Wednesday, May 28, 2008

نكبة اللغة العربية



نكبة فلسطين التي أحيت جماهير شعبنا ذكراها ال60 لم تقتصر على الارض والانسان، بل طالت أحد العناصر الاساسية للهوية القومية للفلسطينيين الباقين على ارضهم ألا وهي اللغة العربية. لقد عادت نكبة اللغة العربية لتحتل العناويين الرئيسية مؤخرا في أعقاب إقتراح عضوة الكنيست عن حزب الليكود ووزيرة المعارف سابقا، ليمور ليفنات لقانون يلغي مكانة اللغة العربية كلغة رسمية اساسية ويثبت اللغة العبرية كلغة رسمية اساسية وحيدة، وفي أعقاب ردرود الفعل المتشنجة من قبل أعضاء الكنيست العرب وبعض المثقفين على هذا الاقتراح.
أولا وقبل كل شيء، لا يشرف اللغة العربية أبدا أن تكون لغة رسمية في دولة عنصرية هي المسؤولة الاولى عن نكبة الشعب الفلسطيني. ولا يشرفنا نحن، الناطقون بهذه اللغة العريقة، أن تكون لغتنا رسمية في مثل هذا الكيان العنصري.
مشكلتنا ليست عضوة الكنيست ليفنات ومن على شاكلتها من أعضاء عنصريين تنضح بهم الكنيست، بل مشكلتنا الحقيقية تقبع في داخلنا نحن، الناطقين بهذه اللغة. لنسأل أعضاء الكنيست العرب الاشاوس بمن فيهم الوزير العربي والذين يتسابقون "للدفاع" عن اللغة العربية: ما دامت اللغة العربية، على مدار 60 سنة، كانت لغة رسمية، فكم خطابا القيتموه من على منصة الكنيست باللغة العربية؟ وكم التماسا قدمتموه بهذه اللغة؟
قبل أن تطالبوا بجعل اللغة العربية لغة رسمية للدولة لماذا لا تجعلوها لغتكم الرسمية أولا؟ ولمعلوماتكم فقط، عندما تذكرون بلجيكا كمثال على دولة بها لغتان رسميتان، هل تعلمون أن أعضاء البرلمان من الفلمنك يلقون خطاباتهم باللغة الفلمنكية ومن لا يجيد هذه اللغة من الناطقين بالفرنسية فهذه مشكلته؟.
إلا أن نكبة اللغة العربية في هذه البلاد أعمق من ذلك بكثير، وهي تتعدى المتأسرلين على كافة انواعهم وأشكالهم وتكاد تخييم على كافة تصرفاتنا وتفكيرنا. وهذه بعض الامثلة على نكبة اللغة العربية في هذه البلاد:
سرت بالشارع الرئيسي في مدينة سخنين. نظرت يمينا وشمالا الى المحلات التجارية من مطاعم ومقاهي وحوانيت مختلفة وحتى مكاتب اطباء، وكلاء تأمين، ومحامين فوجدت أن لغة الدعايات المكتوبة على اليافطات بالخط العريض الذي يؤذي العيون هي اللغة العبرية، اما اللغة العربية فإما أت تكون معدومة تماما واما انها تظهر بخط رفيع هامشي وكأن صاحبها يخجل من إبرازها. حتى المجمع التجاري الجديد الذي لم يفتح ابوابه بعد فقد وضع واجهته لافتة عملاقة باللغة العبرية "سخنين مول" ولا يوجد أي ذكر للغة العربية. اتابع المسير عرابة البطوف واشاهد الواقع المرير نفسه: يافطات ضخمة، على اليمين وعلى الشمال باللغة العبرية، بالرغم من أن جميع أصحاب هذه المصالح عرب ومعظم زبائنهم عرب. مدننا وقرانا العربية الاخرى لا تختلف في هذا المجال، من حيث المبدأ، عن سخنين وعرابة. هل يوجد وضع أتعس من ذلك؟
مثال آخر: دخلت أحد اقسام البلدية وكان الموظف بصدد كتابة رسالة داخلية الى مدير قسم آخر. سألني عن معنى كلمة باللغة العبرية فأجبته، ومن ثم سالته: لماذا تكتب باللغة العبرية رسالة داخلية الى زميل لك باللغة العبرية؟ فأجابني: هذه هي الاوامر، إذ أن جميع مراسلاتنا باللغة العبرية.
إذا كنا عاجزين عن جعل اللغة العربية لغتنا الرسمية في بلدياتنا وفي مجالسنا المحلية فبإية عين يمكننا أن نطالب الآخرين بأن تكون كذلك؟
لا أريد أن اتكلم عن ظواهر تشويه اللغة العربية بكلمات ماخوذة من اللغة العبرية في حياتنا اليومية، حتى اصبح المثقف منا قبل غير المثقف عاجزا عن إجراء محادثة عادية بسيطة بلغة عربية سليمة. هذه الظاهرة معروفة لنا جميعا، نتكلم عنها كثيرا ونكتب عنها في الصحف ومع ذلك فإنها تتفاقم اكثر فأكثر. ناهيك الى اننا نصدرها الى البلدان المجاورة حتى أصبحنا نعرف في الاردن ومصر من خلال استعمالنا للعربية يشوبها الكثير من المفردات الغريبة القادمة من العبرية.
لنعود الى اقتراح قانون السيدة ليفنات. بالرغم من دوافعها العنصرية ومن نواياها السيئة، فلن يعود قانونها هذا إذا ما قبل الا بالفائدة وبالخير على اللغة العربية. يجب أن نعمل كل ما في وسعنا لكي نحافظ على استقلالية اللغة العربية وفصلها عن المؤسسات الرسمية لهذه الدولة. علينا أن نعمل أكثر من المستحيل لكي نجعل اللغة العربية لغتنا الرسمية الوحيدة، في حياتنا اليومية، في حديثنا وتفكيرنا وأحلامنا. علينا أن نعمل المستحيل وأكثر من المستحيل لكي نحافظ على هذه اللغة وعلى نقائها من خلال التعليم والثقافة والفن. لأنها في ظروفنا الراهنة هي الضمان الوحيد للحفاظ على هويتنا القومية.

