Wednesday, September 29, 2010

ماتت المفاوضات فلتحيى المفاوضات

ماتت المفاوضات فلتحيى المفاوضات
علي زبيدات – سخنين

انه لمن المؤلم حقا أن نرى كيف تتحول حركة تحرير وطني إلى نقيضها، إلى حركة تخدم الامبريالية والاحتلال لأراضيها. كيف انحدرنا إلى هذا الحضيض؟ انه فعلا سؤال محير، لا أظن أن أحدا يملك الإجابة عليه. كنا نعلم من تجاربنا ومن تجارب حركات التحرر الوطني للشعوب الأخرى التي خاضت نضالا تحرريا أنه خلال مسيرة النضال يوجد هناك فئات تتساقط وتنتقل إلى المعسكر الآخر. كنا نعرف أنه لا بد من وجود انتكاسات وتراجعات في هذه المسيرة، قد تطول أو تقصر قد تكون عميقة أو سطحية ولكن في جميع الحالات وتحت كل الظروف يبقى الاتجاه التحرري العام واضحا. وكنا نعلم أيضا أنه بعد انجاز معظم المهمات الوطنية والحصول على الاستقلال مهما كان شكليا تتحول السلطة"الوطنية" الجديدة تدريجيا حتى تصبح سلطة رجعية مثلها مثل غيرها من الأنظمة الرجعية. ولكن أن تتساقط حركة تحرر وطني بكامل أطرها تقريبا وتنحدر إلى مثل هذا الحضيض قبل أن تنجز شيئا من المهام التي من أجلها نشأت، فهذه ظاهرة فريدة من نوعها تستحق دراسة عميقة.
ما حدث في الجولة الأخيرة من المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برعاية أمريكية ومباركة عربية وأوروبية أمور لا تصدق. أولا وقبل كل شيء كذبة تجميد الاستيطان التي انتشرت كالنار في الهشيم في شتى أرجاء العالم. لم يكن هناك ثمة تجميد للمستوطنات لا قبل المفاوضات ولا بعدها، وهذا باعتراف مؤسسات إسرائيلية رسمية. وكما قال احد الكتاب الاسرائيلي: في فترة "التجميد" تجمد كل شيء ما عدا المستوطنات. أعمال الاستيطان المختلفة تواصلت على الأقل في 120 مستوطنة وتم بناء آلاف الشقق السكنية وشق الطرق وتمهيد الأرض وتحضير الخرائط ومواصلة مصادرة الأراضي الخ. كل ما حدث هو أنه تم اختيار بعض المستوطنات النائية التي تعتبرها الحكومة الإسرائيلية نفسها غير شرعية وبعض المواقع والإعلان المتلفز عن وقف الاستيطان فيها وذلك للاستهلاك المحلي والدولي لكي تتاح للمفاوض الفلسطيني أن يعود إلى طاولة المفاوضات من غير أن يتهم بالخيانة والعمالة.
وألان تظهر مطالب الحكومة الإسرائيلية باستمرار المفاوضات من غير هذا القناع منطقية جدا من وجهة نظرها: لقد جرت المفاوضات منذ حوالي 20 سنة في ظل توسيع الاستيطان فماذا تغير اليوم؟ المفاوض الفلسطيني لم يطالب ابدآ بوقف الاستيطان كشرط للمفاوضات، فماذا حدث الآن؟ هل السبب ما يقوله محمود عباس: اليوم بلغ السيل الزبى؟ وحسب الاتفاق المبدئي بين الطرفين المتفاوضين بأنه في كل اتفاق ستبقى الكتل الاستيطانية الرئيسية جزءا من دولة إسرائيل وانه تم الاتفاق على مبدأ تبادل الأراضي فبأي حق يطالب الطرف الفلسطيني بتجميد شامل للاستيطان؟ وكما صرحت الحكومة الإسرائيلية: مسألة تجميد الاستيطان هو أمر ثانوي بالمقارنة مع هدف المفاوضات الرئيسي بالتوصل إلى معاهدة سلام وحل النزاع نهائيا.
إذن الكلام عن تجميد الاستيطان أو عدم تجميده كان وما زال من باب ذر الرماد في العيون. المفاوض الفلسطيني بحاجة إليه لكي يحفظ القليل من ماء الوجه اتجاه المواطن الفلسطيني الذي تصادر أرضه أو يهدم بيته ويعامل كالحيوان على الحواجز. والمفاوض الإسرائيلي بحاجة إلى "اللاتجميد" لكي يكسب رضا قطعان المستوطنين ويحافظ على ائتلافه الحكومي. وهكذا يفتح الباب على مصراعيه للتوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين بصورة خلاقة ومبتكرة. ونحن، جماهير الشعب البسيط ومن ورائنا العالم بأسره علينا أن نصدق هذه الكذبة ونبقى متعلقين بوهم السلام.
من يظن أن توقف المفاوضات أو فشلها ستكون ذات عواقب وخيمة، جاءت أقوال محمود (جهينة) عباس لتقطع قول كل خطيب عندما قال: لن نعود إلى الانتفاضة مهما كانت الظروف والأسباب. فلا يوجد بديل عن طريق المفاوضات. وإذا تذكرنا قول أحد الزعماء الاسرائيليين الذي قال: سوف نفاوضهم 100 سنة وفي النهاية لن يحصلوا على شيء، فهذا يعني أن محمود عباس وسلطته يبشروننا بدوام الاحتلال.
يبدو الظلام حالكا، ويبدو النفق طويل جدا وعميق جدا ولا يوجد بصيص نور لا في أوله ولا في آخره. هذا صحيح، ولكن فقط إذا قبلنا بهذه اللعبة وبقواعدها. من الذي يقول انه يتحتم علينا أن نسير في هذا النفق الطويل المعتم؟ ومن يقول انه يتوجب علينا المشاركة في هذه اللعبة التي وضع قوانينها غيرنا؟ لماذا لا نحطم النفق ونخرج إلى النور؟ ولماذا لا ننسحب من هذه اللعبة السمجة أو نغير قواعدها؟
نعم، القضية ليست قضية مفاوضات ولا قضية مستوطنات، إنها اكبر من ذلك بكثير: إنها قضية شعب ووطن وحياة.

