Thursday, January 31, 2019

الثورة العربية الدائمة

الثورة العربية الدائمة
علي زبيدات - سخنين

أولا وقبل كل شيء ينبغي أن أنوه بأنه لا علاقة لعنوان هذه المقالة بما كتبه ليون تروتسكي حول الثورة الدائمة. وفي الوقت نفسه لا علاقة له بالصراع الدامي الذي نشب بين تروتسكي وستالين والذي ظهرت بذوره الايديولوجية والسياسية في أعقاب فشل الثورة الروسية الاولى عام 1905 وتفاقمت بعد ثورة أكتوبر عام 1917 حتى وصلت ذروتها بعد وفاة لينين حيث انتهت بطرد تروتسكي من الحزب ومن ثم من البلاد واغتياله في عام 1940 في المكسيك. لم يكن تروتسكي أول من تكلم عن الثورة الدائمة فقد سبقة في ذلك كل من ماركس وانجلز ولينين وكل حسب رؤيته. لذلك اسمح لنفسي استعمال هذا المصطلح حسب رؤيتي الخاصة وكما تمليه علي تطور العمل الثوري. فلا أحد يمتلك حق احتكار اي مصطلح سياسي خصوصا وأن ظروف الثورات العربية الحديثة التي أطلق عليها ثورات الربيع العربي والتي نقف أمام الذكرى الثامن لانطلاقها تختلف كليا عن ظروف الثورتين الروسيتين. هذا بالإضافة إلى أن معظم  التيارات الستالينية والتروتسكية  الراهنة قد تخلت منذ زمن طويل عن الثورة الاشتراكية الدائمة وغير الدائمة.
اليوم يقف معظم اليساريين من شيوعيين، اشتراكيين، راديكاليين، تقدميين وممانعين  في صف واحد مع الرجعيين التقليدين يصرخون بمناسبة وغير مناسبة حتى وصل صراخهم السماء بأن ما حدث في العالم العربي في السنوات الثماني الاخيرة وما زال يحدث لا صلة له بالثورات لا من بعيد ولا من قريب. واصطف كل فريق يدافع عن النظام الذي يفرد جناحي حمايته ونعمه عليهم واصفين ما يحدث بالمؤامرة الكونية هدفها تخريب لا بل تدمير الجنة التي شيدتها أنظمة الاستبداد وتعيش في ربوعها الشعوب العربية السعيدة. هذه المؤامرة التي تقوم الماسونية والصهيونية والامبريالية والعملاء المحليين بتنفيذها. حيث بدأت المؤامرة في تونس، ولا أدري لماذا قام قادة المؤامرة الكونية باختيار تونس لكي تكون نقطة الانطلاق خصوصا وأن نظامها كان من اشد الانظمة اخلاصا وطاعة لهؤلاء المتآمرين!. ومن ثم تمددت هذه المؤامرة الكونية الى مصر وليبيا واليمن والبحرين حتى وصلت الى سوريا، حيث سقطت كافة اقنعتها وبانت جميع ابعادها. وبدت حالة الانظمة كمن تلقى ضربة عنيفة على رأسه أدخلته في حالة من الدوخان، فاختصروا  المؤامرة الكونية تارة بفيلسوف فرنسي من الدرجة الثالثة يدعى برنارد هنري ليفي والذي كان بجرة قلم قادرا على إخراج ملايين المصريين الى ميدان التحرير وبكلمة واحدة كان يشتت دبابات معمر القذافي هذا، وتارة أخرى بعزمي بشارة حيث توجوه قائدا لثورات الربيع العربي، ومرة ثالثة يلصقون التهمة بامارة قطر، التي تكاد لا تحمي نفسها بدون القاعدة العسكرية الأمريكية، بزعزعة استقرار الأنظمة خدمة لاسيادها الاجانب. وتنتقل التهمة  بالسرعة نفسها الى دولة الامارات التي وضعت بترودولاراتها تحت تصرف الثوار. وأخيرا رست التهمة على مجموعة من الاشباح تلبس قبعات الاختفاء تقمع هنا لتظهر هناك وأطلقوا عليها اسم داعش. وقد راقت هذه الفكرة لجميع الاطراف وهكذا تشكلت تحالفات اقليمية ودولية لم تعرفها الحرب العالمية الأولى ولا الثانية هدفها الوحيد محاربة هؤلاء الأشباح.
