Sunday, September 30, 2007

نعم، غزة كيان معادي



ربما للمرة الاولى في تاريخها تعلن إسرائيل تصريحا حقيقيا عندما قامت الحكومة الاسرائيلية بالاجماع بناء على طلب وزير الحربية ايهود براك بالاعلان عن قطاع غزة "كيان معادٍ". وبذلك أكون أول من يسبح ضد التيار ويبارك للحكومة الاسرائيلية على صراحتها وجرأتها هذه، على عكس قيادتنا المحلية التي سارعت بإدانة هذا التصريح وأعتبرته بمثابة إعلان حرب على غزة (وكأن غزة قبل هذا التصريح كانت تنعم بالسلام والامن) وأعتبرته تخريبا للمؤتمر الدولي المزمع عقده في الخريف في أمريكا، وكأن هذا المؤتمر سوف يجلب السلام المنشود.
لقد اعاد هذا التصريح ترتيب الامور في وضعها الطبيعي بعد أن إختلطت الاوراق واصبحنا لا نعرف العدو من الصديق ولا الضحية من المجرم. جاء هذا التصريح ليضع النقاط على الحروف: غزة كيان معادٍ تماما كما أن إسرائيل كيان معادٍ. هذه هي الصورة كاملة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هي طبيعة العداء بين هذين "الكيانين"؟
بالنسبة لغزة الجواب واضح، فالعداء ليس جديدا ويعود الى عام 1948 وما قبله لأن الكيان الاسرائلي هو المسؤول عن تهجير 80% من سكان غزة من بيوتهم، هو الذي نهب ارضهم ودمر قراهم، ولم يكتف بذلك بل عاد وأحتل أماكن لجوئهم وأذاقهم الامرين من قمع وحصار وقتل الخ.
بالنسبة لإسرائيل غزة كيان معادٍ لانها ترفض أن تستلم، لانها تقاوم الاحتلال بكل ما تملكه من قوة متواضع وبالرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمتها وما زالت تقدمها، لأنها تتمسك بحقها بالعودة والحرية.
ولكننا نعيش في عصر اللامعقول حيث تتحول الاشياء الى أضدادها بقوة سيطرة الجيش والمال والاعلام. حتى أصبح دفاع أهل غزة عن حقوقهم الانسانية الاساسية في الحياة والمسكن والامن عدوانا بينما اصبح العدوان الاسرائيلي دفاعا عن النفس.
لقد وصف الشعب الفلسطيني إسرائيل منذ اللحظة الاولى بالكيان العدواني وكان هذا الوصف يعكس الواقع كما يحسه الفلسطيني على جسده. كما يعيشه يوميا، كما يتنفسه كل صباح وقد حاولت اسرائيل إختراق هذا التعريف على كافة الاصعدة، وللحق يقال انها حققت إنجازات كبيرة في هذا المجال. جاء الاختراق الاول الكبير في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد وتحييد أكبر دولة عربية، وهي مصر، عن الصراع. ومن ثم تلتها اتفاقيات وادي عربة التي فتحت أبواب الاردن على مصراعيه لتغلغل الهيمنة الاسرائيلية وأخيرا إتفاقيات اوسلو التي ما زلنا نعاني من عواقبها الوخيمة. جاءت غزة لتعيد الامور الى نصابها الحقيقي ولتؤكد حقيقة تاريخية: ان العداء بين المستمعر المحتل وبين الشعب الرازح تحت نير الاحتلال هوعداء مطلق.
في الحقيقة لم يأت التصريح الاسرائيلي بشيء جديد. فمن يقرأه يظن للوهلة الاولى وكأن غزة قبل هذا الاعلان كانت "كيانا صديقا" تنعم بالعلاقات الحميمة وحسن الجوار. ما الجديد الذي قد يجلبه هذا القرار الى غزة؟ تشديد الحصار؟ ولكن غزة محاصرة منذ سنوات وكلما ازداد الحصار كلما إصلب الصمود. فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية؟ وقطع الكهرباء؟ وكأنه لم تكن هناك عقوبات حتى الان. أم تصعيد الاجتياحات والاغتيالات والقصف؟ وكل ذلك تمارسه اسرائيل بكل طاقتها منذ سنوات فماذا كانت النتيجة؟.
