Wednesday, March 23, 2016

يوم الارض بين الذكرى والنسيان



يوم الارض بين الذكرى والنسيان
علي زبيدات – سخنين
ها نحن نقف على عتبة الذكرى الاربعين ليوم الارض الذي طبعناه في ذاكرتنا الجماعية تحت اسم "يوم الارض الخالد". بعد اربعين عاما أليس من حقنا أن نسأل: هل ما زالت صفة الخلود هذه ملازمة ليوم الارض؟ ألم تخوننا ذاكرتنا أو على الاقل قد وهنت وتسرب اليها بعض النسيان؟ ماذا نذكر أو نتذكر بالضبط؟ وماذا نسينا أو تناسينا؟ وهل ما زال هناك اوجه شبه بين يوم الارض الاول وبين يوم الارض الاربعين؟.
لست هنا بصدد سرد تاريخ يوم الارض واهميته بالنسبة لشعبنا ليس في المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ فحسب بل بالنسبة للشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده ايضا. لكل واحد روايته الخاصة واحيائه لهذه الذكرى تعتمد من حيث الاساس على هذه الرواية. خلال اربعين عاما، كتب كم هائل من الروايات المتناقضة احيانا المختلفة دوما. ما تحمله هذه السطور وما تتحمله ليس اكثر من شعوري الخاص تجاه يوم الارض بما يحتويه من ذكرى ونسيان، قد يلاقي قبولا واستحسانا من البعض وقد يلاقي نفورا ورفضا من البعض الاخر.
مساهمتي في يوم الارض الاول كانت متواضعة جدا لا تؤهلني للادعاء بانني من صناع هذا اليوم. فقد كنت في ذلك الوقت اقبع للسنة الثانية في سجن الرملة المركزي مع الرعيل الاول من الاسرى السياسيين. لقد حجبت عنا الكثير من المعلومات و فاتتنا تفاصيل عديدة. في ذلك الوقت، كان المصدر الوحيد لمعلوماتنا عما يجرى في العالم الخارجي الاذاعة والتلفزيون الاسرائيلي وحتى هذا المصدر لم يكن متوفرا الا لفترات قصيرة ومتقطعة من الوقت. في يوم الارض الاول، بينما كانت جماهيرنا تخوض الاضراب العام، تواجه القوات الاسرائيلية وتقدم الشهداء والجرحى، اكتفينا نحن بالاعتصام في الزنازين، رفضنا الخروج للفسحة اليومية إلى ساحة السجن المغلقة وتنازلنا عن تناول وجبات الطعام. فقط بعد اسبوعين، وخلال زيارة الاهل لنصف ساعة، اخبرتني والدتي باستشهاد ابنة خالي (خديجة شواهنة) وجرح ابن عمي واعتقال اخي.
في السنوات التالية كنا نحيي يوم الارض بالاعتصام والاضراب عن الطعام وعقد ندوات سياسية مصغرة داخل الغرف اذ كان متعذرا على كافة الاسرى الاجتماع في قاعة واحدة، هذا ناهيك عن الخلافات بين الفصائل. وكنا نتابع احياء يوم الارض في الخارج بقدر ما تتيحه لنا وسائل الاعلام الاسرائيلية. كان شعوري العام بأن يوم الارض الاول شكل قمة استثنائية وأن مسيرة الهبوط قد بدأت.
تجربتي الحقيقية الاولى، بعد اطلاق سراحي، كانت في الذكرى السادسة ليوم الارض أي في عام ١٩٨٢. كانت الاجواء في البلد ما زالت مفعمة بالروح النضالية، كان الشباب يجولون الشوارع من ساعات المساء وحتى ساعات متأخرة من الليل، وكانت الشرطة تضع الحواجز على مدخل البلد اياما قبل يوم الارض وكثيرا ما كانت تقوم باعتقالات استباقية لعدد من الناشطين. بالمقابل كان هناك عدد من الاشخاص يجولون هم ايضا الشوارع ويحاولون بشتى الاساليب اقناع الشباب بالعودة الى بيوتهم بحجة الخوف عليهم من الاعتقال أو لمنعهم من استفزاز الشرطة ورجال المخابرات. في صباح يوم الارض كانت قوات الشرطة وحرس الحدود تغلق مداخل البلد. وقد بدا الانقسام واضحا بين معسكر الشباب الذين احتلوا الشارع الرئيسي ووقفوا في انتظار الاشتباك مع قوات الشرطة الذي ما لبث حتى وصل وبين المنظمين الرسميين الذين احتلوا فيما بعد المنصات ومكبرات الصوت مطلقين الشعارات الرنانة والخطابات النارية. كان يوما جيدا انتهى باعتقالي مع عشرات الشباب من سخنين ومن قرى اخرى.
