Wednesday, April 30, 2008

صناعة الهولوكوست في إسرائيل



تحيي دولة إسرائيل في هذه الايام ما يسمى " يوم الذكرى للكارثة والبطولة" بطقوس رسمية تبدأ اليوم (الاربعاء) في متحف "يد وشم" بحضور رئيس الدولة ورئيس الحكومة حيث يذرفان دموع التماسيح على ضحايا النازيين من يهود أوروبا وتستمر غدا (الخميس). بمراسيم أخرى مثل صافرة صمت لمدة دقيقتين، إنزال العلم الى النصف، وكذلك برامج خاصة حول هذه المناسبة في المؤسسات التربوية والرسمية والتلفزيون والراديو وإغلاق الملاهي والمرافق الترفيهية.
من يرى هذه الاحتفالات ويستمع لخطابات السياسيين يظن للوهلة الاولى أن الدولة تقدس هذه الذكرى وتقدس ضحايا الجرائم النازية. ولكن نظرة أخرى الى الواقع تشير الى العكس من ذلك تماما. لنستمع الى صرخة إمرأة من ضحايا الهولوكوست والتي نجت من أحد معسكرات التركيز النازية وتناقلتها وسائل الاعلام الاسرائلية نفسها: " ألا يكفي اننا عشنا في أوشفيتس مثل الكلاب؟ انني أشعر بالذنب لأني بقيت على قيد الحياة"
لماذا تقول هذه السيدة هذه الكلمات شديدة اللهجة ولمن توجه صرختها المدوية هذه؟ هل هي إمرأة أخرى لاسامية تكره اليهود؟ كلا بالطبع بل هي يهودية ومن ضحايا النازية كما اسلفنا. انها توجه صرختها للمؤسسات الرسمية التي تنظم هذه الاحتفالات. ولماذا؟ لأنهم نهبوها وتركوها تعيش باقي حياتها في فقر ومذلة.
في تقرير رسمي نشرته إحدى الجمعيات التي تدافع عن ضحايا الهولوكوست يتضح أنه يعيش في اسرائيل 250 ألف من الناجين، يعيش ثلثهم تحت خط الفقر. وإن الدولة والبنوك قد استولوا على معظم اموال التعويضات التي دفعتها المانيا لهم.
أمور تكاد لا تصدق. البنوك الاسرائيلية ( بنك هبوعليم، ديسكونت، لئومي وغيرها) تحتجز مئات الملايين من الدولارات التي حولت من المانيا كتعويضات شخصية للمتضررين. قسم من هذه الاموال يشكل جزءا من المعاشات الفاحشة لمدراء هذه البنوك. منذ سنوات تماطل هذه البنوك في كشف المبالغ التي تحتجزها، وسلاح المماطلة في هذه الحالة هو سلاح فعال حيث يموت كل يوم 7 من الناجين وهذا يعني 7 أشخاص أقل سوف تدفع لهم التعويضات. الدولة هي ايضا شريكة في عملية النهب هذه حيث حولت مئات الملايين من هذه الدولارات الى مجالات أخرى وخصوصا الى مجالات عسكرية. دولة اسرائيل التي تعيش ماديا ومعنويا على الهولوكوست هي الدولة الوحيدة في العالم التي تطلب من الناجين أن يثبتوا أن إعاقاتهم كانت بسبب معاناتهم في معسكرات التركيز. وحتى اليوم ترفض دولة اسرائيل الاعتراف بمكانة الناجين قانونيا. انها صناعة مخيفة، المخفي منها أعظم من الظاهر.
نورمان فينكلشتاينن وهو مفكر يهودي امريكي، وابن لأبويين نجيا من معسكرات الابادة النازية، أصدر كتابا يفضح بعض هذه المماسات، اسمه: " صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية" يتهم به التنظيمات اليهودية العالمية ودولة اسرائيل ألاستيلاء على معظم اموال التعويض من أجل زيادة ارباحها الفاحشة.
الصحفي الاسرائيلي يوسي غورفيتش يقول في احدى مقالاته أن معاملة ناجي الهولوكوست بهذه الطريقة المخزية ليست جديدة بل تعود الى السنوات الاولى من قيام الدولة حيث وقع دافيد بن غوريون في عام 1952 إتفاقا مع المانيا يتلقى بموجبه مساعدات منها لبناء الدولة وخصوصا من الناحية العسكرية بشرط أن يتخلى عن المطالبة بتعويضات خاصة للمتضررين.
ويضيف أن بن غوريون وباقي زعامة "اليشوف" كانوا يتعاملون مع الناجين بطريقة الاستعلاء والتعجرف ولم يخفوا سلوكهم هذا، خصوصا وان معظم الناجين لم يكونوا صهاينة وفضلوا البقاء في بلدانهم ورفضوا الانجرار وراء دعاية الحركة الصهيونية. خلال الحرب العالمية الثانية والفترة التي سبقتها، 10% من يهود اوروبا فقط إعتبروا انفسهم صهيونيين. لذلك قال بن غوريون: اذا كان الخيار بين انقاذ مليون طفل بشرط ان يهاجروا الى بريطانيا، وبين إنقاذ نصف مليون طفل فقط ولكن يهاجرون الى اسرائيل، لإخترت الخيار الثاني".
ولكن هذا لم يمنع اسرائيل من استغلال هؤلاء الناجين في عدة مجالات اخرى اهمها ابتزاز العالم وتبرير وجودها وجرائمها المستمرة منذ قيامها وحتى اليوم.
لقد استغلت الحركة الصهيونية الجرائم النازية لكي تبتز الضمير العالمي وخصوصا الاوروبي من أجل الحصول على دعمها لأقامة كيانها، بعد أن نصبت نفسها وريثا ليهود اوروبا، الذين نبذوا ايديولوجيتها ورفضوا الهجرة الى فلسطين.
بمفارقة صارخة وتناقض مباشر مع سلوكها جعلت من الهولوكوست حدثا فريدا من نوعه وبنت حوله هالة من القدسية حتى اصبح مقتل عشرات الملايين من الشعوب الاخرى في الحرب العالمية الثانية امرا عاديا يكاد أن يكون تافها. وفي الوقت نفسه كانت تنظر نظرة إزدراء لهؤلاء الناجين وتعاملهم بإهمال وإستعلاء وتتهمهم بالذهاب الى المحرقة كالنعاج بدون مقاومة وكأن الصهاينة هم الوحيدين الذين يجسدون "اليهودي الجديد" المحارب والمستقل. مع أن الحركة الصهيونية لم تقم بأي دور ذي اهمية في مقاومة النازية والفاشية في اوروبا. ولكن هذا موضوع آخر.
في هذه الاثناء بينما يستمر عرض مسرحية "ذكرى البطولة والكارثة" يواصل العديد من الناجين مظاهراتهم واحتجاجاتهم ضد هذا النفاق الرسمي ومن أجل إعادة الاموال المسلوبة بإسمهم ويصرخون: لقد أذللنا وداسوا على كرامتنا.
نعم، دولة إسرايل هي آخر من يستحق شرف ذكرى ضحايا النازية.

Tuesday, April 29, 2008

عن أي إستقلال يتكلمون؟



يحكى أن ناسكا هنديا رزق بطفل فبكى. فسأله أهله مستغربين: الاحرى بك أن تفرح وتحتفل فلماذا تبكي؟ فقال لهم: اليوم مات.
يخلق الانسان وهو يحمل عنصر موته في داخله ولا يستطيع أن يهرب أو يتخلص منه. كذلك الدول تولد وعنصر فنائها في صلبها ولا تستطيع الخلاص منه. دولة اسرائيل ليست استثناء بل هي تأكيد لهذه القاعدة. قبل 60 عاما ولدت دولة اسرائيل وقبل 60 عاما بدأت تموت. وها نحن نرى هذه الدولة تموت أمام أعيننا ليس من جراء حرب خارجية تشن عليها وليس من جراء استعمال اسلحة نووية او اسلحة دمار شامل ضدها ولا من جراء تسونامي مدمر أو هزة أرضية رهيبة. بل هي تموت لأنها منذ ولادتها حملت عناصر فنائها في أحشائها. واليوم هذه العناصر ستتفحل وتخطو بخطى سريعة نحو الانفجار.
لا يوجد هناك إستقلال ولا يحزنون. فالاستقلال هو تحرر شعب من نير إحتلال أجنبي. فأي شعب هذا الذي يحتفل بإستقلاله؟ واين الاحتلال الاجنبي الذي كان يربض تحت نيره؟ إن بناة هذه الدولة ليسوا أكثر من عصابات من الكولونياليين. وهم هم الاحتلال.
لقد أن الآوان أن نعيد تعريف بعض المفاهيم والمصطلحات وأولها مفهوم الاستقلال. ونتوقف عن تبني الشعارات الخاطئة والمضللة التي تدل على محدودية فهمنا للواقع. علينا أن نتوقف منذ الآن عن رفع شعار: "يوم إستقلالهم هو يوم نكبتنا" لأنه لا يوجد لديهم يوم استقلال. بل يوجد لديهم يوم إحتلال. هذا تشويه لمفهوم الاستقلال الذي يعبر عن التحرر وعن نضالات الشعوب ضد الظلم والعدوان، هذا إهانة لمفهوم الاستقلال كما تفهمه الشعوب وكما نص عليه إعلان الامم المتحدة حول منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة. هم يستطيعون أن يطلقوا على يوم إحتلالهم ما يشاؤون من أسماء. ولكن ذلك لا يكفي لجعل ادعاءاتهم حقيقية. فالاحتلال يبقى الاحتلال بالرغم من كافة التسميات الجميلة. فقط نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر من نير هذا الاحتلال وفي حال تكلله بالنجاح يمكن أن يسمى إستقلالا وهذا حسب كافة المواثيق الدولية.
لقد قامت هذه الدولة منذ البداية على أسس عنصرية وتغذت من أيديولوجية عنصرية رجعية حتى قبل أن تبدأ بالغزو العملي لفلسطين وهي الايديولوجية الصهيونية.
قبل أن تمارس الصهيونية جرائمها على الشعب الفلسطيني إقترفت جرائم عديدة في حق يهود العالم أنفسهم.
لقد قامت الحركة الصهيونية على ثلاثة مبادئ عامة كلها خاطئة ومضللة تعبر عن مصالح فئة قليلة من الرأسماليين اليهود الذين كانوا جزء وفي خدمة النظام الاستعماري العالمي.
اولا) إعتبار يهود العالم شعبا واحدا لا تربطهم أي علاقة بالبلاد التي يسكنونها وبالشعوب التي يعيشون بينها. وهذا زعم واضح الكذب. فيهود فرنسا مثلا هم فرنسيين تماما كباقي الفرنسيين ومن يقول غير ذلك فهو عنصري (ولا سامي)، ويهود روسيا هم روس ويهود المغرب مغاربة ويهود اثيوبيا اثيوبيين وهكذا دواليك. لا يوجد هناك شعب يهودي عالمي. وهذا ما يقوله كل يهودي يحترم هويته الحضارية والثقافية وانتمائه الوطني.
ثانيا) إن كراهية اليهود (اللاسامية) هي صفة أبدية عند كافة الشعوب. وهذه الكراهية تشكل خطرا على أمن اليهودي اينما تواجد. هذا الادعاء هو أيضا خاطئ ومضلل. فاللاسامية ليست صفة ازلية مرافقة لجميع الشعوب. بل كانت وسيلة سياسية تستعملها الطبقات الرجعية في صراعها على السلطة في حقبات تاريخية محددة.
ثالثا) الحل الوحيد لإنقاذ "الشعب اليهودي العالمي" من براثن اللاسامية هو بناء الوطن القومي اليهودي.
وهذا ما عملت الحركة الصهيونية على تحقيقه على مدار أكثر من قرن، وكانت دولة اسرائيل هي نتاج هذا النشاط الصهيوني.
قيام دولة اسرائيل لم يكن يعني نكبة الشعب الفلسطيني، تشريده وإغتصاب ارضه وتدمير مجتمعه فحسب. بل كان يعني قبل ذلك نكبة المجتمعات اليهودية التي اقتلعت من ارضها وبيوتها في أرجاء عديدة من العالم. بواسطة اساطير حول شعب بلا ارض يعود الى ارض بلا شعب تم تدمير جاليات يهودية آمنة في اوروبا وافريقيا وآسيا.
عندما قامت الصهيونية السياسية في اروروبا كانت حركة هامشية بين اليهود انفسهم. وقد نبذهاغالبيتهم العظمى بل حاربوها ورؤوا بها حركة رجعية تتعاون مع الحركات الرجعية المحلية من أجل زعزعة احوالهم وإجبارهم على الرحيل. ورؤوا بالحركة الصهيونية واللاسامية وجهان لعملة واحدة. فالصهيوني يقول لليهودي: ارحل وطنك ليس هنا وشعبك ليس هنا. واللاسامي كان يقول لليهودي الشيء نفسه: ارحل، لا مكان لك هنا.
لظروف تاريخية ملموسة نجحت الحركة الصهيونية بتحقيق بعض مآربها وخصوصا بإقتلاع بعض الجاليات اليهودية وجلبها الى فلسطين وأقتلاع الشعب الفلسطيني وإحتلال أرضه وإقامة دولة إسبارطة الحديثة. ولكنها فشلت تاريخيا:
اولا: فشلت في ترحيل معظم اليهود الى فلسطين. فبعد قرن من التهجير استطاعت جلب 20% من يهود العالم فقط. واليهود الذين يهجرونها اليوم أكثر من القادمين اليها. وثانيا) فشلت في تصفية قضية الشعب الفلسطيني بالرغم من التشريد والدمار والقتل الذي لم يتوقف حتى يومنا هذا. ثالثا) بعد ستين عاما من قيام دولة اسرائيل المدججة بأحدث انواع السلاح فشلت بتحقيق الامن الذي وعدته للمهاجرين اليهود. المكان الوحيد غير الآمن لليهود اليوم هو فلسطين، لأنه لا يوجد أمن في ظل الاحتلال، أي إحتلال.
إن مصلحة الشعب الفلسطيني، ومصلحة الجماهير اليهودية ومصلحة كافة الشعوب المحبة للحرية والسلام هي أن تتخلص من هذا الكابوس الذي يسمى صهيونية وآله الحرب الوحشية التي صنعتها والتي تسمى اسرائيل، قبل فوات الاوان وقبل أن تقودنا جميعا الى نكبة جديدة.

Wednesday, April 23, 2008

صباح الخير هيلاري - صباح الخير أمريكا



مضى حوالي 63 عاما منذ أن أصدر الرئيس الامريكي ترومان أوامره بالقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وذلك بحجة إنهاء الحرب العالمية الثانية التي أزفت على الانتهاء من غير استعمال السلاح النووي. هذه القنبلة اسفرت عن سقوط أكثر من 200000 قتيلا. وما زالت آثارها الوخيمة ملموسة حتى يومنا هذا.
قبل عدة أيام، وفي مقابلة مع شبكة ABC الامريكية وفي البرنامج الشهير "صباح الخير أمريكا" صرحت هيلاري كلينتون والتي من المحتمل أن تكون المرأة الاولى التي تتبوأ رئاسة الويات المتحدة الامريكية: أنها سوف تقوم بإبادة ايران نهائيا إذا ما قامت ايران بمهاجمة اسرائيل بسلاح نووي. أي أن الرئيسة المستقبلية للدولة العظمى الوحيدة في العالم سوف تكون مستعدة لقتل 70 مليون ايراني من أجل عيون إسرائيل. في هذه الحالة تستطيع أن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه بصفتها أكبر مجرمة حرب عرفها تاريخ البشرية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا ليس إذا كانت المرشحة الديموقراطية للرئاسة، ذات الحظ الاوفر تعني ما تقول أم لا، السؤال هنا هل تعي ما تقول أم لا. مثل هذا التصريح الدموي غير المسبوق لا يمكن أن يكون مجرد دعاية انتخابية، بل يجب أن يكون كافيا على الاقل لأرسال هذه السيدة الى إحدى المصحات العقلية او على الاقل إعادتها الى منزلها لكي تهتم بمغامرات زوجها الغرامية.
حتى وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس وفي اليوم نفسه، بمحاضرة في احدى الكليات الحربية حذر من عواقب حرب ضد ايران، نووية كانت أم تقليدية. بينما المرشحة التي تذرف دموع التماسيح على الجنود الامريكيين الذين يعودون الى بيوتهم بالتوابيت من العراق وتطالب بسحب الجيوش الامريكية منها، تعلن مثل هذا التصريح الوحشي لكي تنال حفنة من الاصوات السامة وبعض الرضى من اللوبي الصهيوني الفاشي.
لو كان الصحفي الذي اجرى المقابلة معها والتي بثت من المحيط الى المحيط يحترم مهنته لسألها سؤال واحد بسيط: هل كانت ستفعل الشيء نفسه اذا قامت دولة اسرائيل بمهاجمة سوريا او ايران بالسلاح النووي، هل كانت ستبيد إسرائيل نهائيا؟؟ في نهاية المطاف تعد اسرائيل 5 ملايين فقط وليس 70 مليونا.
لقد أعلن تقرير أمريكي تناقلته وسائل الاعلام العالمية أن ايران لا تملك سلاحا نوويا، وانها أوقفت برنامجها للتسلح النووي منذ اكثر من خمسة سنوات. وقد صادقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على صحة ومصداقية هذا التقرير. بينما يعلم العالم أجمع أن دولة اسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي تمتلك الاسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى.
فلماذا لا تتجرأ هيلاري كلنتون أن تفتح فمها منتقدة البرنامج النووي الاسرائيلي؟
إسرائيل والادارة الامريكية فقط تصران على تكذيب هذا التقرير الصادر عن أعلى مؤسسة امريكية مختصة في هذا المجال. وتتعاملان بلغة التهديد والتحريض وفرض العقوبات وتأزيم الوضع المتأزم أصلا، حتى دفعتا المنطقة بإسرها الى حافة حرب جديدة لا يعرف أحد ماذا ستكون نتائجها.
حسب معلوماتي المتواضعة في هذا المجال أعرف أن ايران وكافة الدول العربية قد وقعت على معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية وهي تخضع للرقابة الدائمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الدولة الوحيدة في المنطقة التي ترفض التوقيع على هذه المعاهدة وترفض اي رقابة دولية عليها هي دولة اسرائيل. فاين يكمن خطر حرب قادمة تستعمل بها اسلحة دمار شامل؟
لنعود الى السيدة كلينتون والتي على ما أظن ما زالت تحتفل بفوزها في الانتخابات المسبقة في ولاية بنسلفانيا وتعلن مواصلة حملة ترشيحها للرئاسة. أنصحها، وهي ترفع كأس الشمبانيا الى فمها، أن تتوقف قليلا وتفكر بأن هذا الكأس قد يكون مليئا بدم الناس الابرياء في منطقتنا إذا ما حالفها الحظ ووصلت الى البيت الابيض.
لقد تناولت وسائل الاعلام الاسرائيلية تصريح كلينتون هذا بنوع من الاعتزاز والافتخار، بينما تغاضت عنه وسائل الاعلام العربية. وهذا امر مشين في حد ذاته. علينا أن نقرع كل أجراس الانذار ضد هذا الحلف غير المقدس بين اسرائيل بغض النظر عن رؤساء حكوماتها وبين الولايات المتحدة الامريكية بغض النظر عن رؤسائها ومرشحيها.
على جميع القوى المحبة للسلام في العالم أجمع أن توقف هذه المرأة قبل أن تصبح قادرة على أن تحقق مثل هذا الحلم المرعب.

Tuesday, April 22, 2008

زيارة جيمي كارتر - هل نقف أمام كامب ديفيد جديد؟


نشر الرئيس الامريكي السابق، جيمي كارتر كتابا بإسم: "فلسطين سلام وليس أبرتهايد". حمل اسرائيل مسؤولية عرقلة التوصل الى اتفاقية سلام في المنطقة واتهمها بمارسة سياسة ابرتهايد، اي سياسة تمييز عنصري، في حق الشعب الفلسطيني خصوصا فيما يتعلق بنهب الاراضي وبناء المستوطنات والجدار العازل. وبالرغم من أن كارتر لم يكتب شيئا جديدا لم يكن معروفا، وبالرغم من ان ما نشره ليس سوى غيض من فيض مما تقترفه اسرائيل من جرائم وكنا وما زلنا نقوله لكل من يحب أن يسمع، ولم يصغ الينا احد في هذا العالم المتنور، نرى أن كتاب كارتر حظي بردود فعل شديدة خصوصا من اللوبي الصهيوني المهيمن في واشنطن ومن الدوائر في الادارة الامريكية التي تدور في فلك هذا اللوبي.
لم يشفع لكارتر انه اسدى لإسرائيل أكبر خدمة عرفتها في تاريخها الدامي وهي اتفاقيات كامب ديفيد التي سلخت مصر من حضن الامة العربية والقت بها في احضان امريكا واسرائيل ووضع الاساس لتصفية القضية الفلسطينية عن طريق حل الحكم الذاتي الذي يتكرر بأشكال مختلفة. هذه الاتفاقيات هي أم جميع الاتفاقيات التصفوية التي لحقتها مثل اتفاقيات اوسلو ووادي عربة وغيرها.
لم يكتف كارتر بنشر كتابه المثير للجدل. ولم يتراجع أمام هجوم اللوبي الصهيوني عليه، بل خطى خطوة أخرى تبدو جريئة في ظاهرها. فقد قام، من ضمن الاماكن التي زارها، بزيارة دمشق ومقابلة الرئيس السوري ومقابلة زعامة حماس. على عكس السياسة الامريكية الرسمية التي تفرض العزل والحصار على سوريا وتعتبر حركة حماس حركة ارهابية غير شرعية. ولم يكتف بزيارة مجاملة، بل صرح أن سياسة استبعاد حماس وسوريا غير ناجحة ودعا الى ضرورة التفاوض معهما.
هل نحن أمام صديق جديد للشعب الفلسطيني وللأمة العربية؟ يجب أن نرفعه عاليا ونضمه الى قلوبنا؟
اذا تغاضينا عن تاريخه الحافل في خدمة اسرائيل عندما كان رئيسا، وتغاضينا عن مركزه الحالي غير المؤثر أو كما وصفه تسحي هنغبي وشاؤول موفاز بانه منقطع عن الواقع يعيش في حالة من الهذيان، فهل حقا غير كارتر قناعاته بشكل جذري؟ الجواب، ومن تصريحاته المتكررة، هو لا. فما زال يؤمن بحق اسرائيل بالوجود ويدين "العنف" الفلسطيني ويعترف بكافة الاتفاقيات المجحفة في حق الشعب الفلسطيني.
إذن ما الذي دعا كارتر الى أن يغرد خارج السرب الامريكي؟ في الحقيقة موقف كارتر ليس فريدا من نوعه كما يبدو للوهلة الاولى. لم يعد خافيا وجود تيارات متباينة في دوائر الادارة الامريكية بخصوص سياسة بوش الغبية في المنطقة وخصوصا توريط امريكا في افغانستان والعراق. حتى أن بعض معاوني ومؤيدي بوش المعروفين قد استقالوا وتركوه لوحده يقضي السنة الاخيرة في البيت الابيض. ونرى أنه تحت الضغط الشعبي أجبر مرشحا الحزب الديموقراطي كلنتون وأوباما ان يضعا مسألة انسحاب الجيوش الامريكية من العراق في صلب برنامجهما الانتخابي. وهناك تقرير جيمس بيكر ولي هاملتون والذي يدعو الى ضرورة التفاوض مع سوريا وايران والى تطبيق قرارات الامم المتحدة.
بالرغم من تنصل الحزب الديموقراطي رسميا من كتاب وتحركات كارتر غير انها تعكس توجهات متنامية تدعو الى إعادة تقييم السياسة الامريكية في المنطقة التي اوصلتها ادارة بوش الى أزمة حقيقية.
هناك نوع من تقاسم الادوار. الجناح اليميني المتشدد الذي يقوده المحافظون الجدد الذين يحيطون بجورج بوش مقابل الجناح الليبرالي. تختلف الاساليب والتوجهات وتتوحد الاهداف والاستراتيجيات وهي المحافظة على هيمنة الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل.
خطوة كارتر الاخيرة بدأت تؤتي ثمارها. فها هي زعامة حماس قد غمرها كرم التنازلات وصرحت بقبولها للتهدئة وقبولها بالدولة الفلسطينية في الاراضي المحتلة عام 1967 وقبولها بأي اتفاق يتوصل اليه محمود عباس من خلال المفاوضات مع اسرائيل اذا قبله الشعب الفلسطيني عن طريق استفتاء. ولم تشرح لنا حماس ماذا تعني بالاستفتاء، هل سيكون مقتصرا على سكان قطاع غزة والضفة الغربية أم سوف يشمل كافة الفلسطينيين في أماكن تواجدهم؟ ولم تشرح لنا أيضا كيف ستنفذ مثل هذا الاستفتاء على ارض الواقع. من أجل ان تبقى حماس في السلطة أو على الاقل أن تشارك بها فهي مستعدة أن تقدم تنازلات كبيرة. وهذا ليس جديدا عليها، فقد أقدمت على ذلك من قبل، ولكن حتى الان لم بأخذها اي طرف على مأخذ الجد. هذا التنازل بدا بالمشاركة في الانتخابات في ظل الاحتلال، وتفاقم بعد تحقيقها الفوز في هذه الانتخابات. فما زلنا نذكر موافقتها على اتفاقية مكة وعلى ما يسمى بمبادرة السلام العربية، وصرحت مرارا وتكرارا انها سوف تحترم الاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل.
جاء كارتر ليقول للعرب وللفلسطينيين: كلما تنازلتم أكثر كلما ازدادت فرصكم لكي تحصلوا على شيء. جاءت رحلة كارتر لكي يذكرنا بصحة وضرورة النظرية التي وضعها أنور السادات في فترة ولايته والتي تقول: 99% من اوراق الحل في يد أمريكا. هذه النظرية التي يتبناها حاليا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقام بتطويرها بشكل خلاق.
يقول مثلنا الشعبي: أحذر عدوك مرة وأحذر صديقك الف مرة. وخصوصا اذا كان الصديق على شاكلة جيمي كارتر ومن يقف وراءه.

Wednesday, April 16, 2008

الدوحة بين ليفني والطيبي



رسميا، لا تقيم دولة قطر اية علاقات رسمية مع اسرائيل. ولكن عمليا أصبحت الدوحة مرتعا للسياسيين ورجال الاعمال والمخابرات الاسرائيليين. في نهاية السنة الماضية حل شمعون بيرس، صاحب نظرية الشرق الاوسط الجديد، ضيفا معززا على حكام قطر. واليوم تكتسح وزيرة الخارجية ليفني قلوب أمراء قطر. على الصعيد العملي، علاقات إسرائيل مع دولة قطر متطورة أكثر وعلى كافة الاصعدة عن علاقتها مع مصر والاردن حيث تربطها بهما اتفاقيات سلام رسمية. هذا بالاضافة الى أن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسركية امريكية في المنطقة.
رسميا، أحمد الطيبي هو عضو في الكنيست الاسرائيلي بل هو نائب رئيس الكنيست. ولكنه في قطر يلبس قناع العضو العربي في البرلمان وفي مناسبات عديدة يدعي تمثيل ليس عرب الداخل فحسب بل وفي حالات كثيرة السلطة الفلسطينية أيضا. حيث نقل ولاءه ودعمه بعد رحيل ياسر عرفات الى محمود عباس وسلطته.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا يحدث عندما يلتقي أحمد الطيبي مع تسيبي ليفني في الدوحة؟؟
ظاهريا، تبدو الامور، خصوصا للمشاهد العربي البسيط والبعيد عن الاحداث انهما يقفان على طرفي نقيض: فهذه ليفني تقول امام الزعماء العرب وامام وسائل اعلامهم أن اسرائيل بريئة كالحمل، ولا علاقة لها اصلا بالصراع الدائر في المنطقة. وأن الصراع هو بين المتطرفين والمعتدلين واسرائيل بالطبع تقف دائما مع المعتدلين. بينما يتهم الطيبي اسرائيل بالعنصرية وبعدم الرغبة في السلام.
هذا الخلاف التكتيكي وهو بالمناسبة موجود في اروقة الكنيست وليس بحاجة لأن ينتقل للدوحة الا اذا كان وراء الاكمة ما وراؤها. المراقب الذي يتمتع بقليل من بعد النظر يستطيع أن يشاهد ماذا يكمن وراء هذه الاكمة بوضوح وهو تجميل صورة اسرائيل في العالم العربي وإظهارها كدولة ديموقراطية حضارية.
حتى توقيت منتدى الدوحة "حول الديموقراطية والتنمية والتجارة الحرة" لم يكن من باب الصدفة. بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها قطاع غزة خصوصا منذ بداية السنة وفي ظل مرور الذكرى ال60 للنكبة وعودة أعمال التطهير العرقي التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني الى الواجهة، كانت اسرائيل بأمس الحاجة الى مثل هذا المؤتمر من أجل ترميم صورتها. ومن هنا جاء التعاون بين "النقيضين" ليفني – الطيبي لكي يكمل احدهما الآخر.
في هذا السياق ينبغي الا ننسى الدور "المتناقض" ولكن المنسجم مع هذه الاستراتيجية حتى النهاية لقناة الجزيرة التي تمتلكها العائلة القطرية المالكة. قبل شهر فقط طالبت ليفني، على لسان مساعدها مجلي وهبي بمقاطعة هذه القناة لأنها متحيزة للجانب الفلسطيني، او بالاحرى لأنها متحيزة لصالح حماس، ولأن تغطيتها لأحداث غزة كانت أحادية الجانب بينما كانت الرواية الاسرائيلية مغيبة عن هذه التغطية. بعد زيارة ليفني ومقابلتها للأمير وللمسؤولين في القناة عادت المياه الى مجاريها بعد أن تمت تسوية الخلافات، اقصد سوء التفاهم. ها هي اسرائيل تعترف مجددا بمدى اهمية قناة الجزيرة واهمية التعاون المشترك بينهما. ووعدت ليفني بإرسال وفد رفيع المستوى من الاعلاميين الاسرائيليين الذين يخدمون في وزارة الخارجية لتطوير العلاقات الثنائية.
قد يقول البعض، إن زيارات بعض الشخصيات العربية من الداخل للدول العربية ومن ضمنها لدولة قطر هي عملية تواصل مع الشعوب العربية وهي حق طبيعي يجب أن نستغل كل فرصة للقيام به. هل حقا مثل هذه الزيارات هي تواصل؟ أم لها اسم آخر هو تطبيع؟
الجواب على هذا السؤال يتعلق بمن تسأل. اذا توجهت بهذا السؤال لأعضاء الكنيست العرب ولبعض رجال الاعمال والاعلاميين المستفيدين بشكل او بآخر من الوضع القائم فسوف يكون جوابهم الجاهز: انه تواصل. يجب أن نبني الجسور بين أطراف العالم العربي. ولكن اذا كان هذا السؤال موجها لشخص يمتلك الحد الادنى من الانتماء والشعور بالكرامة الوطنية سيكون جوابه القاطع: هذا تطبيع مع كيان مغتصب متعجرف يرتكب جرائم الحرب ليس ضد الشعب الفلسطيني فحسب بل ضد الانسانية ايضا.
التواصل الحقيقي لا يمكن أن يتم من خلال اتفاقيات خيانية تمنح المجرم صك براءة. اننا جميعا مع التواصل الحقيقي مع جماهير الامة العربية من المحيط الى الخليج. ولكن هذا التواصل لا يمكن أن يتم من خلال مباركة الكيان الذي قطع أوصال الجسد الفلسطيني ويمنع تواصل الاهل حتى بين المدن والقرى الفلسطينية ويعمل كل ما في وسعه لإثارة نعرات الشقاق وتخليد التفرقة في كافة الدول العربية. كلنا نعلم ما هو دور اسرائيل التخريبي في العراق ولبنان والسودان والصومال وغيرها.
يجب مكافحة التطبيع مهما كانت أشكاله. ويجب فضحه مهما وضع من أقنعة.

Tuesday, April 15, 2008

نكبة الثقافة والتراث



النكبة التي حلت بشعبنا منذ 60 عاما ولم تتوقف حتى هذه اللحظة لم تستهدف النواحي المادية وحسب، ولم تسفر عن تشريد شعب آمن ونهب أرضه وتدمير بناه التحتية فحسب، بل طالت ايضا تدمير حياته الثقافية وتشويه هويته الوطنية.
في هذه الايام ونحن نستعد لإحياء الذكرى الستين للنكبة، وفي وسط الكم الهائل من الكتابات، والدراسات والابحاث والنشاطات، والتي تتحد جميعها في وصف أهوال النكبة وتداعياتها التي لم تتوقف، ولكنها تحاول في الوقت نفسه أن تدفع الى زاوية من النسيان جانب هام من النكبة، واذا تم ذكره فإنه يذكر بشكل عابر. اقصد بذلك أن النكبة كانت وما زالت أولا وقبل كل شيء هزيمة. هزيمة تتعدى الهزيمة العسكرية والسياسية. انها هزيمة على الصعيد الحضاري الذي يشمل في طياته النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية.
الكلام عن النكبة كنكبة وحسب، اي كمأساة حلت بنا وقلبت حياتنا رأسا على عقب، كمصيبة نزلت علينا من السماء وكأنها كارثة طبيعية، وعدم الكلام عنها كهزيمة يعني التنصل من المسؤولية، يعني عدم محاسبة المهزومين، يعني عدم وعي اسباب الهزيمة والعمل على التخلص منها. بعد ستين عاما من النكبة ما زلنا نحتضن ثقافة الهزيمة وفكر الهزيمة وتراث الهزيمة. وأنكى من ذلك، فقد جبلنا كل هذه الامور الانهزامية وجعلنا منها هوتنا الوطنية وتراثنا الذي ينبغي أن نحافظ عليه.
لقد أصبح الكلام عن التراث الشعبي وعن دوره الحاسم في تكوين هويتنا الوطنية والحفاظ عليها بعد النكبة، سلعة رائجة في الاسواق. فكل يوم نسمع عن مؤتمر "تراثي" جديد، او ندوة أو بحث أو إحتفال أو أمسية، الخ.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يستطيع مثل هذا التراث البائد أن يكوّن هوية وطنية تقدمية مقاومة؟
هل تنظيم مهرجان للزجل والفلكلور في سخنين من قبل "مركز ثقافي" مأجور وبالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والعلوم التي يراسها وزير عربي عضو في الحزب الذي صنع النكبة ممكن أن تعبر عن تراث تقدمي يساهم في تطوير هوية وطنية حقيقية؟
وهل تنظيم مؤتمر للتعليم العربي في الناصرة تحت وصاية وزيرة التربية والتعليم ومشاركة العديد من "المربين" يمكن أن يخدم التعليم العربي، مهما تفنن هؤلاء المربون من اختراع المصطلحات والشعارات حول الرؤى والتطلعات والمسؤولية؟
وهل مهرجان مسرحي ينظم في عكا تحت رعاية مؤسسات اسرائيلية رسمية ممكن أن تغير الواقع الاليم الذي يعاني منه اهالي عكا العربية من سياسة هذه المؤسسات بالذات؟
إن تراثا يرعاه وزير في حزب العمل الاسرائيلي لا يستحق أن يحافظ عليه بل يجب التخلص منه كأحد اسباب الهزيمة.
إن مؤتمرا تعليميا تشارك فيه وزيرة هدفها الاول تجهيل الجماهير العربية بالتعاون "مثقفين" محليين هم في نهاية المطاف موظفون عند هذه الوزيرة مهما سبق اسمائهم من القاب بروفيسور ودكتور، لن يكون الا مؤتمرا تجهيليا هو الآخر. وكما قال كارل ماركس: ان المربين هم انفسهم بحاجة للتربية
لقد آن الاوان أن نغربل تراثنا ونلقي بالزوان الى مزبلة التاريخ. يجب أن نبدأ وبكل جرأة ومسؤولية بعملية فرز شاملة حتى نتخلص من هذه الادران التي نضرب حولها هالة من القدسية ونضمها الى قلبنا بحجة انها تراث شعبي يجب حمايتها.
الطابون ليس تراثا، بل هو شاهد على فقرنا وتخلفنا، ولا انسى قصة احد متاحف إحياء "التراث" الذي انفق اموالا طائلة من أجل بناء طابون.
المحراث الحديدي، وجاروشة القمح، والقنديل، والبريموس، والادوات البدائية من منجل وبلطة وطاحونة قهوة قديمة، الخ. ليست تراثا وطنيا يجب المحافظة عليها حتى ولو كدست ليتفرج عليها سعادة الوزير. بل هي الاخرى شاهد على تخلفنا.
الدجل الذي نمارسه تحت ما نسميه الطب الشعبي والمليئ بالشعوذة وقراءة الفنجان، وكتابة الأحجبة، الخ. ليست تراثا يجب التمسك به، بل يجب التخلص منه نهائيا لأنه كان عاملا حساما في الهزيمة التي منينا بها عام النكبة.
عندما يكون حاضر الشعب تعيسا، بائسا وعندما يكون مستقبله قاتما، محبطا يعود لينبش في ماضيه، يحن الى تخلفه ويشتاق الى كسله الذي سبق الهزيمة ويعتبرها تراثا يجب أن يتمسك به والا ضاعت هويته الوطنية وتمكن منه الاستعمار الغاشم. وهذا هو حال شعبنا الفلسطيني.
يجب شن حملة شاملة على علماء الانتروبولوجيا ومفكري التراث على كافة مدارسهم ومشاربهم، الذين يروجون لمثل هذا التراث المشوه والمزيف، وفي الوقت نفسه يطمسون التراث الحقيقي، الثوري التقدمي الذي يجسد خلاصة نضال الجماهير ضد الاحتلال والاستعمار والطغيان.
تراثنا الحقيقي ليس زجل يصفّه زجالون مؤجورون لمدح هذا الوجيه او ذاك، او للمبارزة الوهمية فيما بينهم. بل تراثنا الحقيقي هو زجل انبثق من خلال مواجهة الاستعمار والصراع ضد الصهيونية والرجعية. تراثنا الحقيقي هي التشبث بمكارم الاخلاق، بالنخوة والتعاضد والتضامن، وليس التزلف الى المسؤولين لنيل بعض الفتات. هذه الامور لن نراها ولن نجدها في أي عمل يقوم تحت وصاية او رعاية اية مؤسسة حكومية.
هذا التراث الذي نشهده اليوم لا يبني ولا يبلور هويتنا الوطنية بل على العكسن يشوهها ويقوضها. لذلك ينبغي أن نهمله حتى يندثر.
بالمقابل يجب إحياء التراث التقدمي، الحضاري، الانساني، الضروري في مسيرة الحرية من أجل بناء مجتمع أفضل.

