Wednesday, July 30, 2014

مطلوبون للعدالة - التهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية



مطلوبون للعدالة – التهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية
على زبيدات – سخنين
قامت دولة إسرائيل منذ تأسيسها قامت باقتراف العديد من المجازر، جرائم تطهير عرقي، جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب. لا ادعي بأن هذه الدولة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقترف كل هذا الكم وهذا الكيف من الجرائم، فالحقيقة المرة في عالمنا الراهن أن معظم الدول اقترفت وما زالت تقترف، بشكل ما، في زمن ما وإلى درجة معينة هذا النوع من الجرائم. ولكن تبقى الحالة الاسرائيلية فريدة من نوعها، فهي الدولة الوحيدة التي لم تعاقب ابدا عما اقترفته يداها، بل هي الدولة الوحيدة التي لم يتم حتى محاسبتها. بالعكس كانت دائما تكافأ على جرائمها بالدعم المادي والمعنوي والمادي من كافة الجهات الدولية والتي من المفروض، من بعضها على الاقل، محاسبتها ومعاقبتها.
اذكر على الاقل ثلاث حالات كانت دولة اسرائيل متورطة بجرائم حرب حتى في أعين قسم كبير من مواطنيها ناهيك عن الرأي العام العالمي، ولكنها استطاعت أن تخرج مثل الشعرة من العجين بعد قلب الحقائق وتحقيق المكاسب من هذه الجرائم. الحالة الاولى، بعد حرب لبنان الاولى ووقوع مجزرة صبرا وشاتيلا حيث الدور الاسرائيلي كان فاضحا امام اعين العالم اجمع مما اضطر الحكومة الى تعيين لجنة رسمية عرفت بلجنة كاهن على اسم رئيسها الذي كان رئيسا للمحكمة العليا، وبدلا من تحديد المسؤوليات قامت بتبرئة كافة اللاعبين الاساسيين: رئيس الحكومة مناحم بيغن، وزير الحرب اريال شارون، قائد اركان الجيش رقائيل ايتان ووزير الخارجية يتسحاق شمير. اقتصرت مسؤولية هؤلاء حسب التقرير النهائي: "بانهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون وقوع المجزرة أو ايقاففها". وكل المحاولات الفردية وغيرها لتقديم أي من المتورطين للعدالة في بلاد أخرى قد باءت بالفشل.
الحالة الثانية: تشكيل لجنة أور بعد استشهاد ١٣ فلسطيني ممن يحملون الهوية الاسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية في عام ٢٠٠٠ للتحقيق في الجريمة التي اطلقوا عليها الاسم الحيادي: "احداث اكتوبر". بالمناسبة، حسب العرف الاسرائيلي قتل مئات الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة في الفترة نفسها لا يستحق أية لجنة وأي تحقيق. مرة اخرى هذه اللجنة الرسمية لم تجد متهما بالقتل لمعاقبته من رئيس الجكومة ايهود براك وحتى الشرطي الذي اطلق النار والذي كان معروفا للجميع بمن فيهم لاعضاء اللجنة. اكتفت اللجنة ببعض التوصيات التي اعتبرتها بعض الاوساط العربية مكسبا والتي بدورها طواها النسيان بدون أن يطبق منها شيء.
الحالة الثالثة من الماضي القريب هي تقرير غولدستون في اعقاب العدوان على غزة عام ٢٠٠٩. بالرغم من تغاضي صاحب هذا التقرير عن العديد من الجرائم المقترفة ومن ثم التراجع عن بعضها فيما بعد، الا ان التقرير لم يستطع تجاهل الكثير من الجرائم التي تعتبر حسب كافة المعايير جرائم حرب مثل قتل المدنيين وقصف المدارس والمستشفيات. ولكن دولة اسرائيل بمساعدة اصدقائها الغربيين وعلى رأسهم امريكا وتواطؤ السلطة الفلسطينية استطاعوا قبر هذا التقرير في اروقة الامم المتحدة. ومرة أخرى لم يحاسب أحد ولم يعاقب.
هذا التاريخ الطويل من التغاضي والتسامح الدولي قد شجع دولة اسرائيل في حربها الاخيرة في غزة، التي لم تنته بعد، للاستشراس في جرائمها بصورة غير مسبوقة مطمئنة إلى انه لا يوجد هناك ثمة من يلاحقها ويقاضيها. لست مختصا بالقانون الدولي وذلك ليس ضروريا للتأكيد على أن ما يحدث في غزة هي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية لا بد من معاقية مقترفيها.
في عام ٢٠٠٢ تأسست المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الافراد المتهمين ب:
  • جرائم الابادة الجماعية، وكما يعرفها ميثاق روما، القتل او التسبب بأذى شديد بغرض اهلاك جماعة قومية او اثنية او دينية اهلاكا كليا او جزئيا.
  • جرائم ضد الانسانية: وكما يعرفها ميثاق روما هي الجرائم التي تقترف بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين مثل القتل المتعمد والابادة والابعاد والتهجير والاغتصاب والتفرقة العنصرية وااستعباد.
  • جرائم حرب: وهي الجرائم التي تخرق اتفاقيات جنيف من عام ١٩٤٩ في النزاعات الخارجية والداخلية.
حتى اليوم لم تثبت هذه المحكمة نجاعتها وفعاليتها خصوصا وان اكبر مجرمين في عصرنا الراهن وهما امريكا واسرائيل قد رفضا الانضمام الى هذه المحكمة وتوقيع ميثاقها. وتقاعس الدول والمؤسسات المعنية وفي حالتنا هذه السلطة الفلسطينية وباقي المنظمات القانونية. واكتفت بمحاكمة بعض المجرمين من الصف الثاني من صربيا وبعض الدول الافريقية. ما زالت السلطة الفلسطينية تتردد بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية والاقدام على مقاضاة اسرائيل وهذا اقل ما يطلب منها. وهي اليوم، تحت الضغط الشعبي، تلمح بنواياها للانضمام ولكن تلميحاتها بعيدة عن المصداقية. لذلك يجب تكثيف الضغط الشعبي عليها. المؤسسات القانونية مثل مركز عدالة، حسب متابعتي، اكتفت ببعث رسالة إلى وزير الحرب الاسرائيلي والمستشار القضائي للحكومة تطالبهما بالتحقيق في قتل المدنيين وقصف المدارس والمستشفيات وكأن المجرم يستطسع ان يحقق بجرائمه تحقيقا نزيها.
يجب ملاحقة اسرائيل قضائيا في كل مكان وليس فقط امام المحكمة الجنائية الدولية والقبض على كافة المجرمين الهاربين من العدالة. من أجل ذلك يجب التعامل مع هذا الموضوع بجدية فائقة وحشد عدد كاف من المختصين بالقانون الدولي من الفلسطينيين ومن الاصدقاء المناصرين في كافة أرجاء العالم حتى يتم معاقبة كافة المجرمين.