في تلك الفترة وقفت على بعض التطورات التي حصلت خلال السنوات الست الماضية. وكان اهمها تراجع دور واهمية لجنة الدفاع عن الاراضي التي اتخذت قرار الاضراب الاول واحياء الذكرى في السنوات الاولى. وكانت هذه اللجنة تتمتع بقدر عال من الاحترام. السيناريو نفسه تقريبا تكرر في الذكرى السابعة حيث حصلت مواجهات عنيفة بين مجموعات من الشباب وقوات الشرطة. ولكن الانقسام بدا اوضح من قبل وكانت الامور تسير لصالح الذين ينادون بالركون إلى الهدوء والاكتفاء باحياء ذكرى يوم الارض بمسيرة هادئة ومهرجان خطابي. حسب رأيي يعود ذلك لسببين رئيسيين: الاول، تشكيل لجنة المتابعة المكونة من ممثلي الاحزاب السياسية ولجنة رؤساء السلطات المحلية والتي بدأت تحل مكان لجنة الدفاع عن الاراضي. والثاني، خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان وحالة التراجع السياسي الذي راافقها على كافة المستويات وطال جماهير الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده.
وهكذا، تم ترويض يوم الارض وشباب يوم الارض خلال اريعين عاما من التراكمات حتى اصبح يوم الارض في السنوات الاخيرة مجرد ذكرى بعيدة. المحاولة الوحيدة لضخ روح نضالية من جديد في يوم الارض كانت في الذكرى ال٢٤ في عام ٢٠٠٠ حيث قررت الحكومة نقل معسكر إلى مشارف سخنين وتحت الضغط الشعبي قررت لجنة المتابعة تنظيم يوم الارض امام المعسكر، فقامت مجموعة من الشباب بمهاجمة السياج وتدميره مما جر مواجهات عنيفة مع قوات الشرطة التي كانت تختبئ في الغابة المجاورة واسفرت هذه المواجهات عن سقوط الشهيدة شيخة ابو صالح لتكون الشهيدة السابعة ليوم الارض. غير أن االزعامة السياسية استطاعت في نهاية المطاف ان تحكم قبضتها وتجهض النضال ضد المعسكر وتقوم بمفاوضات مخزية مع السلطات تمخضت عن القبول يالمعسكر الذي ما زال جاثما على صدور البلد إلى يومنا هذا.
لم يعد لدينا الكثير من الاراضي لمصادرتها. اليوم نشهد حالة مستمرة لتغيير طبيعة الاراضي التي صودرت من خلال وضعها تحت نفوذ المجالس الاقليمية والبدء بتهويدها. الاراضي التي تحتاجها سخنين، عرابة، دير حنا والعديد من القرى الاخرى في المنطقة من اجل تطورها الطبيعي ومن اجل حل ازمة السكن المستعصية، موجودة تحت نفوذ (حراسة) المجلس الاقليمي مسغاف. وبدلا من مواجه هذا المجلس ومقاطعته تقوم سلطات هذه القرى وبعضها يسمى مجازا مدن بالحرص على التعاون وحسن الجوار معه.
سوف يتم، عما قريب، احياء الذكرى الاربعين ليوم الارض. وحسب قرارات لجنة المتابعة العليا سيكون هناك اضراب عام، ولكن رجاء لا تقارنوا هذا الاضراب باضراب يوم الارض الاول. وسوف تكون هناك مسيرات يشارك بها الالاف من المثلث وحتى النقب. ولكن الرجاء المحفاظة على الهدوء والاستماع إلى خطابات زعامتكم الحكيمة.
لا تقلقوا، سوف نستمر بالمطالبة بتوسيع مناطق النفوذ، وسوف نحتج على هدم البيوت وهدم القرى في النقب، وسوف ندين ونستنكر العنصرية وسياسة التمييز، فالذكرى الواحد واربعين ليوم الارض ليست بعيدة.

