Thursday, December 06, 2018

ماذا بعد السقوط الكبير للإيديولوجيات؟

ماذا بعد السقوط الكبير للايديولوجيات؟
علي زبيدات - سخنين

لا أدري مدى صحة تنظيرات فوكوياما حول نهاية عصر الأيديولوجيات وعدم حاجة العالم لها بعد سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة واعلانه انتصار النظام الرأسمالي النهائي على الصعيد الاقتصادي: العولمة واقتصاد السوق المفتوح وعلى الصعيد السياسي بقيام انظمة "الديمقراطية الليبرالية" الغربية.
ولا أدري ما هو موقف فوكوياما الآن بعد قيام جدران أعلى وأعتى من جدار برلين،  وعودة الحرب الباردة بشراسة تفوق الحرب الاولى وترافقها حروب ساخنة لا تعد ولا تحصى في شتى أصقاع العالم. أما على الصعيد الاقتصادي فحدث ولا حرج عن الأزمات المزمنة لهذا النظام "المنتصر" والمجاعات والأمراض والحروب والاستعمار بأشكاله الحديثة.
ولكن بغض النظر عن تنظيرات فوكوياما المتناقضة والتي شكلت أساسا نظريا لقيام أشد الأنظمة رجعية ابتداء من رئاسة رونالد ريغن مرورا ببوش الاب والابن وحتى دونالد ترامب والمحافظين الجدد، علينا أن نعترف بسقوط الايدولوجيات الكبيرة التي طرحت نفسها كبديل للراسمالية العالمية. ولا يفيد الإنكار أحدا هنا والاكتفاء بالقول العيب ليس في الايديولوجية بل في معتنقيها وفي تطبيقاتها. وكأنه من الممكن الفصل بين  النظرية والتطبيق وتبرئة المعتنقين خصوصا بعدما شاركوا في وضع هذه الايدولوجيات.
وبما اننا بصدد مقالة صحفية وليس دراسة أو بحث أكاديمي (يوجد هناك كم لا يحصى ولا يعد من الدراسات والكتب حول هذا الموضوع) فإنني سأقتصر الكلام وباختصار شديد حول تبعات سقوط الأيديولوجيات في عالمنا العربي. حيث تنافست ثلاثة ايدولوجيات رئيسية فيما بينها لتغيير الواقع وكل واحدة ادعت بانها الافضل بل هي الوحيدة التي لا بديل لها وهي:
1- الأيديولوجية الشيوعية وتضم النموذج السوفياتي ممثلا بالاحزاب الشيوعية التقليدية، النموذج الصيني، الكوبي، الفيتنامي، الشيوعية الاوروبية والحركات الاشتراكية بمختلف اشكالها.
2- الايديولوجية القومية التي نمت وترعرعت في خضم النضال ضد الاستعمار ووصلت ذروتها مع جمال عبد الناصر وقيام الوحدة المصرية-السورية ومن ثم قيام حركات ناصرية في ارجاء العالم العربي وكذلك قيام حزب البعث واحزاب قومية اخرى عديدة تأرجحت بين الشيوعية يسارا وبين الفاشية يمينا. 
3- الايديولوجية الدينية. خصوصا بعدما تحول الدين من معتقدات وعبادة وطقوس الى ايديولوجية اتفق على تسميتها بالاسلام السياسي على يد حركة الاخوان المسلمين ومن ثم كافة مشتقاتها من سلفيين وجهاديين على شاكلة القاعدة وداعش وغيرها.
هذه الايدلوجيات الثلاثة قد سقطت في منطقتنا سقوطا مدويا. وكما قلت لن يفيدنا الانكار شيئا ولم يعد التبرير بأن العيب ليس في الايديولوجية نفسها بل بمعتنقيها وبتطبيقها كافيا وقد نسي هؤلاء أن الانسان هو الذي صنع الايديولوجية قبل أن تصنعه.
الشيوعية انهارت في الاتحاد السوفياتي والمعسكر التابع له ليس فقط بسبب الأفراد الذين قادوها من لينين وستالين مرورا بخورتشوف وبرجينف وحتى غورباتشوف، وليس فقط بسبب تطبيقات خاطئة من سياسة النيب مرورا بسياسة التصنيع السريع والاحتكار القصري للدولة وحتى سياسة السوق والانفتاح، بل أيضا وبالاساس بسبب فشل الايديولوجية الشيوعية في التطور ومواكبة التطورات الحديثة. بالرغم من أن جميع أتباعها كانوا يرددون: الماركسية ليست نظرية جامدة بل هي مرشد للعمل. ولكنهم في الواقع كانوا يفسرون كل ظاهرة جديدة بمفاهيم القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد باءت جميع المحاولات الجادة والرصينة لتطوير الشيوعية لكي تلائم متطلبات العصر بالفشل أولا وقبل كل شيء بسبب معاداة الشيوعيون  الذين وضعوا أنفسهم حراسا على "نقائها".
الايديولوجية القومية، منذ بدايتها لم تعرف كيف تتعامل مع الأقليات القومية التي تشاركها في الجغرافيا والتاريخ ولم تعرف كيف تتعامل مع نفسها. بالرغم من توفر ظروف موضوعية قابلة لنجاح المشروع القومي على الأقل على طريقة بيسمارك وغاريبالدي (توحيد ألمانيا وإيطاليا) إلا أنها فشلت في ذلك لأن قيادتها لم تكن مهيئة تاريخيا للقيام بهذا الدور. "الثورة العربية الكبرى" التي قادتها بدلت الاحتلال التركي بالاحتلال البريطاني والفرنسي ومن ثم بالهيمنة الامريكية والمساهمة في تمهيد الطريق لقيام الكيان الصهيوني. ومن ثم أصبح شعار الوحدة العربية قناعا للدفاع عن دول سايكس-بيكو واللهث وراء السلطة من قبل عائلات كومبرادورية في كل الدول العربية. أكبر برهان على فشل المشروع القومي العربي هو قيام ما يسمى بجامعة الدول العربية ومن ثم مجلس التعاون الخليجي. برهان آخر على فشل المشروع القومي العربي والذي لا يقل من حيث أهميته عن سابقه هو الحروب الحالية التي تمزق العالم العربي في العراق وسوريا واليمن وليبيا والتي تخوضها انظمة ومليشيات محسوبة على هذا التيار. وبرهان أخير، هو موقف الأنظمة العربية من دولة اسرائيل والذي تجاوز التطبيع ووصل الى مرحلة التحالف.
 الايديولوجية الدينية التي حلمت بملأ الفراغ بعد تقهقر الاستعمار القديم وفشل الشيوعية والقومية في إنجاز مشروعيهما. سرعان ما كان مصيرها مشابها من حيث الفشل والسقوط. كل ما فعلته هو اذكاء النعرات الطائفية التي وصلت في بعض الحالات الى حروب طائفية. هذا ناهيك عن تحالفها مع الاستعمار القديم لمواجهة منافسيها الآخرين. لقد أثبت التاريخ أن تحويل الدين الى ايديولوجية لا يختلف عن تحويل الايديولوجية الى دين وبالتالي لا غرابة أن تكون النتيجة واحدة. لقد حققت الأيديولوجية الدينية بعض النجاحات في أماكن معينة ولفترات زمنية معينة، تماما كما فعلت الأيديولوجيات الاخرى. فبينما كانت النجاحات نسبية ومشروطة كان الفشل مطلقا وشاملا.
سقوط هذه الأيديولوجيات المدوي لا يعني نهاية الصراع في المنطقة، على العكس فالصراع يتصاعد والمطلوب أولا وقبل كل شيء صراع ايديولوجي يخرجنا في نهاية المطاف من هذا المأزق.  

Thursday, November 29, 2018

ضد الإقطاع السياسي

ضد الإقطاع السياسي
علي زبيدات - سخنين

الإقطاع هو نظام اقتصادي اجتماعي سياسي عرفته معظم بلدان العالم في مرحلة ما من تاريخها. ومثله مثل أي نظام عالمي كان تجسيده على أرض الواقع يختلف من بلد لآخر من حيث الشكل والتفاصيل والسمات الخاصة. غير أن جوهره يبقى واحدا ويقوم على اسس ثلاثة:
 1- الإقطاعي: الذي يملك المساحات الواسعة من الأراضي الزراعية وينتمي عادة للطبقة الحاكمة التي عرفت في أوروبا، حيث بلغ النظام الإقطاعي ذروة تطوره وأخذ شكله الكلاسيكي، بطبقة النبلاء.
2- التابع: وهو الفلاح الذي يعمل في أرض الإقطاعي. وكان تابعا للأرض بمعنى انه كان يباع ويشترى مع الأرض إذا ما باعها الإقطاعي. فكان يملك حياته ولكنه لا يملك حريته وبذلك كان وضعه الاقتصادي والاجتماعي لا يختلف كثيرا عن وضع العبيد عندما كانت العبودية هي النظام السائد. وينتمي إلى طبقة الاقنان أو الفلاحين الفقراء.
3- الارض: وهي الأساس لكل نظام يقوم على الزراعة وكما سبق أن ذكرت، كان يمتلكها الإقطاعيون ويفلحها التابعون والفلاحون الفقراء.
ساد النظام الاقطاعي أوروبا في القرون الوسطى وأخذ يتقهقر تدريجيا وينهار مع تطور الصناعة وظهور النظام الرأسمالي. وكانت الثورة الفرنسية الكبرى أول ضربة قوية كادت أن تقوض هذا النظام تماما. وقد انهار نهائيا مع توالي الثورات في القرن التاسع عشر. في باقي بلدان العالم ومن ضمنها العالم العربي، استمر النظام الإقطاعي لفترة أطول لأسباب عديدة أهمها الاستعمار وغياب التطور الصناعي. في البلدان العربية، ساد النظام الاقطاعي اربعة قرون هي سنوات الحكم العثماني. وبعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى ومغادرتها لهذه البلدان بدأ هذا النظام هو الآخر بالتلاشي تدريجيا وخصوصا على الصعيد الاقتصادي. تغيرات جذرية عديدة لعبت دورا هاما في هذا التلاشي منها تقسيم المنطقة حسب اتفاقية سايكس بيكو ووقوع بلدان اخرى تحت الاستعمار المباشر أو الوصاية الاستعمارية، وفيما بعد اكتشاف البترول في شبه الجزيرة العربية، مما سبب إهمال الزراعة. هكذا تحول النظام العام الى مزيج من الاقطاعية والراسمالية التابعة وغير المتطورة. في مصر، قام جمال عبد الناصر بعد الثورة  ومن خلال الإصلاح الزراعي بالقضاء العملي على الإقطاع. في فلسطين ساد النظام الإقطاعي حتى عام النكبة 1948  حيث قام الكيان الصهيوني باحتلال 80% من أراضي فلسطين التاريخية وبعد أقل من عقدين احتل كامل التراب الفلسطيني. وكانت بعض العائلات الاقطاعية اللبنانية والسورية قد باعت أراضيها للحركة الصهيونية قبل عام النكبة.
انهار النظام الإقطاعي على الصعيد الاقتصادي نهائيا ولكنه ما زال موجودا على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. كما هو معروف قد تتحول البنى التحتية (وسائل الإنتاج) بسرعة ولكن البنى الفوقية ومن ضمنها النظم والمؤسسات السياسية فإنها تتغير ببطء شديد وفي بعض الأحيان تدخل في مرحلة من الركود بحكم ارتباطها الشديد بالتقاليد والمعتقدات والموروث الاجتماعي والثقافي. يشكل النظام السياسي في لبنان نموذجا كلاسيكيا للإقطاع السياسي بالرغم من زوال الاقطاع الاقتصادي. تظهر اهم صفات الاقطاع السياسي باقامة الأحزاب العائلية والطائفية ومبدأ التوريث. لا يوجد في لبنان تقريبا عائلة اقطاعية الا وحافظت على هذا الشكل أو ذاك من الاقطاعية السياسية (عائلة الجميل، جنبلاط، كرامة ـ فرنجية، ارسلان  الخ.)  ولا تغرنك الأسماء التي اطلقوها على أحزابهم من الاشتراكية وحتى الفاشية).
في فلسطين، انهارت الاقطاعية على الصعيد الاقتصادي مع فقدان الأرض. وتلقت ضربة قاسية على الصعيد السياسي بسبب الهزائم التي مثلتها عائلتي الحسيني والنشاشيبي. إلا أن العقلية الاقطاعية السياسية لم تختفي نهائيا. خصوصا وأن مصالح الدول العربية المهزومة من جهة والكيان الصهيوني من جهة اخرى التقت في الحفاظ على هذه العقلية لا بل تقويتها أيضا. لفترة معينة ولدرجة معينة لعبت منظمة التحرير الفلسطينية دورا متمردا على هذا النظام الاقطاعي السياسي ولكنها فشلت في تمردها هذا كما فشلت في امور اخرى عديدة. ومع الوقت، خصوصا بعد اتفاقيات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية واندثار دور منظمة التحرير الفلسطينية الريادي تماما أصبحت من أركان نظام الإقطاع السياسي في فلسطين.
لم تكن الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948 بمعزل عن هذا التطور، بعد أن تمت مصادرة أكثر من 90% منها لصالح الدولة و مستوطنيها اليهود. غير أن عقلية الاقطاع السياسي ما زالت مهيمنة على صعيد المدن والقرى وتظهر هذه العقلية بأبشع صورها في الانتخابات المحلية وانتخابات الكنيست. وأظن لا حاجة هنا لذكر أسماء العائلات والأفراد ذوي العقلية الاقطاعية في السياسة. هذه الظاهرة ليست بحاجة للدراسات والابحاث للبرهنة على وجودها، فمن منا لا يشعر بارهاصاتها على جسده؟
لم يكن النظام الاقطاعي بكافة اشكاله عائقا في الماضي أمام تطور بلداننا فحسب بل هو العائق الرئيسي لأي تطور مستقبلي. من أجل الحرية والعودة والاستقلال لا بد من التخلص من أدران ومفاسد هذه العقلية الاقطاعية السياسية المتخلفة مرة واحدة والى الابد.

Thursday, November 08, 2018

الانتخابات المحلية والصراع الطبقي

الانتخابات المحلية والصراع الطبقي
علي زبيدات - سخنين

الانتخابات المحلية من وراء ظهورنا غير أن تبعاتها ونتائجها سوف تلاحقنا لفترة طويلة من الزمن. ولا أبالغ إذا قلت اننا لن نتخلص منها ابدا لأنها تتجدد كل خمس سنوات بالشكل نفسه والمضمون نفسه. وإذا طرأت عليها بعض التغيرات ستكون هامشية وجانبية ولن تمس جوهرها.
بعض الدول تسن القوانين لاجبار مواطنيها على المشاركة في الانتخابات برلمانية كانت أو المحلية وذلك من منطلقات سياسية أو ايديولوجية لا مجال للخوض بتفاصيلها هنا، وإلا تعرض المواطنون للعقوبات من دفع غرامات مرورا بأشغال لخدمة الجمهور وحتى السجن في بعض الحالات. تصل نسبة المصوتين في هذه الدول إلى 90% وأكثر.
 تصل مشاركة العرب في هذه البلاد في الانتخابات المحلية هذه النسبة وقد تتجاوزها بدون أن يكون هناك قانون الانتخابات اجبارية. فهم يذهبون الى صناديق الاقتراع بمحض ارادتهم وبحماس يحسدون عليه. يقف جميع المحللين والمراقبين عند شكل هذه الانتخابات ويتفقون على أن هذا الشكل يقوم على أساس عائلي يتلاءم وينسجم مع تركيبة المجتمع. وربما وجدوا هنا وهناك بعض الدلائل لمؤشرات حزبية أو شبه حزبية أو طائفية أو نوع من الخليط العائلي - الحزبي - الطائفي. فالحزب السياسي مهما كانت عراقته ضاربة الجذور ومهما تزين بالايديولوجيات والنظريات والشعارات البراقة فأنه يعترف في نهاية المطاف أن كل هذه الامور لا تملأ الصناديق بالاصوات وأنه من أجل ذلك لا غنى عن الانتماءات العائلية.  فيبحث عن عائلة أو عائلات تشد من عضده وفي كثير من الاحيان يبحث عن عائلة كبيرة تتبناه كحزب. وتشعر العائلة أيضا بتغير الازمنة فتبدأ بتقليد الاحزاب بطريقة اختيار مرشحها وبكيفية إدارة حملته الانتخابية. الطوائف المختلفة لا تبتعد كثيرا عن هذا النموذج  فمنها من أقامت احزابا طائفية بشكل علني ومفضوح ومنها، خصوصا الطوائف الصغيرة، فقد شكلت لنفسها قوائم طائفية خجولة بعض الشيء.
أهتمام المحللين والمراقبين بالشكل فقط أفقدهم الاهتمام بالجوهر، مع أنه هو الجانب الرئيسي والأكثر أهمية في هذه المعادلة. حسب رأيي، والذي أؤكد عليه كل التأييد، أن جوهر هذه الانتخابات ( وعلى فكرة كل انتخابات) هو طبقي وربما الاصح أن نسميه: صراع طبقي. بذلك فأنا هنا لا أعيد اختراع العجلة أو اكتشاف امريكا. فالأمر واضح كل الوضوح ولا ادري لماذا يتجاهله الجميع ويخافون من سبر غوره.
المرشحون أصحاب الحظوظ الاوفر بالنجاح لا ينتمون لعائلة كبيرة فحسب بل يعتبرون من أغنياء هذه العائلات.  وغالبا ما يكونون رجال أعمال أو أصحاب ممتلكات أو ذوي مهنة رفيعة ومكانة مرموقة وربما جمعوها كلها أو معظمها في آن واحد. وهكذا يكونون قادرين على شراء الاصوات بشكل مباشر أو بواسطة مقاولي أصوات. هذا بالاضافة الى كرمهم الزائد في توزيع الوعود. بالمقابل هناك جمهور المصوتين الذين لا يكادون يملكون شيئا، وتحت وطأة الحاجة والفقر ومقابل النزر القليل المدفوع مسبقا والوعود المستقبلية نراهم يهرعون لصناديق الاقتراع. ومن الطبيعي أن تذهب اصواتهم للقريبين اليهم عائليا أو سياسيا ضاربين بمصالحهم الحقيقية عرض الحائط. وكما تزعم الزعامات على المستوى الوطني أن الوطن للجميع ولكنهم يخفون ما في سرائرهم بأن لهم في هذا الوطن حصة الأسد، كذلك تردد الزعامات المحلية القول ذاته بأن البلد للجميع وفي الوقت نفسه ينسون أو يتناسون القول بأن لهم حصة الاسد في هذا البلد. 
قلت أن جوهر الانتخابات المحلية طبقي بل صراع طبقي. وقد يعترض البعض قائلا: ولكن اين هو الصراع؟  ما نشاهده ليس صراعا بل هو أقرب إلى  التعاون والانسجام. نعم، هذا صحيح، وهذا ما يبدو للوهلة الاولى. فقد يبدو الصراع الطبقي في مرحلة معينة تعاونا وذلك لاسباب كثيرة وتحت ظروف شتى أهمها انعدام الوعي الطبقي عند الجماهير، تقهقر النضال الوطني التحرري وتقاعس وفي بعض الأحيان خيانة القيادات التي مهمتها قيادة الصراع الطبقي وتطويرة بشكل يحقق أماني هذه الجماهير ويخدم مصالحها . 
قلت في الماضي وها أنا أعود وأكرر ما قلت: إن الهدف من الانتخابات المحلية في ظل هذا الكيان الاستيطاني العنصري هو خدمة الدولة وسياستها وليس خدمة الجماهير. مع تزايد الوعي الطبقي عند الجماهير وبزوغ قيادة جديدة ثورية تقدمية مخلصة سوف يعود الصراع الطبقي الى مساره السليم، وسوف تقترب الزعامات المحلية المنتفعة أكثر فأكثر للطبقة الحاكمة في الدولة لتشكل جبهة واحدة. وفي المقابل سوف يلتحم النضال الطبقي المحلي بالنضال الوطني العام. عندها سوف تبزغ شمس الحرية وسوف تكنس هذه الديمقراطية المزيفة الى مزبلة التاريخ.

Thursday, October 25, 2018

هذه هي الديمقراطية الفلسطينية!

هذه هي الديمقراطية الفلسطينية
علي زبيدات - سخنين

من يظن أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة فهو مخطئ. يوجد هناك دولة أخرى تنافسها بالديمقراطية وهي دولة فلسطين. نعم يوجد هناك من يصر على تسميتها دولة بينما يكتفي البعض بتسميتها سلطة وطنية أو سلطة فلسطينية، إما تواضعا وإما تشكيكا. عن "الديمقراطية" الاسرائيلية نحن نعرف كل شيء أو تقريبا كل شيء: فهي دولة قانون ودولة مؤسسات. لها برلمان يسمى الكنيست منتخب بشكل ديمقراطي كل اربع سنوات أو كلما دعت الحاجة لذلك. وهو مفتوح أمام الجميع بمن فيهم نواب يمثلون من يطلقون على أنفسهم الاقلية الاصلانية الفلسطينية مواطني الدولة. وهناك سلطة تنفيذية تسمى الحكومة مسؤولة أمام البرلمان الذي يستطيع أن يحجب عنها الثقة ويسقطها. وهناك جهاز قضائي "مستقل" يستطيع أن يضع البرلمان والحكومة عند حدهما إذا تجاوزا القوانين الأساسية. وهذه الدولة تملك جيشا يعتبر من أقوى جيوش العالم، ولكن هذه الصفة ليست أهم صفاته. ما يميزه عن باقي جيوش العالم هو كونه الأكثر أخلاقية حتى أصبحت ابشع الجرائم التي يقترفها تخرج من تحت يديه نعمة على المقتولين بسبب "طهارة" سلاحه. ويمارس احتلالا متنورا لا مثيل له في العالم إلى درجة أن الذين يعيشون تحت هذا الاحتلال لا يموتون من أجل دحره والتخلص منه بل على العكس يموتون حرصا عليه وعلى بقائه ويعشقون الحواجز والجدران العازلة والاغتيالات. أصلا لا يوجد هناك احتلال وبالتالي لا يوجد جيش احتلال إذ هل يعقل أن يحتل جيش أرضه؟ هذا غيض من فيض من سمات "الديمقراطية" الاسرائيلية. ومن يريد أن يتنور أكثر في هذا المجال سوف يجد الجواب عند معتوهي الأرض وأشدهم عنصرية ليزودوه بما يريد من معلومات.
ولكن ما هي حكاية الديمقراطية الفلسطينية؟ في هذا الصدد لدي تجربة شخصية مع هذه الديمقراطية تعود إلى ما قبل قيام السلطة، عفوا الدولة، واسمحوا لي أن أقصها عليكم بإختصار: في نهاية عام 1988 قدم ياسر عرفات على رأس وفد فلسطيني رفيع المستوى من أجل إلقاء خطاب في مقر الأمم المتحدة في جنيف. وكان ذلك بناء على إملاءات أمريكية في إطار المساعي للتوصل إلى اتفاقية سلام مع اسرائيل. وقد وصلت هذه المساعي إلى ذروتها شهرا قبل موعد الخطاب المذكور في جنيف، وبالتحديد في الدورة ال19 للمجلس التشريعي في الجزائر حيث تم الإعلان عن " استقلال" فلسطين والاعتراف الضمني بدولة إسرائيل. ولكن التنازلات التي قدمها المجلس الوطني في الجزائر لم تكن كافية بالنسبة للادارة الامريكية حتى تقبل بمنظمة التحرير شريكا رسميا وتبدأ بمفاوضات مباشرة معها. وطالبت ياسر عرفات بالقدوم الى جنيف لكي يلقي خطابا ينص بشكل صريح على الاعتراف بقرار 242 الذي كانت المنظمة بكافة فصائلها ترفضه وإدانة كافة انواع الارهاب والذي يعني نبذ الكفاح الفلسطيني المسلح ضد الكيان الصهيوني. 
كانت الجلسة مفتوحة، وقد غصت القاعة بالوفود القادمة من كافة أرجاء العالم. وكان هناك وفد كبير من عرب اسرائيل ( في ذلك الوقت لم تكن هذه التسمية حساسة كما هي عليه اليوم). كنت هناك، جئت بمفردي قادما من دولة أوروبية. بعد عاصفة من التصفيق استمرت لبضع بدأ ياسر عرفات بإلقاء خطابه.دقائق وفي مرحلة ما من الخطاب قال:" إن الشعب الفلسطيني يعترف بقرار مجلس الأمن 242 ويستنكر ويدين كافة أشكال الإرهاب". فلم أجد نفسي الا وأنا واقفا في احد الصفوف الخلفية في القاعة صارخا في وجه عرفات: " هذا الكلام كذب. فالشعب الفلسطيني يرفض قرار 242 المجحف في حقه وقد قدم آلاف الشهداء لاسقاطه، كما أن الكفاح الفلسطيني ليس إرهابا بل ما تقوم به إسرائيل وامريكا هو الارهابي". فما كان من عرفات الا أن صمت للحظة وقد بدت على وجهه الصدمة، اذ كيف يقوم شخص نكرة بمقاطعة الرئيس بهذه الوقاحة.  ومن ثم قال: "هذه هي الديمقراطية الفلسطينية"  وتابع خطابه بعد أن تفجرت عاصفة التصفيق.
وقعت هذه الحادثة قبل 30 سنة. ولكن ما هي مناسبة سرد هذه القصة الآن؟ المناسبة هي أن منظمة هيومن رايتس ووتش أصدرت تقريرا يدين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية (وسلطة حماس في غزة) باعتقال وتعذيب منهجي للمنتقدين والمعارضين السلميين. وأنها شكلت كيانات بوليسية تمارس انتهاك حقوق الانسان. وطالبت الدول المانحة بتعليق مساعداتها للوحدات والاجهزة الامنية الضالعة بمثل هذه الممارسات. وقد كان رد السلطة على هذه الاتهامات عنيفا ملخصه: أن دولة فلسطين هي دولة ديمقراطية، دولة قانون ومؤسسات (لاحظوا، العبارات نفسها التي تستعملها إسرائيل)، تلتزم بتعهداتها وواجباتها، تحترم حقوق الإنسان وتدافع عنها، وتعتمد في ذلك ليس على المعاهدات الدولية بهذا الخصوص فحسب بل على وثيقة الاستقلال الفلسطينية من حيث الاساس، وأن تقرير هيومن رايتس ووتش حول التعذيب الممنهج والاعتقال هو تقرير سياسي يتوافق مع الموقف الأمريكي.
لست هنا بصدد الدفاع عن هذه المنظمة أو مهاجمتها. ولكن اظن اننا لسنا بحاجة الى مثل هذا التقرير لمعرفة ما يدور في دهاليز الأجهزة الامنية  الفلسطينية (في الضفة وفي قطاع غزة على حد سواء) من تعذيب واعتقالات تعسفية. قامت الادارة الامريكية مؤخرا بتقليص مساعداتها للصحة والتعليم في فلسطين وإيقاف مساعداتها لمنظمة الأونروا، الاجهزة الامنية كانت الوحيدة التي استثنيت من هذه التقليصات. على غرار الديمقراطية الاسرائيلية، اعترفت الديمقراطية الفلسطينية بحصول بعض التجاوزات الفردية التي تقوم الاجهزة الامنية بواجبها بالتحقيق في حيثياتها، ولكن النتيجة كانت دائما، كما في الجارة اسرائيل، عندما يقوم جهاز أمني بالتحقيق مع نفسه، انه لم تتم محاسبة او ادانة أي عنصر ارتكب مثل هذه التجاوزات.
خذوا ديمقراطيتكم وانصرفوا. ليست هذه هي الديمقراطية التي يطمح بها ويناضل من أجلها الشعب الفلسطيني. 


Thursday, October 11, 2018

ما وراء البرامج الانتخابية

ما وراء البرامج الانتخابية
علي زبيدات - سخنين

للوهلة الاولى، قد يظن القارئ أن هذه المقالة تدور حول الانتخابات المحلية الوشيكة. ولكنها بكل تأكيد ليست كذلك حتى ولو تم ذكر اسمها مرات عديدة. فالقصد منها أبعد ما يكون عن الانتخابات المحلية. موقفي كان ولا يزال مقاطعة هذه الانتخابات أسوة بمقاطعة شقيقتها الكبرى، انتخابات الكنيست. وقد سبق وشرحت الاسباب التي دفعتني لاتخاذ مثل هذا الموقف ولا رغبة لدي لتكرار ما قلته في هذا المجال. أعتقد أننا ظلمنا المرشحين لرئاسة البلديات والمجالس المحلية والمرشحين  لعضوية مجالس هذه البلديات. وأعترف بأنني كنت ممن ظلموا هؤلاء المرشحين في بعض الأمور من أهمها أنه لا يوجد هناك اي مرشح قد طرح برنامجا انتخابيا. ولكني غيرت رأيي تماما في هذه النقطة بالذات بعد أن استمعت إلى خطاباتهم في المهرجانات الداعمة وشاهدت عشرات الفيديوهات ومئات البوستات على شبكات التواصل الاجتماعي وتبين لي أن لجميعهم برامج انتخابية رهيبة تعجز عن تحقيقها الدول طوال عشرات السنوات فكم بالاحرى بلديات محدودة الصلاحيات والميزانيات في خمس سنوات؟ هل صادفتم مرشحا لرئاسة بلدية أو حتى لمجلس محلي متواضع ولم يضع على رأس سلم أولوياته واهتماماته البنود التالية:
التربية والتعليم، بناء المدارس والروضات والمراكز الثقافية، رفع نسبة النجاح في البجروت، وتخصيص المنح للطلاب الجامعيين.
حل مشاكل الازواج الشابة وأزمة السكن من خلال توفير القسائم وبناء الدور والشقق لجميع المحتاجين وباسعار شعبية.
توسيع مناطق النفوذ والمسطحات في كل مدينة وقرية.
محاربة العنف في البيت والمدرسة والشارع والمجتمع.
محاربة الفساد في البلدية وفي كافة المؤسسات التابعة لها.
تمكين المرأة ودمجها بالعمل البلدي هذا بالاضافة الى محاربة العنف والتحرش والتمييز الذي تتعرض له ومحاربة القتل على خلفية ما يسمى ب"شرف العائلة".
بناء المرافق الثقافية والاقتصادية والترفيهية.
ألا تشكل كل هذه البنود برنامجا انتخابيا تعجز عن تحقيقه دولة تتحكم بميزانيات تفوق ميزانيات البلديات مجتمعة وكل على حدة بمئات وربما بآلاف المرات؟ وهذا ليس كل شيء، إذا ما أضفنا "الانجازات" التي يروجها رؤساء البلديات الحاليين والذين يطمحون بالعودة لفترة أخرى والتي لا تقل عن "برامجهم" المستقبلية.
هذا يذكرني ببرامج وانجازات أحزابنا و تنظيماتنا على الصعيد الوطني التي لا تتوقف عن أحصاء انتصاراتها على الكيان الصهيوني الغاصب. فمن يستمع لخطاب رئيس اصغر حزب وحتى خطاب أكبر تنظيم فلسطيني في اي مهرجان أو ذكرى أو مناسبة يخرج بشعور لا يقاوم بأن الاحتلال يلفظ أنفاسه الاخيرة وأن الاعداء من تل أبيب إلى واشنطن على وشك رفع الراية البيضاء والاستسلام من غير قيد أو شرط. برامج براقة شكلا فارغة مضمونا كالطبل الأجوف كلما اتسع حجما ضخم صوته وبقي خاويا.
هذا الكلام الذي أقوله هنا يحاكم صاحبه في كافة الدول العربية بتهمة تخريب معنويات الأمة والمس بالامن القومي وتحطيم مناعة الدولة وقد تصل التهم الى الخيانة ومساعدة العدو.
أظن أنه بعد سبعين عاما من العيش بالاوهام ومن غرس وتربية الأوهام والمتاجرة بها آن الأوان لكي نستفيق ونبحث لنا عن بديل آخر. أن نضع على الاقل رجلا واحدة على الأرض ولتبق الرجل الاخرى مرفوعة في الفضاء. أن نتوقف للحظة واحدة عن عد الانتصارات والانجازات ونتذكر الهزائم والنكبات المستمرة. لنبدأ بتواضع وعلى مهلنا: نعترف أولا بضعفنا وعجزنا، وهذا ليس عيبا، لأنه من غير هذا الاعتراف لن نستطيع قلب الضعف إلى قوة والعجز إلى مقدرة. لنبدأ بتنظيف عقولنا وأفكارنا من الغبار المتراكم طوال قرون عديدة من الركود والتخلف. لتكن بداية جديدة على أسس متينة جديدة نستطيع من خلالها أن نكمل المسيرة. دعونا نبدأ من مدننا وقرانا، نتخلص من تفكيرنا العائلي الضيق العقيم، نتوقف عن اللهث وراء مصالحنا الشخصية وننفض عن وجوهنا وكواهلنا غبار الماضي السحيق. ولا تقلقوا سوف يأتي دور البرامج الطموحة التي سوف تصبح قابلة للتطبيق وليس مرتعا للاوهام كما  هي عليه اليوم.
يقول بعض سياسيينا الذين اتحفونا على مدى عقود بمعاركهم الدونكيشوتية وبعنترياتهم داخل أروقة الكنيست وخارجه، أن قانون القومية الاسرائيلي قد أعاد الصراع إلى المربع الأول. حسنا ما السيء في ذلك؟ هذا يعني أن الطريق الذي سلكتموه قد وصل الى نهايته المسدودة بل أعادنا الى نقطة الانطلاق الأولى. فلماذا لا تكملون معروفكم وتتنحون جانبا وتفسحون المجال لغيركم من الأجيال الشابة أن تجرب حظها وتقود المسيرة بفكر جديد ومعنويات جديدة وأساليب عمل جديدة؟.



