Monday, August 03, 2020

التجار من النوع الثالث

التجار من النوع الثالث
نعم، كفى متاجرة بالقضية السورية والفلسطينية
تنويه: هذا المقال ليس مجرد رد على مقالة رجا اغبارية.
هناك مثل شامي شعبي معروف، وعندما اقول شامي اقصد أيضا أنه فلسطيني، يقول المثل: هناك ثلاثة أنواع من التجار: تاجر وتويجر وأخرى التجار. بالرغم من تحفظي الفكري والسياسي على الدور التي تقوم به طبقة التجار في المجتمعات الطبقية ولكن من أنا لكي أعارض حكمة الشعب المستمدة من تجاربه الحياتية اليومية على مدى قرون والتي ميزت بين هذه الأنواع الثلاثة؟ فالتاجر الحقيقي المحترم قد يلعب دورا ايجابيا في تطور، رخاء وازدهار مجتمعه وفي كثير من الأحيان يضحي بماله وحياته من أجل غيره لأنه يعلم أن مصلحته الخاصة كتاجر وعلى المدى البعيد مرتبطة عضويا بمصالح أبناء شعبه. للاسف، هذا النوع من التجار أصبح نادرا وفي طريقه للانقراض خصوصا في عالمنا العربي. وهناك التويجر المتذبذب الذي ينظر تارة إلى أعلى وتارة إلى أسفل. امكانياته محدودة، فإذا كانت الجماهير في حالة من الرخاء والاستقرار النسبيين نراه يرتقي ولكن عندما تبدأ الازمات تعصف بالمجتمع نراه يتجه نحو الحضيض. التويجرون في الظروف التي تسود عالمنا العربي هم أيضا في حالة اضمحلال مستمر. النوع الثالث، اسمحوا لي هذه المرة ألا أذكر اسمه كاملا خوفا من أن يخدش حياء ذوي الحساسية المفرطة واصحاب الذوق الرفيع من الناشطين المثقفين الذين يطلقون على أنفسهم "مثقفين عضويين" ولنكتف هنا بتسميته "تجار النوع الثالث". يعيش هذا النوع حالة نمو وازدهار ويتمدد بسرعة تفوق انتشار فيروس الكورونا. لذلك اعذروني إذا اقتصرت الحديث في هذا المقال المقتضب على هذا النوع.
إسم هذا النوع من التجار كما لا يخفى على أحد يوحي بأن حاسة الشم لديه هي الحاسة القوية وهذا أمر طبيعي نظرا لالتصاقه بمؤخرة الجهة التي توفر له بيتا دافئا. وقد طور تجار هذا النوع طرقا عديدة تساعدهم تحمل الروائح الكريهة المنبعثة من المصدر الواقع فوق أنوفهم مباشرة. منهم من أدمن على الرائحة ولم يعد يشعر بها بل يظنها عطرا ويستمتع باستنشاقها، ومنهم من يتحملها طمعا بالحصول على بعض الدولارات لقاء عمله في التلميع والتنظيف والتطبيل ومنهم من يتقبلها خوفا من قمع وإرهاب الاجهزة الامنية وآخرون لهم مآرب أخرى لا تعد ولا تحصى.
يقول الرفيق رجا اغبارية في مستهل مقالته: "أنا مع سوريا الشعب والجيش والنظام". لا أدري كيف ضبطت معه وضع هذه العناصر المتناقضة في سلة واحدة. لم استغرب أن يضع الشعب في البداية، فهذا أمر متداول عند كل السياسيين القدماء والحاليين، التقدميين والرجعيين. هل مر بكم سياسي واحد لا يضع الشعب في المرتبة الأولى؟ مع أن هذا الشعب لم يذكر في المقال سوى مرة وبشكل عابر. وهنا أسأل الرفيق رجا: هل نصف الشعب السوري (على الأقل) من نازحين ولاجئين وقابعين في السجون هم جزء من الشعب السوري أم هم مجرد إرهابيين وبيئة حاضنة للإرهاب؟ فإذا اعترفت بأنهم جزء من الشعب السوري فهل النظام الذي تدافع عنه يتحمل مسؤولية (ولو جزئية) عن احوالهم وعن مصيرهم؟ ألا زلت تستشهد بالفكر الماركسي "الثوري" الذي يشدد على طبيعة التناقضات بين الشعب والنظام في المجتمع الطبقي؟
أما بالنسبة للجيش، الثاني في الترتيب، فله عادة طابع مزدوج فهو من جهة هم كأفراد ابناء الجماهير الكادحة تم تجنيدهم بالأساس عن طريق الإكراه ومن جهة أخرى هو مؤسسة عنيفة في يد النظام. وعندما يختل التوازن بين الشعب والنظام على الجيش أن يقرر إما العودة إلى احضان الشعب حيث ينتمي وإما ينحاز للنظام الذي يموله ويستخدمه. في سوريا لم يعد هناك أصلا جيش بالمفهوم المالوف للكلمة. هناك فيالق متخاصمة لها ولاءات اقليمية ودولية، هناك ميليشيات وعصابات لا تعرف ولا تعترف بمصطلح "حماة الديار" بعد أنا استبدلته بمصطلح "جيش التعفيش".
يتابع رجا اغبارية: " النظام هو الوحيد في المنطقة الذي يحارب الاستعمار العالمي المتعولم، ويشكل قاعدة أساسية لمقاومة الاستعمار الصهيوني في فلسطين تاريخيا وحاضرا". يا ساتر تستر. لقد ذكرتني بالعماد مصطفى طلاس (ابو النياشين) الذي لم يترك سنتمترا واحدا من بدلته العسكرية إلا وغطاه بالنياشين. هذا من غير أن يخوض ولو حربا واحدة. أين الحروب التي شنها النظام ضد الاستعمار العالمي المتعولم؟؟!! لماذا لم نسمع دوي المدافع وأزيز الرصاص؟أما بالنسبة لمقاومة الاستعمار الصهيوني فلا ضير أن تسأل أصدقائك في الجولان السوري المحتل عن المقاومة التي قدمها النظام.
ولكن اشد ما يثير الغرابة هو نقد الموقف الروسي:  "رغم أن وضع تحرير سوريا يسير على وقع خطوات الدبّ الروسي البطيئة ومتعدّدة المصالح والعلاقات المتناقضة في المنطقة، إلاّ أن دورها كان حاسمًا في صمود سوريا، وإنني من جمهور المناصرين غير المكتفين من الدور الروسي الذي نلمس أحيانًا أنه غير معنيّ بحسم كل معارك سوريا من أجل تحريرها من المحتلين"...الرفيق رجا يريد من الدب الروسي أن يسرع خطواته وألا يكتفي بدوس وتدنيس حميميم واللاذقية وطرطوس بل سوريا بكاملها. هذه هي المرة الاولى التي أسمع فيها أن قيادي وطني يدعو الى استعمار بلاده بحجة تحريرها. ما الفرق بين الذين جاؤوا للسلطة على الدبابة الامريكية والذي يتمسك بالسلطة بفضل الطائرة الروسية؟ وأخيرا ماذا تعني ب"المصالح والعلاقات المتناقضة في المنطقة"؟؟ لماذا لا تبقها وتقولها بجرأة: العلاقات المميزة بين روسيا واسرائيل وحرص الاولى على أمن وسلامة الثانية؟
التجار من النوع الثالث لا يهمهم بأية مؤخرة يلتصقون. فمنهم من يلتصق بمؤخرة اردوغان لكي يدغدغ مشاعره برائحة الخلافة المزيفة ومنهم من يلتصق بمؤخرة ملوك وأمراء البترول من الخليج حيث تبدد دولارات النفط الروائح الكريهة ومنهم من يفضل الالتصاق بمؤخرة أمريكا واسرائيل مباشرة إما طلبا للسلطة وإما حفاظا على السلطة.
نعم، سوريا العروبة وقلب العروبة النابض سوف تنتصر وفلسطين سوف تنتصر وتتحرر ولكن بعد التخلص من خرى التجار.



Tuesday, June 16, 2020

No to annexation

No to annexation

Before talking about the recent Israeli (and American) plans to annex the Jordan valley and other parts of the West Bank, let's keep in mind that all historical Palestine is under occupation. First, the colonialist Zionist movement occupied 80% of Palestine in 1948 after ethnic cleansing of more than 800.000 of the Palestinian people and in June 1967 Israel occupied what remains from Palestine.
The territories which are now subject for annexation are in facto annexed since the first moment of occupation, what Israel tries to do now is to make this annexation de jure, to make it legal by getting the recognition of the international community. The American administration already gave its blessing while other western countries had enough of declaration of soft condemnations, not one country took a real practical step.
For us, the struggle against these plans of annexation is a part of our general national struggle against occupation and for implementing the right of return for all Palestinian refugees and it will continue. We’ll never give up under any circumstances and in spite of the power imbalance in favor of the occupation. If Israel will continue with this plan, for sure, the resistance will escalate and a new Intifada will be approaching.
To be honest, we don’t count much on European governments to take any effective steps against the israeli plans. These governments, for a long time, gave almost unlimited support to the israeli occupation policy to a degree of becoming partners. Without the American and European support to Israel occupation  won’t endure more than 7 days rather than 70 years.
On the other hand, we count very much on international solidarity from progressive workers, students and other popular circles. For example,you can put more pressure on your own governments to stop supporting the Israeli occupation. But the most important thing, you can promote sanctions against Israel on all levels, you can join the campaign of the BDS
 and fight against Israeli racism and apartheid system.

Friday, April 17, 2020

السجن العربي الكبير

السجن العربي الكبير
طالما استنكرنا وأدّنا مؤسسات المجتمع الدولي التي تهتم بحقوق الانسان بشكل عام وحقوق الاسرى بشكل خاص، من بينها منظمة العفو الدولية أمنستي، هيومان رايتس ووتش، الصليب الاحمر وما شابهها من منظمات ولجان. وذلك بسبب النفاق والكيل بمعيارين فيما يتعلق بحقوق الانسان الفلسطيني بالاسرى في السجون الاسرائيلية. ولأنها غالبا ما تتعامل مع المحتل الصهيوني بقفازات حريرية تصل إلى درجة التواطؤ والمحاباة. المصيبة أن مؤسساتنا المدنية التي تدعي الدفاع عن حقوق الانسان ورعاية حقوق الاسرى الفلسطينيين تتبنى في تعاملها نفس المنطق ونفس الأسلوب الذي تستنكره وتدينه عند مؤسسات المجتمع الدولي.
بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، قامت المؤسسات الفلسطينية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، واذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: هيئة شؤون الاسرى والمحررين، نادي الاسير، مؤسسة الضمير، مركز الدفاع عن الحريات وغيرها، بنشر بيانات تدين الجرائم التي تقترفها السلطات الاسرائيلية  بحق الاسرى الفلسطينيين من تعذيب يصل أحيانا الى حد الموت، واهمال صحي خصوصا في ظروف انتشار فيروس الكورونا، بالاضافة إلى مصادرة العديد من حقوقهم الطبيعية. ولكنها في الوقت نفسه تصمت صمت أهل القبور على ما يجري في سجون العالم العربي من المحيط إلى الخليج الذي أصبح عبارة عن سجن واحد كبير.
الحرية لا تتجزأ وهي واحدة لكل من يطالب بها، وهي حق لكل أسير رأي وضمير في أي سجن كان. ليس من الاخلاقي بشيء أن تطالب الآخرين بالتضامن مع أسراك وفي الوقت نفسه تدعم الأنظمة التي تزج بآلاف الاسرى في سجونها وتمارس في حقهم جرائم يندى لها الجبين. في هذا اليوم بالذات لا يمكن الكلام  عما يجري في السجون الاسرائيلية وفي الوقت نفسه السكوت عما يجري في السجون السورية والمصرية (وباقي السجون بالطبع). تفيد بيانات المؤسسات المذكورة أن عدد الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية يبلغ حوالي 5000 أسير، هل تعرف هذه المؤسسات عدد الاسرى الفلسطينيين (ولا اقول السوريين) في السجون السورية؟ أما بالنسبة للأسرى السوريين فلا يعلم عددهم وظروفهم إلا الله وأجهزة المخابرات الاسدية. إذا كان جميع هؤلاء ارهابيين وعملاء ومندسين فهل تتجرأ هذه المؤسسات مطالبة النظام بتقصي الحقائق على الأقل؟ اليس من العار أن تصل المفارقة لأن يتمنى الاسير الفلسطيني ابن المخيم أن يكون أسيرا سجن اسرائيلي حتى يتخلص من أهوال السجون العربية؟
حسب الإحصائيات التي أوردها نادي الأسير: منذ احتلال الضفة الغربية وغزة (أي خلال أكثر من نصف قرن) تم استشهاد 222 أسير إما مباشرة تحت التعذيب وإما بسبب الاهمال الطبي أو أثناء الاعتقال. بينما استشهد في السجون السورية في أقل من عقد(الحالات الموثقة بالاسم والصورة فقط) 541 أسيرا هذا عدا المخطوفين والمفقودين. وحسب البيان ذاته، يوجد 41 أسيرة فلسطينية في السجون الاسرائيلية بينما بلغ عددهن في السجون السورية 613 اسيرة فلسطينية. ولم يذكر البيان استشهاد أي اسيرة فلسطينية بينما استشهدت 38 اسيرة فلسطينية في السجون السورية.  الأوضاع في السجون المصرية لا تختلف عن باقي السجون العربية: اعتقالات تعسفية، تعذيب، قتل، تهم ملفقة، رمس ابسط الحقوق الانسانية.
إلا أن المأساة الكبرى لا تكمن في هذه المؤسسات التي تدعي الحرص على حقوق الانسان وحقوق الاسرى بل تكمن بالاسرى والمعتقلين والمحررين أنفسهم الذين يواجهون بصدورهم العارية شراسة السجان الاسرائيلي وفي الوقت نفسه يدعمون ويحتضنون السجان العربي الاشد شراسة الذي ينكل بإخوانهم. هذا في الحقيقة ما أعجز عن فهمه.
الحرية لاسرى الحرية، في كل مكان وكل زمان وفي كل سجن. لقد آن الأوان تحطيم هذا السجن العربي الكبير الجاثم على صدور شعوبنا.  

Sunday, March 01, 2020

تكتيك المثقف واستراتيجية السلطة

تكتيك المثقف واستراتيجية السلطة
وجدت في الحوار الذي أجراه  الصحفي سليمان ابو رشيد مؤخرا ونشر على موقع عرب 48 مع د. نجمة علي، والتي تم التعريف بها على أنها ناشطة سياسية وأكاديمية متخصصة في العلوم السياسية، تحمل لقب دكتوراة من جامعة نيوزيلندية، كما هائلا من التناقضات ومن الأحكام المسبقة المستفزة. لا تربطني أية معرفة بالمتحاور معها لا من قريب او بعيد، ولكن بما أن موضوع الحوار وهو حول التصويت والمقاطعة لانتخابات الكنيست، يهمني شخصيا ويهم عدد كبير من أبناء وبنات شعبنا كان لا بد من التصدي لما جاء في هذا النقاش من تناقض وتجني على تيار المقاطعة: تقول الدكتورة: "لكي نستطيع نزع الشرعية عن مكان أو إطار معين يجب أن تكون فيه وجزءا بل جزءا كبيرا منه"، وتتابع قولها:"بدون فعل التصويت لا يوجد وزن للمقاطعة". قياسا على ذلك: لا تستطيع أن تكون مناهضا للصهيونية إلا اذا كنت جزءا من الحركة الصهيونية أولا، ولا تستطيع أن تحارب الفاشية إذا لم تكن عضوا في تنظيم فاشي أولا، ولا تستطيع أن تكون معاد للعنصرية إلا إذا كنت عنصريا. فإذا اردت مقاطعة الكنيست ونزع شرعيتها فما عليك إلا أن تصوت أولا وثانيا وثالثا ومن ثم ومن داخل الكنيست تستطيع أن تقاطع وتنزع الثقة…
تقول الدكتورة في بداية الحوار: " انتخابات الكنيست تكتيك يفترض استعماله حتى تنشأ الفرص لتبني استراتيجيات بعيدة المدى". هذا حسب علمي تعريف جديد للعلاقة بين الاستراتيجية والتكتيك. فقد تعلمت أن التكيتك ينبغي أن يخضع ويخدم الاستراتيجية في مسيرة النضال الطويلة، ولكن أن يكون التكتيك مهيمنا في غياب الاستراتيجية تماما والانتظار حتى "تنشأ الفرص" فهذا لم اسمع به على مدى تاريخ الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها واستقلالها. من المفترض تحديد الاستراتيجية أولا ومن ثم إيجاد التكتيكات الملائمة لتحقيقها، أليس كذلك؟
تضيف المتحاور معها: "الانتخابات وسيلة لصيانة الأحزاب العربية كأدوات تنظيم وعمل سياسي" وأن تضاؤل الأحزاب العربية سيعيد التشكيلة العائلية والطائفية لمجتمعنا. حقا؟ ولكن ما العمل إذا كانت الأحزاب العربية هي الداعم الأول للحفاظ على التشكيلة العائلية والطائفية لمجتمعنا؟ لا أدري كم من الوقت أمضت الدكتورة في نيوزيلندا، وإذا كانت تعلم بأن الأحزاب السياسية ومنذ زمن طويل تتصرف كعائلات وطوائف وأن العائلات والطوائف بدورها تتصرف كأحزاب سياسية حتى اختلط الحابل بالنابل واصبح من المستحيل التمييز فيما بينها؟
"المقاطعة تؤدي إلى تضاؤل الأحزاب وفراغ في القيادة..." أما الانتخابات فإنها تؤدي إلى تمدد "الاحزاب" وتمكين "القيادة"!! قد يكون ذلك صحيحا لو كانت هذه الاحزاب أحزابا وهذه القيادة قيادة.
يحتوي الحوار على بعض التلميحات والأفكار المختصرة حول المواطنة الاسرائيلية وكيف يمكن أن تتحول إلى استراتيجية مقاومة ودور الانتخابات في تنظيم الفلسطينيين داخليا والضغط من أجل حقوقهم المدنية والوطنية وغيرها من الآراء المجترة  والتى أثبتت تجربة سبعة عقود من التواجد في الكنيست على أنها عقيمة، وقد تناولتها في العديد من الكتابات السابقة ولا لزوم هنا للخوض بها مجددا.
وأخيرا تجزم المتحاور معها على أن" "الانخراط في النظام السياسي والتصويت للكنيست هي أولوية وأن المطالبة بتغيير الآلية السياسية في الوقت   الراهن  هو نوع من المجازفة".
وأنا بدوري أجزم أن عدم الانخراط في النظام السياسي الإسرائيلي ومقاطعة التصويت للكنيست هي التي ينبغي أن تكون اولوية لكافة جماهير شعبنا. 

Sunday, February 23, 2020

نحن بحاجة للغضب وليس للحزن

نحن بحاجة للغضب وليس للحزن
منذ فترة طويلة، توصلت إلى قناعة بأن النقاش في الأمور الدينية والعقائدية، خصوصا في الفضاء العام، لأن النقاش عديم الفائدة، عقيم ولا يجلب سوى الحقد والكراهية. خصوصا وإن كل ما يمكن أن يقال مع أو ضد هذه الامور قد قيل منذ زمن طويل. فالإيمان والكفر هي في نهاية المطاف مسالة قناعة ذاتية وبالتالي فأن تغييرها أو التمسك بها لا علاقة له بالوعظ أو النقاش. وعلى أساس هذه القناعة قررت عدم الخوض في مناقشة المسائل الدينية والعقائدية. ولكن في الجلسات الخاصة مع الاصدقاء أو الاقارب يكون من المستحيل أحيانا تجنب مثل هذا النقاش كليا. وحتى في مثل هذه الجلسات الخاصة كنت أحاول الاختصار من النقاشات وعدم الانجرار الى جدل "بيزنطي"  وعندما كان أحدهم يطيح بي تهمة العلمانية والاشتراكية وهي في منطقهم مرادفة للكفر والإلحاد كنت أجاوب ببساطة واختصار: العلمانية والاشتراكية ليست مدرسة لنشر الكفر والالحاد بل مدرسة لنشر الفكر الحر والعدالة الاجتماعية.

في احدى الجلسات العائلية فتح موضوع الدين والصحوة الاسلامية وكان من بينهم قريبا شابا متحمسا ينتمي إلى مجموعة شبابية تطلق على نفسها "شباب الدعوة". في البداية التزمت الصمت واستمعت الى ما يدور من نقاش ومواعظ، بالرغم من شعوري بأن جل مايدور من نقاش مواعظ تقصدني دون غيري. وعندما اصبح الكلام مباشرا وطلب الحاضرون ردي تنازلت عن صمتي وعبرت عن رايي الذي يعرفونه مسبقا، الامر الذي اثار لديهم المزيد من الاستنكار والامتعاض. في نهاية السهرة قام قريبي شاب الدعوة المتحمس وقال لي: يا خال، أنا أشفق عليك من عذاب النار لذلك سوف أهديك هذا الكتاب وأن تعدني بقراءته. تناولت الكتاب وشكرته.
عندما عدت للبيت تناولت الكتاب وكان اسمه: "لا تحزن" المؤلف هو الداعية السعودي الاسلامي عائض القرني والذي قرن اسمه بحرف الدال التي تشير إلى أنه يحمل شهادة الدكتوراة ولا أدري بماذا. وعلى الصفحة الاولى مكتوب: "الكتاب الذي بيع منه أكثر من مليوني نسخة".و"الكتاب الاول مبيعا في العالم العربي". بدأت بقراءة الكتاب كما وعدت قريبي وهو عبارة عن مواعظ واحاديث وقصص دينية وغير دينية أغلبها في غاية السذاجة هدفها كما يقول الكاتب نفسه هو جلب السعادة والهدوء والسكينة وانشراح الصدر وفتح باب الأمل والتفاؤل والفرج والمستقبل الزاهر. هنا لا بد أن اعترف بأنني لم أستطع أن أكمل قراءة هذا الكم الهائل من المواعظ الساذجة التي يحتويها الكتاب فوضعته على أحد الرفوف بين باقي الكتب. بعد فترة، قرأت بالصدفة في أحد المواقع أن عائض القرني هذا متهم بسرقة هذا الكتاب وكتاب آخر عن مؤلفين أجانب وأن محكمة سعودية أدانته بالسرقة وحكمت عليه بدفع غرامة. وقرأت مرة أخرى ومن باب الصدفة أيضا، فأنا لا أتابع مثل هذه الاخبار، بأن عائض القرني قد انقلب على تيار الصحوة الذي كان من أبرز رموزها وذلك خوفا أو إرضاء لولي العهد السعودي الذي زج بعدد من الدعاة المعروفين في السجن لمعارضتهم سياسته بالانفتاح التي يقودها. ومؤخرا تتناول وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وتصريحات لعائض القرني يشن بها هجوما شرسا على الرئيس التركي أردوغان بعد أن كان يعتبره القائد الاسلامي الحكيم الذي يحمي الأمة الاسلامية وفي الوقت نفسه يكيل المديح للعائلة السعودية المالكة ويطبل ويزمر بكل ما أوتي من قوة للملك ولولي عهده. 
مثل هذا الداعية المنافق تجده في كل بلد عربي. ولكن للإنصاف فإن المصيبة لا تقتصر على هؤلاء الدعاة المطبلين فهناك طبقة كاملة من الشعراء والأدباء والكتاب والعلماء والمثقفين الذين يحملون كرسي الاستبداد على اكتافهم ويستبسلون في الدفاع عن الحكام المستبدين الجهلة. وبدون هؤلاء لا تستطيع أنظمة الاستبداد الصمود يوما واحدا في وجه الغضب الشعبي.
 لن تنعم الشعوب العربية بالحرية ولن تحقق أمانيها بإسقاط الانظمة الفاسدة
 إلا بعد إسقاط طبقة التطبيل والتسحيج هذه.


Thursday, January 30, 2020

نتنياهو ملك العالم وليس ملك إسرائيل وحدها

نتنياهو ملك العالم وليس ملك اسرائيل وحدها
 أصبح واضحا أمام الجميع أن العالم بقطبية الامريكي والروسي يريد أن يرى نتنياهو رئيسا للحكومة الاسرائيلية بعد أن يحقق الفوز في انتخابات الكنيست القادمة. أعترف مسبقا باني لا أملك أي تفسير مقنع لهذه الظاهرة المستهجنة فنحن نعيش في عصر عبثي، عصر سياسة اللامعقول. لقد آن الأوان لكي نلقي بكل الكتب التي تحتوي على النظريات السياسية التي تعلمناها وراء ظهورنا من كتب أفلاطون وأرسطو مرورا بمفكري عصر النهضة من أمثال فولتير وروسو ومنتسكيو وغيرهم وحتى هيغل وماركس ومكيافيلي وباقي المفكرين المعاصرين. ذلك لأن جميع هؤلاء المفكرين إتبعوا في أفكارهم وكتاباتهم اسسا منطقية بالرغم من الاختلافات فيما بينهم. بينما المنطق معدوم تماما في السياسة الحالية خصوصا فيما يتعلق بالثلاثي نتنياهو، ترامب وبوتين. 
لقد عمل كل من ترامب وبوتين كل ما كان في مقدرتهما لمساعدة نتنياهو للفوز بالانتخابات التي جوت مرتين في العام الماضي وكأنهما هما المرشحان. وها هما يحاولان مرة اخرى وبهمة اشد من المرات السابقة مساعدته للفوز في الانتخابات القادمة.
ها هي قائمة جزئية لما قدمه ترامب من مساعدات انتخابية لنتنياهو: نقل السفارة الأمريكية للقدس، الاعتراف بشرعية المستوطنات، الاعتراف بضم الجولان لاسرائيل، وأخيرا ما يسمى صفقة القرن التي تلبي كافة مطالب نتنياهو وسياسة حكومته اليمينية مثل الاعتراف بالقدس عاصمة ابدية لاسرائيل، ضم كافة المستوطنات وغور الأردن، التنكر لحق العودة، تقسيم ما تبقى من الضفة إلى محميات تسمى دولة فلسطين..
أما بوتين رئيس ثاني اكبر قوة عالمية، وفي الوقت نفسه زعيم ما يسمى بمحور المقاومة صاحب اليد الطولى في تدمير سوريا وسفك دماء شعبها، فقد تبين أنه ليس أكثر من طرطور عند نتنياهو، حيث قام بجره من بين أربعين زعيم عالمي  جاؤوا لحضور مهرجان الهولوكوست إلى غرفة جانبية لمقابلة والدة مهربة مخدرات تقبع في أحد سجون موسكو ليلتزم امامها باطلاق سراح بنتها. ولم يكن هذا هو العمل الوحيد الذي قدمه بوتين لنتنياهو لكي يفوز بالانتخابات فقد سبق ذلك إعادة الدبابة الاسرائيلية التي أخذتها القوات السورية في معركة السلطان يعقوب وإعادة رفات الجندي الاسرائيلي زخاريا باومل هذا بالإضافة لوقوفه وقفة المتفرج (وربما التنسيق سرا) إزاء الغارات الاسرائيلية المتكررة على الاراضي السورية حتى بعد أن تسببت احدى هذه الغارات بسقوط طائرة روسية ومقتل كافة أفراد طاقمها. لا يتصرف هؤلاء الثلاثة كرؤساء دول بل كرؤساء عصابة مافياوية واحدة.
طبعا لا بد أن نذكر هنا ولو بكلمات قليلة مساهمات الملوك والرؤساء العرب لبقاء نتنياهو في الحكم خصوصا دويلات الخليج والسعودية ومصر، فالقصة معروفة  ولا حاجة هنا للخوض بكافة تفاصيلها .
أمام هذا الحلف الدولي الدنس لا بد من حلف يضم ويوحد كافة الشعوب التي تناضل من أجل حريتها.


Saturday, January 18, 2020

عرف الشعب طريقه

عرف الشعب طريقه
مع الاحترام للشاعر كامل الشناوي والملحن محمد عبد الوهاب)