Wednesday, May 21, 2008

بؤس المؤتمر القومي العربي



تحت شعار:"العمل العربي المشترك- التحديات والآفاق" عقد المؤتمر القومي العربي في العاصمة اليمنية صنعاء دورته التاسعة عشرة. وفي جلسته الاولى أنتخب "المفكر العربي" عضو الكنيست السابق عزمي بشارة بالاجماع رئيسا لهذه الدورة. بعد 4 أيام من النقاشات والخطابات والجلسات تمخض المؤتمر عن بيان أو نداء للأمة تناول بها القضايا المصيرية التي تواجه الامة العربية وخصوصا في فلسطين ولبنان والعراق.
وقد عقد هذا المؤتمر في ذكرى مناسبتين ذات بعد قومي وهي الذكرى الثامنة عشرة لقيام "الوحدة اليمنية" التي يعتبرها المؤتمر " الانجاز الوطني القومي البارز" والذكرى الستين لنكبة فلسطين.
وكما يعرف المؤتمر القومي العربي نفسه فهو " جهة مستقلة لا ينحاز لنظام ضد آخرولا لطرف دون ثان يضم قادة الفكر والرأي من مختلف الدول العربية" وبالرغم من انه عقد دورته الاولى عام 1990 في تونس الا انه يعتبر نفسه امتدادا طبيعيا للمؤتمر العربي الاول الذي عقد في باريس عام 1913 والذي يعتبره الكثيرون بداية التحرك العربي القومي الحديث.
من هذه المعلومات الاولية عن المؤتمر، المقتبسة عن موقعه الرسمي في الشبكة العنكبوتية ومن خلال تقييم أعمال الدورة الاخيرة نلمس وبوضوح أن تخلف الامة العربية لا يقتصر على انظمتها وعلى ملوكها ورؤسائها بل يشمل أيضا تلك المؤسسات التي تدعي رفع راية النهضة العربية والكلام بإسم الامة العربية من خلال حمل الاسماء الضخمة التي تتمخض عادة عن عمل تافه لا يتعدى اصدار بيان تتناوله وسائل الاعلام لفترة وجيزة ثم يغرق في بحر من النسيان.
يهدف المؤتمر القومي العربي، حسب قول القيمين عليه الى:" المساهمة في شحذ الوعي العربي بغايات الامة العربية العليا عن طريق إتخاذ واعلان مواقف فكرية رصينة وملتزمة سياسيا تجاه اوضاع الامة وغاياتها مما يساعد على تعبئة الطاقات الشعبيةمن اجل تحقيق هذه الغايات، وتوثيق روابط التعاون والتنسيق مع الهيئات المماثلة في اهدافها ومبادئها".
نظرة خاطفة الى اعضاء المؤتمر تبين أن معظم "قادة الفكر والراي" هم وزراء سابقون في بلدانهم ومنهم مدراء في المخابرات او موظفون في الانظمة العربية القائمة وشخصيات عديدة لا ناقة لها ولا جمل لا في الفكر القومي ولا في العمل القومي. يكفي أن نذكر هنا أن المؤتمر عقد جلساته في نادي ضباط الشرطة في صنعاء. في الوقت الذي تقوم به هذه الشرطة بقمع كل صوت معارض للسياسة التي يقودها الرئيس اليمني علي عبدالله الصالح المؤيدة للغرب. ومن هذا المنطلق جاء توجيه الشكر لليمن حكومة وشعبا على إستضافة المؤتمر ووصف "الوحدة اليمنية" بالانجاز القومي البارز مع انه لم يكن سوى احتلال والحاق اليمن الجنوبي بعد تصفية النظام الاكثر قومية هناك وجر اليمن "الموحد" للتحالف مع أمريكا.
أما انتخاب "المفكر العربي" عضو الكنيست السابق الدكتور عزمي بشارة رئيسا لهذه الدورة وبالاجماع فهو قصة في حد ذاته. عزمي بشارة يقود اليوم ما يسميه" تجديد القومية العربية" وملخص مشروعه التجديدي هو جعل القومية العربية قومية واقعية ذات بعد ليبرالي على الطريقة الغربية. فالقومية العربية قبل مجيء المفكر عزمي بشارة كانت بالاساس قومية عدمية ذات ملامح استبدادية وجاء هو لينزلها الى ارض الواقع ويضخ بها الروح الديموقراطية. وهذا يعني من ضمن ما يعنيه القبول بالكيان الصهيوني كحقيقة واقعة في فلسطين وجل ما يمكن فعله في هذا المجال هو تحويل دولة اسرائيل الى دولة كل مواطنيها من خلال اقامة دولة ثنائية القومية. عزمي بشارة الذي اقسم يمين الولاء في الكنيست الاسرائيلي اربعة مرات ورشح نفسه يوما لرئاسة حكومتها يعين اليوم رئيسا بالاجماع لدورة المؤتمر وهذا بحد ذاته مؤشر الى أن الحركة القومية العربية مستعدة لضم دولة اسرائيل الى أحضانها. فقط بهذه الطريقة تعبر القومية العربية على انها اصبحت واقعية. لذلك ليس من الغريب أن يتباكى البيان الختامي للمؤتمر على الوضع الماساوي في غزة ويطالب برفع الحصار الظالم عنها، ولكنه يتجاهل الكلام عن ضرورة تحرير جزء لا يتجزء من جسد الامة العربية يرزح تحت احتلال استيطاني منذ 60 سنة.
من خلال تعينه رئيسا للدورة الاخيرة فرض عزمي بشارة رؤيته التجديدية للقومية العربية والتي يحاول أن يطبقها هنا على ارض الواقع من خلال الشعار الاساسي لحزبه: "هوية قومية ومواطنة كاملة". وهذا يعني تشويه وتقزيم الهوية لكي يتم استيعابها في اطار المواطنة الكاملة. كما يقول المثل الصيني: "قص القدم لكي تتلاءم مع الحذاء". وانا لا الوم سكرتير عام حزب التجمع الوطني الديموقراطين عوض عبد الفتاح إذ يطير فرحا بهذا التعيين في المقالة التي نشرها بعنوان: "عزمي بشارة من الغيتو الى الوطن العربي"
السؤال الذي يطرح نفسه هنا وينتظر اجابة صريحة وجريئة هو: هل قام هذا الغيتو بتصدير عزمي بشارة للوطن العربي من اجل تحديثه؟

