Wednesday, April 30, 2014

نجاعة العمل التطبيعي العربي والمردود السياسي



نجاعة العمل التطبيعي العربي والمردود السياسي
علي زبيدات – سخنين
لم أشارك في الندوة التي وصفت بالمهمة والتي سوف تكشف عن نتائج مثيرة لاستطلاع الرأي العام الفلسطيني في اسرائيل، والتي نظمها مؤخرا مركز مدى الكرمل تحت عنوان: "نجاعة العمل البرلماني العربي والمردود السياسي". لذلك كتبت هذه المقالة بالاعتماد على ما نشر في الصحف العربية والمواقع الاخبارية وما نشر عنها في موقع مدى الكرمل نفسه.
النتائج التي قيل عنها مثيرة والتي كشف النقاب عن بعضها في سياق الدعوة لهذه الندوة أو الورشة كما يحب المنظمون تسميتها لم تكن مثيرة على الاطلاق. ولكن النتائج المثيرة كانت وما زالت مستورة بين السطور وخلف النسب المؤوية والتي غابت عن انظار المشاركين بما فيهم أولئك الذين نقلوا وقائع هذه الندوة الى صحفهم ومواقعهم الاخبارية ومنها إلى الجمهور الواسع.
يعرف المواطن الفلسطيني العادي ويعي من خلال تجاربه الحياتية اليومية أن العمل البرلماني يكاد لا يقدم ولا يؤخر شيء في حياته العملية. لم يسهم العمل البرلماني في تحسن وضعه الاقتصادي، لم يحميه من البطالة والعوز، لم يوفر له اية فرصة للتطوير قدراته ولم يحمه لا من عنف السلطة ولا من العنف الذي يجتاح مجتمعه ابتداء من البيت مرورا بالمدرسة وحتى الشارع ولم يحميه من الممارسات والتفوهات العنصرية. لذلك وصل الى قناعة أن العمل البرلماني لا يؤثر على السياسة الحكومية. وبما أن الاحزاب السياسية العربية ممثلة بأعضاء الكنيست العرب هم حلقة الوصل بينه وبين السلطة فمن الطبيعي ان يكون هذا المواطن نظرة سلبية عن دور أعضاء الكنيست والاحزاب العربية التي تهرول اليها وعن مجمل العمل البرلماني. هذا الواقع ليس بحاجة إلى استطلاع رأي او إلى ورشات عمل لكشفه لانه مكشوف اصلا ولا شيئا مثيرا فيه.
