Wednesday, April 27, 2011

الثورة العربية وعيد العمال العالمي

الثورة العربية وعيد العمال العالمي
علي زبيدات – سخنين

عندما ولد يوم الأول من أيار كيوم عالمي للطبقة العاملة قبل حوالي قرن وربع قرن من الزمن كان العامل يعمل من شروق الشمس إلى مغيبها. فكان من الطبيعي أن يكون مطلبه الأساسي في ذلك الوقت تحديد يوم العمل بثماني ساعات حتى يبقى لديه بعض الوقت للراحة وتجديد طاقته والاستمتاع ولو قليلا بالحياة. بعد ذلك تطور النضال العمالي ليشمل الأجور المتدنية حين ذاك، وتمت المطالبة بحد أدنى للأجور والحق في التنظيم وإقامة النقابات العمالية والمطالبة في الضمانات الاجتماعية. في أماكن كثيرة من العالم اقترن النضال العمالي بالنضال الوطني من أجل الاستقلال والتحرر من نير الاستعمار بأشكاله المختلفة القديمة منها والحديثة، من أجل حق تقرير المصير للشعوب المضطهدة ومن أجل حقوق الإنسان بشكل عام.
كاد هذا اليوم، خلال هذه الفترة الطويلة، أن يقفز عن عالمنا العربي. فما زال العامل العربي بشكل عام حتى يومنا هذا يعمل من شروق الشمس إلى مغيبها، هذا إذا توفر العمل أصلا ولم يكن ملقى في أحضان البطالة ومن ثم في أحضان الحاجة والفقر المدقع، في عالمنا العربي من الخيال أن نتكلم عن ضمانات اجتماعية أو شيء يسمى حد أدنى من الأجور أو ضمان للدخل وغيرها من الأمور التي حققها العمال في معظم أرجاء العالم منذ وقت طويل. وقد حاولت الطبقات الحاكمة وما زالت إقناع العمال العرب عدم الاهتمام بيوم العمال العالمي تارة لكونه ولد في أمريكا فهو إذن يوم مستورد من العالم الامبريالي، وقد عزف على هذا الوتر الأنظمة التي تضع على وجهها قناعا قوميا أو وطنيا، وطورا لكونه مستوردا من الاتحاد السوفيتي السابق والأحزاب الشيوعية والعمالية وقد ضرب على هذا الوتر العديد من الحركات الدينية.
صحيح تاريخيا أن يوم الأول من أيار ولد في أمريكا ولكنه ولد من خلال الصراع الدامي ضد النظام الرأسمالي الأمريكي الذي يتغنى بالدمقراطية. ولو ولد في أحضان النظام الرأسمالي لتلقفته الطبقات الحاكمة عندنا بالترحاب وبدون أية مشكلة كما فعلت بعيد العشاق "الفلانتاين" على سبيل المثال. وصحيح أيضا أن الأممية الثانية عندما كانت ثورية بزعامة فريدريك انجلز وآخرين قد تبنت هذا اليوم وجعلت منه يوما يرمز لوحدة الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم من أجل تحقيق المبدأ الذي أعلن قبل ذلك بحوالي نصف قرن في البيان الشيوعي: "يا عمال العالم اتحدوا"، ومن ثم تم تبني هذا اليوم من قبل ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا والأحزاب الشيوعية الثورية في ذلك الوقت. هذه الحقائق لا تجعل أبدا من هذا اليوم يوما أمريكيا أو روسيا أو أجنبيا دخيلا يجب مقاطعته. بل على العكس من ذلك فإن الطبقة العاملة العربية اليوم أحوج ما تكون إلى عيد العمال العالمي أولا من أجل توحيد صفوفها في مواجهة الأنظمة المستشرسة وثانيا لمد الجسور بينها وبين عمال العالم الذين يناضلون من أجل قضية واحدة ألا وهي التحرر من نير الاضطهاد والاستغلال الرأسمالي.
بالرغم من أن الثورة العربية الراهنة المتفجرة في أكثر من قطر لا يمكن تصورها بدون الدور الحاسم للطبقة العاملة ولباقي الطبقات الكادحة والمثقفين الثوريين إلا انه تجري محاولات حثيثة لإقصاء العمال عن قيادة هذه الثورات والاكتفاء بتحقيق بعض الإصلاحات ومنع تطور هذه الثورات لتصبح ثورات عمالية. ومما يساعد على نجاح هذه المهمة هو هيمنة شريحة ارستقراطية من الطبقة العاملة تتكلم باسم الطبقة العاملة ولكنها تنفذ في نهاية المطاف سياسة تخدم الطبقات الرأسمالية الحاكمة.
النضال العمالي بدون وعي طبقي يؤدي في أحسن الحالات إلى بعض الإصلاحات ولكنه يبقي النظام الاجتماعي والسياسي كما هو. وعندما تشعر الطبقات الحاكمة بالقوة ثانية سوف تنقض على هذه الإصلاحات وتعيد الوضع السابق إلى نصابه. الثورة السياسية يجب أن ترافقها ثورة اجتماعية وثقافية. الضمان الوحيد لاستمرارية ونجاح الثورة هو تحويلها من ثورة وطنية ديمقراطية إلى ثورة عمالية بقيادة طبقة عاملة تتبنى أيديولوجية عمالية ثورية.
وعندما نقول ثورة عمالية نعني إلغاء كافة أشكال الاستغلال الرأسمالي: إلغاء نظام الأجور والنقد والربح. نعني إلغاء كافة أشكال العنصرية والتمييز على أساس عرقي، ديني أو جنسي. الثورة العمالية بطبيعتها تعني تخطي وهدم كافة الحدود الجغرافية والاجتماعية التي تفرق بين الشعوب.
العامل الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة العربية والعالمية وتقع على عاتقه ليس فقط النضال من أجل تأمين لقمة العيش بل أيضا وفي الأساس النضال من أجل الحرية والاستقلال من الاحتلال الصهيوني وحلفائه من متعاونين فلسطينيين وعرب. ينبغي على العامل الفلسطيني حتى يستطيع أن يقوم بدوره التاريخي جنبا إلى جنب مع عمال العالم أن ينفض عن نفسه غبار الخنوع الذي تنميه وتفرضه الأحزاب والحركات الانتهازية والتحريفية التي تسمي نفسها عمالية زورا وبهتانا ولكنها في الحقيقة تخدم الطبقات الرأسمالية الحاكمة.
ليكن يوم الأول من أيار هذا العام يوما مشهودا لانطلاق الثورة العمالية العربية.

