Wednesday, December 31, 2008

غزة..صامدون هنا قرب هذا الدمار العظيم



على عكس أولئك الذين يتباكون على غزة ويذرفون عليهاالدموع (ومعظمها دموع تماسيح) بسبب الدمار الشامل الذي تتعرض له والمجازر الرهيبة التي يرتكبها الجلاوزة الاسرائيلين، ارى أن قطاع غزة هو أكثر مكان طبيعي في العالم العربي في هذه الايام. انه المكان الوحيد المضيء بالرغم من انعدام الاضواء في ربوعه. بينما تغط باقي الاماكن التي تنعم بالكهرباء وأضواء النيون في ظلام دامس.
هذا هو الوضع الطبيعي، في مكان محاصر من جميع الجهات، في مكان اصبحت لقمة الخبز فيه مبللة بالدماء وجرعة الدواء مفقودة، في مكان تداس به كرامة الانسان صباح مساء، هذا هو الوضع الطبيعي، المقاومة والتمرد والعنفوان. بينما وضعنا هو غير الطبيعي، حيث نرفل برفاهية قاذروت المجتمع الاستهلاكي وننظر الى الصور الآتية الينا من القطاع وكأننا نشاهد فلما سينمائيا صنع في هوليوود تحت إدارة مخرج صهيوني.
أهل غزة هم وحدهم الاحياء بالرغم من إن الموت يحصدهم رجالا ونساء واطفالا. وهم وحدهم من يستحقون الحياة لذلك يستفزون ملاك الموت. ونحن هم الاموات بالرغم من تشبثنا بقشور الحياة.
ما نحتاج اليه في هذه الايام هو أن نصنع المزيد من قطاعات غزة في كل مكان من العالم العربي، من المحيط الى الخليج. ما أحوجنا لأن نتذكر صرخة الثائر العالمي تشي جيفارا عندما دعى الى تفجير فيتنام ثانية وثالثة ورابعة من أجل الحاق الهزيمة بالامبريالية الامريكية لنيل الحرية والاستقلال.
ما نراه اليوم في غزة هو السلام الذي وعدونا به في مؤتمر انابوليس قبل سنة. هل تذكرون تصريحات بوش واولمرت وعباس التي بشرتنا بحلول السلام حتى نهاية العام؟ نعم هذا هو سلامهم. سلامهم حرب ودمار ومجازر. فليذهبوا الى الجحيم غير مأسوف عليهم هم وسلامهم المزعوم.
كما قال الشيخ حسن نصرالله في خطابه الاخير: هذه الحرب ليست حربا على حماس لكونها تنظيما اسلاميا أو ارهابيا، كما لم تكن الحرب الاخيرة في لينان حربا على حزب الله. ما يهم أمريكا واسرائيل أن تكون خاضعا لهيمنتهما وتقبل ما يمليانه عليك وآمن بما تشاء.
الحرب في غزة اليوم لا تهدف فقط الى تصفية المقاومة بل الى تصفية القضية الفلسطينية تصفية كاملة وفرض الحل الاسرائيلي- الامريكي على الشعب الفلسطيني. المقاومة الفلسطينية ومركزها في غزة هي حجر العثرة الأخير المتبقي أمام فرض مثل هذه التسوية. سقوط غزة يعني إنتهاء الحرب التي تفجرت عام النكبة بإنتصار الصهيونية النهائي.
الحرب على غزة اسقطت آخر قناع عن وجوه كافة الاطراف. أسقطت آخر قناع عن الدولة "الديموقراطية" الوحيدة في المنطقة وبان وجهها الحقيقي بدون رتوش: دولة فاشية بإمتياز. هذه الحرب أسقطت نهائيا صفة "وطنية" عن سلطة اوسلو التي ظهرت بوجهها الخياني البشع بإمتياز هي أيضا حيث تفوقت على سلطة كرزاي والمالكي في افغانستان والعراق وقوات العميل لحد في الجنوب اللبناني قبل تحريره. وسقط القناع الاخيرعن جميع الانظمة العربية فلم يعد هناك أية فوارق بين انظمة جمهورية او ملكية، تقدمية أو رجعية، معسكر اعتدال أو معسكرممانعة. عورات الجميع إنكشفت على حقيقتها لمن يحب أن يشاهد . وسقط القناع عما يسمى بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية. هذا المجتمع الذي يراوح بين الصمت والتواطؤ والمشاركة بالجريمة. الفوارق شكلية لا جوهرية. الاتحاد الاوروبي يلعب لعبة قذرة ما زالت وصمة عار ورثها من ماضية الاستعماري. روسيا والصين وباقي الدول العظمى هي عظمى بالحجم ولكنها وضيعة فيما عدا ذلك. الامم المتحدة ومجلس الامن اصبحا مرتعا لللصوص وقطاع الطرق.
العالم بأسره يعرف بالضبط ماذا يحدث في غزة من جرائم. الصور لا تكذب ابدا. أكاذيب اسرائيل بحاجة الى صنف آخر من البشر لكي يصدقها. هل يوجدعاقل واحد يملك ذرة من الضمير الحي يصدق أن طائرات ال أف 16 والاباتشي والقنابل الذكية والصواريخ المتطورة هي دفاع عن النفس بينما صواريخ القسام البدائية هي رمز العدوان؟ هل يحق للفلسطينيين المحاصرين برا وبحرا وجوا الدفاع عن أنفسهم؟ أم أن هذا الحق حصرا على الاسرائيليين المغتصبين؟ ما هي القوانين وما هي الشرائع التي تحدد وتعرف الدفاع عن النفس؟
وأخيرا أوجه كلامي للجماهير الفلسطينية في الداخل وللاحزاب السياسية والحركات الفاعلة على الساحة. إن رد فعلنا على جرائم غزة مكلل بالخزي وبالعار وإن دل على شيء فإنه يدل على عقمنا وعجزنا. هل هذه المظاهرات الهزيلة ترتقي الى مستوى الاحداث؟ اليست من باب رفع العتب ؟ وتصريحات المسؤولين في الشجب والادانة اليست دفع ضريبة كلامية لا أكثر ولا أقل؟ اليس من المخجل الدعوة الى مظاهرة قطرية يأتي بعد اسبوع على بداية الجرائم؟ ولو لم تكن الانتخابات للكنيست الصهيوني على الابواب لما تحرك أحد؟.
إذا ارادت الاحزاب السياسية العربية المتكالبة على الانتخابات أن تنقذ ما تبقى من ماء وجهها ( ولا أقول من دماء) أن تعلن عن انسحابها الجماعي من هذه اللعبة وتنزع الشرعية عن الكنيست التي منحت ثقتها ودعمها لهذه الحكومة المتعطشة للدماء.
على الجمعيات المدنية واللجان الشعبية وأخص بالذكر لجنة اهالي شهداء الاقصى أن تكف منذ اليوم اتهام ايهود براك بالمسؤولية عن قتل 13 شهيدا، فهو المسؤول عن قتل 400 شهيد وهذا ليس العدد النهائي. على هذه الجمعيات واللجان أن تذكر 27 كانون الاول - ديسمبر كما تذكر الاول من تشرين الاول – أكتوبر وتجعل منهما مناسبة واحدة.

