Wednesday, June 27, 2012

بعبع تراث بن غوريون وبيغن


بعبع تراث بن غوريون وبيغن
علي زبيدات – سخنين

مرة أخرى أجد نفسي وكافة المؤسسات "الوطنية" سياسية كانت أم ثقافية على طرفي نقيض. من لجنة المتابعة العليا مرورا بنواب الكنيست العرب وحتى الاتحاد القطري للجان أولياء أمور الطلاب العرب ولجنة متابعة التعليم العربي  والمجلس التربوي العربي وجمعية الثقافة العربية والمركز العربي للحقوق والسياسات ومعهد مسار للأبحاث والتخطيط. جميع هذه المؤسسات وربما مؤسسات أخرى لم يتسنى لي الاطلاع على ردود فعلها هبت تطالب وزير التربية والتعليم الإسرائيلي العدول عن ارض تعليم تراث دافيد بن غوريون ومناحم بيغن على المدارس العربية في السنة الدراسية القادمة. أما موقفي فهو بكل بساطة وبكل صراحة : من الضروري بل من الواجب على المدارس العربية أن تدرس "تراث" بن غوريون وبيغن للطلاب العرب.
ها هو النائب جمال زحالقة يطالب الوزير بالعدول عن قراره لأنه يمس بمشاعر الطلاب العرب وبذاكرتهم التاريخية وبالهوية. أما مجمد حيادري رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي وعلى ذمة صحيفة الصنارة يقول:" إننا لا نعترض على شخصية بن غوريون وبيغن ومع الاحترام لكل القيادات اليهودية والإسرائيلية ولكن من المعروف أن كلا الاثنين قياديان صهيونيان وهذا موضوع  لا يفيد طلابنا" ويتابع بأن أهم ما في الأمر ألا يتم فرض الموضوع فرضا على المدارس العربية ويطالب الوزير بإشراكه بكل الأمور التي تتعلق باتخاذ القرارات المتعلقة بالمدارس العربية وطرح بديلا للمدارس العربية كإدوارد سعيد وعبد الرحيم محمود. أما مدير مركز دراسات وبعد أن يتهم الوزير بفرض الرواية الصهيونية على طلابنا والسطو على ذاكرتهم التاريخية والجماعية والاستخفاف بكرامة شعبنا  يقترح بديلا للمدارس العربية موروث توفيق طوبي وأميل توما وتوفيق زياد. أقول لرئيس لجنة متابعة التعليم العربي إن معرفة "تراث" بن غوريون وبيغن الدموي مفيد جدا لطلابنا.
ما هو تراث بن غوريون وبيغن الذي أفزع كل هذه المؤسسات بهذا الشكل؟ طبعا الرواية الصهيونية تجعل من بن غوريون بطلا قوميا ومن أهم المؤسسين للدولة والذي أعلن عن "استقلالها" ومن بيغن مناضلا عنيدا من أجل استقلال "الشعب اليهودي" في "بيته القومي". هل تظن مؤسساتنا السياسية والثقافية أن طلابنا من الغباء بحيث يصدقون الرواية الصهيونية؟ ألا يوجد لدينا نحن رواية أخرى أكثر صدقا وأكثر مصداقية من الرواية الصهيونية؟ ألا نستطيع مقابل الصفحتين أو الثلاثة التي سوف تعممها وزارة التعليم على المدارس العربية كتابة صفحتين أو ثلاثة تروي روايتنا وتقوض أسس الرواية الصهيونية الزائفة؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا كل هذه اللجان ومراكز الدراسات ومعاهد الأبحاث؟ وهل ينبغي على طلابنا أن يجهلوا تاريخ من صنع نكبتهم؟ ولماذا لا تقوم للجان أولياء أمور الطلاب استغلال صلاحياتها وإدخال الرواية الفلسطينية في الدراسة غير المنهجية في المدارس؟ من الذي سيعلم تراث بن غوريون وبيغن أليسوا معلمي التاريخ والمدنيات؟ وهل جميعهم من الجبن بحيث يعلمون ما يستلمون من الوزارة بدون التنويه ولو بالإشارة للرواية الفلسطينية الأقرب بما لا يقاس للحقيقة؟
أنا مع أن يعلم تراث بن غوريون وبيغن في المدارس العربية بحذافيره وكما تريده وزارة التعليم الإسرائيلية حرفيا ولكن في الوقت نفسه يجب سرد الرواية الفلسطينية القادرة على تعرية وفضح هذا التراث الزائف وتقوض قيمه المشوهة.
ليس لدى بن غوريون أي تراث إنساني تقدمي يمكن الافتخار به. تراثه ليس بأكثر من تاريخ طويل من نهب وسلب الأرض الفلسطينية وتشريد أهلها. فهو المسئول الأول عن النكبة، وعن تدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية، عن تهجير أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، تستحوذ عليه إيديولوجية فاشية عنصرية وعمالة للاستعمار القديم والحديث. يكفي هنا أن نذكر العدوان الثلاثي على مصر ومجزرة كفر قاسم. أما تراث بيغن فلا يقل من حيث انعدام الإنسانية والتقدمية فيه عن تراث زميله بل يزيد عليه. يكفي أن نذكر هنا بعض الجرائم التي اقترفها قبل وبعد قيام الدولة: قيادة المنظمة الإرهابية الفاشية "الاتصل" المسئولة عن مجزرة دير ياسين وعشرات المجازر الأخرى وعن تفجير فندق الملك داوود في القدس وقتل الكونت برنادوت وبعد ذلك بسنوات وبعدما أصبح رئيسا للحكومة عن حرب الإبادة التي شنها على لبنان وكانت ذروتها مجزرة صبرا وشاتيلا.
ليعلموا هذا "التراث" الفاسد والملوث أينما ومتى يشاءون. فالتراث الحقيقي هو ليس إلا نضال شعبنا المتواصل من أجل العودة والتحرير.