Wednesday, April 09, 2008

عندما يصبح الفدائي شرطيا


في الآونة الاخيرة تتزايد الاخبار والتقارير الواردة من عدة مصادر حول خطة أمنية تقوم الولايات المتحدة الامريكية، اسرائيل والسلطة الفلسطينية بإعدادها بالتعاون مع بعض الدول العربية وخصوصا مصر والاردن وبدعم وتمويل الاتحاد الاوروبي. ما تناقلته وسائل الاعلام الاسرائيلية، بالرغم من انها لم تكشف سوىا عن جزء بسيط من هذا المخطط السري نظرا لطبيعته الامنية والعسكرية، هو في غاية الخطورة خصوصا في ظل التعتيم الذي تفرضه وسائل الاعلام الفلسطينية والعربية.
قام الصحفي الاسرائيلي رون بن يشاي، المطلع على مصادر موثوقة وصاحب الاتصالات مع الدوائر الامنية الاسرائيلية، بنشر مفال في جريدة يديعوت احرونوت يكشف بعض جوانب هذه الخطة وجدير بالتوقف عنده:
الخطة بإشراف المارشال الامريكي دايتون الذي بدأ بحياكتها منذ وقت طويل والتي باءت الى الفشل في مرحلتها الاولى بعدما فشل محمد دحلان وجهاز امنه الوقائي بالقضاء على المقاومة والسيطرة على غزة ومن ثم قبول الحل الامريكي – الاسرائيلي للقضية الفلسطينية. يبدو أن دايتون قد تعلم بعض الدروس من هزيمة دحلان وجهازه في غزة ويعمل الآن على تطوير خطة امنية جديدة تضمن القضاء على اية مقاومة فلسطينية لما يسمى بالعملية السلمية.
يمكن تلخيص هذه الخطة بما يلي:
1) توحيد الاجهزة الامنية الفلسطينية بحيث يبقى في النهاية شرطة واحدة وجهاز امن وقائي واحد وجيش واحد يسمى ب"جهاز الامن الوطني" مهمته طبعا ليس مواجهة اسرائيل او مقاومة الاحتلال بل القضاء على "فوضى السلاح" وحفظ الامن والنظام. وكما صرح بها وزير الداخلية بالسلطة عبد الرزاق اليحيى امام المجندين الجدد:" انتم هنا ليس لمواجهة اسرائيل. الصراع مع اسرائيل لم يؤد الى اي مكان، مهمتكم هي فرض الامن والنظام. يجب أن تثبتوا لإسرائيل انكم تستطيعون القيام بهذه المهمة".
2) من أجل القيام بهذه المهمة الجديدة يجب على المنتسبين لهذا الجهاز أن يقوموا بتدريبات خاصة والتي بدأت منذ فترة في الاردن حيث يقوم ضباط اردنيون بإشراف ضباط امريكيين بتدريب عناصر هذا الجهاز الجديد على كيفية قمع وتفريق المظاهرات الشعبية، السيطرة على البيوت، الاعتقالات، اطلاق سراح رهائن، الخ.
3) تشرف الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ليس فقط على التدريب وتحديد المهمات التي ينبغي انجازها، بل ايضا التزويد بالمعدات اللوجستية والسلاح. فحتى الان قد تم تزويد هذا الجهاز بخمسين مجنزرة وبكميات كبيرة من الاسلحة الخفيفة والذخيرة، وعندما يتم انجاز التدريبات، وبعدما يثبت هذا الجهاز انه قادر على القيام بمهمته سوف يتم تزويده بالمزيد من الاسلحة.
4) المخاوف الاساسية من فشل هذا الجهاز، والتي يعبر عنها رون بن يشاي في مقاله المذكور، نيابة عن المسؤولين الاسرائيليين والامريكان هو أن المنتسبين ينقصهم الدافع الوطني والحماس والاخلاص. الدافع الوحيد الذي يجلبهم حتى الان هو المال الضروري لهم من أجل إعالة عائلاتهم. ودافع كهذا غير كاف للنجاح.
تقول الاخبار التي يتناولها الناس في الضفة انه يجري البحث عن اشخاص بسطاء لا يتمتعون بأي التزام وطني او سياسي لكي يتم تجنيدهم. ويجري اعدادهم لكي يكونوا جنود جيدين حسب المبدأ القائل:" الجندي الجيد هو الجندي الذي يطيع الاوامر" ويتم الاستغناء عن كل واحد يبدي نوع من الالتزام او الوعي الوطني. وقد طال هذا التصنيف العديدين من أعضاء حركة فتح نفسها الذين يجري ابعادهم.
اذا نجحت السلطة الفلسطينية بواسطة هذا الجهاز المحافظة على الامن والنظام، وبالمفهوم الاسرائيلي هذا يعني القضاء على "الاعمال الارهابية" فإن اسرائيل سوف تعمل بالمقابل على إزالة المزيد من الحواجز، وعلى الخروج من المدن الفلسطينية وتسليم المهام الامنية للأجهزة الامنية الفلسطينية، كما صرحت مؤخرا بالنسبة للوضع الامني في مدينة جينين. وسوف تعمل بالتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على رفع مستوى المعيشة في الضفة الغربية وبناء المناطق الصناعية المشتركة. وسوف تتوج هذه العملية في نهاية المطاف بإتفاقية سلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
في ظل هذه الظروف ماذا بقي من الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية؟ ماذا بقي من صورة الفدائي الذي يحمل روحه على كفه فداء للوطن؟.
خلال الحرب العالمية الثانية، قامت المانيا النازية بإحتلال النرويج وعينت فيدكون كويزلينغ، هو فاشي محلي لأن يكون رئيسا للحكومة تتعاون مع الاحتلال. وقد اصبح بعد الحرب اسما مرادفا للخائن المتعامل مع المحتلين. بعد الحرب تمت محاكمته واعدامه. ولكنه بقي كنموذج يضرب به المثل. هل نحن أمام حكومة كويزلينغ في فلسطين؟
بعد القضاء على النازية تبنت الولايات المتحدة الامريكية هذه الاستراتيجية وطورتها. فعينت حكومة كويزلينغية في كل بلد فرضت عليه هيمنتها. يكفي أن نذكر هنا بعض الامثال التي نعرفها جميعنا من أحمد كرزاي في افغانستان الى الشلبي والمالكي في العراق الى فؤاد السنيورة في لبنان. هل حكومة عباس – فياض في فلسطين من هذا الطراز؟.
هذه الخطة الجهنمية التي تهدد بتصفية القضية الفلسطينية عن بكرة ابيها والتي يجري اعدادها على قدم وساق يجب إفشالها ويمكن إفشالها وذلك عن طريقة زيادة منسوب الوعي الوطني عند كافة أبناء شعبنا.