Wednesday, April 20, 2011

هل يستطيع العطار إصلاح ما يفسده الدهر؟

هل يستطيع العطار إصلاح ما يفسده الدهر؟

علي زبيدات – سخنين

أتذكر هذا المثل العربي الذي يؤكد أن العطار لا يصلح ما أفسده الدهر كلما قرأت خبرا أو مقالا عن ضرورة إعادة بناء، ترميم أو إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية أو "لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل" واختصارا لطول الاسم الذي يثقل على الكاتب وعلى القارئ أكتفي بتسميتها: لجنة المتابعة.
هل يذكر أحد متى بدأ الكلام عن ضرورة إعادة بناء هاتين المؤسستين؟ منذ سنوات طويلة، صحيح؟ وأكاد أجزم منذ اليوم الأول لإقامتهما. أي قبل أن يعبث الدهر بأصابعه لإفسادهما. وذلك لسبب بسيط: لكونهما ولدتا أصلا مشوهتين. ولكن كما يبدو استطاع الجمال والشباب لفترة من الزمن ستر تشويهات الولادة هذه. غير أن هذه التشويهات بدأت تطفو على السطح وتطغى حتى أصبح من المستحيل تجاهلها. من هنا كثرت المطالبات بإصلاحها. بعض هذه المطالبات بريء وساذج وصادر عن حسن نية ولكن غالبيتها خبيث جاء ليحقق مآرب أخرى.
لا أريد أن أتطرق هنا إلى المطالب بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بالرغم من أهمية هذا الموضوع الجدير بتناوله بشكل مستقل خصوصا وأنه مطروح بقوة من قبل كافة الفصائل الفلسطينية الموجودة في سلطة أوسلو والمعارضة لها. سأكتفي هنا بالكلام عن لجنة المتابعة.
يبدو من الإخبار القليلة التي تناولتها وسائل الإعلام المحلية مؤخرا أن الأجواء داخل لجنة المتابعة متعكرة وربما أكثر من متعكرة ولكني أكتفي هنا بهذا الوصف: الجميع عاتب على الجميع والزعلان أكثر من الراضي وازدادت حالات اللمز والغمز واللسع. ومع ذلك تحمل هذه اللجنة عكازها وتتابع سيرها الأعرج. وبشكل موسمي تعالت الأصوات المطالبة بالإصلاح.
التجمع الوطني الديمقراطي هو من الأحزاب الفاعلة داخل هذه اللجنة ولعله أكثر الأحزاب تحمسا لإصلاح أو إعادة بناء هذه اللجنة. وقد لفت نظري مقال بقلم السكرتير العام لهذا الحزب: عوض عبد الفتاح نشر مؤخرا بعنوان: الشعب يريد انتخاب "المتابعة". لنتغاضى للحظة عن تقزيم شعار الشعب يريد.... وعن اختزال الشعب بشخص السكرتير العام أو الحزب الذي ينتمي إليه، فهو لم يقل: أنا أريد أو حزبي يريد بل مرة واحدة على طريقة لويس الرابع عشر وليس على طريقة شباب ميدان التحرير: الشعب يريد...
حسنا، انتخاب المتابعة، هذا هو الأرنب السحري الذي يخرجه صاحب المشروع القومي الديمقراطي من قبعته لإصلاح لجنة المتابعة.
لقد جربنا الانتخابات في مواقع أخرى فهل تحسنت أوضاعنا يا ترى؟ ألم ننتخب رؤساء البلديات والمجالس المحلية العربية؟ وماذا كانت النتيجة؟ لقد أعادتناهذه الانتخابات إلى العائلية والطائفية ونشرت الفساد في كل مكان داخل هذه المؤسسة المنتخبة ففي كل صباح نسمع عن قضية فساد ورشوات متورط بها رئيس بلدية أو نائبه أو موظف كبير. هل يستطيع أحدنا أن يقف ويذكر إيجابية واحدة جلبته لنا هذه الانتخابات؟
وقد جربنا الانتخابات داخل الأحزاب العربية تقليدا للأحزاب الصهيونية: البرايمرز. وأحمد الله أنني ابعد ما يكون عنها. ولكن طريقة انتخاب المرشحين للكنيست في هذه الأحزاب وطريقة انتخاب القياديين في كل حزب معروفة للجميع. هل جعلت الانتخابات الحزبية من أحزابنا أفضل؟ أترك الإجابة عن هذا التساؤل مفتوحا أمام القراء الحزبيين منهم وغير الحزبيين.
والآن يريدون استخدام هذه الوصفة السحرية لإعادة بناء لجنة المتابعة: انتخاب اللجنة!!
هل ستكون طبيعة هذه الانتخابات مختلفة عن طبيعة الانتخابات المحلية والحزبية من حيث المعايير السياسية والاخلاقية؟ هل نصبح ديمقراطيين بمجرد مناداتنا بالانتخابات؟
ولكي لا أفهم خطأ أنا لست ضد الانتخابات من حيث المبدأ. ولكني ضد الانتخابات عندما تصبح مسخرة، عندما تكون لعبة تحكمها قوانين المصالح الشخصية والفئوية والعائلية والطائفية. قبل الانتخابات يجب أن نتمتع بمستوى كاف من الوعي لما نريد، يجب أن تكون لدينا رؤيا واضحة لمشروع سياسي وطني. قبل أن نطالب بالانتخابات يجب أن نناقش بعمق هل نحن بحاجة إلى لجنة متابعة أصلا؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فما هي مهمات هذه اللجنة؟ ما هي الشؤون التي تتابعها وأمام من؟ وما هي علاقة هذه اللجنة بالجماهير العربية؟ الشعب يريد أن يعرف طريقه أولا.
رأيي الشخصي يقول: أن لجنة المتابعة لا تعرف طريقها وهي بالتالي عاجزة عن معرفة طريق الشعب وأعجز من أن تقود هذا الشعب لأي طريق. على العطارين أن يصغوا لما يقوله الدهر، لقد آن الأوان لكي نبحث عن بدائل لهذه اللجنة.