Wednesday, June 20, 2012

نحن نعرف متى ونعرف كيف


نحن نعرف متى ونعرف كيف
علي زبيدات – سخنين

مع كل الاحترام للمؤرخ الإسرائيلي  التقدمي شلومو زاند على كتابيه القيمين الأول: "متى وكيف أخترع الشعب اليهودي" والثاني: متى وكيف "اخترعت أرض إسرائيل"، نحن أبناء الشعب الفلسطيني من خلال تجربتنا التاريخية ومن خلال تجاربنا اليومية وليس بالضرورة من خلال البحث والدراسة، نعرف بالضبط  متى أخترع الشعب اليهودي وقلنا أن الحركة الصهيونية هي التي اخترعته في نهاية القرن التاسع عشر وأعلن عن ولادته رسميا في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 وليس كما تروي الأسطورة الصهيونية بأنه شعب قديم ولد منذ آلاف السنين ولم يطرأ عليه أي تغيير. وقلنا أن اليهودية دين وأن اليهود ينتمون إلى شعوب عديدة اعتنقوا هذه الديانة على مر التاريخ. أما كيف اخترعت الصهيونية هذا الشعب فمن خلال الترويج لهذه الأساطير وتزييف التاريخ. وقلنا أيضا أن من يخترع شعبا بناء على أساطير لن تكون لديه مشكلة في أن يخترع وطنا وهميا لهذا الشعب. ف"أرض إسرائيل" كوطن قومي لليهود أخترعت في الوقت نفسه ليس من خلال تحقيق وعد رباني بل من خلال تنظيم حركة كولونيالية حديثة كانت جزءا من النظام الاستعماري القائم. ولكن العالم لم يستمع إلينا ولم يصدقنا. وكلي أمل أن يساهم هذان الكتابين في فتح أعين العالم على الحقيقة.
لم أقرأ الكتابين المذكورين بعد، مع إنهما ضمن برنامجي للقراءة. وأنا أنصح كل من تتاح له الفرصة قراءتهما. ولكني قرأت الكثير من النقاش الذي أثاراه خصوصا في مواقع الانترنت الإسرائيلية. لذلك فإن هذه المقالة ليست ولا يمكن أن تكون بأي شكل من الأشكال عرضا أو تحليلا للكتابين. مثل هذه المهمة تقع على عاتق المؤرخين وفي المكان المناسب. كل ما تتضمنه هذه السطور هو بعض الخواطر من وحي النقاش العام الذي أثير مؤخرا مع صدور الكتاب الثاني.
بالطبع، لم تخترع الحركة الصهيونية "الشعب اليهودي" و"أرض إسرائيل" كوطن قومي له من فراغ. فقد كانت جميع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مواتية لمثل هذا الاختراع: نشوء الحركات القومية في أوروبا، الثورات البرجوازية وتنامي المشاعر الشوفينية والأيديولوجيات العنصرية. حيث وجد يهود أوروبا أنفسهم في خضم هذه الصراعات أمام خيارين: إما الاندماج في شعوبهم وإما التقوقع والانفصال. وهنا تلاقت مصالح الأوساط الأكثر رجعية من الطرفين: اللاساميين على أنواعهم من جهة والحركة الصهيونية من جهة أخرى. فقد اتفق الطرفان على المبدأ الأساسي: أن اليهود لا يستطيعون تحقيق طموحاتهم القومية في أوروبا وعليهم إيجاد وطن قومي آخر. وكانت فلسطين هي الضحية.