Wednesday, September 22, 2010

شكرا ليبرمان

شكرا ليبرمان
علي زبيدات - سخنين

قد يبدو غريبا، على عكس الشتائم التي انهالت على رأس وزير الخارجية الإسرائيلي أفغدور ليبرمان من قبل أعضاء الكنيست العرب،لجنة المتابعة،وسائل الإعلام العربية المحلية والقطرية، وبعض الجهات المعدودة على ما يسمى اليسار الإسرائيلي أو قوى السلام اليهودية، على عكس هؤلاء جميعا أن أبعث إليه بتحية شكر: أخيرا قام شخص وقال بصراحة: " قضية السكان العرب من مواطني دولة إسرائيل يجب أن تكون قضية مركزية على طاولة المفاوضات". أن هذا التصريح الصادر عن شخصية عنصرية معروفة يعبر أكثر من أي تصريح آخر في السنوات الأخيرة عن وحدة الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، أكثر بما لا يقاس من كافة شعارات زعامتنا الجوفاء التي تردد بأننا شعب واحد ذو قضية واحدة. هل هذه مفارقة؟
إحدى مساوئ اتفاقيات أوسلو الكثيرة هو تهميش هذا الجزء من الشعب الفلسطيني الذي بقي منغرسا في أرضه واعتباره مسألة إسرائيلية داخلية. منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا يتبنى المفاوض الفلسطيني هذا الموقف. فنحن بالنسبة له لسنا موضوعا للتفاوض لأننا لسنا فلسطينيين كاملين. بالمقابل يتبنى المفاوض الإسرائيلي الموقف نفسه، فنحن لسنا فلسطينيين كاملين من جهة ولسنا إسرائيليين كاملين من جهة أخرى. منذ أن ظهر ليبرمان وأشكاله الظاهرين والمستترين، بدت الصورة تبرز على شكلها الطبيعي: الشعب الفلسطيني مهما عانى من التشتت والتمزق يبقى شعب واحد ذو قضية واحدة ذات حل واحد.
الشتائم المنهالة على الوزير الإسرائيلي مهما كانت صائبة وحقيقية فهي لا تعبر عن موقف سياسي مبدئي واضح وملتزم. أفكار هذا الوزير العنصري وحزبه لا تختلف من حيث الجوهر عن أفكار القيادات والأحزاب الصهيونية العمالية والدينية والقومية الأخرى التي صنعت النكبة الفلسطينية على مر العصور، إذن لماذا كل هذا التركيز عليه وفي الوقت نفسه التغاضي عن الآخرين؟ في هذه الحكومة، كما في الحكومات السابقة، إنها مسألة تقاسم أدوار: ليبرمان يجعجع، براك يمهد، يشاي يخطط ونتنياهو ينفذ. قد تتغير هذه الأدوار في الحكومات المختلفة حسب التقاسم الوظيفي وميزان القوى الداخلي. فرئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت الذي يقال أنه كان قاب قوسين أو أدنى من التوقيع على اتفاقية سلام هو من شن أشرس حربين في تاريخ إسرائيل: على لبنان وعلى قطاع غزة. أما وزير الحرب ورئيس الحكومة السابق، إيهود براك ألذي يقال أنه عرض على عرفات تنازلات غير مسبوقة في كرمها في مفاوضات كامب ديفيد الثانية ولكن هذا الأخير رفضها، فتاريخه حافل بجرائم الحرب ولو كان هناك حد أدنى من العدالة في عالمنا هذا لكان الآن يقف أمام المحكمة الجنائية الدولية أو يقبع في أحد السجون.
