Thursday, February 25, 2016

لماذا تركتم محمد القيق وحيدا؟



لماذا تركتم محمد القيق وحيدا؟
علي زبيدات – سخنين
بعد ٩٢ يوما من الاضراب عن الطعام تم تنظيم تظاهرتين لانقاذ حياة المعتقل محمد القيق بعد أن تدهورت حالته الصحية بشكل خطير وللمطالبة باطلاق سراحه فورا من الاعتقال الاداري الظالم حسب كافة المعايير القانونية الدولية والانسانية. كانت التظاهرة الاولى بمبادرة لجنة الحريات المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية امام مستشفى العفولة، والتظاهرة الثانية في حيفا بمبادرة من حراك حيفا. في كلتا التظاهرتين تجمع بضع عشرات من المتظاهرين الذين هتقوا الشعارات المعهودة المتضامنة مع الاسير القيق والمطالبة باطلاق سراحه الفوري وشعارات تدين سياسة الحكومة الاسرائيلية العنصرية.
شاركت في التظاهرة الاولى على اعتبار، أو على أمل أن تكون التظاهرة المركزية، بادرت اليها ونظمتها لجنة منبثقة عن أعلى لجنة تمثل الجماهير العربية وتشمل كافة الاحزاب السياسية والمجالس المحلية والبلديات العربية ومعظم المؤسسات المدنية. وقد تفاجأت، مثلي مثل الكثيرين غيري ممن وقفت إلى جانبهم من غير سابق معرفة، من ضحالة الحضور ومن كون معظمهم ذو لون سياسي واحد يتبع الحركة التي ينتمي اليها رئيس لجنة الحريات. سألني احد الصحفيين الذي يقوم بتغطية التظاهرة والتقاط الصور لجريدته ولموقعه الالكتروني: ما رأيك في التظاهرة بعد ٩٢ يوما من الاضراب عن الطعام وبعد الاخبار عن التدهور الخطير في صحته الى درجة وصف حالته بالاحتضار؟ فأجبت باختصار وبكل مرارة: بالرغم من كل ما ذكرت يبدو أن صحة محمد القيق المدد عى سرير المستشفى ما زالت افضل من صحتنا نحن الواقفين هنا والقابعين في بيوتهم، ألسنا في حالة احتضار سياسية طال امدها؟
عادة، في مثل هذه المواقف تدور نقاشات جانبية هادئة احيانا ومحتدة احيانا اخرى. وقد لفت نظري تعليق احد المشاركين الذي كما يبدو ينتمي لاحد الاحزاب السياسية بما معناه: كفى جلدا للذات والمزاودة على الاخرين الذين يعملون، فقيادتنا تبذل كل جهدها وتعمل كل ما تستطيعه من اجل تحرير محمد القيق وتحرير باقي الاسرى. فأجبت: لنبدأ من النهاية، قد يكون كلامك صحيح بأن القيادة تبذل كل جهدها وتعمل كل ما تستطيعه، ولكن انظر حولك، اذا كان ما نراه هو نتيجة لبذل بعض الحهد وبعض ما تستطيعه "القيادة" فقد توافقني الرأي بأن هذه مصيبة ولكن اذا كان ذلك نتيجة لبذل كل الجهد وكل ما تستطيعه القيادة كما تقول فالمصيبة اكبر. واضفت منهيا النقاش من ناحيتي: ومن قال لك أن كلامي موجها "للقيادة" أصلا؟ فلو كانت المشكلة تكمن في القيادة لوحدهالهانت ولكن حسب رأيي المشكلة اعمق من ذلك بكثير فهي تمس الجماهير التي افرزت مثل هذه القيادة.
انا شخصيا، لم أر في هذه لتظاهرة أي رئيس سلطة محلية عربية واحد. واذا صدف وكان هناك احدهم لم اشاهده فله كل الاحترام. والله يعطيه العافية. بعض الاحزاب السياسية التي تعد من اركان القائمة المشتركة وتدعي تزعم التيار الوطني كانت ممثلة بشخص او شخصين. تصوروا أن مدينة كسخنين تعد ٣٠ ألف مواطن شارك منها اقل من اصابع اليد الواحدة. وكم شخص قدم من مدينة الناصرة التي تعتبر وبحق عاصمة جماهيرنا والتي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن العفولة؟ وأصلا لماذا هذه الدعوة الخجولة للتظاهرة من قبل لجنة الحريات؟ وهل وصلت إلى معظم جماهير شعبنا أم انها كانت مصممة مسبقا لتصل إلى لون معين من الناس؟
لا ادري ماذا ستكون نهاية محمد القيق بعد ٩٢ يوما من الاضراب عن الطعام في ظل التعنت الاسرائيلي والعجز الفلسطيني والتخاذل العربي والتواطؤ العالمي. ولا استطيع انا او اي احد غيري أن يدعي بأنه يشعر بما يشعر به محمد القيق. هو وحده من يشعر بنوبات الالم، بالتشنجات، بتعطل اعضائه الداخلية الواحد تلو الآخر، ولكن في جميع الحالات، حتى وان تم انقاذ حياته في اللحظة الاخيرة واطلاق سراحه، لن تكون هناك نهاية سعيدة على طريقة افلام هوليوود بل نهاية مأساوية تليق بشعب منكوب. متشائم؟ واقعي؟ لا يهم، ولكن هذه المأساة مهما كانت نهايتهاستكون نبراسا يضيء الطريق دامس الظلام نحو الحرية.

Thursday, February 18, 2016

أجنحتنا المتكسرة



أجنحتنا المتكسرة
علي زبيدات – سخنين
مع الاعتذار والشكر لجبران حليل جبران لاستعارة العنوان.
الطيور ذات الاجنحة المتكسرة لا يستطيع التحليق في كبد السماء، هذه حقيقة. ولكنها قد تحاول ذلك وقد تنجح في الارتفاع قليلا عن سطح الارض قتطير مسافة قصيرة ولكنها تعود وتسقط على الارض. لا يمكن أن نلوم مثل هذا الطيور على عجزهاعن الطيران باجنحتها المكسور. اذا اردنا لها أن يعود إلى طبيعتها فلا بد اولا من تجبير الكسور. القاعدة التى لا يمكن أن ينكر صحتها احد تقول: لا يمكن للطيور أن تطير بأجنحة مكسورة.
المجتمع، كل مجتمع، كسرب من الطيور هو الآخر لا يستطيع أن يطير اذا كانت اجنحته متكسرة. اجنحتنا متكسرة، هذه حقيقة ولا نملك خيارا الا أن نعترف بها. ومن ثم علينا أن نعمل على تجبير هذا الكسور اذا اردنا التحليق في فضائنا. اجنحة المجتمع كثيرة ومتعددة وكل جناح له وظيفته ومهمته. دعوني اقتصر هنا على جناحنا السياسي، هل يبقي هناك من يشك في أن جناحنا هذا مكسور؟ وربما كان مهشما؟ لننظر إلى بعض الاحداث التي وقعت في السنتين الاخيرتين ولنبدأ بجريمة خطف وحرق الفتى محمد ابو خضير من قبل مجموعة من قطعان المستوطنين الفاشيين. هذه الجريمة التي هزت ضمير ومشاعر العالم بأسره حاولنا الرد علبها بمظاهرة هنا ووقفة احتجاج هناك وبالكثير من الاستنكار والادانات الشفوية. وما كان اشبهنا بطير مكسور الجناح. والنتيجة كانت اننا لم نستطع التحليق إلى مستوى الحدث. بعد ذلك بفترة وجيزة شنت دولة اسرائيل حربا شرسة على اهلنا في قطاع غزة حيث قتلت خلال ٥٣ يوما أكثر من ألفي شخص ربعهم من الاطفال، هذا بالاضافة إلى آلاف الجرحى وآلاف البيوت المدمرة. فجاء ردنا الخجول والمتواضع بعد مرور حوالي نصف فترة الحرب ومرة اخرى على شكل مظاهرة هنا ووقفة احتجاجية هناك وكميات هائلة من الادانات والاستنكارات اللفظية. حتى عندما استطعناأخيرا تنظيم مظاهرة قطرية ضمت بضعة آلاف كان من الواضح انها ابعد ما تكون من الارتقاء إلى مستوى الجريمة التي اقترقتها الدولة. وما كان اشبهنا بذلك الطير مكسور الجناح العاحز عن التحليق.
التجربة نفسها تكررت عدة مرات اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: اضراب الشيخ خضر عدنان عن الطعام للمرة الثانية خلال عامين لمدة ٥٦ يوما واضراب محمد علان ٦٥ يوما، حرق عائلة الدوابشة من قبل المستوطنين التي راح ضحيتها الطفل علي ابن السنة والنصف والاب سعد والام ريهام ولم ينج سوى الطفل أحمد ابن الاربع سنوات، واليوم الاضراب الاسطوري عن الطعام الذي يخوضه الصحفي المناضل محمد القيق. اذا كان جل ما نستطيع تقديمه هو مظاهرة متواضعة هنا أو وقفة احتجاجية هناك أو زيارة لمستشفى أو ادانات لفظية مهما كانت شديدة اللهجة ونعلم مسبقا أن كل هذه الامور لا ترتقي إلى مستوى الحدث، فمتى نعترف بأن سبب هذا كله هو جناحنا المكسور؟
لست مجبرا ولا ادعي الحرافة في علم التجبير ولكني بصفتي جزء من هذا الجناح اشعر بالكسر واشعر بعجزي عن التحليق. قد يقول البعض، واضم صوتي إلى صوتهم، بأن الطائر الذي لا يستطيع الطيران بسبب كسر في جناحه قد يجد أطباء مختصين يقومون بمعالجته ورعايته حتى تلتئم العظام المكسورة ويعود الجناح المكسور الى طبيعته ويمارس وظيفته السابقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: الا يوجد هناك اطباء مختصين لمعالجة كسور جناح المجتمع هذا؟ لقد جرت العادة أن نمنح هذه المهمة للقيادة السياسية من احزاب وحركات ومؤسسات مدنية ومثقفين وشخصيات اعتبارية اخرى. وربما لا يوجد هناك بديل عن هؤلاء. كل ما في الامر، وعلى غرار حقنا في أن نطالب ونطلب من الاطباء المختصين بتجبير الاجنحة المكسورة للطيور بأن يكونوا ملمين في هذا العلم والا يكونوا من المشعوذين أو الادعياء، واذا وجد في صفوفهم مثل هؤلاء فعليهم تنقية هذه الصفوف، كذلك من حقنا أن نطالب ونطلب ممن يدعون التخصص في تجبير اجنحة المجتمع المتكسرة أن يكونوا على درجة من المعرفة والعلم والا تكون ساحتهم سائبة يسرح ويمرح بها كل مدع ودجال.
الحرب الاخيرة على غزة لن تكون الحرب الاخيرة، وجرائم جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين ضد شعبنا في الضفة لن تتوقف وسياسة التمييز وهدم البيوت في مدننا وقرانا المحتلة عام ١٩٤٨ ستبقى في تصاعد، والصحفي محمد القيق الذي يواجه بأمعائه الخاوية أعتى قوة عسكرية في المنظقة لن يكون الاسير الفلسطيني الاخير. من أجل مواجهة كل هذه الامور وغيرها مجتمعنا بحاجة الى اجنحة قوية متينة تمكنه من الارتقاء والتحليق في سماء وطن حر.