في سنوات السبعين والثمانين من القرن الماضي بشرتنا القيادة السوفيتية (للمرة الالف) أن الاتحاد السوفياتي، الدولة  العمالية الاشتراكية الأولى في العالم قد أنجزت المرحلة الاولى من الثورة (الاشتراكية) وها هي تدخل بخطوات راسخة لتحقيق المرحلة الثانية الارقى ألا وهي مرحلة الشيوعية. لمن يشعر ببعده عن هذه المصطلحات والنظريات أذكر بأن المرحلة الاشتراكية التي انبثقت من رحم الراسمالية  تكون متخمة بعناصر راسمالية عديدة من غير الممكن التخلص منها فورا، كالفوارق بين المدينة والقرية، بين العمل الفكري والعمل الجسدي، مثل الفوارق في الأجور وغيرها من الامور ذات البعد التاريخي. لذلك اتفقوا على أن شعار مرحلة الاشتراكية هو: "من كل واحد حسب مقدرته ولكل واحد حسب عمله".
أما في مرحلة الشيوعية حيث تختفي كافة الفوارق المادية والروحية بين المواطنين وتزول كافة مظاهر الاستغلال والقمع والاضطهاد وتسود الحرية والعدالة الاجتماعية والسلام، يتحول الشعار إلى: من كل واحد حسب مقدرته ولكل واحد حسب حاجته. إلا أن الواقع كان على العكس من ذلك تماما. فالبلاد كانت تمر بأزمة اقتصادية خانقة والاشتراكية المزعومة لم تكن أكثر من رأسمالية الدولة، أما دولة العمال فقد تحولت إلى دولة البيروقراطيين الحزبيين، وكانت الحرية بأبسط اشكالها تداس تحت أقدام الكي. جي. بي. وتقبع في  زنازين سيبيريا. 
كذبة إنجاز المرحلة الاشتراكية والارتقاء للمرحلة الشيوعية كانت أكبر من أن يتم إخفائها. وكان المعسكر الرأسمالي الآخر بزعامة أمريكا ومعها الدول الاوروبية المتطورة يعرف كافة التفاصيل. ولم يكتف بهذه التفاصيل بل زاد عليها وبالغ فيها بكل شيء. سميت هذه الفترة بالحرب الباردة: باردة بالنسبة للمعسكرين الرأسماليين ولكنها كانت ساخنة بالنسبة للدول الفقيرة والنامية. حيث عمت الحروب بالوكالة كافة أرجاء العالم لتصفية الحسابات بين المعسكرين المتناحرين على أراضي الغير كما يحدث اليوم تماما.
كانت أبواق النظام السوفياتي تدمغ كل ما يقال بدعايات وأكاذيب وافتراءات غربية مغرضة، وفي الوقت كانت الأبواق التي تدور في فلكه  تتهم كل من يوجه النقد للاتحاد السوفياتي بالعمالة للغرب والامبريالية، حتى التنظيمات والحركات التي كانت تناضل من أجل مجتمع اشتراكي حقيقي لم تنج من هذه الاتهامات.
وبعد أقل من عقد، وخلال شهور معدودة انهارت الامبراطورية انهيارا مدويا  صدم الاصدقاء قبل الاعداء. وتبين أن كل ما قيل لم يكن دعايات امبريالية، أو أن هذه الدعايات كانت صادقة بنسبة كبيرة.
لا تهدف هذه المقدمة الطويلة الخوض في التجربة السوفياتية واسباب فشلها، فهذا موضوع قائم بذاته وقد تناوله الكثيرون بالدراسات والتحليلات. ما يهمني هنا الوضع الراهن في منطقتنا والذي يشبه في الكثير من جوانبه ما حدث حينذاك. فكل تحرك شعبي تقوم به الشعوب العربية ضد أنظمتها الدموية والفاسدة يتم رفضه مباشرة على اعتبار أنه دعاية امبريالية مغرضة أو مؤامرة كونية ضد نظام عربي، وطني ومقاوم، ويدمغ كل من يشارك في هذه الحركات الاحتجاجية مهما كانت بسيطة بالعمالة لهذه القوى الامبريالية. هذا بالرغم من أن الانظمة التي تشتم الامبريالية الآن صباحا ومساء هي التي تخدم النظام الامبريالي العالمي وتعيده الى بلادها بعد أن غادرها.  الغاية الوحيدة لهذه الانظمة هي الحفاظ على حكمها ومن أجل ذلك فهي مستعدة لأن تلبس أي قناع (ديمقراطي، وطني، محارب للفساد، معاد الامبريالية) ومستعدة أن تنزعه كما لبسته بكل بساطة وسهولة. ومن الجهة الاخرى غاية الدول الامبريالية الحفاظ مصالحها ومن أجل ذلك هي الاخرى مستعدة لأن تلبس اي قناع (الحرص على الديمقراطية، الدفاع عن حقوق الإنسان، تقديم المساعدات "الإنسانية"). وعند الضرورة تخلع هذه الاقنعة الواحد تلو الآخر حتى يبين وجهها الحقيقي البشع وتمطر الشعوب بأسلحتها الفتاكة.
على الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والاستقلال والحياة الكريمة  أن تسير على الدرب الذي يمليه عليها ضميرها  ولا تستمع لما يقوله هذا أو ذاك ولا تلتفت يمينا أو شمالا، فالشعب يعرف طريقه جيدا بالرغم من كل المتكالبين.  

