Friday, May 09, 2008

الفرسان الثلاثة والسباق نحو الهاوية



من منا لم يقرأ رواية الفرسان الثلاثة الشهيرة للكاتب الفرنسي الكبير الكسندر دوما الاب؟ أو لم ير أحد الافلام أو المسلسلات او افلام الصور المتحركة المأخوذة عن هذه القصة المملوءة بالمغامرات الشائقة البطولية والعاطفية والمكائد السياسية؟ من لم يتمتع بمغامرات دارتانيان وأراميس وبورتس؟
يبدو أن لكل عصر فرسانه. حيث لا يتغير الفرسان فحسب بل تتغير معهم ايضا أخلاقهم وقيمهم ومغامراتهم، فليس من الغريب أن تصبح الفضيلة رذيلة وتتحول المغامرة العاطفية الى دعارة وتصبح المواقف النبيلة مرتعا للأنذال يمارسون فيه مؤامراتهم على اهوائهم. ولكن ما العمل؟ نستمر في تسميتهم فرسانا وناتبع مغامراتهم، ولكن في هذه الايام على القنوات الفضائية وعلى الشبكة العنكبوتية.
فرسان هذا العصر الثلاثة الذين يلعبون الدور الرئيسي في منطقتنا هم من غير منازع: جورج بوش الابن، ايهود اولمرت ومحمود عباس.
الفارس الاول، جورج بوش ملأ العالم بمغمراته الشائقة، حيث تكاد يده الطويلة أن تصل الى كل زاوية في العالم . بحجة شن الحرب على الارهاب العالمي، جمع حوله بعض الفرسان المرتزقة الصغار وقام بإحتلال افغانستان عقابا للإرهابيين، ومن ثم إحتل ودمر لعراق، باحثا عن اسلحة الدمار الشامل ولكنه في الحقيقة باحثا عن الكنوز المدفونة في جوف هذا البلد العربي الاصيل. وفي الوقت نفسه يعبث في فلسطين ولبنان والصومال والسودان، وأصلا، اين لا؟ لو لم تكن مغامرات هذا الفارس مأساوية تكلف شعوب العالم ارواح الآلاف من أبنائها وتعيث دمارا وفسادا اينما حلت، لكانت مغامرات فكاهية ممتعة.
لا يوجد ضرورة هنا للتوسع في سرد مغامرات الفارس بوش الابن فهي معروفة للجميع. مغامرته الاخيرة سوف تكون زيارة منطقتنا قريبا ليشارك فارس آخر هو ايهود اولمرت افراحه في عيد استقلاله وربما ليشاركه ايضا اتراحه نتيجة مغامرته التي سنتكلم عنها بعد قليل. يكفي أن نذكر هنا أن مغامراته قد أزفت على الانتهاء. حيث سيغادر دوره في نهاية هذا العام ولا أظن أن أحدا سوف يشتاق اليه اللهم سوى زميلية في الفروسية. لقد ترك بوش الابن امريكا والعالم اسوأ مما كان عليه قبل مجيئه. فالحروبات التي شنها والنزاعات التي اثارها ما زالت مستشرية تحصد الضحايا في شتى انحاء العالم. بينما ترك الازمات الاقتصادية تعصف ببلاده وتهدد بانهيارها التام. حيث زاد المشردون الذين لا يملكون بيوتا تأويهم عددا وتفاقمت البطالة وتصاعدت الجريمة.

