Wednesday, October 10, 2007

تشي جيفارا: أينما يوجدالظلم فذاك وطني



اربعون عاما مضت على مقتل القائد الفذ والثائر العالمي تشي جيفارا في أدغال بوليفيا على أيدي جيش النظام البوليفي العميل مدعوما برجال المخابرات الامريكية ال سي آي ايه. نعم، لقد مات تشي جيفارا ولم تنتصر الثورة في بوليفيا، إلا أن فكر تشي جيفرا الثوري المقاوم للإمبريالية في كل زمان ومكان ونصير شعوب العالم المضطهدة ما زال حيا ينمو ويترعرع في كل مكان فيه ظلم وإضطهاد.
يحاول أعداء تشي جيفارا ومنهم من يغطي وجهه بقناع صديق أن يجعل من تشي جيفارا وفكره ونضاله الثوري اسطورة، اسطورة خيالية قد ولى زمنها لا تمت للواقع بصلة مثل اسطورة روبين هود، فنرى العديد من الشباب والصبايا يلبسون بلوزات عليها صورته او يعلقون في أعناقهم قلائد تحمل صورته او يزينون جدران غرفهم ببوسترات كبيرة. قسم كبير من هؤلاء الشباب والصبايا لا يعرفون سوى النزر القليل عن حياة هذا الثائر العالمي وقسم منهم ينتمي الى أحزاب انتهازية كانت تتهم تشي جيفارا بالتهور واللاواقعية.
تشي جيفارا ليس أسطورة بهذا المعنى بأي حال من الاحوال، بل هو ثائر من لحم ودم حمل السلاح دفاعا عن المظلومين في كل مكان. قال: " اني أحس على وجهي بالم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا فاينما وجد الظلم فذاك وطني". حارب تشي جيفارا الارجنتيني المولد في كوبا ضد النظام الفاسد العميل وفي أفريقيا وفي بوليفيا ودعم بدون تحفظ نضالات الشعوب التي كانت تناضل من أجل حريتها وإستقلالها خصوصا في فيتنام والجزائر الملتهبتين في تلك الايام.
لقد شن تشي جيفارا حربه الثورية على 3 جبهات:
أولا: ضد الامبريالية العالمية التي تزعمتها بعد الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة الامريكية.
ثانيا، ضد الانظمة الفاسدة والعميلة التي تقمع وتستغل جماهير الشعب وتخدم مصالح الامبريالية.
ثالثا ضد القوى الانتهازية التي تتكلم بإسم العمال والكادحين والمسحوقين ولكنها في نهاية المطاف تخدم الامبريالية العالمية وتلحق الضرر الفادح بنضالات الشعوب التحررية.
بعد افول نجم الاستعمار القديم متمثلا الاساس ببريطانيا وفرنسا من حيث الاساس، وصعود نجم الامبريالية الامريكية أدرك تشي جيفارا بانه لا بد من توحيد جميع القوى الثورية لمواجهة هذا العدو الغاشم. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت الولايات المتحدة الامريكية تشن حروبها القذرة في كل أرجاء العالم، في كوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا والعديد من الدول الافريقية ودول امريكا اللاتينية. إزاء هذا الوضع توصل تشي جيفارا الى عقيدة راسخة ما زالت سارية المفعول حتى يومنا هذا، بل هي اليوم أكثر واقعية من ذلك الوقت. خلاصتها: أن إنتصار الثورة هو الضمان الوحيد للقضاء على الحروب الامبريالية." لا حياة خارج الثورة، ولتوجد فيتنام ثانية وثالثة وأكثر".
هل تغير شيء على طبيعة الامبريالية الامريكية منذ ذلك الحين وحتى الآن؟ هل يوجد طريق آخر للقضاء على الحروب الامبريالية العالمية؟ وعلى غرار ما قاله تشي جيفارا اقول: لا حياة خارج الثورة وليوجد عراق وافغانستان ولبنان وفلسطين وفنزويلا ثانية وثالثة وأكثر.
