Wednesday, May 29, 2013

من ذكرى النكبة إلى ذكرى النكسة

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009315 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009299
من ذكرى النكبة إلى ذكرى النكسة
علي زبيدات – سخنين
نقترب بخطوات حثيثة من الذكرى ال٤٦ للنكسة وهي الاخت الصغرى للنكبة التي أحيينا ذكراها قبل اقل من شهر. فاذا كانت الاخت الكبرى تعني فقدان ٨٠٪ من فلسطين فقد جاءت الاخت الصغرى لكي تكمل على الباقي. فالاختان نكبة ونكسة تجسدان وترمزان إلى فقدان فلسطين بالكامل. السنوات تمر بسرعة وتكبر الاختان. فها هي نكبة قد دخلت في سن الكهولة وتجاوزت أل٦٥ سنة، وهذه اختها نكسة تمسك بجلبابها وتلحق بها واصبح عمرها ٤٦ سنة. ولكن تبدو الاختان بصحة جيدة مما يشير الى عمر مديد لا احد يدري متى وكيف سوف ينتهي. اننا نحيي ذكرى النكبة والنكسة مرة في السنة ولكننا في الواقع نعيشهما على مدار السنة. فالنكبة مستمرة والنكسة مستمرة. عندما ولدت الاخت الكبرى كنا نصر على ضرورة ازالة مصدر العدوان، أي دولة اسرائيل التي خلفت النكبة. وبعد ولادة نكسة اصبحنا نطالب بازالة آثار العدوان وتنازلنا عن مطلب ازالة مصدر العدوان واليوم نطالب دولة اسرائيل أن ترأف بنا وتجعل من نكبة ونكسة اكثر لطفا حتى نستطيع أن نتحملهما ونتعايش معهما.
بعد النكسة طالب جمال عبد الناصر بمواجهة الحقيقة والاعتراف بها وتحمل المسئولية كاملة عنها ومن ثم العمل على تجاوزها. ولصالحه نقول انه اعترف بالحقيقة وتحمل مسؤوليتها ولكن السؤال هل تمت مواجهة هذه الحقيقة وهل تم تجاوزها؟ لا نستطيع ان نحمل عبدالناصر هذه المسؤولية ايضا فقد رحل عنا قبل الاوان. اما الذين ورثوه ليس فقط انهم لم يواجهوا الحقيقة ولم يتجاوزوها بل ايضا تراجعوا عن الاعتراف بها وتحمل مسؤوليتها. مصر انسحبت مثل الشعرة من العجين من كل مسؤولياتها القومية والتاريخية من خلال التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد بعد أن ضمنت اعادة مشروطة لشبه جزيرة سيناء لا تختلف كثيرا عن وضعها تحت الاحتلال المباشر، الاردن حذا حذو مصر في اتفاقيات وادي عربة واصبح حليفا حميما لدولة اسرائيل. اما الجولان المحتل فإنه يحرر كل يوم بالشعارات والخطابات ولكنه في الواقع يرزح تحت احتلال كولونيالي يعمل بدون كلل على تغيير طابعه العربي، والاحداث في سوريا تشير الى ان النكسة سوف تستمر لسنوات طويلة قادمة.