Thursday, March 10, 2016

هذه التحالفات الغريبة مع الارهاب أم ضده؟



هذه التحالفات الغريبة مع الارهاب أم ضده؟
علي زبيدات – سخنين
عندما كانت الحياة بسيطة نوعا ما كان هناك الكثير من الصحة في المثل القائل:"قل لي من تصاحب اخبرك من أنت"، ليس على صعيد الافراد فحسب بل على صعيد الاحزاب والحركات السياسية والدول ايضا. في ذلك الوقت كان الوعظ، الديني وغير الديني، حول ضرورة مصاحبة الاخيار والابتعاد عن مخالطة الاشرار كان رائجا ولكن في الوقت نفسه كان لا يخلو من فائدة ومصداقية ايضا. اما اليوم في ظل هذا الكم الهائل من التحالفات الغريبة العجيبة حيث اختلط الحابل بالنابل والاخيار بالاشرار اصبح من العسير، ان لم يكن من المستحيل أن يميز الشخص بين يمينه وشماله.
لا تستطيع مقالة صحفية الالمام بكافة التحالفات الدولية، الاقليمية والمحلية التي ابتلينا بها في هذه المنطقة من العالم، في ظل التناقضات والتحولات السريعة التي تتعرض لها هذه التحالفات. لذلك لن اتطرق هنا بالتفصيل للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية لمحاربة الارهاب العالمي على حد زعمها ، ذلك الارهاب الذي صنعته بيديها خلال سنوات طويلة وتحاربه الان بوسائل ارهابية تفوق كل ارهاب. ولن اتطرق بالتفصيل للتحالف الموازي والمقابل الذي تقوده روسيا والتي تيحارب هي الاخرى على طريقتها الخاصة الارهاب العالمي بارهاب مضاد يليق بدولة عظمى تعود بقوة للمنافسة على مواقع الصدارة في كافة المجالات. كما لن اتناول هنا التحالف الذي لا يقل غرابة عن التحالفين السابقين وهو التحالف العربي – الاسلامي الذي تقوده المملكة السعودية ضد الارهاب. أي ارهاب؟؟ يا له من سؤال. وهناك تحالفات اقليمية ومحلية اخرى لا تعد ولا تحصى تسرح وتمرح في ربوع المنطقة منها ما تقوده دول مثل تركيا وايران ومنها ما تقوده حركات سياسية ( سياسية مجازا لانهافي الحقيقة اقرب لان تكون اجرامية مافياوية). طبعا غني عن القول ان جميع هذه التحالفات تتقاطع فيما بينها، تحركها ديناميكية داخلية نشطة جدا مليئة بالتناقضات فنرى اطرافها تنقل من تحالف لآخر فالتحالفات بطبيعتها نسبية، مشروطة ومؤقتة وبالتالي لا يمكن تناولها بنجاعة منعزلة عن بعضها البعض.
في هذه العجالة اود أن اتوقف عند تحالف غريب آخر له تأثير مباشر على القضية الفلسطينية جرى تناوله مؤخرا وباسهاب من قبل وسائل الاعلام الاسرائيلية والذي سمته: التحالف الاسرائيلي – المصري – الاردني – الفلسطيني (سلطة اوسلو).نما هذا التحالف وترعرع كغيره تحت شعار مكافحة الارهاب. الارهاب، حسب هذا التحالف، بالنسبة لاسرائيل يعني من حيث الاساس حماس، وبالنسبة للنظام المصري يعني الاخوان المسلمين وبالنسبة للاردن يعني داعش والاسلام السياسي بشكل عام. اما بالنسبة لسلطة اوسلو فالارهاب لا يعني، كما قد يظن البعض، الاحتلال الاسرائيلي وممارساته خلال سنواته الطويلة بل ما تسميه انقلاب حماس وسيطرتها على قطاع غزة.
مياه كثيرة جرت في وادي النيل منذ أن كانت مصر زعيمة العالم العربي والحارس الامين وصمام الامان للقضية الفلسطينية وحتى اصبحت دولة تابعة تقدم خدماتها مقابل ثمن بخس وفي كثير من الاحيان مجانا لحماية اصالح امريكيا واسرائيل. بالرغم من السنوات الطويلة التي مرت على اتفاقيات كامب ديفيد التي سميت زورا وبهتانا باتفاقيات سلام الا ان هذه الاتفاقيات بقيت مرفوضة شعبيا وما زالت إلى يومنا هذا مرفوضة شعبيا إلى درجة كبيرة. اليوم وصل تغول الطغمة العسكرية الحاكمة إلى درجة عدم الاكقراث بمشاعر الشعب المصري اتجاه القضية الفلسطينية. بحجة محاربة الارهاب في سيناء يشارك النظام المصري الكيان الصهيوني في خنق قطاع غزة واحكام الحصار عليه وبحجة ان حماس تدعم وتدرب وتسلح ليس فقط المجموعات الارهابية في سيناء بل ايضا حركة الاخوان المسلمين في كافة ارجاء مصر.
