Thursday, September 27, 2018

أمام الكواليس وخلف الكواليس

 أمام الكواليس وخلف الكواليس
علي زبيدات - سخنين

عند كتابة هذه السطور لم يكن محمود عباس قد القى خطابه أمام الجمعية العمومية بعد. وأعتقد لا يوجد هناك أية ضرورة لانتظار هذا الخطاب لكي تكتب عما يجري في اروقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وأعتقد أيضا أن هذا الوضع لا ينطبق حصرا على رئيس السلطة الفلسطينية بل يشمل معظم إن لم يكن كافة الزعامات التي ألقت خطاباتها والتي لم يأت دورها بعد. خطابات ترامب واردوغان وروحاني كانت مكشوفة ومتداولة بين الناس وفي وسائل الإعلام قبل وقوفهم على المنصة. في حالة محمود عباس لم يترك المحيطين به والمقربين منه إلى حد الاحتضان مثل عريقات، العالول وشعث بالإضافة لابواق الدعاية الخاصة في وسائل الإعلام التابعة حتى ولو كلمة واحدة يفاجئنا بها الرئيس. فالرسالة وصلت قبل الخطاب وسوف تصل بعد الخطاب أو بدون خطاب. ولكن أحد قوانين اللعبة ينبغي على المسرحية أن تتم على المنصة، أمام الكواليس وخلف الكواليس، لم تعد تفرق فقد أصبح المكانان سيين.
فور عودة الرئيس الى رام الله، سوف يدعو الرئيس الى عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير لاتخاذ القرارات. وكأن هذا المجلس لم يجتمع بدل المرة مرتين ولم يتخذ القرارات. صحيح أن ذاكرتنا قصيرة ولم نعد نتذكر بالضبط ما هي القرارات التي اتخذها هذا المجلس في اجتماعاته السابقة ولكن ليس إلى درجة أن ننسى تماما اجتماعاته واتخاذه للقرارات الحاسمة. في الماضي وعدونا باتخاذ القرارات ولكنهم لم يعدونها بتطبيقها أو أنهم لم يحددوا وقتا لتطبيقها. هذه المرة ستكون هناك خطوة مميزة وجريئة إلى الأمام، حيث سيكون النقاش المركزي ليس حول اتخاذ القرارات بل حول كيفية تطبيقها. صدق أو لا تصدق، هذه المرة سوف يكون هناك قرارات وتطبيق في الوقت نفسه. يبدو أن أحدهم قرأ عن العلاقة الديالكتيكية بين النظرية والممارسة. أنا شخصيا أحب مشاهدة المسرحيات والافلام. وقد شاهدت بعضها عدة مرات وشعرت وكأني أحضرها للمرة الاولى. ولكن يوجد هناك مسرحيات مملة حالما تبدأ بمشاهدتها يهجم عليك النعاس فكيف يكون شعورك إذا أخبرك احدهم على مشاهدتها عدة مرات؟ الان، وفي وقت كتابة هذه السطور اشعر بالنعاس كلما فكرت بمراجعة قرارات المجلس المركزي من أجل إنعاش الذاكرة لا اكثر ولا اقل. وأعترف، بالتالي تغلب على الكسل والملل ولم استطع أن اضغط على كبسة أو كبستين لكي تظهر هذه القرارات أمامي على الشاشة.
سوف يقول الرئيس أيضا أن السلطة الفلسطينية لن تكون الطرف الوحيد الذي يلتزم بالقرارات المبرمة. ولكن في الوقت نفسه لن يخفي فخره واعتزازه بأنه الطرف الوحيد الملتزم بها. سوف يعبر الرئيس عن خيبة أمله من الادارة الامريكية ويسهب في عتابه للقائمين عليها. سوف يصرح بصوت مثير للشفقة: لماذا تعاملونني هكذا؟ ما الخطأ الذي فعلته؟ تريدون مفاوضات؟ فأنا مع المفاوضات بالسر والعلن واليوم قبل غدا فلماذا تعاملونني وكأنني قطعة أثاث في صالونكم؟ لماذا لا تعطوني شيئا مهما كان بسيطا لكي الوح به أمام شعبي وأقول لهم: ها انا قد حققت لكم بعض المكاسب؟
 وربما سيدعو الرئيس الدول  ال132 التي اعترفت بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة أن تكمل معروفها وتعترف بها كدولة تحت الاحتلال، وكأن هذا التعريف افضل، ولكنه قد يدري او لا يدري أن العديد من هذه الدول على أتم الاستعداد للتراجع عن اعترافها المنقوص ومنها دول عربية شقيقة. وبعد عودته لأرض الوطن سوف يسيل الكلام كالفيضانات حول صلابة الموقف الفلسطيني والتمسك بالثوابت والوقوف أمام القوة الأكبر في العالم.
نعم، اكتب هذه السطور قبل إلقاء الخطاب ولكنها على الأرجح سوف تنشر بعد إلقاء الخطاب. فهل سوف اندم على ما كتبته؟ وهل ساضطر إلى لحس كل ما بصقته؟ هل سيفاجئنا الرئيس ويقول لأمريكا: أغربي عن وجهي، لا نريد سلامك ولا نريد أموالك وسوف ننتزع حقنا بسواعدنا، بدم شهدائنا، بتضحيات أسرانا وبعرق جماهيرنا؟. وهل سيقول لنتنياهو: ايها المحتل الغاشم سوف تغادر ارضنا مهما طال الزمن ومهما غلا الثمن؟. وهل سيقول للأمم المتحدة: أيها المنافقون، أنتم شركاء في هذه الجريمة كل على حدة وكلكم مجتمعين؟ لا أتصور أن يقول مثل هذا الكلام وبالتالي لا أتصور أن تخرج المسرحية عن روتينها المستمر منذ سنوات طويلة. لم يعد هناك أي فرق بين ما يجري أمام الكواليس وبين ما يجري خلفها.
قلت سابقا بأنني احب المسرحيات، ولكن المسرحيات الواقعية الجيدة. وأظن أن غالبية الناس تحب مثل المسرحيات. وأنا مثلي مثل غيري أكره المسرحيات المملة التافهة التي تقوم على النفاق. المسرحية الحقيقية التي تستحق المشاهدة هي المسرحية التي يكون أبناء الشعب ابطالها والتي يكون نضال الشعب وحريته موضوعها، وأرض الوطن منصتها. 