اما على الساحة الفلسطينية فالوضع اسوأ بما لا يقاس. اتفاقيات اوسلو وبعد عشرين عاما على توقيعها لم تجعل من النكسة واقعا حياتيا مقبولا فحسب بل جعلت منها اساسا مشروعا لكل حل مستقبلي للقضية الفلسطينية ايضا. اليوم اصبح واضحا ان السلطة الفلسطينية سوف تتنازل حتى عن حدود الخامس من حزيران التي طالما تغنت بها، من خلال القبول بما يسمى الكتل الاستيطانية وقبول مبدأ تبادل الاراضي والتنازل عن حق العودة والتنازل عن القدس كما نعرفها. أليس كل ذلك قبول بالنكسة؟ فبأي حق نحيي ذكراها اليوم؟
لا اريد هنا ان اناقش اذا كان اسم نكبة يتطابق مع ما حدث عام ١٩٤٨ واذا ما كان اسم نكسة يصف بصدق ما حدث عام ١٩٦٧ لقد فرض هذانالاسمان انفسهما على الشعب الفلسطيني وعلى الشعوب العربية الي درجة انه لا مجال للخلاص منهما. من المعروف ان المناطق المنكوبة في العالم وهي كثيرة هي تلك الامكان التي تتعرض لكوارث طبيعية كالهزات الارضية، الفيضانات، والاعاصير حيث الانسان ليس هو العامل الرئيسي في وقوعها وبالتالي ليس هو المسؤول عن اسبابها ونتائجها. على عكس النكبة والنكسة الفلسطينيتين. انهما هزيمة من صنع الانسان اولا وقبل كل شيء. هذه هي الحقيقة التي ينبغي ان نعترف بها كشرط مسبق لكل نضال من اجل ازالة آثار النكبة والنكسة. لا يكفي ان نقول بأن قضيتنا عادلة، فالعالم لا يكترث بعدالة قضيتنا والتاريخ لا يصنع ولا يتطور حسب قيم العدالة. قوة وحصانة المجتمعات الحديثة تقاس بقوتها المادية، بتطورها الصناعي والتخنولوجي، وتقدمها العلمي والفكري والثقافي. ونحن كفلسطينيين وكعرب في هذه المجالات ما زلنا متخلفين، هذه هي الحقيقة والتي لا بد من الاعتراف بها من اجل تغييرها. لا يمكن مواجهة آلة الحرب الاسرائيلية المتطورة بالشجاعة وروح التضحية فقط. ولا يمكن مواجهة سياستها بالغة التخطيط والاحكام بردود الفعل العفوية والافكار الغيبية.
لكي نقصر من سنوات ذكرى النكبة والنكسة علينا العمل الجاد والمتواصل من أجل اللحاق بركب الحضارة بكافة مجالاتها ومستوياتها.

Wednesday, May 22, 2013

الفن في خدمة التعايش

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009056 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009040
الفن في خدمة التعايش
علي زبيدات – سخنين
في الاسبوع الماضي، بينما كانت جماهير شعبنا تحيي ذكرى النكبة بكل ما تتضمنه هذه الذكرى من ماسي وآلام على الصعيدين الفردي والجماعي، وبينما كانت الشرطة الاسرائيلية تستعمل هراواتها لتفريق المتظاهرين في القدس والجيش الاسرائيلي يصوب رصاصه الى صدور المشاركين في إحياء النكبة من الخليل وحتى جنين، كانت فرقة الدبكة الشعبية التابعة للمركز الثقافي البلدي ترقص على انغام الالحان الشعبية أمام مجموعة من دعاة التطبيع توافدوا من عدة اماكن في العالم في افتتاح ما يسمى " بينالي البحر المتوسط في سخنين"، والذي صورته وسائل الاعلام المحلية والاسرائيلية بأنه أكبر معرض فني في البلاد يستقطب فنانين من كافة ارجاء العالم ومن ضمنها (الله يستر) افغانستان وايران والجزائر والمغرب. قال رئيس بلدية سخنين، الذي اتحفنا لمن يذكر قبل حوالي شهرين في ذكرى يوم الارض بخطاب وطني ساخن، خلال كلمته لاستقبال الوفود: " إننا بوركنا بمجتمع متعدد الثقافات وهذا المعرض ذو أهمية بالغة ليس فقط لسخنين بل لقضية التعايش والسلام في المنطقة". كان هذا الكلام الحميم موجها بالاساس الى مدير مفعال هبايس العنصري المعروف عوزي ديان والذي لم اسمع عنه أو أقرأ انه مع التعايش أو مع السلام، على العكس من ذلك، إذ أن جميع تصريحاته كانت اشد تطرفا من رئيس الحكومة المقرب اليه نتنياهو ومن وزير خارجيته السابق ليبرمان، يكفي هنا أن نشير الى بعضها: الاردن هي الوطن البديل للفلسطينيين، يجب شن الحرب على ايران بكل الاحوال، ضرورة تفكيك سوريا الى دويلات طائفية كمصلحة عليا لاسرائيل، وغيرها من التصريحات العنصرية التي يستطيع كل شخص الاطلاع عليها من خلال بحث بسيط في الشبكة العنكبوتية.
طبعا، سيقول البعض: لكل مقام مقال. ولا يعقل أن يكون خطاب يوم الارض كخطاب استقبال شخص مسؤول خصوصا عندما يكون تحت تصرفه ميزانية وتطمع في الحصول على بعضها. فإذا أصبح صحن الحمص رمزا للتعايش في هذه البلاد فلماذا لا تكون الدبكة الشعبية هي الاخرى رمزا لهذا التعايش؟ وكما قال مدير المركز الثقافي البلدي: "هذه النشاطات التي يساهم المركز في رعايتها تهدف الى التقارب بين الشعوب وقبول الآخر والتعاون".
تفيد المعلومات بخصوص هذا المعرض انه سوف يستمر لمدة ثلاثة أشهر وسوف يستضيف لوحاته الفنية ما لا يقل عن ١٥ مكانا عاما في سخنين. وبالاضافة الي قيمته الفنية ومردوده من المؤسسات الرسمية فإنه سوف يضع سخنين على الخريطة العالمية ويشجع السياحة اليها الامر الذي يعود بالفائدة على العديد من المصالح في البلد. لا ادري مدى صحة هذه المعلومات ولكن نظرة خاطفة على قائمة الجهات الراعية كانت كافية بالنسبة لي لمقاطعة هذا المعرض التطبيعي جملة وتفصيلا، يكفي هنا ذكر بعض هذه الجهات: وزارة الثقافة والرياضة، وزارة تطوير النقب والجليل، سلطة تطوير الجليل، سفارة الولايات المتحدة، السفارة الفرنسية وغيرها. ولكن الاخطر من ذلك كله هو نمو وترعرع مؤسسات محلية يحمل بعضها قناعا وطنيا ولكنها ليست سوى مؤسسات تطبيعية من حيث جوهرها. فهذا مركز اتحاد مدن جودة البيئة لا يعمل في حقيقة الامر على تلويث البيئة الطبيعية لأرض المل فحسب بل وعلى تلويث البيئة المجتمعية أيضا من خلال ادخال المشاريع التطبيعية ومن ضمنها الخدمة المدنية. وعلى هذه الطريق نفسها تسير باقي المؤسسات المشاركة مثل كلية سخنين لتأهيل المعلمين وهي مركز جاذب للتطبيع طارد للعلم على مستوى المنطقة، وجمعية الزهراء لرفع ، وفي الحقيقة للحط، من مكانة المرأة، ومتحف التراث الشعبي من أجل التعايش وطبعا يجب عدم نسيان المركز الثقافي البلدي الذي يحمل اسم "بايس" شكلا ومضمونا.
اننا في مدينة سخنين وفي كل مدينة وقرية عربية بحاجة الى فن من نوع آخر، بحاجة الى فن ملتزم يخدم نضال جماهيرنا من أجل الحرية والكرامة، وليس فنا مأجورا مشوها يخدم السياسة الحكومية العنصرية. اننا بحاجة الى فن نابع عن وعي اجتماعي وسياسي راق يترجم على ارض الواقع بشكل ابداعي وجمالي يواكب المسيرة النضالية ويضفي عليها جمالا ووقارا. يجب مقاطعة الفن التطبيعي الهابط وفضح مروجيه وبالمقابل تشجيع الفن التقدمي الملتزم الذي يخدم قضايا الجماهير.

Wednesday, May 15, 2013

العودة من خبيزة إلى القدس

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009502 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009486
النكبة من خبيزة الى القدس
علي زبيدات – سخنين
بعد قليل سوف ننطلق الى القدس لاحياء الذكرى ال٦٥ للنكبة وذلك للمرة الثانية خلال شهر. المرة الاولى كانت مسيرة العودة الى قرية خبيزة المهجرة من تنظيم لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين وتحت رعاية لجنة المتابعة العليا وبمشاركة معظم الاحزاب السياسية العربية. غير ان غالبية الجمهور كان من جيل الشباب المؤطر وغير المؤطر الذي نقش على رايته شعار: لن ننسى.
من ضمن ما قلته في حينه، من وجهة نظر نقدية، عن مسيرة العودة انها اصبحت مسيرة روتينية ذات افق محدود تحمل البرنامج نفسه بكل تفاصيله سنة بعد سنة. والشيء الوحيد المتغير هو المكان: كل سنة قرية مهجرة جديدة، والشيء الاخر الذي قلته انه لا جدوى على المدى البعيد من حصر ذكرى النكبة في اطار رد الفعل، أي الرد على الاسرائيليين تحت شعار: "يوم استقلالهم هو يوم نكبتنا". ولكن الشيء الذي يشفع لمسيرة العودة هو الالتفاف الجماهيري وخصوصا الشبابي حولها وانجاحها في جميع الاحوال وابقاء الذاكرة الجماعية حية. واقترحت من جملة ما اقترحته أن يكون النشاط المركزي لذكرى النكبة في الخامس عشر من شهر أيار/مايو وهو التاريخ الدولي الرسمي لنكبة فلسطين ولقيام الكيان الصهيوني على ارضها، ليس كبديل عن مسيرة العودة بل بالاضافة اليها. واقترحت أيضا أن تكون الفترة ما بين التاريخ العبري والتاريخ الميلادي المتعارف عليه بكاملها فترة احياء للنكبة بأشكال مختلفة وعلى كافة الاصعدة.
من هذا المنطلق جاءت الدعوة التى اخذ زمام مبادرتها مجموعة من الشباب للتوجة في يوم النكبة الى القدس خطوة ايجابية جبارة في الاتجاه الصحيح. فمع كل الاحترام لقرية خبيزة ولباقي قرانا المهجرة: هل يوجد مكان آخر أكثر من القدس يستحق أن يكون محور ومركز نشاطات احياء ذكرى النكبة؟ ما تتعرض له الفدس من تطهير عرقي وتهويد وتغيير تاريخها وطبيعتها جعل منها أكثر مكان يسستحق أن يحتضن العمل المركزي لذكرى النكبة ليس فقط في هذه السنة بل وفي كل سنة حتى يتم تحريرها. الرد الوحيد على السياسة الاسرائيلية لتهويد القدس وخصوصا من خلال احتفالاتها ب"تحرير القدس" و"توحيد القدس" و" يوم القدس" هو أن نجعل يوم الخامس عشر من أيار من كل سنة يوم القدس الفلسطيني والعربي والعالمي. وعلى كل فلسطيني يستطيع الى ذلك سبيلا أن يتوجه في هذا اليوم صوب القدس للوقوف الى جانب اهلها في محنتهم وللدفاع عن معالمها واماكنها المقدسة.
كل بداية قد تكون في غاية الصعوبة خصوصا في ظل غياب جهة رسمية منظمة. ولكن هذه الحالة بالذات قد تكون في بعض الاحيان نقطة قوة وحالة صحية في واقع ترهل لجنة المتابعة كجسم قيادي وعجز الاحزاب السياسية. سوف يثبت هذا اليوم أنه يمكن تنظيم يوم نضالي مميز من غير مبادرة هذه المؤسسات. نقطة اخرى يجب الحذر منها هي تلك المناكفات المعروفة بين الاحزاب العربية الاسرائيلية. وقد بدأت هذه المناكفات بالفعل منذ اللحظة التى اعلن فيها عن هذا الحراك. نعم، يجب توجيه النقد لموقف الحزب الشيوعي الاسرائيلي وجبهته الديمقراطية للسلام والمساواة المقاطع ولكن في الوقت نفسه يجب الحذر من الاحزاب الاخرى المشاركة والتي كان بعضها مقاطعا في مناسبات اخرى لا تقل اهمية، والتي تحاول منذ البداية تجيير هذه المناسبة لمصالحها الحزبية الضيقة. هذه الاحزاب هي الاخرى تحمل معها رؤيتها المحدودة والمتزمتة الى حيث تذهب. ومما يثير الدهشة في البيان المشترك الذي اصدرته هذه الاحزاب دعوة الجماهير الفلسطينية "لزيارة" القدس وكأنه يوم كيف واستجمام وليس يوما نضاليا للمسيرات والتظاهرات الاحتجاجية. في بعض الاحيان قد يكون افضل برنامج هو عدم وجود أي برنامج محدد مسبقا ومعروفة كافة تفاصيله. الاشكال العفوية للنضال مطلوبة وضرورية وتحمل في طياتها روحا ابداعية منعشة وحيوية خصوصا عندما تكون الاشكال المنظمة غارقة في الركود وتهيمن عليها روح المحافظة والروتين.
للننطلق اليوم الى القدس من كل حدب وصوب. لأن محو اثار النكبة الفلسطينية يبدأ في القدس وينتهي في القدس.

