Saturday, December 15, 2007

رفض الخدمة المدنية: شعار أم مشروع نضالي؟



منذ فترة طفا على السطح موضوع قديم جديد هوالخدمة الوطنية. وقد قيل تقريبا كل ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع من كلا الطرفين. أو على الاصح أعيد تكرار وإجترار ما قيل في هذا الموضوع على الاقل منذ عقد من الزمن. واقصد بالطرفين هنا، الطرف الاول: دولة إسرائيل ممثلة بالحكومة والكنيست وكافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية من جهة، والطرف الثاني: الوسط العربي أيضا ممثلا بكافة مؤسساته من لجنة المتابعة العليا والاحزاب السياسية والجمعيات المدنية وحتى جماهير الشباب المعنيين مباشرة بهذه الخدمة.
وأنا هنا لست بصدد تكرار ما قيل هنا وما رد عليه هناك. ولماذا يسعى الطرف الاول الى فرض الخدمة المدنية بينما يعارض الطرف الآخر تلك الخدمة ويرفضها.
بإختصار شديد، تقول السلطة: أيها العرب تطالبون بالمساواة في الحقوق عليكم أولا أن تكونوا متساوين بالواجبات أيضا، فبينما يخدم الشاب اليهودي بالجيش فعلى الاقل يجب على الشاب العربي أن يقوم بالخدمة المدنية، وعندها فقط تنعمون بالمساواة المنشودة. فيرد الجانب الآخر: أن الحقوق غير مرتبطة بالواجبات بل هي نابعة مباشرة من المواطنة، والخدمة المدنية لا تختلف جوهريا عن الخدمة العسكرية.
تريد السلطة من خلال فرض الخدمية المدنية أن تضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة هي لا تثق بالشباب العرب لكي تدمجهم بالخدمة العسكرية مباشرة، وهي أصلا لا تثق بتلك الفئات التي فرضت عليها الخدمة الاجبارية ولا بهؤلاء الذين تجندوا تطوعا وتزج بهم في وحدات منعزلة وتقصيهم عن مواقع القرار حتى ولو تبوؤا رتبا عالية، ولكنها من جهة أخرى تريد امتصاص نقمة الشباب العرب الناجمة عن التميز والقمع والتهميش والبطالة وتحاول أن تستعملهم في الخدمات المدنية لكي يتفرغ الشباب ، خصوصا في حالات الطوارئ، للمهمات القتالية. وبذلك توفر أعداد أكبر من القوى البشرية للجيش وفي الوقت نفسه تخفف من التكاليف.
من جهة أخرى تقوم القيادات العربية بدور مزدوج، فهي تتمسك بالمواطنة الاسرائيلية من جهة وترى بها ضمانا للحصول على الحقوق المتساوية بغض النظر عن الخدمة العسكرية "الواجبات" ولكنها في الوقت نفسه لا تستطيع أن تتغاضى عن الموقف الشعبي الرافض للخدمة بكافة اشكالها ومسمياتها. فنراها تتخبط بين هذين الموقفين وتتكلم بلغتين. وفي الحقيقة لا ادري كيف تستطيع هذه الزعامات أن تمسك الحبل من الطرفين: تتشبث بالمواطنة الاسرائلية المنقوصة من جهة وتدعي أن الخدمة المدنية ترمي الى تشويه وضرب هويتنا القومية وأنتزاع هويتنا الفلسطينية وإنتمائنا للشعب الفلسطيني.