Tuesday, May 20, 2008

هل أصبحت الخيانة وجهة نظر؟



عندما كنت صغيرا كنت مولعا بمشاهدة افلام رعاة البقر الامريكية، هذه الافلام الرديئة التي تصور بطولة المستعمرين البيض مقابل همجية الهنود الحمر. في ذلك الوقت لم أكن ادرك البعد السياسي لهذه الافلام الهابطة. كنت كغيري من الشباب مشدودا الى صورة البطل الذي يطلق النار من مسدسه بسرعة ويصيب دائما الرجل الشرير. ما زال عالقا في ذهني قصة احد هذه الافلام: زعيم عصابة من قطاع الطرق يقرر ان يسطو مع عصابته على بنك مركزي في أحدى البلدات سمع انه يحتوي على كميات كبيرة من سبائك الذهب. عندما هاجم البنك، نزل الى السراديب بحثا عن الذهب، أخذ يكسر الاقفال الحديدية ويفتح الابواب الواحد تلو الآخر. وكم كانت مفاجأته كبيرة عندما لم يجد اثرا للذهب وبدل ذلك كانت السراديب مكتظة بالمساجين حيث حولت الحكومة من حيث لا يعلم البنك الى سجن زجت به مئات المتمردين. وهكذا من غير قصد يطلق سراحهم. وتبدأ الشرطة والجيش بمطاردة العصابة التي انضم اليها بعض المتمردين المحررين، ويضطر رئيس العصابة مواجهة الشرطة والجيش لكي ينقذ نفسه وعصابته. وهكذا وجد نفسه بين ليلة وضحاها بطلا قوميا ثوريا.
اسرد هذه المقدمة لأبين ان السلطة الغبية المتعنتة في كل مكان قد تزود بعض الناس بقناع من الوطنية المزيفة وتفرض عليهم رغم انوفهم صورة بعيدة كل البعد عن حقيقتهم. دولة اسرائيل هي احدى هذه السلطات الغبية المتعنتة. ومن شدة غبائها (وقد يقول البعض بل من شدة ذكائها) ومن شدة عنصريتها تضفي حتى على بعض المتعاونين صفة الوطنية التي هي بريئة منهم كل البراءة.
خذوا مثلا موقف وسائل الاعلام العربية التي كالت في الفترة الاخيرة المديح للوزير العربي في الحكومة، وزير التعليم والثقافة والرياضة، غالب مجادلة على موقفه وانتقاده لتصرفات جمهور فريق بيتار القدس ومطالبته بمعاقبة هذا الفريق، وكيف تعرض للإهانة أثناء توزيع الميداليات للاعبين بعد فوزهم بكأس الدولة. للوهلة الاولى يبدو وكأن وسائل الاعلام هذه قد نسيت أو تناست أنه وزير في حكومة عنصرية ترتكب المجازر اليومية في حق الشعب الفلسطيني، وكأنه أصبح يمثل المسحوقين من الطرف الآخر. ولكن الوزير قد ابتلع هذه الاهانات وإستمر في تأدية دوره.
وهناك العديد من زعامتنا "الوطنية" من أعضاء كنيست عرب الى رؤساء مجالس محلية ومؤسسات "وطنية" يقومون هم الآخرين بتأدية دورهم على أحسن وجه. فالمؤسسات الحكومية الرسمية تعاملهم بإستعلاء وعجرفة وعنصرية مما يغطيهم بعباءة الوطنية ويضفي عليهم صبغة المعارضين المبدئيين لهذه الحكومة ولسياستها وتقوم الجماهير بمنحهم الدعم والتاييد. ولكنهم في نهاية المطاف يبتلعون هم الآخرين الاهانات المستمرة والمتكررة يصححون مسارهم ويمشون بالركب مع التيار.
الاسلوب نفسه تستعمله إسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وبصورة أعنف وأقسى وليس فقط إتجاه من تسميهم إرهابيين ومتطرفين بل ايضا مع المعتدلين والمتعاونين. فهي تعامل هؤلاء بصلافة وأحتقار وتذلهم بمناسبة ومن غير مناسبة، حيث تقتحم المكان الذي تريده متى تشاء ولو كان هذا المكان وراء شرفة رئيس السلطة الفلسطينية، وتحتجز الوزير على الحواجز كما تحتجز المواطن العادي. هذا الامر يبقي بعض القناع الوطني على وجوه أعتى المتعاونين مع الاحتلال. ودائما يجدون من يدافعون عنهم: كلنا نرزح تحت نير الاحتلال، ما في أحد افضل من أحد.
ولكن في اليوم التالي يبتلع هؤلاء هم أيضا الاهانات المتكررة ويلتقون مع المحتلين للمزيد من التنسيق الامني والترتيبات ، او لمزيد من المفاوضات الفريدة من نوعها.
نعم، اسرائيل تساهم مساهمة فعالة من حيث تدري ام لا تدري، بغباء أو عن خبث في خلق الزعامة الفلسطينية على الصعيدين المحلي والقطري. وهي في الحقيقة تفضل الزعامات التي تحتج على الاذلال والاهانات وتكتسب بعض التأييد والمصداقية من قبل الجماهير ولكنها تعود في نهاية المطاف وتسير مع التيار على الزعامات المتعاونة بشكل مباشر ومكشوف ولكنها تعود وتتقبل الاهانات بخنوع حتى تظن البصاق رذاذا او قطرات من الندى. وأنا هنا أخاطر بالقول، وأترك لكل واحد من القراء أن يقرر اذا كان في كلامي بعض الصحة أم لا: أن أعضاء الكنيست العرب المنتمين للأحزاب العربية يخدمون، في نهاية المطاف، السياسة العامة للدولة افضل بما لا يقاس من زملائهم المنتمين للأحزاب الصهيونية. وأن الفلسطينيين الذين يتبؤون مراكزا قيادية في السلطة ويؤمنون أن اسرائيل سوف تقدم لهم سلام الشجعان اذا ما ثابروا على المفاوضات الابدية يخدمون الاحتلال بما لا يقاس افضل من المتعاونين المكشوفين.
نعم، ما كنا نخشاه قد اصبح واقعا، لقد اصبحت الخيانة وجهة نظر، بل أكثر من ذلك أصبحت عند البعض وسام شرف.