Wednesday, May 08, 2013

متى يبدأ زمن الحساب؟

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009061 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009045
متى يبدأ زمن الحساب؟
علي زبيدات – سخنين
سئل فرعون ذات يوم: من الذي فرعنك يا فرعون؟ فأجاب: لم أجد هناك من يحاسبني. ولو وجهنا هذا السؤال اليوم الى دولة اسرائيل: من الذي فرعنك؟ بأي حق تشنين الغارات على البلدان المجاورة أينما ومتى تشائين؟ وتهجرين الآخرين وتحتلين اوطانهم وتفرضين الحصار على من تبقى منهم؟ لأجابت بكل بساطة: ومن الذي يحاسبني؟
لقد قبلنا منذ زمن طويل الواقع الذي فرضه علينا ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي لا ولن يحاسب هذه الدولة المارقة لأنه اصلا شريك في خلقها وتربيتها وتحمل صفاته الاستعمارية وبالتالي لا نتوقع منه أن يحاسب نفسه أو يحاسب كيانا خرج من رحمه. وقبلنا منذ زمن طويل أيضا واقع الانظمة العربية بكافة اشكالها الملكية والجمهورية والتي بين بين، وبكافة تصنيفاتها القومية والوطنية والاسلامية والاشتراكية والرجعية والتقدمية التي هي الاخرى لا ولن تحاسب هذه الدولة العربيدة. وذلك اما من باب التواطؤ للحفاظ على نفسها واما من باب الجبن والعجز. ولكن المصيبة الكبرى عندما تتخلى الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني عن دورها الطبيعي في محاسبة هذا الكيان الذي صنع نكبتها ويقف حجر عثرة في طريق تحررها واستقلالها ولحاقها بركب الحضارة.
قد يقول البعض: هذه نظرة تشاؤمية هدامة، إذ هل يعقل أن يتخلى الشعب الفلسطيني الذي عانى ما عاناه والشعوب العربية المستهدفة بشكل مباشر عن محاسبة هذا الكيان الذي تسبب منذ قيامه بالقسط الاوفر من المصائب التي حلت بنا؟ طبعا لا يعقل. ولكن المأساة العظمى تقع عندما يصبح اللامعقول معقولا، ويصبح المستحيل أمرا عاديا روتينيا. قد تكون هذه نظرة تشاؤمية في مظهرها ولكن جوهرها مفعم بالتفاؤل والامل اذا ما بادرنا كل من موقعه وحسب قدراته وكفاءاته بمحاسبة هذا الكيان المصطنع بشكل جذري.
قد تكون المحاسبة النهائية بعيدة بعض الشيء ولكن في حياة الشعوب لا يوجد هناك بعد مطلق. فالتاريخ الذي يقاس بالساعات والايام في أوقات الثورة قد يقاس بالسنوات والقرون في عصر الركود. ولكن مما لا شك فيه انه قبل المقدرة على محاسبة العدو علينا ان نكون قادرين على محاسبة انفسنا. نحن كشعب فلسطيني، وانا هنا لا اقصد المؤسسات من منظمة التحرير الفلسطينية مرورا بالمجلس الوطني والتشريعي وحتى سلطة أوسلو، ومن كافة الفصائل مرورا بالاحزاب العربية وحتى جمعيات ما يسمى بالمجتمع المدني، بل اقصد الجماهير الشعبية قد فقدنا البوصلة، وبوصلتنا كانت وما زالت ويجب أن تبقي فلسطين. الشعوب العربية، ولا اقصد الحكام والانظمة، هي الاخرى قد فقدت البوصلة وبوصلتها هي الاخرى كانت وما زالت ويجب ان تبقى فلسطين. لأن فلسطين هي جزء عضوي من جسدها ولا حياة لها من غير هذا العضو.
كيف يمكن أن نكون شعبا فلسطينيا واحدا وقد تخلينا عن ٨٠٪ من فلسطين؟ وقبلنا بحالة التمزق للشعب المهجر والوطن السليب؟ وكيف يمكن أن نكون امة عربية واحدة ونحن نتعامل مع انفسنا كطوائف وعشائر؟
نعم، لقد خلقت دولة اسرائيل من أجل تجزئة واخضاع الامة العربية، ولكن هل سألنا انفسنا يوما لماذا وكيف نجحت في ذلك؟ ألم يكن ضعفنا وتخلفنا وتقاعسنا وجبننا عاملا حاسما في نجاح المشروع الصهيوني؟ طبعا هذا لا يعني التغاضي عن دور الاستعمار الغربي ولكن الى متى نحمل وعد بلفور والانتداب البريطاني كامل المسؤولية ونسقطها تماما عن أنفسنا؟ لماذا كلما ازدادت اسرائيل شراسة قدمنا لها المزيد من التنازلات بدل ان نقدم المزيد من المقاومة؟ لماذا كلما ازداد الضغط الامبريالي الغربي علينا كلما ا كتمل انبطاحنا وتخاذلنا؟ لقد آن الاوان لتغيير هذه المعادلة جذريا.
بغض النظر عما يجري في سوريا، أو بالرغم من كل ما يجري في سوريا، ينبغي عدم ترك الاعتداء الاسرائيلي على هذا البلد العربي من غير حساب. لا يمكن الاكتفاء بالادانات اللفظية. لم يعد يكفي توجيه اللوم للنظام السوري الذي لا يجد المكان والزمان المناسبين للرد على العدوان ولا يجدي استنكار قيام اطياف من المعارضة السورية العميلة والمريضة بالترحيب بهذا العدوان. ساعة الحساب سوف تبدأ عندما تنفض الشعوب العربية غبار التخلف والخنوع المتراكم على كاهلها منذ عهود وتنتفض كالمارد من اجل خلق عالم جديد.