تأسيس المشروع الصهيوني برمته على الأساطير لم يقلل من إمكانيات نجاحه على الأقل لفترة من الزمن قد تطول وقد تقصر. وعلينا أن نعترف أن الصهيونية قد حققت نجاحا ملحوظا في انجاز مشروعها. فالتاريخ في نهاية المطاف لا يصنع ولا يتطور حسب معايير الحرية والعدالة وباقي القيم الإنسانية.
إن اعتبار يهود العالم شعبا واحدا، بالإضافة إلى كونه يتناقض مع الواقع والحقيقة هو جريمة في حق اليهود أنفسهم. لأن ذلك يسلخهم عن شعوبهم التي ينتمون إليها ويقتلعهم من أوطانهم الأصلية ويقمع حضارتهم وتراثهم. وهكذا لم تقتصر جرائم الصهيونية على اقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه وتشريده في شتى أنحاء الأرض بل أيضا في اقتلاع الملايين من اليهود والزج بهم في صراع لا ينتهي. لا تستطيع كافة الأكاذيب الصهيونية أن تخفي هذه الحقيقة. هجرة اليهود إلى فلسطين (علياه) لم تكن إلا تهجير، و"إنقاذ الأرض" هو نهب وسلب الأرض، وحرب "الاستقلال" هي حرب استعمارية عدوانية، وهكذا جميع المصطلحات الصهيونية.
لا أؤمن بوجود جنس أو شعب نقي. كل الشعوب اختلطت يبعضها البعض خلال آلاف السنين. سكان فلسطين اليوم هم ليسوا الكنعانيين القدماء وليسوا الاموريين أو اليبوسيين أو العبريين أو البلشت القادمين من جزيرة كريت أو باقي الشعوب التي مرت أو أقامت واندمجت على أرض فلسطين. العنصريون فقط يبحثون عن نقاء العرق ولا يجدونه إلا في مخيلاتهم المريضة.
بما أن فلسطين المحتلة ليست "أرض إسرائيل"، وطن الشعب اليهودي الذي اخترعته الصهيونية، فمعظم الذين قدموا إليها هم في الحقيقة لاجئون. وكما يحق للاجئين الفلسطينيين العودة إلى وطنهم بدون قيد أو شرط يحق لليهود الذين هجروا إلى فلسطين العودة إلى أوطانهم بدون قيد أو شرط. يحق لليهودي العراقي أن يعود إلى العراق واليهودي اليمني أن يعود إلى اليمن والمغربي إلى المغرب. على الدول العربية ليس فقط أن تفتح أبوابها لعودة مواطنيها اليهود بل يجب أن تعمل كل ما تستطيعه من أجل عودتهم أيضا. يشعر الكثيرون من اليهود في فلسطين باللجوء بالرغم من عملية مسح الدماغ الطويلة التي تعرضوا لها من قبل الصهيونية وبالرغم من معاناتهم من الأنظمة القمعية في أوطانهم الأصلية.
 على الجماهير اليهودية الموجودة في فلسطين أن تستبدل قانون العودة الصهيونية الذي اقتلعها من أوطانها بحق العودة الذي يضمن عودتهم إليها. حينئذ فقط سوف يلتقي نضالها مع الجماهير الفلسطينية ويصبح نضالا واحدا من أجل العودة والحرية.