ولكن، حسب رأيي، يوجد هناك نوايا أخرى خبيثة وأخطر بما لا يقاس من وراء هذا التصريح الاسرائيلي وفي هذه الفترة بالذات، هذه النوايا يجب فضحها ومواجهة مخاطرها. لقد جاء التصريح الاسرائيلي ليقول للشعب الفلسطيني لمقاوم من حيث الاساس: غزة هو كيان معادٍ ينبغي القضاء عليه اما الضفة الغربية فهي كيان صديق وسوف تنعم بالازدهار والرفاهية. من يقاوم الاحتلال الاسرائيلي فهو ارهابي وعدو ولكن من يتقبل الاحتلال ويتعاون معه فهو صديق.
دعونا نلقي نظرة خاطفة لكي نرى كيف تتعامل إشرائيل مع "الكيان الصديق": الاستيطان يتمدد كالاخطبوط في كافة ارجاء الضفة الغربية ولم يتوقف حتى للحظة واحدة، تهويد القدس يجري على قدم وساق وفي كل يوم يهدم بيت وتصادر أراضي وتبنى مستوطنات، جدار الفصل العنصري ينهش في اراضي الضفة من شمالها الى جنوبها، هذا بالاضافة الى الحواجز التي تقطع اوصال الضفة والاجتياحات المتكررة في نابلس ورام الله وباقي المدن والقرى والاغتيالات والاعتقالات. هكذا تكون الصداقة لا عمرها ما تكون.
المصيبة الكبرى أن السلطة الفلسطينية تنسجم أكثر فأكثر مع هذه السياسة الخبيثة. على غرار حكومة أولمرت – براك، حكومة عباس-فياض هي الاخرى تعتبر غزة " كيانا معاديا" ولا يغرنا التصريحات التي يطلقها بعض المسؤولين في السلطة تدين التصريح الاسرائيلي. لقد أصبح واضحا لجميع المراقبين أن هناك ثمة تنسيق إسرائيلي – امريكي – فلسطيني سلطوي لتضييق الخناق على غزة حتى تركيعها. وهناك أيضا تواطؤ عربي أوروبي لدعم هذه السياسة.
ولكن لا يوجد لدى الغزاويين ما يخسروه سوى أغلالهم وأمامهم الوطن ليكسبوه

Wednesday, September 19, 2007

صبرا وشاتيلا، لن ننسى ولن نغفر



لو آمنا جميعا بأن الشهداء ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقزون، وتفقدنا شهداء صبرا وشاتيلا في قبورهم لوجدناهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال يكادون يتميزون من الغيظ والغضب، ليس بسبب من سفك دمهم قبل ربع قرن ولكن بسبب بني جلدتهم الذين تركوهم بلا حماية في عام 1982 واليوم يتسابقون لنيل رضى القتلة المجرمين بدل أن ياخذوا بثأرهم.
ولو آمنا جميعا بأن الذين قتلوا في نيويورك في 11 سبتمبر عام 2001 هم أيضا شهداء، على إعتبار انهم ضحايا مدنيون، وتفقدناهم في قبورهم لوجدنا هذه القبور قد تحولت الى ملاهي وهم يرقصون فرحين تكاد الارض أن تنشق من حولهم. حيث تم الثار الرهيب لمقتلهم بشكل لم يتصوروه ولم يتوقعوه. إذ تم تدمير أفغانستان وإشعال نار الحرب الاهلية التي لم تنته بعد، وتدمير العراق واحتلاله وتفكيكه وإذكاء نار الحرب الطائفية التي ما تزال ملتهبة، هذا بالاضافة الى الهيمنة على معظم أرجاء العالم عن طريق إقامة الاحلاف العميلة. وقد ساهم العرب بشكل فعال في خدمة السيد الامريكي وأبلوا بلاء حسنا في مساعدته للأخذ بثأره.
إن شعبا ينسى شهداءه هو شعب مصاب بفقدان الذاكرة، اي انه يعيش بدون ماض أو حاضر أو مستقبل. إن شعبا ينسى شهداءه لا يستحق أن يعيش حياة حرة كريمة ، بل سيعيش على هامش التاريخ حياة ذل ومهانة تدوسه الاقدام من كل صوب. والامة العربية من المحيط الى الخليج قد نسيت شهداءها ليس في صبرا وشاتيلا فحسب بل شهداء المجازر التي سبقت صبرا وشاتيلا والمجازر التي لحقتها ايضا.