لقد لمست هذا التناقض الصارخ عندما شاهدت الفلم الوثائقي القصير الذي أعدته "جمعية الشباب العرب – بلدنا" "والائتلاف الشبابي ضد الخدمة المدنية" بعنوان "قيادات عربية ضد الخدمة المدنية" والذي شمل قيادات سياسية واجتماعية ودينية. هذا الفلم هو أسوأ وسيلة للتعبير عن رفض مخطط الخدمة المدنية بالرغم من النوايا الحسنة للجهات التي أصدرت الفلم ولبعض المشاركين الذين ما كان ينبغي أن يزجوا في مثل هذا العمل العقيم. وسيكون له حسب رأيي نتائج سلبية على مجمل النضال الشعبي ضد هذا المخطط وذلك للأسباب التالية:
1- لا يوجد مصداقية لكلام الزعامة السياسية وخصوصا أعضاء الكنيست من بينهم. فمن يريد أن يدعو الاخرين الى رفض الخدمة المدنية عليه أن يبدأ بنفسه أولا. اليست خدمتهم في اروقة الكنيست هي خدمة مدنية في اسوأ اشكالها؟ فإذا كانت خدمة شاب ضائع لإسباب مادية او إجتماعية هي خطر على هويتنا الوطنية ومؤشرا على اسرلتنا، فمال بال عضو الكنيست الذي يهرول لخدمة هذه المؤسسة عن وعي وعن سابق إصرار ويلتصق بالكرسي العزيز على نفسه؟ فعندما يقول عضو الكنيست جمال زحالقة في الفلم: "انا مش خادم في الخدمة الوطنية الاسرائيلية" فهو اما انه يكذب علينا وعلى نفسه أيضا وإما انه لا يدرك ما معنى الخدمة الوطنية. لنسأل انفسنا بصراحة وليحاول كل واحد منا أن يجب على السؤال بجرأة: اليست الخدمة في الكنيست هي خدمة وطنية إسرائيلية؟ وعندما يتباكى الشيخ ابراهيم صرصور على فئة الشباب وهم المادة الحية في شعبنا فأي نموذج يضعه بين أيديهم؟ لا تخدموا بالخدمة الوطنية ولكن هلموا بجماهيركم للتصويت لي حتى أصل الى كرسي الكنيست؟؟ وعندما تصرح عايدة توما: انه "مخطط لضرب هويتنا الوطنية" اليس الاعتراف بدولة اسرائيل العنصرية والكولونيالية كتجسيد لحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره هو مخطط أعتى واشرس سدد ضربة قاضية لهويتنا الوطنية ولا يزال يا رفيقة؟
2- الفلم لا يفتقد للمصداقية وغير مقنع (استثني أقوال المطران عطاللة حنا الصادقة) فحسب، بل ينم عن نزعة استعلائية وعظية وكأن هذه القيادات تعرف كل شيء، تنطق بالجواهر والحكم وينبغي الاصغاء لها. كان أحرى بالذين عملوا الفلم أن يتكلموا مع الشباب المعنين مباشرة بالقضية والذين رفضهم للخدمة الوطنية نابع من اعماق وجدانهم.
3- يفتقد الفلم الى اية مسحة فنية جمالية. حتى الفلم الوثائقي يجب أن يبقي فسحة كافية للخيال، للإبداع. ما نراه هنا لقطات مكبلة بقيود الشعارات الرنانة تدخل الى الأذن اليمين لكي تخرج مباشرة من الأذن الشمال.