Wednesday, May 14, 2008

الدولة الديموقراطية العلمانية- برنامج نضالي أم شكل جديد لتسوية تصفوية؟


كميات هائلة من المداد سكبت في الآونة الاخيرة على الاوراق تطرح وتنظر وتدعو الى إقامة "دولة ديموقراطية علمانية" كحل للصراع الفلسطيني (العربي) الاسرائيلي، كبديل لحل "الدولتين لشعبين" ذلك الحل "السهل الممتنع" الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل (اتفاقيات اوسلو) والدول العربية ( مبادرة السلام العربية) والولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي أو ما يسمى بإختصار المجتمع الدولي، والذي وصل الى طريق مسدود حتى بإعتراف جهات مركزية من المطالبين به. هذا بالاضافة للمؤتمرات واللقاءات والنقاشات التي تكاد لا تحصى والمنتشرة في شتى أنحاء العالم.
ينضم الى هذه الجوقة الغريبة العجيبة في تركيبها وطرحها رفاقنا في حركة أبناء اللبلد الذين يستعدون لأن يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع في مؤتمر حيفا "لأجل حق العودة والدولة الديموقراطية العلمانية في فلسطين" والمزمع عقده في 20-21 حزيران 2008.
وبذلك تتسع صفوف المنادين بهذا الحل وتتنوع مشاربهم الفكرية والتنظيمية. فهي تشمل الآن حركات سياسية، جمعيات مدنية، شخصيات أكاديمية مستقلة وغير مستقلة، حتى اصبح شعار "الدولة الديموقراطية العلمانية" وخلال فترة وجيزة يفوق شعار "الدولتين لشعبين" من حيث الابتذال والقولبة.
وبما انني كنت في فترة من الفترات من بين الذين نادوا بمثل هذا الحل، وبعدما أدركت هذا الكم الهائل من التحريف والانتهازية على الصعيدين النظري والعملي، ارى من الواجب أن اقوم بنقد ذاتي من جهة ونقد أولي للافكار المطروحة في هذا السياق.
كما ذكرت سابقا، هذه الجوقة غريبة في تركيبتها غير متجانسة في طرحها ولكنها تتفق على خطوط عامة توحدها وحسب رأيي هذه الخطوط العامة هي الحاسمة بينما الاختلافات شكلية، ثانوية وهامشية.
في نهاية السنة الماضية عقد في لندن مؤتمر نظمته مجموعة من الاسرائليين والفلسطينيين تطلق على نفسها "مجموعة لندن للدولة الواحدة" (The London One State group) تحت إسم "تحدي الحدود: ولة واحدة في إسرائيل/فلسطين" حاز على نوع من الترويج شارك فيه عدد من الاكاديميين العرب واليهود والاجانب اذكر منهم مدير مركز مدى الكرمل نديم روحانا، مدير مركز ابن خلدون أسعد غانم، المؤرخ إلان بابي ونور مصالحة بالاضافة الى عمر برغوثي وغادة كرمي وآخرون. أصدر هذا المؤتمر في نهاية أعماله بيانا بمناسبة 60 عاما على قرار التقسيم، يقول فيه: "أن حل الدولتين قد فشل لإحقاق العدالة والسلام للشعبين الفلسطيني واليهودي الاسرائيلي لأنه يتجاهل الواقع ولا يقدم حلا لجميع المشاكل"، الخ. ويدعو الى اقامة دولة واحدة على أساس أن فلسطين التاريخية هي ملك لكل من يعيش فيها والاعتراف بشخصية المجتمع التعددية بالاضافة الى الشعارات المعروفة حول حق العودة والمساواة الخ. ومن يقرأ هذا الاعلان كاملا يلمس روح "الدولة ثنائية القومية" التي يروج لها روحانا وغانم ( وثيقة حيفا على سبيل المثال).
متشجعة من نجاح هذا المؤتمر، تحضر المجموعة نفسها لمؤتمر جديد يعقد في احدى الجامعات الانجليزية الشهر القادم، مرة أخرى بمشاركة الان بابي ونور مصالحة وغادة كرمي وسمدار لافي.
هذه المجموعة ليست الوحيدة الناشطة في هذا المجال بل يوجد هناك مجموعات أخرى عديدة. ما يهمنا هنا تلك المعدودة على اليسار الفلسطيني والتي تعتبر نفسها بشكل أو بآخر امتدادا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أذكر منها: أجراس العودة، ناطرينكم، وبعض الناشطين الفلسطينيين مثل أحمد قطامش وعادل سمارة. هؤلاء طبعا (بصفتهم أكثر راديكالية) لا يتكلمون عن دولة ثنائية القومية على غرار روحانا- غانم ولا عن دولة لكل مواطنيها على غرار "المفكر القومي" عزمي بشارة بل عن دولة ديموقراطية علمانية "صرف" في فلسطين التاريخية. ولكن نظرة أخرى على أطروحات هذه المجموعة تشير الى عدم وجود فوارق جوهرية مع الباقين. وهنا أكتفي بذكر ثلاثة ملاحظات انتقادية حول هذه الاطروحات:
1) تغييب طبيعة الكيان الصهيوني الكولونيالية العنصرية: بالرغم من الاعتراف بتاريخه الكولونيالي، الا انه كما يبدو، مع الوقت نال نوعا من الشرعية، حيث أصبح يمثل شعبا يعيش في هذه البلاد، وكأن المطلوب هو تحويل الدولة القائمة، بقدرة قادر، حتى تصبح دولة ديموقراطية علمانية بالفعل.
2) تغييب حقيقة أن فلسطين واقعة منذ 60 عاما تحت الاحتلال، وبالتالي تغييب مفهوم التحرير. حيث ان التحرير يجب أن يكون في صلب البرنامج الوطني لكل شعب يرزح تحت نير الاحتلال الاجنبي. وكل كلام حول حل ديموقراطي أو علماني بمعزل عن الحل الثوري التحرري لن يكون سوى شكل آخر من أشكال التفريط. من الواضح أن الكلام المبالغ فيه من جهة والمجرد من جهة أخرى عن الديموقراطية والعلمانية جاء ليغطي على الانسحاب من مشروع تحرير فلسطين كاملة من الاحتلال الكولونيالي.
3) ما عدا الشعار الكلامي " دولة ديموقراطية علمانية" لا يوجد اي اشارة الى جوهر هذه الدولة المقترحة من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. هل هذه الدولة ستكون رأسمالية أم إشتراكية؟ وما علاقتها بمحيطها العربي؟ وما هو موقفها ودورها في الصراع الدائر على الصعيد العالمي، هل ستكون حيادية أم معادية للإمبريالية؟
حسب ما قرأته من افكار صادرة عن هذه المجموعات تستطيع إسرائيل وبكل سهولة أن تدعي انها دولة ديموقراطية علمانية. وكما قال أحد الصحفيين الاسرائيليين معلقا على مؤتمر لندن:"أن المطالبة بدولة واحدة تعيد الى الاذهان فكرة "اسرائيل الكبرى" التي تخلى عنها اليمين الصهيوني مؤخرا بعد أن عجز عن تحقيقها".
قبل أن نطرح شعار " دولة ديموقراطية علمانية" يجب إعادة تعريف هذه المصطلحات الثلاثة. ما هي الدولة؟ وهل يوجد أصلا ضرورة لوجودها؟ وهل ينبغي أن تكون على رأس سلم اولوياتنا؟ ما هي الديموقراطية؟ وعن اية ديموقراطية نتحدث؟ وماذا نعني بالعلمانية؟ هل هي علمانية أتاتورك؟ أم علمانية شيراك وسراكوزي؟ سوف أتناول الاجابة عن هذه الاسئلة المفصلية مستقبلا وبكل جرأة وصراحة.
قبل الانزلاق الى متاهات الانتهازية والتفريط التي لا رجعة منها، أنصح الجميع من ذوي النوايا الحسنة الى دراسة افكارهم مرة أخرى وإعادة النظر بخطواتهم.