أيام معدودات فصلت بين الذكرى الخامسة والعشرين لمجزرة صبرا وشاتيلا والذكرى السادسة لتفجير برج التوأمين في نيويورك. إلا أن سنوات ضوئية تفصل بين تداعيات ونتائج الحدثين. في صبرا وشاتيلا يسكن لاجئون معدمون يستجدون لقمة معيشتهم من المنظمات الخيرية، لاجئون طردوا من بيوتهم ووطتهم والقي بهم في العراء، وكأن ذلك لم يكن كافيا فلاحقتهم قطعان الفاشية المحليون بقصد القضاء عليهم نهائيا. في الطرف الآخر من العالم، في منهاتن في نيويورك يقبع في البرجين المهدومين ناس من صنف آخر، أغنياء الى درجة الفحش، يتلاعبون بالاموال كما يحلو لهم، يعيشون على سلب لقمة العيش من افواه الملايين في الدول النامية. بالرغم من أن عدد الضحايا في الحادثتين متقارب (حوالي 2000) إلا أن شتان فيما بينهما، بؤساء المخيم ليسوا سوى مجرد أرقام، إحصائيات موتهم لا يقدم ولا يؤخر، دمهم مباح كالماء. أما أغنياء البرجين فدمهم أحمر قاني وسفكه جريمة لا تغتفر، ومن تسول له نفسه ذلك فسوف يطارد الى آخر الدنيا ويقتل هو وأهله وأصدقاؤه وجيرانه عن بكرة ابيهم.
الذين ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا ما زالوا يتغطرسون في مشيتهم على رؤوس الاعيان، منهم ما زال يتبوأ مكانة راقية ومنصبا مرموقا في بلده ومنهم من يغط في سبات عميق بسبب مرضه وقد أصبح ورثته محجا يدور حوله الزعماء العرب والفلسطينيون. يا للعار.
لا يوجد تقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية. لا يعقل أن يصر ما يسمى بالمجتمع الدولي والذي يدور في فلكه معظم العرب على تشكيل محكمة دولية لملاحقة ومحاكمة رفيق الحريري وهو شخص فرد ويتم التغاضي عن جريمة صبرا وشاتيلا، قاتل أو قتلة الحريري ما زالوا مجهولون ولا يوجد أي دليل يشير الى طرف بعينه، بينما هوية قتلة أكثر من 2000 فلسطيني ولبناني في صبرا وشاتيلا معروفة للجميع والاثباتات والادلة والشهود موجدة بوفرة تكفي لإدانتهم ألف مرة. هذا المجتمع الدولي المنافق الذي طبل وزمر عند تقديم الرئيس الصربي ميلوسفيتش للمحكمة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، يملأ فمه رملا ورمادا إزاء الجرائم التي ترتكبها أمريكا وإسرائيل.
انه لمن المخزي والمخجل أن تمر الذكرى أل25 لمجزرة صبرا وشاتيلا بدون أن تحرك بنا ساكنا. لا حزب سياسي ولا جمعية مدنية ولا لجنة متابعة قد كلف نفسه عناء تنظيم مظاهرة أو مسيرة أو ندوة أو إصدار بيان وهو أضعف الايمان خصوصا وأن سفك الدم الفلسطيني ما زال مستمرا كل يوم والمجرمون هم أنفسهم وإن تغيرت الاسماء وتبدلت الشخصيات. على العكس من ذلك، نرى التعاون مع المجرمين يجري على قدم وساق ووصل في بعض الاحيان الى حد التحالف والمشاركة الفعلية.
اننا نقدم إعتذارنا لكم يا ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا وضحايا كافة المجازر، لقد خيبنا أملكم وخذلناكم، حتى بتنا نحسدكم لأنكم لا ترون ولا تسمعون ماذا يجري حولكم، نتمنى لو كنا نرقد الى جانبكم، فالعار لم يعد يحتمل. سامحونا على عجزنا وعلى تفاهتنا. أنتم الأحياء وإن متم ونحن أموات وإن عشنا.