Tuesday, April 08, 2008

اللاجئون اليهود واللاجئون الفلسطينيون

من يبحث عن المنطق في السياسة الامريكية في المنطقة فقد يطول بحثه، ومن يبحث عن العدالة او النزاهة في هذه السياسة فأغلب الظن انه لن يجد شيئا من هذا القبيل مهما طال بحثه. بات معروفا أن السياسة الامريكية وخصوصا في ظل إدارة جورج بوش الابن لا تتقيد بأية معايير أخلاقية فكم بالاحرى معايير منطقية او عقلانية. آخر دليل على ذلك هو القرار غير الملزم الذي إتخذه الكونغرس الامريكي مؤخرا بإعتبار اليهود الذين قدموا من الدول العربية وايران مهاجرين تسري عليهم القوانين الدولية تماما مثل اللاجئين الاخرين وخصوصا الفلسطينيين. وعندما يتم طرح قضايا اللاجئين في المحافل الدولية يجب أن يتم شمل اللاجئين اليهود ايضا.
من الواضح أن الهدف من هذا القرار الذي ينضح غباء وسخافة هو التنكر لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتصفية قضيتهم بواسطة دفع بعض التعويضات.
السؤال الاول الذي يجب أن يطرح على أعضاء الكونغرس غير المحترمين هو: لماذا فقط إعتبار اليهود الذين قدموا من البلدان العربية لاجئين؟ ولماذا لا يعتبروا اليهود الذين قدموا من اوروبا وامريكا ايضا لاجئين؟
يقول احد أعضاء الكونغرس، الذي يلعب دور الخادم الامين للوبي الصهيوني في امريكا: " يجب على العالم أن يفهم، أن الحديث لا يدور حول العرب فقط وليس حول الفلسطينيين فقط في الشرق الاوسط، بل ايضا اليهود الذين سلبت ممتلكاتهم وبيوتهم وكانوا ضحايا أعمال ارهابية، هؤلاء ناس عاشوا في تجمعات في بلدان الشرق الاوسط ليس لعشرات السنينبل لآلاف السنين" ويضيف عضو كونغرس آخر:" النقاش حول اللاجئين في الشرق الاوسط يتمحور بسبب قصر النظر حول اللاجئين من اصل فلسطيني، ولكن ماذا عن الظلم الذي لحق باللاجئين اليهود من البلدان العربية وايران؟ فقد شاهدوا مجتمعاتهم تنهار بصورة منهجية، حيث فقدو مصادر رزقهم وبيوتهم وهربوا من الاضطهاد والقمع وأعمال البوغروم، وقرار مجلس الامن 242 يدعو الى حل قضية اللاجئين حلا عادلا بدون أن يشير الى هوية هؤلاء اللاجئين"
ليس غريبا على كونغرس غبي كهذا أن يتوج على بلاد الامكانيات اللامحدودة رئيسا غبيا مثل جورج بوش الابن.فلو عادوا الى مقاعد المدرسة وتعلموا بعض دروس التاريخ لما تفوهوا بمثل هذه الترهات.
عندما بدأت اوروبا تلاحق اليهود أولا في اسبانيا بعد مغادرة العرب ومن ثم في باقي الدول الاوروبية لوجدوا أن يهود أوروبا وجدوا ملجأ آمنا في البلدان العربية. إن أعمال القمع والاضطهاد والبوغرومات هي صناعة اوروبية بحتة، حتى المستشارة الألمانية ميركل في زيارتها الاخيرة لإسرائيل اعترفت بذلك وقالت انها تشعر بالعار من جراء ذلك. فلماذا لا تعتبر هي الاخرى اليهود الذين هربوا من جحيم النازية لاجئين؟ ولماذا لا توافق على حقهم بالعودة؟. ولكنها فضلت، مثلها مثل الطبقة الحاكمة في اسرائيل، أن تبقى مخلصة لمبادئها الرأسمالية وعملت على حل القضية عن طريق دفع التعويضات السخية ولكن ليس للمتضررين انفسهم بل للذين يدعوا تمثيلهم.
وكما أن الغباء في نهاية المطاف يعود ويضر بصاحبه، فإن قرار الكونغرس الامريكي سوف يعود بالضرر على متخذيه وعلى الجهة التي جاء يخدمها وهي دولة اسرائيل.
وأنا أضم صوتي المتواضع الى اصوات الكونغرس الامريكي وأقول: نعم، يجب إعتبار اليهود الذين غادروا بلدانهم لاجئين (حتى هؤلاء الذين غادروها بمحض اردتهم، فقد يكونوا قد خدعوا). ويجب أن يتمتعوا بكافة الحقوق التي تكفلها لهم القوانين الدولية وعلى رأسها حق العودة الى اوطانهم الاصلية.
الحركة الصهيونية، ومن ثم عندما اصبحت دولة هي المسؤولة الاولى عن تهجير الفلسطينيين وجعلهم لاجئين من خلال عمليات التطهير العرقي التي جرت عام النكبة. ولكنها في الوقت نفسه هي المسؤولة الاولى عن تهجير اليهود وجعلهم لاجئين ايضا. الوسائل التي استعملها العملاء الصهاينة لإقتلاع يهود العراق ومصر وسوريا معروفة للجميع، والارشيف الصهيوني مليء بقصص الاعمال الارهابية التي مارستها هذه الدولة بحق اليهود.
الايديولوجية الصهيونية هي ايديولوجية تهجيرية في جوهرها. فهي تحث يهود العالم على ترك اوطانهم والهجرة الى فلسطين. وبالنسبة لها كافة اساليب الترغيب والتهديد متاحة (كوشر) وما زال عملاء الوكالة اليهودية يجوبون العالم لإقتلاع اليهود وجعلهم لاجئين. وعندما تخلص مهمتهم أو ينتهي عقد عملهم بعد أن جنوا الاموال الطائلة والسهلة فهم انفسهم لا .
على برلمانات الدول العربية، وخصوصا الدول التي غادرها مواطنوها اليهود الى فلسطين، مثل المغرب، اليمن، العراق وغيرها، أن تتخذ قرارا على غرار قرار الكونغرس الامريكي وتعتبر اليهود الذين غادروها لاجئين وتمنحهم حق العودة، هذا بالرغم من عدم مسؤوليتها في جعلهم لاجئين. على دول اوروبا أن تحذو حذو بولونيا وتفتح باب العودة لليهود الذين غادروها وتعيد لهم جنسيتهم.
لقد قلنا دائما أن حق العودة هو حق خاص وجماعي لا يسقط بالتقادم ولا يمكن إبداله أو إختزاله بالتعويض فقط، وهذا المبدأ ينطبق على كافة اللاجئين في العالم وليس على اللاجئين الفلسطينيين فحسب.
مارتن لوثر كينغ والحلم الذي اصبح كابوسا