مثلث المقاومة غزة - بيروت - بغداد ينتصر على المشروع الامريكي - الصهيوني



أحداث بيروت الاخيرة تعيد الى أذهاننا بقوة ما حدث في قطاع غزة في حزيران الماضي. خلال ساعات قليلة استطاعت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله تطهير بيروت ومناطق أخرى من لبنان من عناصر المرتزقة التي رعتها الولايات المتحدة واسرائيل منذ سنوات وقامت بإعدادها لكي تستطيع القيام بدورها في خدمة المشروع الامريكي – الاسرائيلي في المنطقة.
لم تكن قوات جنبلاط – الحريري في لبنان بإحسن حالا من قوات دحلان – عباس في غزة. هذه القوات هزمت بسهولة فاجأت حتى الذين راهنوا عليها، ليس فقط بسبب فساد قيادتها وإنعدام الدافع الوطني الحقيقي في نشاطها، بل في الاساس لأن الجماهير الشعبية الفلسطينية واللبنانية ترفض وتمقت المشاريع الامريكية والاسرائيلية وهي مستعدة لتقديم التضحيات الجسيمة في محاربتها حتى دحرها نهائيا.
هذا الواقع تعرفه المخابرات الامريكية والاسرائيلية نفسها، وطالما حذرت قياداتها منه. هذا الواقع الذي يقول: إذا اردت لأحد الزعماء أن يفلس سياسيا ووطنيا ويلقى به عاجلا ام آجلا الى مزبلة التاريخ، يكفي أن تعلن أمريكا واسرائيل عن دعمها له.
هذا ما صرح به مؤخرا الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الاسرائيلية، اهارون زئيفي عندما قال: "لقد نصحنا المخابرات الامريكية عدم الاعتماد على جنبلاط- الحريري – جعجع لأننا جربناهم في تموز 2006 ولم يتبين أن لديهم الجرأة أو القدرة على مواجهة حزب الله، الآن خرج كل عملاء المخابرات من بيروت وضاعت جهود دولية وعربية استمرت 3 سنوات من العمل". وهذا يعيد الى اذهاننا توسلات الاشخاص الذين يحيطون بمحمود عباس مطالبين اسرائيل بالكف عن التصريحات التي تشير الى دعمه لأنها تعود عليه بالضرر. وكذلك تحذيرات العديدين من الاسرائليين لحكومتهم بألا تصرح علنا عن دعمها للسلطة الفلسطينية ولحكومة فياض اللاشرعية.
ستون عاما، هي تاريخ النكبة الفلسطينية، كانت كافية لشعوب المنطقة لأن تعرف السياسة الامريكية- الاسرائيلية على حقيقتها. لا يعد بالامكان خداع هذه الشعوب بالكلام المعسول عن الديموقراطية والسلام. وحتى ليس بصرف ملايين الدولارات على بعض المنتفعين.
اننا امام مثلث من المقاومة تمتد أضلاعه بين غزة وبيروت وبغداد بينما تشكل قاعدته الجماهير الغفيرة من الشعوب العربية من المحيط الى الخليج. هذا المثلث يقول لأمريكا بكل بساطة إن ما تسمينه "الحرب على الارهاب العالمي" هو نفسه الارهاب، هو حرب إمبريالية مكشوفة هدفها استعباد الشعوب ونهب خيراتها وحماية ربيبتها اسرائيل. لم يعد هناك أحد في العالم يتمتع بقليل من الموضوعية والنزاهة يصدق الكلام حول نشر الديموقراطية والسعي وراء السلام ومساعدة الشعوب الفقيرة وغيرها من الخدع.
من أجل إحكام سيطرتها على العراق قامت أمريكا بتدمير هذا البلد العربي ذي التاريخ والحضارة العريقتين وإحتلاله. ولم تكتف بذلك، بل قامت بتأجيج الصراعات العرقية والطائفية لتمزيق الشعب العراقي من الداخل وأستفردت ببعض العملاء وقلدتهم مناصب حكم وهمية. الا أن المقاومة العراقية الباسلة تلقن هؤلاء المحتلين وعملائهم دروسا لا يمكن نسيانها كل يوم وتزجرهم في منطقة ضيقة من بغداد حيث يعيشون في رعب دائم. لم تعد مسألة دحر هؤلاء المحتلين وترحيلهم عن العراق سوى مسألة وقت ليس إلا.
الامر نفسه يحاولون صنعه في لبنان حيث يعملون كل ما يستطيعونه لتفجير فتنة طائفية ويصورون الصراع وكأنه بين طائفة شيعية مدعومة من سوريا وأيران وبين طائفة سنية مهددة بالقتل. وتقوم بعض الانظمة العربية الرجعية وابواق دعايتها بالترويج لهذه الفرية الامريكية. غير أن الجميع يعرف أن الصراع في لبنان سياسي. في لبنان وكما في فلسطين الصراع بين تيارين متناقضين: تيار المقاومة الرافض للهيمنة الامريكية – الاسرائلية على المنطقة وتيار الخضوع لهذه الهيمنة.
قبل حوالي السنة حاولوا أن يلعبوا اللعبة نفسها في قطاع غزة. ولكن بما أن الشعب الفلسطيني ينتمي للطائفة السنية من حيث الاساس والكلام عن صراع شيعي سني غير وارد في هذه الحالة فقد استعاضوا عنها بالكلام عن الصراع بين حركات اسلامية ظلامية متطرفة مدعومة من ايران مقابل معتدلين علمانيين ومتنورين يجنحون الى السلام.
الاكاذيب وتزييف الحقائق لا تغير من الواقع شيئا. هذا الواقع الذي يؤكد أن المحور الامريكي – الاسرائيلي يتلقى الهزائم المتتالية، أمريكا تفقد مواقعها في العراق اسرائيل ما زالت تلعق هزيمتها في لبنان وفشلها في غزة. هذا الواقع يؤكد ايضا أن المقاومة تنتشر ويشتد عودها في كل مكان وتحظى بإلتفاف جماهيري حولها.
الشعوب تتوق للحرية والاستقلال ولن توقفها جيوش الاحتلال والاستعمار مهما كانت مدججة بالسلاح.