Tuesday, January 14, 2020

إلى اليمين در

إلى اليمين در
قبل أن نتكلم عن اليمين الإسرائيلي دعونا نتكلم قليلا عن اليمين الفلسطيني. 
لعل الشعار الرئيسي لحركة فتح، أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، التنظيم "الحاكم" (على الاقل حاليا في الضفة الغربية) والتي تعتبر نفسها مفجرة الثورة الفلسطينية الحديثة من خلال انطلاقتها في 1/1/196، كان وما زال: "لا يمين ولا يسار في الثورة الفلسطينية". هذا ما كان يتلقنه كوادر وأسرى في السجون الاسرائيلية (وانا هنا اتكلم عن تجربتي الخاصة). حسب هذا الشعار، لم تفرق إسرائيل في عام النكبة بين غني وفقير، بين عامل ورأسمالي، بين فلاح واقطاعي وبين تقدمي ومحافظ. كل هؤلاء كانوا سواسية في التشرد واللجوء وعلى حركة فتح أن تقودهم جميعا بعد أن توحدهم في تنظيم واحد. طبعا لا مفر من تعدد الآراء والافكار والنظريات والمواقف السياسية ولكن كل ذلك يجب أن يتم داخل إطار الحركة فقط. هكذا قام منظرو حركة فتح بالاعتراف بوجود تيارات يسارية ووسطية ويمينية داخلها وأنها مفتوحة أمام كافة الفلسطينيين من شتى الانتماءات. فهناك التيار اليساري الذي مثله لفترة ناجي علوش ومنير شفيق (ذو الميول الماوية الذي أصبح فيما بعد منظرا اسلامويا) وهناك تيار اليمين المحافظ المنبثق عن الإخوان المسلمين أو على الأقل ذو الخلفية الاخوانية ورموزه ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) وهناك التيار الوطني الليبرالي ومن رموزه ابو اياد وابو اللطف وغيرهما. ما وحد جميع هؤلاء في تنظيم واحد هو رفضهم فكرة الصراع الطبقي وفكرة ربط النضال الوطني بالنضال الاجتماعي. ولكن حركة فتح لم تستطع أن تصمد أمام المصطلحات التي كانت سائدة (عالميا) حينذاك وقد تم نعتها بيمينها ووسطها ويسارها باليمين الفلسطيني.
يعود مصدر هذه التسمية إلى ثلاثة تنظيمات أعلنت عن نفسها بأنها تمثل "قوى اليسار" وهي: 1- الحزب الشيوعي الفلسطيني (الذي أصبح بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حزب الشعب). 2- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (المنبثقة عن حركة القوميين العرب). 3.الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين المنشقة عن الجبهة الشعبية.
بالنسبة للحزب الشيوعي الفلسطيني وبالرغم من هامشيته على أرض الواقع فهو يمثل "الشرعية اليسارية" إذا صح التعبير لكونه عضوا في الكومنترن وعلاقته المميزة التي تتسم بالخضوع التام للحزب الشيوعي السوفياتي. فقد هذا الحزب معظم شعبيته في أعقاب قبوله لقرار تقسيم فلسطين واعترافه لاحقا بدولة اسرائيل المنبثقة عن الحركة الصهيونية العالمية. مع تطور الأحداث التي تسببت في تراجع العلاقات بين الاتحاد السوفياتي واسرائيل تبنى الحزب الشيوعي الفلسطيني سياسة نقدية تجاه اسرائيل ولكن من غير أن يسحب اعترافه بشرعية قيامها وأخذ يتقرب من اليمين الفلسطيني خصوصا كلما اقترب هذا اكثر فأكثر لحل سياسي سلمي للقضية الفلسطينية. حافظ على رفضه للنضال المسلح كطريق للتحرر. وهكذا انضم الحزب الشيوعي الفلسطيني (الشعب) كليا لمعسكر اليمين مع احتفاظه ببعض المصطلحات والشعارات اليسارية.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي شكلت الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب، وجدت نفسها في مأزق نظري وعملي. فالحركات القومية أثبتت عجزها عن مواجهة إسرائيل بعد أن تلقت الهزيمة تلو الأخرى وفي المقابل كان اليسار الثوري على الصعيد العالمي (وليس المحلي او الاقليمي) في حالة مد ويحقق الانتصارات في فيتنام، كوبا وأماكن اخرى في العالم. هكذا قررت أن تترك فكرها القومي وتتبنى ما سمته بالاشتراكية العلمية (الماركسية) وأعلنت عن نفسها التنظيم اليساري الجذري على الساحة الفلسطينية. ولكنها لم تستطع على أرض الواقع أن تتخلى عن فكرها القومي ولم تنجح في تبني الماركسية ومن هنا نبع تخبطها على صعيد النظرية والممارسة. فقد تبنت النظرية الستالينية التي تدعو الى تقسيم الثورة الى مرحلتين: الاولى، مرحلة التحرر الوطني والثانية، مرحلة التحرر الاجتماعي (الاشتراكية). في المرحلة الاولى لا بد من تشكيل جبهة وطنية تشمل كافة التنظيمات والقبول بقيادة البرجوازية (التي أطلق عليها إسم البرجوازية الوطنية) لقيادة وإنجاز هذه المرحلة. وهكذا أخذت تتبنى المواقف اليمينية أكثر فأكثر وتبررها بشعارات يسارية موروثة من عصر آل إلى الزوال.
انشقت الجبهة الديمقراطية عن الجبهة الشعبية على خلفية اتهامها للقيادة بالفشل من التحرر من الفكر القومي من جهة والفشل في تبني الاشتراكية العلمية من جهة أخرى. وأعلنت عن نفسها أنها هي التنظيم الاشتراكي الوحيد على الساحة الفلسطينية. ولكن سرعان ما وجدت نفسها تلعب دور يسار فتح خارج فتح. بدأ ذلك علنا في أعقاب تبني البرنامج المرحلي الذي ساهمت في صياغته في الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني الفلسطيني ومن ثم رفع شعار السلطة الوطنية الذي طرح لاحقا بأشكال مختلفة في مؤتمر جنيف ومن ثم كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو. وتشكل اليوم طرف أساسي في اليمين الفلسطيني من خلال مشاركتها الفعالة  بسلطة أوسلو.
الخلاصة في كلمتين: لقد تحول شعار: "لا يمين ولا يسار في الثورة الفلسطينية"، إلى: جميع التنظيمات الفلسطينية هي يمين.


