Wednesday, February 29, 2012

مدينة بلا عنفوان 2

مدينة بلا عنفوان 2

علي زبيدات – سخنين

سؤال: لماذا أقامت الأحزاب السياسية، لجنة المتابعة، الجمعيات الأهلية ومعظم البلديات الدنيا ولم تقعدها في مناهضة الخدمية المدنية والشرطة الجماهيرية ولكنها صمتت صمت أهل القبور بكل ما يتعلق بمشروع "مدينة بلا عنف"؟ إذا كان هذا المشروع لا يصب في الخدمة المدنية كما لا يدعي البعض فلماذا لم نسمع ذلك بصراحة من قبل لجنة المتابعة أو من قبل لجنة مناهضة الخدمة المدنية المنبثقة عنها أو من قبل أية جمعية من الجمعيات العديدة التي كانت تدعي قيادة النشاط الجماهيري والشبابي ضد الخدمة المدنية كجمعية بلدنا أو المؤسسة العربية لحقوق الإنسان؟
حسب رأيي كلمة السر هنا هي: "الفلوس" أو بلغة سياسية: "الميزانيات" أو كما قالها لي أحد المقربين من هذا المشروع في البلدية: "في هذا المشروع يوجد مصة أصبع". وذلك على عكس مشروع الخدمة المدنية والسلطة الجماهيرية. في مشروع "مدينة بلا عنف" تتحول معظم الميزانيات، مهما كانت شحيحة، إلى البلدية وهي تقوم بصرفها. وكلنا نعرف كيف تقوم البلديات بصرف مثل هذه الميزانيات: المقربون وما أدراك ما المقربون والموعودون من أيام الانتخابات وغيرهم من المتسلقين. وبالفعل فقد بدأت الأيدي تتسابق وتتشابك للطش قطعة من الكعكة حتى قبل أن يتم إعدادها.
سكوت لجنة المتابعة وباقي الأطر التي تستظل بظلها في هذا الموضوع ليس من باب الصدفة. هذه اللجنة بدون عمود فقري أي أنها لا تستطيع أن تقف على قدميها بقواها الذاتية وكل قراراتها تؤخذ بالتوافق فكيف تستطيع أن تتخذ موقفا جذريا من هذا المشروع بينما معظم مركباتها مستفيدة منه؟
كنت أود أن أسمع رأي أيمن عودة، رئيس لجنة "مناهضة الخدمة المدنية" في هذا الموضوع. الذي استقال من منصبه قبل أكثر من شهر ولكنه لم يستقل. حيث قدم سببا غير مقنع لهذه الاستقالة وهو حرصه على تداول المنصب. كان ليبدو أكثر مصداقية وإقناعا لو وجهة نصيحة التداول هذه داخل حزبه للنائب محمد بركة الذي ضرب بعرض الحائط دستور الحزب لكي يستمر عضوا في الكنيست لحوالي 15 سنة أو لرئيس بلدية الناصرة السيد رامز جرايسي الذي أمضى عشرين عاما في منصبه.
على أي حال، كنت أود أن يشرح لي الرفيق أيمن عودة لماذا خدمة شاب أو صبية في أحدى المدارس في إطار الخدمة المدنية تشكل خطرا على الهوية والانتماء بينما الدوريات المشتركة مع الشرطة مشروعة؟
عندما يقول قائد شرطة الشمال في إحدى البلديات الجبهوية: " أعتبر مشروع مدينة بلا عنف مثال أعلى للتعاون بين الشرطة والسلطة المحلية وجهاز التعليم" ألا يشكل ذلك خطرا على الهوية والانتماء؟
مكافحة العنف في المجتمع العربي، كلمة حق أريد بها باطل. هل تستطيع الشرطة وباقي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مكافحة هذا العنف؟ وإن استطاعت ذلك هل تريده حقا؟
جاء في الموقع الرسمي ل"مشروع مدينة بلا عنف" تحت عنوان نموذج عمل ما يلي:
- عدم التسامح بالمرة عند وقوع حوادث عنف
- رد ناجع وقبضة حديدية
- شراكة واسعة بين جميع الجهات في المدينة
- إعادة الصلاحيات للبالغين بشكل عام وإعادة الانضباطية لأجهزة التربية والتعليم
- التعامل مع موضوع الرقابة الشاملة وتطبيق القانون بشكل صارم
- الوقاية من الملل والتسكع لدى أبناء الشبيبة
هذه بعض الدرر التي يحتويها هذا النموذج. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه هي المبادئ التربوية والقيم التي يجب أن نربي أبناءنا عليها حتى نحصل على جيل لا يمارس العنف؟ للوهلة الأولى ظننت أن هذا النموذج مأخوذ من سيناريو لأحد أفلام هوليوود حول صنع إنسان آلي مطيع وخنوع.
دولة إسرائيل بمشروعها هذا تريدنا مدينة بلا عنفوان وليس مدينة بلا عنف فهل نقبل بذلك؟

Wednesday, February 22, 2012

مدينة بلا عنفوان

مدينة بلا عنفوان

علي زبيدات – سخنين

كتبت في الأسبوع الماضي، في أعقاب الجلسة الخاصة التي عقدتها الكنيست لمناقشة ظاهرة العنف في الوسط العربي، أن دولة إسرائيل بسلطاتها الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وبكافة أجهزتها الأمنية وخصوصا الشرطة هي آخر من يحق له التباكي على العنف في المجتمع العربي لأنها تشكل مجتمعة وكل على حدة مصدرا رئيسيا لا ينضب للعنف. وقد قررت العودة إلى هذا الموضوع بناء على الجلسة المشتركة لبلدية سخنين واللجنة الشعبية قبل أيام لتسويق المشروع الحكومي "مدينة بلا عنف" والإعلان عن افتتاحه رسميا في المدينة. على الرغم من أن الكلام يتعلق بمدينة سخنين بشكل مباشر إلا أنه ينطبق على العديد من المدن والقرى العربية التي تبنت هذا المشروع بعضها مؤخرا والبعض الآخر منذ فترة من الزمن. وبعض هذه المدن تعد من مدننا الرئيسية مثل الناصرة، أم الفحم، شفاعمرو، طمرة، عرابة، دير حنا وغيرها.
في الجلسة المذكورة، كانت البلدية قد طلبت من لجنة مصغرة تابعة للجنة الشعبية أن تعد تقريرا عن مشروع "مدينة بلا عنف" وتبرز حسناته وفوائده وتوصي بقبوله مما يتيح للبلدية مستقبلا أن تتنصل من المسؤولية في حالة فشل هذا المشروع. وبالفعل كان تقرير هذه اللجنة المصغرة ايجابيا إلى أقصى درجات الايجابية حيث نص بدون تردد على أن "المشروع لا يصب في موضوع الخدمة المدنية أو تجنيد الشباب لهذه الخدمة". هذا بالإضافة إلى الإسهاب بإمكانياته المهنية والمادية التي يمكن استغلالها لمكافحة العنف في المدينة.
عندما شعرت أن معلوماتي ضئيلة في هذا الموضوع وأن ما سمعته سلبا كان أم إيجابا لم يكن من مصدر أول قررت أخذ زمام المبادرة والقيام بعملية بحث صغيرة وما أسهلها في هذه الأيام إذ تقتصر على دخول الموقع الرسمي للمشروع والاطلاع عليه من مصدره الأول. وقد تبين لي أن ما تضمنه تقرير اللجنة المصغرة وما قرأته في الموقع كانا على طرفي نقيض. وإنها تراهن على جهل أو كسل أو لامبالاة المواطن. سرعان ما اقتنعت أن هذا المشروع ليس فقط أنه يصب في الخدمة المدنية بل هو أشد خطورة من الخدمة المدنية ومن الشرطة الجماهيرية مجتمعتين. وأشد ما أغاظني أن بعض من ساهموا في أعداد تقرير اللجنة المصغرة أو سكتوا عنه وقت النقاش ينتمون إلى أحزاب عارضت قبول المشروع نفسه في أم الفحم. وتبين أيضا أن الأحزاب هي الأحزاب ونفاقها يفقأ العيون. فإذا كان هذا المشروع مشبوها في أم الفحم فكيف يمكن أن يكون مشروعا في الناصرة أو في سخنين؟
والآن إلى صلب الموضوع: تفوح من هذا المشروع رائحة العنصرية من الكلمة الأولى فهو يطلق على السلطات العربية المنضوية تحت هذا المشروع اسم: الوسط غير اليهودي في منطقة الشمال والوسط غير اليهودي في الجنوب. فالعالم حسب الدولة اليهودية التي تريد أن تكافح العنف ينقسم إلى وسطين لا ثالث لهما: الوسط اليهودي والوسط غير اليهودي.
من المعروف أن تعريف العنف وتعريف الأمن في الوسط اليهودي يختلف جذريا عن تعريفه في الوسط غير اليهودي. حسب الموقع، بدأ تطبيق هذا المشروع في مدينة ايلات بالتعاون بين البلدية برئاسة مائير يتسحاق هليفي والدكتورة أورلي إينس من وزارة الأمن الداخلي والتي تبين فيما بعد إنها حصلت على وظيفتها هذه بواسطة مغامراتها التي انتهت إلى فضيحة شملت العديد من المسئولين في هذا المشروع. وكان العمال العرب الضحية الأولى لهذا المشروع لأن مجرد وجودهم في ايلات يهدد أمن المواطنين اليهود ويسبب تنامي أشكال العنف. والآن فقط فهمت لماذا يتذمر الشباب العرب من فظاظة شرطة ايلات. ومن ثم بدأ هذا المشروع ينتقل إلى مدن يهودية أخرى وكانت دائما تكمن من خلفه الفكرة بأن العمال العرب والأجانب بشكل عام هم مصدر العنف وهم الذين يهددون الأمن لذلك يجب تشديد الرقابة عليهم بشتى الطرق والوسائل.
شكليا، يمنح هذا المشروع رئيس السلطة المحلية دورا قياديا في تنفيذ المشروع في بلدته ولكن بشرط أن يلتزم بالعمل "حسب سياسة لجنة الوزراء وإرشادات لجنة التوجيه". ولكن عمليا تبقى الشرطة هي اللاعب الرئيسي في هذه اللعبة. ففي الأماكن التي تعذر إدخال ما يسمى الشرطة الجماهيرية نرى أن المشروع ينص على ضرورة القيام دوريات مشتركة تضم رجال شرطة ومواطنين، وللتمويه يمكن أن تكون الدوريات في سيارات خاصة وكأن من يجعل الشرطي شرطي هي السيارة التي يقودها وليست المهمة التي ينفذها. المصيبة أن تقرير اللجنة المصغرة يوصي بضرورة مشاركة اللجنة الشعبية في لجنة التوجيه وفي هذه الدوريات. وذلك من أجل المراقبة والمتابعة. كذلك ينص المشروع على ضرورة انتهاك خصوصية المواطن من خلال تركيب الكاميرات في الأماكن العامة ومراقبتها على مدار الساعة، وعلى ضرورة وجود مراقبين في المدارس الإعدادية والثانوية لمراقبة سلوكيات الطلاب في الساحة والتسكع في الشارع.
أما بالنسبة للميزانيات فبالإضافة إلى شحها لا أعتقد إنها سوف توظف في المكان المناسب ولكنها في المقابل سوف تفاقم من الفساد في السلطات المحلية حيث بدأ في بعض الأماكن الصراع على الوظائف. وغني عن القول أن في مثل هذا الصراع يكون بعيدا عن المبادئ.
وأخيرا أستغرب صمت لجنة المتابعة العليا حيال هذا الموضوع وهي التي تصرح بمناسبة ومن غير مناسبة عن رفضها للخدمة المدنية. بينما لا تحرك ساكنا أمام مشروع قد تكون له عواقب وخيمة في طمس الهوية الوطنية الفلسطينية لشبابنا.

Wednesday, February 15, 2012

وماذا عن عنف السلطة يا حضرة النواب؟

وماذا عن عنف السلطة يا حضرة النواب؟
علي زبيدات – سخنين

هل العنف طبيعة متجدرة في الإنسان كما يرى بعض االبعض الآخر؟ء الاجتماع؟ أم هو سلوك مكتسب تحدده البيئة والظروف كما يرى البعض الآخر؟ أم هو مزيج من كلتا النظرتين كما يرى آخرون؟ كل شيء جائز ولكن من المؤكد أن العنف بأنواعه المتعددة وأشكاله المختلفة قد رافق الإنسان منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا حتى أصبح من المستحيل فهم تاريخ البشرية بمعزل من العنف.
من يتابع وسائل الإعلام العربية المحلية يظن وكأن هناك حربا أهلية طاحنة يدور رحاها في مجتمعنا العربي حيث ينتمي المجرم والضحية إلى نفس المجتمع. هكذا بتنا نسمع يوميا تقريبا عن إقامة لجان "شعبية" لمكافحة العنف وتنظيم ندوات ومؤتمرات لدراسة ومناقشة ظاهرة العنف أكثر مما نسمع عن العنف نفسه. وقد وصلت هذه الحملة الإعلامية أوجها قبل أيام في الجلسة الخاصة التي عقدتها الكنيست الإسرائيلية لدراسة موضوع العنف في الوسط العربي بمبادرة من النائب أحمد الطيبي "رئيس لجنة دمج المواطنين العرب في القطاع العام" ومشاركة رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي والمفتش العام للشرطة والعديد من النواب العرب وغير العرب. ها هو النائب الطيبي يقرر"أن العنف والجريمة في المجتمع العربي هي أكثر القضايا التي تقلق المواطن العربي". أما رئيس الحكومة فقد شبه وضع المجتمع العربي "بالغرب المتوحش" بل وأضاف أيضا بالشمال المتوحش والجنوب المتوحش إشارة منه إلى أماكن سكنى العرب في هذه البلاد بلهجة تنم على أنه يمثل الغرب المتمدن. وقد سبق هذه الجلسة تحركات عديدة في هذا الموضوع، رسمية وغير رسمية أذكر منها الترويج لمشروع "مدينة بلا عنف" و"الشرطة الجماهيرية" والخدمة المدنية والدعوة لتشكيل لجان محلية وشعبية لمكافحة العنف والجريمة في الوسط العربي. الحاضر الغائب في كل هذه التحركات هي دولة إسرائيل بكافة أجهزتها الأمنية وغير الأمنية. حيث كانت المحصلة النهائية لهذه الحملة تبرئة السلطة من كونها المصدر الرئيسي للعنف في الوسط العربي. جل الانتقادات التي وجهت للسلطة، ومعظمها كان أقرب إلى العتاب منه إلى الانتقاد، وجهت خصوصا لجهاز الشرطة، بسبب تقاعسه وتقصيره في مكافحة العنف مثل القبض على المجرمين والجناة وعدم جمع الأسلحة غير المرخصة أو عدم رصد الميزانيات الكافية لمواجهة العنف في التعليم والتشغيل وتطبيق القانون. ولكن لم يجرؤ أحد من النواب العرب ومن الباحثين الأكاديميين والمثقفين الذين واكبوا هذه الحملة أن يشير بإصبع الاتهام إلى هذه السلطة بكافة أجهزتها على إنها تشكل المصدر الرئيسي للعنف.
طبعا هذا لا ينفي مسؤولية مجتمعنا العربي عن تفاقم ظاهرة العنف والجريمة ولا يقلل في الوقت نفسه من خطورة هذه الظاهرة. ولكن لنبدأ أولا بعنف الدولة التي يذرف قادتها دموع التماسيح على الوسط العربي وعلى العنف الذي ينخر فيه:
من المعروف أن الدولة الحديثة، كل دولة، تصادر العنف من المواطنين لكي تحتكره لنفسها. فعنفها مشروع ويحميه القانون مهما كان شنيعا ولا يعرف بأنه عنف أصلا. فهو إما دفاعا عن النفس أو حفظا للأمن والاستقرار والعديد من التبريرات الزائفة الأخرى. حسب رأيي الدولة هي أكبر مصدر للعنف فهي التي احتلت البلاد وشردت الشعب ودمرت القرى والمدن. في العرف الإسرائيلي لا يعتبر فرض الحصار الغاشم على غزة لسنين طويلة ومنع الغذاء والدواء عنفا. وإقامة الجدار العنصري العازل وزرع الأرض الفلسطينية بالحواجز والمستوطنات هو أيضا ليس عنفا. وسرعة إطلاق النار من قبل رجال الشرطة على المواطنين العرب هو الآخر ليس عنفا. وإن ننسى فإننا لا ننسى العنف الذي تمارسه الكنيست نفسها من خلال سنها للقوانين العنصرية. فتقطيع أوصال العائلة الفلسطينية حسب قانون المواطنة العنصري ليس عنفا وهدم البيوت وخنق القرى والمدن العربية والتمييز بكافة أشكاله ليس عرفا. بعد ذلك أليس من العار أن تعقد هذه الكنيست جلسة خاصة وتتباكى على ضحايا العنف في المجتمع العربي؟
كيف تستطيع شرطة إسرائيل أن تكافح العنف في الوسط العربي وكل تعاملها مع هذا الوسط ينضح بالعنف ؟ من قمع الاحتجاجات إلى تفريق المظاهرات وحتى إلى فرض مخالفات السير؟ هذا فضلا عن إنها تتعاون مع حثالات الوسط العربي الذين تستخدمهم كمخبرين. مثل من يدعو هذه الدولة لحمايته من العنف كمثل من يدعو القط لحراسة اللبن.
مجتمعنا العربي هو الآخر ينبوع لا ينضب للعنف. ولنبدأ بأعضاء الكنيست العرب ورؤساء المجالس المحلية والبلديات الذين شاركوا في جلسة الكنيست والذين لم يشاركوا: كيف انتخبوا؟ أليس من خلال تأجيج العنف وتأليب المواطنين على أنفسهم ومن خلال تنمية واستغلال النعرات العائلية والطائفية؟ أم هذا لا يسمى عنفا؟ ألا يوجد لكل حزب سياسي ولكل "زعيم" بلطجيته وشبيحته؟. هذا بالإضافة إلى بعض العادات والتقاليد البالية التي تشكل أرضا خصبا للعنف مثل القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة وعقلية الانتقام. العنف يبدأ في البيت وسرعان ما ينتقل إلى المدرسة والشارع. في البيت يقوم الأب بضرب زوجته أو إساءة معاملتها على الاقل فترد الأم غالبا بقمع الأبناء وعادة ما يقوم الأخ الأكبر بتعنيف أخوته الصغار. وفي المدرسة وبالرغم من حذر العنف الجسدي قانونيا إلا أن أشكال العنف الرمزي والكلامي ما زالت رائجة. أما في الشارع فحدث عن شتى أشكال العنف ولا حرج. وأخيرا لا بد من التنويه أنه من الخطأ وضع كافة أشكال العنف في سلة واحدة. فالعنف الذي يمارسه المظلومون من أجل رفع الظلم الواقع عليهم هو عنف مشروع ما دام خاضعا للقيم والمعايير الإنسانية.
مكافحة العنف في المجتمع العربي ممكنة ولكن فقط من خلال التربية الصحيحة على أساس القيم الإنسانية الأخلاقية السامية.






Wednesday, February 08, 2012

عندما يصبح الفكر مهنة وتصبح الأفكار سلعة تباع في الأسواق

عندما يصبح الفكر مهنة وتصبح الأفكار سلعة تباع في الأسواق
علي زبيدات – سخنين

بكل صراحة، أعترف بأنه يصيبني نوع من الغثيان وأشعر بالإحباط كلما شاهدت قناة الجزيرة حتى الأخيرة انقطعت عن مشاهدتها تماما منذ فترة. ولم أتفاجأ عندما علمت أن الشعور نفسه ينتاب العديدين ممن يتابعون الإحداث التي تعصف في العالم العربي منذ أن أشعل محمد بو عزيزي النار في نفسه . وقد بدأ عندي هذا الشعور بالاشمئزاز إلى درجة الغثيان من هذه القناة مع تطور الصراع في ليبيا. حيث أصبح واضحا للجميع أن الجزيرة ليست مجرد قناة إخبارية تنقل الخبر كما يحدث على أرض الواقع وتستضيف الخبراء من كافة الأطياف لتحليل الإحداث لكي يتفهمها المشاهد، بل هي قناة متورطة في صنع الحدث نفسه بطرق مختلفة وملتوية وتوجيهه لخدمة أجندة أجنبية. واعترف أيضا أن ما زاد من إحباطي من هذه القناة منذ تلك الأيام هو ظهور شخصيتان من "الخبراء" بشكل دائم: الأول كان يعرف بأنه خبير الشؤون العسكرية والإستراتيجية واسمه صفوت الزيات صاحب نظرية "ربما"، والذي انتهى دوره مع سقوط نظام القذافي تحت ضربات حلف الناتو ولا أدري إذا كان ينتظر هجوم هذا الحلف على سوريا حتى يعود أو يعاد إلى الشاشة. والثاني كان ولا يزال يعرف بالمفكر العربي: عزمي بشارة.
ولكني تفاجأت عندما قرأت مقالا للصديق د. عمر سعيد بعنوان:" ملاحظات على موقف د. عزمي بشارة من الأزمة السورية". للوهلة الأولى ظننت إنها ملاحظات انتقاديه ولكن سرعان ما خاب أملي حيث تبين أن المقال ليس فقط دفاعا عن مواقف عزمي بشارة بل هو عبارة عن قصيدة مدح طويلة، وفي الوقت نفسه هجوما على منتقديه الذين يصفهم بالكسالى والمشبوهين الذين يعبرون عن عقمهم الفكري أو الواقعين تحت تأثيرات الغرائز البدائية والحسد أو المزايدات البائسة والرعناء. بينما بالمقابل يضع عزمي بشارة في مصاف المفكرين الأفذاذ الذين رحل منهم ثلاثة مؤخرا وهم: محمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون. بل هو يتقدم عليهم بمسافات، كيف لا وقد توفوا مغمورين في المنفى أو تحت وطأة العوز ولم تكتشفهم قناة الجزيرة وتجعل منهم نجوما. حسب رأي الكاتب، عزمي بشارة هو أبرز المنظرين في المواطنة والمجتمع المدني وإصلاح وتطوير الفكر القومي وعلاقته بالديمقراطية وقيم العدالة لأن تحليلاته ليست مجرد تحليلات سياسية للأحداث بل هي تحليلات فكرية تقوم على أساس معايير وأدوات تحليلية علمية. وأكثر من ذلك فهو يستحق لقب "منظر الثورات" بعد أن تعدى دور التنظير إلى مواقع التوجيه السياسي وأصبح مصدر إلهام للثوار. وأخيرا يؤكد د. عمر: "أن الجماهير تتابع بتشوق مداخلات بشارة المتلفزة" أنا آسف يا صديقي: لقد آن الأوان أن تعرف أن هناك من قرف الجزيرة بسبب هذه المداخلات.
لا يوجد هناك ثورة نقية إلا بين صفحات الكتب. جرائم الثوار قد لا تكون أقل فظاعة من جرائم النظام وخصوصا من ثوار آخر زمن الذين يتساقطون مع تطور النضال. يوجد هناك صراع دام لا يعرف الرحمة. والثورة أول ما تأكل فإنها تأكل أبناءها. وكما كتب كارل ماركس في البيان الشيوعي:" تاريخ كل مجتمع إلى يومنا هذا ليس سوى تاريخ صراع الطبقات. فالحر والعبد، والنبيل والعامي والإقطاعي والقن ومعلم الحرفة والصانع وباختصار الظالمون والمظلومون ، المتعارضون دوما، خاضوا صراعا لا ينتهي، صريحا تارة ومستترا تارة أخرى، صراعا كان ينتهي دائما إما بتغيير المجتمع كله تغييرا ثوريا وإما بانهيار كلتا الطبقتين المتصارعتين".
يبدو أن الصراع في سوريا قد حسم ولن يتمخض عن تغيير ثوري للمجتمع. بل سينتهي بدمار طرفي الصراع. لم يعد هناك مبرر للخوف من نشوب حرب أهلية، وكأن ما يجري الآن ليست حربا أهلية. لقد فقدت البوصلة اتجاهها بين نظام دموي لن ينسحب إلا بعد أن يخلف وراءه أرضا محروقة وبين معارضة مخترقة حتى النخاع من قبل أمريكا وأوروبا وإسرائيل والرجعية العربية. أما الشعب السوري فهو الذي يدفع الثمن بدماء أبنائه. أما المصيبة الحقيقية فهي أن كلا الطرفين المتناحرين يتكلم باسم هذا الشعب المسكين ويدعي الدفاع عنه بواسطة نحره.
لم أكن في يوم من الأيام من أنصار نظام البعث في سوريا. وخصوصا بعد ما يسمى "الثورة التصحيحية" واغتصاب حافظ الأسد للسلطة. لقد كان ذلك انقلابا يمينيا وكانت تصفية المقاومة الفلسطينية في الأردن إحدى نتائجه المباشرة. وإن ننسى فإننا لا ننسى تل الزعتر وحرب المخيمات ووقوف النظام إلى جانب أمريكا في حرب الخليج الأولى. وعندما كانت معظم قوى اليسار ترتمي في أحضان النظام السوري بصفته نظاما ممانعا كان رأيي أن هذا النظام لا يختلف من حيث الجوهر عن باقي الأنظمة العربية الرجعية.
ولكن أن يزايد على هذا النظام مشيخة قطر والنظام السعودي والهاشمي وغيرهما من حثالة جامعة الدول العربية وتطالبه بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان فإن ذلك لعمري من سخرية الأقدار.
أين يقف المفكر العربي عزمي بشارة من هذا المشهد؟ إلى جانب الشعب السوري ومطالبه بالحرية والكرامة؟ أم إلى جانب حكام قطر وباقي الدول العربية الذين يقومون بدورهم على أحسن وجه في خدمة الاستراتيجية الأمريكية - الإسرائيلية؟ هل يعرف عزمي بشارة أن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية تقع على بعد أمتار من المكان الذي يجلس فيه للتنظير للثورة؟ أم انه لا يعرف ذلك تماما مثل زميله يوسف القرضاوي؟ والذي اتخذ من الدين حرفة وجعل الفتاوى سلعة كما جعل بشارة من الفكر حرفة ومن الأفكار سلعة وكل شيء قابل للبيع.
الملاحظة الوحيدة التي يذكرها الدكتور عمر سعيد على إنها نقد ولكنها هي في الحقيقة أقرب إلى للعتاب هي مطالبته بنقد واضح للتيار الإسلامي وموقفهم من أمريكا والقضية الفلسطينية. أليس من الأجدر أن يطالبه بنقد واضح لحكام الدوحة والرياض وعمان وموقفهم من أمريكا والقضية الفلسطينية؟
وأخيرا أتساءل ولا انتظر جوابا: هل المشروع القومي العربي الديمقراطي الذي تعثر تحقيقه من خلال الكنيست الإسرائيلي يمكن تحقيقه من خلال حلف الناتو؟

Wednesday, February 01, 2012

تكريم أم إهانة؟

تكريم أم إهانة
علي زبيدات – سخنين

مما لا شك فيه أن تكريم المبدعين من كتاب وشعراء ومثقفين وعمال وطلاب متفوقين وكل من قدم خدمة جليلة لبلده ولشعبه هو أمر إيجابي بل وضروري لكل مجتمع فكم بالأحرى لمجتمعنا الفلسطيني الممزق والمحاصر والرازح تحت نير الاحتلال. غني عن القول أن التكريم إيجابي وضروري للأحياء كما للأموات. ولكن، حسب رأيي يوجد هناك بعض المعايير التي يجب ألا تغيب عن نظر منظم التكريم وصاحب التكريم على حد سواء وإلا تحول إلى نقيضه، إلى إهانة، وأصبح نوعا من النفاق الاجتماعي و"الوطني". وحسب رأيي فإن مجتمعنا لا يولي التكريم أهمية كافية من جهة، فكم من مبدع طواه النسيان في حياته ومماته، ولكنه من جهة أخرى هو مجتمع يعشق المظاهر والمبالغة إلى حد الإدمان وإلى درجة تصل إلى حافة النفاق الاجتماعي والرياء والسياسي.
من المعروف أن شعبنا يحب الرموز ويبالغ في تكريمها. الغالبية عن حسن نية ولكن البعض لغاية سياسية كانت أم شخصية. أنا شخصيا أؤمن أن الشعوب ليست بحاجة إلى أية "رموز" لأن "الرموز" عادة تصبح فوق النقد، فتحجب الحقيقة وتشجع الإتكالية واللامبالاة. ولها مساوئ عديدة أخرى ليس هنا المجال لشرحها بالتفصيل. على كل حال، هذه "الرموز" المكرمة ليست بحاجة إلى شهادة مني أو من غيري ولا أقصد هنا أصلا إعطاء أية شهادة من أي نوع كان. كل ما هنالك هي قناعة شخصية، ربما تكون خاطئة، بأننا نقف أمام ظاهرة سلبية يجب مواجهتها، ويحق لشخص واحد على الأقل عنده جرأة كافية (أو وقاحة كافية) لكي يتكلم عنها ويحذر منها.
في الأسابيع الأخيرة فاضت وسائل الإعلام المحلية بتغطية حفلات تكريم عديدة بصورة مستفزة، لذلك لا أري ضيرا أن أواجه هذه التغطيات بشكل قد يستفز البعض.
لنأخذ مثلا الشاعر سميح القاسم الذي أحبه كشاعر وأكن له الاحترام كإنسان ولكني أختلف معه في الكثير من المواقف والآراء وهذا من حقي وحق كل واحد. في الآونة الأخيرة جرى تكريمه في عدة حفلات وفي عدة بلدان. لا أدري ما سر هذه الطفرة وفي هذا الوقت بالذات. في سخنين امتلأت القاعة بمحبي الشاعر الحقيقيين والذين لم ينبسوا ببنت شفة. ولكني لست متأكدا من أن كل من اعتلى المنصة وكال المدائح للشاعر بكل ما جادت به قريحته هو من محبيه. ولا أدري ما سر تعاون سلطة رام الله وبلدية سخنين ومؤسسة الأسوار في هذا الاحتفال. ماذا يعني وجود رئيس ديوان محمود عباس؟ ومن يقول أن له أو لرئيسه الحق في أن يمنح "وسام نجمة القدس" لأحد؟ ماذا فعلت هذه السلطة من أجل القدس أصلا؟ وما علاقة محافظ جنين الذي يفتخر بأنه قد حول مدينة جنين من "مدينة إرهاب إلى المدينة الأكثر أمنا للإسرائيليين"؟ وهو الذي وقع على اتفاقية توأمة بين مدينة جنين ومستوطنات مرج بن عامر، وطير بالونات وحمام أبيض على حاجز الجلمة تعبيرا عن السلام المفقود التعايش خلال استقباله لوفد إسرائيلي. وما هي علاقة رئيس بلدية أريحا وغيره من أعضاء الوفد المرافق؟ بل ما هي علاقة رئيس بلدية سخنين بالشعر والشعراء؟ وهل هو المخول لمنح "مواطنة شرف" لأحد؟ وأخيرا أعضاء الكنيست العرب الذين وقفوا بالدور حيث ألقى كل واحد منهم خطابا بليغا لكن بلا روح وكأنه يقف على منصة الكنيست. آسف جدا، هذا ليس تكريما وطنيا بل هو نفاق وطني. وأعدها إهانة للشاعر المحتفى به نفسه وليس تكريما له حتى ولو لم يراها هو كذلك وهي أيضا إهانة للجمهور. وفي عرابة قبل أيام جرى تكريم آخر للشاعر ومرة أخرى بلغت المجاملات ذروتها. حيث شبه رئيس البلدية الشاعر بالقديس وهذا يعني أن كل نقد هو من باب الكفر والإلحاد، ناهيك عن الباقي من سياسيين وغيرهم. الخطابات كاملة موجودة بين صفحات الجرائد المحلية والمواقع في الشبكة العنكبوتية لمن يهمه الأمر.
بالتزامن مع هذه التكريمات، جرت مراسيم الذكرى الأربعين لرحيل الشاعر سليم جبران في البقيعة. ومرة أخرى تحركت جوقة المداحين التي أهملت الشاعر في حياته وها هي تذكره بعد مماته. ولو أتيح للشاعر عن يعود للحياة لحظة ويستمع للخطابات لصاح مذهولا: هل هو أنا المقصود بكل هذا الكلام؟
طبعا، للموت حرمته، وليس من الشهامة بشيء التعرض لمن لا يستطيع أن يرد. ولكن أيضا ليس من الشهامة بشيء المجاملة إلى درجة النفاق. لم تجمعني بسالم جبران صداقة ولكن جمعتني معه نقاشات عديدة بعضها قديم جدا يعود إلى سنوات السبعين عندما كنا سويا تحت سقف جامعة حيفا وبعضها أحدث عهدا عندما عمل محررا في جريدة الأهالي في سخنين. وكنت أتعمد خلال نقاشنا إغاظته من باب العشم أولا ولاختلاف المواقف والآراء ثانيا وأقول له: لا افهم كيف يعدونك من شعراء المقاومة وأنت تدعو إلى التعايش السلمي مع دولة إسرائيل ومن خلال عملك وتصريحاتك في جفعات حبيبة. وأذكر أنه في إحدى مقالاته الأسبوعية كتب ما معناه: أن الوهم بتجاهل وجود دولة إسرائيل يقود إلى الكوارث وأن الوهم بأن يقوم حزب الله باقتلاع الكيان الصهيوني سوف يكلف شعوبنا دما ودمارا. وأذكر أيضا أني كتبت مقالا ردا على تصريحاته هذه وسلمته إياه طالبا أن ينشره في جريدة الأهالي حيث كنت اكتب من فترة لأخرى لكنه لم ينشر المقال بحجة إني انزع الشرعية عن دولة إسرائيل وإني لا اختلف عن الإسرائيليين الذين ينكرون شرعية فلسطين. ولكني أعترف بأنه كان إنسانا دمثا واسع الصدر يستمع لكافة الآراء.
حتى لا يصبح التكريم إهانة للمكرم نفسه وللجمهور ومن أجل بلوغ الغاية المرجوة من التكريم ينبغي نبذ المبالغة والنفاق والتقيد بضوابط الحقيقة والاحترام.