Friday, May 09, 2008

الفرسان الثلاثة والسباق نحو الهاوية



من منا لم يقرأ رواية الفرسان الثلاثة الشهيرة للكاتب الفرنسي الكبير الكسندر دوما الاب؟ أو لم ير أحد الافلام أو المسلسلات او افلام الصور المتحركة المأخوذة عن هذه القصة المملوءة بالمغامرات الشائقة البطولية والعاطفية والمكائد السياسية؟ من لم يتمتع بمغامرات دارتانيان وأراميس وبورتس؟
يبدو أن لكل عصر فرسانه. حيث لا يتغير الفرسان فحسب بل تتغير معهم ايضا أخلاقهم وقيمهم ومغامراتهم، فليس من الغريب أن تصبح الفضيلة رذيلة وتتحول المغامرة العاطفية الى دعارة وتصبح المواقف النبيلة مرتعا للأنذال يمارسون فيه مؤامراتهم على اهوائهم. ولكن ما العمل؟ نستمر في تسميتهم فرسانا وناتبع مغامراتهم، ولكن في هذه الايام على القنوات الفضائية وعلى الشبكة العنكبوتية.
فرسان هذا العصر الثلاثة الذين يلعبون الدور الرئيسي في منطقتنا هم من غير منازع: جورج بوش الابن، ايهود اولمرت ومحمود عباس.
الفارس الاول، جورج بوش ملأ العالم بمغمراته الشائقة، حيث تكاد يده الطويلة أن تصل الى كل زاوية في العالم . بحجة شن الحرب على الارهاب العالمي، جمع حوله بعض الفرسان المرتزقة الصغار وقام بإحتلال افغانستان عقابا للإرهابيين، ومن ثم إحتل ودمر لعراق، باحثا عن اسلحة الدمار الشامل ولكنه في الحقيقة باحثا عن الكنوز المدفونة في جوف هذا البلد العربي الاصيل. وفي الوقت نفسه يعبث في فلسطين ولبنان والصومال والسودان، وأصلا، اين لا؟ لو لم تكن مغامرات هذا الفارس مأساوية تكلف شعوب العالم ارواح الآلاف من أبنائها وتعيث دمارا وفسادا اينما حلت، لكانت مغامرات فكاهية ممتعة.
لا يوجد ضرورة هنا للتوسع في سرد مغامرات الفارس بوش الابن فهي معروفة للجميع. مغامرته الاخيرة سوف تكون زيارة منطقتنا قريبا ليشارك فارس آخر هو ايهود اولمرت افراحه في عيد استقلاله وربما ليشاركه ايضا اتراحه نتيجة مغامرته التي سنتكلم عنها بعد قليل. يكفي أن نذكر هنا أن مغامراته قد أزفت على الانتهاء. حيث سيغادر دوره في نهاية هذا العام ولا أظن أن أحدا سوف يشتاق اليه اللهم سوى زميلية في الفروسية. لقد ترك بوش الابن امريكا والعالم اسوأ مما كان عليه قبل مجيئه. فالحروبات التي شنها والنزاعات التي اثارها ما زالت مستشرية تحصد الضحايا في شتى انحاء العالم. بينما ترك الازمات الاقتصادية تعصف ببلاده وتهدد بانهيارها التام. حيث زاد المشردون الذين لا يملكون بيوتا تأويهم عددا وتفاقمت البطالة وتصاعدت الجريمة.

الفارس الظريف الثاني كما اسلفنا هو أيهود اولمرت، رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي يخوض حاليا مغامرته الاخيرة والتي كما يتفق جميع المراقبين سوف تجيب اجله. وكما يقول مثلنا الشعبي: لا تسلم الجرة كل مرة. لقد نجا اولمرت حتى الآن من ستة او سبعة مغامرات فسادية وكان كل مرة يتخلص منها مثل الشعرة من العجين. ولسان حاله يقول: هكذا يكون الفارس أو عمره لا يكون. بل ونجا ايضا من أول هزيمة عسكرية تتكبدها اسرائيل في تاريخها. حيث أنقذته لجنة فينوجراد من نهاية تعيسة لم يحلم بها حتى في أحلام يقظته. بصفته فارس لبق وذكي تعلم ايضا كيف ينجو من مغامراته، فوجد طريقة سهلا جدا، وهي طريق الرشوات. والرشوات لمن لا يعرف، طريق ذات إتجاهين. خذ وهات. فهو لم يتلق الرشوات فحسب بل أعطاها ايضا. حيث اعطى المقربين اليه وظائف هامة، حتى انه أختار أعضاء الكنيست في حزبه بنفسه واختار الوزراء. فعندما يساعدوه في التملص من مغامراته هذه فهم يردون له بعض الجميل.
المغامرة القديمة الجديدة الاخيرة لم تأت من فراغ فهناك العديد من الذين يقفون له بالمرصاد وهم الذين سربوا الاخبار في هذا الوقت بالذات بالرغم من قرار منع النشر حول حيثيات هذه القضية. ايهود اولمرت هو الآخر يسير بخطى حثيثة نحو الهاوية، المسالة مسألة وقت ليس أكثر، ووقت ليس بطويل على كل حال. مثله مثل الفارس الاول هو ايضا ترك البلاد والعالم أسوأ مما كانا عليه قبل مجيئة. الجرائم التي اقترفها في فترة حكمه سوف تبقى وصمة عار على جبينه مدى التاريخ. هل سيشتاق اليه أحد؟
الفارس الثالث، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ذو الشخصية التراجيكوميدية. فهو من المفروض أن يمثل شعبا مظلوما مشردا سلبت اراضية ودمرت بيوته، ولكنه في الوقت نفسه يتوق الى معاشرة الفارسيين الآخرين ويشاركهما مغامراتهما. مغامرات عباس هي أيضا لو لم تكن مأساوية تستنزف الشعب الفلسطيني لكانت على غاية من الطرافة. قبل مجيئه الى "السلطة" وتسمى كذلك مجاز،ا كان شعار الفلسطيني: قاوم قاوم، فقام بتحويله الى: فاوض فاوض. مما لا شك فيه أن المفاوضات في السياسة امر مشروع وفي بعض الاحيان لا بد منه. ولكن مثل هذه المفاوضات لم أصادف لا في كتب التاريخ ولا في كتب السياسة. يفاوض من أجل وقف الاستيطان فيزداد الاستيطان انتشارا، يفاوض على وضع القدس فتزداد القدس تهويدا، يفاوض على تهدئة على الاقل في الضفة الغربية حيث ما زالت سلطته قائمة فيرد الفارس الثاني الذي يفاوضه بإجتياح نابلس او رام الله او الخليل. الجميع يعرف أن هذه المفاوضات عقيمة وعبثية ولكن فارسنا يؤمن بضرورة الاستمرار في المفاوضات في كل الحالات وتحت كل الظروف. المهزلة الاخيرة تقول بأنه لن يقابل "مؤقتا" أي زعيم يأتي الى اسرائيل لمشاركتها إحتفالها بالاستقلال، وهو نفسه يلتقي بالفارس الثاني أولمرت يوما قبل هذه الاحتفالات. وطبعا سوف يستثني بوش الذي سيحل ضيفا عليهما قريبا.
نعم سيجتمع الفرسان الثلاثة قريبا وربما يكون هذا هو اللقاء الاخير، وعلى الارجح سوف يخرجون الى العالم بالتصريح التالي: سوف نتوصل الى إتفاقية سلام في نهاية السنة عندما تنتهي فترة حكمنا. ولكنهم سوف ينسوا أن يقولوا انهم يقصدون إتفاقية سلام فيما بينهم عندما يتدحرجون نحو الهاوية.
علي زبيدات - سخنين

Wednesday, May 07, 2008


الذكرى الستون لنكبة الشعب الفلسطيني
من كثرة الطباخين شاطت الطبخة

في هذه الايام أصبح الجميع من أنصار حق العودة. يتسابقون لإحياء الذكرى الستين لنكبة الشعب الفلسطيني. حتى أن بعض المسؤولين الذين صرحوا بالماضي عن استعدادهم للتخلي عن حق العودة وأنخرطوا في مفاوضات وتسويات تؤدي في نهاية المطاف الى التضحية بهذا الحق، نراهم اليوم يصححون من مسارهم ويسيرون مع التيار. حتى إختلط الحابل بالنابل ولم نعد نميز بين الغث والسمين، بين المخلص والمنافق.
مركز العودة، مركز بديل، مركز اللاجئين والشتات الفلسطيني (شمل)، تحالف حق العودة الى فلسطين، عائدون، الهيئة الفلسطينية لحماية حقووق اللاجئين، لقاء حق العودة ، اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة، اللجنة العربية الدولية لإحياء الذكرى ال60 لنكبة إحتلال فلسطين، لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين في اسرائيل، لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل، هذه هي فقط قائمة جزئية للتنظيمات واللجان الناشطة في هذه الايام لإحياء ذكرى النكبة والتي تدعو الى التمسك بحق العودة للاجئين والمهجرين الى ديارهم التي هجروا منها قسرا.

