Wednesday, May 07, 2008


الذكرى الستون لنكبة الشعب الفلسطيني
من كثرة الطباخين شاطت الطبخة

في هذه الايام أصبح الجميع من أنصار حق العودة. يتسابقون لإحياء الذكرى الستين لنكبة الشعب الفلسطيني. حتى أن بعض المسؤولين الذين صرحوا بالماضي عن استعدادهم للتخلي عن حق العودة وأنخرطوا في مفاوضات وتسويات تؤدي في نهاية المطاف الى التضحية بهذا الحق، نراهم اليوم يصححون من مسارهم ويسيرون مع التيار. حتى إختلط الحابل بالنابل ولم نعد نميز بين الغث والسمين، بين المخلص والمنافق.
مركز العودة، مركز بديل، مركز اللاجئين والشتات الفلسطيني (شمل)، تحالف حق العودة الى فلسطين، عائدون، الهيئة الفلسطينية لحماية حقووق اللاجئين، لقاء حق العودة ، اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة، اللجنة العربية الدولية لإحياء الذكرى ال60 لنكبة إحتلال فلسطين، لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين في اسرائيل، لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل، هذه هي فقط قائمة جزئية للتنظيمات واللجان الناشطة في هذه الايام لإحياء ذكرى النكبة والتي تدعو الى التمسك بحق العودة للاجئين والمهجرين الى ديارهم التي هجروا منها قسرا.

هل نحن أمام ظاهرة جديدة؟ هل بدأت أجراس العودة تقرع أخيرا؟ هل هذ صوت فيروز يصدح في وديان وسهول فلسطين؟ أم هل يا ترى ما نسمعه من بعيد هو صوت نزار قباني يقول ساخرا: عفوا فيروز أقاطعك ... أجراس العودة لن تقرع ... خازوق دق بأسفلنا من شرم الشيخ الى سعسع... الى آخر القصيدة.
هل كثرة اللجان وكثرة النشاطات والخطابات الملتهبة والشعارات الرنانة تشير الى قرب العودة؟ أم كما يقول شكسبير: ضجة كبيرة بدون طحن؟ Much ado about nothing؟
في الذكرى الستين، صرحت احدى اللجان بانها تقوم بخياطة أكبر علم فلسطيني لكي يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية. بينما أعلنت لجنة أخرى بانها سوف تبني في مخيم عايدة بوابة تحمل أكبر مفتاح في العالم ليدخل هو الآخر الى موسوعة غينيس. أحد المسؤولين في السلطة الفلسطينية التي تتبع سياسة " شيء قابل للتفاوض"، يدعو الى غزو إسرائيل برا وجوا وبحرا بجحافل اللاجئين لتنفيذ قرار الامم المتحدة 194 بطريقة سلمية وما علينا الا أن نسير رافعين أعلام الامم المتحدة حتى تفتح لنا لإسرائيل لنا الحدود وتقول: تفضلوا.
ونحن هنا في الداخل الفلسطيني مدعوين للمشاركة في مسيرة العودة الى بلدة صفورية المهجرة حيث تختتم المسيرة بمهرجان شعبي نستمع خلاله الى خطاب رئيس لجنة المتابعة ولجنة المهجرين وفقرات فنية ملتزمة ومن ثم يعود كل واحد الى بيته راضيا عن نفسه وعن يومه.
ولكن عفوا، ألم نكون في هذا الفلم من قبل؟ هل ما زال أحد منا يذكر الذكرى الخمسين للنكبة والتي اقيمت على اراضي بلدة صفورية المهجرة بالذات؟ الكلمات؟ الخطابات؟ الفقرات الفنية الملتزمة؟
نحن مهووسون بالارقام المدورة، الذكرى ال 50 والذكرى ال60 والذكرى ال100 الخ. ولكن ما هو التغيير النوعي، ما هو الجديد الذي يجلبه إحياء ذكرى النكبة ال60 عن الذكرى ال50 على الارض نفسها؟
عشرة سنوات، الا تستحق أن نعيد تقييم نشاطتنا وفعاليتنا وخطاباتنا وشعاراتنا؟ هل نحن اليوم أقرب الى العودة مما كنا عليه قبل عشرة سنوات؟ بماذا سيختلف خطاب رئيس لجنة المتابعة اليوم عن خطابة قبل عشرة سنوات في نفس المناسبة؟
يوم استقلالهم يوم نكبتنا، لا عودة عن حق العودة، لا بديل عن حق العودة، حسنا، حسنا، كفى، وماذا بعد؟ الا من محاولة مهما كانت بسيطة لترجمة هذه الشعارات الى عمل؟ الى ممارسة؟
اذا كانت جميع اللجان والتنظيمات الناشطة في هذا المجال، الفلسطينية منها والعربية، المحلية والقطرية مخلصة لما تقوله فلماذا لا تتحد حول عمل جبار واحد في هذه المناسبة؟. مثلا، اذا صحت المعلومات حول تنظيم مسيرة 100 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان تتجه نحو حدود فلسطين في 15 ايار، فلماذا لا نستقبلها بمسيرة 100 ألف فلسطيني من الداخل؟ لماذا لا نسمع عن أي تنسيق فيما بين هذه اللجان والتنظيمات؟ أم هل هذه ليست سوى فقاقيع صابون تستعمل لإستهلاك المحلي؟
لماذا لا نعيد تجربة سفينة العودة؟ لماذا لا نبدأ بدراسة سبل تحقيق حق العودة على أرض الواقع؟ بعض الاقتراحات التي صدرت عن أحد رجالات السلطة الفلسطينية، زياد ابو عين، حول تنفيذ قرار الامم المتحدة 194 جديرة بالمناقشة، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل طرحت هذه الاقتراحات من باب المزايدة ام من باب رفع العتب أم من باب العزف على وتر حساس من أجل رفع اسهم البعض؟
مبدئيا، تنفيذ حق العودة لن يتم الا بواسطة اللاجئين والمهجرين انفسهم. من خلال تحركهم الجماهيري الفعلي، من خلال تجاوزهم لمرحلة الشعارات والخطابات الى مرحلة الممارسة والعمل. لا يوجد هناك اي مؤسسة محلية كانت ام عالمية، تستطيع أن تقوم بهذا العمل بديلا عنهم وتقدم العودة على طبق من ذهب. مسيرة مئات الآلاف من اللاجئين نحو فلسطين ستكون محاولة جدية جديدة تلهب حماس الملايين على طريق تنفيذ حق العودة.
هنا في الداخل الفلسطيني، اقترحت منذ سنوات، أن تختتم مسيرة العودة ليس بمهرجان خطابي وبرنامج ترفيهي ( تسمى فقرات فنية ملتزمة) بل بعودة فعلية الى هذه القرية المهجرة من قبل اهلها والتفاف كافة الجماهير المشاركة حولهم من أجل حمايتهم والدفاع عن حقهم بالعودة الى ديارهم. ولكن حتى الآن يتجنب المسؤولون في لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين ولجنة المتابعة مناقشة مثل هذه الامكانية بشكل جدي.
لنجعل من الذكرى الستين للنكبة حافزا من أجل ايجاد مبادرات خلاقة لعودة اللاجئين والمهجرين.



No comments: