Thursday, November 30, 2017

فلسطين لا تقبل القسمة إلا على نفسها

فلسطين لا تقبل القسمة إلا على نفسها
علي زبيدات - سخنين

قبل كتابة هذه السطور بمناسبة الذكرى السبعين لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين قرأت بعض المقالات التي نشرت حول هذه المناسبة على صفحات المواقع الالكترونية. انطباعي العام هو أن جل ما كتب هو تكرار واجترار لما كتب على مر السنوات إن كان مؤيدا لقرار التقسيم أو معارضا له. ولكن بالرغم من ذلك لفت نظري إفتتاحية موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ومقال نشره عصام مخول تحت عنوان "قرار التقسيم والخيارات المعقدة". كلا المقالين تكرار واجترار من جهة ولكن مع غلاف متجدد من الإنكار، رد التهم، الدفاع عن النفس واختلاق شتى أنواع التبريرات.
للايضاح فقط، هذه المقالة لا تدور حول موقف الحزب الشيوعي الفلسطيني (الإسرائيلي فيما بعد) ولا حول تبريراته (تحليلاته) الجديدة والقديمة من قرار التقسيم. وسيتم التطرق لها ولنتائجها فقط لأهميتها بالنسبة لنا كجزء من الشعب الفلسطيني. ولكن قبل ذلك أود أن أعود خطوة إلى الوراء وأسأل: أين اختفت كل الأصوات التي علت قبل اقل من شهر تطالب بريطانيا بالاعتذار على إصدار وعد بلفور؟ لماذا لم تطالب الأمم المتحدة أو على الأقل جمعيتها العامة بالاعتذار عن تبني قرار التقسيم؟ هل وعد بلفور مشؤوم وقرار التقسيم ميمون؟ وهل بريطانيا منحت أرضا لا تملكها لمن لا يستحقها بينما الجمعية العامة للأمم المتحدة منحت أرضا تملكها لمن يستحق؟ هذا السؤال ليس موجها لتجار سلطة أوسلو الذين قادوا حملة الاعتذار فحسب بل لكل الاطراف الاخرى التي انضمت لهذه القافلة وبعضها محسوب على المعسكر الوطني والمقاوم.
يقول عصام مخول في منشوره المذكور" كان موقف الشيوعيين المبدئي والصحيح يرفض التقسيم وبحدة" وكبرهان على هذا الموقف المبدئي والصحيح يذكر بعض ما كتب في جريدة "كول هعام" والاتحاد ويقتبس مقطعا طويلا من خطاب لمائير فلنر يقول فيه أن الطريق الوحيد للحل يكمن في إقامة دولة عربية - يهودية ديمقراطية ومستقلة. وكأن هذا الحل في ذلك الوقت كان يعبر عن موقف مبدئي وصحيح، ولكن لنترك ذلك جانبا. إذن، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تخلى الشيوعيون عن موقفهم المبدئي والصحيح؟ ويجيب مخول: أولا، لم يكن للاتحاد السوفياتي دخل في هذا التغيير، والخطاب "الصهيوني" (هذه الإضافة مني) الذي ألقاه غروميكو في الأمم المتحدة لم يكن السبب، تصويت الاتحاد السوفياتي مع الولايات المتحدة ومع ال33 دولة لصالح التقسيم هو أيضا لم يلعب دورا. السبب الوحيد حسب رأي عصام مخول لتغيير هذا الموقف المبدئي والصحيح هو أنه مع تطور الأحداث واختلال ميزان القوى لم يعد مبدئيا ولا صحيحا، وحل مكانه موقف مبدئي وصحيح آخر (ديالكتيك يا أخي!) وتم تبني الموقف الجديد بفضل الرؤية الواضحة وبعيدة المدى للحزب الشيوعي. فقد اكتشف أن الرجعية العربية كانت متواطئة مع الصهيونية والامبريالية وهي لم ترسل جنودها لمنع إقامة الدولة اليهودية بل لمنع إقامة الدولة العربية وقد نجحت بذلك، ورأى الحزب بنظرته الثاقبة أن الخيار لم يعد بين تقسيم فلسطين وبين الدولة ثنائية القومية الديمقراطية المستقلة. بل أصبح الخيار بين تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية وبين نكبة فلسطين. وهكذا تمت الموافقة على قرار التقسيم لتفادي النكبة ولكنها يا فرحة ما تمت.
التاريخ وما أدراك ما التاريخ وكتابة التاريخ. كان بودي أن أصدق كل ما كتب لولا أن ذاكرتي ليست قصيرة إلى هذا الحد: فما زلت اذكر عندما انصاعت منظمة التحرير الفلسطينية للضغوطات الدولية والإقليمية وخضوع التيار المهيمن عليها واعترفت بدولة إسرائيل التي قامت على أساس قرار التقسيم المحسن بزيادة ربع فلسطين، كيف قامت أبواق الحزب الشيوعي بالطبطبة على ظهر مكسوري الظهر من زعماء المنظمة الذين تبنوا أخيرا موقفهم واصبح "الحجر الذي رفضه البناؤون حجر الزاوية" وأهم من الحجر الأسود.  