المفاوضات والمؤتمرات والاستجداءات لن تردع الامبريالية الامريكية وحلفائها من شن الحروب بل على العكس من ذلك فإن هذه الاساليب تزيدها سعورا وعدوانية، الثورة فقط هي الكفيلة بذلك.
يمثل تشي جيفارا النقاء الثوري، ليس من خلال التقوقع في الابراج العاجية ولا من وراء الكتب والمكاتب بل من خلال الممارسة العملية والاخلاص منقطع النظير للمبادىء الثورية والتفاني والتضحية الى ابعد الحدود.
لقد سار تشي جيفارا على طريق الثوار العظام الذين سبقوه مثل ماركس ولينين وماو تسي تونغ وهوشي منه. كان يؤمن أن تعلم الثورة يأتي من خلال صنع الثورة: " أن من يعتقد أن نجم الثورة قد أفل فإما أن يكون خائنا أو متساقطا أو جبانا، فالثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن".
ما أحوجنا نحن هنا في فلسطين وفي العالم العربي أن ننحت هذه الكلمات في عقولنا وفي ذاكرتنا حيث كثر الخائنون والمتساقطون والجبناء الذين حبهم للوطن لا يساوي أكثر من حفنة من الدولارات الملطخة بدماء الشهداء. هذه الكلمات الملتهبة ما زالت تحرق وجوه الملوك والرؤساء العرب، الحقيقيين منهم والمزيفين الذين يعتقدون أن 90% من أوراق الحل بيد الامبرياليين الامريكيين وحلفائهم ويتعاموا عن رؤية الحقيقة التي تقول أن هؤلاء مسؤولون عن أكثر من 90% من المشكلة. الثورة في طريقها نحو الانتصار على الامبريالية سوف تكنس مثل هذه الزعامات الى مزبلة التاريخ.
ما كانت هيمنة الامبريالية تدوم هذه الفترة الطويلة لولا نشوء وتطور القوى الانتهازية داخل الحركات الثورية وفي صفوف الشعوب المسحوقة. وقد انتبه تشي جيفارا الى هذا العدو الداخلي الكامن والمقنع بثياب صديق. وحاول بكل ما يملكه من قوة مقاومته وفضحه وإجهاض نتائجه الوخيمة. وقف في وجه التحريفيين السوفييت، الذين قضوا لاحقا على الاتحاد السوفياتي نفسه، الذين نادوا بسياسة التعاون السلمي مع المعسكر الامبريالي. ووقف في وجه الاحزاب الانتهازية التي تسمي نفسها بالاحزاب الشيوعية، والتي نادت هي الاخرى بنبذ الطريق الثوري وسلوك النضال السلمي البرلماني مما جعل الامبريالية تزيد من شراستها.
النضال على الجبهة الداخلية لم يتوقف ابدا، وهو لا يقل من حيث الاهمية عن النضال ضد الامبريالية والرجعية. وقد قال لينين من قبل: "أن الحزب البلشفي قد نما وترعرع واصلب عوده من خلال النضال ضد الانتهازية داخل الجركة العمالية". وقد قدم تشي جيفارا في هذا المجال نموذجا فريدا من نوعة ما أحرى المقاومين في فلسطين ولبنان وفي كل مكان آخر في العالم أن يتوقفوا عنده ويستوعبوه ويتعضوا به. فبعد إنتصار الثورة في كوبا تقلد تشي جيفارا مناصب رسمية قيادية وتم تعينه وزيرا للإقتصاد وثم رئيسا للبنك المركزي ومسؤول العلاقات الخارجية للثورة المنتصرة، وعمليا كان المسؤول عن بناء الدولة الاشتراكية الفتية. إلا انه قدم استقالته للرئيس فيدل كاسترو بعد أن أخبره أن مهمته في كوبا قد انتهت، والآن يجب على الثورة أن تنتصر في أماكن اخرى.
لنقارن هذا الموقف المثالي بموقف القياديين في حركة حماس الذين يخوضون صراعا داميا للإنفراد بسلطة وهمية في ظل الاحتلال ويبدون استعدادهم للمساومة من أجل أن يكونوا وزراء. لقد أثبت الواقع أن السلطة المنبثقة عن اتفاقيات تصفوية تتناقض مع نهج المقاومة ولا يمكن الجمع بينهما. على قادة حماس أن يختاروا المقاومة او السلطة.
لم يناد تشي جيفارا كما يقول البعض بتصدير الثورة الى بلدان أخرى وهو القائل: " انا لست محررا، المحررين لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من يحرر نفسها". إذن لماذا ترك كوبا والتحق بالنضال الثوري في الكونغو وفي بوليفيا ونادى بفتح جبهات جديدة في وجه الامبريالية؟ لأنه كان يؤمن أن الامبريالية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ذات طابع عالمي ولايمكن مواجهتها إلا بثورة ذات طابع عالمي لا تتوقف عند أية حدود جغرافية. وقال: " لا يهمني متى وأين سأموت، لكن يهمني أن يبقى الثوار منتصبين، يملأون الارض ضجيجا، كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين"
نعم أيها القائد الثائر، يموت الثوار ولكن لن يركعوا ابدا

Thursday, October 04, 2007

مؤتمر الخريف - تصفيات آخر الموسم


لقد كتب الكثير عن هذا المؤتمر الغريب العجيب، مؤتمر السلام المزمع عقده في الخريف. ها نحن نقف على أعتاب الخريف وحتى الآن لا يعرف أحد على وجه التحديد تاريخه ولا مكانه المحدد ولا المدعوين اليه أو المواضيع التي سوف تطرح وتناقش به.
أنه حقا إسم على مسمى، أنه مؤتمر خريف بإمتياز. فالفرسان الثلاثة المبادرون لهذا المؤتمر والمتحمسون له يعيشون خريف حياتهم السياسية. لم يبق أمام الرئيس الامريكي بوش الابن سوى سنة في منصبه وسوف يترك البيت الابيض جارا وراءه اسوأ فترة رئاسة عرفتها بلاده في العصر الحديث، حيث ورط بلاده في حروب لا تنتهي بحجة شن حرب عالمية على الارهاب. هل يستطيع أن يحقق السلام في خريفه بعد أن زرع الموت والدمار في ربيعه وصيفه؟
الفارس الثاني هو أولمرت الذي يعيش هو الآخر خريفه السياسي الاخير بعد أن حرقه صيف المقاومة اللبنانية السنة الماضية، وفشل بالرغم من جميع الجرائم التي اقترفها في غزة والضفة الغربية أن يحافظ على ربيع سلطته.
أما الفارس الثالث، محمود عباس فهو من أشد المتحمسين لمؤتمر الخريف ربما لأنه يشعر أن خريفه السياسي أزف على الانتهاء بعد أن فقد غزة بينما في الضفة الغربية وكما يقول المثل الشعبي: لا يمون على بصلة.
إذن، لا غرابة والحال هكذا أن يطلق على هذا المؤتمر: مؤتمر الخريف.
لكن هذا ليس كل شيء. يوجد هناك وجوه شبه كثيرة أخرى مشتركة بين هذا المؤتمر وبين فصل الخريف. أتذكر ما علمتنا اياه معلمة الروضة قبل سنوات عديدة عن ميزات الخريف، وما زال أطفالنا يتلقون نفس المعلومات إذ لم يطرأ اي شيء جديد على الخريف.
1- يتميز فصل الخريف بتساقط أوراق الشجر تدريجيا حتى يترك الشجرة عارية تماما تتمايل كلما هبت الرياح، وهكذا تتساقط الاوراق التي تستر القيادة الفلسطينية والزعماء العرب المهرولين الى هذا المؤتمر. وقبل أن يفتتح المؤتمر أوراقه نرى أن عوراتهم أصبحت مكشوفة أمام شمس الخريف الناعسة.