اذن ما هو المثير وراء هذا الزخم الاعلامي الترويجي الذي رافق هذه الندوة؟ هنا أظن أن الاجندة السياسية للقائمين على المركز وللممولين الاجانب من خلف قد لعبت دورا حاسما وفرضت نفسها ليس فقط على مجريات الندوة بل على استطلاع الرأي ايضا والذي من المفروض أن يجرى حسب وسائل بحث اكاديمية نزيهة. حسب رأيي جاءت هذه الندوة لتقول لنا: بالرغم من خيبة امل المواطن وبالرغم من غضبه وامتعاضه من هذه السياسة ومن ممثليها فلا بديل هناك للعمل البرلماني. بل واكثر من ذلك: هذا العمل يفوق من حيث اهميتة العمل الشعبي او التوجه للمحافل الدولية. ٧٣٪ يرون بالعمل البرلماني (العقيم والمخيب للآمال) مهم ومهم جدا بينما ٦١٪ فقط يرون بالعمل الجماهيري مهم. هذه النتيجة تنسجم مع وثيقة حيفا التي اصدرها مدى الكرمل قبل حوالي ٧ سنوات وطواها النسيان والتي تنص، طبعا بعد الانتقادات شديدة اللهجة، على ضرورة التصالح مع الدولة الصهيونية والاعتراف بحق الشعب "اليهودي الاسرائيلي" في تقرير مصيره بفلسطين. هل ما زال احد يذكر تلك الوثيقة؟ وهذا يذكرني أيضا بجمعية اخرى هي جمعية "الاهالى" التي قامت بناء على طلب الممولين الاجانب قبل حوالي عقدين من الزمن باغراق المدن والقرى العربية بلافتات: "خلي صوتك يقرر". أنا في الحقيقة لا استطيع ان افهم كيف يعتبر ثلاثة ارباع (٧٣٪ من ١٢٠٠) المشاركين في الاستطلاع العمل، الذي لا يعود عليهم بأية فائدة اقتصادية او اجتماعية ولا يؤثر او يمكن ان يؤثر مستقبلا على سياسة الحكومة، أهم وسيلة للعمل النضالي.
القضية الثانية وهي حسب رأيي الاهم. وهي التي دفعتني في الحقيقة الى الكتابة في هذا الموضوع، ما جاء في استطلاع الرأي: نسبة الذين قاطعوا انتخابات الكنيست من منطلقات مبدئية تشكل ٥٪ فقط. هذا يعني أن ١٨٪ الذين قاطعوا بسبب "الوضع العام في الدولة لا يشجع على التصويت" غير مبدئيين، و٢٢٪ الذين قاطعوا "احتجاجا على أداء الاحزاب العربية" هم ايضا غير مبدئيين، و٢٣٪ قاطعوا لأن "الانتخابات لا تهمهم" هم ايضا غير مبدئيين. وكأن المبدئي الوحبد هو من يصرح علنا: الكنيست الصهيوني لا يمثلني".
نتيجة اخيرة مثيرة بالفعل:"٨٩٪ من العرب يؤيدون "القائمة العربية الواحدة". هكذا اذن، يريدوننا أن نكون قطيعا، لا تعددية، لا اختلافات فكرية وسياسية، كلنا رجل واحد: الى الكنيست الصهيوني سر. واخيرا، اسمحوا لي أن اقول كما يقول المثل الشعبي: "بلوا استطلاع الرأي هذا واشربوا ميته".