Wednesday, June 13, 2012

أنا والحرديم


أنا والحرديم
علي زبيدات – سخنين

نقلت وسائل الإعلام العبرية مؤخرا خبر كتابة شعارات معادية للدولة وللصهيونية على جدران مؤسسة "يد فشم" لذكرى الكارثة، وأطلقت على كاتبي هذه الشعارات اسم: "حرديم متطرفين". الترجمة التي تعتمدها وسائل الإعلام العربية هي: يهود متزمتين أو أوصوليين، على غرار الحركات الأصولية والسلفية الإسلامية. وهناك مسميات أخرى لا تعنينا في هذا السياق. كما فهمت الاسم مأخوذ من جملة وردت في أحد أسفار التوراة تصف الذين "يخافون من الله ويطيعون كلامه".
لا أدري إذا كان الحرديم يخافون الله أم لا، كما لا أدري إذا كان الأصوليون والسلفيون عندنا يخافون الله أم لا. هكذا يقولون وهكذا يعتقدون. وما دام ما يقولونه وما يعتقدونه في إطار حرية التعبير عن الرأي وحرية المعتقدات ولا يحاولون فرضه بشكل من الأشكال على الآخرين فهذا حقهم.
على كل حال، لست من المعجبين بأي شكل من الأشكال بالأصولية الدينية مهما كان طابعها ومهما كانت تسميتها وفي الوقت نفسه أتحاشى الدخول في أي نقاش حول هذه الأمور لأنه سوف يكون نقاشا عبثيا وعقيما. أنا أؤمن بحرية كل شخص لاعتناق ما يراه مناسبا من معتقدات وأفكار.
الحرديم بكافة تياراتهم ومنظماتهم هم مجوعة غريبة عني كشخص وعنا كمجتمع، ومن خلال بحثي المتواضع وجدت أنهم مجموعة غريبة أيضا بالنسبة لمعظم سكان الدولة من اليهود. ولست متأكدا أن المسلسل الوثائقي الذي شاهدته مؤخرا من إخراج أمنون ليفي والذي جاء للتعريف بهذه المجموعة بعيدا عن الآراء والأحكام المسبقة، قد استطاع تغيير نظرة الشارع اليهودي إلى الحرديم. وأنا أعترف انه بعد مشاهدة حلقتين من هذا المسلسل "الحرديم" (المكون من 3 حلقات) قد عرفت أمورا كثيرة كنت أجهلها عن الحرديم ولكنها لم تكن كافية لتغيير وجهة نظري الأساسية بخصوص رفض التزمت الديني مهما كان مصدره.
غير أن الشعارات التي كتبت على جدران "يد فشم" بغض النظر عن التيار داخل الحرديم مسئول عن كتابتها (حتى كتابة هذه السطور ما زالت الشرطة تبحث عن الفاعلين)، تستحق التمعن وتستحق التقييم من قبلنا كشعب عانى الكثير من الصهيونية ومن الدولة التي ولدتها.
احد هذه الشعارات يقول:" دولة إسرائيل هي الأوشفيتس الروحي للطوائف الشرقية". ولمن لا يعرف أوشفيتس هو معسكر تركيز أقامته النازية لإبادة يهود أوروبا. من المعروف أن الصهيونية ومن ثم دولة إسرائيل قد شنت حرب إبادة روحية وحضارية ضد اليهود الشرقيين كان الهدف منها تجريدهم من تراثهم الحضاري الشرقي الذي يتعارض مع قيم الصهيونية الغربي. فلماذا لا نستطيع نحن، الفلسطينيين الذين شنت عليهم الصهيونية حرب إبادة مادية بالإضافة إلى الروحية وجردتهم ليس فقط من حضارتهم وتراثهم بل من أرضهم وبيوتهم أيضا، لماذا لا نستطيع أن نقول " دولة إسرائيل هي أوشفيتس الشعب الفلسطيني". شعار آخر يقول: "لو لم يكن هتلر موجودا لأوجده الصهاينة". للوهلة الأولى تبدو العلاقة بين النازية والصهيونية علاقة تعارض بل تناحر. ولكن الحقيقة على العكس من ذلك تماما. كانت الحركة الصهيونية حتى ظهور النازية حركة هامشية بين يهود أوروبا. وفي الوقت نفسه نمت الحركة النازية وترعرعت جنبا إلى جنب الحركة الصهيونية. كلتا الحركتين رضعتا العنصرية والشوفينية من ثدي واحد. العلاقة الوثيقة بين النازية والصهيونية كانت موضوعا لأبحاث ودراسات عديدة. وهناك العديد من الكتاب اليهود ومنهم من كان من ضحايا النازية كتبوا عن صناعة الكارثة وعن الأرباح التي جنتها الطبقة الحاكمة منها. إذن لماذا نخشى نحن الفلسطينيون الذين تعرضوا لممارسات نازية من قبل الصهيونية قبل وبعد الدولة أن نشير إلى هذه العلاقة التي يعرفها الكثيرون ومن ضمنهم كتاب ومؤرخين يهود. شعار آخر يقول:" أفيقوا أيها اليهود، النظام الصهيوني الشرير يعرضكم للخطر". الدولة الصهيونية ليست خطرا على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وعلى السلام العالمي فحسب بل أيضا على اليهود أنفسهم. لم يعد هناك أحد يصدق الكذبة الصهيونية التي تقول: أن دولة إسرائيل هي المكان الوحيد الآمن لليهود". أكاد أجزم عكس ذلك تماما:  دولة إسرائيل هي أكثر مكان في العالم غير آمن لليهود. صرح وزير التربية الصهيوني جدعون ساعر أنه مصدوم من فحوى هذه الشعارات.وأضاف مدير مؤسسة "يد فشم": "أنا مصدوم من هذا العمل النابي للكراهية المتقدة تجاه الدولة والصهيونية". الشعب الفلسطيني عانى من الصهيونية والدولة أضعاف مضاعفة مما عاناه الحرديم، فهل هما مصدومان أيضا من مدى كراهية هذا الشعب للصهيونية ولدولة إسرائيل؟