2- في فصل الخريف يسقط المطر الاول وبما أن الجو يكون ملوثا بالغبار فإن هذا المطر يوسخ شبابيك البيوت والسيارات الزجاجية بدل تنظيفها، كذلك تلوث أمطار هذا المؤتمر كل بقعة نظيفة في تاريخنا ونضالنا إذ تخلط الاوراق وتدمغ المناضل والمقاوم بالارهاب وتضفي على المجرم والقاتل صفة محب للسلام.
3- في الخريف يكون الطقس متقلبا، ومن الواضح أن المبادرين لهذا المؤتمر والمشاركين فيه يشكلون مدرسة في التقلب فعندما يتكلمون عن السلام يخططون للحرب وعندما يتكلمون عن الديموقراطية يكتمون الافواه والانفاس وعندما يتكلمون عن الوطنية يبيعون الوطن بالجملة والمفرق.
4- في الخريف تهاجر الطيور تاركة أعشاشها الباردة باحثة لها عن مأوى دافئ، وهكذا تهاجر زعامتنا العربية والفلسطينية باحثة عن حضن دافئ في تل ابيب وواشنطن.
5- ولكن في الخريف أيضا تهب رياح شديدة وفي بعض الاحيان تهب زوابع وعواصف تقتلع كل من يعترض طريقها وتلقي بهم في مزبلة التاريخ، يبدو أن المؤتمرون لم يأخذوا هذه الميزة بالحسبان، فحذار أيها الخريفيون المجتمعون في مؤتمر الخريف من هذه الرياح العاتية. حتى لو زودتكم الادارة الامريكية المضيفة بكل الفياغرا في الولايات المتحدة فإن إنتصابكم لن يصمد أمام هذه الرياح.
يريد بوش الابن من هذا المؤتمر أن ينقذه من ورطته في العراق ويبحث له عن مخرج يحفظ ماء وجهه قبل أن يخرج جيوشه من هناك يجر ذيول الهزيمة، وهو كالعادة يريد الزعماء العرب أن يساعدوه في هذه المهمة لذلك يلوح لهم بالحل السلمي للقضية الفلسطينية، وهو يحلم أن يغادر البيت الابيض ملوحا ببعض الانجاز.
أما أولمرت فيريد أن يرمم شعبيته ومصداقيته بعد الهزيمة التي مني بها في لبنان وأن يغطي بعض الشيء على فضائح الفساد التي تتربص به في البيت. قد يتفهم المراقب السياسي دوافعهما لعقد هذا المؤتمر، إلا أن اللغز المحير يبقى موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ودوافعه. فهو يصرح انه لن يقبل أقل من إعلان مبادئ لحل نهائي للصراع وإقامة دولة قابلة للحياة من خلال مفاوضات تبدأ حالا بعد إنتهاء المؤتمر، ولن يقبل إتفاق إطار كما تتناوله وسائل الاعلام. مع أن اولمرت يقول له بصراحة: لا تحلم لا بإعلان مبادئ ولا بإتفاق إطار فلن يتمخض هذا المؤتمر عن أكثر من بيان مشترك غير ملزم ويكتنفه الغموض من كل جانب ويهمل فورا كالعادة بعد نهاية المؤتمر.
وللحق يقال أن الموقف الاسرائيلي هو الموقف الوحيد الواضح والمنسجم حتى النهاية ويتلخص باللاءات الاربعة: لا لحق العودة، لا لإزالة المستوطنات، لا للإنسحاب الكامل من الاراضي المحتلة عام 1967، ولا لإعادة القدس العربية.
على ضوء هذه التصريحات التي نسمعها ونشاهدها صباح مساء في وسائل الاعلام الاسرائيلية وفي اروقة الكنيست والحكومة، فعلى ماذا تعتمد القيادة الفلسطينية ومن ورائها ما يسمى بالدول العربية المعتدلة ملوحين بمبادرتهم السقيمة في هرولتهم المخزية الى مؤتمر الخريف؟ هل يعلنون عن تصفيات آخر الموسم ويبيعوننا بأبخس الاثمان؟
لم يبق امامنا سوى أن نجعل من هذا الخريف فصل الزوابع والعواصف