Wednesday, December 24, 2008

تهافت التهافت الى الكنيست



بعد العرض الرديء الذي قدمته لنا الاحزاب العربية (وغير العربية) في الانتخابات المحلية الاخيرة تعود الينا بمسلسل آخر عن الانتخابات للكنيست شاهدنا في الايام الاخيرة الحلقة الاولى منه التي تدور حول تعيين "إنتخاب" مرشحيها لهذه الانتخابات، والتي تسمى باللغة السياسية الدارجة "البرايمريز".
ليس من الضروري أن يكون الشخص محللا سياسيا أو خبيرا بشؤون الاحزاب لكي يستنتج أن هذه الاحزاب قد تفوقت على نفسها من حيث الاداء الرديء والمستوى الهابط في هذه الحلقة وعلى كافة المستويات.
كما ذكرت تقتصر هذه الحلقة التي أكتب عنها الآن على إختيار المرشحين "البرايمريز". وسوف تليها بلا شك حلقات أخرى مثيرة بالرغم من رداءتها المعروفة سلفا حول المفاوضات والتداولات بين الاحزاب التي سوف تتمخض عن تحالفات غريبة عجيبة حتى تتوصل الى قوائم نهائية للمرشحين. هذا ناهيك عن الدعاية الانتخاية. وسوف أتناول هذه الحلقات في وقتها.
من المفروض أن تكون البرايمريز وسيلة "ديموقراطية" يتنافس من خلالها المرشحون داخل كل حزب من أجل إختيار الافضل لقيادة هذا الحزب في الانتخابات. هل كانت هناك حقا منافسة شريفة ( أو حتى في بعض الاحيان منافسة غير شريفة؟) داخل هذه الاحزاب؟ لنلق نظرة سريعة وندع الحقائق تتكلم عن نفسها ولنستمع لبعض ما قاله المتنافسون انفسهم عن أحزابهم وذلك لتفادي أن اتهم باللاموضوعية والمواقف المغرضة ضد هذه الاحزاب.
قبل حوالي اسبوع عقدت الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة مؤتمرها القطري لإنتخاب مرشحيها للكنيست. كان النائب محمد بركة هو المرشح الوحيد للمكان الاول، واجهته مشكلة صغيرة فقط: بصفته عضو كنيست مخضرم ومن المفروض إخلاقيا أن يتنحى جانبا لكي يفسح المجال لمرشح آخر، ولكن بالطبع الاعتبارات الاخلاقية لا تلعب دورا في العمل السياسي، فكان عليه، حسب النظام الداخلي للجبهة، أن ينال موافقة ثلثي أعضاء المؤتمر الحاضرين. فما المشكلة؟ لا مشكلة على الاطلاق، فبعد أن صفى معارضيه في القمة خلال السنتين الاخيرتين فقد نال 98% من أصوات المؤتمرين. وهذه نسبة لا تعيب اي زعيم عربي يتزين بالديموقراطية. هكذا حسم المكان الاول بدون منافسة وبدون إنتخابات حقيقية. المرشح الثاني تاريخيا (لنقل في العقدين الاخيرين) يجب أن يكون مسيحيا وهذا المكان مفصل على مقاس حنا سويد. وكان من المتوقع أن يكون التنافس على هذا المكان شيقا لأن المرشح اليهودي (الثالث تاريخيا) متشجعا من نجاحه النسبي في الانتخابات المحلية لرئاسة بلدية تل ابيب قد أعلن عن نيته المنافسة على هذا المكان. ولكن ولإعتبارات نفعية مختلفة وضغوطات من أجل الحفاظ على التوازن، سحب ترشيحه في اللحظة الاخيرة. وهكذا حسم المكان الثاني ايضا بدون منافسة وبدون إنتخاب. المكان الثالث اصبح من نصيب دوف حنين، الممثل اليهودي، ايضا بدون منافسة وبدون انتخاب. وهكذا صمدت المعادلة المعروفة التي تقول: الاماكن الثلاثة الاولى للجبهة يجب أن تكون محصورة علة مرشح مسلم ثم مسيحي ثم يهودي بالترتيب، مرة أخرى. وبذلك إنحصرت المنافسة الحقيقية على المكان الرابع فقط حيث شهد هذا المكان إزدحاما غير مسبوق مؤلف من ثمانية مرشحين، تنازل إثنان منهما فيما بعد. وهنا دخل عنصر آخر معركة التنافس وهو التآمر وعقد الصفقات. وكانت عايدة توما مرشحة العنصر النسائي ضحية هذه المنافسة حيث خرجت من المولد بدون حمص تعض على أصبعها.
في الوقت نفسه عقد التجمع الوطني الديموقراطي مؤتمره والذي يحب أن يطلق على نفسه ممثل "التيار القومي". من حيث الجوهر لم يختلف هذا المؤتمر عن مؤتمر الجبهة. المكان الاول لم يشهد أية منافسة فقد كان محسوما مسبقا لصالح عضو الكنيست جمال زحالقة. كان من المتوقع أن يجري التنافس الحقيقي على المكان الثاني. ولكن قبل المؤتمر بعدة أيام اعلن النائب واصل طه عن قراره بعدم ترشيح نفسه لفترة جديدة وبالمقابل تم إختياره رئيسا للحزب. وحتى الآن لا أدري كيف يكون للحزب رئيسين، حيث لا يزال عزمي بشارة رئيسا للحزب من منفاه ولم اسمع عن تخليه عن هذا المنصب. هل يدري احدكم؟
علىأي حال، حل واصل طه بتنحيه عن المنافسة مشكلة ولكنه في الوقت نفسه خلق عدة مشاكل. هنا ايضا التوازن الطائفي على درجة عالية من الاهمية ولا يصح الاخلال به خصوصا وأن المكان الاول قد آل مرشح مسلم فإذا لم يكن المرشح الثاني مسيحيا فهذا يعني المخاطرة بفقدان الاصوات المسيحية وهكذا تم دفع انطون ليوس لينافس على المكان الثاني أمام النائب سعيد نفاع. يبدو انه ليس نحن فقط، الموجودين خارج التجمع، لم نسمع بهذا المرشح من قبل بل أغلبية أعضاء التجمع ايضا، وهكذا تم إنتخاب النائب سعيد نفاع. ولكن حالا بعد انتهاء المؤتمر تناولت وسائل الاعلام العربية انباء من داخل التجمع تتذمر من هذا الاختيار لأنه لن يجلب للتجمع أصوات جديدة. هذه الاصوات التجمعية كانت أجبن من أن تصرح علنا بما كان واضحا من الخبر ومفاده أن نفاع ينتمي للطائفة الدرزية التي تمنح معظم اصواتتها للأحزاب الصهيونية، بينما مرشح مسيحي يستطيع أن يحافظ على الاصوات المسيحية خصوصا وأن مؤسس الحزب ينتمي لهذه الطائفة. المكان الثالث كان مخصصا لإمرأة وفازت به حنين الزعبي من غير منافسة. ولو خاضت المنافسة كما يجب لما نالت اصوات تؤهلها للمكان العاشر كما كانت الحال عندما تركت خارج المكتب السياسي للتجمع.
المشهد التراجوكوميدي تكرر عند الاحزاب الاخرى: رئيس الحزب، وهو في معظم الاحيان يعتبر الحزب حانوتا خاصا به، يؤمن المكان الاول لنفسه ويتفنن في عقد الصفقات التي تضمن ترشيح المقربين.
الحركة الاسلامية الجنوبية على سبيل المثال: الشيخ عبدالله صرصور وضع المكان الاول فوق المنافسة وجرى العراك على المكان الثاني شبه المضمون في القائمة الموحدة. وعندما فاز مسعود غنايم بهذا المقعد خرج المرشح الآخر سليمان ابو أحمد وجماعته غاضبين وأعلن عن انسحابه من الحركة. وهكذا أثبتت الحركة الاسلامية مرة أخرى انها حزب يتكالب على متع الدنيا مثله مثل باقي الاحزاب الدنيوية.
وكيف لا يمكن أن نذكر الحزب الديموقراطي العربي، حيث أعلن مختار الحزب بأنه يتنازل عن رئاسة الحزب "مؤقتا" للنائب طلب الصانع الذي سوف يبقى المرشح الاول ولكن ليس قبل أن يؤمن مستقبل ابنه باسل دراوشه الذي أختير كمرشح ثاني، بشرط أن تعود رئاسة الحزب اليه في الفترة القادمة.
القائمة العربية للتغيير، وهي تدار كمزرعة خاصة للنائب احمد الطيبي وقريبه اسامة السعدي، وسوف يبقيان في المكان الاول والثاني الى ما شاء الله.
حزب الوسط العربي، الذي يضم النائب السابق عباس زكور والاسبق محمد حسن كنعان. كلاهما يبحث عن حضن دافئ يحتضنه حتى ولو لم يؤد هذا الاحتضان الى اروقة الكنيست، فهما على استعداد لقبول شريحة متواضعة من التمويل.
إن نسينا فإننا لا ننسى المرشحين العرب في الاحزاب الصهيونية. هذه المرة وضعهم أصعب. وأخير حزب العمل سوف يكون نظيفا من العرب. الوزير العربي الاول، غالب مجادلة وضع في المكان 15 بينما جميع الاستطلاعات تمنح حزبه 10 مقاعد، النائبان الآخران، ناديا الحلو وشكيب شنان سيكونان هما ايضا في خبر كان. أما مرشح كديما "العربي" مجلي وهبي، رجل تسيبي ليفني فقد حصل على مكانه بعد شجار مع أكرم حسون رجل شاؤول موفاز والمرشحين الاخرين، شجار لا يشرف حتى قطاع الطرق.
هذه هي الاحزاب التي سوف تتوجه اليك أخي المواطن لتمنحها صوتك وثقتك. هل تغير عليها شيء؟ الا يحق لنا أن نقول: تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما أجيتي؟
علي زبيدات - سخنين