Wednesday, April 13, 2011

في ذكرى يوم الاسير الفلسطيني

في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني

علي زبيدات – سخنين

دعيت في نهاية العام الماضي إلى أحد المؤتمرات في جنوب أفريقيا وكانت المناسبة احتفال إحدى الحركات بإنهاء نظام الابرتهايد في ذلك البلد. وقد دار الحديث والحوار والنقاش في شتى المواضيع وكان من ضمنها المقاومة والسجون. وكان حضور نيلسون مانديلا، ليس الجسدي، في هذا المؤتمر طاغيا ليس بصفته أول رئيس اسود لجنوب إفريقيا فحسب بل أيضا بصفته رمزا للسجين السياسي الذي قضى 28 عاما في غياهب السجون. بالرغم من كون جمهور المشاركين من متكلمين وحضور من المهتمين بالسياسة العالمية إضافة إلى السياسة الداخلية، إلا أنهم تفاجؤا عندما قلت لهم: يوجد بين يدي قائمة لعشرة اسري سياسيين فلسطينيين يقبعون في السجون الإسرائيلية أمضوا في السجن فترة أطول من تلك التي أمضاها نيلسون مانديلا. وأن عميد الأسرى الفلسطيني نائل البرغوثي قد أكمل عامه ال33 وراء القضبان.
يوجد لدى إسرائيل أسير واحد، وهو بالمناسبة ليس أسيرا سياسيا. لم يسجن بسبب آرائه أو نشاطاته السياسية بل تم خطفه من دبابته التي كانت تقصف مدن ومخيمات قطاع غزة. اسم هذا الأسير جلعاد شاليط. وأظن لو ذهبنا إلى ولاية ألاسكا وتكلمنا مع إحدى عائلات الاسكيمو في أحد بيوت الايجلو أو لو ذهبنا إلى غابات الأمازون وتكلمنا مع قبيلة من السكان الأصليين التي تم اكتشافها مؤخرا وسألناهم: من هو جلعاد شاليط لعرفوا جيدا عمن نتكلم.
أسرد هاتين القصتين لأبين مدى عجز وقصور الإعلام الفلسطيني والعربي في قضية الأسرى. ولا يشفع لنا أننا نحيي يوم الأسير الفلسطيني كل عام في مثل هذه الفترة بالخطابات الرنانة والبيانات التي لا تحصى ولكن تكاد لا تقرأ. هذا بالرغم من وجود وزارتين للأسرى واحدة في رام الله وأخرى في غزة بالإضافة إلى عشرات اللجان والجمعيات التي من المفروض أن تكرس جل نشاطها واهتمامها لقضايا الأسرى على كافة الأصعدة.
السؤال الذي أريد أن أوجهه في هذه المناسبة لوزارتي الأسرى هو: هل يوم الأسير الفلسطيني في 17 نيسان هو للأسير الفلسطيني في السجون الإسرائيلية فقط أم أيضا يشمل الأسير الفلسطيني في سجون السلطة المشطورة؟ وسؤال آخر لو سمحتم: كيف يمكن أن نثق وكيف يمكن أن نصدق أن تقوم وزارة بالدفاع عن حقوق الأسرى بينما يصف رئيس السلطة عمليات هؤلاء الأسرى بالعمليات بالحقيرة؟