Thursday, September 06, 2007

زيف الديموقراطية الفلسطينية


كذبنا على أنفسنا كذبة وصدقناها. وكلما كبرت الكذبة كلما إزداد تصديقنا لها حتى ضربت شروشها في وعينا الجماعي وفي لا وعينا أيضا. اصبحنا ضحية لهذه الكذبة بل عبيدا لها. تقول هذه الكذبة اننا نمتلك ديموقراطية فريدة من نوعها غير موجودة في اي بلد عربي تحسدنا عليها جميع الشعوب العربية المحرومة من الديموقراطية والتي تبتلي بأنظمة استبدادية عاتية. حتى أن هذه الديموقراطية تتفوق على كافة الديموقراطيات في العالم المتمدن. وقد أطلقنا عليها ببساطة: الديموقراطية الفلسطينية.
فنحن نحل خلافاتنا بالحوار ولا نحتكم الى السلاح أبدا ومهما إختلفنا يبقى شعار الوحدة الوطنية مرفوع عاليا. اما مؤسساتنا فهي نموذج حي لهذه الديموقراطية. حيث تؤخذ جميع قراراتنا بالاجماع بعدما يشارك الجميع بالنقاش الحر. لذلك يقف الجميع وراء هذه القرارات ويعمل على تنفيذها بكل صدق وأمانة. ولعل آخر مثل يضربونه على هذه الديموقراطية العجيبة هو الانتخابات الاخيرة للمجلس التشريعي التابع للسلطة الفلسطينية في بداية عام 2006 والتي اسفرت عن فوز كاسح حققته حركة حماس.
أما ماذا جرى بعد ذلك فتختلف الروايات. فالبعض يقول: أن التيار الانقلابي في حماس هو الذي قوض اركان الديموقراطية الفلسطينية. بينما يقول البعض الآخر: بل التيار الانقلابي في حركة فتح هو الذي زعزع أسس هذه الديموقراطية منذ أن رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات. لعل الجانب الايجابي الوحيد الذي اسفر عنه صراع هذين التياريين الانقلابيين هو انهما مزقا القناع الذي كان يغطي عورة ما يسمى بالديموقراطية الفلسطينية.
من يراجع تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية، بقليل من الجرأة والموضوعية، يرى انها كانت تفتقر الى اي عنصر ديموقراطي منذ تأسيسها عام 1964 بقرار من جامعة الدول العربية، مرورا بسيطرة التنظيمات الفلسطينية المسلحة عليها عام 1968 وحتى اتفاقيات أوسلو عام 1993 إلى يومنا هذا. وإذا ما حققت هذه المنظمة شيئا من الانجازات خلال تاريخها الطويل فقد كان ذلك بالرغم من مساوئها وليس بفضل ديموقراطيتها الوهمية وذلك بسبب عدالة القضية الفلسطينية.
في مرحلة نشأتها الاولى كانت المنظمة ملحقة بالسياسة العربية المهزومة ولم يكن لها أي تواجد مستقل. بعد الهزيمة العربية عام 1967 إستولت عليها حركة فتح بينما إكتفت المنظمات الاخرى بالفتات وكانت تطالب طول الوقت بدمقرطة مؤسساتها ولكن لا حياة لمن تنادي. وعندما قررت زعامتها المتنفذة الانخراط بما يسمى بالحل السلمي ونبذ السلاح تدريجيا، قامت بالاعتراف بالقرارات التي رفضتها الجماهير الفلسطينية وقدمت آلاف الشهداء في محاربتها مثل قرار 242 و338، بل وأكثر من ذلك فقد أدانت المقاومة الفلسطينية ودمغته بالارهاب. ومن ثم تآمرت على وأد الانتفاضة الاولى بعد أن الهت الجماهير الفلسطينية بإعلان الاستقلال الوهمي، ومن ثم دخلت وأدخلت القضية الفلسطينية والجماهير الفلسطينية معها الى دهاليز مفاوضات اوسلو السرية التي تمخضت عن إتفاقيات هزيلة وعقيمة، بعدما أجهضت الانتفاضة الاولى نهائيا.
في كل هذه الامور كان الانفراد بإتخاذ القرار سيد الموقف. وكان كل معارض يدمغ بمعادة المشروع الوطني. بل اصبح بيع الوطن بالجملة والمفرق هو العمل الوطني. حتى أفرغت منظمة التحرير الفلسطينية ليس من مضمونها فحسب بل جردت من معناها اللغوي أيضا. اذكر أن أحد المفكرين الاسرائيليين المختصين قد إقترح تغيير اسمها من אש"ף إلى אשח"ף اي من منظمة تحرير فلسطين إلى منظمة تحرير جزء من فلسطين. غير أن هذا الكاتب الاسرائيلي يبدو انه كان كريما ومتفائلا أكثر من اللازم. فكما تعلمنا في كتب التاريخ عن الامبراطورية الرومانية المقدسة التي لم تكن في حقيقة الامر لا امبراطورية ولا رومانية ولا مقدسة، كذلك فأن منظمة التحرير الفلسطينية لم تعد منظمة: بل أصبحت مجموعة من التنظيمات أغلبها تنظيمات وهمية تحمل اسماء اطول منها، أما كلمة تحرير فقد شطبت من برنامجها تماما كما شطب سلام فياض مؤخرا كلمة مقاومة من برنامج حكومته، وهي لم تعد فلسطينية نظرا لهيمنة دول دولارات النفط على قرارتها وأخيرا دخول الهيمنة الامريكية من أوسع ابوابها.
اليوم يعيد محمود عباس تجربة ابراهيم الخليل الذي طلب من ربه ان يريه كيف يحيي الموتى، وهو يريد أن يرينا كيف يحيي منظمة التحرير الفلسطينية وهي رميم. فدعا المجلس المركزي للإجتماع لإدانة الانقلاب في غزة ولإنفراد بالشرعية. هذا المجلس لم يجتمع منذ 11 عاما وحتى إجتماعه في ذلك الحين كان من أجل تغيير الميثاق الوطني الفلسطيني بما يرضي امريكا وأسرائيل. نصف أعضا ءه قد قضوا نحبهم ولم يتم تعيين بدائل لهم وبعضهم الآخر يترأس تنظيمات لا وجود لها. مؤخرا اصدر محمود عباس مرسوما لتعديل قانون الانتخابات يلزم كل مرشح بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد ويلتزم بقراراتها. ولكن يبدو أن السيد الرئيس قد نسي ان يخبرنا اية منظمة تحرير يعني.
تريد أمريكا واسرائيل ديموقراطية فلسطينية مدجنة تقبل بالهيمنة الامريكية في المنطقة وتقبل بالحل الاسرائيلي للقضية الفلسطينية مع بعض التحسينات التي تعود بالنفع للطبقة الارستقراطية المتعاونة. من أجل ذلك تقوم الحكومة الفلسطينية بالتنسيق مع قوات الاحتلال وبدعم مالي وعسكري امريكي بملاحقة المقاومين ونزع سلاحهم، بالقوة إذا اقتضت الضرورة، وذلك تمهيدا لحضور المؤتمر الدولي القادم.

العربي الجيد والعربي السيء

تقيّم إسرائيل بكل مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية وفي المكان الاول وسائل إعلامها جميع الاحداث في العالم من منطلق: هل هذا الحدث "جيد لليهود" أم "سيء لليهود". فإذا انتخب رئيس دولة ما، ولا يهم إن كانت هذه الدولة هي الولايات المتحدة الامريكية أو فرنسا أو المانيا أو إذا كانت جزيرة نائية في المحيط الهادي يكاد لا يعرف احد موقعها بالضبط.
حتى عندما تقع كوارث طبيعية في العالم مثل هزة أرضية في تركيا أو عاصفة مدمرة في تايلاند أو فيضانات في الهند فإن العنوان الرئيسي الذي يتصدر نشرات الاخبار في التلفزيون الاسرائيلي وعناوين الجرائد بالبنط العريض هو: سلامة جميع الاسرائيليين في المنطقة المنكوبة. وإذا حدث وكان أحد الاسرائلين ضحية لهذه الكارثة، يجن جنون وسائل الاعلام والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ويأخذ الخبر ابعادا عبثية غير منطقية وتتقزم إزائها نتائج هذه الكوارث حتى لو حصدت ارواح الآلاف من المحليين.
أما العرب في هذه البلاد وخارجها فأنهم يصنفون الى قسمين: العربي الجيد والعربي السيء. بالنسبة لليمين الصهيوني المتطرف العربي الجيد هو العربي الميت. أي أن جميع العرب اشرار، حتى الله قد ندم على خلقهم على حد قول أحد الحاخامين المرموقين. غير أني لا أريد هنا أن اتناول هذه الشريحة وذلك لقطع الطريق على من يدعي بأنها شريحة هامشية وضئيلة ولا تشكل خطورة. مع انها حسب رأيي ليست هامشية وتنمو بوتائر سريعة وخطرها اصبح ملموسا ويزداد يوميا، ولكني سأتناول مواقف المؤسسات الرسمية التي تعبر عن التيار الرئيسي في الدولة وتعكس تفكيره وامنياته الظاهرة منها والمخفية.
محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية هو " عربي جيد" أولا لأنه يلبس بدلة فاخرة وربطة عنق أنيقة ويحلق ذقنه يوميا وربما مرتين باليوم. بالاضافة الى ذلك فهو جنتلمان يطبع قبلتين على خدود ضيوفه بغض النظر إن كانت سيدة مثل كوندي رايس أو تسيبي ليفني أو سيد مثل ايهود أولمرت أو طوني بلير. وهو لا يتكلم ابدا عن مدينة صفد وحقه في العودة اليها. وفي الوقت نفسه يحارب الارهاب الفلسطيني ويصف عمليات المقاومة بالحقيرة، وهو مستعد للقاء الزعماء الاسرائليين في كل مناسبة ومن غير مناسبة وفي كل زمان ومكان ومن غير شروط بينما يرفض الجلوس مع حماس بالرغم من إن أغلبية الشعب الفلسطيني يؤيدها، ويلقي عليها شروطا تعجيزية مقابل أي لقاء أو حوار. بالاضافة الى ذلك فهو حليف جديد ليس على الصعيد المحلي فحسب بل على الصعيد الاقليمي والعالمي ايضا. فهو يتزعم معسكر المعتدلين العرب والقادة المطبعين وها هو ينسجم مع السياسة الامريكية أكثر من زعماء اسرائيل انفسهم. وفي لقاءاته المتكررة مع اولمرت ينسق لمحاربة حماسن، عفوا محاربة الارهاب الفلسطيني، وتشديد الحصار على غزة ويتعاون مع الاسرائيليين والامريكيين علنا لتدريب وتسليح قوات الامن التابعة لسلطته لكي تحارب الارهاب بشكل فعال وتمنع تكرار ما حدث في غزة في الضفة الغربية.
سلام فياض، رئيس الحكومة الفلسطينية، هو ايضا عربي جيد للأسباب نفسها، بل هو أكثر جودة من عباس، فقد اسقط مصطلح المقاومة نهائيا وشطبه من قاموس حكومته، وها هو يلاحق المقاومين ويجردهم من سلاحهم ويشن حربا على المؤسسات الخيرية، يغلقها ويعتقل العاملين بها بحجة انها تدعم الارهاب. وهو بالاضافة الى ذلك ولأهم يطلب من إسرايل الكثير فلا يهمه حق عودة ولا إخلاء مستوطنات ولا قدس ولا يحزنون.
محمد دحلان هو أيضا وللأسباب نفسها، كان عربيا جيدا، ولكنه إحترق في غزة، خسارة.
أما ياسر عرفات فأنه عربي سيء، وسيء جدا. اولا لأنه يعتمر الكوفية التي اصبحت رمزا للفلسطينيين أينما كانوا وثانيا بسبب لحيته القصيرة المنفرة التي تخيف الاطفال اليهود. بالاضافة الى انه إرهابي ويدعم الارهاب، العربي السيء مصيره واحد وهو الموت وهذا ما حدث. ولم يشفع له التنازلات التاريخية التي قدمها لإيجاد تسوية وهمية مع الكيان الصهيوني.
قادة وأعضاء حماس وباقي تنظيمات المقاومة هم أيضا عرب سيئون. لذلك يجب تضييق الحصار عليه، تجويعهم، إغتيال قادتهم وسفك دمائهم بدم بارد.
العربي السيء يجب أن يموت، العربي الجيد يستطيع أن يعيش ولكن في ظل الاحتلال والعبودية والذل. التنقل بين المعسكرين مسموح. فالعربي السيء قد يصبح جيدا إذا ما رافع شارة الاستسلام والطاعة والعربي الجيد قد يصبح سيئا إذا ما تمرد وعاد الى غيه مقاوما للإحتلال الاسرائيلي المتنور.
إذن، الفرق بين العربي الجيد والعربي السيء هو نسبي ومشروط ومؤقت.
واضح أن هذا التصنيف عنصري ناتج عن أيدولوجية غير انسانية مشوهة، فإلى متى يجب أن نتقبله؟