أنا والحرديم
علي زبيدات – سخنين
نقلت وسائل الإعلام العبرية مؤخرا خبر كتابة شعارات
معادية للدولة وللصهيونية على جدران مؤسسة "يد فشم" لذكرى الكارثة، وأطلقت
على كاتبي هذه الشعارات اسم: "حرديم متطرفين". الترجمة التي تعتمدها
وسائل الإعلام العربية هي: يهود متزمتين أو أوصوليين، على غرار الحركات الأصولية
والسلفية الإسلامية. وهناك مسميات أخرى لا تعنينا في هذا السياق. كما فهمت الاسم
مأخوذ من جملة وردت في أحد أسفار التوراة تصف الذين "يخافون من الله ويطيعون
كلامه".
لا أدري إذا كان الحرديم يخافون الله أم لا، كما لا أدري
إذا كان الأصوليون والسلفيون عندنا يخافون الله أم لا. هكذا يقولون وهكذا يعتقدون.
وما دام ما يقولونه وما يعتقدونه في إطار حرية التعبير عن الرأي وحرية المعتقدات
ولا يحاولون فرضه بشكل من الأشكال على الآخرين فهذا حقهم.
على كل حال، لست من المعجبين بأي شكل من الأشكال بالأصولية
الدينية مهما كان طابعها ومهما كانت تسميتها وفي الوقت نفسه أتحاشى الدخول في أي
نقاش حول هذه الأمور لأنه سوف يكون نقاشا عبثيا وعقيما. أنا أؤمن بحرية كل شخص
لاعتناق ما يراه مناسبا من معتقدات وأفكار.
الحرديم بكافة تياراتهم ومنظماتهم هم مجوعة غريبة عني
كشخص وعنا كمجتمع، ومن خلال بحثي المتواضع وجدت أنهم مجموعة غريبة أيضا بالنسبة
لمعظم سكان الدولة من اليهود. ولست متأكدا أن المسلسل الوثائقي الذي شاهدته مؤخرا
من إخراج أمنون ليفي والذي جاء للتعريف بهذه المجموعة بعيدا عن الآراء والأحكام
المسبقة، قد استطاع تغيير نظرة الشارع اليهودي إلى الحرديم. وأنا أعترف انه بعد
مشاهدة حلقتين من هذا المسلسل "الحرديم" (المكون من 3 حلقات) قد عرفت
أمورا كثيرة كنت أجهلها عن الحرديم ولكنها لم تكن كافية لتغيير وجهة نظري الأساسية
بخصوص رفض التزمت الديني مهما كان مصدره.
غير أن الشعارات التي كتبت على جدران "يد فشم"
بغض النظر عن التيار داخل الحرديم مسئول عن كتابتها (حتى كتابة هذه السطور ما زالت
الشرطة تبحث عن الفاعلين)، تستحق التمعن وتستحق التقييم من قبلنا كشعب عانى الكثير
من الصهيونية ومن الدولة التي ولدتها.
احد هذه الشعارات يقول:" دولة إسرائيل هي الأوشفيتس
الروحي للطوائف الشرقية". ولمن لا يعرف أوشفيتس هو معسكر تركيز أقامته
النازية لإبادة يهود أوروبا. من المعروف أن الصهيونية ومن ثم دولة إسرائيل قد شنت
حرب إبادة روحية وحضارية ضد اليهود الشرقيين كان الهدف منها تجريدهم من تراثهم
الحضاري الشرقي الذي يتعارض مع قيم الصهيونية الغربي. فلماذا لا نستطيع نحن،
الفلسطينيين الذين شنت عليهم الصهيونية حرب إبادة مادية بالإضافة إلى الروحية
وجردتهم ليس فقط من حضارتهم وتراثهم بل من أرضهم وبيوتهم أيضا، لماذا لا نستطيع أن
نقول " دولة إسرائيل هي أوشفيتس الشعب الفلسطيني". شعار آخر يقول:
"لو لم يكن هتلر موجودا لأوجده الصهاينة". للوهلة الأولى تبدو العلاقة
بين النازية والصهيونية علاقة تعارض بل تناحر. ولكن الحقيقة على العكس من ذلك
تماما. كانت الحركة الصهيونية حتى ظهور النازية حركة هامشية بين يهود أوروبا. وفي
الوقت نفسه نمت الحركة النازية وترعرعت جنبا إلى جنب الحركة الصهيونية. كلتا
الحركتين رضعتا العنصرية والشوفينية من ثدي واحد. العلاقة الوثيقة بين النازية
والصهيونية كانت موضوعا لأبحاث ودراسات عديدة. وهناك العديد من الكتاب اليهود ومنهم
من كان من ضحايا النازية كتبوا عن صناعة الكارثة وعن الأرباح التي جنتها الطبقة
الحاكمة منها. إذن لماذا نخشى نحن الفلسطينيون الذين تعرضوا لممارسات نازية من قبل
الصهيونية قبل وبعد الدولة أن نشير إلى هذه العلاقة التي يعرفها الكثيرون ومن
ضمنهم كتاب ومؤرخين يهود. شعار آخر يقول:" أفيقوا أيها اليهود، النظام
الصهيوني الشرير يعرضكم للخطر". الدولة الصهيونية ليست خطرا على الشعب
الفلسطيني والشعوب العربية وعلى السلام العالمي فحسب بل أيضا على اليهود أنفسهم.
لم يعد هناك أحد يصدق الكذبة الصهيونية التي تقول: أن دولة إسرائيل هي المكان
الوحيد الآمن لليهود". أكاد أجزم عكس ذلك تماما: دولة إسرائيل هي أكثر مكان في العالم غير آمن
لليهود. صرح وزير التربية الصهيوني جدعون ساعر أنه مصدوم من فحوى هذه الشعارات.وأضاف
مدير مؤسسة "يد فشم": "أنا مصدوم من هذا العمل النابي للكراهية
المتقدة تجاه الدولة والصهيونية". الشعب الفلسطيني عانى من الصهيونية والدولة
أضعاف مضاعفة مما عاناه الحرديم، فهل هما مصدومان أيضا من مدى كراهية هذا الشعب
للصهيونية ولدولة إسرائيل؟
No comments:
Post a Comment