منذ سنوات ونحن نسمع عن ضرورة تدويل قضية الأسرى والتوجه إلى محكمة العدل الدولية لاتخاذ قرار بخصوص مكانة الأسير الفلسطيني والاعتراف به كأسير حرب أو سجين سياسي وليس كإرهابي مجرم ولكي يعامل حسب ما ينص عليه القانون الدولي ومعاهدة جينيف الثالثة والرابعة، والتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والى كافة منظمات حقوق الإنسان. ولكن إذا كنا لا نستطيع تذويت قضية الأسرى محليا فكيف نستطيع تدويلها؟ وهل وزارة في سلطة تقف ضد كل ما يجسده الأسرى من مقاومة ونضال مخولة أصلا سياسيا وأخلاقيا بتمثيل الأسرى وتنبني قضيتهم؟
هل المؤتمرات التي نسمع عنها بين الفينة والأخرى في الجزائر والمغرب أو أي مكان آخر حيث يتهافت عليها السياسيون من قياديي فصائل وأعضاء كنيست مصطحبين بعض الأسرى المحررين هدفها حقا الدفاع عن حقوق الأسرى؟ ولماذا كلما ذكرت هذه الجهات قضية الأسرى في المحافل الدولية والرسمية تركز على الناحية "الإنسانية" و"القانونية" و" الأخلاقية" ولكنها تشطب من قاموسها الناحية السياسية التي هي لب القضية؟
هناك صناعة رائجة في فلسطين هي صناعة الأسرى.
طبعا، لا يمكن بأي حال من الأحوال التعميم. هناك أشخاص وبعض اللجان التي تعمل بكل صدق وإخلاص وتفان لخدمة قضية الأسرى كل حسب إمكانياته وقدراته. قد تخطئ في بعض التصرفات وقد تكون عرضة لتأثيرات سلبية صادرة عن الأحزاب والحركات السياسية والمؤسسات الرسمية. هؤلاء الأشخاص وهذه اللجان لا يمكن وضعها في سلة واحدة مع الوزارات والمؤسسات الرسمية. الرجل الذي يشكل نموذجا فريدا من نوعه في هذا المجال هو المرحوم أحمد حبيب الله – أبو هشام الذي رحل عنا منذ فترة طويلة ولكننا اليوم نفتقده أكثر من أي يوم مضى.
الشرذمة السياسية التي يعاني منها مجتمعنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 تلقي بظلالها الثقيلة على لجان الأسرى. زيادة عدد هذه اللجان لا يعني بالضرورة الارتقاء بالعمل دفاعا عن الأسرى. ها نحن نقف أياما معدودات قبيل يوم الأسير الفلسطيني وقد حرثت الشبكة العنكبوتية طولا وعرضا بحثا عن النشاطات التي تحضرها لنا هذه اللجان لإحياء هذه المناسبة ولم أجد شيئا يذكر. قد نسمع عن بعضها في الصحف بعد حدوثها. وقد نسمع عن بعضها الآخر قبيل حدوثها إذا كنا مقربين من إحدى هذه اللجان. أسمع في اللحظة الأخيرة إن إحدى هذه اللجان تنظم تظاهرة رفع شعارات على أحد المفارق، وأخرى تنظم اعتصاما أمام أحد السجون. وعندما أشارك في إحدى هذه النشاطات أرى الوجوه نفسها. هناك انقطاع شبه كامل مع الجماهير. يكاد التنسيق فيما بين هذه اللجان أن يكون معدوما. أصابها ما أصاب الأحزاب السياسية: كل ينظم نشاطه الخاص الذي يحضره الأعضاء والمقربون فقط. مع أننا جميعا نقسم بأغلظ الإيمان أن قضية الأسرى هي قضية وطنية تتخطى جميع الأطر والحواجز.
"الحرية لأسرى الحرية" يجب أن يصبح خطة عمل وليس مجرد شعار يرفع في المناسبات.


