ما وراء البرامج الانتخابية
علي زبيدات - سخنين
للوهلة الاولى، قد يظن القارئ أن هذه المقالة تدور حول الانتخابات المحلية الوشيكة. ولكنها بكل تأكيد ليست كذلك حتى ولو تم ذكر اسمها مرات عديدة. فالقصد منها أبعد ما يكون عن الانتخابات المحلية. موقفي كان ولا يزال مقاطعة هذه الانتخابات أسوة بمقاطعة شقيقتها الكبرى، انتخابات الكنيست. وقد سبق وشرحت الاسباب التي دفعتني لاتخاذ مثل هذا الموقف ولا رغبة لدي لتكرار ما قلته في هذا المجال. أعتقد أننا ظلمنا المرشحين لرئاسة البلديات والمجالس المحلية والمرشحين لعضوية مجالس هذه البلديات. وأعترف بأنني كنت ممن ظلموا هؤلاء المرشحين في بعض الأمور من أهمها أنه لا يوجد هناك اي مرشح قد طرح برنامجا انتخابيا. ولكني غيرت رأيي تماما في هذه النقطة بالذات بعد أن استمعت إلى خطاباتهم في المهرجانات الداعمة وشاهدت عشرات الفيديوهات ومئات البوستات على شبكات التواصل الاجتماعي وتبين لي أن لجميعهم برامج انتخابية رهيبة تعجز عن تحقيقها الدول طوال عشرات السنوات فكم بالاحرى بلديات محدودة الصلاحيات والميزانيات في خمس سنوات؟ هل صادفتم مرشحا لرئاسة بلدية أو حتى لمجلس محلي متواضع ولم يضع على رأس سلم أولوياته واهتماماته البنود التالية:
التربية والتعليم، بناء المدارس والروضات والمراكز الثقافية، رفع نسبة النجاح في البجروت، وتخصيص المنح للطلاب الجامعيين.
حل مشاكل الازواج الشابة وأزمة السكن من خلال توفير القسائم وبناء الدور والشقق لجميع المحتاجين وباسعار شعبية.
توسيع مناطق النفوذ والمسطحات في كل مدينة وقرية.
محاربة العنف في البيت والمدرسة والشارع والمجتمع.
محاربة الفساد في البلدية وفي كافة المؤسسات التابعة لها.
تمكين المرأة ودمجها بالعمل البلدي هذا بالاضافة الى محاربة العنف والتحرش والتمييز الذي تتعرض له ومحاربة القتل على خلفية ما يسمى ب"شرف العائلة".
بناء المرافق الثقافية والاقتصادية والترفيهية.
ألا تشكل كل هذه البنود برنامجا انتخابيا تعجز عن تحقيقه دولة تتحكم بميزانيات تفوق ميزانيات البلديات مجتمعة وكل على حدة بمئات وربما بآلاف المرات؟ وهذا ليس كل شيء، إذا ما أضفنا "الانجازات" التي يروجها رؤساء البلديات الحاليين والذين يطمحون بالعودة لفترة أخرى والتي لا تقل عن "برامجهم" المستقبلية.
هذا يذكرني ببرامج وانجازات أحزابنا و تنظيماتنا على الصعيد الوطني التي لا تتوقف عن أحصاء انتصاراتها على الكيان الصهيوني الغاصب. فمن يستمع لخطاب رئيس اصغر حزب وحتى خطاب أكبر تنظيم فلسطيني في اي مهرجان أو ذكرى أو مناسبة يخرج بشعور لا يقاوم بأن الاحتلال يلفظ أنفاسه الاخيرة وأن الاعداء من تل أبيب إلى واشنطن على وشك رفع الراية البيضاء والاستسلام من غير قيد أو شرط. برامج براقة شكلا فارغة مضمونا كالطبل الأجوف كلما اتسع حجما ضخم صوته وبقي خاويا.
هذا الكلام الذي أقوله هنا يحاكم صاحبه في كافة الدول العربية بتهمة تخريب معنويات الأمة والمس بالامن القومي وتحطيم مناعة الدولة وقد تصل التهم الى الخيانة ومساعدة العدو.
أظن أنه بعد سبعين عاما من العيش بالاوهام ومن غرس وتربية الأوهام والمتاجرة بها آن الأوان لكي نستفيق ونبحث لنا عن بديل آخر. أن نضع على الاقل رجلا واحدة على الأرض ولتبق الرجل الاخرى مرفوعة في الفضاء. أن نتوقف للحظة واحدة عن عد الانتصارات والانجازات ونتذكر الهزائم والنكبات المستمرة. لنبدأ بتواضع وعلى مهلنا: نعترف أولا بضعفنا وعجزنا، وهذا ليس عيبا، لأنه من غير هذا الاعتراف لن نستطيع قلب الضعف إلى قوة والعجز إلى مقدرة. لنبدأ بتنظيف عقولنا وأفكارنا من الغبار المتراكم طوال قرون عديدة من الركود والتخلف. لتكن بداية جديدة على أسس متينة جديدة نستطيع من خلالها أن نكمل المسيرة. دعونا نبدأ من مدننا وقرانا، نتخلص من تفكيرنا العائلي الضيق العقيم، نتوقف عن اللهث وراء مصالحنا الشخصية وننفض عن وجوهنا وكواهلنا غبار الماضي السحيق. ولا تقلقوا سوف يأتي دور البرامج الطموحة التي سوف تصبح قابلة للتطبيق وليس مرتعا للاوهام كما هي عليه اليوم.
يقول بعض سياسيينا الذين اتحفونا على مدى عقود بمعاركهم الدونكيشوتية وبعنترياتهم داخل أروقة الكنيست وخارجه، أن قانون القومية الاسرائيلي قد أعاد الصراع إلى المربع الأول. حسنا ما السيء في ذلك؟ هذا يعني أن الطريق الذي سلكتموه قد وصل الى نهايته المسدودة بل أعادنا الى نقطة الانطلاق الأولى. فلماذا لا تكملون معروفكم وتتنحون جانبا وتفسحون المجال لغيركم من الأجيال الشابة أن تجرب حظها وتقود المسيرة بفكر جديد ومعنويات جديدة وأساليب عمل جديدة؟.
No comments:
Post a Comment