Thursday, September 13, 2018

شعب واحد... ولكن

شعب واحد … ولكن
علي زبيدات سخنين

نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده… ولكن
نحن جزء حي وفعال من الشعب الفلسطيني… ولكن
قضيتنا واحدة ومصيرنا واحد… ولكن
من منا لم يسمع ولم يردد هذه الشعارات وما شابهها مرات لا تحصى ولا تعد؟ من أعضاء الكنيست العرب، من رؤساء البلديات والمجالس المحلية، من قيادات الاحزاب السياسية الاسلامية والقومية والعلمانية، من الناشطين في الجمعيات والمؤسسات المدنية وحتى الناس البسطاء في الشارع والبيوت.
ولكن ما قصة هذه الـ "لكن" التي تتكرر؟ حتى أن البعض يسميها "لكن كبيرة".
لغويا (حسب معجم المعاني الجامع) هي حرف عطف واستدراك يثبت لما بعده حكما مخالفا لما قبله. كمن يقول: الطقس جميل لكن الجو ملبد بالغيوم. فعندما تقول: نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وتتبعها بكلمة لكن.. فهذا يعني انه لديك تحفظ ما، يختلف عما قلته سابقا. وفي سياق هنا المقصود اننا جزء يختلف عن باقي الاجزاء وتميزنا عنها.ل دينا ظروفنا الخاصة.
نحن جزء حي وفعال من الشعب الفلسطيني ولكن... لدينا ظروفنا الخاصة.
صحيح، قضيتنا واحدة ومصيرنا واحد ولكن... لدينا ظروفنا الخاصة.
وبالتالي إذا جمعنا كافة هذه "اللكنات" لتبين اننا في الواقع جزء يتجزأ من الشعب الفلسطيني وان قضيتنا ليست واحدة ومصيرنا ليس واحدا. على سبيل المثال لا الحصر: نطالب الشعب الفلسطيني بعدم التطبيع مع إسرائيل ولكن بسبب ظروفنا الخاصة نطالب بالاندماج معها ونطالبها بمنحنا المساواة مع مستوطنيها. نطالب العالم بمقاطعة إسرائيل ولكن بسبب ظروفنا الخاصة نحن معفيين من هذه المقاطعة. مشاركة أهالي القدس في الانتخابات البلدية تعتبر خيانة بينما في الناصرة تعتبر موقفا وطنيا. لأن القدس محتلة وكأن الناصرة "محررة". لا بأس في أن تدير بلدية القدس الصهيونية شؤون الفلسطينيين. إذ حسب القانون الدولي على المحتل أن يوفر المتطلبات الاساسية لمن يقع تحت الاحتلال. ولكن في الوقت نفسه مرفوض رفضا باتا أن تعين الحكومة لجنة تدير شؤون أية بلدية عربية لأن مثل هذه اللجنة لن تكون حريصة على مصالح البلد.  لو شارك أهالي القدس بالانتخابات المحلية لاستطاعوا التأثير أكثر من تأثير من يشارك من العرب في انتخابات تل ابيب أو حيفا أو أي مدينة أخرى مما تسمى بالمدن المختلطة. طبعا أنا هنا لا اعمل دعاية بضرورة مشاركة أهل القدس بالانتخابات البلدية أو أية انتخابات أخرى، العكس تماما هو الصحيح، أنا أعمل دعاية لمقاطعة فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 لمقاطعة هذه الانتخابات. فنحن شعب واحد أليس كذلك؟ وجميعنا تحت الاحتلال والفرق بين الاحتلالين أقل من عشرين سنة، وعلى الاحتلال حسب القانون الدولي أن يوفر الظروف المعيشية الاساسية لجميع يرزحون تحت نير الاحتلال. ولن تكون آخر الدنيا أذا عينت الحكومة لجان لتدير كافة البلديات والمجالس العربية.
هذه يعني اننا شعب واحد وهذا يعني اننا جزء لا يتجزأ من هذا الشعب وغير ذلك ليس سوى كذب وغش وخداع. إذا كانت قضيتنا واحدة فحلها يجب أن يكون واحدا. الاعتراف بنا كأقلية قومية، منح الباقين دولة العوبة والمساومة على عودة الآخرين، هذا لا يعني قضية واحدة ولا يعني حلا واحدا. هل مصيرنا واحد أم لكل جزء فينا مصيره وعليه يسعى إليه ويتقبله؟
إذا أردنا حقا أن نكون شعبا واحدا يتكون من أجزاء لا تتجزأ وإذا أردنا أن تكون لنا قضية واحدة ومصير واحد، وليس من باب الشعارات والخطابات فحسب، علينا أن نمحى هذه الكلمة "لكن" بهذا المعنى من قاموسنا.
من هذا المنطلق ارفض شرعية السلطة الفلسطينية لأنها في أحسن الأحوال تستفرد بجزء واحد من الشعب الفلسطيني. وارفض سلطة حماس في غزة من المنطلق نفسه. وارفض أوهام الاقلية القومية التي تحيط بها غالبية عنصرية والتي تروج لها لجنة المتابعة. قد يقول البعض: ولكن ماذا عن الظروف الخاصة التي تميزنا وتفصل فيما بيننا موضوعيا ولا يمكن بأي حال من الاحوال تجاهلها أو إنكارها؟ ماذا يعني التمرد إذا لم يكن يعني التمرد على الظروف؟ ماذا يعني النضال إذا لم يكن ضد هذه الظروف؟ وماذا تعني الثورة إذا لم يكن هدفها قلب الواقع رأسا على عقب. فالظروف ليست أمرا منزلا حتى ولو آمن بذلك الكثيرون.
لنتذكر مقولة كارل ماركس الشهيرة: "إذا كانت الظروف هي التي تصنع الإنسان فعلينا أن نصنع ظروفا إنسانية"

Thursday, September 06, 2018

فشلنا حتى في أن نقض مضاجعهم

فشلنا حتى في أن نقض مضاجعهم
علي زبيدات - سخنين

 تنشر دائرة الإحصاء المركزية الاسرائيلية كل سنة قبيل رأس السنة العبرية تقريرا يحتوي على معلومات إحصائية أساسية عن السكان، الاقتصاد والمجتمع والتي تستعمل، بعد دراستها وتحليلها، من قبل الوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتحديد سياساتها وبرامجها.
لن أخوض هنا بتفاصيل هذا التقرير فهو متوفر وفي متناول اليد لكل من يهتم بهذا الموضوع وقد نشرته معظم وسائل الإعلام الاسرائيلية إن لم يكن كافتها. جملة صغيرة وردت في صفحات التقرير لفتت نظري وهي محور مقالتي هذه. تقول هذه الجملة: " 89% من الإسرائيليين من سن عشرين فما فوق راضون عن حياتهم. 6% فقط يشعرون بالوحدة في أوقات متقاربة". على عكس غالبية الاحصائيات التي تأخذ بعين الاعتبار انتماءات السكان القومية لم يذكر هنا أي انتماء قومي، مما يوحي أن هذه النسبة تشمل اليهود والعرب على حد سواء وقد تكون نسبة غير الراضين من العرب أعلى من نسبة اليهود، ويظهر ذلك بشكل أوضح عندما تصبح نسبة عدم الراضين عن وضعهم الاقتصادي 37%.
لو افترضنا أن هذه المعلومات الاحصائية صحيحة، وهي حسب رأيي صحيحة ولو بشكل  تقريبي، فإننا نستنتج أن كل نضالاتنا داخل الكنيست وخارج الكنيست وكل احتجاجاتنا وإدانتنا لسياسة الحكومة قد فشلت حتى في أن تقض مضاجع المواطن الاسرائيلي المتوسط، بل أسوأ من ذلك، فإن هذه الاحصائيات تثبت بأننا شركاء في هذا الرضا. وإذا أضفنا إليها نضالات إخواننا في غزة والضفة الغربية ودول الجوار فهي الاخرى قد فشلت في أن تمس رضا غالبية السكان عن حياتهم. إن دل ذلك على شيء فإنه يدل إما على ضعفنا المطلق وإما على قوتهم الخارقة وربما يدل على الامرين معا. أنا شخصيا لا أؤمن بوجود ضعف مطلق. فالضعف قد يتحول إلى قوة إذا تعرفت على مصدره وأسبابه وعرفت كيف تعالجه وتعمل على تغييره. وفي الوقت نفسه لا أؤمن بوجود قوة خارقة. فكل قوة يمكن أن تتحول إلى ضعف أو على الاقل تواجه قوة أخرى مثلها أو أقوى منها. ولكن في لحظة معينة من الزمن، قد تطول أو تقصر، يبدو وكأنه يوجد هناك ضعف مطلق مقابل قوة خارقة، وهذه الحالة قريبة جدا من حالتنا في الوقت الراهن. وخير دليل على ذلك أن نسبة الراضين عن حياتهم تصل إلى 89%. فقط عندما تنعكس الصورة ويصرح 89% من السكان إنهم غير راضين عن حياتهم، تصبح امكانية التغيير الجذري إمكانية واردة بل ضرورية. من حيث المبدأ، نحن نطمح بالطبع لأن تكون نسبة الراضين عن حياتهم 100% ولكن بعد التخلص من هذا النظام الكولونيالي العنصري الذي يعمل على رفاهية مجتمعه الاستيطاني فقط، وبعد تحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني وعودته إلى وطنه.
المستوطن الصهيوني في الضفة الغربية يشعر بالأمن والرفاهية وبالتالي يصرح لدائرة الاحصاء المركزية بأنه راض عن حياته ليس  بسبب الدعم الحكومي (الاسرائيلي- الأمريكي) فحسب بل بسبب الحماية التي توفرها له أجهزة امن السلطة الفلسطينية وتقهقر النضال الشعبي المناهض للاستيطان أيضا. المستوطنون في الجليل والنقب راضون عن حياتهم ليس بسبب سياسة التهويد الحكومية ومنحهم كافة التسهيلات والامتيازات فحسب بل بسبب نضالنا البائس الذي أسفر عن مصادرة 93% من أراضينا أيضا. الاسرائيليون بشكل عام راضون عن حياتهم لأن الكنيست التابعة لهم لا تتوقف عن سن القوانين العنصرية بينما تتمسك بها الأحزاب العربية وكأنها حبل النجاة. المحاكم الاسرائيلية تفاجئنا كل يوم بأحكامها القراقوشية ولكننا نتهافت عليها بإستمرار طالبين الإنصاف والعدالة. نطالب الشرطة التي تتفنن في قمعنا و إذلالنا بترخيص وحماية مظاهراتنا واحتجاجاتنا. وأكثر من ذلك، بعد سن قانون القومية الأخير، وتعبيرا عن رفضنا لهذا القانون نناشد الدولة ونتوسل اليها أن تعيد لنا مواطنتنا الاسرائيلية كما كانت حتى ولو كانت مواطنة درجة ثانية أو ثالثة. في هذه الأيام، مع بداية الحملة الانتخابية المحلية، ننسى نكبتنا ونكستنا وكل قضايانا الجوهرية ونبدأ بعملية نهش جماعي لبعضنا من أجل الفوز ببعض الفتات التي القته الحكومة على طاولتنا.
لا أريد أن أتكلم هنا عن دور ومساهمة أشقائنا في الدول العربية من المحيط الى الخليج في تعزيز شعور الاسرائيلي بالرضا عن حياته. فالحديث في هذا المجال ذو شجون لا أول له ولا آخر. في ظل هذا الواقع المرير أصبح الاحتلال الإسرائيلي إحتلالا متنورا، وأصبح الجيش الإسرائيلي أكثر جيش أخلاقي في العالم بغض النظر عن جرائمه المثبتة والموثقة، وأصبح هذا الكيان هو الضحية والشعب الفلسطيني هو الإرهابي والمعتدي. وما زال العالم يفرد جناحية ويحتضن هذا الكيان العنصري.
للنتظر تقرير دائرة الإحصاء المركزية الاسرائيلية  قبيل السنة العبرية القادمة لعل وعسى..