في عام 1963 وقف القس مارتن لوثر كينغ، زعيم حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الامريكية، أمام النصب التذكاري للرئيس أبراهام لنكولن "محرر العبيد" وألقى خطابه المشهور: "أنا عندي حلم" (I have a dream) حيث قال:" أحلم أن يوما سيأتي يعيش فيه اولادي الاربعة الصغار في وطن يحكم عليهم حسب شخصيتهم وليس حسب لونهم. أحلم أن يوما سيأتي سيجلس فيه معا على تلال ولاية جورجيا الحمراء وحول مائدة الاخاء، اولاد الذين كانوا رقيقا واولاد الذين كانوا يملكون رقيقا..."
بعد سنوات قليلة بعد هذا الخطاب، وفي مثل هذه الايام قبل 40 عاما، وبالتحديد في 4 نيسان 1968 لاقى مارتن لوثر كينغ حتفه على يد أحد العنصريين البيض.
للوهلة الاولى، وعلى ضوء النجاح الذي يحققه مرشح الحزب الديموقراطي الاسود براك أوباما في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الامريكية يبدو وكأن هذا الحلم يتحقق. ولكن نظرة اخرى على واقع السود في الولايات المتحدة الامريكية تشير الى أن هذا الحلم بالنسبة للغالبية العظمى للسود قد تحول الى كابوس يجثم على صدورهم ويحول حياتهم الى جحيم.
قبل حوالي قرن ونصف، أعلن ابراهم لنكولن الغاء العبودية ونال اللقب التاريخي الذي لا يستحقه: "محرر العبيد". ما جرى في ذلك الوقت وخلال الحرب الاهلية الامريكية لم يكن أكثر من تغيير شكل العبودية ولم يرتق قطعا الى مستوى الغاء العبودية. فبعد أن كان الزنوج عبيدا لإقطاعيي الولايات الجنوبية الزراعية يعملون بالاساس في حقول القطن الشاسعة، أصبحوا بعد "التحرير" عبيدا في الولايات الامريكية الشمالية الصناعية. أي أن ما حدث لم يكن سوى الانتقال من العبودية الاقطاعية الى العبودية الرأسمالية. بينما لم يطرأ في معظم النواحي الاجتماعية والاقتصادية أي تغيير جذري، فقد بقي السود محرومين من حق الانتخابات، يتعرضون للتمييز العنصري في كافة مجالات الحياة حتى في المواصلات العامة حيث كانت الاماكن الامامية للحافلات مخصصة للبيض بينما كانت الاماكن الخلفية مخصصة للسود وكل من يخالف هذه القاعدة يتعرض للعقاب.
كان هذا الوضع سائدا حينما انطلقت في سنوات الستين حركة الحقوق المدنية بزعامة مارتن لوثر كينغ مطالبة بالحقوق المدنية الاساسية للسود كحق الانتخاب والغاء مظاهر التمييز العنصري في مجالات الحياة المختلفة.
كما هو معروف سلك كينغ طريق المقاومة السلمية وأدان المقاومة العنيفة حتى عندما كانت تعني الدفاع عن النفس. ظانا أن العدالة سوف تنتصر من تلقاء نفسها وأن النظام الذي يمارس التمييز سوف يغير سلوكه بعد إقتناعه بخطأ هذا السلوك. تحت ضغط التحرك الجماهيري أضطرت الادارة الامريكية أن تقدم بعض التنازلات خصوصا في ظل الخوف من أن يفقد مارتن لوثر كينغ السيطرة على حركة الاحتجاج مع تنامي تأثير مناضل زنجي آخر هو مالكوم إكس وحركات أخرى مثل الفهود السود والتي كانت تناضل من أجل إحاث تغييرا نوعيا.
بعد إغتيال مارتن لوثر كينغ ولإحتواء حركة الاحتجاج، تبنت الادارة الامريكية قرار جعل ذكراه عيدا قوميا أمريكيا. وفي هذه المناسبة إجتمع مرشحا الحزب الديموقراطي، براك اوباما وهيلاري كلنتون مؤخرا محتفلين بتحقيق "حلم مارتن لوثر كينغ".
ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا: هل هذا هو الحلم الذي يراود ملايين السود؟ أم أن هذا الحلم ليس سوى كابوس رهيب؟ تشير الاحصائيات الامريكية الرسمية أن البطالة بين السود هي ضعف البطالة بين البيض. وأن دخل العائلة الزنجية أقل من 70% من دخل العائلة البيضاء. بينما تصل نسبة السود من نزلاء السجون ( الذين يبلغ عددهم 2.5 مليون) الى 53% ( مع ان نسبتهم العامة من السكان تبلغ حوالي 12%). وكما هو في بلادنا، تكون ايدي رجال الشرطة اقرب الى الزناد عندما تتعلق الامور بالسود. وهناك قصص لا تعد ولا تحصى حول العنف البوليسي في حق الزنزج. هذا ناهيك عن اوضاعهم المزرية في أحياء الفقر في كافة المدن الامريكية الكبرى. بالاضافة الى ذلك يشكل السود وقودا لآلة الحرب الامريكية التي تشن حروبها الامبريالية في شتى ارجاء العالم.
إذن السيد براك اوباما لا يمثل هؤلاء السود التواقيين للحرية وللتغيير الحقيقي. بل يمثل كبار الرأسماليين والشركات الرأسمالية العالمية ويخدمها. وليس من باب الصدفة أنه يحاول أن يطمس ماضيه الافريقي ويركز على كونه "امريكيا" عاديا، يقدم الولاء للوبي الصهيوني ويؤكد كونه صديقا وفيا لدولة اسرائيل مثله مثل باقي المرشحين وربما أكثر منهم. بينما لا تهمه معاناة الشعب الفلسطيني، بل على العكس من ذلك، نراه ينضم الى جوقة التحريض على الشعب الفلسطيني وعلى نضاله من أجل الحصول على حقوقه الطبيعية، ويدعم فرض الحصار الجائر على غزة وإحكام القبضة عليه. أما معارضته الخجولة لسياسة جورج بوش في العراق فإنها لا ترتقي الى المطالبة بالرحيل الفوري لقوات الاحتلال الامريكية عن هذا البلد العربي.
براك اوباما لن يجلب اي تغيير جذري على السياسة الامريكية بالرغم من كثرة استعماله لهذه الكلمة. التغيير الجذري في الولايات المتحدة الامريكية وكذلك في اسرائيل لن يأتي إلا من خلال النضال الشعبي من أجل تغيير النظام الرأسمالي الظالم.
علي زبيدات - سخنين