أقول لجميع المتسابقين، من الساسة المنافقين ومن ذوي النوايا الحسنة على حد سواء، الذين يبحثون عن شتائم جديدة لإلقائها على رأس ليبرمان: رويدكم، تمهلوا، فهذا العنصري الصغير لم يصل بعد حتى إلى كعب من اقترفوا الجرائم في حق الشعب الفلسطيني والإنسانية أمثال نتنياهو وبراك والمرت وموفاز وحالوتس واشكنازي والقائمة تطول.
قد يكون ليبرمان حمار في التاريخ، كما وصفه أحد أعضاء الكنيست العرب، ولكن معظم زعمائنا السياسيين هم أيضا حمير ليس فقط في التاريخ بل وفي الجغرافيا أيضا. التاريخ يقول: نحن سكان الأصليون لهذه البلاد وجميع من قدموا إليها من وراء البحار هم غزاة مستعمرون وعليهم أن يرحلوا. أصحاب الأرض فقط يحق لهم أن يقرروا من يبقى ومن يرحل منهم. والجغرافيا تقول: إن هذه البلاد لا تقبل القسمة، وعندما أقول هذه البلاد لا أقصد فلسطين فقط بل بلاد الشام بأسرها، هكذا خلقت وهكذا ستبقى مهما كانت محاولات تقطيع أوصالها.
إذن لماذا كل هذا الخوف من ليبرمان؟ لأنه يطرح حل الترانسفر؟ أو كما يسمى حاليا: التبادل السكاني، لكي يحافظ على "يهودية" الدولة؟ الرد على ذلك بسيط جدا وقد عبرت عنه الصحفية الأمريكية التي طردت من البيت الأبيض، هيلين ثوماس: ليعودوا إلى ديارهم من حيث أتوا. موقفنا يجب أن يكون واضحا: على ليبرمان أن يعود إلى مولدافيا من حيث أتى وعلى شمعون بيرس أن يعود إلى بولندا، وهكذا بالنسبة لجميع الغزاة. الشعب الفلسطيني وحده هو صاحب الحق من يقبل للعيش هنا ومن يرفض. مثله مثل باقي شعوب العالم. هكذا تعمل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر نفسها ديمقراطية ومدافعة عن حقوق الإنسان. أنظروا كيف تعامل أوروبا مهاجريها مع أنهم لم يأتوا كغزاة مستوطنين، بل أتوا كضحايا لقرون طويلة من الاستعمار والنهب. لقد أصبحت أوروبا مرتعا للأحزاب اليمينية المتطرفة التي وضعت على رأس سلم أولوياتها ملاحقة ومعادة المهاجرين، بينما تقوم الحكومات "الديمقراطية" كل يوم بسن قانون جديد للتضييق على المهاجرين. أما سياسة الهجرة الأمريكية فهي وصمة عار على مجتمع هو نفسه وليد هجرة بعد أكبر عملية تطهير عرقي في تاريخ البشرية.
سوف تكون فلسطين الديمقراطية الحرة أفضل بما لا يقاس من جميع الدول الأوروبية ومن أمريكا لأنها سوف تفتح صدرها للمهاجرين بشرط ألا يكونوا غزاة مستوطنين.

Wednesday, September 15, 2010

الاضراب الشامل ليس شعارا للاستهلاك

الإضراب الشامل ليس شعارا للاستهلاك
علي زبيدات – سخنين

قبل فترة من الزمن تناقلت وسائل الإعلام العربية المحلية خبرا مفاده أن لجنة المتابعة العليا بجميع مركباتها قد اتخذت قرارا بالإجماع إعلان الإضراب الشامل بالمناسبة العاشرة لما تسميه "هبة القدس والأقصى" وسقوط 13 شهيدا من أبنائنا.
على ما أظن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ لجنة المتابعة مثل هذا القرار. في المرات السابقة القليلة التي اتخذ فيها قرار الإضراب الشامل لم يكن هناك إجماع من كافة المركبات. على العكس كان هناك دائما من يعارض بحجة الظروف غير الملائمة، عدم استعداد الجماهير أو عدم جدوى الإضراب. في العديد من المناسبات كانت إحدى المركبات الأساسية في هذه اللجنة والتي تتمتع بتأثير حاسم داخلها كانت هي التي تعمل على إجهاض قرار الإضراب الشامل. واليوم حسب وسائل الإعلام ذاتها كانت هي المبادرة بضرورة إعلان الإضراب وقبل المناسبة بأكثر من شهر.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا جرى؟ هل استوعبت لجنة المتابعة بكافة مركباتها أخيرا ضرورة تصعيد النضال الشعبي كرد على سياسة تصعيد القمع والتمييز التي تمارسها السلطة ضد جماهيرنا الفلسطينية؟ هل أصبحت هذه اللجنة أكثر جذرية في مواقفها بعد أن توصلت إلى قناعة بأنه لا بد من المواجهة بدلا من الطريق المهادنة الذي اتبعته حتى ألان؟ في الحقيقة قرار المتابعة هذا يثير البلبلة أكثر مما يشير إلى تصعيد الوسائل النضالية. وأنا بصفتي أحد المواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في لجنة المتابعة وبقراراتها لا من قريب ولا من بعيد وكنت دائما من أنصار الإضراب الشامل في المناسبات الوطنية الثلاث لجماهيرنا ( يوم النكبة، يوم الأرض، وانتفاضة الأقصى)، للوهلة الأولى تفاجأت خصوصا بعد أن شن علي بعض الأصدقاء هجوما كاسحا واتهموني بالمزايدة على لجنة المتابعة التي تتخذ القرارات الحكيمة والصائبة وتعرف متى تتبنى الإضراب الشامل ومتى تكتفي بالمسيرات والنشاطات الأخرى.
نظرة أخرى إلى مجريات الأمور ورؤية الصورة من كافة جوانبها مع نظرة خاطفة إلى العمق تشير إلى انه لا جديد تحت الشمس في موضوعنا. وأن الإضراب الشامل المعلن لم يأت بهدف تصعيد النضال لمواجهة الهجمة السلطوية الشرسة بقدر ما يصب نهاية المطاف في إفراغ هذا الشكل النضالي من محتواه الثوري التقدمي. أشكال النضال أمر ثانوي بالمقارنة مع مضامينها. قد يكون الشكل متطورا ولكن عندما يكون فارغا من المضمون فلا فائدة ترجى منه. لننظر ماذا لدينا هنا: الأول من أكتوبر سيكون يوم جمعة، أي أن المدارس العربية تكون مغلقة ولن يشعر أحد بالإضراب في سلك التعليم مع أهمية الطلاب في مثل هذه المناسبات. وتكون معظم المصالح العربية في هذا اليوم مغلقة أيضا. وإذا لم أكن مخطئا في السابق أيضا كان سهلا على لجنة المتابعة الإعلان عن الإضراب الشامل عندما تصادف عطلا رسميا. بالإضافة إلى ذلك، فقد