Wednesday, July 23, 2014

مرحبا ستالينغراد، صباح الخير هانوي، سلاما بيروت، هنا غزة



مرحبا ستالينغراد، صباح الخير هانوي، سلاما بيروت، هنا غزة
على زبيدات
نعم ايتها الشقيقات افتحن اذرعكن ملأ السماء واضممن الى احضانكن الرحبة الدافئة شقيقتكن الصغيرة غزة. نعم انها شقيقة صغيرة ولكنها سوف تعجبكم إلى درجة تستحق أن تضعنها درة في التاج الذي وضعته البشرية على رؤوسكن. جاءت وقد احضرت معها مفردة قديمة – جديدة تسمى صمود لتدخل الى قاموس النضال العالمي. مفردة قديمة، لانها موجودة في قاموس اللغة منذ عهد بعيد وقد اصبحتن رمزا لها، ولكن تم نسيانها. جديدة لأن غزة عادت لها الحياة بعد أن دفعت ثمنها غاليا من دماء رجالها واطغالها ونسائها وشيوخها. لا عليكن ايتها الشقيقات الكبيرات، تستطعن المفاخرة بهذه الشقيقة القادمة من المجهول دامية الوجه، حافية القدمين، ممزقة الثياب. لا تخجلن بها لانها يتيمة فهي تستطيع أن "تزواد" عليكن لو ارادت وتقول: عذرا ستالينغراد، يا رمز الصمود بدون منازع والفداء، لم يكن لدى غزة جيشا احمرا جرارا مزودا بالعقيدة والسلاح. بل اكتفت بعدد قليل من المقاومين الذين لم يستطيعوا الحصول الا على بعض السلاح المتواضع، ولكن عقيدتهم في الدفاع عن الوطن تضاهي عقيدة الجيش الاحمر. لم تتمتع غزة مثلك يا ستالينغراد بذلك الامتداد المترامي الاطراف من حولك ومن خلفك جغرافيا وبشريا، بل اكتفت ببضع كيلومترات طولا وعرضا. عذرا هانوي: لا تحيط بغزة ادغال تشكل درعا طبيعيا، ولا يوجد لديها عمقا استراتيجيا مساندا كما كانت لك الصين، عمق غزة مغلق بل ومشارك بالحصار، ولا يقف إلى جانب غزة دولة عظمى تزودها بالاسلحة مثل الاتحاد السوفييتي. ومع ذلك رجال المقاومة في غزة كانوا اشقاء لرجال الفيتكونغ لأنهم تخرجوا من مدرسة واحدة. كم طن من المتفجرات القت عليك الولايات المتحدة الامريكية؟ تلميذة امريكا التي تفوقت على معلمها وتعلمت حرب الارض المحروقة، القت خلال اسبوعين اطنانا من المتغجرات تزيد عما القته عليك امريكا خلال سنة. وعذرا بيروت، فانت لم تصمدي وحدك فقد آزرك ودافع عنك بالاضافة للمقاومة الفلسطينية الجبهة الوطنية اللبنانية وبعض العرب. غزة صمدت لوحدها، لا جبهة وطنية ولا يحزنون، لا اشقاء عرب ولا اصدقاء ولا حتى معارف.
لم تنته المعركة في غزة بعد. ها هي تدخل باقدام ثابتة اسبوعها الثالث. قد تتوصل الجهود الدبلوماسية الدولية – الاسرائيلية – العربية الى اتفاق وقف اطلاق النار وربما الى اتفاق هدنة جديدة وقد تتوقف المعركة مؤقتا ولكنها لن تنتهي. وانا اتكلم هنا عن معركة وليس عن حرب، وأظن الفرق بين المصطلحين واضح للجميع. الحرب ستكون طويلة الامد ولا احد يدري كيف ستستمر ومتى ستنتهي. ما نشهده منذ سنوات هي معارك وان سميناها مجازا حروبا.