قد تحتل فلسطين. وقد احتلت بالفعل في تاريخها عشرات المرات. وقد يطول الاحتلال قرونا وقد يقتصر على بضع سنوات. وقد يتكالب عليها المستعمرون من كل حدب وصوب وينهشون منها الكثير أو القليل. ولكنها في النهاية تبقى فلسطين هي فلسطين ولا تقبل القسمة إلا على نفسها أو على واحد هو شعبها.

Thursday, November 23, 2017

جامعة أم مفرقة الدول العربية؟

جامعة أم مفرقة الدول العربية؟
علي زبيدات - سخنين

في أعقاب الاجتماع الطارئ الأخير لوزراء الخارجية العرب الذي دعت لعقده المملكة السعودية ومملكة البحرين بادعاء تعرضها للعدوان بعد أن أطلق الحوثيون من اليمن صاروخا بالستيا ايراني الصنع على مطار الرياض، بينما تواجه معظم الدول العربية واقعا أخطر بما لا يقاس من سقوط صاروخ بدون أن يحرك ذلك جامعة الدول العربية، كان من الضروري إلقاء نظرة ولو خاطفة على  نشاطات هذه المنظمة منذ تأسيسها وحتى هذا الاجتماع الاخير.
من المعروف أن المبادرة لإقامة جامعة الدول العربية لم تأت من أي طرف عربي بل جاءت من بريطانيا التي كانت في ذلك الوقت تستعمر معظم البلدان العربية حتى الدول العربية السبع التي كانت تعتبر مستقلة مجازا والتي شكلت مجموعة الدول المؤسسة وهي: مصر، المملكة السعودية، سوريا، الاردن، لبنان، العراق واليمن كانت ترزح تحت الهيمنة البريطانية والفرنسية. ولكن لنتجاوز هذه النقطة ولنسأل: هل حققت جامعة الدول العربية ما جاء في ميثاقها ولو بشكل جزئي؟
أحد أهداف جامعة الدول العربية هو التعاون والتنسيق في الشؤون الاقتصادية بين الأعضاء. في الواقع مثل هذا التعاون والتنسيق يكاد أن يكون معدوما، على عكس منظمات دولية أخرى لا تدعي وحدة الانتماء القومي في أوروبا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا التي حققت الكثير من التعاون الاقتصادي فيما بينها ونقلت بلدانها نقلة نوعية في طريق التطور والتقدم الاقتصادي. الفوارق بين الدول العربية الغنية والدول الفقيرة تزداد اتساعا. بعض الدول العربية تعاني من المجاعات المزمنة بينما تقوم الدول الغنية باستثمار معظم ثرواتها في الدول الغربية الرأسمالية غالبا ما تكون في مشاريع غير إنتاجية وتعود أرباحها إلى الدول الغربية.
من نافل القول أن نتكلم عن التنسيق المعدوم بين الأعضاء، كما ينص الميثاق، في الشؤون الثقافية، الاجتماعية، التجارية والصحة. يكفي هنا أن نذكر أن نسبة الأمية في البلدان العربية من أعلى النسب في العالم وأن مجتمعاتها ما زالت عشائرية أو قبلية أو إقطاعية بينما تحصد الأمراض حتى تلك التي اندثرت من معظم بلدان العالم حياة الكثيرين مثل انتشار الملاريا في اليمن والموت جوعا في الصومال.
يتعهد أعضاء جامعة الدول العربية بالعمل على حل النزاعات فيما بينهم. بينما في الواقع تاريخ هذه المنظمة هو تاريخ زرع وتأجيج النزاعات إلى حد الحروب التي لا نهاية لها وتخليد العداء فيما بينها، نرى ذلك منذ قيامها وحتى اليوم على سبيل المثال لا الحصر: بين الجزائر والمغرب، بين مصر والسودان، بين سوريا والعراق، بين الأردن وفلسطين وبين دول الخليج المختلفة.
كما تدعي الجامعة من خلال ميثاقها حرصها على التنسيق السياسي بين أعضائها. ولكنها في الحقيقة تنسق مع غيرها وتتآمر على بعضها. ويصل هذا التنسيق مع الغير إلى درجة التحالف لضرب دولة عربية "شقيقة". مثل الوقوف مع أمريكا وبريطانيا لضرب العراق، والتحالف مع الحلف الأطلسي لضرب العراق والانضمام للتحالفات الدولية والإقليمية لتدمير سوريا واليمن. اما التآمر على فلسطين منذ البداية فحدث ولا حرج. فقد شاركت بعض الدول الأعضاء مشاركة فعلية في صنع النكبة وتقديم فلسطين للحركة الصهيونية على طبق من ذهب لإقامة دولتها الكولونيالية العنصرية. واستمر هذا التآمر بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل واخيرا رعاية اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. حتى عندما كانت تدعي الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله لاسترداد حقوقه المشروعة كانت في الحقيقة تحيك المؤامرات ضده. ويكفي أن نذكر هنا، بينما كانت إسرائيل تعيد احتلال الضفة الغربية وتحاصر ياسر عرفات كانت جامعة الدول العربية تجتمع في بيروت لتقدم لإسرائيل جائزة سمتها "مبادرة السلام العربية" والتي ألقتها هذه بدورها في سلة المهملات لانها عرفت منذ ذلك الوقت انها تستطيع التحالف مع معظم دول الجامعة العربية من غير أن تقدم أي تنازل مهما كان بسيطا. وها نحن نرى التحالف السعودي- الاسرائيلي كيف يتطور أمام أعيننا.
لا تتسع هذه المقالة لسرد كافة الكوارث التي جلبتها هذه المنظمة ليس فقط لدولها بل لشعوبها أيضا. باختصار، ماذا تتوقع من22 دولة فاشلة أن تنتج سوى منظمة أشد فشلا؟
لقد آن الأوان لطي صفحة جامعة الدول العربية مرة واحدة وإلى الأبد وبدأ العمل لإقامة منظمة شعبية مهمتها الأولى التخلص من هذه الأنظمة الفاسدة ومحاربة الهيمنة الامبريالية والصهيونية وتعمل على تحرير الشعوب العربية للحاق بركب الحضارة من جديد.

Thursday, November 09, 2017

بيريسترويكا في السعودية

بيريسترويكا في السعودية
علي زبيدات - سخنين

قال آخر رئيس للاتحاد السوفياتي، ميخائيل غورباتشوف، عندما بدأ بتطبيق سياسة البيريسترويكا(إعادة البناء) في منتصف سنوات الثمانين من القرن الماضي، إن هدفه هو إنقاذ البلاد من الانهيار وبعد خمس سنوات احتفل غورباتشوف وحوله زعماء العالم الغربي الذين دعموه وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي رونالد ريغن بالانهيار التام للاتحاد السوفياتي. وتبين فيما بعد أن البيريسترويكا (والغلاسنوست) ليس فقط أنها لم تنقذ الاتحاد السوفياتي بل سارعت في انهياره. هل سينجح محمد بن سلمان بما فشل فيه غورباتشوف؟ هل يستطيع أن ينقذ المملكة السعودية من الانهيار؟
قد يتساءل البعض: ولكن ما العلاقة بين الاتحاد السوفياتي السابق والمملكة السعودية؟ حيث لا يوجد هناك مجال للمقارنة ولا يوجد أي وجه للشبه بين الشخصين أو بين النظاميين. طبعا لكل شخص ولكل نظام خصوصياته وللوهلة الأولى يبدو أن الفرق بينهما شاسع إلى درجة حتى الخيال الجامح يعجز عن الربط بينهما. ولكن الحقيقة أن المشترك بين الحالتين أكثر وأعظم مما تظنون. فجوهر الصراع بين الأنظمة أو داخل النظام الواحد، وليس بالضرورة في الاتحاد السوفياتي السابق والسعودية، هو على الثروة والسلطة: من الذي يسيطر على ثروة البلد وما هو شكل السلطة التي تحقق وتضمن هذه السيطرة؟.
طبعا، لست هنا بصدد دراسة أو تحليل أو حتى الكتابة عما جرى في الاتحاد السوفياتي في تلك المرحلة التي انتهت بإنهياره التام، فهذا موضوع قائم بذاته وقد كتب حوله الكم الكثير وله مناسبته. وفي الوقت نفسه لست بصدد دراسة أو تحليل ما يجري حاليا في السعودية، كل ما هنالك هو كتابة مقالة صحفية متواضعة تتناول الأحداث المتسارعة وتشير إلى جوانبها الأساسية بشكل عام.
المملكة العربية السعودية، وهذا اسمها الرسمي، هي دولة حديثة نسبيا تأسست في عام 1932 ولكنها في الواقع ما زالت تعيش في ظلمات القرون الوسطى من كافة النواحي: من حيث التركيبة العشائرية للمجتمع والنظام السياسي والاقتصادي الإقطاعي بل وفي بعض جوانبه يعود إلى ما قبل الإقطاع، أي إلى العصر العبودي. هذا بالإضافة للتشبث بعادات وتقاليد وتراث ومعتقدات تعود هي الأخرى إلى القرون الوسطى تأبى التغيير، ولكن هبوط الثروة عليها بلا حساب من السماء أو على الأصح تفجرها من باطن الأرض على شكل نفط نقل هذه المملكة الصحراوية خلال سنوات قصيرة إلى القرن العشرين والواحد والعشرين حاملة معها مجتمعها القبلي بعاداته وتقاليده البالية. وهنا يكمن التناقض الرئيسي في السعودية. وقد تفاقم هذا التناقض مؤخرا حتى وصل إلى مرحلة الصدام وأصبح غير ممكن إلا بأساليب عنيفة.  
ما يجري في السعودية ابعد ما يكون عن "مكافحة الفساد" كما صرح ولي العهد بل هو صراع بين الفاسدين داخل العائلة المالكة. فالفاسدون الذين تم اعتقالهم من أمراء ووزراء ورجال أعمال تبلغ ثروتهم أكثر من 2 تريليون دولار مما جعل الملك وولي عهده يشعران بالظلم والاجحاف خصوصا وأن تورط المملكة في النزاعات الإقليمية وخصوصا في سوريا واليمن قد استنزف خزينة الدولة هذا بالإضافة إلى سباق التسلح الذي فرضته المواجهة مع إيران والذي كلف في السنة الأخيرة لوحدها أكثر من 100 مليار دولار ثمنا للاسلحة الامريكية. في ظل هذه الظروف ليس غريبا أن يكون الهاجس الذي يستحوذ على عقلية الطغمة الحاكمة هو كيف يمكن إنقاذ المملكة من الانهيار القادم بخطوات سريعة؟. عندما بدأ ما سمي بالربيع العربي في تونس وقفت السعودية ضده وقدمت الدعم من لزين العابدين بن علي وعندما فشلت في مسعاها استقبلته هاربا. كما وقفت إلى جانب حسني  مبارك في وعارضت إسقاط حكمه، ولكنها مرة أخرى لم تستطع انقاذه. ولكنها دعمت بأموالها إنقلاب السيسي الذي أجهض تطور الثورة في مصر وأعاد نظام مبارك بدون مبارك. وعندما وصل الربيع العربي إلى سوريا غيرت السعودية استراتيجيتها وادعت أنها تقف إلى جانب الثورة السورية ضد النظام، ولكنها في الحقيقة أنقذت النظام السوري من خلال عملها الدؤوب على حرف الثورة عن مسارها الشعبي التحرري  من خلال تقديم الدعم للتنظيمات التكفيرية. وكان هدفها من وراء كل ذلك هو إبعاد رياح التغيير عن المملكة بكل ثمن.

كل ذلك لم يطمئن محمد بن سلمان ووالده على سلامة المملكة والاستحواذ على ثروات البلاد، لذلك نراه يرتمي في أحضان المحور الأمريكي- الصهيوني لعله يوفر لهما سبل النجاة. انهيار المملكة السعودية قادم لا محالة، المسألة مسألة وقت لا أكثر ورياح الحرية سوف تجتاح الجزيرة العربية وتنقل البلاد إلى العصر الحديث.