اتخذ القرار قبل المناسبة بشهر تقريبا، هذا بحد ذاته أمر جيد وأفضل بكثير من اتخاذه في اللحظة الأخيرة. هذه الفترة ضرورية للإعداد والتحضير للإضراب تستغل لتعبئة وتحريك الجماهير من خلال المهرجانات والمحاضرات والأمسيات الملتزمة وحلقات النقاش والعديد من النشاطات التي تتوج عادة بالإضراب الشامل. منذ الإعلان عن الإضراب الشامل لم نسمع عن أي نشاط تحضيري تعبوي. وفي نهاية المطاف ستكون النتيجة كما في السنوات السابقة: زيارة أضرحة الشهداء في الصباح مسيرة رئيسية تنهي بالخطابات الروتينية، مسيرات محلية في بعض الأماكن، تظاهرات على مفارق الطرقات. وينتهي اليوم وتعود المياه إلى مجاريها.
يقول لينين: " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" هذه الفكرة البديهية في النضال هي ما ينقص لجنة المتابعة وقراراتها. عندما لا نملك نظرة إستراتيجية واعية للقضية الوطنية بكافة جوانبها فإن التخبط في الممارسة لا مناص منه. وفي الحقيقة أنا لا ألوم لجنة المتابعة لعدم امتلاكها مثل هذه النظرة. فجميع التنظيمات الوطنية الفلسطينية ومنها من له تاريخ حافل في النضال تتخبط في مستنقع الاضمحلال الثوري. لجنة المتابعة العليا لم تكن في يوم من الأيام تنظيما ثوريا ولم تدعي ذلك أصلا وهذا الأمر لصالحها. مصيبتنا الكبرى تكمن في تلك التنظيمات التي وعدتنا بأن تكون طليعة الثورة العربية حتى تحرير فلسطين وانتهت إلى الارتماء في أحضان إسرائيل وأمريكا. كنا في الماضي نرفض الانضمام إلى الأحزاب العربية لإسرائيلية مهما ادعت من وطنية وتقدمية ونشجع الانضمام إلى المنظمات الفلسطينية المقاومة التي تجسد وحدة الشعب الفلسطيني. أما اليوم فلا تختلف هذه التنظيمات من حيث الجوهر عن الأحزاب العربية الإسرائيلية.
لجنة المتابعة بكافة مركباتها الحزبية وغير الحزبية تحيي مناسبة "هبة القدس والأقصى" وسقوط 13 شهيدا. وهي لا تحيي انطلاقة انتفاضة الأقصى وسقوط آلاف الشهداء. وهي بذلك تلتقي وتنسجم مع رموز السلطة الذين يعتبرون هذه الانتفاضة كارثة على الشعب الفلسطيني ويرفضون أي مشاركة نضالية جذرية لفلسطينيي الداخل وكل ما يطلبونه منا هو أن نكون جسرا للتفاهم بينهم وبين سلطات الاحتلال. وقد قالها رئيس السلطة الفلسطينية بصراحة: لا تتدخلوا في شؤوننا ساعدونا فقط في المفاوضات مع إسرائيل.
وقد رضيت لجنة المتابعة بمعظم مركباتها بهذا الدور. ما نسميه "هبة أكتوبر" أو "هبة القدس والأقصى" هو جزء لا يتجزأ من الانتفاضة الثانية التي يعتبرها قسم كبير منا كارثة، والشهداء الثلاثة عشر هم جزء لا يتجزأ من قافلة شهداء الانتفاضة وفلسطين. لا يكفي الاعتراف بذلك كلاميا والتنكر له عمليا.
إننا نحيي الذكرى العاشرة للانتفاضة الثانية، انتفاضة القدس والأقصى بدون تلاعب بالكلمات. هذه الانتفاضة التي تكالب على إجهاضها الفلسطيني والعربي قبل الأمريكي والإسرائيلي. إعلان الإضراب هذه السنة وكل سنة يجب أن يكون جزءا من استمرارية الانتفاضة وليس ذرا للرماد في العيون. الجماهير الشعبية وحدها من يقرر ذلك.