Wednesday, April 06, 2011

عودة إلى مجزرة دير ياسين

عودة الى مجزرة دير ياسين علي زبيدات – سخنين في خضم المجازر التي يتعرض لها المواطن العربي في أماكن متعددة من العالم العربي المترامي الأطراف من المحيط إلى الخليج، كدنا أن ننسى المجازر التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني على يد السلطات الإسرائيلية منذ قيام دولة إسرائيل وحتى يومنا هذا. حتى بتنا نظن أن الهدف من المجازر العربية هو أن تنسينا مجازر إسرائيل وتقول لنا: احمدوا ربكم ألف مرة في اليوم لأنكم ترزحون تحت الاحتلال الإسرائيلي الإنساني المتنور وتتعرضون ل"مجازر" علي يد الجيش الإسرائيلي الأكثر تمسكا بالقيم الأخلاقية في العالم وليس من نظام ثوري أو قومي أو وطني كما هو الوضع في ليبيا واليمن وسوريا وغيرها. لقد آن الأوان كي نعيد الأمور إلى نصابها. في مثل هذه الأيام من عام 1948 وبالتحديد في 9 نيسان/ أبريل دخلت العصابات الصهيونية إلى قرية دير ياسين غربي القدس وقتلت بدم بارد أكثر من 250 مواطن أعزل معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال. لم تخف العصابات الصهيونية هدفها من وراء هذه الجريمة البشعة وهو إرهاب المواطنين الآمنين العزل ودفعهم للرحيل ومن ثم الاستيلاء على بيوتهم وأراضيهم. لم تكن مجزرة دير ياسين المجزرة الوحيدة في عام 1948 بل رافقتها عشرات المجازر امتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها. ولكن تبقى مجزرة دير ياسين الأكثر شهرة وأهمية والتي حفرت في الذاكرة الفلسطينية الجماعية وفي ذاكرة كل فلسطيني حتى أصبحت رمزا للنكبة الفلسطينية التي وقعت فعلا في أعقاب هذه المجزرة وغيرها من المجازر حيث تم هدم أكثر من 500 قرية وترحيل ما يقارب نصف الشعب الفلسطيني. من ظن أن المجازر الإسرائيلية قد توقفت بعد قيام "الدولة الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط سرعان ما تبين أنه مخطئ: فالمجازر توالت واستمرت بأشكال مختلفة وتسميات أخرى. يكفي هنا أن نذكر بعضها: من كفر قاسم مرورا بصبرا وشاتيلا وقانا إلى جنين ونابلس والخليل وحتى غزة التي ما زالت تتعرض إلى أطول مجزرة عرفها التاريخ المعاصر. المجازر التي تنفذها بعض الأنظمة العربية في حق شعوبها مهما بلغت من بشاعة لن تستطيع محو المجازر الإسرائيلية من الذاكرة الفلسطينية والعربية بل على العكس من ذلك فإنها وبشكل عكسي تنميها وتقويها. إذ لا تخفي هذه الأنظمة أنها تعلمت البطش والتنكيل والأرض المحروقة والدمار العظيم من العصابات الصهيونية، وان المجازر التي اقترفتها إسرائيل قد أصبحت نموذجا يحتذى. ولم تبخل إسرائيل في تزويد هذه الأنظمة بالمعلومات والإرشاد والخبرات وفي كثير من الأحيان بالسلاح أيضا. "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" ترتبط عضويا بالأنظمة اللاديمقراطية المحيطة بها. للوهلة الأولى يظن بعض الساذجين أن كلا الطرفين: دولة إسرائيل من جهة والأنظمة العربية من جهة أخرى يقفان على طرفي نقيض ويشكلان لعقود طويلة ما يسمى في السياسة الدولية: طرفي الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن خلف هذا الصراع الوهمي تكمن حالة من الانسجام والتناغم والتعاون وفي كثير من الأحيان تقسيم الأدوار. فإذا بادرت إسرائيل باقتراف جريمة أو مجزرة جديدة نرى الأنظمة العربية تغض الطرف وتتقاعس عن الرد وتكتفي بإدانة شفوية خجولة حتى يمر الغضب الشعبي وتعود المياه إلى مجاريها. وإذا بادر أحد الأنظمة العربية بإقتراف مجزرة ضد شعبه تقوم إسرائيل برد الجميل بطريقة أو بأخرى. وهكذا تستمر المسرحية حسب قوانين اللعبة التي وضعها واتفق عليها الطرفان. ولكن، وبالرغم من كل شيء، يوجد هناك فرق جوهري بين المجازر التي تقترفها دولة إسرائيل وبين المجازر التي ترتكبها الأنظمة العربية. وهذا الفرق هو أن الشعوب العربية بدأت تحاكم وتعاقب أنظمتها ووضعت نصب أعينها إسقاط هذه الأنظمة وقد استطاعت بالفعل أن تحقق ذلك في تونس وفي مصر ولن تكون باقي الأنظمة بعد اليوم في مأمن عن هذا المصير. أما دولة إسرائيل فمع الأسف الشديد لا يوجد هناك حتى الآن من يحاسبها أو يعاقبها، بل العكس هو الصحيح فكلما تمادت في جرائمها كلما حازت على مزيد من الدعم والتأييد. فبعد مجزرة دير ياسين حصلت على شرعيتها الدولية، وبعد مجزرة كفر قاسم لم تجد من يحاكمها فحاكمت نفسها وعاقبت المسئول عن المجزرة بدفع غرامة باهظة تبلغ قرشا واحدا ليس ثمنا للدماء الفلسطينية المسفوكة بل لخرقه بعض صلاحياته، أما من مجزرة صبرا وشاتيلا فقد سحبت نفسها مثل الشعرة من العجين. وها هي ما زالت مستمرة في حرب الإبادة ضد غزة أمام نظر وسمع العالم. لن ننسى مجزرة دير ياسين ولن ننسى باقي المجازر السابقة والراهنة ولن نغفر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: متى سوف تزف ساعة الحساب والعقاب؟؟