عندما كانت الصواريخ الاسرائيلية تتساقط على رؤوس المواطنين في غزة ودباباتها تجتاح القطاع، كانت زمرة اوسلو تحرض اسرائيل لمواصلة عدوانها وتوسيعه حتى تتم الاطاحة بسلطة حماس لكي تضمن عودتها على ظهور الدبابات الاسرائيلية. هذا السيناريو قد تحطم على صخرة مقاومة اهلنا في غزة . غير ان المؤامرات لم تنته. وما زالت سلطة اوسلو تراهن على هذا التحالف ليس فقط لعودتها الى غزة بل لضمان وجودها نفسه ايضا. دور الاردن في هذا التحالف يحدده ضمان استمرارية النظام الملكي الهاشمي. وهذا الضمان بين يدي امريكا واسرائيل اللتان تسهران على استقرار الاردن ما دام الهدوء يسود حدودها الطويلة مع الكيان الصهيوني.
اذن، هذا التحالف الغريب والمتناقض للوهلة الاولى ليس غريبا وتناقضاته تولد انسجاما بين كافة الاطراف. غياب الافق الثوري التحرري في كل من فلسطين ومصر والاردن هو الذي يجعل من هذا التحالف الاكثر خطورة على القضية الفلسطينية ويهدد بتصفيتها نهائيا. مقاومة هذا التحالف حتى دحرة تماما هو شرط مسبق لتحرر واستقلال المنطقة باسرها.

Thursday, March 03, 2016

سباق التسلح وصناعة الموت

 
سباق التسلح وصناعة الموت
علي زبيدات – سخنين
مر أكثر من ربع قرن على نهاية الحرب الباردة. ومن ظن أن نهاية هذه الحرب سوف تقلصمن سباق التسلح على المستوى العالمي فقد خاب ظنه. العكس هو الصحيح، لم يكن مصير الكرة الارضية في خطر كما هو في هذه الايام. النظام الرأسمالي الذي انتج الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية والتي اودت بحياة عشرات الملايين من البش،ر ينتج اليوم حربا عالمية ثالثة من نوع جديد: حرب استنزاف طويلة الامد للبشرية. فمن لا يموت بسبب الحروب المباشرة يموت من المجاعات والامراض. ما زالت الولايات المتحدة الامريكية تتبوأ الصدارة في صناعة الموت وفي تصديره. فهي اكبر منتج واكبر مصدر للاسلحة التي تحصد ارواح الناس في كل بقعة مهما كانت نائية في عالمنا هذا. فهي تسيطر لوحدها على ثلث قطاع الاسلحة في العالم. قد يقول البعض: ولكن تقدم الولايات المتحدة الامريكية المعونات "الانسانية" للدول الفقيرة. ومن غير الخوض في تفاصيل هذه الفرية التي يتم ترويجه،ا وحسب احد تقارير امنستي انترنشنال فإن تصدير اسلحة الموت والدمار الامريكية تفوق مساعداتها "الانسانية" ب١٥ مرة. روسيا لا تتخلف كثيرا وراء امريكا وتخوض معها سباق تسلح رهيب وتصارعها على انتزاع كل شبر من السوق العالمية واغراقه بالاسلحة.
بعد هذين العملاقين تأتي كل من فرنسا وبريطانيا والمانيا أما المكان السادس عالميا في هذه القائمة غير المشرفة فإنه من نصيب دولة اسرائيل "الصغيرة" كاكبر دولة تصنع الموت وتصدره لكل من يريد. السلاح الاسرائيلي فريد من نوعه ويلاقي رواجا منقطع النظير، فهو السلاح الوحيد الذي يتم تجربته على ارض الواقع قبل بيعه. فها هي تستعمل قطاع غزة، في السنوات العشرة الاخيرة على الاقل، كحقل تجارب لكل سلاح جديد قبل ان يتم عرضه للبيع في معارض الاسلحة المنتشرة في العالم. مثلا، ليس من باب الصدفة أن تصبح اسرائيل الدولة الاولى في صناعة الطيارات بدون طيار وتصدرها إلى الدول العظمى كامريكا وروسيا نفسها، فبعد ان جربتها في الاغتيالات والمهام العسكرية الاخرى في غزة تقوم اليوم روسيا وامريكا باستعمالها في سماء سوريا. المنافسة بين ارباب صناعة الموت لا تنفي التعاون والتنسيق فيما بينها، بالعكس في كثير من الاحيان لا بد من التنسيق والتعاون فيما بينها: تبادل الخبرات، قطع الغيار والصيانة، تبادل مواد الخام وغير ذلك. التنافس يأتي عندما يصبح المنتوج جاهزا ويتم البحث عن الاسواق لبيعه. حتى الان تصنع الاسلحة في الدول الصناعية المتطورة وتستعمل في الدول النامية. ولكن بعد اغراق اسواق الدول النامية بالاسلحة وتزيد عن الحاجة اليها، سوف ينتقل الصراع مباشرة الى الدول الصناعية المتطورة وسوف تعود اسلحتها اليها وعندها لا يعرف احد ماذا سيكون مصير العالم. ولكن ليس سرا أن هذه الدول تملك من الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل لتدمير الكرة الارضية برمتها مئات المرات.
صناعة الموت هذه التي تقودها الدول الستة المذكورة وربما يمكن اضافة بعض الدول الاخرى مثل ايطاليا، الصين، كندا، والسويد تصل الينا نحن شعوب الدول النامية تحت شعارات الحفاظ على السلم العالمي، الامن الاجتماعي، مؤتمرات نزع السلاح، اتفاقيات منع انتشار الاسلحة النووية ومجموعة كاملة من الشعارات حول الرقابة الدولية والحفاظ على حقوق الانسان. كل هذه الشعارات اصبحت مفضوحة امام الجميع. فإذا اخذنا دولة اسرائيل على سبيل المثال لا الحصر نرى اسلحتها مستعملة في كل مكان ترتكب فيه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وانتهاك لحقوق الانسان، تبدأ في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وتنتشر الى اذريبجان وجنوب السودان ونيجيريا ورواندا ودول جنوب شرق اسيا وامريكا اللاتينية. بالاضافة الى تصدير الاسلحة الفتاكة تقوم اسرائيل بتصدير الخبراء والمستشارين للتدريب على استعمال هذه الاسلحة. هناك حوالي ألف شركة اسرائيلية تعمل في هذا المجال "الامني": التصدير والتدريب.
بالطبع، سباق التسلح لم يقفز عن الدول العربية، ولكن هنا تصبح القصة مأساوية. المملكة السعودية مثلا تنفق معظم ايراداتها من النفط على التسلح. وفي السنوات الاخيرة انفقت ٦٠ مليارد دولار لشراء الاسلحة وتها هي تستعمله في قمع شعبها وقتل ابناء الشعب اليمني والسوري اما مباشرة واما عن طريق عصابات اجرامية تقوم بتمويلها وتسليحها. دول الخليج الاخرى وخصوصا دولة الامارات وقطر تحذو حذو السعودية. الجيش العربي السوري الذي من المفروض ان تكون مهمته حماية البلد وتحرير ارضه المحتلة تبين في نهاية المطاف أن مهمته هي حماية النظام ولو كان الثمن حرق البلد. الجيش المصري ترك مواجهة الكيان الصهيوني منذ سنوات طويلة ويتسلح الان لشن حربه ضد الشعب المصري بحجة مكافحة الارهاب. الجزائر والمغرب تخوضان معركة سباق التسلح ليس من اجل مواجهة التدخل الامبريالي او تحرير بعض المناطق التي ما زالت مستعمرة بل من أجل قمع شعبيهما من جهة ومن اجل التحضير لحرب طاحنة فيما بينهما من جهة اخرى والحال لا تختلف من حيث الجوهر في باقي الدول العربية.
واخيرا وليس آخرا، حيث القصة الاكثر مأساوية، فقد اصبح الفلسطيني اللاجئ والقابع تحت نير الاحتلال الصهيوني وسلاحه الحجر او السكين وفي احسن الحالات صواريخ من صنع بيتي ينعتها البعض بالصواريخ العبثية هو الارهابي بينما يصبح الجندي الاسرائيلي المدجج باحدث الاسلحة هو المحارب الذي يدافع عن نفسه.