Wednesday, September 01, 2010

كل مفاوضات وأنتم بخير

كل مفاوضات وأنتم بخير
علي زبيدات – سخنين

سوف تتجدد غدا المفاوضات المباشرة بين دولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية بإشراف وتحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية. على عكس معظم المحللين "المتشائمين" الذين يعلنون سلفا فشل هذه المفاوضات أسوة بالجولات السابقة على مدى العشرين سنة السابقة أؤكد أن هذه المفاوضات سوف تحقق نجاحات باهرة. المسألة تتعلق بمقاييس النجاح والفشل ليس إلا. وأقول أكثر من ذلك، أن هذه الجولة الأخيرة من المفاوضات في البيت الأبيض قد نجحت حتى قبل أن تبدأ. حيث اتفقت جميع الإطراف المتفاوضة على إدانة واستنكار العملية التي طالت إحدى المستوطنات في منطقة الخليل. فها هو رئيس السلطة الفلسطينية يصرح أن الهدف من هذه العملية هو المس بالعملية السلمية والسياسية. بينما يصرح رئيس حكومته أن هذه العملية تتعارض مع المصالح الفلسطينية ويشن حملة اعتقالات واسعة تطول كافة المعارضين للمفاوضات. في الجانب الآخر يصرح رئيس الحكومة الإسرائيلية أن هذه العملية أكدت مطالب إسرائيل الأمنية وضرورة حماية المستوطنات في كل الظروف. بينما صرحت الإدارة الأمريكية بالتناغم مع الموقف الإسرائيلي – الفلسطيني الرسمي وعلى لسان الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته على ضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل وإدانة هذه العملية الإجرامية ضد "المدنيين". ألا يعد هذا الاتفاق نجاحا للمفاوضات حتى قبل أن تبدأ. ولا كلمة واحدة عن المستوطنات والمستوطنين المدججين بالسلاح. مساكين هؤلاء المستوطنين المسالمين الأبرياء، لقد لاقوا حتفهم وهم نيام من غير ذنب اقترفوه.
من يقول أن المفاوضات التي بدأت منذ قبل أسلو واتفاقياتها وحتى اليوم قد فشلت؟ العكس تماما هو الصحيح، فقد حققت هذه المفاوضات أهدافها كاملة. حيث نجحت في تفريغ النضال الفلسطيني من مضمونه التقدمي التحرري وورطت منظمة التحرير في مسيرة طويلة من التفريط بالثوابت الوطنية الفلسطينية ومنحت الشرعية للاحتلال الإسرائيلي وأصبحت طرفا ملحقا بالمعسكر الصهيوني – الامبريالي - الرجعي. أليس هذا نجاحا؟ هل يوجد من يصدق أن هدف المفاوضات هو الوصول إلى سلام عادل ودائم؟
على عكس باقي الزملاء والرفاق الذين ترتفع أصواتهم عاليا ضد المفاوضات من على الموائد الرمضانية في دمشق حيث اجتمع مؤخرا 11 تنظيما معارضا أدانوا المفاوضات واصفين إياها بأبشع العبارات، والمعارضون الذين حاولوا الاجتماع في رام الله وتراجعوا عن اجتماعهم بعد تدخل مرتزقة القوى الأمنية التابعة للسلطة، أقول أن هذه المفاوضات جيدة ومفيدة. يجب أن نخرج رؤوسنا من تحت الرمل ونرى الصورة كما هي. أقول للذين يتهمون رئيس السلطة الفلسطينية بالتفريط: دعوا الرجل وشأنه. ماذا تتوقعون من شخص يقول أن المقاومة عبثية وأن عملياتها حقيرة؟ ماذا تتوقعون من شخص يقول أنه يتفهم معاناة "الشعب اليهودي" بينما معاناة شعبه لا تهمه وكأنها قشرة برتقالة؟ وأكثر من ذلك، فهو لا يشكك أبدا في حق "الشعب اليهودي" في فلسطين؟ هل تتوقعون أن يقود المقاومة؟ هل من غرابة في أن يقود مثل هذه المفاوضات؟ وماذا تتوقعون من رئيس حكومة عينته أمريكا ويتلقى معاشه منها مباشرة كأي موظف أمريكي عادي؟
بدل الصراخ بمناسبة ومن غير مناسبة ضد المفاوضات لماذا لا يجري العمل على طرح البديل وبنائه على أسس جديدة؟ لماذا يسكت المعارضون في الفترة الأخيرة عن حقيقة كون محمود عباس رئيسا غير شرعي انتهت صلاحيته منذ فترة طويلة حتى حسب النظم التي وضعها هو وأسياده وأن حكومته هي الأخرى تفتقد أية شرعية؟ لماذا هذا التركيز على رفض المفاوضات والسكوت عن المفاوض نفسه؟ دعوا رئيس السلطة ورئيس حكومته وكبير مفاوضيه وباقي طاقم "الحياة مفاوضات" وشأنهم، دعوهم يفاوضون على راحتهم، هذا هو الدور المرسوم لهم. لن تكون مفاوضاتهم والاتفاقيات التي قد يوقعونها في نهاية المطاف أكثر من فقاعات صابون سرعان ما تنفجر وتتلاشى.
جميع الإطراف المشاركة في المفاوضات تعرف تمام المعرفة أن الهدف منها ليس التوصل إلى سلام شامل ودائم، حتى وإن لم يكن عادلا، في المنطقة. بل هدفها الإبقاء على الأوضاع تحت السيطرة بما يحقق مصالحها: إسرائيل تريد الحفاظ على كيانها من خلال تخليد الاحتلال من جهة وبناء دولة أبرتها يد كولونيالية. بينما تريد الشريحة الكومبرادورية الفلسطينية نصيبا أوفر من السلطة، أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تريد تثبيت هيمنتها على المنطقة وفرض سيطرتها على مصادر الطاقة.
في المقابل على الشعوب المضطهدة وقواها التقدمية والثورية أن تعيد بناء صفوفها على مبادئ تحررية إنسانية متينة وتواصل النضال حتى التحرير الكامل.