أظن، الصورة قد اصبحت واضحة من كل جوانبها: ما يسمى بالمجتمع الدولي، الامم المتحدة، امريكا، الاتحاد الاوروبي، منحاز إلى اسرائيل. هذه حقيقة مرة، ولكنها حقيقة، اعترفنا بها أم لم نعترف، حاولنا البحث عن الفوارق بين مركباته ام لم نحاول. الانظمة العربية من غير استثناء اما متورطة بالعدوان واما تلتزم الصمت وفي احسن الاحوال تدين كلاميا، وقد يكون بعضها مستعد لدفع بعض الاموال "لاعادة اعمار غزة" لكي يخفف من تأنيب ضميره ولتمرير مآرب اخرى. الشعوب العربية محيدة، مقموعة او مخدرة، والنتيجة واحدة: لا يمكنها في هذه المرحلة ان تلعب دورا حاسما. عواطف الجماهير الشعبية في جميع انحاء العالم تثلج الصدور وتشكل مصدرا لا ينضب لرفع المعنويات ولكنها في المنظور القريب لن تتحول الى قوة مؤثرة.
إذن، لم يبق في الملعب سوى اللاعب الفلسطيني، آسف سوى اللاعب الغزاوي. اللاعبون الفلسطينيون الاخرون ما زالوا يهتفون ويشجعون ولكن من خارج الملعب. اللاعب الغزاوي منهك، ينزف دما، يتضور جوعا ولكنه ما زال يقاوم، ما زال صامدا. ولكنه بحاجة قصوى الى لاعبين من فريقه يرفعوا عنه بعض العبء. يوجد هناك لاعبان باستطاعتهما قلب النتيجة وحسم المعركة: جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وجماهير الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة عام ١٩٤٨. حتى الان كان اداؤهما متواضعا وفي معظم الحالات مخيبا للآمال. طبعا يوجد هناك اسباب موضوعية وذاتية عديدة لمثل هذا الاداء السيء، اسباب جدية من غير شك ولا يمكن الاستخفاف بثقلها. ولكني وعلى عكس العادة سأكون متفائلا واجزم: يمكن التغلب على هذه الاسباب والمساهمة بما يجري في غزة الى حد الالتحام التام. عيون وقلوب اهل غزة متجهة في هذه اللحظات الى القدس وبيت لحم والخليل ورام الله ونابلس وجنين ولكل مدينة وقرية في الضفة الغربية. تستطيعون أن تقعلوا أكثر مما فعلتموه حتى الان، لانكم اثبتم ذلك في الانتفاضة الاولى والانتفاضة الثانية. وإلى الجماهير الفلسطينية في المناطق المحتلة عام ١٩٤٨. هذه الجماهير تستطيع هي الاخرى ان تعمل اضعاف ما عملته حتى الان. المظاهرات الشعبية يجب ألا تتوقف ولو للحظة واحدة. لنوفر طاقاتنا ولنكف قليلا عن المماحكات الحزبية وعن الانتقادات للقيادات المختلفة ، لننزل جميعا إلى الشارع ولنجعل هذا الشارع هو الحكم. يوجد هناك اشكال كثيرة للنضال وكل جهة وكل فرد منا يستطيع أن يجد الشكل الملائم له.
في هذه الايام نقف على مشارف نهاية شهر رمضان وعلى اعتاب عيد الفطر، والكل يتفق على ان احتفلات العيد هذه السنة لن تكون كالمعتاد، فلماذا لا ننظم مسيرة تاريخية، مسيرة المائة ألف تسير من يافا الى غزة، لتستغرق يومين أو ثلاثة، تجرف في طريقها المعبر ولا تتوقف الا في شوارع غزة وامام بيوتها المدمرة.