الفارس الظريف الثاني كما اسلفنا هو أيهود اولمرت، رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي يخوض حاليا مغامرته الاخيرة والتي كما يتفق جميع المراقبين سوف تجيب اجله. وكما يقول مثلنا الشعبي: لا تسلم الجرة كل مرة. لقد نجا اولمرت حتى الآن من ستة او سبعة مغامرات فسادية وكان كل مرة يتخلص منها مثل الشعرة من العجين. ولسان حاله يقول: هكذا يكون الفارس أو عمره لا يكون. بل ونجا ايضا من أول هزيمة عسكرية تتكبدها اسرائيل في تاريخها. حيث أنقذته لجنة فينوجراد من نهاية تعيسة لم يحلم بها حتى في أحلام يقظته. بصفته فارس لبق وذكي تعلم ايضا كيف ينجو من مغامراته، فوجد طريقة سهلا جدا، وهي طريق الرشوات. والرشوات لمن لا يعرف، طريق ذات إتجاهين. خذ وهات. فهو لم يتلق الرشوات فحسب بل أعطاها ايضا. حيث اعطى المقربين اليه وظائف هامة، حتى انه أختار أعضاء الكنيست في حزبه بنفسه واختار الوزراء. فعندما يساعدوه في التملص من مغامراته هذه فهم يردون له بعض الجميل.
المغامرة القديمة الجديدة الاخيرة لم تأت من فراغ فهناك العديد من الذين يقفون له بالمرصاد وهم الذين سربوا الاخبار في هذا الوقت بالذات بالرغم من قرار منع النشر حول حيثيات هذه القضية. ايهود اولمرت هو الآخر يسير بخطى حثيثة نحو الهاوية، المسالة مسألة وقت ليس أكثر، ووقت ليس بطويل على كل حال. مثله مثل الفارس الاول هو ايضا ترك البلاد والعالم أسوأ مما كانا عليه قبل مجيئة. الجرائم التي اقترفها في فترة حكمه سوف تبقى وصمة عار على جبينه مدى التاريخ. هل سيشتاق اليه أحد؟
الفارس الثالث، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ذو الشخصية التراجيكوميدية. فهو من المفروض أن يمثل شعبا مظلوما مشردا سلبت اراضية ودمرت بيوته، ولكنه في الوقت نفسه يتوق الى معاشرة الفارسيين الآخرين ويشاركهما مغامراتهما. مغامرات عباس هي أيضا لو لم تكن مأساوية تستنزف الشعب الفلسطيني لكانت على غاية من الطرافة. قبل مجيئه الى "السلطة" وتسمى كذلك مجاز،ا كان شعار الفلسطيني: قاوم قاوم، فقام بتحويله الى: فاوض فاوض. مما لا شك فيه أن المفاوضات في السياسة امر مشروع وفي بعض الاحيان لا بد منه. ولكن مثل هذه المفاوضات لم أصادف لا في كتب التاريخ ولا في كتب السياسة. يفاوض من أجل وقف الاستيطان فيزداد الاستيطان انتشارا، يفاوض على وضع القدس فتزداد القدس تهويدا، يفاوض على تهدئة على الاقل في الضفة الغربية حيث ما زالت سلطته قائمة فيرد الفارس الثاني الذي يفاوضه بإجتياح نابلس او رام الله او الخليل. الجميع يعرف أن هذه المفاوضات عقيمة وعبثية ولكن فارسنا يؤمن بضرورة الاستمرار في المفاوضات في كل الحالات وتحت كل الظروف. المهزلة الاخيرة تقول بأنه لن يقابل "مؤقتا" أي زعيم يأتي الى اسرائيل لمشاركتها إحتفالها بالاستقلال، وهو نفسه يلتقي بالفارس الثاني أولمرت يوما قبل هذه الاحتفالات. وطبعا سوف يستثني بوش الذي سيحل ضيفا عليهما قريبا.
نعم سيجتمع الفرسان الثلاثة قريبا وربما يكون هذا هو اللقاء الاخير، وعلى الارجح سوف يخرجون الى العالم بالتصريح التالي: سوف نتوصل الى إتفاقية سلام في نهاية السنة عندما تنتهي فترة حكمنا. ولكنهم سوف ينسوا أن يقولوا انهم يقصدون إتفاقية سلام فيما بينهم عندما يتدحرجون نحو الهاوية.
علي زبيدات - سخنين

No comments: