Wednesday, February 27, 2013

لا شيء يعمل في فلسطين غير الاجهزة الامنية

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000010136 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000010120
لا شيئ يعمل في فلسطين غير الاجهزة الامنية
علي زبيدات – سخنين
في خضم النقاش مع اعضاء ومؤيدي الاحزاب العربية المشاركة في الانتخابات للكنيست الصهيوني كنت دائما اواجه بالسؤال المفحم من وجهة نظرهم: ولكن ما هو البديل للنضال البرلماني؟ وعندما كنت اجيب: النضال الجماهيري خارج البرلمان، كان الجواب جاهزا: ومن يقول ان النضال البرلماني جاء بديلا للنضال الجماهيري؟. وهل هناك من ينكر ان الاحزاب العربية التي تقود النضال البرلماني داخل الكنيست هي نفسها التي تقود النضال الشعبي خارجه؟. هذان الشكلان للنضال يكمل بعضهما الآخر ولا يوجد هناك اى تناقض. وكنت اجيب على هذه التبريرات "المفحمة”: نعم، صحيح، يكمل احدهما الآخر: لذلك فإن بؤس النضال البرلماني قد جعل من النضال الشعبي أشد بؤسا. وإلا فمن المسؤول عن افراغ يوم الارض من مضمونه المقاوم لسياسة اغتصاب المزيد من الارض العربية؟ ومن المسؤول عما آلت اليه باقي مناسباتنا الوطنية كذكرى النكبة وانتفاضة القدس والاقصى؟
بالمقابل لمست أن قوة جاذبية الانتخابات البرلمانية قوية عند قطاعات واسعة من جماهير شعبنا. وهي لا تقتصر على كوادر واعضاء الاحزاب العربية بل تتعداها الي قطاعات واسعة وخصوصا بين الشباب. وقلت في حينه اذا كان لا بد من النضال البرلماني فلماذا لا نصب جل جهودنا من أجل خلق بديل لانتخابات الكنيست من خلال انتخاب البرلمان الفلسطيني؟ وهو موجود على الورق على الاقل باسم: المجلس الوطني الفلسطيني. فنحن نكرر صباح مساء، بمناسبة وبغير مناسبة أن الشعب الفلسطيني واحد في كافة اماكن تواجده بالرغم من حالات التمزق والتشرد الذي فرضت عليه، فلماذا لا نخوض نضالنا البرلماني الخاص من اجل انتخاب مجلس وطني فلسطيني يمثل كافة افراد هذا الشعب؟ ولو بذلت الاحزاب العربية (الوطنية، وكلها تسمي نفسها وطنية) المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني ربع جهودها بل اقل من ذلك في الاعداد والمشاركة في انتخابات البرلمان الفلسطيني لتغيير الواقع الراهن بشكل جذري.
في الحقيقة لا ينقص الشعب الفلسطيني مؤسسات تمثيلية، العكس هو الصحيح. هناك تخمة وفائض في عدد مثل هذه المؤسسات. رسميا عدد اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني يزيد على ٧٣٠ عضو، أي انه ينافس برلمان الصين الشعبية من حيث العدد. ولكنه معطل تماما، جثة هامدة، لا احد يعرف على وجه التحديد من هم اعضاؤه، من توفي منهم ومن تقاعد وكيف تم انتخاباهم. وأي برلمان هذا ولم يجتمع بشكل رسمي منذ اكثر من ربع قرن؟. يوجد لديه مقر دائم في احدى الدول العربية وبعض المكاتب هنا وهناك ولكن لا احد يعرف على وجه التحديد ماذا تفعل وكيف. له رئيس لا يعرف احد من وعلى أي اساس تم انتخابه وما هي صلاحياته بالضبط.
في النظام الاساسي لمنظمة التحرير الذي صودق عليه عام ١٩٦٤ يوجد مادة واضحة تقول:"ينتخب اعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني بموجب نظام تضعه اللجنة التنفيذية لهذه الغاية". حتى اليوم ما زلنا ننتظر هذا النظام من لجنة تنفيذية معطله منبثقة عن منظمة تحرير معطلة هي الاخرى. كل شيء معطل في فلسطين: منظمة التحرير، المجلس الوطني، المجلس المركزي، المجلس التشريعي، الميثاق الوطني. وبالتالي نستغرب كيف ولماذا اصبح وضعنا تعيسا الى هذه الدرجة؟ يبدو أن الشيء الوحيد غير المعطل هو الاجهزة الامنية لسلطة اوسلو التي تنشط بالتنسيق الامني مع قوات الاحتلال وفي قمع كل مقاومة مسلحة (وغير مسلحة) ضد هذا الاحتلال. سئمنا من الكلام حول المصالحة وحول الاصلاح في منظمة التحرير. حسب رأيي لن يكون هناك مصالحة ولا اصلاح ما دام هناك مستفيدين من الوضع القائم يهيمنون على مواقع صنع القرار.
بدأت منذ عدة سنوات تحركات شبابية، من حيث الاساس، تعمل على تسجيل الفلسطينيين في كافة اماكن تواجدهم في سجل انتخابي واحد بهدف التوصل لانتخاب مجلس وطني يمثل كافة مركبات الشعب الفلسطيني. وهذا اقل ما يمكن ان نطلبه من شعب يناضل من اجل عودته وانتزاع حقوقه الطبيعية المشروعة. في هذا الاتجاه يجب ان تصب كافة جهود الشباب الوطني وليس في نشاط عقيم لزيادة التمثيل العربي في الكنيست الصهيوني بعضو أو عضوين. اذا اردتم نضالا برلمانيا فالمجال مفتوح امامكم على مصراعية، فلنوحد نشاطنا من اجل انتخاب مجلس وطني فلسطيني على اسس وطنية تقدمية يكون درعا لحماية الثوابت الوطنية ورافعة لمواصلة النضال حتى تحقيقها كاملة.

Wednesday, February 20, 2013

سقوط الايديولوجيات وصعود المؤدلجين

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000011149 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000011133
سقوط الايديولوجيات وصعود المؤدلجين
علي زبيدات – سخنين

طبعا، يحق لكل حزب أن يعرف نفسه كما يشاء. يتبنى أو يدعي تبني ما يشاء من افكار ونظريات سياية ويمارس ما يشاء من استراتيجيات وتكتيكيات وبالتالي فهو حر في أن ينسب لنفسه ما يشاء من انجازات وانتصارات وهمية كانت أم حقيقية. ولكن، بالمقابل، من الطبيعي ايضا الا نحكم على حزب سياسي من خلال نظرته الى نفسه أو من خلال تقييمه لنفسه، إذ تبقى حسب رأيي الممارسة العملية هي المقياس الاساسي ليس فقط لصحة النظرية بل لصواب أو عدم صواب حاملين لوائها أيضا. لست أول من استعمل مصطلح سقوط الايديولوجيات فقد انتشر استعماله منذ العقد الاخير من القرن الماضي مقرونا بمصطلح آخر هو "نهاية التاريخ" في اعقاب نشر كتاب بالاسم نفسه للكاتب الامريكي-الياباني فرنسيس فوكوياما والذي جاء ليبشر بالنصر الحاسم والنهائي الذي حققته الرأسمالية العالمية وبداية عهد جديد يستحيل تغييره مستقبلا. ومع اني ارفض مبدئيا مصطلح نهاية التاريخ لأنه طالما هناك مجتمعات بشرية فالتاريخ سوف يستمر ويجلب معه تغيرات وتقلبات لم تكن بالحسبان. ولكني اوافق من حيث المبدأ وإلى حد بعيد على مصطلح: سقوط الايديولوجيات.
كانت هذه مقدمة لا بد منها في محاولتي لفهم الحوار (هذا اذا صحت تسميته بالحوار أصلا) بين الحزب الشيوعي الاسرائيلي والتجمع الوطني الديمقراطي. كما هو معروف، الحزب الشيوعي يدعي تمثيل الطبقة العاملة والتعايش اليهودي العربي والنضال من اجل السلام والمساواة وربما وجد بين ادبياته وخصوصا القديمة منها الكلام عن الاشتراكية. بينما يدعي التجمع ليس تمثيل الحركة الوطنية الفلسطينية فحسب بل كونه هو الحركة الوطنية ذاتها وغالبا ما يطلق على نفسه اسم الحركة الوطنية. وبالرغم من احتكاره لهذا الاسم فهو ينفي بأنه بذلك يصادر هذه الصفة الوطنية من الاحزاب الأخرى. هكذا اصبح من المفروغ منه تصنيف القوى السياسية الناشطة على الساحة الفلسطينية في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ الى ثلاثة تيارات: الشيوعي والوطني والديني. وهذا يعني سيطرة ثلاث ايديولوجيات: الشيوعية، الوطنية (القومية) والدينية. وإذا اعتبرنا مرة اخرى الممارسة هي المقياس الاساسي لصحة الايديولوجيا فإن هذه الايديولوجيات الثلاثة قد سقطت سقوطا ما بعده سقوط حتى وان رافقه صعود (وغالبا ما يكون صعود اعلامي زائف) لبعض المؤدلجين. وإلا كيف نفسر وكيف نفهم بناء الاشتراكية من خلال كيان كولونيالي وتحقيق الهوية القومية من خلال المواطنة الكاملة أو عودة الخلافة الاسلامية الراشدة من خلال هذا الكيان؟
في الحقيقة شعرت بهذا السقوط على الصعيد الذاتي اولا. فقد كنت اعرف نفسي لفترة طويلة وبكل ثقة انني نتاج لهذه الايديولوجيات الثلاثة مجتمعة: فأنا ماركسي لينيني اممي احلم بمجتمع شيوعي على الصعيد العالمي يكون خاليا من جميع اشكال القهر والتمييز والاستغلال. وفي الوقت نفسه انا وطني يريد لوطنه ان يكون جزءا من هذا العالم الحر بل وأن يكون في الطليعة ، فالشيوعية تشترط مسبقا تحرر كافة الشعوب من أي اضطهاد قومي. وأنا ايضا نتاج للحضارة الاسلامية الانسانية على مر القرون بغض النظر عن المعتقدات الدينية الضيقة. من هذا المنطلق كنت اقول: أنا شيوعي وطني مسلم من غير التقيد بترتيب هذه الكلمات. مع سقوط هذه الايديولوجيات افرغت هذه المصطلحات من كل مضمون تقدمي.ولم تعد التبريرات التي يروج لها المؤدلجون الجدد مقنعة: الخطأ ليس بالايديولوجية الشيوعية بل بالشيوعيين. والخطأ ليس في الاسلام بل في المسلمين. والخطأ ليس بالقومية بل في القوميين. ماذا تفيدني الشيوعية كنظرية اذا كانت الممارسات باسمها تشمل هذا الكم من الجرائم؟ من أنا لكي أحكم من هو الشيوعي الحقيقي؟ هل هو ستالين أم تشاوشسكو أم كيم ايل سونغ ام بول بوت؟ وماذا يفيدني الاسلام اذا كانت باسمه تقطع رؤوس البشر بهذه السهولة؟ ومن انا لكي اقرر من هو المسلم الحقيقي ومن هو غير الحقيقي؟ هل هو الذي ينتمي للاخوان المسلمين أم للسلفيين أم للوهابيين أم للقاعدة أم لعشرات المجموعات الاخرى. وماذا تفيدني القومية التي تتراوح ما بين الفاشية والعمالة، وتقمع شعوبها وتنبطح امام الامبرياليين؟ وكيف نميز بين الوطني الحقيقي وبين الوطني المتسلق او المزيف؟
حسب رأيي، يكمن الخلل في تحول هذه النظريات الانسانية العظيمة الى ايديولوجيات. فمن سمات الايديولوجية الانغلاق والتحجر ومصادرة الفكر الحر واحتكار الحقيقة وجعل الجهل والقمع الفكري والتعصب قيما مقدسة، ثوابت لا يجرؤ احد من الاقتراب اليها او المساس بها. لذلك كان من الضروري ومن الجيد سقوطها. المشكلة انها حتى بعد سقوطها ما زالت تستحوذ على تفكيرنا وتتحكم بسلوكنا. يجب على النضال اليوم ان يركز على تحرير كواهلنا من جثث هذه الايديولوجيات، نفض الغبار والنهوض لمتابعة المسيرة.

Wednesday, February 13, 2013

عبء الدولة الثقيل

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009701 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009685
عبء الدولة الثقيل
علي زبيدات -سخنين
يطفو على سطح السياسة الاسرائيلية بعد الانتخابات للكنيست مصطلح قديم – حديث يسمى "المساواة في تحمل العبء". المقصود بهذا المصطلح باختصار شديد هو أن العرب واليهود المتدينين (الحريديم) يتمتعون بكافة الحقوق التي تقدمها الدولة لهم بالاضافة إلى العديد من الامتيازات. بالمقابل لا يحملون عبء الدفاع عن الدولة عن طريق الخدمة العسكرية أو بدائلها مما يسمى بالخدمة المدنية. لست هنا بصدد الدفاع عن اليهود المتدينين فهم ليسوا بحاجة لمن يدافع عنهم إذ يقومون بالدفاع عن انفسهم وعن مصالحهم بافضل ما يكون. والدولة بكل تياراتها ومؤسساتها تعمل لهم الف حساب وبالتالي ترضخ لمطالبهم مرغمة. الامر يختلف بالنسبة للعرب في هذه البلاد. عندما تأتي الاحزاب العربية، لجنة المتابعة، مؤسسات المجتمع المدني واعضاء الكنيست في للدفاع عن حقوقهم تخرج من افواههم تأتأة مفادهامن تكرار الجملة الممجوجة التي تقول: أن الحقوق غير مرتبطة بالواجبات . وأن الواجبات نسبية بينما الحقوق مطلقة. وبالتالي فإن تأتأتهم هذه تكاد لا تصل الى آذان من يريدون أن يسمعوها. على عكس ما هو متعارف عليه وما هو مسلم به أنا أظن العكس: الحقوق مرتبطة بالواجبات، والحقوق نسبية كما أن الواجبات نسبية وكلاهما قد يكون مطلقا في ظل ظروف تاريخية معينة. حسب رأيي المشكلة تكمن في مكان آخر تحبذ الاغلبية عدم الاقتراب اليه وعدم وضع الاصبع على الجرح الحقيقي. السؤال هنا: عن أي عبء يتكلمون ؟ وأي "مساواة في تحمل العبء" يقصدون؟. الجماهير الفلسطينية وخلال ٦٥ سنة وحتى اليوم ، هي التي تتحمل العبء الثقيل، عبء الدولة: فقد قدمت أكثر من ٩٠ ٪ من اراضيها لاقامة مئات المدن والقرى والكيبوتسات والمستوطنات الاسرائيلية وكلفها ذلك ثمن تهجير أكثر من نصف شعبها. ولعل هذا لم يكن كافيا، فلم تقدم الارض فحسب بل هي التي بنت العمارات الشاهقة والمصانع والمنشآت وقدمتها هدية للدولة الجديدة ولسكانها الجدد. وهي التي حرثت وزرعت وحصدت حقولها السابقة وقدمت غلتها للاقطاعيين الجدد. وقطفت بياراتها السابقة المسلوبة وقدمت ثمارها لمغتصبيها. وقامت بشق الطرق الحديثة لتربط المستوطنات مع بعضها البعض وبقيت هي محرومة في كثير من الاحيان حتى من الطرق الترابية. وقامت وما تزال بتنظيف الشوارع وصيانتها والاعتناء بالحدائق العامة والتي يمنع أطفالها من اللعب في معظمها وهي التي تطبخ الطعام وتنظف الصحون في مطاعمهم وتنظف الغرف وترتب الاسرة في فنادقهم لكي ينعموا بالراحة والرخاء. كل ذلك وتبلغ وقاحة السياسيين الاسرائيليين من اليسار الى اليمين للقول: الجماهير العربية لا تتحمل العبء بما فيه الكفاية . فهي مطالبة بالانضمام الى الجيش الاسرائيلي من أجل قصف غزة ولبنان وقت الضرورة وحماية المستوطنين عندما يشنون اعتداءاتهم على اهالينا في الضفة. والانضمام الى الشرطة لتفريق المتظاهرين العنف والقوة واطلاق الرصاص الحي عليهم وحماية الجرفات عندما تأتي لهدم بيوتها والانضمام الى حرس الحدود لملاحقة اهلنا في النقب او الى جهاز المخابرات للتحسس على شعبنا لزج المشاغبين من افراده في السجون.
يصرح رئيس حكومة اسرائيل السابق - الحالي بلا خجل: "اذا شطبنا العرب (والحريديم) من قياسات الفقر والفوارق الاجتماعية لكنا في وضع ممتاز". وهو من حيث لا يدري يقول الحقيقة: أن وضعه الممتاز، كممثل للطبقة الرأسمالية الاستعمارية، جاء نتيجة لشطبه العرب والحرديم. ولكن في الوقت نفسه غابت عنه حقيقة اخرى وهي أن وضع العرب والحرديم سيكون ممتازا عندما يقومون بشطبه.
ان كان على الجماهير العربية الانضمام للخدمة العسكرية او المدنية من باب المساواة في تحمل العبء الامني فمن الاحرى بها أن تنضم الى حماس أو حزب الله وليس الى الجيش الاسرائيلي وباقي اجهزة الدولة الامنية. أو عليها أن تخلق احهزتها الامنية للدفاع عن نفسها.
الدولة هي العبء الثقيل الذي ينبغي التخلص منه.

Wednesday, February 06, 2013

هل هذا هو التضامن مع الاسرى؟

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000010436 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000010420 -->
هل هذا هو التضامن مع الاسرى؟
علي زبيدات – سخنين
تلقيت، يوم السبت الماضي، دعوة عبر الفيسبوك للمشاركة في تظاهرة تضامنية في القدس (العيساوي)ة مع الاسير سامر العيساوي المضرب عن الطعام منذ أكثر من نصف سنة ومن خلاله مع باقي الاسرى المضربين عن الطعام ومع الحركة الاسيرة بشكل عام. كان المشاركون من عرب الداخل في هذه التظاهرة يعدون على اصابع اليد وقد خلت منهم الاحزاب السياسية والجمعيات "الوطنية". المشاركة المحلية لم تكن افضل بكثير. علمت أن الجهة التي نظمت ودعت لهذه التظاهرة هي مجموعة شباببية. إن دل هذا على شيئ فإنه يدل على القطيعة شبه التامة بين جيل الشباب والاجيال الاخرى، وبين الجماهير وقياداتها السياسية. بعد يومين (يوم الاثنين) كانت دعوة اخرى لمظاهرة تضامنية اخرى امام سجن الرملة. لم تكن افضل من سابقتها: عشرات الشبيبة انضم اليهم بعض اهالي واصدقاء الاسرى من القدس. مرة اخرى خلت هذه المظاهرة أيضا من ممثلي الاحزاب السياسية والجمعيات "الوطنية". بعد ذلك تتالت وتسارعت الدعوات فها هو التجمع الوطني الديمقراطي والرابطة العربية للاسرى تدعوان اليوم (الاربعاء) لتظاهرة في المكان نفسه (أمام سجن الرملة) ومجوعة اخرى تدعو الى التظاهر غدا في حيفا ودعوات اخرى للتظاهر في اماكن مختلفة. من يظن للوهلة الاولى أن هذه الظاهرة تعبير عن مد في منسوب النضال لنصرة الاسرى في نضالهم فهو مخطىء. بل هي تعبير متكرر لظاهرة التشرذم المزمنة التي تعاني منها جماهيرنا. المسؤول الرئيسي عن هذه الظاهرة، حسب رأيي، هي الاحزاب والجمعيات التي تدعي بأن قضية الاسرى هي قضية مركزية ومبدئية في نشاظها السياسي. وإلا ما هو المبرر لقيام مجموعة بالتظاهر امام سجن الرملة يوم الاثنين وقيام مجموعة اخرى في المكان نفسه بالتظاهر بعد يومين؟ من ظن ان الخلاف بين الاحزاب العربية هو بسبب انتخابات الكنيست وقد انتهت بانتهائها فهو مخطىء مرة اخرى. والامر نفسه ينطبق على الجمعيات التي تدعي نصرة وتمثيل الحركة الاسيرة.
هل تذكرون الدعاية الانتخابية للاحزاب العربية التي استغلت قضية الاسرى لابتزاز المزيد من الاصوات؟ ومنها على سبيل المثال لا الحصر: زيارة نائب قيادي لعائلة أحد الاسرى وبعد تقبيل جبين الأم وعد بالعمل بدون كلل أو ملل لاطلاق سراح جميع الاسرى؟ فكيف يفسر غيابه هو وحزبه عن الساحة؟ وذلك الحزب الذي استغل احد الاسرى المحررين في دعايتة الحزبية لكي يعطي الانطباع بأنه الحزب الوحيد المهتم بقضية الاسرى؟
بالامس أقسم اعضاء الكنيست العرب يمين الولاء للدولة بعد أن رددوا بالحرف الواحد:" أنا التزم بالاخلاص لدولة اسرائيل وأن أؤدي رسالتي باخلاص في الكنيست". خروجهم من القاعة قبل النشيد الوطني الاسرائيلي "هتيكفا" لن يغير من هذه الحقيقة شيئا: الدولة التي اقسموا بالاخلاص لها هي التي وضعت سامر العيساوي وآلاف الاسرى الفلسطينين وراء القضبان الحديدية. والحالة هذه كيف بمقدرتهم الوفاء بالوعود التي قطعوها لذوي الاسرى؟
تعمل الاحزاب السياسية والجمعيات المختصة بالاسرى بعقلية التجار الصغار، بعقلية اصحاب الحوانيت: كل طرف يريد المحافظة على مصلحته. وهذا يعني مقاطعة الاطراف الاخرى. وعند الضرورة لا بأس بقيام نشاط محدود من باب اسقاط الواجب. لقد آن الاوان اغلاق هذه الحوانيت الخاصة واسقاط عقلية التجار الصغار.
قضية الاسرى هي القضية الاخيرة التي ما زالت تشعرنا بأننا أصحاب قضية أصلا. قياداتنا السياسية، بكافة امكانها وبكافة رتبها وحسب مواقعها وامكانياتها قد أفسدت القضية الوطنية إفسادا يهدد بزوالها. المقاومة كلامية لا تتجاوز بيانات الاستنكار والادانة، وحتى هذه في طريقها الى الزوال. الكلام عن العودة والتحرير اصبح محذورا. نضال الامعاء الخاوية هو البصيص الوحيد في نهاية النفق المظلم، فهل ندعه ينطفىء؟
لا أحد يملك اجوبة نهائية. ولكن في الوقت نفسه يجب عدم قبول بأي شيء مسلم به. على هذا الواقع أن يتغير بشكل جذري وبأسرع وقت ممكن. يستحق الاسرى وخصوصا الذين يواجهون جلاديهم بامعائهم الخاوية منا وقفة افضل، وافضل بما لا يقاس. فهل نستطيع أن نتفوق على انفسنا قبل فوات الاوان؟