رفض الخدمة المدنية لكي يكون صادقا ومؤثرا يجب أن يكون نابعا من رفض الاعتراف بشرعية المؤسسات التي تحاول فرضه. ويجب الاستعاضة عن هذه القيادات بقيادات شابة واعية تتحلى بروح التمرد والعنفوان.
إن كل قيادة شابة لا تطرح نفسها بديلا للقيادات الراهنة المهترئة سوف تؤول الى الفشل.

Monday, December 10, 2007

الدولة اليهودية من وعد بلفور الى آنا بوليس



قبيل إفتتاح مؤتمر انابوليس طالب رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت الفلسطينيين والعرب الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية. ومن تابع ردود الفعل الفلسطينية والعربية المتشنجة على هذا المطلب ظن للوهلة الاولى وكأن دولة اسرائيل كانت حتى هذه اللحظة دولة شقيقة، عربية أو اسلامية. وتسابق المسؤولون الفلسطينيون والعرب لرفض مطالب أولمرت الغريبة العجيبة في هذا التوقيت بالذات. حتى أن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية عقدت جلسة خاصة رفضت فيها الاعتراف بيهودية الدولة وأعتبرته تشجعيا لسياسة الترانسفير للجماهير الفلسطينية مواطني الدولة، وكأن قبل ذلك لم يكن هناك ترانسفير لا فكرا ولا ممارسة. بينما أعتبرت وسائل الاعلام الفلسطينية في الطرف الآخر تصريحات أولمرت هذه جاءت لتلغي حق العودة للاجئين حتى قبل بدء المفاوضات للحل النهائي. وكأنها لا تعلم أن جميع الاحزاب والتنظيمات الاسرائلية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار موحدة في رفض حق العودة.
من أجل تذكير هؤلاء المنافقين والمهرولين الذين يريدون ذر الرماد في العيون والتستر على تساقطهم المريع وتفريطهم بكافة الثوابت الوطنية وهم يضعون الان قناعا مزيفا من الوطنية المهترئة، بتسابقهم الاعلان عن دهشتهم من مطالب أولمرت ورفضهم ليهودية الدولة، أورد هنا المحطات الرئيسية في العصر الحديث والتي ورد فيها مصطلح "الدولة اليهودية" باشكاله المختلفة:
1- جاء في وعد بلفور 29 نوفمبر 1917 ما يلي: "... ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية"
2- صك الانتداب البريطاني على فلسطين والذي صادقت عليه عصبة الامم المتحدة في 24 تموز 1922 ينص بصريح العبارة أن أحد أهدافه هو تحقيق ما ورد في وعد بلفور من إقامة "وطن قومي للشعب اليهودي"
3- قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 والذي وافق عليه معظم المنضوين في لجنة المتابعة ويذرفون الان دموع التماسيح، ينص على إقامة دولة يهودية وأخرى عربية في فلسطين التاريخية. ونذكر هؤلاء الذين ما زالوا يصرخون في كل مناسبة ومن غير مناسبة ويرفعون شعار " دولتين لشعبين" هل ترددون هذا الشعار كالببغاوات؟ الا تقولون في ادبياتكم الموثقة أن دولة اسرائيل هي تعبير " لحق الشعب اليهودي" في تقرير مصيره؟
4- وثيقة الاستقلال الاسرائيلية التي أعلنت في 14 مايو 1948 تدعو الى ".. إقامة دولة يهودية في ارض اسرائيل" هذه الوثيقة التي اعترفتم بها وبفضلها دخلتم الى الكنيست وكافة المؤسسات الاسرائلية.
5- واخيرا وليس آخرا، خطاب بوش في مؤتمر أنا بوليس أمام رئيس السلطة الفلسطينية وأمام مندوبين عن 16 دولة عربية وامام كاميرات ومايكرفونات العالم كرر: "التزام الولايات المتحدة الامريكية الحفاظ على أمن اسرائيل كدولة يهودية ووطن للشعب اليهودي"

إذن ما المفاجئ في تصريحات أولمرت الاخيرة؟ ولماذا انتفخت الزعامة الفلسطينية والعربية بهذا الشكل؟ وسرعان ما نفست، وانكتمت جميع الاصوات بعد أن حقق هذا الانتفاخ غايته من استهلاك محلي للتستر على هذا التساقط المخيف كتساقط اوراق الخريف في مؤتمر الخريف.
الم يكن الاعتراف الذي نصت عليه اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقيات أوسلو، إعترافا بيهودية الدولة؟
ألم تدعي اسرائيل دوما انها دولة "يهودية ديموقراطية" وكنا دائما نشير الى التناقض الداخلي في هذا التعريف؟
إننا لا نحكم على الدول من خلال تعريفها لنفسها أو من خلال نظرتها الى نفسها بل من خلال افكارها وممارساتها. ومنذ نشوء الحركة الصهيونية كحركة قومية رجعية ومحاولتها جعل اليهودية قومية وممارساتها العملية على مدى قرن وربع أثبتت انها اقامت دولة عنصرية استعمارية، ولا يغير شيئا الاسم الذي تطلقته على نفسها. هل يتغير جوهر الدولة اذا غيرت اسمها؟ هل يعود اللاجؤون؟ هل تعود الاراضي المصادرة؟ هل تعمر 518 قرية دمرت عام 1948؟ وبالمناسبة فقط أسقط يهود العالم أنفسهم هذه التسمية عندما رفض معظمهم القدوم الى هذا "الوطن القومي" وجل ما صنعته الحركة الصهيونية هو بناء جيتو كبير زجت به شريحة من اليهود وغيرهم.
إن ما تمارسه الدولة في حق الشعب الفلسطيني يوميا يؤكد في كل لحظة الحقيقة التي يحاول المتعنتون على اشكالهم نكرانها: هذه الارض هي ارضنا، هذا الوطن هو وطننا ولكن هذه الدولة هي ليست دولتنا.
الموقف المطلوب هو ليس رفض يهودية الدولة بل رفض الدولة
علي زبيدات - سخنين