Wednesday, April 23, 2014

الشبح يعود



الشبح يعود
علي زبيدات – سخنين

الشبح هو كارل ماركس الذي استهل البيان الشيوعي الصادر عام ١٨٤٨ بجملته المشهورة التي تأبى النسيان:" هناك شبح يرعب اوروبا هو شبح الشيوعية" والتي ظنت الرأسمالية العالمية عبر ابواقها الفكرية والدعائية انها قد دفنته نهائيا مع سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الذي كان يدور في فلكه. ولكن سرعان ما تبين كم كانت مخطئة: إذ أن شبح كارل ماركس (ومن خلاله شبح الشيوعية) ليس فقط لم يدفن بل هو يتجول في جميع ارجاء العالم، ويرعب ليس أوروبا وحسب بل النظام الرأسمالي العالمي أكثر. ولعل من سخرية الاقدار ومن المفارقة أن الذى احيا هذا الشبح واعاد اكتشاف كارل ماركس هم ايديولوجيو الرأسمالية انفسهم الذين اعلنوا قبل ربع قرن نهاية التاريخ بانتصار الرأسمالية النهائي. لقد وجد هؤلاء المنظرين أن كارل ماركس اعظم مفكر اكتشف، حلل وانتقد تناقضات الرأسمالية النابعة من طبيعتها المتأصلة ومن ضمنها الازمات المالية الدورية التي تعصف بها ومن ضمنها الازمة المالية الراهنة. ليس من باب الصدفة أن تشهد أورربا قبل غيرها منذ عدة سنوات ارتفاعا كبيرا في مبيعات كتب كارل ماركس وخصوصا الاقتصادية والفلسفية منها.
لم تكن الماركسية أو الشيوعية، أو حتى الاشتراكية هي التي انهارت في القرن الماضي في الاتحاد السوفييتي والدول الحليفة التابعة لها، بل رأسمالية الدولة هي التي انهارت، وفي أحسن الحالات التجربة الاشتراكية على طريقة النموذج السوفييتي هي التي فشلت وانهارت.
اليوم كارل ماركس يعود كمفكر عظيم، مبدع بعد أن تحرر من الوصاية الرجعية التي فرضت عليه من قبل الانظمة الاستبدادية والاحزاب التحريفية والمنظرين الانهازيين الذين تكلموا باسمه ومارسوا الاستبداد والاستغلال والتحريف باسمه. حتى دعا أحد المفكرين للقول: "لا تنصتوا للماركسيين، اقرؤوا ماركس".
إن أشد من أساء للماركسية هم "الماركسيون"، تماما كما ان أشد من أساء للدين هم "المتدينون"، وأشد من أساء للقومية هم "القوميون". وبالمناسبة العلاقة بين الماركسية والدين والقومية التي تشغل الحركات السياسية المحلية والاقليمية والعالمية هي علاقة مركبة ومعقدة وهي موضوع دراسي قائم بذاته يتجاوز حدود المقالة الصحفية. ولكن يجدر التنويه هنا ولا مجال للطمس وللف: لقد عارض كارل ماركس التفكير الديني ولكنه في الوقت نفسه كان من أشد المدافعين عن حرية المعتقدات. وعارض القومية كأيديولوجية ضيقة ولكنه كان من أشد المدافعين عن حرية الشعوب وحقها في تقرير المصير. أصلا، لا يمكن فهم فكر ماركس حول الاممية والشيوعية بدون فهم طريقته المادية الجدلية في التفكير. لم يعلن كارل ماركس الحرب على الدين لانه يعلم أن الدين جزء من البناء الفوقي النابع عن البناء التحتي المادي. ولم يعلن الحرب على القومية لأن الاممية لا معنى لها ولا يمكن أن تنتصر بدون التحرر القومي.
سبق أن قلت بأن الغرب الرأسمالي هو الذي بدأ باكتشاف كارل ماركس من جديد، وذلك ليس محبة بالماركسية والشيوعية بل لأن فكر كارل ماركس ما زال يحتفظ براهنيته لفهم ازمات النظام الرأسمالي العالمي وخصوصا الازمة المالية الراهنة التي ما زالت تعصف به منذ عدة سنوات. الآن، يعترف الليبراليون الجدد قبل غيرهم بأن اسلوب الانتاج الرأسمالي لا يؤدي الى التطور والنمو والوفرة فحسب بل يؤدي ايضا الى الازمات الاقتصادية والمظالم الاجتماعية والسياسية بما فيها المجاعات، البطالة، الامراض والحروب.
من لا يريد اعادة اكتشاف كارل ماركس هم بالضبط الذين يتكلون باسمه ويحتكرون افكاره بعد مسخها لتلائم مصالحهم. في كثر من الاحيان أقف حائرا: ما العلاقة بين هذا الحزب "الشيوعي" والشيوعية؟، وما العلاقة بين هذا المنظر " الماركسي" وماركس؟الحزب الذي يتعامل مع كتابات ماركس كبرنامج سياسي مرجعي ويعتبرها الكلمة الاخيرة في وصف الرأسمالية العالمية المتغيرة هو أبعد ما يكون عن روح الماركسية. حتى ماركس نفسه قال بعد كومونة باريس: أن البيان الشيوعي قد شاخ في بعض نقاطه". عندما تتحول الماركسية من دليل للعمل تصبح عقيدة جامدة وبالتالي تصبح عقيمة وتتحول الى ضدها.
واخيرا اعود واكرر على مسمع من الكوادر الشابة المنضوية في الاحزاب والحركات التي تسمي نفسها احزابا شيوعية أو يسارية، وعلى مسمع من الشباب المثقف، الواعي البعيدين عن الاطر الجزبية ما قلته آنفا: " لا تنصتوا للماركسيين، اقرؤوا كارل ماركس".