Saturday, January 11, 2020

الثورات هي التي تغير مجرى التاريخ

الثورات هي التي تغير مجرى التاريخ 
اغتيال قاسم سليماني في بغداد والرد الإيراني هيمنا على أخبار الأسبوع الأخير وقد طفحت وسائل التواصل الاجتماعي (بالاضافة لوسائل الاعلام العادية الاخرى) بالتحليلات والتعقيبات حتى وصل الاستقطاب الموجود أصلا إلى اقصى مداه. في هذا الأسبوع بالذات كانت صلتي بالانترنت محدودة نظرا لتواجدي خآرج البلاد في زيارة خاصة وانشغالي بأمور أخرى. ولكني بالطبع تابعت تطور الاحداث بقدر ما اتاحته لي الظروف. حتى ظن البعض ممن يعرفون مواقفي الثابتة حول ما يدور في منطقتنا بأني قد غيرت مواقفي جذريا بعد هذين الحدثين خصوصا الموقف من النظام الايراني ومن الصراع الامريكي - الايراني في المنطقة، حتى تساءل أن بعض الأشخاص الذين يطفون على شبر من الماء إذا ما كنت قد بلعت لساني وآثرت الصمت. اليوم وبعد أن عدت إلى ممارسة حياتي الطبيعية كان لا بد من تسجيل النقاط الاولية التالية:
1- كنت وما زلت أرفض التدخلات الاجنبية العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية في منطقتنا بكافة أشكالها ومضامينها. هذا على الصعيد النظري مع علمي أن الموقف المبدئي لا يكفي لمنع هذه التدخلات.
2- كنت أتمنى أن تقوم الشعوب من خلال نضالها التحرري بمحاكمة قياداتها التي اقترفت الجرائم بحقها ولا تدعها لمجرم آخر (الامريكي في حالتنا هذه) وقد عبرت عن هذا الموقف في عدة مناسبات مثل إغتيال اسامة بن لادن والبغدادي ومؤخرا قاسم سليماني. الشعوب هي صاحبة الحق بملاحقة ومحاكمة هؤلاء قضائيا أو/ وميدانيا. في ظل الاستقطاب المذكور كانت المواقف متفاوتة فمنهم من أيد ومنهم من عارض حسب مواقفه المعلنة من الصراع العام.
3- أغتيل قاسم سليماني في بغداد قادما من بيروت ومن دمشق  فهو يمثل اليد العسكرية لنظام الملالي . في هذه الاماكن يعيث التدخل الاجنبي (الايراني أحدها) فسادا بالتوافق مع باقي الأطراف أحيانا والصراع  فيما بينها أحيانا أخرى. قاسم سليماني ومن خلفه النظام الايراني لم يكن بمعزل عن هذه التحالفات والصراعات ومن ضمنها مع الجانب الأمريكي. يجب الا ننسى انه على بعد كيلومترات قليلة من إغتيال سليماني (مطار بغداد) يوجد قاعدة عسكرية امريكية متطورة أقيمت بدعوة وموافقة الحكومة العراقية وحلفائها في طهران وربما كانت هذه القاعدة اليد المباشرة في الاغتيال. أنصار محور ما يسمى المقاومة يهاجمون بحق دول المنطقة التي تحتضن قواعد عسكرية أمريكية مثل قطر، الامارات والسعودية ولكنهم يخرسون ويغضون الطرف عن قواعدها في العراق. بعض النشطاء السياسيين "القوميين والوطنيين" تخونهم ذاكرتهم وينسون أن حكام بغداد الحاليين قد وصلوا للسلطة على ظهور الدبابات الامريكية وبمباركة ايرانية. الاحتلال الأمريكي للعراق مستمر بدون انقطاع منذ عام 2003. وفي السنوات الاخيرة أصبح احتلالا مشتركا امريكيا- ايرانيا. أنا لست ممن يقولون بأن الصراع الأمريكي الايراني هو مسرحية، على العكس من ذلك بل هو صراع وحشي وشرس هدفه الاستفراد بالفريسة والتهامها (في حالتنا هذه العراق). ولكن يتخلل هذا الصراع الشرس اتفاقيات، تفاهمات وتحالفات باشكال مختلفة.
4- قد تكون اليد المباشرة التي طالت سليماني أمريكية ومدعومة اسرائيليا ولكن من السذاجة حصرها في هذا الإطار فقط. هل يمكن استبعاد الدور الروسي بعد أن خرجت الخلافات الروسية - الايرانية إلى العلن في سوريا؟ وهل يمكن استبعاد أجنحة داخل النظام الاسدي بين مؤيدة لإيران ومؤيدة لروسيا؟ بل هي يمكن استبعاد الصراع داخل اروقة النظام الايراني ذاته؟ راجعوا مواقفكم على ضوء من المستفيد من اغتيال سليماني وسوف تفاجئون انفسكم.
5- وأخيرا، الرد الايراني. من يعتنق شعار: "الموت لامريكا، الموت لاسرائيل" سوف يخجل من هذا الرد فما بالكم بالمعارضين؟ قامت أبواق المؤيدين لنظام الملالي بتزييف التاريخ لكيل المدائح على هذا الرد الهزيل حتى ادعت بعضها أن استهداف القاعدة الامريكية هو الأول من نوعه بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر والذي كان سببا مباشرا لدخول أمريكا الحرب العالمية الثانية،  متجاهلين الحرب في كوريا في بداية الخمسينات والتي كبدت الجيش الأمريكي خسائر فادحة متجاهلين الحرب الفيتنامية التي استمرت لأكثر من عقد وكبدت الجيش الامريكي عشرات آلاف القتلى، هذا بالاضافة للحرب في لاوس وكمبوديا وحتى افغانستان الفقيرة.
يبدو أن ترامب كان صادقا عندما قال: " لم تنتصر إيران في أية حرب شنتها ولكنها لم تخسر أية مفاوضات". أغلب الظن أن إغتيال سليماني سيكون ورقة في يد النظام الإيراني للمساومة في مفاوضات مستقبلية وليس لتصعيد الصراع العسكري معها. هنا في فلسطين نلمس هذه السياسة منذ زمن طويل، فبعد كل عدوان تشنه اسرائيل على غزة أو تقوم بإغتيال أحد قادة الفصائل تعلن عن رغبتها بعدم التصعيد العسكري واستعدادها للتوصل الى هدنة طويلة واتفاقيات سياسية. راجعوا التصريحات الاسرائيلية منذ اغتيال احمد ياسين والرنتيسي مرورا بسعيد صيام والجعبري وحتى بهاء ابو العطا. فكل هدنة طويلة كانت أم قصيرة، بواسطة المخابرات المصرية وأطراف أخرى، كانت تأتي بعد عدوان أو عملية إغتيال وكان الطرف المعتدى عليه يلبسها قناعا بالرد ببعض الصواريخ الكرتونية وذلك للاستهلاك المحلي. فهل تعلمت أيران في ردها على اغتيال سليماني من حركة حماس والجهاد؟ لا تستغربوا أن تكون خاتمة اغتيال سليماني بداية انفراج سياسي بين ايران وامريكا ومن خلفها إسرائيل وبمشاركة أطراف أخرى.
لقد أصبحت البلدان العربية مسرحا للحرب بالوكالة بين القوى العالمية أو الاقليمية ومرتعا لتصفية حسابات هذه القوى على حساب الشعوب العربية. بالرغم من موقفي الرافض للحروب الامبريالية الرجعية ولكن إذا اصرت الدول الامبريالية والرجعية على شن حروبها   فلتفعل ذلك على أراضيها. إذا أرادت إيران أن تلعب دور البطولة فالاسطول الخامس الامريكي أقرب إليها من بغداد.
وفي جميع الأحوال ينبغي على الشعوب المضطهدة أن تحول الحروب الامبريالية والرجعية إلى حروب تحررية.