Thursday, September 27, 2018

أمام الكواليس وخلف الكواليس

 أمام الكواليس وخلف الكواليس
علي زبيدات - سخنين

عند كتابة هذه السطور لم يكن محمود عباس قد القى خطابه أمام الجمعية العمومية بعد. وأعتقد لا يوجد هناك أية ضرورة لانتظار هذا الخطاب لكي تكتب عما يجري في اروقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وأعتقد أيضا أن هذا الوضع لا ينطبق حصرا على رئيس السلطة الفلسطينية بل يشمل معظم إن لم يكن كافة الزعامات التي ألقت خطاباتها والتي لم يأت دورها بعد. خطابات ترامب واردوغان وروحاني كانت مكشوفة ومتداولة بين الناس وفي وسائل الإعلام قبل وقوفهم على المنصة. في حالة محمود عباس لم يترك المحيطين به والمقربين منه إلى حد الاحتضان مثل عريقات، العالول وشعث بالإضافة لابواق الدعاية الخاصة في وسائل الإعلام التابعة حتى ولو كلمة واحدة يفاجئنا بها الرئيس. فالرسالة وصلت قبل الخطاب وسوف تصل بعد الخطاب أو بدون خطاب. ولكن أحد قوانين اللعبة ينبغي على المسرحية أن تتم على المنصة، أمام الكواليس وخلف الكواليس، لم تعد تفرق فقد أصبح المكانان سيين.
فور عودة الرئيس الى رام الله، سوف يدعو الرئيس الى عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير لاتخاذ القرارات. وكأن هذا المجلس لم يجتمع بدل المرة مرتين ولم يتخذ القرارات. صحيح أن ذاكرتنا قصيرة ولم نعد نتذكر بالضبط ما هي القرارات التي اتخذها هذا المجلس في اجتماعاته السابقة ولكن ليس إلى درجة أن ننسى تماما اجتماعاته واتخاذه للقرارات الحاسمة. في الماضي وعدونا باتخاذ القرارات ولكنهم لم يعدونها بتطبيقها أو أنهم لم يحددوا وقتا لتطبيقها. هذه المرة ستكون هناك خطوة مميزة وجريئة إلى الأمام، حيث سيكون النقاش المركزي ليس حول اتخاذ القرارات بل حول كيفية تطبيقها. صدق أو لا تصدق، هذه المرة سوف يكون هناك قرارات وتطبيق في الوقت نفسه. يبدو أن أحدهم قرأ عن العلاقة الديالكتيكية بين النظرية والممارسة. أنا شخصيا أحب مشاهدة المسرحيات والافلام. وقد شاهدت بعضها عدة مرات وشعرت وكأني أحضرها للمرة الاولى. ولكن يوجد هناك مسرحيات مملة حالما تبدأ بمشاهدتها يهجم عليك النعاس فكيف يكون شعورك إذا أخبرك احدهم على مشاهدتها عدة مرات؟ الان، وفي وقت كتابة هذه السطور اشعر بالنعاس كلما فكرت بمراجعة قرارات المجلس المركزي من أجل إنعاش الذاكرة لا اكثر ولا اقل. وأعترف، بالتالي تغلب على الكسل والملل ولم استطع أن اضغط على كبسة أو كبستين لكي تظهر هذه القرارات أمامي على الشاشة.
سوف يقول الرئيس أيضا أن السلطة الفلسطينية لن تكون الطرف الوحيد الذي يلتزم بالقرارات المبرمة. ولكن في الوقت نفسه لن يخفي فخره واعتزازه بأنه الطرف الوحيد الملتزم بها. سوف يعبر الرئيس عن خيبة أمله من الادارة الامريكية ويسهب في عتابه للقائمين عليها. سوف يصرح بصوت مثير للشفقة: لماذا تعاملونني هكذا؟ ما الخطأ الذي فعلته؟ تريدون مفاوضات؟ فأنا مع المفاوضات بالسر والعلن واليوم قبل غدا فلماذا تعاملونني وكأنني قطعة أثاث في صالونكم؟ لماذا لا تعطوني شيئا مهما كان بسيطا لكي الوح به أمام شعبي وأقول لهم: ها انا قد حققت لكم بعض المكاسب؟
 وربما سيدعو الرئيس الدول  ال132 التي اعترفت بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة أن تكمل معروفها وتعترف بها كدولة تحت الاحتلال، وكأن هذا التعريف افضل، ولكنه قد يدري او لا يدري أن العديد من هذه الدول على أتم الاستعداد للتراجع عن اعترافها المنقوص ومنها دول عربية شقيقة. وبعد عودته لأرض الوطن سوف يسيل الكلام كالفيضانات حول صلابة الموقف الفلسطيني والتمسك بالثوابت والوقوف أمام القوة الأكبر في العالم.
نعم، اكتب هذه السطور قبل إلقاء الخطاب ولكنها على الأرجح سوف تنشر بعد إلقاء الخطاب. فهل سوف اندم على ما كتبته؟ وهل ساضطر إلى لحس كل ما بصقته؟ هل سيفاجئنا الرئيس ويقول لأمريكا: أغربي عن وجهي، لا نريد سلامك ولا نريد أموالك وسوف ننتزع حقنا بسواعدنا، بدم شهدائنا، بتضحيات أسرانا وبعرق جماهيرنا؟. وهل سيقول لنتنياهو: ايها المحتل الغاشم سوف تغادر ارضنا مهما طال الزمن ومهما غلا الثمن؟. وهل سيقول للأمم المتحدة: أيها المنافقون، أنتم شركاء في هذه الجريمة كل على حدة وكلكم مجتمعين؟ لا أتصور أن يقول مثل هذا الكلام وبالتالي لا أتصور أن تخرج المسرحية عن روتينها المستمر منذ سنوات طويلة. لم يعد هناك أي فرق بين ما يجري أمام الكواليس وبين ما يجري خلفها.
قلت سابقا بأنني احب المسرحيات، ولكن المسرحيات الواقعية الجيدة. وأظن أن غالبية الناس تحب مثل المسرحيات. وأنا مثلي مثل غيري أكره المسرحيات المملة التافهة التي تقوم على النفاق. المسرحية الحقيقية التي تستحق المشاهدة هي المسرحية التي يكون أبناء الشعب ابطالها والتي يكون نضال الشعب وحريته موضوعها، وأرض الوطن منصتها. 

Thursday, September 13, 2018

شعب واحد... ولكن

شعب واحد … ولكن
علي زبيدات سخنين

نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده… ولكن
نحن جزء حي وفعال من الشعب الفلسطيني… ولكن
قضيتنا واحدة ومصيرنا واحد… ولكن
من منا لم يسمع ولم يردد هذه الشعارات وما شابهها مرات لا تحصى ولا تعد؟ من أعضاء الكنيست العرب، من رؤساء البلديات والمجالس المحلية، من قيادات الاحزاب السياسية الاسلامية والقومية والعلمانية، من الناشطين في الجمعيات والمؤسسات المدنية وحتى الناس البسطاء في الشارع والبيوت.
ولكن ما قصة هذه الـ "لكن" التي تتكرر؟ حتى أن البعض يسميها "لكن كبيرة".
لغويا (حسب معجم المعاني الجامع) هي حرف عطف واستدراك يثبت لما بعده حكما مخالفا لما قبله. كمن يقول: الطقس جميل لكن الجو ملبد بالغيوم. فعندما تقول: نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وتتبعها بكلمة لكن.. فهذا يعني انه لديك تحفظ ما، يختلف عما قلته سابقا. وفي سياق هنا المقصود اننا جزء يختلف عن باقي الاجزاء وتميزنا عنها.ل دينا ظروفنا الخاصة.
نحن جزء حي وفعال من الشعب الفلسطيني ولكن... لدينا ظروفنا الخاصة.
صحيح، قضيتنا واحدة ومصيرنا واحد ولكن... لدينا ظروفنا الخاصة.
وبالتالي إذا جمعنا كافة هذه "اللكنات" لتبين اننا في الواقع جزء يتجزأ من الشعب الفلسطيني وان قضيتنا ليست واحدة ومصيرنا ليس واحدا. على سبيل المثال لا الحصر: نطالب الشعب الفلسطيني بعدم التطبيع مع إسرائيل ولكن بسبب ظروفنا الخاصة نطالب بالاندماج معها ونطالبها بمنحنا المساواة مع مستوطنيها. نطالب العالم بمقاطعة إسرائيل ولكن بسبب ظروفنا الخاصة نحن معفيين من هذه المقاطعة. مشاركة أهالي القدس في الانتخابات البلدية تعتبر خيانة بينما في الناصرة تعتبر موقفا وطنيا. لأن القدس محتلة وكأن الناصرة "محررة". لا بأس في أن تدير بلدية القدس الصهيونية شؤون الفلسطينيين. إذ حسب القانون الدولي على المحتل أن يوفر المتطلبات الاساسية لمن يقع تحت الاحتلال. ولكن في الوقت نفسه مرفوض رفضا باتا أن تعين الحكومة لجنة تدير شؤون أية بلدية عربية لأن مثل هذه اللجنة لن تكون حريصة على مصالح البلد.  لو شارك أهالي القدس بالانتخابات المحلية لاستطاعوا التأثير أكثر من تأثير من يشارك من العرب في انتخابات تل ابيب أو حيفا أو أي مدينة أخرى مما تسمى بالمدن المختلطة. طبعا أنا هنا لا اعمل دعاية بضرورة مشاركة أهل القدس بالانتخابات البلدية أو أية انتخابات أخرى، العكس تماما هو الصحيح، أنا أعمل دعاية لمقاطعة فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 لمقاطعة هذه الانتخابات. فنحن شعب واحد أليس كذلك؟ وجميعنا تحت الاحتلال والفرق بين الاحتلالين أقل من عشرين سنة، وعلى الاحتلال حسب القانون الدولي أن يوفر الظروف المعيشية الاساسية لجميع يرزحون تحت نير الاحتلال. ولن تكون آخر الدنيا أذا عينت الحكومة لجان لتدير كافة البلديات والمجالس العربية.
هذه يعني اننا شعب واحد وهذا يعني اننا جزء لا يتجزأ من هذا الشعب وغير ذلك ليس سوى كذب وغش وخداع. إذا كانت قضيتنا واحدة فحلها يجب أن يكون واحدا. الاعتراف بنا كأقلية قومية، منح الباقين دولة العوبة والمساومة على عودة الآخرين، هذا لا يعني قضية واحدة ولا يعني حلا واحدا. هل مصيرنا واحد أم لكل جزء فينا مصيره وعليه يسعى إليه ويتقبله؟
إذا أردنا حقا أن نكون شعبا واحدا يتكون من أجزاء لا تتجزأ وإذا أردنا أن تكون لنا قضية واحدة ومصير واحد، وليس من باب الشعارات والخطابات فحسب، علينا أن نمحى هذه الكلمة "لكن" بهذا المعنى من قاموسنا.
من هذا المنطلق ارفض شرعية السلطة الفلسطينية لأنها في أحسن الأحوال تستفرد بجزء واحد من الشعب الفلسطيني. وارفض سلطة حماس في غزة من المنطلق نفسه. وارفض أوهام الاقلية القومية التي تحيط بها غالبية عنصرية والتي تروج لها لجنة المتابعة. قد يقول البعض: ولكن ماذا عن الظروف الخاصة التي تميزنا وتفصل فيما بيننا موضوعيا ولا يمكن بأي حال من الاحوال تجاهلها أو إنكارها؟ ماذا يعني التمرد إذا لم يكن يعني التمرد على الظروف؟ ماذا يعني النضال إذا لم يكن ضد هذه الظروف؟ وماذا تعني الثورة إذا لم يكن هدفها قلب الواقع رأسا على عقب. فالظروف ليست أمرا منزلا حتى ولو آمن بذلك الكثيرون.
لنتذكر مقولة كارل ماركس الشهيرة: "إذا كانت الظروف هي التي تصنع الإنسان فعلينا أن نصنع ظروفا إنسانية"

Thursday, September 06, 2018

فشلنا حتى في أن نقض مضاجعهم

فشلنا حتى في أن نقض مضاجعهم
علي زبيدات - سخنين

 تنشر دائرة الإحصاء المركزية الاسرائيلية كل سنة قبيل رأس السنة العبرية تقريرا يحتوي على معلومات إحصائية أساسية عن السكان، الاقتصاد والمجتمع والتي تستعمل، بعد دراستها وتحليلها، من قبل الوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتحديد سياساتها وبرامجها.
لن أخوض هنا بتفاصيل هذا التقرير فهو متوفر وفي متناول اليد لكل من يهتم بهذا الموضوع وقد نشرته معظم وسائل الإعلام الاسرائيلية إن لم يكن كافتها. جملة صغيرة وردت في صفحات التقرير لفتت نظري وهي محور مقالتي هذه. تقول هذه الجملة: " 89% من الإسرائيليين من سن عشرين فما فوق راضون عن حياتهم. 6% فقط يشعرون بالوحدة في أوقات متقاربة". على عكس غالبية الاحصائيات التي تأخذ بعين الاعتبار انتماءات السكان القومية لم يذكر هنا أي انتماء قومي، مما يوحي أن هذه النسبة تشمل اليهود والعرب على حد سواء وقد تكون نسبة غير الراضين من العرب أعلى من نسبة اليهود، ويظهر ذلك بشكل أوضح عندما تصبح نسبة عدم الراضين عن وضعهم الاقتصادي 37%.
لو افترضنا أن هذه المعلومات الاحصائية صحيحة، وهي حسب رأيي صحيحة ولو بشكل  تقريبي، فإننا نستنتج أن كل نضالاتنا داخل الكنيست وخارج الكنيست وكل احتجاجاتنا وإدانتنا لسياسة الحكومة قد فشلت حتى في أن تقض مضاجع المواطن الاسرائيلي المتوسط، بل أسوأ من ذلك، فإن هذه الاحصائيات تثبت بأننا شركاء في هذا الرضا. وإذا أضفنا إليها نضالات إخواننا في غزة والضفة الغربية ودول الجوار فهي الاخرى قد فشلت في أن تمس رضا غالبية السكان عن حياتهم. إن دل ذلك على شيء فإنه يدل إما على ضعفنا المطلق وإما على قوتهم الخارقة وربما يدل على الامرين معا. أنا شخصيا لا أؤمن بوجود ضعف مطلق. فالضعف قد يتحول إلى قوة إذا تعرفت على مصدره وأسبابه وعرفت كيف تعالجه وتعمل على تغييره. وفي الوقت نفسه لا أؤمن بوجود قوة خارقة. فكل قوة يمكن أن تتحول إلى ضعف أو على الاقل تواجه قوة أخرى مثلها أو أقوى منها. ولكن في لحظة معينة من الزمن، قد تطول أو تقصر، يبدو وكأنه يوجد هناك ضعف مطلق مقابل قوة خارقة، وهذه الحالة قريبة جدا من حالتنا في الوقت الراهن. وخير دليل على ذلك أن نسبة الراضين عن حياتهم تصل إلى 89%. فقط عندما تنعكس الصورة ويصرح 89% من السكان إنهم غير راضين عن حياتهم، تصبح امكانية التغيير الجذري إمكانية واردة بل ضرورية. من حيث المبدأ، نحن نطمح بالطبع لأن تكون نسبة الراضين عن حياتهم 100% ولكن بعد التخلص من هذا النظام الكولونيالي العنصري الذي يعمل على رفاهية مجتمعه الاستيطاني فقط، وبعد تحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني وعودته إلى وطنه.
المستوطن الصهيوني في الضفة الغربية يشعر بالأمن والرفاهية وبالتالي يصرح لدائرة الاحصاء المركزية بأنه راض عن حياته ليس  بسبب الدعم الحكومي (الاسرائيلي- الأمريكي) فحسب بل بسبب الحماية التي توفرها له أجهزة امن السلطة الفلسطينية وتقهقر النضال الشعبي المناهض للاستيطان أيضا. المستوطنون في الجليل والنقب راضون عن حياتهم ليس بسبب سياسة التهويد الحكومية ومنحهم كافة التسهيلات والامتيازات فحسب بل بسبب نضالنا البائس الذي أسفر عن مصادرة 93% من أراضينا أيضا. الاسرائيليون بشكل عام راضون عن حياتهم لأن الكنيست التابعة لهم لا تتوقف عن سن القوانين العنصرية بينما تتمسك بها الأحزاب العربية وكأنها حبل النجاة. المحاكم الاسرائيلية تفاجئنا كل يوم بأحكامها القراقوشية ولكننا نتهافت عليها بإستمرار طالبين الإنصاف والعدالة. نطالب الشرطة التي تتفنن في قمعنا و إذلالنا بترخيص وحماية مظاهراتنا واحتجاجاتنا. وأكثر من ذلك، بعد سن قانون القومية الأخير، وتعبيرا عن رفضنا لهذا القانون نناشد الدولة ونتوسل اليها أن تعيد لنا مواطنتنا الاسرائيلية كما كانت حتى ولو كانت مواطنة درجة ثانية أو ثالثة. في هذه الأيام، مع بداية الحملة الانتخابية المحلية، ننسى نكبتنا ونكستنا وكل قضايانا الجوهرية ونبدأ بعملية نهش جماعي لبعضنا من أجل الفوز ببعض الفتات التي القته الحكومة على طاولتنا.
لا أريد أن أتكلم هنا عن دور ومساهمة أشقائنا في الدول العربية من المحيط الى الخليج في تعزيز شعور الاسرائيلي بالرضا عن حياته. فالحديث في هذا المجال ذو شجون لا أول له ولا آخر. في ظل هذا الواقع المرير أصبح الاحتلال الإسرائيلي إحتلالا متنورا، وأصبح الجيش الإسرائيلي أكثر جيش أخلاقي في العالم بغض النظر عن جرائمه المثبتة والموثقة، وأصبح هذا الكيان هو الضحية والشعب الفلسطيني هو الإرهابي والمعتدي. وما زال العالم يفرد جناحية ويحتضن هذا الكيان العنصري.
للنتظر تقرير دائرة الإحصاء المركزية الاسرائيلية  قبيل السنة العبرية القادمة لعل وعسى..