Wednesday, April 16, 2014

أين النظافة أيها المؤمنون؟



أين النظافة ايها المؤمنون؟
علي زبيدات – سخنين

أكتب هذه المقالة بناء على طلب بل تحت ضغط والحاح زوجتي (الاجنبية) بعد أن وعدتها منذ أكثر من سنتين بالكتابة عن هذا الموضوع. في الامس وبعد أن عادت من نزهة مشي في اطراف المدينة تعرضت لوابل من البهدلات والتوبيخ: "لقد طفح الكيل وزاد، قبل ان تكتب عن القيم والمبادىء وعن المواضيع السياسية الكبيرة من ثورات وقضايا عادلة وعن امريكا وروسيا واسرائيل اكتب عن القذورات والنفيايات التى تحاصر البلد من كافة النواحي. نعم، النفايات والزبالات هي التي تحاصر سخنين فبل أن تحاصرها المستوطنات فلا تعلق كل شي بعنق سياسة التمييز والعنصرية والاحتلال. العنصرية لا تلزمك بأن ترمي نفاياتك على قارعة الطرقات.والوضع في البلدات العربية الاخرى لا يختلف عنه في سخنين، والكاتبة في هذا الموضوع تهم كافة المدن والقرى العربية. لا اريد ان اقارن سخنين مع أية قرية او مدينة في هولندا، ولكن تفضل وقارنها بالمستوطنات المجاورة".
في الحقيقة افحمت وشعرت بالخجل. كنت انا ايضا كنت من هواة المشي يوميا في (الطبيعة) في ساعات الصباح او قبيل ساعات المساء ولكني توقفت وفضلت ارتياد احد النوادي الرياضية وابدلت المشي على الارض بالمشي على القشاط. الجميع يتذمر من هذا الوضع والجميع يلوذون بالصمت بما فيهم أنا ذو اللسان الطويل. قد يقول البعض أن التقصير والاهمال والمسؤولية تقع على عاتق البلدية والبلدية معذورة لشح الميزانيات. للمرة الاولى اريد أن ادافع عن البلدية بالرغم من تقصيرها واهمالها والذي لا يمكن نكرانه حيث لا يوجد هناك أية رقابة او اية توعية وفي بعض الاحيان تكون هي المسبب الرئيسي مثل فيضانات المياه العادمة بشكل مستمر والتقاعس في اصلاح العطل خصوصا لانها لم تعد المسؤول المباشر عن شبكة المجاري. ولكن المسبب الاساسي لهذا الوضع المأساوي يبقى المواطن العادي. هذا المواطن الذي يردد صباح مساء: "النظافة من الايمان". عن أي نظافة وعن أي ايمان تتكلم يا أخي؟ هل هي نظافة لملابسك وغرف نومك؟ ام هل هي نظافة جسدك بعد الوضوء وقيبل توجهك الى المسجد؟ وعندما تجرى بعض الترميم في بيتك أو اذا اردت التخلص من بعض الاثاث القديم تضع كل شيء في السيارة وتلقيه على حافة الطريق في اقرب مكان لا يراك به أحد؟ هل هذه نظافة ايضا؟ وهل هي ايمان؟ المشكلة وصلت الى اكثر من ذلك بكثير: هناك بعض المقاولين الذين يعملون بالترميمات في المستوطنات المجاورة ويتخلصون من نفاياتهم في اطراف البلدة لعدم وجود الرقابة والعقاب. وهناك من يذبحون الحيوانات في حفلاتهم واعراسهم ويلقون بالفضلات على حافة الطريق وتتبرع الكلاب الشاردة في نشرها على اوسع مساحة ممكنة. هذا بالاضافة للنفايات "المتنقلة" التي يلقيها الفرد من شباك سيارته أو من جيبة أو من فمه (السيجارة بعد تدخينها). ليس الطفل وحده من يلقي بالقنينة الفارغة أو بكيس النايلون الفارغ الى شتى الارجاء بل الكبار ايضا ومن بينهم الامهات والاباء على مرأى من اطفالهم بل وحتى بعض المعلمات اللاتي يخرجن مع تلاميذهن الى النزهات في احضان الطبيعة.
مما لا استطيع فهمه أن هؤلاء الاشخاص الذين يملؤون شوارع وطرقات البلد بالنفايات يتصرفون بشكل نموذجي اذا ما زاروا كرمئيل أو أية مستوطنة إسرائيلية. وكم لاحظت أن البعض يحافظون على نفاياتهم في سياراتهم او في جيوبهم ويفرغونها بعد عودتهم وفي الاماكن العامة. هل من عالم نفسي يستطيع أن يحلل هذه الظاهرة؟ شيء آخر استعصر علي فهمه: من المعروف أن المناطق الصناعية هي اخر المناطق الملائمة للمشي والتنزه وعادة يبتعد الناس الى الطبيعة، والى ابعد ما يكون عن الصناعة والمصانع، ما عدا في سخنين حيث يؤم معظم المتنزهون المنطقة الصناعية التابعة للمجلس الاقليمي مسغاف والمسمي "بارك الصناعة" ويهربون من "الطبيعة" في سخنين. وعندما تسألهم عن السر في ذلك يتذرعون بالنظافة ونقاء الهواء.
النظافة هي اولا وقبل كل شيء هي تربية ووعي. بل هي جزء لا يتجزأ من التربية الوطنية ومن الوعي الوطني. لا يمكن أن ننظف وطننا من موبقات الاحتلال وفي الوقت نفسه نعمل على تلويثة بالقاذورات والنفايات.