منذ البداية، وصفت ثورات الربيع العربي بأنها ثورات متواضعة وجاءت متأخرة بعد حوالي خمسة قرون من الركود السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولهذه الاسباب بالذات كان المفروض دعمها على علاتها على أمل أن تتعمق وتتطور وتختصر الزمن من منطلق أن الثورات حسب التعريف التقليدي هي قاطرة التاريخ. ولكن إنصافا للتاريخ أيضا اعتبرت هذه الثورات هي موجة ثورية ثانية إذ كانت بشكل أو آخر امتدادا للموجة الثورية التي اجتاحت العالم العربي في سنوات الخمسين والستين في خضم النضال ضد الاستعمار القديم ومن أجل الاستقلال الوطني. وأخص هنا بالذكر الثورة الجزائرية التي قدمت مليون شهيد لكي تنتهي إلى نظام فاسد يقوده رجل مقعد، والثورة اليمنية التي قطعت خطوات واسعة ليس على طريق التحول السياسي فحسب بل التغيير الاقتصادي والاجتماعي أيضا ولكنها انتهت بحرب أهلية دمرت كل شيء. والثورة العراقية التي أسقطت الملكية ولكنها انتجت نظاما استبداديا لم يعرف التاريخ الحديث مثله إلا قليلا من أيام عبدالكريم قاسم ومرورا بحكم البعث وصدام حسين تحت شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية إلى ما بعد صدام حسين وقيام نظام طائفي برعاية الاحتلال الامريكي المباشر والهيمنة الايرانية. والثورة المصرية التي بدأت بإسقاط النظام الملكي ومواجهة مباشرة للاستعمار وانتهت الى  نظام فاسد موالي للاستعمار الأجنبي. وأخيرا وليس آخرا الثورة الفلسطينية والتي اعتبرت طليعة الثورات العربية وأطولها حيث انطلقت في عام 1965 تحت شعار التحرير وانتهت  باتفاقيات أوسلو التصفوية في أوائل سنوات التسعين من القرن الماضي.
عبرت ثورات الربيع العربي عن تواضعها ونسبيتها بطرح الشعار الجذاب ولكن الساذج في الوقت نفسه: "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي انتشر كالنار بالهشيم، حتى عندما بدأ في سوريا تحت شعار:" الشعب يريد إصلاح النظام". محدودية هذا الشعار بأن لشعوب فهمته وذوتته على أنه يعني اسقاط راس النظام، أي هروب بن علي، سقوط حسني مبارك، استقالة علي عبدالله الصالح، وهكذا. نادرا ما كانت تعني أن إسقاط النظام لا يقتصر على إسقاط النخبة الحاكمة بل يشمل تغيير جذري لكل نواحي الحياة.
حتى هذه الثورات المتواضعة استكثروها علينا. حيث تكالب الاعداء من قريب ومن بعيد لقمعها. ليس هنا المكان الملائم لسرد تفاصيل اسباب هذا الفشل، اكتفي بذكر ثلاثة أسباب رئيسية: أولا، استماتة الطبقات الحاكمة في الدفاع عن حكمها مستعملة جهاز الدولة القمعي المكون من جيش وشرطة ومخابرات وسجون.
 ثانيا، تكالب القوى الاقليمية والدولية لاخمادها.
 ثالثا، وهو الاهم الضعف الذاتي لقوى الثورة وخصوصا غياب قيادة ثورية وايديولوجية ثورية بالاضافة إلى سهولة اختراقها من قبل عناصر الثورة المضادة.
نعم، فشلت الثورات العربية. ولكنه فشل مؤقت، فهي سوف تعود بعنفوان أشد وبعمق أكبر. ما دام الاستبداد موجودا فلن تنتهي المقاومة. من هنا أقول أن الثورات العربية دائمة، تخمد هنا لتنطلق هناك. تتقهقر هنا لكي تتقدم هناك. تاريخ الشعوب لا يحصى بعدة سنوات. بهذا المعنى هي ثورة دائمة وعلى أنظمة الاستبداد الا تستعجل الاحتفال بانتصارها. فالنصر الأخير لثورات الشعوب.
l  

Thursday, January 24, 2019

المقاطعة الفاشلة

المقاطعة الفاشلة
علي زبيدات - سخنين
طالما كتبت أنا شخصيا وكتب رفاق آخرون عن ضرورة مقاطعة انتخابات الكنيست. ذكرنا كل ما يخطر ببال من أسباب سياسية واجتماعية وأخلاقية لشرح وتعميم موقف المقاطعة. ولا أخفي عليكم أنني قبل كتابة هذه السطور راجعت ما كتبته في هذا المجال في السنوات الماضية وما كتبه غيري  فلم أجد شيئا جديدا يمكن إضافته. ولو اخترت كتابة مقالا جديدا حول ضرورة مقاطعة انتخابات الكنيست لوجدت نفسي أغوص في تكرار ممل لا بل في اجترار أفكار وآراء كتبت مرارا وتكرارا. 
كتبت، وكتب غيري، عن خطر انتخابات الكنيست على هويتنا الوطنية الفلسطينية. إذ لا يعقل أن نهرول لانتخابات يحرم منها 80% من ابناء شعبنا بينما نهتف ليل نهار بأننا جزء لا يتجرأ من هذا الشعب المنكوب وقضيته هي قضيتنا ومصيره هو مصيرنا، وبالتالي نهرول إلى صناديق الاقتراع بحجة وضعنا الخاص الذي يختلف عن وضع باقي أبناء شعبنا ودورنا الخاص. 
كتبت عن عبثية التواجد في الكنيست وهي أرفع وأهم مؤسسة صهيونية في الدولة وعن عقم "النضال" الكلامي
كتبت عن المشكل الاخلاقي إذ كيف يعقل أن نكون جزءا من مؤسسة هدفها الأول والأخير العمل على استمرارية نكبة شعبك؟ بل كيف يعقل أن تكون شريكا في سن قوانين عنصرية تعاني منها حتى وإن كانت مشاركتك سلبية؟
وكتبت عن أمور أخرى كثيرة لن أدخل في تفاصيلها هنا حيث باتت معروفة لكل من يهمه الامر.
وجدت أنه يوجد هناك مقاطعة جماهيرية نقية، عفوية ووجدانية لانتخابات الكنيست ولكني لم أجد، مع الأسف الشديد، حركة مقاطعة منظمة، هادفة وأمينة. وعن هذا الموضوع بالذات قررت أن أكتب هذه المرة. العمل العفوي جيد خصوصا إذا كان نابعا من القلب وصادرا عن قاعدة واسعة من الناس، ولكنه سرعان ما يهدر إذا لم تكن هناك حركة طلائعية تنظم هذا العمل، تبث فيه روح الوعي الوطني الصادق وتقوده حتى يصبح سلاحا فعالا لتغيير الواقع نحو الأفضل. حتى الآن كانت مقاطعتنا لانتخابات الكنيست فاشلة، كما يقول عنوان هذا المقال، وعلينا أن نعترف بذلك. شخصيا، لا أملك أجوبة نهائية وحاسمة عن أسباب هذا الفشل، ولا أملك وصفات سحرية تحول هذا الفشل الذريع إلى نجاح باهر بجرة قلم. هذه المسؤولية ملقاة على عاتق جميع المقاطعين وأخص بالذكر منهم الناشطين والمثقفين الملتزمين (المثقفين العضويين على حد تعريف انطونيو غرامشي، أو المثقفين المشتبكين على حد تعبير الشهيد باسل الأعرج).
بالطبع هذا لا يعفيني من ذكر، حسب وجهة نظري، أسباب هذا الفشل وكيف يمكن تحويله الى نقيضه أي الى نجاح. وأكتفي هنا بذكر بعض النقاط الاساسية في هذا المضمار على أمل أن تتظافر الجهود لجعل موضوع مقاطعة انتخابات الكنيست في صلب كل برنامج وطني تحرري.
1- يعاني النشطاء، كافراد أو كمجموعات سياسية صغيرة، من حالة ركود أو سبات عميق تستمر اربع سنوات (تقريبا) وتستيقظ شهر أو شهرين قبل الانتخابات. مع أن المطلوب هو حالة من النشاط والعمل المستمر.
2- توجد هناك مشاكل تواصل تصل في كثير من الاحيان الى قطيعة كاملة بين النشطاء وبين القاعدة الجماهيرية بما في ذلك القطاعات المقاطعة ذاتها مما يترك الجماهير فريسة سائغة للأحزاب الكنيستية عربية كانت أم يهودية.
3- السماح لبعض الانتهازيين والمتسلقين ممن يتلفعون بشهادات أكاديمية تبوء مراكز قيادية في حركة المقاطعة لخدمة مصالحهم الخاصة.
4- التهاون مع المواقف الوسطية والمتذبذبة التي تتخذها بعض الأحزاب والحركات السياسية ذات القاعدة الجماهيرية وهدفها من وراء ذلك الربح من الطرفين.
5- تجاهل أو استخفاف بالجانب الإعلامي على أهميته، وعدم الاهتمام بتأسيس جهاز إعلامي مقاطع ومستقل.
6- بما أن المقاطعين ينتمون إلى تيارات سياسية، فكرية واجتماعية شتى ينبغي العمل الجاد على إيجاد معادلة تتيح التعايش بين المقاطعين رغم الاختلافات في الآراء والأفكار.
7- وأخيرا وليس آخرا،وهذا موضوع قائم بذاته، يجب التركيز على أن البديل لمقاطعة انتخابات الكنيست هو بناء وتنظيم مؤسساتنا الوطنية على أسس علمية وتحريرية تحت شعار: لا تنتخب بل تنظم. Don't vote-organize