Wednesday, July 16, 2014

رحلة الرصاص المصبوب للجرف الصامد



رحلة الرصاص المصبوب للجرف الصامد
على زبيدات – سخنين
بما ان الشعب الاسرائيلي (بغض النظر عن تعريفه) هو شعب حضاري، شعب الكتاب، النور للاغيار وغيرها من الصفات السامية، فلا استغرب وجود هيئة من الكتاب والادباء الصهاينة الذين يعملون الى جانب هيئة الاركان العسكرية هدفها البحث عن وايجاد اسم حضاري راقي للحروب الاسرائيلية الاخيرة، يكون في الوقت نفسه اسما يقدس القوة ويسبر في اعماق التاريخ ليعيد الحياة للاساطير التوراتية. هكذا كان قبل اربع سنوات عندما اختاروا اسم الرصاص المصبوب الذي وجههوه للصدور العارية في غزة. وهكذا كان قبل سنتين عندما اختاروا اسم عامود السحاب الإلاهي الذي يحمي سماء اسرائيل من جهة ويمطر سماء غزة بالموت من جهة اخرى. واليوم ها هو الجرف الصامد الذي يحمي ابناء شعب الله المختار ويقف سدا منيعا في وحه اطفال فلسطين الارهابيين.
بعيدا عن التسميات الشاعرية، ما يحدث الان على ارض الواقع لا يختلف عما حدث في الحربين السابقتين: قتل عشوائي، دمار شامل، كراهية عمياء، حقد لا يعرف الحدود. واكبر دليل على ذلك ان الذين قرروا شن هذه الحرب وبعد ان دخلت اسبوعها الثاني ما زالوا يتناقشون فيما بينهم: ما هو هدفنا من شن هذه الحرب؟ فيجيب احدهم: هدفنا اعادة الهدوء والامن لمستوطنات الجنوب. ويقول آخر: بل هدفنا القضاء على حماس وغيرها من التنظيمات الارهابية وترحيلها. ويقول ثالث: هدفنا اعادة احتلال قطاع غزة. وتقول رابعة: بل هدفنا رؤية المزيد من الامهات اللاتي يبكين على اطفالهن. وأخيرا كان الاتفاق: لنبدأ الحرب أولا ومن ثم سوف نحدد الهدف أو الاهداف.
لا احد ينكر ان الجيش الاسرائيلي هو من اقوى الجيوش في العالم. وحسب جهات مختصة في المجال العسكري يأتي تصنيفه السادس عالميا من حيث القوة. لسنا هنا بصدد الكلام عن قوة هذا الجيش العسكرية وعلى ماذا اعتمدت هذه التصنيفات، فالمعلومات وافرة لكل من يهمه هذا الموضوع، ولكن ما يتم التغاضي عنه أن سادس اقوى جيش في العالم لم يخوض منذ اكثر من ٤٠ عاما حربا ضد أي جيش آخر، وبالتحديد منذ حرب رمضان/اكتوبر ١٩٧٣. وربما هذا ما كان يعنيه انور السادات عندما قال: لا حرب بعد حرب اكتوبر. حتى الحروب التي خاضها الجيش الاسرائيلي ضد "الجيوش" العربية منذ ١٩٤٨ وحتى ١٩٧٣ عليها علامة استفهام وهي ليست مقياسا على قوة الجيش الاسرائيلي بقدر ما هي مقياسا على ضعف تلك الجيوش.
المهم، منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، أي منذ ٤٠ سنة ونيف يقوم سادس اقوى جيش في العالم بشن الحروب المستمرة ضد المدنيين: طائراته الحربية تقصف التجمعات المدنية من مدن وقرى واحياء، هل سمع احدكم عن طائرة حربية واحدة اعترضت الطائرات الاسرائيلية طوال هذه الفترة؟ لنأخذ الحروب الثلاثة الاخيرة على غزة: ماذا تقصف الطائرات الحربية الاسرائيلية؟ هل تقصف قواعد عسكرية؟ مطارات؟ استحكامات؟ ام انها تقصف بيوت وسيارات واشخاص؟ وقبل ذلك في لبنان هل كانت هناك اهداف اخرى؟ ومتى اشتبكت الدبابات الاسرائيلية مع دبابات معادية؟ واين تقع الصواريخ والقنابل التي تطلقها؟. مجد الجيش الاسرائيلي في الاربعين سنة الاخيرة قد بني على اجساد الآلاف من المدنيين العزل في فلسطين ولبنان. امام هذا الواقع السوريالي قام قسم صغير من هؤلاء المدنيين بتسليح انفسهم بحجر كما كان الوضع في عصور ما قبل التاريخ، والاكثر حظا منهم استطاعوا الحصول على بعض الاسلحة الخفيفة من هنا وهناك والتي تستعمل لازعاج الجيش المدجج بالسلاح ولا تجدي نفعا لحسم أية معركة ضده.
في دعايتها الموجهة للعالم تدعي دولة اسرائيل بأن هؤلاء المسلحين يختبئون وراء المدنيين ويستعملونهم درعا واقيا. للأسف مثل هذه الدعاية الزائفة ما زالت تلقي آذانا صاغية ليس في العالم فحسب بل عند بعض الجهات المأجورة او المغرر بها هنا ايضا. هؤلاء المسلحون ليسوا جيشا نظاميا، لا يمكثون في المعسكرات، لا يملكون وسائل دفاع برية او جوية، لا يملكون دبابات او مدرعات، انهم مدنيون يعيشون في بيوتهم بين افراد عائلاتهم، كل ما هنالك انهم أبوا ان يموتوا بدون أن يرموا حجرا، بدون أن يحملوا كلاشنكوف، بدون أن يطلقوا صاروخا من صنع محلي ولسان حالهم يقول: اذا لم يكن من الموت بدا فمن العار أن تموت جبانا.
الانسان وليس السلاح هو العنصر الحاسم في الحرب. لتستعمل اسرائيل ما شاءت من اسلحة، من طائرات حربية وصواريخ وقنابل ذكية، ولتشن غاراتها برا وجوا وبحرا، لتقتل اضعاف ما قتلته حتى الان ولتدمر اضعاف ما دمرته حتى الان، ولكنها لا ولن تستطيع ان تحسم المعركة لصالحها. لا يمكن النصر على شعب يريد الحياة حتى عندما يقدم الموت ثمنا لها. المستقبل للشعوب وليس لآلات الموت والدمار.

Wednesday, July 09, 2014

النضال العفوي - رؤية جديدة لمفهوم قديم

 
النضال العفوي – رؤية جديدة لمفهوم قديم
على زبيدات – سخنين
دعت قبل أيام بلدية سخنين، اللجنة الشعبية والاحزاب السياسية الى مظاهرة "غضب" احتجاجا على ما يجري حولنا من أحداث، من مقتل الشهيد محمد ابو خضير مرورا باجتياح قرى ومدن الضفة وحتى العدوان الاخير على غزة. كان الشعور العام، خصوصا عند اوساط واسعة من الشباب، أن هذه المظاهرة قد جاءت متأخرة نسبيا ولا يعدو كونها اكثر من اسقاط واجب ومحاولة امتصاص عضب ونقمة الجماهير التى وصلت مؤخرا الى درجة الغليان. لذلك دعت هذه الاوساط عبر صفحات التواصل الاجتماعي الى ثورة غضب في اليوم نفسه ولكن في ساعة متأخرة وفي مدخل المدينة حيث تكون امكانية المواجهة والاشتباك مع قوات الشرطة عالية. استغرقت المظاهرة الاولى نصف ساعة بعد أن سلكت طريقا مختصرا وانتهت بدعاء من أحد الائمة. وقد وصف المنظمون المظاهرة بالناجحة نظرا لعدد المشاركين فيها. بدأت المظاهرة الثانية في العاشرة ليلا واستمرت حوالي اربع ساعات بين كر وفر. بدأت بتوافد افراد ومجموعات صغيرة من الشباب الى المدخل الغربي حيت كان في انتظارهم بالاضافة الى اعداد هائلة من الشرطة والمستعربين، بعض القياديين ممن نظموا المظاهرة الاولى ومن بينهم رئيس البلدية، عضو كنيست وبعض الوجهاء وحاولوا منع المتظاهرين من التقدم خوفا من المواجهة مع قوات الشرطة محاولين اقناعهم بإن هذه المظاهرة عبارة عن استفزاز للشرطة وتعريضهم للخطر اما اعتقالا واما استشاهدا كما حدث في المكان نفسه في اكتوبر عام ٢٠٠٠، والحاق الضرر بالممتلكات الخاصة والاخلال بالهدوء والامن العام والمس بالتعايش السلمي في المنطقة وغيرها من التبريرات والحجج والتشكيك التي لاقت آذان موصودة من معظم الشباب. والنتيجة اصبحت معروفة.
تكررت هذه الحالة في اماكن اخرى، في عرابة وعكا والناصرة وام الفحم وقرى ومدن اخرى. ربما مع بعض الاختلافات في التفاصيل ولكن التشابه كان هو الجانب الطاغي لهذه الظاهرة التي ان دلت على شيء فانها تدل على عمق ازمة القيادات، ولكن ايضا على ازمة الجماهير وعلى التناقضات داخل لجنة المتابعة وفيما بين مركباتها، وبين الهيئات القيادية في الاحزاب السياسية وبين كوادرها واصدقائها، ولكنها اظهرت في الاساس التناقض بين النضال الرسمي "الشرعي"، "القانوني"، "المنظم" وبين النضال العفوي.
هذا التناقض بين النضال العفوي للجماهير الشعبية وبين النضال الرسمي الذي تقوده المؤسسات، الاحزاب والنقابات كان دائما موجودا على الدوام وكان في صلب النقاش الفكري والسياسي في المسيرات النضالية للشعوب. وكان الموقف السائد عند المؤسسات دمغ النضال العفوي بانعدام الوعي والفوضى التي تؤدي الى نتائج كارثية. بالطبع كان هناك بعض الاستثناءات واذكر منها على سبيل المثال لا الحصر لينين الذي رأي بالنضال العفوي للعمال والفلاحين الشكل الجنيني للوعي الطبقي، استيقاظ الوعي السياسي، ورفض الخنوع والانصياع لمتخذي القرارات مهما كانوا وتنمية روح المقاومة الجماعية. كان لينين يردد أمام كوادر الحزب البلشفي ان النضال العفوي حتى الذي ينتهي الى الفشل يدرب الشعب على الثورة. من هذا المنطلق انخرط البلاشفة بثورة عام ١٩٠٥ في روسيا مع علمهم المسبق بان هذه الثورة لا تطرح برنامجا اشتراكيا، وانخرط بثورة شباط ١٩١٧ بالرغم من قيادتها البرجوازية ورأى بهاتين الثورتين مقدمة لا بد منها لثورة اكتوبر الاشتراكية. وكان ماركس من قبل قد انتقد كومونة باريس ولكن عندما اندلعت الثورة واستولت على باريس ايدها بشدة وبحماس، على عكس الاحزاب التي تدعي الشيوعية والاشتراكية اليوم وتظن انها تحتكر الوعي السياسي وتقف على بعد سنوات ضوئية من نضالات الجماهير العفوية.
لقد سئمنا انتقاد القيادات في السلطة الفلسطينية من رئيسها وحتى اصغر موظفيها، لقد سئمنا ادانة تصريحات محمود عباس القديمة والحديثة، من تنازله عن حق العودة الى بيته في صفد مرورا بحرصه على عدم اغراق اسرائيل بالعائدين وحتى قدسية التنسيق الامني. لقد آن الاوان التركيز على النضالات الجماهيرية بشتى اشكالها والتي لا تبحث لها في هذه المرحلة عن قيادة بل عن طريق لمواصلة النضال.
وفي الوقت نفسه سئمنا انتقاد قياداتنا المحلية من لجنة المتابعة الى الاحزاب السياسية الى البلديات والمجالس المحلية. امامنا اشكال جديدة من النضال، قد يبدو بعضها غامضا، فوضويا أو حتى عبثيا ولكنها جميعا تدريبات ضرورية على الثورة.