Wednesday, April 09, 2014

أمانات في ايدي غير أمينة



أمانات في ايدي غير أمينة
علي زبيدات – سخنين
لا ارى بنفسي الشخص المناسب للخوض بقضايا الاوقاف الاسلامية من منطلق ديني ولن اتناول هذا الموضوع من هذه الزاوية لا من قريب ولا من بعيد. ولكن أظن أن الكل يتفق معي بان قضية الاوقاف الاسلامية والمسيحية في هذه البلاد هي قضية وطنية أيضا، بل هي قضية وطنية في المقام الاول وقبل أن تكون دينية. كنت أصلا افضل الا اتتطرق لهذا الموضوع بتاتا، ولكن ما جرى في مدينة عكا مؤخرا وما تناقلته وسائل الاعلام حول قضية الحاجة سلوى زيدان (ام احمد) قد أضاء ضوءا احمرا امامي وامام الكثيرين ممن يهتمون بقضايا الوطن.
يقولون أن املاك الوقف غير قابلة للبيع أو للتوريث أو للاستعمال بعكس الاهداف التي وقفت من أجلها، وفي الوقت نفسه تقوم لجان تسمى لجان امناء الوقف الاسلامي معينة من قبل وزير صهيوني ببيع هذه الاملاك أو تأجيرها ل٩٩ سنة، ولمن؟ للمؤسسة التي عملت على تشريد شعبنا ونهب أرضه وهضم أبسط حقوقه. لا يقتصر عمل هذه اللجان المشين على عكا، بل يفتك بأموال المسلمين في حيفا ويافا واللد والرملة والقدس واماكن اخرى على طول وعرض الوطن المحتل.
من المعروف أن دولة إسرائيل منذ قيامها وحتى اليوم ابدعت في اختراع الوسائل التي تمكنها من السيطرة على الاراضي والاملاك الفلسطينية ومن أشهر هذه الوسائل الفريدة من نوعها في كافة البلدان التي تعرضت للغزو الكولونيالي في التاريخ الحديث، هو قانون الحاضر غائب حيث تعرضت الاوقاف الاسلامية مثلها مثل باقي الاراضي الفلسطينية لبطش هذا القانون الجائر. بعد ذلك سنت الدولة قانون "لجان الامناء" لتكون ظاهريا مسؤولة عن اراضي واملاك الاوقاف ولكن هدفها الحفيقي هو تسهيل الطريق امام الحكومة للسيطرة الكاملة عليها عن طريق البيع او الاستئجار طويل الامد. بهذه الطريقة تشرد حاليا عائلة ام أحمد ولاحقا عائلات اخرى، وبهذه الطريقة عرض خان العمدان للبيع في المزاد العلني لولا التحرك الشعبي الذي منع ذلك. ولكن قبل ذلك تم بيع اراض واسعة تابعة لوقف الجزار قامت عليها منشآت اقتصادية وسياحية هدفها تهويد مدينة عكا العربية. جرى كل ذلك بمباركة وتوقيع ما يسمى بلجنة امناء الوقف الاسلامي. الامر نفسه جرى على مر السنين في مدينة حيفا العربية حيث تم بيع مقابر لا بل مساجد ايضا بالاضافة إلى دور وأراض واسعة. والشيء نفسه في يافا والقدس وبافي المدن الفلسطينية.
ما قرأته في الايام الاخيرة عن هذه اللجان امور تكاد لا تصدق، وأغربها السكوت عنها ومحاولة ايجاد التبريرات لها. فهي معينة من قبل وزير المالية من غير معايير واضحة أو رقابة، تكاد أن تكون سرية لا أحد يعرف بالضبط عدد اعضائها أو اسمائهم أو صلاحياتهم أو حتى الاملاك التي تقع تحت اشرافهم. الخطوة الاولى التي يجب على جمهور المسلمين القيام بها بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والتزاماتهم الدينية هو مقاطعة هذه اللجان وسحب بساط الشرعية من تحت اقدامها ودعوة الاعضاء الشرفاء الى الاستقالة الفورية والعمل على ايجاد بديل لها على شكل لجان شعبية وطنية تعمل على الحفاظ والدفاع عن الاوقاف وتناضل من اجل تحرير واسترجاع ما تم التفريط به عن طريق الغش والخداع والفساد.
الاوقاف المسيحية التي تباع او يتم التلاعب بها من قبل اعلى المراتب الكنسية (وبعضها لا يمت بصلة لفلسطين) وخصوصا في القدس هي ايضا اراض واملاك وطنية لا يحق لاحد التصرف بها وكأنها املاك خاصة ولاهداف تتناقض مع الهدف المعلن التي وجدت من أجله.
هدف الاوقاف، اسلامية كانت ام مسيحية، هو تنمية روح التعاون والتكافل الاجتماعي، مساعدة المحتاجين من فقراء، مرضى، ارامل، اطفال في ضائقة، ودعم مؤسسات تربوية، تعليمية، ثقافية وصحية بالاضافة للاهداف العادية مثل الحفاظ على اماكن العبادة والمقابر ودفن الموتى. لم يبق من هذه الغايات السامية للأسف سوى النزر القليل يكاد لا يذكر وحلت مكانها المصالح الشخصية، الفساد، السمسرة وطمس الهوية الوطنية.
لقد آن الاوان أن تنزع هذه الامانات من الايدي غير الامينة وتوضع في الايدي الامينة وما أكثرها في صفوف شعبنا.

Wednesday, April 02, 2014

مثلث يوم الارض ومثلث برمودا



مثلث يوم الارض ومثلث برمودا
علي زبيدات – سخنين
لست بصدد تقييم نشاطات يوم الارض الاخير، فالمواقع الاخبارية تعج بالتقيمات من قبل الزعامات التقليدية وغير التقليدية ومن قبل العديد من النشطاء.أحاول في هذه السطور ـأن اجيب على سؤال روادني كثيرا في السنوات الاخيرة وهو: لماذا تصر لجنة متابعة، اللجنة القطرية للسلطات المحلية، الاحزاب السياسية، الجمعيات والمؤسسات الاهلية وأوساط واسعة من الجماهير العربية في البلاد، على ابقاء النشاط المركزي ليوم الارض حكرا على قرى مثلث يوم الارض؟ للوهلة الاولى تبدو الاجابة على هذا اسوال سهلة للغاية تعتمد على معطيات اساسية أهمها، أولا: أحداث يوم الارض الاول بدأت في هذه القرى وجاءت كرد مباشر على سياسية الحكومة الاسرائيلية لمصادرة أراض تابعة لهذه القرى. ثانيا: قدمت هذه القرى معظم الشهداء والجرحى والمعتقلين. ثالثا: نجاح النشاط المركزي في هذه القرى مضمون نظرا للمشاركة الجماهيرية الواسعة. طبعا لا يمكن الطعن بهذه المعطيات ولا يمكن التقليل من أهميتها. ولكن هذا ليس كل شيء.
من هنا مرت بخاطري المقارنة بين مثلث يوم الارض وبين مثلث شهير آخر هو مثلث برمودا. لا ادعي وجود تطابق بين المثلثين حسب النظريات الهندسية ولكني أعتقد بوجود مجال للمقارنة في جانبين على الاقل، الاول: في مثلث برمودا تختفي الطائرات والسفن والاشخاص في ظروف غامضة وفي مثلث يوم الارض يختفي المضمون النضالي ليوم الارض وتتلاشى رسالته. والثاني: انتشار وسيطرة الاساطير التي نمت وترعرعت على ارضية المثلثين الخصبة.
كتبت قبيل يوم الارض الاخير انه من أجل انقاذ يوم الارض من اصحابه يجب ان تكون الخطوة الاولى نقل العمل المركزي من مثلث يوم الارض. بسبب ذلك تعرضت لاتهامات كادت ان تصل الى درجة الخيانة العظمى، اذ كيف يجروء شخص يدعي الوطنية ويسكن في قلب مثلث يوم الارض على مثل هذا الكفر؟
وقلت في حينه وها انا أكرر ما قلته: من يستقبل وزير الداخلية جدعون ساعر استقبالا حافلا ويوكله بحل قضايا الارض ومناطق النفوذ لا يستحق احتضان يوم الارض.