Wednesday, June 06, 2012

إعلام ورابطة الصحفيين


إعلام ورابطة الصحفيين
علي زبيدات – سخنين

ليس كل من بعث بخبر إلى جريدة أو إلى موقع إخباري أصبح مراسلا أو صحفيا. وليس كل من كتب مقالا أو خاطرة أو موضوع إنشاء أصبح كاتبا. وليس كل من تكلم في السياسة أصبح سياسيا. أبدأ بنفسي: لقد اقترفت هذه الأعمال المذكورة جميعها مرة وربما ومرات عديدة لا تحصى ولكني لا أستطيع ولا أقبل بأن أعرف نفسي كصحفي أو كاتب أو سياسي. ليس من باب التواضع بل من باب عدم قناعتي بل ونفوري من وضع نفسي في إطار تعريف مغلق ومحدد. لعل من أصعب الأسئلة التي تطرح علي سؤال: عرف نفسك، ما هي مهنتك؟ وعادة ما أتهرب من الجواب بالقول: أن سقراط قال اعرف نفسك وليس عرف نفسك.  ولكن، من ناحية أخرى يحق لكل شخص أن يعرف نفسه كما يشاء. هذا يعرف نفسه كمراسل وذاك يعرف نفسه كصحفي (وهي مرتبة أرقى من المراسل) وآخر يعرف نفسه كإعلامي ( وهي مرتبة أعلى من المراسل والصحفي). لا مشكلة لدي بتاتا كيف يعرف كل شخص نفسه، ولكن تصبح لدي مشكلة عندما يقوم هذا المراسل أو الصحفي أو الإعلامي بإطلاق الأحكام على الآخرين وتصنيفهم على هواه.
في الأسبوع الماضي، نظم مركز إعلام اجتماعا للصحفيين العاملين في منطقة الجليل. وكان مكان الاجتماع على بعد أمتار من البيت. اتصل بي احد الأصدقاء وقال لي: تعال يوجد اجتماع للصحفيين بالقرب منك. جئت بدون المزيد من الاستفسارات. وليتني لم أجئ. كان الاجتماع قد بدأ والنقاش قد اشتد حول ضرورة تأسيس رابطة تضم الصحفيين العرب. جلست ساكنا على غير عادتي. وبعد دقائق نادتني إحدى "الإعلاميات" من منظمات الاجتماع إلى جنب وسألتني: هل أنت صحفي؟ فقلت لا. هل استلمت دعوة لحضور الاجتماع؟ فأجبت بلا. إذن مع الأسف لا تستطيع حضور الاجتماع. ويبدو أن أحد الأصدقاء سمع أطراف الحديث فاقترب ليدافع عن حقي في الحضور وجرى نقاش ليس المجال هنا للخوض في تفاصيله.
لا أدري لماذا كلما سمعت كلمة رابطة تذكرت روابط القرى. هل ما زال أحد يذكر تلك الروابط التي أقامتها دولة إسرائيل في سنوات الثمانين لكي تشكل بديلا للقيادة الوطنية ولكي تنفذ سياسة الاحتلال بأيدي فلسطينية من خلال هذه الروابط؟ روابط القرى تلك فشلت في مهمتها وأصبحت في ذمة التاريخ ولكن بعد عقد من الزمن نجحت القيادة "الوطنية" في المهمة نفسها عن طريق اتفاقيات أوسلو وسلطة أوسلو. وأنا في الحقيقة لا أدري من أين جاءت كلمة "رابطة" وما هو مصدرها اللغوي: هل من ربط بمعنى قيد الشيء وشد وثاقه أم بمعنى الصلة والعلاقة التي تربط بين أشخاص مختلفين لكي يتعاونوا ويتضافروا؟ أنا أميل إلى المعنى الأول: الرابطة تعني الربط واللجم وكتم الأصوات وفرض القيود بحجة الدفاع عن الحقوق وبحجة التضامن والتعاضد، وهذا أخطر ما في الحكاية.
لا أنكر موقفي السلبي، أو بشكل ألطف، موقفي النقدي من مركز إعلام. وليس بسبب أن مديره الدكتور أمل جمال قد خدم في الجيش الإسرائيلي فقد تم تجاوز هذه الإشكالية منذ زمن طويل. بالنسبة لي لا أجد فرقا جوهريا بين من خدم في الجيش الإسرائيلي أو في سلك الشرطة الإسرائيلي أو في الكنيست الإسرائيلي. لاحظوا تكرار كلمة إسرائيلي. وبصراحة أكاد أصل إلى درجة الجنون من إصرار جميع مؤسساتنا "الوطنية" على عدم التخلي عن كلمة إسرائيل. أحكموا بأنفسكم: "لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل"، "اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل"، "مركز مساواة لحقوق العرب في إسرائيل"، "عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية القومية العربية في إسرائيل"، "إعلام- مركز إعلامي للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل". ولو، العمى!!
أنا لا أؤمن بأن مهمة الإعلام الفلسطيني "بناء علاقات بناءة مع الإعلام الإسرائيلي" أو مطالبته "بعدم الانحياز وتوخي العدل والمساواة في تغطيته للمجتمع الفلسطيني". القضية الفلسطينية بكل جوانبها هي قضية عادلة حسب جميع المعايير والقيم الإنسانية، ومهمة الإعلام الفلسطيني هي رفع راية هذه القضية عاليا. ولا أخجل أن نتعلم من الإعلام الإسرائيلي الذي يتجند عن بكرة أبيه لخدمة المشروع الصهيوني، فلماذا هذا التلعثم وهذه التأتأة في حشد الإعلام الفلسطيني لخدمة القضية الفلسطينية؟ هل السبب إرضاء صندوق فورد وصندوق أبراهام والاتحاد الأوروبي وغيرها من الصناديق الداعمة؟
وأخيرا همسة في أذن أنصار"الرابطات" على أشكالها: حرية الرأي لا تعني حقي أنا في أن أعبر عن رأيي بحرية بل تعني أولا وقبل كل شيء حقك أنت في أن تعبر عن رأيك بحرية، ليس كشعار على صعيد النظرية فحسب بل وفي الأساس في الممارسة العملية. لنتدرب على التعايش رغم الاختلاف في الرأي.