Thursday, August 16, 2018

وقفة وجودية أمام النصر والهزيمة

وقفة وجودية أمام النصر والهزيمة
علي زبيدات - سخنين

تحيرنا معكم ولم نعد نفهم عليكم. هل نعيش أصعب أيام حياتنا وأحلك ليالينا؟ أم أن وضعنا على أحسن ما يرام بعد أن ولى زمن الهزائم من غير رجعة وأصبحنا نحقق الانتصارات كل نصر تلو الآخر؟ من أين نبدأ وماذا نقول؟ دعونا، بشكل عشوائي، نبدأ من إيران وهي كما هو معروف إحدى أعمدة جبهة المقاومة الأساسيين التي طالما رفعت معنوياتنا حتى السماء من كثرة ما بشرتنا به منذ سنوات بمحو دولة إسرائيل عن الخارطة وشكلت من أجل ذلك فيالق القدس التي بالفعل اتجهت غربا، وفي طريقها لتحرير القدس شاركت في تدمير بغداد ودمشق. ولكنها والحق يقال تابعت سيرها حتى وقفت أخيرا على مشارف فلسطين. عندها ظهرت على حقيقتها، حيث قامت دولة اسرائيل باستهداف مواقعها واصطياد جنودها من غير أن تحرك ساكنا. بعد ذلك سمحت لها، بوساطة روسية، أن تقيم مضاربها على بعد مائة كم من الحدود بشكل مؤقت حتى تنجز بعض المهام التي ما زالت معلقة ومن ثم تعود من حيث أتت. أما روسيا، زعيمة معسكر المقاومة والممانعة، والتي كان هدفها الوحيد محاربة الارهاب الداعشي ( لكي لا تظنوا خطأ أنها جاءت لمحاربة الإرهاب الصهيوني) والدفاع عن "الشرعية" في سوريا في وجه المؤامرة الكونية. وعندما تم لها ذلك ووصلت طائراتها وجنودها هي الأخرى إلى مشارف فلسطين، سارع الزعيم بوتين وبحضور ترامب وأمام العالم بالتعبير عن التزامه بأمن اسرائيل ووضعه في أولوية السياسة الروسية في المنطقة.
 الطرف الاخر في جبهة الممانعة، النظام الاسدي، أرسل جنوده بعد انقطاع دام سبع سنوات لحراسة حدوده المحتلة لحساب وصالح إسرائيل وذلك بمباركة من نتنياهو وليبرمان. الكلام عن جبهة المقاومة والممانعة لا يكتمل من غير التطرق لموقف حزب الله وزعيمه حسن نصرالله. فهو منذ 12 عاما يقول لنا أن حزب الله خرج من حرب 2006 اقوى، وأن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، ولكنه في خطابه الاخير قد تفوق على نفسه عندما صرح على الملأ ليسمعه خصومه قبل مؤيديه بأن حزب الله اليوم اقوى من الجيش الاسرائيلي ليس بالسلاح والعتاد فحسب بل في الخبرات والتجارب أيضا تلك التي اكتسبها في محاربة الشعب السوري.
إذا كانت هذه هي حالة جبهة المقاومة والممانعة فما بالك بجبهة الخنوع والعمالة؟ ولنبدأ بالسعودية وحلفها العربي المكون من دول الخليج (ومن ضمنها قطر المتمردة) ومن نظام السيسي في مصر فقد انتقلت هذه الدول من مرحلة التطبيع الرسمي وغير الرسمي مع دولة إسرائيل إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي معها حتى اصبحت شريكة فعالة في تصفية القضية الفلسطينية وفرض السلام الاسرائيلي- الأمريكي على المنطقة.
أما حركة حماس الغادرة التي طعنت ظهر جبهة المقاومة من الخلف، على حد تعبير هذه الاخيرة، فقد خضعت لضغوط المخابرات المصرية والخليجية ومن ورائها أمريكا وإسرائيل ووافقت على هدنة طويلة الامد مقابل بعض الفتات الذي سيعود، من حيث الأساس، على الفئات المتنفذة ولن يغير من واقع البؤس والحصار الذي يرزح تحته معظم أهالي القطاع شيئا. 
السلطة الفلسطينية التي فقد دوختنا وهي تدور فينا من المجلس الوطني إلى المجلس المركزي إلى المجلس التشريعي إلى اللجنة التنفيذية إلى المجلس الثوري، ودوختنا وهي تدور فينا في متاهات لعبة المصالحة، من وسيط إلى وسيط ومن اجتماع إلى اجتماع ومن قرار إلى قرار، ودوختنا وهي  تتخذ القرار ونقيضه في آن واحد، نراها ف\من جهة تسعى لتجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة ومن جهة أخرى تجاهر بالاعتراف بها بشرعيتها. تقول لنا بأنها سوف تقدم مجرمي الحرب الاسرائيليين للمحاكمة في محكمة الجنائيات الدولية، وفي الوقت نفسه إذا ما قامت لجنة دولية بإصدار تقرير يدين الجرائم الإسرائيلية عملت على اجهاضه وافشاله. تدين التطبيع العربي مع إسرائيل وتقف على راس المطبعين معها. هذا ناهيك عن التنسيق الأمني والسياسي والاقتصادي مع الكيان الصهيوني. 
وأخيرا وليس آخرا، ها هم عربنا، الذين يطلقون على انفسهم عرب الداخل ويحلفون بأغلظ الأيمان بأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، يكاد يجن جنونهم من قانون القومية الاسرائيلي لأنه يسلبهم اسرائيليتهم المنقوصة ولكن الناعمة ويطالبون بمنحهم الفرصة لكي يكونوا اسرائيليين متساوين مع إخوانهم اليهود. 
على ضوء ما تقدم وعلى ضوء ما تخبئه لنا الأيام القادمة، نعود للمربع الاول ونسأل: هل نعيش اوقات عصيبة لم يسبق أن عشناها من قبل أم أن حالتنا على أحسن ما يرام؟ أترك الإجابة لكم.

Thursday, August 09, 2018

ما بين تايوان وإسرائيل

ما بين تايوان وإسرائيل
علي زبيدات - سخنين

لا أدري إذا كانت هذه القصة حقيقية أم أنها دعاية من صنع خيال ابتدعها شخص مجهول ورددها الفلسطينيون لفترة من الزمن حتى أصبحت تبدو وكأنها قصة حقيقية. وبما أن تاريخية أو واقعية القصة ليست هيالمقصودة بل رمزيتها فإني لا أرى هناك فرقا جوهريا في كلتا الحالتين.
تقول القصة (الدعاية): في بداية سنوات السبعين وفي أعقاب قبول الصين الشعبية للأمم المتحدة وانتزاعها العضوية الدائمة في مجلس الأمن من الجمهورية الصينية (تايوان)، بعثت دولة إسرائيل وفدا كبيرا للصين الشعبية مهمته إقناع الصين الشعبية بالاعتراف بها والعمل على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الدولتين. ويقال أن الزعيم الصيني ماو تسي تونغ سأل الوفد: كم يبلغ عدد سكان دولتكم التي تتكلمون عنها؟ فأجابوه: حوالي ثلاثة ملايين. فرد عليهم بسخرية: وفي أي فندق تنزلون؟ وعاد الوفد خالي الوفاض يجر ذيول الخيبة.
ولكن ما علاقة تايوان وإسرائيل بهذه الحكاية؟ للاجابة على ذلك يجب العودة قليلا إلى الوراء. عندما أعلن عن قيام دولة إسرائيل في ايار/مايو 1948 كانت تدور في الصين حرب اهلية طاحنة بين الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ من جهة والحزب الوطني الصيني بقيادة تشيانغ كاي شيك من جهة أخرى. وكانت هذه الحرب تقترب من مراحلها الاخيرة. في أكتوبر/تشرين أول 1949 سيطر الحزب الشيوعي على معظم الأراضي الصينية وأعلن استقلال جمهورية الصين الشعبية التي تشكل أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. أما فلول الحزب الوطني الصيني فقد فروا إلى جزيرة تايوان تحت حماية الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول الأوروبية الاستعمارية واعلنوا عن قيام جمهورية الصين كممثل "شرعي" لكل الشعب الصيني ولكل الأراضي الصينية. طبعا، دولة إسرائيل الوليدة لحقت ربعها واعترفت بالجمهورية الصينية (تايوان) ولم تعترف بالصين الشعبية. وبعد فترة قصيرة انضمت إلى أمريكا في الحرب الكورية التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات والتي شاركت بها الصين الشعبية إلى  جانب الشعب الكوري. ومن ثم وقفت إلى جانبها في حرب فيتنام وكمبوديا ولاوس. وسرعان ما تبين أن دور إسرائيل لا يقتصر على خدمة المصالح الامبريالية في الشرق الأوسط فحسب بل وفي جنوب شرق آسيا وفي كافة ارجاء العالم أيضا. وبكل وقاحة، حاملة هذا الدور على أكتافها، جاءت تطلب الاعتراف من القيادة الصينية الثورية حينذاك.
لنعود إلى تايوان، أو بالاحرى إلى "الشرعية الدولية" المزيفة التي جعلت منها دولة عظمى لتكون واحدة من خمس دول تتمتع بحق الفيتو. ولكن الشمس لا يمكن أن تغطى بغربال. في بداية سنوات السبعين بدأ العالم يعي أن الصين الشعبية هي الدولة العظمى وأن الحماية الامبريالية مهما بلغت قوتها وشراستها لا تستطيع أن تمنح الشرعية لمن لا شرعية له. وهكذا عادت تايوان أو كما ما زال البعض يحب أن يسميها بالجمهورية الصينية إلى حجمها الطبيعي.
لا تختلف "الشرعية الدولية" التي فازت بها دولة إسرائيل عام 1948 من حيث الجوهر عن شرعية تايوان الدولية. وإذا كانت هناك بعض الجوانب للمقارنة فجميعها تصب في صالح تايوان. إذ كان الصراع في الصين،على الأقل وفي نهاية المطاف، بين طرفين صينيين أصليين واستمر لسنوات طويلة وكان من المحتمل نظريا أن تكون الغلبة لصالح الحزب الوطني وأن يصبح هو الحزب الحاكم على كل البلاد. لمعرفة أسباب هزيمة هذا الحزب يجب دراسة الثورة الصينية بعمق على مدار النصف الأول من القرن العشرين. 
أما الحركة الصهيونية التي تحولت بعد نصف قرن من تأسيسها إلى دولة أطلقت على نفسها دولة إسرائيل، فقد نشأت وترعرعت كحركة استعمارية بعيدا عن فلسطين لا تملك لتحقيق مشروعها حتى ولا ذرة واحدة من الشرعية، لذلك تكالبت كل القوى الاستعمارية لفبركة "شرعية" بل "شرعيات" كل واحدة تبز التي جاءت قبلها بفقدانها للشرعية. فإذا كانت البداية مع وعد بلفور مرورا بقرار الانتداب ومن ثم قرار التقسيم وإعلان الدولة فإن النهاية كانت سن قانون القومية العنصري الذي يعد تتويجا لهذه "الشرعيات" المفبركة.
لقد آن الأوان لبدء العمل لإعادة الشرعية الحقيقية لأصحابها ولمكانها الصحيح، وإن جاء ذلك متأخرا. فمن الأفضل أن يجيء متأخرا من الا يأتي أبدا. المرحلة القادمة تتطلب العودة إلى الجذور، إلى الأصول، وعدم الاكتفاء بالغاء أو تعديل هذا القانون أو ذاك أو مواجهة هذه السياسة أو تلك. كما تم نزع الشرعية عن تايوان وإعادتها للصين الشعبية ينبغي نزع الشرعية عن نظام الأبرتهايد الصهيوني وإعادتها لفلسطين. 