في يوم الارض الاول قبل ٣٨ عاما شكل مثلث يوم الارض خط الدفاع الامامي عن الارض بتصديه لقوات الشرطة وحرس الحدود. اليوم، يكاد هذا المثلث أن يكون غائبا حتى عن خط الدفاع الخلفي. يوم الارض عام ٢٠٠٠ كان يوم الارض الاخير الذي كان ينضح بالروح النضالية عندما هبت الجماهير لمواجهة بناء معسكر على اراضي سخنين الجنوبية – الغربية. في ذلك اليوم سقطت الشهيدة شيخة ابو صالح وجرح واعتقل العشرات. كل صغير وكبير في مثلث يوم الارض يعرف تمام المعرفة أن مشكلة الارض تتجسد في مواجهة المجلس الاقليمي مسغاف الذي يلعب دور الذراع الحكومي لتهويد الجليل. ولا يمكن ان تعود الروح النضالية ليوم الارض الا من خلال مواجهة هذا المجلس.
بعد أحداث يوم الارض عام ٢٠٠٠ لم يجرؤ احد من زعامة قرى مثلث يوم الارض حتى على التفكير بمواجهة مجلس مسغاف. بل ما حصل كان على العكس تماما: اصبحت هناك علاقات حميمة وتعاون تقوم على اساس "حسن الجوار" بين سلطات قرى مثلث يوم الارض والمجلس الاقليمي مسغاف. وعاد يوم الارض ليوفر منصة لخطابات وشعارات زعامات لجنة المتابعة والسلطات المحلية.
طبعا، انه لشرف عظيم لسكان مثلث يوم الارض أن يكونوا السباقين في تفجير يوم الارض الاول، واكثر من ذلك: أن يصبح هذا اليوم يوما وطنيا للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده. وبسبب ذلك بالضبط لا يحق لاحد احتكار هذا اليوم. شهداء يوم الارض سقطوا دفاعا عن الارض الفلسطينية اينما كانت. لذلك يجب أن يكون العمل المركزي ليوم الارض (المسيرة والمهرجان) اينما تكون قضية الارض ملتهبة في الجليل والمثلث والنقب. وليس هناك فحسب بل ايضا في الصفة الغربية وغزة. اذكر انه في احدى السنوات الماضية تزامن يوم الارض مع الهجمة الاستيطانية الشرسة على جبل ابو غنيم وقلت بصوت لامس آذان مغلقة لماذا لا نشد الرحيل في يوم الارض للدفاع عن هذا الجبل الفلسطيني؟ وبعدها تصادف يوم الارض مع الهجمة على سلوان والشيخ جراح في اطار تهويد القدس، وتساءلت من غير أن أرجو جوابا: لماذا لا يكون يوم الارض في القدس؟ الا ندعي بأنه يوم وطني فلسطيني؟ مقياس نجاح يوم الارض ليس مرتبطا بعدد المشاركين بالمسيرة والمهرجان وليس مقترنا بسخونة الخطابات ولمعان الشعارات، بل بمدى مقدرتنا على ابقاء شلعته النضالية ملتهبة.