Wednesday, May 01, 2013

يحيا الملك يسقط الرئيس

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000011815 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000011799
يحيا الملك يسقط الرئيس
على زبيدات – سخنين
لماذا اجتاحت ثورات ما يسمى بالربيع العربي الانظمة الجمهورية وقفزت عن الانظمة الملكية؟. هذا السؤال يحيريني منذ فترة وهو حسب رأيي بحاجة الى دراسة شاملة وعميقة وليس الى مقالة صحفية عابرة. وحسب رأيي ايضا لم يلق هذا السؤال الاهتمام الذي يستحقه من قبل المحللين والمثقفين العرب ومن ضمنهم من يتم تسويقه كمنظر لثورات "الربيع" العربي، كالنائب السابق في الكنيست الاسرائيلي، المفكر العربي ( كلتا الصفتين صحيحة) الدكتور عزمي بشارة. وأنا لا ادعي هنا بأي حالة من الاحوال تقديم جوابا شافيا على هذا السؤال وساكتفي بعرض بعض الخواطر التي من شأنها ان تلقي الضوء على الموضوع ككل.
في نهاية سنوات الستين وبالتحديد بعد نكسة الانظمة العربية التي خاضت حربا مع اسرائيل ومنيت بهزيمة نكراء، وبعد صعود المقاومة الفلسطينية والتي سميناها مجازا بالثورة الفلسطينية إذ سرعان ما عادت الى التلم العربي الرسمي المرتبط بالنظام الامبريالي العالمي، تعودنا أن نقسم الدول العربية المنضوية تحت كنف جامعة الدول العربية الى قسمين: دول ملكية تمثل المعسكر الرجعي العميل أو المتواطىء مع الاستعمار. ودول جمهورية، تقدمية ووطنية تقود وإن بدرجات متفاوتة النضال من أجل انجاز الاستقلال والتحرير الوطني. ولكن مع مرور الوقت بدأت الفوارق بين هذين المعسكرين التي كانت منذ البداية نسبية ومشروطة تتلاشى وتزول. وفي كثير من الاحيان الامر الوحيد الذي بقي يميز بين النظامين هو الاسم الذي يطلق على رأس السلطة: جلالة الملك أو فخامة الرئيس. فإذا كان رئيس اقوى دولة في العالم (الرئيس الامريكى) لا يستطيع أن يحكم آكثر من فترتين، أي ٨ سنوات، كان الروؤساء العرب ينافسون الملوك: فالقذافي، عميد الرؤساء العرب تشبث بكرسي السلطة ٤٢ عاما. وبن على:٣٣ عاما، وحسني مبارك:٣٠ عاما، وعلي عبداللة الصالح: ٣٤ عاما، أما الاسد (الاب والابن): ٤٤ عاما. أما بالنسبة لقضية التوريث ربما تشغل الجمهوريات أكثر مما تشغل الممالك.
فإذا كانت الفوارق الجوهرية بين الجمهوريات والممالك قد تلاشت شكلا ومضمونا فلماذا تبدو الممالك العربية أكثر استقرارا؟ونراها تصمد بل وتحتوي كافة الحركات الاحتجاجية؟
يعود ذلك حسب رأيي إلى ٤ اسباب رئيسية:
١- مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي للشعوب في الدول الجمهورية، تاريخيا، أعلى بما لا يقاس من الدول الملكية (بما فيها الاماراتية والمشيخات). اذ لا يمكن المقارنة بين بلد كاد أن يتخلص من الامية وبلد ما زال معظم ابنائه أميين، بين بلد يعيش نوع من الحياة الثقافية الحديثة وبلد ما زالت تهيمن عليه عادات وتقاليد وعقلية القرون الوسطى. فمن الطبيعي ان تكون الشعوب التي تتمتع بمستوى ثقافي متقدم سباقة للتغيير الاجتماعي والسياسي أيضا.
٢- لقد منت الطبيعة على الانظمة الملكية العربية بالنفط والثروات الطبيعية الاخرى الامر الذى جلب الغنى الفاحش للعائلات الحاكمة والاستقرار الاقتصادي لشرائح واسعة من الشعب، ومنح العائلات الحاكمة القدرة على رشوة قطاعات واسعة أو تشديد الرقابة والسيطرة عليها. الوضع الاقتصادي المتردي لعب دورا حاسما في اسقاط النظام في تونس ومصر مثلا.
٣- التركيبة العشائرية للمجتمع في البلدان الملكية ما زالت هي التركيبة الحاسمة. لم يتبلور هناك شعب بالمفهوم الحديث للكلمة وبالتالي لم ترتق الولاءات العشائرية الى مستوى الولاء للوطن. الامر الذي سهل على العائلات الحاكمة بسط سيطرتها عليها
٤- الدعم الامبريالي للبلدان الملكية، خصوصا وان معظم الجمهوريات العربية قد خاضت صراعا طويلا ومريرا مع الاستعمار بشكله القديم والحديث. لذلك نرى الدول الامبريالية تضع ثفقتها اكثر بالدول الملكية التي تتمتع ببعض الاستقرار بصفتها الافضل في خدمة مشاريعها في المنطقة.
من هنا نشاهد ونلمس التدخلات الامبريالية التي سرعان ما تعمل على احتواء الحركات الاحتجاجية، وتحرفها عن مسارها الطبيعي التقدمي.
حسب رأيي المهمة الاساسية التي تقع على عاتق الثوريين العرب هي مهمة مزدوجة: رفض محاولات الهيمنة الامبريالية على حركات الاحتجاج العربية مهما كانت التبريرات والعمل على تطويرها الى ثورات شاملة، هذا من جهة وتصعيد التغيرات الثورية في المملكات والمشيخات العربية من جهة اخرى. بالطبع هذه المهمة في غاية الصعوبة والتعقيد ولا يمكن انجازها في فترة محدودة من الزمن. ولكن لا بد من المباشرة في خوضها ولربما الخطوة الاولى يجب ان تكون باتجاه تقويض اسس جامعة الدول العربية التي انشأها الاستعمار وما زال يمتطيها لتصفية القضايا العربية وعلى رأسها القضية العربية الاولى: القضية الفلسطينية، وخصوصا في تحركها الاخير لبيع اجزاء من فلسطين في المزاد العلني تحت مسمى تبادل الاراضي ارضاء للكيان الصهيوني. وفي النهاية لا بد من اسقاط الملك والرئيس سوية.