Thursday, July 19, 2018

فلسطين ليست للبيع

فلسطين ليست للبيع
علي زبيدات - سخنين

لعل أكثر المصطلحات المتداولة على الساحة السياسية في هذه الأيام هو مصطلح: "صفقة القرن". هذا بالرغم من أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة اية معلومة أكيدة عن هذه الصفقة: من هو البائع ومن هو المشتري وماهي البضاعة المعروضة للبيع، ما هو السعر وماهي شروط الدفع وإلى ما هنالك من تساؤلات اساسية في كل صفقة يتم إبرامها. منهم من يقول أن تفاصيل هذه الصفقة ما زالت سرية وما يتم تداوله ليس سوى إشاعات وتسريبات، وقلة تنكر وجود مثل هذه الصفقة أصلا. ولكن كلا الطرفين يتكلم عنها وكأنه طرف مشارك بها أو كأن له اسهم بها ويستطيع أن يحسب بدقة مقدار ربحه أو خسارته في حال تحقيقها أو عدمه.  في هذه السطور لن أخوض بتفاصيل هذه "الصفقة" لا من قريب أو بعيد من باب ما تقوله أمثالنا الشعبية: كالذي يبيع جلد الدب قبل صيده، أو كمن يشتري سمك في البحر. عندما نرى الصبي سوف نصلي على النبي.
أود هنا أن أتكلم عن ظاهرة مرضية مستشرية في مجتمعاتنا وهو انبهارنا الشديد بكل ما يقوله الغرب من تسميات ونبدأ بترويجه، عن حسن نية أو سوء نية، من حيث ندري أو لا ندري، وذلك بدون أن نفهمه بشكل عميق وبدون أن نسبر أغواره ونحلله بشكل موضوعي ومنطقي. 
يبدو أن أمريكا (وإسرائيل أيضا) لديها طاقم من المختصين من علماء النفس والسياسة والإعلام، تابعين لوزارة الخارجية وجهاز المخابرات وربما بالتعاون مع اجهزة أخرى ومراكز ابحاث ودراسات مهمتهم ابتكار مثل هذه المصطلحات الجذابة وإطلاقها في الفضاء الرحب لكي تنتشر مثل النار بالهشيم.
لا بد انكم تذكرون مصطلح "خارطة الطريق" الذي رافق المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية منذ مؤتمر مدريد مرورا باتفاقيات أوسلو وحتى سنوات قليلة مضت. كل شيء جرى في منطقتنا في تلك الفترة كان يجري تحت رعاية هذا المصطلح. نذهب إلى واي ريفر وكامب ديفيد أو شرم الشيخ وطابا لمناقشة خارطة الطريق. وبالتالي ماذا تبين؟ تبين أنه لا يوجد هناك خارطة ولا يوجد طريق أصلا. وقد تم سحب هذا المصطلح من السوق بهدوء كما تم طرحه مسبقا بهدوء.
مثل آخر: مصطلح "الشرق الاوسط الجديد" الذي روجت له إحدى الادارات الامريكية بتوجيه من قبل رجل " السلام" الإسرائيلي شمعون بيرس بمشاركة أبواق إعلامية عربية وعالمية. وقد تبين في النهاية أنه لا يوجد هناك ثمة شرق أوسط جديد ولا يحزنون. وأن كل القصد تقسيم المقسم وتفكيك ما يمكن تفكيكه من الدول العربية بهدف إخضاع المنطقة بكاملها للهيمنة الاسرائيلية كواجهة ومن ورائها نظام العولمة الامبريالي. وذلك لضمان الحفاظ على أمن اسرائيل من جهة ونهب الثروات العربية من جهة أخرى. وبعدما استنفذ هذا المصطلح تم سحبه هو الآخر بهدوء.
الشيء نفسه ينطبق على ما يسمى "صفقة القرن". ما الجديد في كل التسريبات التي كتب عنها صفحات لا تعد ولا تحصى؟ بل العديد من الدراسات والأبحاث والكتب ايضا؟ لا شيء. 
شطب حق العودة عن طريق التوطين، فكرة تراود الفكر الصهيوني والغربي منذ ايام النكبة الاولى وليست من اختراع هذه الصفقة. الوطن البديل إن كان في شرق الاردن او في قطاع غزة وجزء من سيناء كما هو مطروح اليوم هو أيضا مشروع قديم يظهر بقناع جديد من فترة لأخرى. إعادة تقسيم دول سايكس - بيكو بما يتلاءم مع التطورات على الساحة السياسية لم يفارق الساحة منذ قرن كامل. تهويد القدس يجري على قدم وساق منذ اليوم الأول لاحتلالها، تجنيد أكبر عدد ممكن من الانظمة العربية إما عن طريق عرض الحماية عليها لتحافظ على عروشها وإما عن طريق بعض المساعدات المادية هي أيضا سياسة قديمة، تحقق نجاحات هنا وهناك وتخفق في بعض الأماكن. إذن لو سلمنا جدلا بوجود " صفقة القرن" فما الجديد الذي تحمله ويستحق كل هذا الانبهار والترويج؟
كل ما اريد قوله هنا وباختصار: متى سنتحرر من هذه الكليشيهات المبتذلة التي لم تعد تنطلي على أحد سوانا؟ هل لغتنا عاجزة الى هذا الحد  لابداع مصطلح يعبر عن أمانينا؟ وهل تفكيرنا بهذه الضحالة إلى درجة الانجرار الاعمى وراء كل كلمة آتية من خلف البحار؟
 إن حرية الفكر هي الخطوة الاولى في مسيرة التحرر والاستقلال.

Thursday, June 28, 2018

طائرة الدولة الواحدة لم تحلق


طائرة الدولة الواحدة لم تحلق
علي زبيدات - سخنين

 عندما كنا صغارا، والحديث يعود إلى أكثر من نصف قرن، نحن أيضا كنا نلعب بالطائرات الورقية. ولكن على عكس طائرات غزة الورقية اليوم التي تقض مضاجع المستوطنين القريبين من القطاع بل تقض مضاجع الحكومة الاسرائيلية برمتها، كانت طائراتنا فاشلة ترفض التحليق. لم نعرف سبب ذلك حتى عندما كبرنا وتركنا هذه اللعبة وانتقلنا إلى ألعاب أخرى أكثر خطورة. أذكر أننا كنا نركض مسافات طويلة والطائرة الورقية المربوطة بخيط متين تجرجر ذيلها ورائنا، وكنا بين الخطوة والاخرى نشد الخيط بقوة لعلها ترتفع ولو قليلا ولكن من غير فائدة. وكم صعدنا إلى أحد السطوح العالية وأحيانا الى مأذنة الجامع أو إلى أي مكان مرتفع بحثا عن الهواء ولكن كانت الطائرة الورقية دائما توجه خرطومها نحو الأسفل وتهوي إلى الحضيض تماما كالطائرات الحقيقية التي كنا نشاهدها في الأفلام الحربية في ذلك الوقت.
يبدو أننا لم نكن الوحيدين الذين عجزوا عن تطيير طائرة ورقية. وأظن أن أخوتنا في الوطن العربي الكبير لم يكن حالهم افضل من حالنا. وربما من هنا جاء المثل الشعبي الذي يصف أي شيء يأبى التقدم والتغيير بأنه "لم يحلق". مع مرور الوقت  نسينا الطائرات الورقية ولكن الامور التي تأبى التحليق قد ازدادت ولم يعد هناك امكانية لنسيانها بعد أن حفرت في ذاكرتنا الجمعية. فكم من تنظيمات وأحزاب وحركات سياسية جائتنا بشعارات لامعة، بافكار في غاية الروعة بذل القيمون عليها الغالي والرخيص من جهود وأموال ومؤتمرات واجتماعات ولجان ومناشير وبرامج ولكنها في النهاية لم تحلق. وهذا الامر ينطبق على الاشخاص أيضا الذين يبدون للوهلة الاولى مثاليين، ذوي ثقة عالية بأنفسهم، مثقفين ومحبوبين، ولكنهم عندما طرحوا انفسهم لقيادة تنظيم أو حزب أو حتى جمعية متواضعة لم يحلقوا.
كانت هذه المقدمة الطويلة والمملة بكل ما تحتويه من لمز وغمز ضرورية لولوج شعار "الدولة الواحدة" الذي يحاول التحليق بنسخته الجديدة في سمائنا الكئيبة. على فكرة، الاشد كسلا من المبادرين الجدد يستعملون في خطابهم "الدولة الواحدة"، الاقل كسلا يستعملون "الدولة الديمقراطية الواحدة" أما الاكثر نشاطا منهم فإنهم يستعملون "الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة". وهناك بالطبع مفردات آخرى قد تستعمل للدلالة على المفهوم نفسه مع بعض التعديلات مثل: "دولة جميع مواطنيها" "دولة المواطنين" "دولة ثنائية القومية". ولكن لكي نبسط الامور دعونا نختزل كل هذه التسميات ب"الدولة الواحدة" فهي في نهاية المطاف جاءت ردا على حل الدولتين، أو كما يبرر البعض: جاءت ردا على فشل حل الدولتين وقد تسمع بعض الاصوات "الجذرية" تقول: جاءت ردا على إفشال اسرائيل لحل الدولتين.
عقد المبادرون الجدد اجتماعهم التحضيري الموسع الثاني قبل أيام في شفاعمرو وحضره نخبة من الناشطين والمثقفين، اليهود والعرب معظمهم من المخضرمين مع قلة ضئيلة من الوجوه الشابة. وأطلقوا على مبادرتهم هذه: حملة الدولة الديمقراطية الواحدة. واختيار كلمة حملة لم يكن عبثا أو من باب الصدفة بل كان مقصودا لتفادي استعمال كلمة حركة التي تتطلب بناء تنظيميا ثابتا. فالحملة هي وصف لحالة الطائرة الورقية في مرحلة التحضير والانطلاق وتتحول إلى حركة عندما تحلق. وهذا ليس ما يطمح إليه المبادرون فحسب بل ما يؤكدون حدوثه أيضا. ومن ثم تم توزيع بيان باللغة العربية والعبرية بعنوان: "إعلان الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين". قلت في نفسي: إعلان الدولة الواحدة مرة واحدة؟ بينما ما زالوا يناقشون استعمال كلمة حملة أم حركة؟ وأجبت: أكيد هذا بسبب الحماس الزائد لكاتب البيان فالمقصود: اعلان حول أو من أجل الدولة الديمقراطية الواحدة. فليس من العدل أن تقف لهم بالمرصاد على كل نقطة وفاصلة.
أنا ضد حل الدولتين وقد كتبت حول ذلك مرارا وتكرار. كنت ضده قبل أن تبنته التنظيمات والأحزاب الفلسطينية، أي قبل اتفاقيات أوسلو ومجيء السلطة الفلسطينية وبالتحديد بعد تبني ما يسمى البرنامج المرحلي عام 1974 وانتظار الدعوة التي لم تصل للمشاركة في مفاوضات جنيف. في ذلك الوقت كان معظم الفلسطينيين يرفضون هذا الحل. ولكن أن تكون ضد حل الدولتين هو شيء وأن تكون مع حل "الدولة الواحدة" هو شيء آخر. وقد كتبت مؤخرا، أنه في السنوات العشرة الاخيرة تمت اللغوصة بشعار حل الدولة الواحدة أضعاف ما تمت اللغوصة بشعار حل الدولتين خلال ما يقارب النصف قرن.
لنلق نظرة على البند الأول من البرنامج السياسي للحملة: 1. "دولة ديمقراطية - دستورية واحدة: تقام الدولة الديمقراطية الواحدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن ، كدولة لكل مواطنيها، بما فيهم اللاجئين الفلسطينيين، بحيث يتمتع جميع المواطنين بحقوق متساوية، إضافة إلى الحرية والأمن. هذه الدولة تكون ديمقراطية دستورية، تنبع سلطة الحكم وسن القوانين فيها من إرادة الشعب، ويتمتع جميع مواطنيها بحقوق متساوية في الانتخاب والترشح لأي منصب والمساهمة في حكم البلاد".
 شكرا لأنكم ذكرتم اللاجئين الفلسطينيين وكأنهم قادمون من كوكب آخر. ولكن ماذا عن المستوطنين؟ اه صحيح، مفهوم ضمنا، فالدولة لكل مواطنيها، وفي بند آخر تقولون يحق لكل مواطن أن يسكن اينما يشاء، يعني يستطيع أهل الخليل دعوة مستوطنيهم لاحتساء قهوة الصباح مع بعض. ويمكن بناء المستوطنات من غير عائق في كل مكان. وباقي الكلام: أليس هذا ما تقوله إسرائيل عن نفسها؟ الا يوجد هناك حقوق متساوية في الانتخاب والترشح لأي منصب؟ ألم يرشح أحد مفكرينا الكبار نفسه لرئاسة الحكومة وقلتم حينذاك: ضربة معلم؟ أما بالنسبة للدستور فهذه مسالة بسيطة إذ يوجد هناك حاليا قوانين اساسية أو دستورية ويوجد لجنة دستور في الكنيست وسوف تساعدها جمعية عدالة لوضع "دستور ديمقراطي" حيث كانت هناك محاولة من هذا النوع وسوف تأتي غيرها.
باقي البنود (وهي عشرة بنود) تعج بالتناقضات والتخبطات والشعارات التي ابتذلت على مر الأيام حول العدل، السلام، الحقوق الفردية والجماعية، حقوق الإنسان، القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة. يحاول بعض المبادرين الذين يعتبرون أنفسهم خبراء في نظام الابرتهايد بعد عدة زيارات قاموا بها لجنوب افريقيا استيراد كلمة "تفكيك" نظام الابرتهايد واستعمالها بدون الاخذ بعين الاعتبار الفوارق الجوهرية بين النظامين العنصريين، ويتجاهلون أن ما تم تفكيكه في جنوب افريقيا هو الجانب السياسي فقط لنظام الأبارتهايد وتم الإبقاء على الجانب الاقتصادي والاجتماعي. لذلك ليس غريبا ألا تحلق طائرة الدولة الواحدة الورقية هذه المرة أيضا.
أيها الرفاق، للتوضيح والتفكير، أقول: الخيار الذي نقف أمامه في هذه المرحلة هو ليس بين حل الدولة الواحدة وبين حل الدولتين، الخيار الحقيقي ما زال بين الدولة والثورة. انا اختار الثورة. 


Thursday, June 07, 2018

الانظمة المستبدة بحاجة لشعوب ثائرة

الأنظمة المستبدة بحاجة لشعوب ثائرة
علي زبيدات - سخنين

 كتبت كثيرا عن العلاقة الجدلية بين الشعوب وبين الانظمة التي تحكمها. وربما من الاصح أن اقول، عن التناقض الذي قد يصل إلى درجة التناحر بين الشعوب وهذه الانظمة. من الطبيعي أن يكون التركيز بحكم الواقع وبحكم الصلة الخاصة على الشعوب والانظمة في منطقتنا العربية وخصوصا في الاماكن الملتهبة كبلاد الشام، مصر وشبه الجزيرة العربية. ولم أخف في يوم من الايام انحيازي المطلق لقضايا الشعوب وموقفي الثابت ضد الأنظمة. فقد توصلت إلى قناعة لا تتزحزح بأنه قد آن الأوان للأنظمة العربية بدون إستثناء أن ترحل.  يرفض البعض هذا المنطق المبسط والصريح بحجة أنه لا يمكن وضع كافة الانظمة بسلة واحدة فهناك الانظمة الملكية والجمهورية، التقدمية والرجعية، عميلة للامبريالية وممانعة أو مقاومة لها. و يستنتجون من ذلك أن هناك أنظمة يجب أن ترحل ولكن هناك أنظمة يجب أن تبقى حتى ولو فني الشعب وخرب البلد. طبعا لا يستطيع أحد أن ينفي أوجه الاختلاف بين الانظمة والتباينات في سياساتها الداخلية والخارجية، قناعاتي تقول أن مثل هذه الاختلافات تجميلية يعني مساحيق ومكياج تسهل إزالتها وأن التباينات في سياستها نسبية جدا، شكلية، مؤقتة ومشروطة وبالتالي تستحق أن توضع في سلة واحدة ويلقى بها إلى مزبلة التاريخ.
نظريا، يبدو هذا الانحياز المطلق للشعوب طبيعيا وسهلا. ولكن ترجمته إلى عمل، إلى مواقف سياسية ترافقه صعوبات ومخاطر جمة قد تصل إلى حد فقدان البوصلة وضياع الطريق. فالشعوب ذاتها تتكون من طبقات وشرائح مختلفة تعيش تناقضاتها وصراعاتها الداخلية. وهي بطبيعتها محافظة تصبو إلى الاستقرار والحياة الكريمة، ولكنها ثورية بالقوة وقد تصبح ثورية بالفعل إذا وعت واقعها التعيس وذوتت قدرتها على تغييره. ولا ننسى أن بعض هذه الشرائح مخترقة من قبل الانظمة ويمكن أن تنسلخ عن جسد الشعب مع تطور النضال. هنا يجب ألا ننسى ديماغوجية الأنظمة التي عادة ما تتكلم بإسم الشعوب وتستطيع أن تؤثر سلبا على شرائح واسعة منه.
في ظل نظام العولمة الامبريالي السائد على كوكبنا يمكن تقسيم الانظمة العربية إلى معسكرين: أنظمة يتم حمايتها من قبل دولة (أو دول) امبريالية مركزية. وأنظمة يتم إسقاطها أو محاولة إسقاطها من دول امبريالية مركزية أخرى. وقد تتواجد بعض الانظمة في المعسكرين في آن واحد، حسب زاوية النظر إليها. قد تستفيد بعض الأنظمة من حالة التوازن بين القوى الامبريالية العظمى لتأمين استمراريتها. في كل الأحوال ما أريد أن أقوله هنا أن نظام العولمة الامبريالي لا يسعى إلى مصادرة حق الشعوب في اسقاط انظمتها فحسب بل يسعى أيضا إلى ابقاء هذه الشعوب ترزح تحت هيمنته واستغلاله.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق وعلى الدوام: هل ما زال اسقاط نظام عربي أو تغييره  جذريا ممكنا من غير تدخل أجنبي؟ وبعبارة أخرى: هل ما زالت الثورات الوطنية ممكنة؟ لا أملك إجابات نهائية وقاطعة على هذه الأسئلة وأظن لا أحد يملك مثل هذه الإجابات. فقط الممارسة العملية طويلة الامد تستطيع أن تزودنا تدريجيا بالاجوبة، تستطيع أن تثبت أو أن تدحض هذه الفرضية. قد لا يكون مستحيلا ولكنه بالتأكيد سيكون في غاية الصعوبة. ثورات الربيع العربي في السنوات السبع الأخيرة هي خير دليل على هذه الظاهرة. فجميعها قد تم إجهاضها بعد اختراقها وحرفها عن مسارها الصحيح، كل ثورة حسب تجربتها وظروفها الخاصة. في تونس مثلا، أولى الثورات العربية الحديثة، خرج النظام البائد من الباب لكي يعود بعد سنوات قليلة من الشباك بمساعدة نظام العولمة. الشيء نفسه حدث في مصر بعد أخذ طبيعتها الخاصة بالحسبان. في ليبيا كان تدخل حلف الناتو المباشر سيد الموقف بمساعدة دول عربية وخصوصا الإمارات وقطر. في البحرين التدخل السعودي - الخليجي حسم الموقف مؤقتا لصالح النظام القائم. اليمن ما زال يتعرض لحرب أهلية واقليمية تحت مظلة العولمة إلى يومنا هذا. أما في سوريا فحدث بلا حرج، حيث اصبحت صورة مصغرة لحرب عالمية ثالثة سحبت البساط من تحت أقدام النظام السوري ومن تحت أقدام الحركات والتنظيمات المعارضة له. ربما أثبتت التجربة السورية أكثر من غيرها أن زمن الثورة الوطنية بمفهومها القديم والمعروف قد ولى إلى الأبد ومن غير رجعة، وأن الثورة الوطنية في هذا العصر وخصوصا في المناطق الحساسة يجب أن تكون جزءا من ثورة عالمية.
عندنا في فلسطين من الصعب الكلام عن نظام أصلا هذا من جهة، ومن جهة أخرى وبعد ربع قرن من اتفاقيات أوسلو، أصبح الكلام عن ثورة أصعب.  نستطيع أن نقول إن جاز التعبير: يوجد لدينا نظام مشوه وحنين لثورة تم إجهاضها وهي جنين. بالرغم من ذلك، فهذا النظام المشوه ليس استثناء على الساحة العربية حيث جميع  الانظمة مشوهة بشكل أو آخر. حسب رأيي مصير الشعب الفلسطيني مربوط بعلاقة لا تنفصم بمصير الشعوب العربية وباقي الشعوب التي تصبو للانعتاق من هيمنة العولمة الامبريالية، وأن نضاله مرتبط عضويا بنضالات هذه الشعوب. 
تحديات المرحلة القادمة ستكون كيف نجعل من النضال الوطني الفلسطيني نضالا أمميا؟ وكيف نجعل النضال الأممي حاضنة للنضال الفلسطيني؟ الشعب الثائر وحده قادر على إسقاط نظام مستبد.

Thursday, May 10, 2018

أوقفوا نووي أمريكا وإسرائيل أولا

أوقفوا نووي أمريكا وإسرائيل أولا
علي زبيدات - سخنين

هناك تسعة دول في العالم، من بين 195 دولة، تمتلك أسلحة نووية. الدولة الأكبر من حيث عدد السكان هي الصين الشعبية التي يبلغ عدد سكانها مليار و 379 مليون نسمة والدولة الاصغر هي دولة إسرائيل التي يبلغ عدد الساكنين فيها حوالي تسعة ملايين نسمة. أما الدول السبعة الاخرى فهي: الولايات المتحدة الامريكية وعدد سكانها 332 مليون نسمة. روسيا وعدد سكانها 144 مليون نسمة. بريطانيا وعدد سكانها 65 مليون نسمة. فرنسا وعدد سكانها 67 مليون نسمة. الهند وعدد سكانها مليار و324 مليون نسمة. الباكستان وعدد سكانها 193 مليون نسمة. كوريا الشمالية وعدد سكانها 25 مليون نسمة. الدولة العاشرة المرشحة لامتلاك اسلحة نووية، حسب الدعاية الامريكية - الاسرائيلية على الأقل، هي إيران وعدد سكانها 80 مليون نسمة. تشكل هذه الدول التسعة (أو العشرة) مجتمعة حوالي نصف سكان الكرة الأرضية.
كانت الولايات المتحدة الامريكية أول دولة صنعت القنبلة الذرية والوحيدة التي استعملتها حتى الآن. كان ذلك في نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث ألقتها على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين. نتائجها الوخيمة معروفة للجميع وهي تعد من ابشع جرائم الحرب التي اقترفت بحق السكان المدنيين والتي لم يقدم مقترفوها لأية محاكمة بل لم يتفوهوا حتى بكلمة إعتذار واحدة. لم تستعمل القنبلة الذرية لضرورات عسكرية. فاليابان كانت على حافة الاستسلام بدونها ولكن جاء استخدامها لغايات سياسية أهمها منع استسلام اليابان للاتحاد السوفياتي وفي الوقت نفسه توجيه تهديد شديد لهذه الاخيرة.
دفع هذا الواقع الجديد الاتحاد السوفياتي بقوة لامتلاك السلاح النووي وباسرع وقت. وهذا ما حصل بالفعل، فبعد أربع سنوات كان الاتحاد السوفياتي يمتلك قنبلته الذرية، وخيم على العالم نوع من الردع ومن توازن القوى المرعب. بعد سنوات قليلة لحقت بريطانيا وفرنسا، اللتان خرجتا منهكتي القوى من الحرب بالرغم من انتصارها، بركب الدول النووية. في تلك الفترة كانت الحرب الباردة قد وصلت إلى ذروتها، وكانت الصين الشعبية المستقلة حديثا حليفا للاتحاد السوفياتي، لذلك قام بمساعدتها على تطوير سلاحها النووي لكي تعيد التوازن الدولي الذي تعرض لبعض الخلل. حتى دب الخلاف بينهما فأكملت الصين برنامجها النووي بقواها الذاتية. في الفترة نفسها استقلت شبه الجزيرة الهندية التي وقعت لسنوات طويلة تحت الاستعمار الإنجليزي والذي زرع كعادته بذور النزاع الذي لم ينته حتى يومنا هذا بين الهندوس والمسلمين ونشأ عن هذا النزاع ولادة دولتين: الهند وباكستان التي انشقت عنها فيما بعد دولة بنغلاديش. ونتيجة لهذا النزاع سعت الهند ونجحت بامتلاك السلاح النووي  ولم تتأخر باكستان طويلا لتمتلك هي الأخرى السلاح النووي. أما بالنسبة لكوريا الشمالية فهي تدعي وتصرح بأنها تمتلك السلاح النووي وذلك لمواجهة الاسلحة النووية الامريكية المنتشرة في كافة نواحي كوريا الجنوبية. ولكن ليس بمقدور أحد أن يؤكد أو ينفي صحة هذه الادعاءات والتصريحات، بالرغم من ذلك ما زال برنامج كوريا الشمالية النووي يستحوذ على السياسة الامريكية .
كانت دولة إسرائيل خامس دولة تنظم إلى النادي النووي، أي بعد أمريكا والاتحاد السوفياتي وانجلترا وفرنسا مباشرة، وذلك في أواخر سنوات الخمسين حيث قامت فرنسا ببناء المفاعل النووي في ديمونا وقامت ألمانيا بتموليه ومن ثم انهالت عليها بعد ذلك المساعدات من كل حدب وصوب. وبما أن مساحة البلاد الصغيرة لا تسمح بإجراء تجارب نووية فقد تكرمت فرنسا بتقديم الجزائر المحتلة آنذاك لتكون حقلا لهذه التجارب.  بالاضافة للعلاقة الحميمة والتعاون مع نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا. وبالرغم من مرور كل هذه السنوات ومن كثرة الادلة ما زالت إسرائيل تعتبر قدراتها النووية سرا وترفض الاعتراف بها علنا.
بعيدا عن الخوض بالتفاصيل الذي لا تتحمله مقالة صحفية، التفاصيل لمن يرغب موجودة بين صفحات مئات الكتب والمجلدات. سوف أكتفي هنا بالاشارة إلى بعض النقاط الهامة:
اولا، الاموال والميزانيات المخصصة لتطوير وحماية البرامج النووية كانت سببا مباشرا في تفاقم أزمات هذه الدول الاقتصادية والتي دفع ثمنها المواطنون البسطاء. ففي الولايات المتحدة الأمريكية وهي أغنى واقوى دولة في العالم يوجد ملايين الفقراء والمشردين. وكذلك الأمر في كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا. أما في الدول الفقيرة أصلا فإن الوضع يصل إلى حد الكارثة الانسانية وخصوصا في الهند وباكستان وكوريا الشمالية.  الأمر يختلف بعض الشيء في دولة إسرائيل لكونها  دولة طفيلية تعتمد من حيث الاساس على مصادر تمويل خارجية يتيح لها تجاوز أزماتها الاقتصادية.
ثانيا، قد يشكل السلاح النووي نوعا من توازن القوى أو من الردع ولكنه توازن مبني على الرعب والخوف مما يجلب التعاسة لغالبية البشرية.
ثالثا، السلاح النووي في العالم والذي يقدر ب 2000 سلاح قادر على تدمير الحضارة البشرية على وجه الكرة الارضية كافة عدة مرات وبالتالي يصبح أي سباق عديم المعنى.
رابعا، تبقى أمريكا وروسيا صاحبتا الترسانة الاكبر في العالم وبدلا من الكلام حول خطر انتشار السلاح النووي لدول أخرى في العالم، عليهما وقف السباق النووي فيما بينهما أولا ومن ثم العمل الجاد لنزع هذا السلاح وتدميره. وهنا لا بد من التنويه أن كافة الدول النووية رفضت التوقيع على معاهدة حظر الاسلحة النووية.
الخلاصة: يجب رفض السلاح النووي بشكل مطلق ومقاومته على كافة الاصعدة وفي جميع الاماكن وكافة الاوقات وبدون أية تبريرات. يجب عدم الاكتفاء بالمطالبة بمنع انتشار الاسلحة النووية بل يجب المطالبة بنزعها وتدميرها قبل أن تدمرنا. هذا إذا أردنا إنقاذ البشرية من مصير مظلم مجهول.


Thursday, April 26, 2018

هل نحن مصابون بمرض ألزهايمر سياسي؟

هل نحن مصابون بمرض الزهايمر سياسي؟
علي زبيدات - سخنين

قد يظن البعض أن تشخيص حالتنا كمرض ألزهايمر فيه نوع من المبالغة والتجني. ويكفي أن نعترف بأننا نعاني من ضعف بسيط في الذاكرة أو باسوأ الحالات بحالة فقدان مؤقت للذاكرة إزاء بعض المسائل، ولكن الطريق إلى مرض ألزهايمر ما زال طويلا. وربما في المقابل سوف تجد من يقول: لماذا جلد الذات هذا كله فإن وضعنا مقبول وليس بهذا السوء.
أنا أميل للجزم بأننا نعاني من الزهايمر سياسي بمراحل متقدمة جدا اصبحت تشكل خطرا وجوديا. وإلا فليجبني أحدكم: ألم يعقد اجتماعا للمجلس المركزي الفلسطيني قبل ثلاثة أشهر فقط؟ ألم يتخذ "قرارات تاريخية"؟لاذكركم ببعضها: وقف التنسيق الامني "المقدس" بل تعليق الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل واعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال والتوجه لمحكمة الجنايات الدولية لمقاضاة إسرائيل على جرائمها. هل ما زلنا نذكر هذه الاجتماع؟ ونذكر تلك القرارات؟ وهل نذكر أصلا انه يوجد لدينا مؤسسة وطنية تسمى مجلس مركزي؟؟
ما الداعي إذن لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني في أواخر هذا الشهر؟  ما الذي ذكرنا فجأة بهذا المجلس بعد مرور 9 أعوام على آخر دورة غير إعتيادية له وبعد 22 عاما على آخر دوراته العادية؟ ماهي القرارات التي سوف يتخذها المجلس الوطني الفلسطيني ولم يتخذها المجلس المركزي المذكور؟ انه ليس الزهايمر فقط، وهو في نهاية المطاف مرض يكون الله في عون المصاب به، بل هو استهبال للذين لا يعانون منه أيضا. لست هنا بصدد الخوض في نقاشات لا أول لها ولا آخر بخصوص إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وكافة مؤسساتها وعلى رأسها المجلس الوطني الفلسطيني. ولكني أكتفي بأن اسأل نفسي أولا وأوجه السؤال نفسه لكل فلسطيني بحوزته ولو قدر ضئيل من الوعي الوطني: أين هو هذا المجلس الوطني؟ من هم أعضاؤه وماذا يفعلون؟ ومن هي هذه اللجنة التنفيذية التي دعت إلى عقد دورة جديدة لهذا المجلس؟
تصوروا أن الكونغرس الأمريكي بشقيه والذي يمثل أقوى دولة في العالم يتكون من 535 عضوا  (مجلس الشيوخ: 100 سيناتور ومجلس النواب: 435 عضو) أما المجلس الوطني الفلسطيني الذي من المفروض أن يمثل شعبا مشردا أو يرزح تحت الاحتلال ولا تبلغ نسبته أكثر من 4% من الشعب الأمريكي، يبلغ عدد أعضائه 700 عضو. وإذا لم أكن مخطئا فإن المجلس الوطني الفلسطيني هو ثاني أكبر "برلمان" في العالم بعد الصين الشعبية.
وكأن هذه المهزلة لا تكفي، فهناك دائما الصراعات التي لا تنتهي بين الفصائل. فها هي حركة فتح تدفع بكل قواها لعقد اجتماع المجلس بأقرب فرصة وذلك لتجديد صلاحية رئيسها المنتهية صلاحيته منذ عشر سنوات الذي هو، بالصدفة أو بغير الصدفة، رئيسا للسلطة الفلسطينية في رام الله ولمنظمة التحرير الفلسطينية. من أجل ذلك جند ديناصورا منتهية صلاحيته هو الآخر يسمى سليم الزعنون بصفته رئيسا للمجلس الوطني. بينما تطالب حركة حماس بالتريث وتأجيل الاجتماع حتى تتحقق المصالحة فيما بينهما ويتم التوافق على عقد دورة المجلس. وقد استطاعت حركة فتح كالعادة كسب حزب الشعب وفدا إلى جانبها، بينما أعلنت الجبهة الشعبية والجهاد الاسلامي مقاطعة هذه الدورة وهددت بعقد اجتماع بديل في الوقت نفسه في بيروت وفي غزة. ولكنها لم تغلق الباب من خلفها فقد صرحت أنها ليست بصدد تأسيس كيان سياسي بديل.
لا يمكن وضع مصير الشعب الفلسطيني بين يدي هذه الزمرة التي تعاني من مرض الزهايمر سياسي. 
يكفينا البكاء عند رأس جثث مؤسسات كنا نعتبرها وطنية. الخطوة الأولى ينبغي أن تكون التحضير والدعوة لانتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد يضم الحريصين على القضية الفلسطينية وعلى حقوق الشعب الفلسطيني. سوف تعود إلينا ذاكرتنا كاملة فقط عندما يكون هناك مجلس وطني فلسطيني حقيقي ومنتخب. 

Monday, April 23, 2018

كل بندوق (ولد غير شرعي) هو ملك

كل بندوق (ولد غير شرعي) هو ملك
علي زبيدات - سخنين

خواطر على هامش مؤتمر القمة الذي عقد مؤخرا في الظهران والذي سمي كذبا وبهتانا قمة القدس. لن أتناول خطابات أصحاب الجلالة والسمو والفخامة لا من قريب ولا من بعيد وذلك لأنها، حسب رايي، تخلو من أية فكرة جديدة تستحق التوقف عندها. ولن أقترب من بيانه الختامي لأن كل اقتراب منه مضيعة للوقت خصوصا وانه دخل طي النسيان قبل أن ينفض المؤتمرون ويعودون إلى بيوتهم. بإختصار، بهذا الخصوص، عقد مؤتمر القمة وعدم عقده سيان لا يقدم ولا يؤخر.
شيء آخر تماما هو الذي اغاضني بل سم بدني: من هم هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم قمة ويسمون ديوانهم مؤتمر قمة؟ من أين جاؤوا؟ ومن فوضهم أن يتكلموا بإسم 350 مليون عربي؟ قد يقول البعض: هؤلاء هم الحكام الشرعيون للدول العربية ال22. إنهم يمثلون الشرعية. قررت أن ابحر بجولة سريعة في الشبكة العنكبوتية لكي اتعرف عن قرب على هذه الشرعية. ماذا وجدت؟ ها أنا أضع أمامكم تقريرا موجزا عن هذه الجولة:
1- مصر، أم الدنيا، تشكل لوحدها حوالي ثلث العرب من حيث السكان. وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم أولا عن طريق انقلاب عسكري ومن ثم عن طريق انتخابات مزورة.
2- السعودية، مملكة الرمال كما يحب البعض تسميتها،  ولكي لا نظلمها اسميها هنا: مملكة الرمال والنفط. الملك سلمان هو الملك السادس من أبناء عبد العزيز آل سعود الذي كان الملك الأول بعد الاستيلاء على نجد والحجاز بمساعدة امريكا. 
3- الاردن، عبدالله الثاني، ورث البلاد عن والده الذي عمل موظفا رسميا لوكالة المخابرات الامريكية، الذي ورثها عن جده (بعد أن سجن والده في المستشفى) الذي عينته بريطانيا أميرا ثم رقته إلى رتبة ملك؟
4- سوريا، بشار الأسد ورث مزرعته الخاصة من والده بعد أن تم تغيير الدستور خلال ربع ساعة. أما والده فقد انتزعها من رفاقه الذين انتزعوها بدورهم ممن سبقهم بواسطة انقلاب. الانقلاب سمي ثورة والانقلاب على الثورة سمي ثورة تصحيحية. اليوم يعيش الرئيس بشار في حالة خصومة مقاطعة من قبل أشقائه العرب.
5- لبنان، رئيس طائفي، مجرم حرب، تحالف مع المقاومة والممانعة لتبيض صفحته والحصول على صك غفران
6- العراق، وصل الحكام الحاليون من رؤساء حكومة ودولة للحكم على ظهور الدبابات الامريكية التي احتلت بغداد. آخرهم كان حيدر العبادي كرئيس للوزراء وفؤاد المعصوم كرئيس للدولة وقد سبقهم المالكي والعلاوي والجعفري و الطالباني والبرزاني والجلبي والحكيم وغيرهم.
7- دولة الامارات: آل نهيان وآل مكتوم صناعة بريطانية تمت إعارتهم لجامعة الدول العربية عام 1971
8- الكويت:  التي كانت لسنوات غير بعيدة محافظة من محافظات العراق، آل الصباح صناعة بريطانية أخرى جعلت منهم أمراء
9- قطر: الجد والابن والحفيد من آل ثاني منحتهم بريطانيا "الاستقلال" ومن ثم ترقوا واصبحوا من زلم أمريكا.
10- البحرين: تطورت من إمارة إلى مملكة يحكمها آل ثاني. منحتهم بريطانيا الاستقلال عام 1971 وأهدتهم لجامعة الدول العربية زيادة في العدد.
11- عمان: السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذي انقلب على السلطان سعيد المفروض أن يكون والده والذي يحكم البلاد منذ نصف قرن بدون نقاش.
12-اليمن:  كان في ماضي الزمان سعيدا وهو اليوم من أتعس خلق الله. ويمثل شرعيته الدمية عبد ربه منصور هادي ، الذي ورث الشرعية من الرئيس الفاطس علي عبدالله الصالح
13- ليبيا: بعد إحتلال دول الناتو أصبح كل رئيس عصابة أو ميليشيا يمثل الشرعية.
14- تونس: بعد رحيل الشرعية السابقة، شرعية المخابرات التي مثلها زين العابدين بن علي، جاءت شرعية جديدة تقاسمتها الفلول برئاسة الباجي قائد السبسي والاخوان  برئاسة الغنوشي. وهي شراكة ليست في الشرعية فحسب بل في الفساد واحتكار السلطة أيضا.
15- الجزائر: الرئيس الوحيد، ربما في العالم، ما زال رئيسا رغما عنه. رئيس يثير الشفقة، عاجز ومريض. في دولة تحترم نفسها يجب أن يعيش سنواته الاخيرة في بيت للمسنين أو أي مكان آخر تحت الرعاية والرقابة الصحية الدائمة. ولا أدري كيف يعدونه اليوم لفترة رئاسية خامسة. 
16- المغرب: ملك مطلق آخر ورث البلاد عن والده كمن يرث عقاراته الخاصة. برلمان مزيف، أحزاب مزيفة (موالية ومعارضة) وشعب يعامل كالعبيد.
17- موريتانيا: تاريخها الحديث منذ استقلالها عام 1960 وحتى اليوم، أي منذ الرئيس الأول المختار ولد داداه وحتى الرئيس الأخير محمد ولد عبد العزيز هو تاريخ انقلاباتها "الديمقراطية" التي يسبقها أو يليها انتخابات. رسميا، كانت العبودية موجودة  حتى سنوات قليلة خلت. عمليا، ما زالت موجودة حتى هذه اللحظة.
18- السودان: عمر البشير، جاء للحكم عن طريق انقلاب عسكري قبل حوالي 30 عاما. مطلوب للعدالة الدولية لارتكابه جرائم حرب، أفقر وأجاع أكبر وأغنى دولة عربية ومن ثم مزقها تمزيقا.
19- جيبوتي: مستعمرة فرنسية حتى عام 1977 ولا أدري ما هو جوهر علاقتها بالعالم العربي. ما زالت الفرنسية لغتها الرسمية.
20- الصومال: تحول صراع الدول الاستعمارية، ايطاليا، فرنسا وبريطانيا للسيطرة على الصومال بعد "الاستقلال" إلى صراع وحشي بين القبائل والعشائر التي جعلت البلاد مرتعا للموت والجوع والامراض. في السنوات العشرين الاخيرة لم يعد هناك دولة اصلا لكي يدعي أحد من حكامها الشرعية. 
21- جزر القمر: هل هي دولة؟ هل هي دولة عربية؟ يجب توجيه هذه الاسئلة للرئيس غزالي عثماني، انا شخصيا لا أعرف عنه شيئا سوى انه مشارك مجتهد في حضور مؤتمرات القمة العربية. 
22- فلسطين: وأخيرا، حبيب الشعب، محمود عباس المنتهية صلاحيته، كالحليب الفاسد، منذ عشر سنوات. ولكنه صامد بفضل أموال الدول المانحة والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
هذه هي الشرعية العربية من ألفها إلى يائها والتي يدافع عنها البعض بشكل انتقائي. أمام مثل هذه الشرعية أليس من حق كل بندوق أن يصبح ملكا أو رئيسا أو أميرا؟؟
(ملاحظة: العنوان مسروق من إسم فيلم إسرائيلي قديم) 

Thursday, April 12, 2018

من يافا إلى غزة ومن غزة إلى يافا

من يافا إلى غزة ومن غزة إلى يافا
علي زبيدات - سخنين

عندي اقتراح. سأقوله هنا مباشرة، من غير مقدمات، من غير تنظير ومن غير تبريرات: أدعو إلى تنظيم مسيرة مليونية من يافا إلى غزة وبدأ الإعداد لها فورا. دعوتي هذه موجهة أولا وقبل كل شيء للمليون ونصف المليون فلسطيني الذين يعيشون في فلسطين المحتلة عام  1948 ومن ثم لكل من يريد أن يشارك من يهود وأجانب ممن يعارضون حصار غزة ويدعمون حق العودة. لذلك يمكن تسميتها بدون تردد، نظريا وعمليا، مسيرة مليونية. دعوتي هذه ليست موجهة حصرا لأية مؤسسة أو حركة أو حزب أو جمعية. يعني ليست للجنة المتابعة ولا للقائمة المشتركة ولا للأحزاب والحركات السياسية ولا ما يسمى منظمات المجتمع المدني. إنها موجهة إلى كل الجماهير التي ذكرتها آنفا من غير إستثناء.
 لماذا من يافا؟ لأن معظم سكان غزة هجروا من يافا ومن القرى الفلسطينية الواقعة على الطريق بين يافا وغزة والتي دمرتها دولة إسرائيل عام النكبة. المسافة بين يافا وقطاع غزة حوالي 60 كم، أي يمكن قطعها بسهولة خلال ثلاثة أيام وهو الزمن المحدد لهذه المسيرة المليونية.
كفى مسيرات هزيلة كالتي كانت مؤخرا في سخنين أو كالتي قد تنظم مستقبلا في أية مدينة أخرى.
كفى لوقفات احتجاجية عقيمة على مفارق الطرق. 
كفى لخطابات مجترة وشعارات براقة وزائفة.
كفى نواحا وذرف الدموع منها الحقيقية ومنها دموع التماسيح.
الجميع يتكلم عن ضرورة الارتقاء إلى مستوى الحدث: سبعون عاما على النكبة، 11 عاما على حصار غزة، التلاحم مع مسيرات العودة المليونية في غزة؟ إذن، هذه فرصتنا التاريخية، لا يوجد أمامنا خيار واحد: مسيرة مليونية سلمية تنطلق من يافا باتجاه غزة هدفها احتضان مسيرة غزة في الجانب الآخر من السياج.
هل هذا ممكن؟ ولماذا لا يكون ممكنا إذا توفرت الارادة والعمل الجاد والمخلص والإيمان بعدالة القضية؟ ألا ننظم ونشارك كل سنة في مسيرة جبارة لإحدى قرانا المهجرة؟ المسألة مسألة قرار جريء وتاريخي. في نقاش قديم مع أحد الرفاق في سياق نقد مسيرات العودة الراهنة، وضرورة الارتقاء بها حتى تصبح مطلبا وبرنامجا سياسيا تؤسس لتحقيق حق العودة، أجابني أن الهدف من هذه المسيرات هو توعوي يلائم الأطفال والشباب والعائلات. لذلك يجب أولا وقبل كل شيء ضمان عدم المواجهة مع الشرطة تحت كل الظروف. حسناً جدا، ليكن ذلك، لا داعي للنقاش هنا، هذه المسيرة المليونية المقترحة ليست بديلا لمسيرة العودة التقليدية. يوجد اليوم ظروف جديدة ومتغيرة. حتى الآن، قدمت جماهيرنا في غزة ثمنا باهظا تجاوز ال30 شهيد ومئات الجرحى، ولا أحد يعرف ماذا تخبئه الأيام والاسابيع القليلة القادمة. ولكن كل المؤشرات تشير إلى تصعيد شراسة الاحتلال. يكفي الاستماع إلى تصريحات رئيس الحكومة ووزير حربه للتأكد من ذلك. يمكن استخدام مسيرة العودة التقليدية للتعبئة والدعوة للمشاركة في المسيرة المليونية المقترحة.
عندما أقول أن هذه الدعوة ليست موجهة للمؤسسات القيادية هذا لا يعني استثناء هذه المؤسسات ولا يعني أن تتملص من واجباتها.  العكس هو الصحيح، على الكوادر الحزبية أن تضغط على قيادات أحزابها ووضعها أمام مسؤولياتها الوطنية. المسيرات المليونية في كل مكان في العالم تقودها الجماهير الشعبية ودور القيادات التقليدية في هذه الحالة السير بين الجماهير(وليس بالضرورة في الصف الأول) والعمل على تأمين الحماية لها.
قد تكون أيدي الجنود الاسرائيليين سريعة بالضغط على الزناد وقد تكون بنادق القناصين على أهبة الاستعداد لاطلاق النار باتجاه أبناء شعبنا في غزة. ولكن أغلب الظن أن تحظى المسيرة من الاتجاه المعاكس ببعض الامتيازات وتكتفي بالهراوات والغاز المسيل للدموع والاعتقالات. أما إذا تخطت ذلك فالمسؤولية كاملة سوف تقع على كاهل الحكومة الاسرائيلية وجنودها المدججين بالسلاح. 
كم كنت أتمنى حتى يكتمل العرس الفلسطيني أن تنطلق مسيرة مليونية أخرى بإتجاه فلسطين من الضفة الغربية وخصوصا من المخيمات. ومسيرة مليونية أخرى من أهلنا في الشتات وخصوصا من لبنان والأردن. 
على كل من يقتنع بضرورة مثل هذه المسيرة أن يبدأ حالا بالتحرك والتنظيم ولو كان في البداية على صعيد افراد او مجموعات صغيرة بشكل عفوي، التنسيق سوف يأتي لاحقا،فكل عمل مهما كان صغيرا ومهما كان عفويا له ديناميكية خاصة وفي ظروف معينة قد يتطور ويصبح انتفاضة شعبية عارمة. وكما قال ماو تسي تونغ: رب شرارة تشعل سهلا كاملا.

Wednesday, March 28, 2018

ألأرض - ذكريات وخواطر

ألارض - ذكريات وخواطر
علي زبيدات - سخنين

ها هي الذكرى ال42 ليوم الأرض تداهمنا من غير استئذان. من كان شابا في ذلك اليوم مثلي أصبح  اليوم كهلا أو عجوزا  هذا إذا لم يكن قد قضى نحبه. صبايا وشباب الجيل الحالي ولدوا بعد يوم الارض الاول ومعلوماتهم عنه لم تأت من مصدر مباشر بل جاءت من الأقارب أو من الآخرين أو مما قرأوه حول هذا الموضوع.  وبذلك يكونون قد عاشوا ذكرى يوم الأرض وليس يوم الأرض نفسه. وكما هو معروف يوجد هناك فرق بين الشيء وبين ذكراه، بين يوم الارض وذكرى يوم الأرض. وغالبا ما يكون الفرق شاسعا.  عندما نقول: الاسبوع القادم يوم الارض أو غدا يوم الارض نقول ذلك من باب المجاز وليس الحقيقة.
في يوم الارض الاول، كنت أقضي محكومية من ست سنوات في سجن الرملة. لذلك كانت مساهمتي وباقي الاسرى متواضعة جدا تكاد لا تذكر، واقتصرت على عدم تناول الطعام وعدم الخروج للنزهة اليومية ومدتها ساعة واحدة في ساحة السجن، وفي المساء كانت هناك نقاشات حول الأرض داخل الزنازين. كانت معلوماتنا عما حدث في يوم الارض ضئيلة جدا، مستمدة حصريا من بعض وسائل الإعلام الاسرائيلية الوحيدة المتاحة في ذلك الوقت (جريدة عبرية ونشرة أخبار في التلفزيون الاسرائيلي). بعد أسبوعين فقط خلال زيارة الاهل، علمت أن بنت خالي خديجة شواهنة وهي من جيلي كانت من بين الذين استشهدوا.
يوم الأرض الأول الذي شهدته شخصيا كان في عام 1982 أي بعد مرور ست سنوات على يوم الارض الاول. وقد لمست أن روح يوم الارض النضالية ما زالت حاضرة ومهيمنة على الأجواء خصوصا بين الشباب. حيث كانت الشرطة، قبيل يوم الارض بايام، تلاحق بعض الناشطين وتعتقلهم اعتقال استباقي. وكان تواجد الشرطة على مشارف البلد الذي يستضيف النشاط المركزي مكثفا وكثيرا ما كانت تمنع دخول أو تعتقل متضامنين جاؤوا من قرى أخرى. أما على المستوى الرسمي فقد كان التقهقر واضحا. كانت لجنة الدفاع عن الأراضي تلفظ أنفاسها الاخيرة بعد أن أنهكتها تناقضاتها وصراعاتها الداخلية وبعد أن قررت الاحزاب والحركات السياسية ورؤساء المجالس المحلية برعاية تشجيع من المؤسسات الحكومية تصفيتها نهائيا. في السنة نفسها انبثقت لجنة المتابعة العليا التي أخذت على عاتقها، من ضمن ما أخذته، جميع مهام لجنة الدفاع عن الأراضي. وأظن أنه بعد اربعة عقود على وجود هذه اللجنة الجديدة - القديمة يمكن الجزم بأنها فشلت في أن تشكل بديلا أفضل. ولكن هذا موضوع آخر. بالاضافة إلى ذلك وجدت صراعا شرسا بين الاحزاب والمجموعات المختلفة على إرث يوم الارض: كان الكل يدعي أنه هو الذي فجر وقاد يوم الارض وينفي دور الآخرين. تمشيا مع المثل الشعبي الذي يقول للنجاح ألف أب بينما الفشل يتيم.
 في بداية سنوات الثمانين عادت الروح النضالية ليوم الأرض لتنتعش من جديد، ولكنها لم تصل أبدا إلى ما وصلت إليه في اليوم الأول. وكان السبب الرئيسي لهذا "الانتعاش" هو أن دولة إسرائيل اضافت إلى رصيدها جريمة نكراء جديدة هي مجزرة صبرا وشاتيلا. ولكن سرعان ما عاد الروتين "النضالي" ليسيطر على الساحة من جديد. واقصد بالروتين النضالي: إحياء الذكرى بمسيرة هادئة (تحت رعاية التنسيق الأمني بين الشرطة والزعامة الرسمية) ومهرجان خطابي. الاستثناء الوحيد كان يوم الارض عام 2000 الذي تم تنظيمه للأول مرة (وآخر مرة) على أراضي سخنين الواقعة تحت نفوذ مجلس اقليمي مسغاف والتي أعلنت السلطات عن نيتها اقامة معسكر عليها. كانت النتائج صادمة للطرفين: الحكومي والرسمي العربي. فلم يتوقع أحد وقوع اشتباكات وصدامات راح ضحيتها آخر شهداء يوم الأرض وهي الشهيدة شيخة ابو صالح بالاضافة إلى عشرات الجرحى والمعتقلين. لقد شكلت أحداث يوم الأرض 2000 الخلفية الملتهبة لمواجهات انتفاضة القدس والاقصى بعد نصف سنة، في بداية أكتوبر/تشرين أول من العام نفسه. حيث سقط 13 شهيدا من الداخل الفلسطيني بالاضافة لمئات الجرحى والمعتقلين. منذ ذلك الحين عملت السلطات الامنية الاسرائيلية والزعامة العربية الرسمية ممثلة بلجنة المتابعة العليا ولجنة السلطات المحلية كل ما تستطيعه لضمان عدم تكرار مثل هذه المواجهات غير مأمونة العواقب (من كلا الطرفين) وللحق أقول: لقد حققا في ذلك نجاحا كبيرا. وهكذا بدأ الشباب والصبايا يصوتون بأرجلهم في ذكرى يوم الارض. فبينما كان عدد المشاركين في مسيرة يوم الأرض يصل إلى عشرين الف وأكثر اصبح العدد بالمئات أو ىآلاف ضئيلة.
في الواقع، لم يعد لدي أي نقد جديد. فكل ما لدي قد قلته وكتبته على مرّ السنوات. لم يبق لدينا سوى ذكرى ليوم أطلقنا عليه يوم الأرض الخالد (ولا أقلل من أهمية الذكرى)  بالاضافة إلى مسيرة متواضعة تنتهي بمهرجان خطابي ناري. لا اريد ان استبق الاحداث: ربما الامل الوحيد في استعادة الروح النضالية ليوم الارض سوف يأتي من خلال ربطه بيوم النكبة. أي ربط الأرض بالعودة. وقد تكون تجربة مسيرة العودة في غزة نقطة تحول وفاتحة في الاتجاه الصحيح. ومن الضروري العمل على فتح جبهات مشابهة في الضفة الغربية أيضا. لم يعد يوم الارض أسيرا لحدوده الجغرافية المحلية بل أصبح يوما وطنيا فلسطينيا شاملا. لنجعل من 30 آذار وحتى 15 أيار يوما نضاليا واحدا.
    

Thursday, March 22, 2018

لنتحدث قليلا عن عنصريتنا

لنتحدث قليلا عن عنصريتنا
علي زبيدات - سخنين

هناك يوم اسمه: "اليوم العالمي للقضاء على العنصرية" أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل أكثر من نصف قرن وبالتحديد في عام 1966 . يصادف هذا اليوم اليوم الأول من فصل الربيع وعيد الأم في البلدان العربية أي في 21 من شهر آذار. كما هو واضح للجميع، بعد مرور نصف قرن، لم نقض على العنصرية بل هي التي تقضي علينا يوميا بعد أن استفحلت ووصلت شراستها إلى درجة لم يعد بالإمكان مواجهتها. لن أتطرق هنا، لا من قريب ولا من بعيد، للعنصرية على الصعيد العالمي. لن أتكلم عن نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا الذي استمد هذا اليوم اسمه وشرعيته من المجازر التي اقترفها ذاك النظام في حينه. ولن أتكلم عن العنصرية في أمريكا "زعيمة العالم الحر" وما فعلته بالشعوب الاصلانية والمهاجرين من أصل أفريقي، لاتيني، اسيوي وغيرهم. حتى انني لن اتطرق الى العنصرية التي تمارسها الصهيونية منذ 70 سنة ضد شعبنا الفلسطيني. لا حاجة لأحد بما أكتبه في هذا المجال فالعالم يفيض بالكتب والمقالات والوثائق في هذا الموضوع وجميعها في متناول اليد.
أود أن اقتصر الكلام في هذه السطور القليلة على عنصريتنا نحن. ما المقصود بكلمة نحن؟ المقصود نحن العرب، أو إذا شئتم الشعوب العربية أو الامة العربية أو البلدان العربية، اختاروا التسمية التي تلائمكم. طبعا سيكون هناك من يقطب حاجبيه متسائلا: وهل نحن عنصريون؟ تساؤل ينضح بالانكار وقد يتابع: ولكن كيف يعقل أن نكون عنصريين ونحن ضحايا العنصرية التي يشنها العالم علينا؟ مما لا شك فيه أنه يوجد هناك الكثير من الحقيقة في كوننا ضحايا للعنصرية، ولكن من يقول أن ضحية العنصرية لا يكون هو الآخر عنصريا؟ وقد يتفوق أحيانا على من يمارس العنصرية ضده؟ وأكثر من ذلك: من يضمن ألا يكون مدعو مناهضة العنصرية عنصريين متسترين أو مكشوفين؟ لقد آن الأوان أن ننزع القناع الفضيلة ونكشف وجهنا العنصري أمام شمس الحقيقة ونكف عن الاختباء وراء عدم الاعتراف والبحث عن التبريرات والتهرب من المسؤولية.
أريد هنا أن أتطرق إلى ثلاثة أشكال أساسية من أشكال عنصريتنا والتي أصبح السكوت عنها جريمة في حق شعوبنا أولا ومن ثم في حق الانسانية جمعاء:
العنصرية على أساس عرقي وقومي: جميع الأقليات العرقية والقومية في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وبدون استثناء تتعرض للتمييز العنصري.  الأمازيغ في المغرب "العربي" ووضع كلمة العربي هنا بين هلالين  مقصودة نظرا لكون الامازيغ هم سكان البلاد الاصليين، يتعرضون لشتى أنواع التمييز حتى أنهم يمنعون في بعض الاماكن من الكلام أو التعليم بلغتهم الاصلية. وهكذا حال الاكراد في المشرق العربي وباقي الاثنيات الصغيرة مثل اليزيديين والشركس والارمن والتركمان وغيرهم. القومية العربية فكرا وممارسة فشلت مرارا وتكرارا في إيجاد حل ديمقراطي لمسألة الأقليات يقوم على أساس المساواة والمواطنة الكاملة. وهذا الفشل هو أحد الأسباب الرئيسية للتخلف العالم العربي بجميع مركباته.
العنصرية على أساس ديني وطائفي، وهي لا تقل من حيث خطورتها عن الشكل الأول بل في كثير من الاحيان وفي بعض الاماكن تفوقه خطورة. لا يوجد هناك ديانة لا تتبنى موقفا عنصريا من ديانة أخرى. ولا يوجد هناك طائفة لا تتبنى موقفا عنصريا من طائفة أخرى. ومما يزيد الطين بلة هو انكار كافة الديانات وكافة الطوائف لهذه العنصرية. إذ لا يمكن ستر الواقع بورقة توت بالية من الشعارات المزيفة حول التسامح والاخوة والتعايش والحوار بين الاديان. هيا أعطوني طائفة واحدة متسامحة مع طائفة أخرى. أعطوني ديانة واحدة أو مذهب واحد يتقبل غيره؟ حتى داخل الديانة الواحدة لم يعد هناك أي تسامح، وإلا ماذا نسمي حرب داحس والغبراء الجديدة بين السنة والشيعة؟ ولا أريد أن أتكلم أكثر عن العلاقات المتبادلة بين باقي الطوائف من اسلامية ودرزية وقبطية ومارونية وارثوذكسية وعلوية وغيرها.
العنصرية ضد المرأة: قد يحتج البعض ويقول أن الاسلام قد منح المرأة كافة حقوقها وأن المرأة المسلمة تتمتع بحقوق غير موجودة حتى في أكثر البلدان تقدما. من غير الخوض في نقاش ديني لا أول له ولا آخر، قد يكون الإسلام منح المرأة بعض الحقوق عند ظهوره ولكن عاد المسلمون وصادروا هذه الحقوق باسم الإسلام نفسه. تعاني المرأة العربية المسلمة وغير المسلمة اليوم من التمييز العنصري في كافة مجالات الحياة: في البيت والمجتمع والدولة. بعد مرور أكثر من قرن على اختراع السيارة ما زالت المرأة العربية في بعض الأماكن تمنع من قيادتها وعندما قررت أخيرا السماح لها بذلك أعتبرنا ذلك انجازا تاريخيا. علاوة على أن المرأة العربية أكثر نساء الارض تعرضا للتحرش الجنسي في البيت والشارع وأماكن العمل.
بالاضافة لهذه الاشكال الاساسية الثلاثة حيث تظهر عنصريتنا بابشع صورها يوجد هناك اشكال اخرى عديدة للعنصرية لا يتسع المجال لذكر كلها، ولكني ساكتفي بالاشارة إلى بعضها فيما يتعلق بواقعنا الفلسطيني الخاص. هناك عنصرية مقيتة في تعاملنا مع بعض كأبناء شعب واحد يحمل قضية واحدة. طالما رايت بأم عيني وسمعت باذني عندما نقول ضفاوي أو غزاوي نقولها بكثير من العنجهية والاستعلاء وهذا توجه عنصري مرفوض بتاتا وله نتائج سلبية وخيمة على هويتنا ووحدة نضالنا. وأكثر من ذلك، طالما سمعت عن ظواهر ذات طابع عنصري ضد المهجرين في القرى التي استوعبتهم بعد تهجيرهم من قراهم عام النكبة. من العار أن تبقى هذه الظاهرة بعد 70 عاما حتى وإن لم تأخذ أشكالا عنيفة في أغلب الأحيان. هذا بالاضافة للعنصرية الطائفية التي تتحكم بالعلاقات بين طوائف شعبنا المختلفة والتي نكنسها عادة تحت البساط ولكنها تنفجر  بين الحين والآخر في وجوهنا ونجبن عن مواجهتها بشكل عقلاني مسؤول.
طبعا منسوب العنصرية يختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر ومن بلد لآخر، فمنها ما يصل إلى حد الابادة الجماعية ومنها ما يبقى كلاميا. ولكن المطلوب ليس خفض منسوب العنصرية بل القضاء عليها نهائيا. حسب رأيي يوجد داخل كل فرد فينا عنصري صغير، يمكن أن ينمو ويستفحل حتى يسيطر علينا تماما ويمكن أن نحاربه حتى نقضي عليه نهائيا. ومن هنا يجب أن نبدأ: مكافحة العنصرية على المستوى الفردي لأن المجتمع في نهاية المطاف مكون من أفراد. فقط أفراد أحرار قادرون على بناء وطنا حرا.  

Thursday, March 15, 2018

النظام يريد إسقاط الشعب

النظام يريد إسقاط الشعب
علي زبيدات - سخنين

سوف أكف منذ اليوم عن إدانة الانظمة العربية بما فيها السلطة الفلسطينية، انتقادها والتهجم عليها. وسوف اصب جام غضبي من الآن وصاعدا على الشعوب العربية وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني. كما أعترف أمام العالم أجمع انني قد ظلمت هذه الانظمة، جمهورية كانت أم ملكية وتلك التي بين بين والتي لا أدري كيف أصنفها كالسلطة الفلسطينية، التقدمية منها والرجعية، الوطنية والعميلة، الديمقراطية والاستبدادية، الدينية والعلمانية. وها أنا أعلن توبتي وأطلب السماح والغفران. هذه الانظمة المباركة من غير استثناء أليست هي أولي الأمر منا؟ وما علينا إلا اطاعتها طاعة عمياء حتى وإن كانت على خطأ. فهذه الانظمة مكونة من الطبقات والنخب المتعلمة، المثقفة، الراقية والمتحضرة على عكس الشعوب التي تتكون من الرعاع والطبقات المختلفة، القذرة والمثيرة للشغب والمشاكل. أليست الانظمة هي التي توفر لنا لقمة العيش؟ وتحافظ على سلامتنا واستقرارنا، تقودنا في الطريق السليم، تحافظ على صحتنا وحياتنا وتدافع عن أمننا من الأعداء المتربصين لنا؟. كم نحن جاحدون للجميل ناكرون للمعروف! نبصق في الصحن الذي يطعمنا وفي البئر الذي يروي ضمأنا.
من الآن وصاعدا سأكون أكبر نصير للأنظمة العربية وسوف أدعو الله أن يكون في عونها وينصرها على شعوبها الجاحدة. كما أناشد هذه الانظمة أن تضرب شعوبها بيد من حديد، لأنها ليست أكثر من دفيئة لتفريخ الإرهابيين والمندسين الذين لا يتورعون عن إحراق الأخضر واليابس وإغراق البلاد في دوامة الفوضى والفقر. ومن لا تنفع معه القوة سوف ينفع معه المزيد من القوة. لقد أثبت التاريخ أن الشعوب العربية لا تستطيع العيش بهدوء وسلام إلا إذا بقيت تحت بسطار الحكام المستبدين الطغاة. أنظروا ماذا حدث في العراق بعد زوال حكم صدام حسين؟ تفرقوا أيدي سبأ وعادوا قبائل وعشائر، سنة وشيعة، عربا واكراد وتركمان وأزيديين و آشوريين. وماذا حدث في ليبيا بعد مقتل القذافي؟ أصبحوا كعصابات الغرب المتوحش الجميع يطلق النار على الجميع. وها هم يحاولون منذ سنوات اسقاط نظام بشار الأسد القومي الممانع لكي يكون مصير سوريا كمصير العراق وليبيا. ويطالبون بإسقاط نظام السيسي حتى تعود مصر لكي تصبح لقمة سائغة في أفواه الإخوان المسلمين. وأكثر من ذلك يطالبون بتقويض الانظمة الملكية من المغرب مرورا بالأردن وحتى السعودية ودول الخليج، وهي أنظمة تعتبر نموذجا للاستقرار والامن والرفاهية. ألا يكفي أن هذه الانظمة تواجه مؤامرات كونية وتتصدى للأعداء من كل حدب وصوب فبدل أن تلتف الشعوب العربية حول حكامها تقوم بطعنها من الخلف؟
حسنا فعلت الانظمة العربية عندما تعلمت الدرس وجعلت من الكيان الصهيوني قدوتها ومرشدها حتى تفوقت عليه. فهي مثله واحة من الديمقراطية والرخاء ما دام المواطنون صامتين مطيعين. هل سمعتم أن إسرائيل قد قتلت أو سجنت أو هجرت فلسطينيا "جيدا" مطيعا، لا يتدخل في السياسة ولا يمس بأمن الدولة؟ ولكن هذا الكيان هو الاخر يضرب كل فلسطيني بيد من حديد إذا ما حاول أن يتحداه ويتمرد على قوانينه بحجة المطالبة بحقوقه الطبيعية. الحق الطبيعي الوحيد الذي تستطيع أن تحصل عليه في هذه الواحة، أو على الاصح الحق الذي يمنح لك هو أن تبقى على قيد الحياة لكي تخدم الطبقة الحاكمة الراقية. أليس هذا ما يقوله لنا ويؤمن به رئيس السلطة الفلسطينية عندما يصرح بمناسبة ومن غير مناسبة: الانتفاضة جلبت لنا الويلات، ولن يكون هناك انتفاضة جديدة من أي شكل كانت ما دام موجودا في السلطة. ومن يسمع يصدق انها سلطة. نعم شعوبنا العربية متخلفة وإلا لما افرزت مثل هؤلاء الحكام. نعم، شعوبنا العربية متخلفة وإلا لما صبرت على هؤلاء الحكام ساعة واحدة ولا اقول العمر كله.
ولكن لحظة، فأنا لست من أنصار الحديث، ولا أدري مدى قوته وصحته، الذي يقول: "كما تكونوا يولى عليكم".
يبدو أن بعض الامور قد غابت عني: الشعوب العربية ليست هي من ولت هذه الانظمة الفاسدة المستبدة عليها. النظام الرأسمالي العالمي مجسدا بالامبريالية الغربية هو الذي ولى هذه الانظمة على الشعوب. إذن، ليست شعوبنا "المتخلفة" هي التي انتجت هذه الانظمة الفاسدة المستبدة. بل العكس هو الصحيح: هذه الانظمة هي التي تعمل بدون كلل أو ملل على إبقاء شعوبنا متخلفة. لقد اقتنت هذه الانظمة الاسلحة الفتاكة وبنت جيوشا جرارة ليس دفاعا عن شعوبها بل دفاعا عن كراسيها، واستحوذت على ثروات وخيرات البلد لتترك الشعوب فريسة للفقر والجوع والمرض. سياسة الترهيب التي سلكتها منذ اللحظة الاولى لاستلامها الحكم انتجت الارهاب. 
النظام يريد إسقاط الشعب وإلا سقط هو. وقد آن الأوان أن يعرف كل مواطن أين مكانه الصحيح.