Wednesday, July 02, 2014

لنتكلم عن الاخلاق

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000012039 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000012023
لنتكلم عن الاخلاق
علي زبيدات – سخنين

بعد العثور على جثث المستوطنين الثلاثة كثر الكلام من كل حدب وصوب حول الاخلاق والقيم الانسانية حتى وصلت الى درجة مثيرة للقرف والغثيان. السياسيون ممن تاريخهم حافل بالجرائم ضد الانسانية وملطخون بالدماء من انوفهم وحتى أخمص افدامهم(وليس ايديهم فقط) أصبحوا فلاسفة في الاخلاق. واصبح الاعلاميون الذين استبدلوا حبر اعلامهم منذ زمن سحيق بالدم النازف مروجين لبضاعة اخلاقية رخيصة ومزورة. فها هو الرئيس الامريكي براك أوباما يقول:" لا اتصور الألم الذي لا يمكن وصفه الذي يشعر به والدي الشبان المخطوفين"، ولكنك كما يبدو تستطيع أن تتصور ألم والدي الشبان الفلسطينيين والذي يمكن وصفه، وربما لهذا السبب لم تفكر يوما بالتعاطف مع هذا الالم. لست هنا بصدد الكلام عن ألم آلالاف بل مئات الالاف من والدي أطفال اقغانستان والعراق والذين اصدرت في حقهم حكم الاعدام نفذتها طائراتك وصواريخك وقنابلك الحارقة. وها هو وزير خارجيتك جون كيري يهرول وراءك مكررا ادانته الحاسمة للعملية الارهابية ويشارك "الشعب الاسرائيلي العزاء ويصلي من أجل الشبان الثلاثة وعائلاتهم" وكأن الصلاة على ارواح الاطفال العرب والفلسطينيين لا تجوز. وتتوالى قافلة ذارفي دموع التماسيح لتشمل دافيد كاميرون وطوني بلير وفرنسوا هولاند وانجيلا ميركل وبان كي مون ورسول المحبة البابا فرانسسكوس حتى تصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
اما في البلاد المقدسة، بلاد الحليب والعسل، ارض الميعاد، وطن الشعب المختار، فحدث بلا حرج. وهنا لا اريد الكلام عن قطعان الرعاع الذين نزولوا الى الشوارع وما زالوا وهم يهتفون: "الانتقام الانتقام "و"الموت للعرب" ويبحثون عن العمال الفلسطينيين لكي ينفذوا بهم حكمهم الاخلاقي بامتياز، ولا حتى الكلام عن الفاشيين الذين اختطفوا الشاب محمد ابو خضير من شعفاط واحرقوه ولا استغرب انهم قاموا بفعلتهم هذه وهم يرقصون حوله كما اوصاهم رب الجنود. فهؤلاء على الاقل لا يبررون جرائمهم بوازع اخلاقي ولا يختبئون وراء أية قيم انسانية، معظمهم اشخاص تعرضوا الى عملية شطف دماغ وحالتهم تدعو الى الشفقة والرثاء لا أكثر. ولكني اتكلم هنا عن رئيس الحكومة الاخلاقي جدا والانساني جدا وهو يقول: "الشباب الثلاثة خطفوا وقتلوا بدم بارد بواسطة حيوانات بشرية". حسنا جدا، ولكن ما رأيك بالذي هجر مئات الالاف ودمر بيوتهم وقراهم ويستمر في قتلهم وقتل اطفالهم باعتى الاسلحة وايشع الاساليب؟