هل نحن أمام ظاهرة جديدة؟ هل بدأت أجراس العودة تقرع أخيرا؟ هل هذ صوت فيروز يصدح في وديان وسهول فلسطين؟ أم هل يا ترى ما نسمعه من بعيد هو صوت نزار قباني يقول ساخرا: عفوا فيروز أقاطعك ... أجراس العودة لن تقرع ... خازوق دق بأسفلنا من شرم الشيخ الى سعسع... الى آخر القصيدة.
هل كثرة اللجان وكثرة النشاطات والخطابات الملتهبة والشعارات الرنانة تشير الى قرب العودة؟ أم كما يقول شكسبير: ضجة كبيرة بدون طحن؟ Much ado about nothing؟
في الذكرى الستين، صرحت احدى اللجان بانها تقوم بخياطة أكبر علم فلسطيني لكي يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية. بينما أعلنت لجنة أخرى بانها سوف تبني في مخيم عايدة بوابة تحمل أكبر مفتاح في العالم ليدخل هو الآخر الى موسوعة غينيس. أحد المسؤولين في السلطة الفلسطينية التي تتبع سياسة " شيء قابل للتفاوض"، يدعو الى غزو إسرائيل برا وجوا وبحرا بجحافل اللاجئين لتنفيذ قرار الامم المتحدة 194 بطريقة سلمية وما علينا الا أن نسير رافعين أعلام الامم المتحدة حتى تفتح لنا لإسرائيل لنا الحدود وتقول: تفضلوا.
ونحن هنا في الداخل الفلسطيني مدعوين للمشاركة في مسيرة العودة الى بلدة صفورية المهجرة حيث تختتم المسيرة بمهرجان شعبي نستمع خلاله الى خطاب رئيس لجنة المتابعة ولجنة المهجرين وفقرات فنية ملتزمة ومن ثم يعود كل واحد الى بيته راضيا عن نفسه وعن يومه.
ولكن عفوا، ألم نكون في هذا الفلم من قبل؟ هل ما زال أحد منا يذكر الذكرى الخمسين للنكبة والتي اقيمت على اراضي بلدة صفورية المهجرة بالذات؟ الكلمات؟ الخطابات؟ الفقرات الفنية الملتزمة؟
نحن مهووسون بالارقام المدورة، الذكرى ال 50 والذكرى ال60 والذكرى ال100 الخ. ولكن ما هو التغيير النوعي، ما هو الجديد الذي يجلبه إحياء ذكرى النكبة ال60 عن الذكرى ال50 على الارض نفسها؟
عشرة سنوات، الا تستحق أن نعيد تقييم نشاطتنا وفعاليتنا وخطاباتنا وشعاراتنا؟ هل نحن اليوم أقرب الى العودة مما كنا عليه قبل عشرة سنوات؟ بماذا سيختلف خطاب رئيس لجنة المتابعة اليوم عن خطابة قبل عشرة سنوات في نفس المناسبة؟
يوم استقلالهم يوم نكبتنا، لا عودة عن حق العودة، لا بديل عن حق العودة، حسنا، حسنا، كفى، وماذا بعد؟ الا من محاولة مهما كانت بسيطة لترجمة هذه الشعارات الى عمل؟ الى ممارسة؟
اذا كانت جميع اللجان والتنظيمات الناشطة في هذا المجال، الفلسطينية منها والعربية، المحلية والقطرية مخلصة لما تقوله فلماذا لا تتحد حول عمل جبار واحد في هذه المناسبة؟. مثلا، اذا صحت المعلومات حول تنظيم مسيرة 100 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان تتجه نحو حدود فلسطين في 15 ايار، فلماذا لا نستقبلها بمسيرة 100 ألف فلسطيني من الداخل؟ لماذا لا نسمع عن أي تنسيق فيما بين هذه اللجان والتنظيمات؟ أم هل هذه ليست سوى فقاقيع صابون تستعمل لإستهلاك المحلي؟
لماذا لا نعيد تجربة سفينة العودة؟ لماذا لا نبدأ بدراسة سبل تحقيق حق العودة على أرض الواقع؟ بعض الاقتراحات التي صدرت عن أحد رجالات السلطة الفلسطينية، زياد ابو عين، حول تنفيذ قرار الامم المتحدة 194 جديرة بالمناقشة، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل طرحت هذه الاقتراحات من باب المزايدة ام من باب رفع العتب أم من باب العزف على وتر حساس من أجل رفع اسهم البعض؟
مبدئيا، تنفيذ حق العودة لن يتم الا بواسطة اللاجئين والمهجرين انفسهم. من خلال تحركهم الجماهيري الفعلي، من خلال تجاوزهم لمرحلة الشعارات والخطابات الى مرحلة الممارسة والعمل. لا يوجد هناك اي مؤسسة محلية كانت ام عالمية، تستطيع أن تقوم بهذا العمل بديلا عنهم وتقدم العودة على طبق من ذهب. مسيرة مئات الآلاف من اللاجئين نحو فلسطين ستكون محاولة جدية جديدة تلهب حماس الملايين على طريق تنفيذ حق العودة.
هنا في الداخل الفلسطيني، اقترحت منذ سنوات، أن تختتم مسيرة العودة ليس بمهرجان خطابي وبرنامج ترفيهي ( تسمى فقرات فنية ملتزمة) بل بعودة فعلية الى هذه القرية المهجرة من قبل اهلها والتفاف كافة الجماهير المشاركة حولهم من أجل حمايتهم والدفاع عن حقهم بالعودة الى ديارهم. ولكن حتى الآن يتجنب المسؤولون في لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين ولجنة المتابعة مناقشة مثل هذه الامكانية بشكل جدي.
لنجعل من الذكرى الستين للنكبة حافزا من أجل ايجاد مبادرات خلاقة لعودة اللاجئين والمهجرين.