رحلة
الرصاص المصبوب للجرف الصامد
على
زبيدات – سخنين
بما
ان الشعب الاسرائيلي (بغض
النظر عن تعريفه) هو
شعب حضاري، شعب الكتاب، النور للاغيار
وغيرها من الصفات السامية، فلا استغرب
وجود هيئة من الكتاب والادباء الصهاينة
الذين يعملون الى جانب هيئة الاركان
العسكرية هدفها البحث عن وايجاد اسم حضاري
راقي للحروب الاسرائيلية الاخيرة، يكون
في الوقت نفسه اسما يقدس القوة ويسبر في
اعماق التاريخ ليعيد الحياة للاساطير
التوراتية. هكذا
كان قبل اربع سنوات عندما اختاروا اسم
الرصاص المصبوب الذي وجههوه للصدور
العارية في غزة. وهكذا
كان قبل سنتين عندما اختاروا اسم عامود
السحاب الإلاهي الذي يحمي سماء اسرائيل
من جهة ويمطر سماء غزة بالموت من جهة اخرى.
واليوم ها هو الجرف
الصامد الذي يحمي ابناء شعب الله المختار
ويقف سدا منيعا في وحه اطفال فلسطين
الارهابيين.
بعيدا
عن التسميات الشاعرية، ما يحدث الان على
ارض الواقع لا يختلف عما حدث في الحربين
السابقتين: قتل
عشوائي، دمار شامل، كراهية عمياء، حقد
لا يعرف الحدود. واكبر
دليل على ذلك ان الذين قرروا شن هذه الحرب
وبعد ان دخلت اسبوعها الثاني ما زالوا
يتناقشون فيما بينهم: ما
هو هدفنا من شن هذه الحرب؟ فيجيب احدهم:
هدفنا اعادة الهدوء
والامن لمستوطنات الجنوب.
ويقول آخر:
بل هدفنا القضاء
على حماس وغيرها من التنظيمات الارهابية
وترحيلها. ويقول
ثالث: هدفنا
اعادة احتلال قطاع غزة.
وتقول رابعة:
بل هدفنا رؤية
المزيد من الامهات اللاتي يبكين على
اطفالهن. وأخيرا
كان الاتفاق: لنبدأ
الحرب أولا ومن ثم سوف نحدد الهدف أو
الاهداف.
لا
احد ينكر ان الجيش الاسرائيلي هو من اقوى
الجيوش في العالم. وحسب
جهات مختصة في المجال العسكري يأتي تصنيفه
السادس عالميا من حيث القوة.
لسنا هنا بصدد
الكلام عن قوة هذا الجيش العسكرية وعلى
ماذا اعتمدت هذه التصنيفات، فالمعلومات
وافرة لكل من يهمه هذا الموضوع، ولكن ما
يتم التغاضي عنه أن سادس اقوى جيش في
العالم لم يخوض منذ اكثر من ٤٠ عاما حربا
ضد أي جيش آخر، وبالتحديد منذ حرب
رمضان/اكتوبر
١٩٧٣. وربما
هذا ما كان يعنيه انور السادات عندما قال:
لا حرب بعد حرب
اكتوبر. حتى
الحروب التي خاضها الجيش الاسرائيلي ضد
"الجيوش"
العربية منذ ١٩٤٨
وحتى ١٩٧٣ عليها علامة استفهام وهي ليست
مقياسا على قوة الجيش الاسرائيلي بقدر
ما هي مقياسا على ضعف تلك الجيوش.
المهم،
منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، أي منذ ٤٠ سنة
ونيف يقوم سادس اقوى جيش في العالم بشن
الحروب المستمرة ضد المدنيين:
طائراته الحربية
تقصف التجمعات المدنية من مدن وقرى واحياء،
هل سمع احدكم عن طائرة حربية واحدة اعترضت
الطائرات الاسرائيلية طوال هذه الفترة؟
لنأخذ الحروب الثلاثة الاخيرة على غزة:
ماذا تقصف الطائرات
الحربية الاسرائيلية؟ هل تقصف قواعد
عسكرية؟ مطارات؟ استحكامات؟ ام انها تقصف
بيوت وسيارات واشخاص؟ وقبل ذلك في لبنان
هل كانت هناك اهداف اخرى؟ ومتى اشتبكت
الدبابات الاسرائيلية مع دبابات معادية؟
واين تقع الصواريخ والقنابل التي تطلقها؟.
مجد الجيش الاسرائيلي
في الاربعين سنة الاخيرة قد بني على اجساد
الآلاف من المدنيين العزل في فلسطين
ولبنان. امام
هذا الواقع السوريالي قام قسم صغير من
هؤلاء المدنيين بتسليح انفسهم بحجر كما
كان الوضع في عصور ما قبل التاريخ، والاكثر
حظا منهم استطاعوا الحصول على بعض الاسلحة
الخفيفة من هنا وهناك والتي تستعمل لازعاج
الجيش المدجج بالسلاح ولا تجدي نفعا لحسم
أية معركة ضده.
في
دعايتها الموجهة للعالم تدعي دولة اسرائيل
بأن هؤلاء المسلحين يختبئون وراء المدنيين
ويستعملونهم درعا واقيا.
للأسف مثل هذه
الدعاية الزائفة ما زالت تلقي آذانا صاغية
ليس في العالم فحسب بل عند بعض الجهات
المأجورة او المغرر بها هنا ايضا.
هؤلاء المسلحون
ليسوا جيشا نظاميا، لا يمكثون في المعسكرات،
لا يملكون وسائل دفاع برية او جوية، لا
يملكون دبابات او مدرعات، انهم مدنيون
يعيشون في بيوتهم بين افراد عائلاتهم،
كل ما هنالك انهم أبوا ان يموتوا بدون أن
يرموا حجرا، بدون أن يحملوا كلاشنكوف،
بدون أن يطلقوا صاروخا من صنع محلي ولسان
حالهم يقول: اذا
لم يكن من الموت بدا فمن العار أن تموت
جبانا.
الانسان
وليس السلاح هو العنصر الحاسم في الحرب.
لتستعمل اسرائيل
ما شاءت من اسلحة، من طائرات حربية وصواريخ
وقنابل ذكية، ولتشن غاراتها برا وجوا
وبحرا، لتقتل اضعاف ما قتلته حتى الان
ولتدمر اضعاف ما دمرته حتى الان، ولكنها
لا ولن تستطيع ان تحسم المعركة لصالحها.
لا يمكن النصر على
شعب يريد الحياة حتى عندما يقدم الموت
ثمنا لها. المستقبل
للشعوب وليس لآلات الموت والدمار.
No comments:
Post a Comment