة بدائية.
فقليلا من التناسب وقليلا من الموضوعية يا فرسان حقوق الإنسان لن يضر أحدا. مأساة الشعب الفلسطيني إنه استعمل "اللاعنف" أكثر من اللازم ودفع مقابل ذلك ثمنا باهظا. المسؤول عن 99% من العنف في العالم هي تلك الدول "المتقدمة" "الديمقراطية" التي تتفنن في صنع كميات هائلة من الأسلحة الفتاكة وأسلحة الدمار الشامل للقتل والدمار وتستعمله ضد الآخرين وتبيع ما تبقى منه للآخرين ليستمروا بالقتل والدمار، ودولة إسرائيل بالرغم من ضآلة حجمها تعد سادس دولة في العالم من هذا الصنف. مثل الذين يسكتون ويتغاضون عن هؤلاء ويقيمون الدنيا ولا يقعدوها على الغلابة الذين لا يملكون سوى بعض مخلفات الجيوش النظامية أو سوى أنفسهم ليفجروها كمثل من يسكت عن غاصب شرس ويلوم المغتصبة التي خدشت وجه مغتصبها أثناء مقاومته والدفاع عن نفسها. وفي نهاية المطاف لا يمت ذلك بحقوق الإنسان بأية صلة.  لو كرس أنصار نظرية "اللاعنف" والنضال السلمي بعض نشاطهم لمواجهة تجار الموت والدمار هؤلاء لاختفى العنف بكافة أنواعه وأشكاله.
القانون الدولي يكفل حق الشعوب المضطهدة التي تناضل من أجل حريتها وتقرير مصيرها استعمال كافة وسائل النضال بما فيها الوسائل "العنيفة". ولكن عندما يمارس شعب حقه هذا ينبري لمعارضته ليس فقط الدول والأنظمة التي تضطهده بل أيضا العديد من المنظمات التي تطلق على نفسها "منظمات حقوق الإنسان". بالمقابل يدين القانون الدولي ويحرم الحروب العدوانية والاستعمار ولكن عندما تشن إحدى الدول حربا عدوانية نرى المفارقة تصرخ حتى السماء في صمت هذه المنظمات وفي بعض الأحيان تواطؤها.
ولكي لا افهم خطأ، أنا لست ضد النضال السلمي واللاعنفي، فكل فرد أو مجموعة تعرف ظروفها وتعرف امكانياتها وتختار على ضوء ذلك وسيلة النضال التي تلائمها في ذلك الوقت وذلك المكان المحددين. كل ما أردت التركيز عليه هنا هو حقها في استعمال الوسائل الأخرى إذا كانت نابعة عن موقف أخلاقي راسخ مساند للحق والعدالة. سلاح النقد هام جدا ولكنه لا ينفي ضرورة النقد بواسطة السلاح حسب الظروف الملموسة. وكما قال لينين:" إن شعبا مضطهدا لا يسعى لتسليح نفسه فإنه يستحق أن يعامل معاملة العبيد".
إن الفرية التي توجهها الدول الإمبريالية والأنظمة الاستبدادية التي تدور في فلكها حول عنف وإرهاب كل من يعارض ويقاوم سياستها وتكررها "منظمات حقوق الإنسان حولت "اللاعنف" شكلا من أشكال العنف الذي يلاحق الثوريين.

سوف يبقى اللاعنف الفلسطيني موجودا بل سوف ينمو ويترعرع أكثر كلما تراجع العنف الإسرائيلي. ومن حق الشعب الفلسطيني ممارسة كافة اشكال النضال الشرعية لتحقيق هذا التراجع حتى إزالته نهائيا.