، ولا داعي هنا لذكر كافة المجازر من دير ياسين وكفر قاسم مرورا بصبرا وشاتيلا وقانا وحتى المجازر الاخيرة في غزة وباقي المناطق الفلسطينية، هل هؤلاء ملائكة؟ اذا كان قاتل ثلاثة شبان حيوان بشري فقاتل شعب بأسره يستحق حسب تعريفك بأن يوصف بالجرثومة البشرية. رئيس الحكومة هو قائد الاوركسترا أما الجوقة فتضم كافة الوزراء وعلى رأسهم الوزراء الكبار: لبيد، ليبرمان وبانيت، وتضم الرئيس السابق الراحل بيرس والرئيس الجديد ريفلين، وتضم ال"ربانيم" الرئيسيين والثانويين، الاشكناز والشرقيين، المعتدلين والمتطرفين، الجوقة بكامل تركيبها: إئتلاف ومعارضة، يمين ويسار، انها جوقة الاجماع الوطني. هذه الجوقة هي التي تعزف اليوم سمفونية القتل باسم الاخلاق والتي يعجز عن تأليف مقطع منها اكبر موسيقيي العالم ولو اجتمعوا بقيادة موتسارت وبتهوفن.
التاريخ لا يتطور حسب القيم الانسانية والمبادئ الاخلاقية وهذا هو جوهر مأساة البشرية. تطور التاريخ وما زال يتطور حسب الوصايا العشرة لكن بعد أن شطب كلمة لا منها. لا تقتل أصبحت: أقتل. أولا أقتل "دفاعا عن النفس" ومن ثم "اقتل في الصباح من يريد قتلك في المساء"، وبعد ذلك اصبحت اقتل كل من تعتبره عدوك. لا تسرق، اذا كانت السرقة رغيف خبز ولكن اسرق وطنا بكل ثرواته وشتت اهله واستولي على ممتلكاتهم فهي على كل حال وحسب القانون الاخلاقي اموال غائبين. اشته بيت قريبك واشته امرأة قريبك وعبده وأمته وثوره وحماره وكل شيء لقريبك. ما أسهل الدعوة للاخلاق ولكن ما أعسر السير في دروبها.
ما الذي يجعل الفعل اخلاقيا؟ هل هو الهدف الذي ينشده أم المبدأ الذي يصدر عنه؟ ليس لدي جوابا نهائيا على هذه السؤال ولا اظن احدا يملك مثل هذا الجواب. ولكني أؤمن بأن الهدف السامي لا بد أن يصدر عن مبدأ سام ولا يمكن أن يتحقق الا بوسائل سامية. هذا هو جوهر الاخلاق الثورية التى ينبغي أن تكون نبراسا لكل فعل ثوري. لا يمكن تصنيف الفعل اخلاقيا كان ام لا بمعزل عن الحياة الاجتماعية والسياسية. لا يمكن اخضاع القيم الاخلاقية للفعل السياسي ولكن من جهة اخرى لا يمكن اخضاع العمل السياسي لقيم اخلاقية مجردة أو مشيوهة. لا يمكن تحرير المبدأ الاخلاقي من ارهاصات الواقع الاجتماعي الا بعد تغيير هذا الواقع. قد يكون فعل ما اخلاقيا في الخليل ولكنه يكون غير اخلاقي في باريس. المشكل الاخلاقي فلسفيا ما زال عالقا بين مثالية افلاطون وواقعية ارسطو. فقط عندما يتحرر الشعب الفلسطيني من نير الخضوع للقيم الاخلاقية الانتقائية التي وضعتها دولة اسرائيل ضمن ما وضعته من سياسات قمعية نستطيع أن نتكلم عن قيم اخلاقية كونية.