Wednesday, December 17, 2008

اين حل قضيتنا القومية وأين حل قضيتكم القومية؟



يبدو اننا كجماهير فلسطينية في هذه البلاد نعاني من مشكلة في فهم المقروء ومشاكل في إستيعاب المسموع ايضا. وإلا كيف نفسر ردود الفعل المتشنجة التي صدرت عن الزعامات والاحزاب العربية بخصوص تصريحات تسيبي ليفني الاخيرة عندما قالت أمام طلاب أحدى المدارس الثانوية في تل أبيب:" عندما تقوم الدولة الفلسطينية استطيع أن أقول لمواطني دولة اسرائيل الفلسطينيين، الذين نطلق عليهم اليوم اسم عرب اسرائيل، أن الحل القومي لقضيتكم موجود في مكان آخر"؟
ما الجديد في تصريح ليفني هذا؟ هل الان فقط اكتشفت هذه الاحزاب والزعامات أن ايديولوجية الترانسفير ليست حكرا على ليبرمان وعلى ما يسمى اليمين المتطرف، بل هي في صميم الحركة الصهيونية على كافة تياراتها؟ الم تقم الحركة الصهيونية منذ البداية على اسطورة: "شعب بلا ارض يعود الى أرض بلا شعب"؟ ولمعلوماتكم من إختلق هذه الاسطورة، طورها وجعل منها سياسة عملية ووضعها في موقع التنفيذ لم يكن تيارا هامشيا عنصريا ينتمي لليمين المتطرف، بل كان التيار الاساسي في الحركة الصهيونية ممثلا بحزب العمل بكافة تجلياته واشكاله السابقة والراهنة. ما جرى في عام 1948 من عمليات تطهير عرقي لم يعد ينكره أحد حتى أولئك الذين خططوا له ونفذوه وحاولوا لفترة طويلة إخفاء جرائمهم من خلال إعادة كتابة التاريخ بعد تزييف الحقائق. وأكثر من ذلك، فإن أغلبهم اليوم نادمون على عدم إكمال المهمة حتى النهاية ولم يطهروا فلسطين من الفلسطينيين حتى بكرة ابيهم.
ليست التصريحات التي نسمعها من فترة لأخرى من زعماء الدولة سوى حنين الى تلك الايام والتباكي على الفرصة التاريخية التي ضاعت من بين ايديهم.
ما قالته ليفني مؤخرا ليس سوى تكرار لما ورد فيما يسمى "وثيقة الاستقلال" الصهيونية. هذه الوثيقة التي تعتبر نموذجا لتزييف التاريخ، حيث اعلنت عن قيام دولة " يهودية" كأستمرار طبيعي لدولة وهمية قامت قبل أكثر من الفين سنة شاطبة تماما شعوبا وحضارات متعددة نمت وترعرعت خلال قرون طويلة على أرض فلسطين.
كل ما فعلته ليفني هو انها عبرت عن الايديولوجية الصهيونية بكلماتها الخاصة، ولم تأت بشيء جديد. وإذا كان هناك ثمة شيء جديد هو صراحتها ووضوحها، فهي مقبلة على انتخابات برلمانية ومن أجل الحصول على حفنة من الاصوات جرت العادة أن يتنافس المرشحون فيما بينهم حول أمرين: الاول تصعيد عمليات القتل والدمار والتهديد كما يجري في غزة والخليل ونابلس وباقي المناطق الفلسطينية. والثاني هو تبني المواقف العنصرية والمجاهرة بها.
الرد على تصريحات الساسة الاسرائيليين المتكررة يجب أن يتجاوز الادانة والتنديد، وهي الطريقة الوحيدة التي تعرفها الاحزاب العربية وأعضاء الكنيست ، الذين بمجرد وجودهم في ذلك المكان يمنحون الشرعية لهذه المؤسسة العنصرية بكافة أعضائها ولكل ما يصدر عنهم.
الرد على هذه التصريحات يجب أن يكون واضحا ومن غير تلعثم. وهو حسب رأيي يتلخص في نقطتين اساسيتين:
اولا: هذه الدولة، سموها كما شئتم، " اسرائيل"، دولة "يهودية ديموقراطية" هي ليست دولتنا وانتم على حق في ذلك. فهي لا يمكن أن تعبر عن طموحاتنا القومية ولا يمكن أن تكون اساسا لحل قضيتنا القومية. وصدقت ليفني عندما قالت أن حل قضيتنا القومية موجود في مكان آخر، ولكنها نسيت أن تقول: أن المكان الآخر هو فلسطين التاريخية التي لا تقبل القسمة او التجزئة؟
ثانيا، من جهة أخرى، على تسيبي ليفني وباقي القيادات الصهيونية أن تبحث هي أيضا عن مكان آخر لتحقيق طموحاتها القومية، فمن جاء من روسيا فهي بلاد واسعة يستطيع أن يعود اليها ويحل قضيته القومية هناك، او في اوكراينا او جورجيا أو بولندا أو رومانيا أو المغرب أو اليمن أو أمريكا، الخ.
فلسطين هي أولا وقبل كل شيء وطن الشعب الفلسطيني. هي وطن اللاجئين الذين شردوا من ديارهم عام 1948 كما هي وطن الذين بقوا يرزحون تحت الاحتلال في المناطق التي احتلت عام 1948 وعام 1967. ومن لا يعترف بهذه البديهية لا يمكن أن تكون فلسطين وطنا له وعليه أن يبحث عن وطن آخر.
وأخيرا أعيد صياغة اقوال تسيبي ليفني وأعيدها اليها من غير إحترام: " عندما تقوم الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني، من البحر الى النهر، أستطيع أن أقول لمواطني دولة فلسطين الاسرائيليين، الذين نطلق عليهم اليوم اسم يهود صهاينة، أن الحل القومي لقضيتكم موجود في مكان آخر".

Tuesday, December 16, 2008

حذاء واحد أفضل من ألف خطاب



الحذاء سلاح ذو حدين. ممكن أن تداس تحته وممكن أن تضرب به أعداءك. في عالمنا العربي القاعدة هي في الاستعمال الاول. فنحن نداس تحت نعال المحتلين في فلسطين والعراق والصومال وتحت نعال الحكام والمخابرات وقوات الامن المختلفة في باقي البلدان. الاستثناء هو أن نستعمل الحذاء لضرب أعدائنا من محتلين وقامعين. من هنا تنبع أهمية حذاء منتظر الزيدي الذي قذف به الى وجه بوش. انه استثناء فريد من نوعه. لذلك يصلح لأن يكون نموذجا يحتذى به. إذا كنت لا تستطيع أن تقاوم محتلك بوسائل اخرى فالحذاء يفي بالغرض وقد يكون فتاكا أكثر من اسلحة الدمار الشامل. تصوروا أن حذاء المنتظري حرك الشارع العربي، حرك الضمير العربي أكثر من كل الشعارات والخطابات، واخيرا تنفسنا الصعداء، تبسمنا بل ضحكنا من أعماق قلوبنا.
طرق المقاومة، الاحتجاج، التعبير عن مكنونات النفس عديدة ومتنوعة. بعضها بسيط الى ابعد حدود البساطة ولكنها تكون خلاقة ومميزة خصوصا عندما تأتي في الوقت المناسب وفي المكان المناسب وفي الظروف المناسبة. كل هذه كانت متوفرة عندما خلع منتظر حذائه وارسله ليودع الرئيس بوش الذي اراد، إمعانا منه في إذلال وتحقير العرب أن ينهي ولايته في البلد الذي دمره وقتل أهله.
تداعيات هذه القضية ما زالت في اوجها. ولا أحد يعرف كيف ستنتهي على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العام. مما لا شك فيه أن منتظر الزيدي عندما قام بهذا العمل الجريء قد خاطر بحياته وحتى الان دفع الثمن ببعض الكدمات والضلوع المكسرة والاعتقال. وقد يقدم للمحاكمة ويزج بالسجن مثله مثل آلاف العراقيين. وقد يصفى جسديا، وقد يطلق سراحه تحت مطرقة الضغط الشعبي وقد تستغله الحكومة العميلة لتبرهن على ديموقراطيتها المزيفة. حتى الان كتب الكثير عن هذه الحادثة وسوف يكتب أكثر من ذلك. فقد اصبحت ملكا للجميع، أصبحت بسرعة البرق تراثا، والهمت العديد من الشعراء وكتاب القصة والمقالات والخواطر، وربما قريبا صانعي الافلام والمسرحيات ايضا. ولا أخفي أن حذاء الزيدي قد دفعني بقوة الى كتابةهذه السطور.
اود هنا أن اركز على نقطتين لا غير.
الاولى: هل بوش هو وحده من يستحق الحذاء في وجهه؟ وماذا عن الملوك والرؤساء العرب، الجبناء أمام المحتلين والابطال الصناديد مع مواطني بلدانهم. متى سنرى النعال تتطاير فوق رؤوس هؤلاء؟ متى سوف يقف منتظر جديد في كل عاصمة من العواصم العربية ملوحا بحذائه؟ لا اشك أن مثل هذا الخوف ساورجميع الحكام العرب ومن يدري قد يطلبوا من رجال مخابراتهم منذ اليوم أن يدخلوا اليهم المواطنين وهم حفاة.
على جماهير الشعوب العربية، من المحيط الى الخليج، أن تحول القاعدة الى إستثناء والاستثناء الى قاعدة. اي بدل أن يكون الحذاء أداة للدوس على كرامة المواطن وحقوقه يصبح صفعة على وجوه العتاة.
النقطة الثانية، موجهة الى جماهيرنا في الداخل. الى متى سنبقى نلعق أحذية محتلينا الذين يقترفون جرائم الحرب منذ 60 سنة ولم يتوقفوا حتى هذا اليوم؟ هل من المعقول أن نستقبل هؤلاء المجرمين بالولائم والفرق الكشفية وفرق الرقص وخطابات النفاق، كما استقبل شمعون بيرس في سخنين مؤخرا؟ الى متى كلما زارنا وزير او مسؤول حكومي يخشى أن يغادر البلاد خوفا من ملاحقته قضائيا نزج ب"وجهاء" البلد لإستقبالهم بالطبول والزمور؟ ألم يحن الوقت لإستعمال الحذاء كأداة استقبال؟
نرى هؤلاء المسؤولين، من رئيس الدولة مرورا برئيس الحكومة وحتى آخر وزير، يزورون بلدات يهودية فلا نراهم يحظون بإستقبال حافل كالذي يحظون به في قرانا ومدننا. هل سبب ذلك الكرم وحسن الضيافة أم الجبن وفقدان الكرامة؟
تحية الى منتظر الزيدي والى حذائه الذهبي.

Wednesday, December 03, 2008

أم كامل تنقذ شرف الامة



في هذا الليل العربي الطويل حالك السواد، في هذا الزمن البائس حيث تعيش غزة في ظل ابشع حصار ظلما وظلاما، ولا اقول بعد الآن تحت عيون وأنوف العرب، بل بمشاركتهم الفعالة في هذا الحصار، في هذا الزمن حيث يعيش الشعب الفلسطيني حالة من التشرذم والتمزق تفوق ما تعرض له عام النكبة 1948، ظهر هناك في نهاية النفق المدلهم بصيص من النور ومن الامل اضاءته سيدة فاضلة تدعى الحاجة فوزية، ام كامل الكرد.
قبل حوالي شهر قامت قوات إسرائلية ليست مدججة بالسلاح فحسب، بل تلوح في يدها بقرار صادر عن أعلى مؤسسة قضائية في هذه الدولة "الديموقراطية" بطرد عائلة الكرد من بيتها في حي الشيخ جراح والإلقاء بها في العراء وهي تدوس ابسط الحقوق الانسانية: حق كل شخص أن يعيش في بيته بأمن وسلام. وفي الوقت نفسه سمحت لمجموعة من قطعان الفاشية المستوطنين بالسيطرة على البيت وتقوم بحمايتهم.
لم تستسلم أم كامل لهذا الاعتداء الغاشم ولم تنحني أمام هذه الجريمة النكراء. فقد واصلت صمودها الذي بدأته في رفض كافة التهديدات والعروض المغرية لإجبارها على ترك بيتها بمحض ارادتها بكل شموخ وكبرياء. وانتقلت من البيت الى خيمة الاعتصام وصرحت لكل من يريد أن يسمع انها لن تغادر الخيمة الا بالعودة الى بيتها المغتصب. وقد دفعت أم كامل ثمنا باهضا مقابل صمودها الاسطوري هذا وكان آخرها أستشهاد زوجها الذي كان يعاني من مرض مزمن والذي لم يستطع جسمه العليل تحمل جريمة الطرد.
لقد قامت قوات الاحتلال الاسرائيلية منذ اليوم الاول لإحتلال القدس وعلى مدار 41 سنة، هي عمر الاحتلال، بتنفيذ سياسة رهيبة معدة مسبقا لتهويد القدس. بدأت بطرد المواطنين العرب من أحد أحياء القدس القديمة وإقامة ما يسمى بالحي اليهودي ومن ثم السيطرة على حائط البراق والاماكن المحيطة به والسيطرة على عشرات المنازل في شتى ارجاء القدس العتيقة عن طريق القوة والخداع والابتزاز وفي الوقت نفسه فرضت حصارا شاملا على المسجد الاقصى ولم تتوقف للحظة واحدة من الحفر والتنقيب من تحته بهدف تقويض اركانه، هذا ناهيك عن المحاولات العديدة للإعتداء عليه بدأ بالحرق مرورا بالاقتحامات المتكررة وانتهاء بالمؤامرات الحثيثة لتقويضه.
سياسة تهويد القدس استمرت بشكل منهجي ومكثف من خلال بناء عشرات المستوطنات على الارض العربية حول القدس وضمها الى المدينة. خلال 40 عاما من الاحتلال استوطن في القدس أكثر من 200 ألف مستوطن من حدود رام الله في الشمال الى بيت لحم في الجنوب الى مشارف اريحا والبحر الميت في الشرق.
سياسة تهويد القدس شملت ايضا سياسة تطهير عرقي للسكان العرب من خلال عمليات الطرد ومصادرة الهويات والملاحقة والتضييق ومن خلال بناء جدار الفصل العنصري. في هذه الايام تصل سياسة تهويد القدس العنصرية الى اوج شراستها مع تكثيف الاستيطان في جبل ابو غنيم وجبل المكبر والطور والشيخ جراح وباقي الاحياء العربية. طرد عائلة الكرد من بيتها هو مقدمة لطرد 27 عائلة اخرى في الحي نفسه، وقطعان المستوطنين الذين إحتلوا البيت هم نواه لحي صهيوني جديد سوف يقوم على انقاض البيوت العربية.
هذه الجرائم في حق اهلنا في القدس وهي في الوقت ذاته جرائم في حق الانسانية، تجري امام انظار العالم الذي لا ولن يحرك ساكنا، ولكن المصيبة الاكبر انها تجري امام انظارنا نحن ولا نحرك ساكنا، اللهم سوى الاستنكار ومزيد من الاستنكار الذي لم يعد يجدي فتيلا. في اليوم التالي لطرد عائلة الكرد من بيتها كان رئيس السلطة الفلسطينية يجتمع مع رئيس الحكومة الاسرائيلي أولمرت في القدس. عملية الطرد لم تطرح للنقاش اصلا بل دار الحديث حول كيفية تركيع غزة ومواصلة المفاوضات "السسلمية"، بينما بعث رئيس السلطة بعض مؤيديه للمشاركة في عملية الاستنكار. أما أحزابنا السياسية العربية "الوطنية" فقد كانت مشغولة بالانتخابات للسلطات المحلية.
لقد وصلت صرخة أم كامل الى جميع أنحاء العالم ولبى هذه الصرخة الكثيرين من شتى انحاء العالم. ولكنها يبدو انها لم تصل الى آذنانا جميعا، نحن أصحاب القضية.
على جميع الاهالي الذين يؤمون الاقصى للصلاة في هذه الايام، ونحن نقف على تبة عيد الاضحى، أن يعرجوا على خيمة أم كامل، ليس من أجل التضامن فحسب، بل بالاساس من أجل التزود بروح الصمود والتضحية التي تبثها أم كامل.
إن سياسة تهويد القدس هي نفسها سياسة تهويد الجليل والمثلث والنقب وسياسة التطهير العرقي في القدس هي نفسها سياسة التطهير العرقي التي يتعرض لها أهلنا حاليا في النقب. فلا تدعوا هذه السياسة تمر.

Friday, November 28, 2008

في الذكرى ال61 لقرار التقسيم: القرار ما زال باطلا



صرح ايهود اولمرت، رئيس الحكومة الاسرائيلية المستقيل، الذي اجبر على الاستقالة بشكل مخز بسبب فضائحه وإخفاقاته المتكررة:" حلم إسرائيل الكبرى انتهى من غير رجعة. ومن أجل الحفاظ على يهودية الدولة يجب تقاسم الارض مع من نعيش معهم". اي انه بعد 60 عاما إستيقظ من النوم ليشاهد أن الحلم الصهيوني بإقامة اسرايل الكبرى قد تبدد وذهب مع الريح. فلا يسعنا هنا إلا ان نقول له: صح النوم.
ولكن ماذا عن حلم "اسرائيل الصغرى"، تلك الدولة التي يريد أولمرت وغيره من زعماء الصهيونية الذين يقفون الى يساره او الى يمينه يريدون المحافظة على "يهوديتها"؟. يبدو أن هذا الحلم، بالنسبة لهؤلاء الزعماء، لم ينته بعد ولكنه من المؤكد انه لم يعد حلما ورديا جميلا بل نراه يتحول كل ليلة الى كابوس مرعب ومخيف. وحتى يزول هذا الحلم أيضا بشكل نهائي ويعترفوا بزواله، سيبقى الصراع مستمرا حتى يجد التاريخ الحل الوحيد الذي يقبله: الحلم الذي يقوم على الاساطير وعلى القرارات غير الشرعية مصيره الاندثار.
أظن أن دولة اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي قامت على اساطير وخرافات لم يعد يؤمن بها أحد حتى اؤلئك الذين يدعون الايمان بها. ثمة لا يوجد هناك شعب مختار لله وبالتالي لا يوجد وعد رباني لمنح هذه الارض أو تلك لمثل هذا الشعب. هذه الاساطير لم تعد موجودة في صورتها الحديثة أيضا والتي تقول: "شعب بلا أرض يعود الى ارض بلا شعب".
تبقى القرارات غير الشرعية والتي لعبت بالفعل دورا حاسما في إقامة هذه الدولة. ولكن عدم شرعية هذه القرارات يحمل في احشائه ضرورة وحتمية زوالها. يكفي أن نذكر في هذا السياق ثلاثة قرارات غير شرعية بإمتياز كانت دولة اسرائيل نتجة لتنفيذها.
وعد بلفور:
وهو من أغرب الوعود التي عرفها التاريخ قديمه وحديثه. حيث يقوم طرف غريب، غاشم مغتصب، بوعد طرف آخر يحمل الصفات نفسها لمنحه شيئا لا يملكه وليس له ادنى حق فيه. هكذا قامت بريطانيا، الدولة الاستعمارية العريقة التي نهبت خيرات العالم بوعد الحركة الصهيونية، وهي حركة استعمارية نشأت وترعرعت فيي ظل الاستعمار الاوروبي، بمنحها فلسطين من غير أخذ رأي اهلها لا من قريب ولا من بعيد. ما زالت لاشرعية هذا الوعد بعد حوالي قرن من صدوره تصرخ حتى السماء.
صك الانتداب البريطاني على فلسطين:
خطوة عملية لتحقيق وعد بلفور المذكور، ولكن هذه المرة بتغطية دولية وتحت وصاية عصبة الامم المتحدة. الانتداب هي كلمة مخادعة استعملت كقناع لحالة استعمارية كلاسيكية. كان الهدف الصريح منها هو تمكين الحركة الصهيونية حتى تصبح قادرة على إقامة دولة تحل في الوقت المناسب مكان الاستعمار البريطاني وتواصل دوره في المنطقة.
قرار التقسيم:
في 29 تشرين ثاني من عام 1947 إكتملت المؤامرة وأصبح تنفيذها ممكنا. في هذا اليوم اتخذت الامم المتحدة، وريثة عصبة الامم، قرار 181 بتقسيم فلسطين ومنح الجزء الاكبر منها للحركة الصهيونية لإقامة دولة اسرائيل عليها. وإعتبر هذا القرار تجسيدا "للشرعية" الدولية حيث صوت الى جانبه 33 عضوا بينما عارضه 13 آخرون. ولكن دراسة حيثيات هذا القرار والظروف التي أتخذ بها تؤكد العكس من ذلك تماما: فقد كان تجسيدا للاشرعية الدولية. البرهنة على لا شرعية هذا القرار هي موضوع لدراسات عميقة ومستفيضة وليس مقالة صحفية، ولكن يكفي هنا أن نذكر بعض السمات التي طبعت لاشرعية هذا القرار:
كان عام 1947 عام انتخابات للرئاسة الامريكية ومن أجل كسب دعم تأييد اللوبي الصهيوني قام الرئيس ترومان بالضغط لاتخاذ هذا القرار الصهيوني. الا يذكرنا ذلك بالانتخابات الامريكية الاخيرة حيث قام جميع المرشحين من اوباما الى ماكين ونائبيهما وباقي المرشحين بالتهافت على اللوبي الصهيوني والتسابق في تعبيرهم عن مدى التأييد للدولة لعبرية؟
وكان هناك سبب آخر يكمن خلف تأييد ترومان وباقي الزعماء الغربين لهذا القرار وهو رغبتهم في تحويل أنظار يهود اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من الهجرة الى بلدان اوروبا الغربية والولايات المتحدة الامريكية وتشجيعهم للهجرة الى فلسطين. هكذا قامت الادارة الامريكية بالضغط وفي بعض الاحيان تهديد وحتى ابتزاز بعض الدول لكي تصوت الى جانب قرار التقسيم. وقد كانت حال الامم المتحدة في ذلك الوقت لا تختلف عن حالها في أيامنا هذه حيث تفعل الولايات المتحد بها ما تشاء، كل ذلك تحت قناع "الشرعية الدولية"
لقد كان رفض الشعب الفلسطيني لهذه القرارت المجحفة أمرا طبيعيا حتى ولو كلفه ذلك غاليا. ولكن المصيبة أن اوساط فلسطينية متنفذة بدأت تتراجع عن هذا الموقف المبدئي الرافض. هذا التراجع بدأ منذ زمن بعيد وكان أول تجلياته الرسمية تبني منظم التحرير الفلسطينية ما يسمى بالبرنامج المرحلي وقبولها بمبدأ المفاوضات والمساومات لحل الصراع. وبعد سنتين من تبني هذا الخيار، أي في عام 1976 قررت الامم المتحدة منح منظمة التحرير مكافأة على تراجعها هذا، وأصدرت قرارا بإعتبار يوم 29/11 وهو ذكرى قرار التقسيم المشؤوم يوما "للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني". وقد بلع هذا الطعم السام اوساط واسعة من الجماهير الفلسطينية والعربية، ناهيك عن كافة الانظمة، بعد أن بهرت أبصارهم مظاهر "التضامن" الرسمية من ملوك ورؤساء وزعماء عالميين ومحافل دولية. وكان ثمن ذلك إما نسيان قرار التقسيم المجحف وإما تبنيه على إعتبار انه يجسد الشرعية الدولية التي يجب أن نؤسس عليها مطالبنا. ومن أجل الحقيقة نقول: لقد دفع هذا الثمن كاملا.
قرار تقسيم فلسطين كان باطلا عندما أصدر في عام 1947 وهو ما زال باطل اليوم حتى بعد أن قبله عدد كبير من ضحاياه وهو سيبقى باطل مهما طال به الزمن.


Wednesday, November 19, 2008

مواعظ الحاخام بيرس ومواعظ الشيخ عبدالله



لقد أثار مؤتمر "حوار الاديان" الذي عقد مؤخرا في نيويورك بمبادرة ملك السعودية عبدالله بن عبد العزيز ورعاية الامم المتحدة والذي حضره مندوبون من 80 دولة بينهم 20 من ملوك ، رؤساء ورؤساء حكومات العالم، العديد من ردود الفعل. وقد لفت إنتباهي مقال الصحفي القدير محرر جريدة القدس العربي، عبدالباري عطوان وأعادت نشره صحيفة العنوان الرئيسي في الاسبوع الماضي بعنوان: "مواعظ الحاخام بيريس" كنموذج لردود الفعل هذه. لقد كرس الكاتب مقاله لفضح ما هو مفضوح من أكاذيب بيرس حول السلام وحقوق الانسان والتسامح بينما تقوم حكومته بتجويع مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة وتدوس على ابسط الحقوق الانسانية للشعب الفلسطيني. وأسهب الكاتب في وصف هذه الاكاذيب التي حولت المجرم الى ضحية والضحية الى مجرم وسط تصفيق الوفود العربية المشاركة. وكان واضحا للجميع أن لا علاقة لهذا المؤتمر بالاديان ولا بالحوار ولكنه كان مؤتمرا تطبيعيا من الطراز الاول.
بالطبع كل ما قاله عطوان صحيح تماما، ولكن كما قلت فهو يفضح المفضوح. فهل كان الكاتب يتوقع من بيريس الذي يعتبر أسوأ سياسي اسرائيلي منذ دافيد بين غوريون أن يدافع عن حقوق الفلسطينيين وأن يعترف بالجرائم التي اقترفتها دولته على مدى أكثر من 60 عاما وأن يقدم الاعتذار؟ ما فقدته في هذا المقال هو التغاضي عن "مواعظ" الشيوخ العرب وعلى راسهم العبدين: عبدالله بن عبد العزيز وعبدالله بن الحسين. إن الاكتفاء بالانتقاد الخجول للزعماء العرب وبالمقابل صب جام غضبنا على بيريس سيكون في أفضل الحالات صوتا تائها في الصحراء العربية وسهما طائشا عديم الجدوى.
أكاد أقول كل الاحترام لبيريس الذي جاء زعماء العالم من كل صوب وحدب لسماع اكاذيبه على أنغام تصفيق أصحاب القضية وأصدقائهم. بيرس الذي يمتدح العاهل السعودي ويصف مبادرته لحل النزاع العربي – الصهيوني التي صدرت منذ أكثر من ست سنوات بالمبادرة "الملهمة" التي سوف تقودنا الى الوئام العالمي والتفاهم المتبادل هو بيرس نفسه الذي أصطف فلسطينيو الداخل لأنتخابه بعد إقترافه لمجزرة قانا بحجة أن البديل له أسوأ منه.
مؤتمر حوار الاديان لا يفضح مواعظ بيرس الزائفة والمخادعة بقدر ما يفضح "مواعظ" الزعماء العرب الذين إتحدوا في حلف غير مقدس مع أمريكا واسرائيل. هذا الحلف الذي تتزعمه السعودية ويرتكز على الانظمة العميلة السائدة في عالمنا العربي من المحيط الى الخليج، هذا الحلف الاسوأ بما لا يقاس من حلف بغداد سيء الصيت هو الذي يجب أن يفضح وأن يحارب حتى اسقاطه.
يقول العاهل السعودي في المؤتمر:"ان الارهاب والاجرام أعداء الله وأعداء كل دين وحضارة وما كانا ليظهرا لولا غياب مبدأ التسامح". يا لسخرية الاقدار، أن يقال هذا الكلام في حضرة نخبة من الارهابيين والمجرمين وعلى رأسهم بوش وبيرس وليفني. أين التسامح وايسط حقوق التعبير عن الراي مقموعة في السعودية منذ أن إغتصبت هذه العائلة السلطة بمساعدة الامريكان؟. من المعروف أن المذهب الوهابي السائد يخنق كافة المذاهب والآراء والاجتهادات. فعن أي تسامح يتكلم؟
اننا نعرف على الاقل ما هو عدد الاسرى في السجون الاسرائيلية وبماذا تتهمهم المؤسسة الصهيونية، فهل يوجد هناك أحد يعرف ما هو عدد الاسرى في السجون السعودية والاردنية والمصرية وما هي تهمهم؟
في مؤتمر "حوار الاديان" لم يكن هناك لا حوار ولا متدينون. كان هناك مجموعة من الزعماء المرعوبين يتداولون في كيفية الحفاظ على كراسيهم. ولم يكن الدين سوى قناع على وجوههم.
لو كان الحوار هو المقصود والتسامح هو الغاية لبدأ به كل واحد في بيته. العالم الاسلامي ممزق بين سنة وشيعة وصوفية واصولية وحنفية وحنبلية واخوان مسلمين وحزب تحرير وقاعدة وأسماء العشرات من الحركات والاحزاب والمذاهب ولغة الحوار الوحيدة المتعارف عليها فيما بينهم هي لغة التكفير ومن ثم القتل.
من أجل حوار حقيقي داخل العقيدة الواحدة ليس هناك ادنى حاجة لشد الرحال الى نيويورك ودعوة كل من هب ودب.
بالمناسبة، لماذا ينحصر "حوار الاديان" على الاسلام والمسيحية واليهودية؟ متى سوف نتحرر من الاساطير التوراتية التي تؤسس عليها اسرائيل شرعية كيانها وقمنا نحن بتبنيها وألحقناها بمقدساتنا؟ هذه الاساطير تضرب جذورا عميقة في ادبيات ومسلمات الاديان الثلاثة وقد آن الاوان لإجتثاثها، جمعها وإرسالها الى متحف التاريخ الى جانب الاساطير الاغريقية والرومانية وغيرها من الحضارات.
وإذا كان المقصود من هذا المؤتمر هو التسامح وإحترام مختلف الثقافات والاديان فلماذا لم يدع له ممثلون عن الديانة الهندوسية مثلا؟. خصوصا وانه يوجد أكثر من 150 مليون مسلم يعيشون بالهند وما احوحجهم للحوار مع أبناء وطنهم الآخرين لحل قضية كشمير والعديد من المشاكل الحياتية الاخرى، ولماذا يتم تجاهل الديانة البوذية حيث يعيش حوالي 100 مليون مسلم في الصين والدول الاخرى التي تدين بالبوذية؟. حسب رايي المتواضع الحوار مع هذه الاديان أكثر أهمية من الحوار مع الديانة اليهودية التي لا تشمل بضعة ملايين.
الحوار، التسامح، الاحترام في ظل العولمة الشرسة المنفلتة من عقالها أصبحت مصطلحات فارغة تماما كمصطلحات السلام والديموقراطية.
علي زبيدات - سخنين

Sunday, November 16, 2008

ايها المرشحون: لملموا صوركم من الشوارع وانصرفوا



الحمد لله، الذي لا يحمد على مكروه سواه. انتهت الجولة الاولى من الانتخابات المحلية. فمنهم من فاز ومنهم من فشل ومنهم ما زال ينتظر حظه. لن أذرف الدمع على من لملم بضاعته الفاسدة وعاد الى بيته مكفهر الوجه بعد أن تحملناه خمس سنوات. ولن انثر الورد أمام الفائز الذي سوف يجثم على كاهلنا السنوات الخمس القادمة.
انتهت الانتخابات البلدية وليتها لم تبدأ. البعض يسميها المعركة الانتخابية، وإذا صحت هذه التسمية فهي معركة وهمية نشنها على انفسنا. والبعض يسميها "العرس الديموقراطي" وكان من الاحرى أن يسميها "البغاء الديموقراطي". هذه الانتخابات كشفت أكثر من غيرها عن عوراتنا، عن إفلاسنا الاخلاقي، عن وجهنا القبيح. وبالمقابل نحن لا نملك الجرأة حتى على النظر الى المرآة لكي لا نواجه قبحنا. بعض النعم التي جلبتها لنا هذه الانتخابات يخجل القلم من وصفها وتشمئز الصفحات البيضاء من أن تلطخ بها.
لا تكتفي الدعاية الانتخابية بتلويث شوراعنا بالملصقات والصور وبالمناشير الفارغة والكثير منها مناشير ساقطة، ولا تقتصر على "الاقناع" بما يرافقه من ضغوطات وأكاذيب ووعود عرقوبية ولكنها تتجاوزها الى الرشوات وشراء الذمم وعقد الصفقات المشبوهة في الدهاليز المظلمة. الصوت أصبح سلعة. وكما أن لكل سلعة ثمنها كذلك لكل صوت ثمنه. وقد علمت من مصادر موثوقة، وحسب رأيي كلكم يعلم ذلك، أن العديد من المرشحين قد دفع ما يلزم ثمنا لهذه الاصوات. وكانت الاسعار تتراوح من 100 شيكل الى بضعة آلاف من الشواكل. شيء مخز.
لقد وضع المرشحون الاقوياء نصب أعينهم، وبإعترافهم الواضح والصريح: تحقيق الفوز بكل ثمن. أي الغاية تبرر الوسيلة. هذه المكيافيلية الرخيصة قد نسفت جميع المقاييس الاخلاقية وجرتها الى الحضيض. يدعون الناس الى تحكيم ضمائرهم قبل التوجه الى صناديق الاقتراع وفي الوقت نفسه يدفنون ضمائرهم.
خمس سنوات والحفر تملأ الشوارع والمياه تنقطع كل أثنين وخميس والقمامة تصبح تلالا. ولكن بقدرة قادر تدب النخوة والحياة في عروق المسؤولين في الشهر الاخير قبل الانتخابات، فتمتلئ الشوارع بعمليات الترقيع والتعبيد، وتتناثر سيارات الكركار، وبناء الاسوار الواقية. يراهنون على قصر ذاكرة الناس وبساطتهم. قد تنطلي هذه الامور على البعض ولكن تبقى اللعبة مكشوفة امام الغالبية العظمى الذين يرفضون العبث الى هذه الدرجة بعقولهم ويقومون في نهاية المطاف بمعاقبة هؤلاء المسؤولين.
وصل الى يدي عدد لا يستهان به من المناشير الساقطة، التي كما قلت يخجل القلم من وصفها والتي تنضح بالكلام البذيء والشتائم الموجهة الى المرشح الآخر وهي إن دلت على شيء فإنها تدل على الحضيض الاخلاقي الذي وصلنا اليه بسبب هذه الانتخابات. ومهما قام المرشحون الآخرون بإستنكارها والتنصل منها فإنها تبقى وصمة عار يلازم هذا "العرس الديموقراطي".
زعم اكبر حزبين في وسطنا العربي: الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، بأنهما حققا الانتصارات الباهرة. إنتصار آخر كهذا وعلى الدنيا ومن عليها السلام. أي إنتصار حققاه وقد سقطت آخر ورقة سياسية كانت تستر عوراتهما؟ أعطوني مثلا واحدا خاض به هذان الحزبان الانتخابات ببرنامج سياسي بعيدا عن الاستقطاب العائلي او الطائفي وإبرام الصفقات المشبوهة؟.
تتغنى الجبهة الديموقراطية بإنتصارها في الناصرة، عاصمة وسطنا العربي، العزيزة على قلوبنا جميعا. الجميع يعرف أن هذا الانتصار جاء نتيجة للإستقطاب الطائفي الخطير الذي نما وترعرع خلال سنوات طويلة. وبسب الخلافات الداخلية في المعسكر المنافس. فهل يوجد ما يفرح؟ والامثلة كثيرة.
ولكن الطامة الكبرى حسب رأيي تكمن في نسبة المنتخبين العالية التي وصلت في كثير من القرى والمدن الى 98%. وكأحد الذين نادوا بمقاطعة الاتخابات أعترف بالفشل الذريع وبعدم فهمي المطبق لنفسية وعقلية المنتخبين. إننا أمام حالة من الادمان المرضي، تماما كالادمان على المخدرات أو الكحول او التدخين. فكما لا ينفع أن تعظ المدمن على التدخين وتنصحه بالاقلاع عنه بسبب الاضرار الجسيمة التي يسببها، كذلك لا ينفع الوعظ بمقاطعة الانتخابات بسبب أضرارها. من أجل ذلك يوجد ضرورة لعلاج. نعم، التهافت على الانتخابات بهذه الصورة مرض. فالمواطن في سخنين، حيث وصلت نسبة التصويت الى 97% ليس أكثر وعيا من المواطن في تل أبيب حيث كانت النسبة 32% أو في القدس حيث بلغت النسبة 42%. وبما أنني لست معالجا نفسيا أكتفي بالقول: الله يشفينا.
كل ما أطلبه، حتى الانتخابات القادمة، أن يقوم المرشحون بتنظيف الاماكن العامة من صورهم وملصقاتهم وألا يتركونها حتى تزيلها امطار الشتاء القادم.
أرفق هذه القصيدة الرائعة للشاعر والمغني الامريكي التقدمي توم باكستون
We All Sound The Same
Words and Music by Tom Paxton

The candidates come and the candidates go, and we all sound the same
I'm Eeenie, I'm Meenie, I'm Minie, I'm Mo, and we all sound the same
We're having another election this year,
We're hiring the halls and we're pouring the beer
We'll tell you precisely what you long to hear,
And we all sound the same.

We're there every time you turn on your TV, and we all sound the same
Help stop unemployment, try voting for me! Yes, we all sound the same
We're kissing the babies and shaking the hands,
We're blowing balloons and we're leading the bands
We're hoping that nobody here understands
That we all sound the same.

[bridge]We'll fearlessly take our positions when we know how you feel
We've taken the polls, and we know it's the safe thing to do
We've studied the trends for the feelings that we're allowed to feel
We'll be out there leading, about two or three steps behind you
[that's off of the record]
(spoken*) Mr. Chairman, my close friend, Mr. Lincoln, has a ... we all sound the same
(spoken) Introducing our new economic plan for the future of America...and we all sound the same
(spoken) And I have come before this august gathering to promise you that if I am elected, I will further discover misbeliefs in institution, constitution, and prosperity...and we all sound the same

[bridge]We'll fearlessly take our positions when we know how you feel
We've taken our polls, and we know it's the safe thing to do
We've studied the trends for the feelings that we're about to feel
We'll be out there leading, about two or three steps behind you
[that's off of the record]

We're fast on our feet when the ball's in our court, and we all sound the same
We're earnestly hoping your memories are short, and we all sound the same
We've mastered the art of rhetorical curve,
We've practiced sincerity, screwed up our nerve
We're praying we don't get what we all deserve
And we all sound the same
We're praying we don't get what we all deserve
And we all sound the same

Wednesday, November 05, 2008

الذكرى ال 91 للثورة الاشتراكية العظمى



قد يقول البعض: ولماذا احياء هذه الذكرى بعد أن انهار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي وأصبحت الثورة في خبر كان. من يردد هذا الكلام ينتمي على الارجح الى معسكر واسع من القوى اليمينية والمحافظة تقوده الكراهية والحقد ليس على الثورة الروسية ذاتها، ولكن على ما تجسده هذه الثورة وترمز اليه من منظار تاريخي. من المعروف أن هذه الثورة تجسد وترمز أكثر من غيرها الى ضرورة وأمكانية قيام الطبقات والشعوب المضطهدة بالانتصار على النظام الراسمالي العالمي وبناء نظام آخر مختلف جذريا.
حتى لو قبلنا جدلا أن الثورة الاشتراكية قد فشلت فإن ذلك لا يقلل بشيء من قيمتها التاريخية. من المعروف أن الثورة الفرنسية الكبرى قد تحولت خلال فترة قصيرة جدا الى امبراطورية قمعية أغرقت اوروبا بالحروب وانتهت بإعادة الملكية الفرنسية لعدة سنوات. ولكن لا يستطيع أحد أن ينكر دورها في تغيير وجه العالم الحديث. حتى ارغمت ألد أعدائها الى تنفيذ وصيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما حصل لباقي الثورات الحديثة التي لعبت دورا حاسما في نقل البشرية من القرون الوسطى والانظمة الاقطاعية الى العصر الحديث. فهذه كومونة باريس تغرق بالدماء بعد حوالي الشهرين من استلام الثوار للحكم في العاصمة الفرنسية وفرض النظام الاشتراكي الجديد. ومن ثم عادت الرجعية لتسيطر على البلاد. ولم يفكر أحد في العالم أن يسحب من تحت اقدامها أهميتها التاريخية. ونحن في العالم العربي ما زلنا نحتفل بثورة المليون شهيد في الجزائر بالرغم من انها وخلال فترة قصيرة تحولت الى ثورة مضادة وفرضت نظاما قمعيا وأعادت الاستعمار من الشباك بعد أن خرج من الباب. ونحن في فلسطين ما زالنا نحيي إنطلاق الثورة الفلسطينية بالرغم من انها لم تكن في يوم من الايام ثورة حقيقية. كانت مقاومة بسيطة للإحتلال على أمل أن تتطور الى ثورة للتحرير الوطني. ولكنها تطورت الى سلطة هزيلة تتعامل مع الاحتلال بدل أن تقاومه. مع كل ذلك لم يقم أحد بهضم حقها التاريخي وإنكار اهميتها على تطور الصراع العربي – الصهيوني. الامر نفسه يمكن أن نطبقه على باقي الثورات في شتى انحاء العالم التي إما انها تحولت الى ثورة مضادة واما انها انتهت وماتت بشكل طبيعي، مثل الثورات الصينية، الفيتنامية، الكوبية، الاسبانية، وغيرها الكثير.
إذن ما هو سر تكالب جميع قوى العالم الراسمالي على الثورة الاشتراكية العظمى بالرغم من تعثرها منذ زمن طويل وزوال الاتحاد السوفياتي منذ حوالي عقدين؟ لماذا يتحد سياسيو ومفكرو المعسكر الرأسمالي وإتباعهم في الدول النامية على إدانة ومهاجمة هذه الثورة في كل مناسبة وبدون مناسبة وتجريدها من طبيعتها الثورية التقدمية؟
السبب هو أن هذه الثورة كانت الثورة الوحيدة التي وضعت نصب اعينها القضاء على النظام الراسمالي العالمي وبرهنت أن ذلك ممكن من خلال الثورة لجموع الكادحين الثوريين المنظمين والمسلحين.
النظام الراسمالي العالمي، بشكله الجديد، العولمة بقيادة أمريكية، يعرف تمام المعرفة أن ما انهار في الاتحاد السوفياتي ودول اوروبا الشرقية والصين لم يكن سوى تجربة محدودة وملموسة للثورة الاشتراكية في بلد واحد وتحت ظروف معينة، ولكن هذا لا يعني بأنه لن تكون هناك تجارب أخرى، تجارب تتعلم الدروس والعبر من التجربة السوفياتية وتصحح أخطاءها ومن ثم تنفجر من جديد.
أصلا، الذي انهار في الاتحاد السوفياتي هو نظام راسمالية الدولة، والذي سمي بشكل إعتباطي نظاما إشتراكيا. فمن المعروف انه بحكم الظروف التاريخية التي مرت بها روسيا بعد الثورة مباشرة وبسبب تخلفها الاقتصادي والحرب العالمية التي تحولت الى حرب اهلية والتدخل الاجنبي والحصار العالمي، حافظت الثورة الاشتراكية على العديد من السمات الرأسمالية والتي تفاقمت بسبب البيروقراطية المستشرية حتى تحولت الى رأسمالية الدولة فترة طويلة قبل الانهيار الرسمي للإتحاد السوفياتي في بداية سنوات التسعين.
على الثورة الاشتراكية القادمة ألا تقدم مثل هذه التنازلات المبدئية التي تقود في نهاية المطاف الى عودة الرأسمالية. عليها القضاء على النظام الراسمالي بشكل كامل وشامل من خلال القضاء على الملكية الخاصة والعمل المأجور والنضال مباشرة لتحقيق الشعار الشيوعي: "من كل واحد حسب مقدرته ولكل واحد حسب حاجته"
للذكرى ال91 للثورة الاشتراكية هذه السنة أهمية خاصة في ظل تفاقم الازمة الاقتصادية التي تعصف في النظام الرأسمالي العالمي وفي ظل الحروب الوحشية التي تشنها امريكا في شتى ارجاء العالم. الظروف الراهنة تؤكد من جديد المنطلق الاساسي للثورة الاشتراكية العظمى الذي يقول: ما دام النظام الراسمالي سائدا فالازمات الاقتصادية والحروب الامبريالية تبقى حتمية.
الاحزاب والتنظيمات التي تسمى نفسها اشتراكية وشيوعية اليوم هي جزء من التجربة التي انهارت واندثرت ولا تستطيع أن تقوم بأي دور ثوري. وهي في طريقها الى الاضمحلال والزوال. الثورة الاشتراكية الجديدة بحاجة الى تنظيمات وأحزاب ثورية جديدة، انها بحاجة الى إنسان إشتراكي جديد.
يقول ماركس: الثورات هي قاطرة التاريخ. واليوم التاريخ بحاجة الى قاطرة تنقل البشرية الى عصر افضل، خال من الاستغلال والحروب.
إن ذكرى الثورة الاشتراكية العظمى سوف تبقى خالدة الى الابد، وأن الثورة الاشتراكية القادمة سوف تكون أعظم وأعمق.

Wednesday, October 29, 2008

ماذا يحدث في سوريا؟



في هذا العصر العربي البائس حيث تسير دول الجامعة العربية كالقطيع في ركب الولايات الامريكية وتلهث لتطبيع علاقاتها مع الدولة الصهيونية، كانت سوريا تشكل ظاهرة فريدة من نوعها. فقد كانت لفترة طويلة تقود معسكر المعارضة والممانعة وفي كثير من الاحيان كانت تقف وحيدة في هذا الموقف. بالرغم من كل مآخذنا على النظام السوري على كافة الاصعدة: الداخلية والخارجية، المحلية والدولية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومعرفتنا بأن معارضتها لهيمنة الامبريالية هي نسبية وممانعتها مشروطة، إلا أنه عندما نجول بنظرنا على البلدان المجاورة المنبطحة امام الحلف الامريكي- الاسرائيلي كنا نعود ونقول: ما لنا غير سوريا.
على ضوء الاحداث الاخيرة التي عصفت بسوريا وحسب الرياح السياسية التي تهب من هناك، هل ما زال بمقدورنا أن نقول ذلك؟ كيف تنسجم هذه الاحداث مع نهج المقاومة والممانعة؟
ما هي هذه الاحداث المريبة التي اتكلم عنها والتي تهدد بتقويض الموقف السوري الممانع وجره الى التيار العربي المعتدل حسب التعريف الامريكي الاسرائيلي؟
أولا):
قبل حوالي سنة قامت طائرات اسرائلية بقصف وتدمير موقع سوري زعمت انه مفاعل نووي بينما أكدت سوريا انه موقع عسكري قديم ومهجور. وبغض النظر عن صحة الادعاء الاسرائيلي او الادعاء السوري فإن هذه الحادثة تبقى عملا عدوانيا على دولة ذات سيادة. فمن الذي أعطى الحق لإسرائيل أن تهاجم مفاعلا نوويا في دولة اخرى؟ وإذا كان لإسرائيل الحق في ذلك أليس من حق الدول العربية قصف وتدمير المفاعل النووية في ديمونا؟ والتي تشكل خطرا وجوديا على كافة الدول العربية. الرد السوري على هذا العدوان الغاشم لم يتجاوز التنديد. واكتفت السلطات السورية بالقول:" تحتفظ سوريا بحقها بالرد على هذا العدوان في الوقت المناسب وبالشكل المناسب"
ثانيا):
بينما كانت الجماهير العربية تنتظر الرد السوري على هذا العدوان بفارغ الصبر تفاجأنا بالمفاوضات غير المباشرة بين سوريا اسرائيل بوساطة تركية ومباركة امريكية وعربية رجعية. هذه المفاوضات التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، وكما صرح مسؤولون سوريون ستتحول الى مفاوضات مباشرة بعد الانتخابات الامريكية (هذا إذا لم تشوش الانتخابات الاسرائيلية التي لم تكن بالحسبان حساباتهم). لقد برر البعض هذه المفاوضات بضرورة رفع الضغط التي تتعرض له سوريا من جراء التهديدات الامريكية بسبب تورطها في لبنان وبسبب علاقاتها المميزة مع حزب الله وايران. غير أن أمريكا واسرائيل كعادتهما تطالبان الطرف الآخر بالدفع نقدا وفورا بينما هما تدفعان بالوعود طويلة الامد التي تتبخر مع الزمن.
ثالثا:
أستحقاقا للمفاوضات مع اسرائيل والغزل المكشوف مع الولايات المتحدة الامريكية قام الرئيس السوري بزيارة بغداد في ظل الاحتلال الامريكي، وأعلن عن إقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة العميلة التي يرأسها نوري المالكي، وهذا لا يعني أقل من منح الشرعية لإحتلال دولة عربية. وبذلك تفوق حتى على بعض الانظمة "المعتدلة" التي لم تجرؤ حتى الآن على إتخاذ مثل هذه الخطوة علنا وبشكل رسمي خوفا من جماهير شعوبها.
رابعا:
بعد الزيارة التاريخية للرئيس اللبناني ميشال سليمان الى العاصمة السورية وفي اعقاب القمة السورية اللبنانية أعلن الطرفان عن "دفع العلاقات التاريخية بين سوريا ولبنان الى الامام". في أعقاب هذه القمة أصدر الرئيس الاسد مرسوما رئاسيا يقضي بإنشاء علاقات دبلوماسية مع لبنان وفتح سفارة سورية في العاصمة اللبنانية. لا أدري إن كان الرئيس السوري يدري انه بمرسومه هذا قد منح الشرعية بعد أكثر من تسعين عاما على حظائر سايكس – بيكو التي مزقت العالم العربي الى دويلات تدور في فلك الامبريالية العالمية، ولكنه من غير شك يدري أن مرسومه هذا يتناقض مع شعار حزب البعث الحاكم الذي يتشدق به منذ استلامه للسلطة:" أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة".
هذه التراجعات الخطيرة عن الخط الوطني والقومي لم تكن كافية لتأمين الحماية للنظام السوري. فقد قامت الطائرات الامريكية التي تحتل العراق بمهاجمة الاراضي السورية وقتلت بعض المدنيين بعد أن دمرت بيوتهم. وعادت السلطات السورية بتكرار موقفها الكلاسيكي الراسخ:" سوريا تحتفظ بحقها بالرد على هذا العدوان" وانهمرت التنديدات من كل صوب. فهذه جمهورية مصر العربية تعرب عن "اسفها" لوقوع ضحايا مدنيين. وهذه دولة قطر التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة تندد بهذه العملية العدوانية. ولعل عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية عبر عن إفلاس العالم العربي المطلق من خلال تصريحه المندد بهذا العدوان. حتى أن بعض الاقلام المأجورة بدأت تختلق التبريرات لهذا العدوان وتدعو العرب بعدم الرد على هذا "الاستفزاز" الامريكي الذي يهدف الى استدراج سوريا للرد مما يسوغ توسيع العدوان.
نحن لا نطالب الانظمة العربية بشن الحرب على الولايات المتحدة الامريكية، ولكن حفظا لماء وجهها تستطيع أن تتخذ خطوة عملية واحدة مثلا دعوة سفرائها للتشاور؟ التهديد بسحب الاموال العربية التي تذهب هباء في ظل الازمة المالية التي تعصف بالنظام الراسمالي العالمي، أو حتى أضعف الايمان الدعوة الى مؤتمر قمة عربي أو إجتماع لرؤساء الخارجية العرب. لا شيء. الشلل كامل وشامل.
الدفاع عن سوريا اليوم هو دفاع عن الامة العربية بأسرها، عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وهذا ليس مهمة النظام السوري أو الانظمة العربية الاخرى. انها مهمة الشعوب العربية وقواها الطلائعية. يجب أن تتكاتف الجهود من أجل إعادة الشرطي الامريكي المجرم الى بلاده وراء المحيط.

Wednesday, October 15, 2008

الاحزاب العربية والانتخابات للسلطات المحلية



نشر السكرتير العام للجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، المحامي أيمن عودة، مقالة مطولة في موقع الجبهة تحت عنوان:"الجبهة في الانتخابات للسلطات المحلية" مدافعا عن سياسة الجبهة ومرشحيها وتحالفاتها وفي الوقت نفسه مهاجما الاحزاب الاخرى التي توجه أصابع النقد والاتهام للجبهة وخصوصا التجمع الوطني الديموقراطي والحركة الاسلامية.
في الحقيقة، مقدمة المقال أعجبتني. لا أدري اذا كان أيمن عودة قد قرأ المقالات التي كتبتها بهذا الصدد أو انه مجرد توارد أفكار. فقد تكلم ايمن ضد العائلية المستشرية في وسطنا وضد المصالح الشخصية والفساد وتراجع دور الاحزاب السياسية ودور السلطة في شرذمة المجتمع العربي وتحريضنا ضد بعضنا البعض عائليا وطائفيا وزجنا في نزاعات جانبية لكي نلتهي في امور هامشية ونبتعد عن الامور المركزية ذات الاهمية الوطنية. إلا أن أيمن عودة لم يتطرق الى دور الانتخابات المحلية (والنيابية) في تشويه الهوية الوطنية للفلسطينيين في الداخل والتي اعتبرها نقطة مفصلية، وذلك لأن أيمن ينتمي الى حزب ساهم أكثر من غيره في تشويه وتهجين هذه الهوية من خلال مزج الهوية الفلسطينية بالهوية الاسرائيلية حتى أصبحنا مثل ذلك الغراب الذي حاول تقليد مشية الحجل وفشل، وعندما حاول العودة الى مشيته الطبيعية فشل أيضا.
على كل حال، هذا التاقطع في بعض الآراء ينتهي بالمقدمة، ونفترق تماما بالدلائل والاستنتاجات. موقفي كان وما زال انه في ظل الظروف الراهنة فأن مقاطعة الانتخابات هو الموقف الوطني السليم، بينما يصر ايمن عودة على انه لا بديل عن الجبهة وعن طريقها.
طبعا أنا لا انتمي لحزب سياسي ولا اشكل خطرا انتخابيا على الجبهة او غيرها من الاحزاب. وهذا ما يوفر علي التعرض للهجوم المضاد، لذلك يوجه ايمن عودة سهام نقده بالاساس الى الحركة الاسلامية والتجمع الوطني الديموقراطي. وهما بالمناسبة لا يشكلان خطرا انتخابيا على الجبهة فحسب، بل ايضا تشنان الهجوم عليها على كافة الاصعدة. والحكاية معروفة.
في هذه الاثناء بالذات وفي هذا السياق نفسه، نشر الصحفي عبد الحكيم مفيد من الحركة الاسلامية مقالا بعنوان:"حزب عائلة" وقبلها نشر عوض عبد الفتاح السكرتير العام لحزب التجمع عدة مقالات عن تصور حزبه للإنتخابات المحلية.
من يريد أن يرى مأساة (وربما مهزلة) الاحزاب العربية ليس بحاجة لأن يذهب أبعد مما كتبه هؤلاء الثلاثة عن الانتخابات وما كتبوه عن بعضهم البعض.
لقد اصبح من المتعارف عليه تقسيم الاحزاب الفاعلة على الساحة السياسية الى ثلاثة تيارات، بالرغم من أن هذا التقسيم إعتباطي ومبسط الى درجة خطيرة، حتى يكون في بعض الاحيان الاسم نقيض المسمى:
التيار الاول هو التيار الشيوعي، وبمركزه الحزب الشيوعي الاسرائيلي والجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، وهذا الحزب، في اعتقادي، لا علاقة له بالشيوعية سوى الاسم.
التيار الاسلامي ممثلا بالحركتين الاسلاميتيين اللتين إحتكرتا الاسلام وجيرتاه لمصالحهما الحزبية. والتيار القومي ممثلا بالتجمع الوطني الديموقراطي وابناء البلد. وهكذا فإن الكتاب المذكورين أعلاه في أعين الكثيرين لا يمثلون أحزابهم الخاصة الضيقة فحسب بل يمثلون هذه التيارات التي تغطي سماءنا وارضنا ولا تترك للمواطن العادي مجالا للتنفس ايضا.
عندما قرأت مقال ايمن عودة كاملا، تذكرت نكتة قديمة من المفيد أن اذكرها هنا بإحتصار:
في سنوات السبعين وفي اوج الحرب الباردة التقى شخص روسي (سوفياتي في ذلك الوقت) بآخر أمريكي. فقال الامريكي: " عندنا يوجد أكثر نظام ديموقراطي في العالم، إذ استطيع أن اشتم الرئيس نيكسون بدون أن يتعرض لي أحد" فأجابه الروسي:" أنا أيضا استطيع أن اشتم الرئيس نيكسون بدون أن يتعرض لي أحد، فالنظام عنا لا يقل ديموقراطية عن نظامكم".
ما تضمنه مقال ايمن عودة عن المواقف الانتهازية للحركة الاسلامية وللتجمع فيه الكثير من الصحة. بالمقابل ما تضمنه مقال عبد الحكيم مفيد ومقالات عوض الفتاح هي ايضا بها الكثير من الصحة. كل ما هنالك انه يجب جمع الاطراف وأن يقال لهم بصوت جريء:" كلكم على حق. كلكم في الهوى سوى". عندما تتنازع عصابة على غنيمة تكون النتيجة إفتضاح الجريمة
جميع الاحزاب الفاعلة متورطة في تشويه الهوية الوطنية للجماهير الفلسطينية من خلال تقبلها للدولة العنصرية واخضاع هذه الجماهير لرؤيتها هذه من خلال التصور المستقبلي، والوحدة مع القوى" الديموقراطية" اليهودية، والتعايش السلمي والمطالبة بدولة لجميع مواطنيها او دولة ثنائية القومية، والعشرات من التنظيرات الاخرى التي تساهم في خلق هذا التشويه.
جميع الاحزاب الفاعلة متورطة في تأجيج النزاعات العائلية والطائفية. وايمن عودة قد خطى خطوة أخرى في هذا الاتجاه عندما قسم المجتمع العربي الى"عائلات وطنية" وأخرى "عائلات سلطوية".العائلات المتحالفة مع الجبهة هي بطبيعة الحال عائلات وطنية، بينما العائلات المنافسة هي عائلات سلطوية.
جميع الاحزاب متورطة في اللهث وراء السلطة الزائفة والمصالح الضيقة والفساد والضرب بعرض الحائط بالمصالح المركزية لجماهيرنا والإلتهاء بالقشور التي تغمرنا بها السلطة.
النقد امر ضروري ومطلوب، ولكن أيمن عودة بصفته كادر واع عليه أن يدرك أن النقد مهما كان بناء ومهما كان لاذعا وجريئا يفقد مصداقيته إذا لم يشمل ايضا نقدا ذاتيا. هذا من ألف باء النظرية الشيوعية اليس كذلك؟. فهل من المصداقية أن يكون مقاله المذكور قصيدة مديح طويلة للحزب والجبهة ومعلقة هجاء لكل من خالفها؟
الامر نفسه ينطبق على مقال عبدالحكيم مفيد وهو يعرف تمام المعرفة الاية التي تقول:" ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..." فكان الاحرى به قبل أن يتهم الجبهة بتأجيج النزاعات العائلية من خلال تحالفاتها أن يشير الى تحالفات الحركة الاسلامية. بالرغم من أن الحركة الاسلامية التي ينتمي اليها عبدالحكيم مفيد لا تخوض الانتخابات الا في أم الفحم وذلك كما يبدوخوفا من الفشل وليس لموقف مبدئي، ألا ان ابناء الحركة كأفراد منخرطين حتى النخاع في الصراعات المحلية
أما مقالات عوض عبد الفتاح فهي مصيبة حيث يعتبر العائلية ظاهرة مشروعة وعلى الحزب السياسي أن يستغلها وأن أحد إنجازات التجمع هو جر القوائم العائلية لأقامة تحالفات سياسية أو إجتماعية. مع انه في الواقع هو جر الحزب الى تحالفات عائلية على غرار ما تفعله الجبهة تماما.
لضيق المجال لا أستطيع أن أتناول بالتفاصيل كل ما تضمنته المقالات الثلاثة المذكورة، وأنصح كل من يهتم بموضوع الانتخابات أن يراجعها. وسأكتفي بالتعليق على دفاع أيمن عودة المستميت عن الجبهة وتبرئتها من العائلية والمصالح الشخصية. فهو يدعي ان اتهام الجبهة بالتحالف مع العائلات الكبيرة للفوز برئاسة السلطة اتهام عار عن الصحة، ويذكر عدة أمثلة ينتمي بها مرشحو الجبهة الى عائلات صغيرة. ومن بين هذه الامثلة يذكر مدينة سخنين. حيث أن محمد بشير، رئيس البلدية الحالي والمرشح للإنتخابات القادمة ينتمي الى عائلة صغيرة نسبيا.
كما نعرف العائلية ليست حكرا على العائلات الكبيرة. أنها طريقة تفكير مشتركة لكافة العائلات، وفي كثير من الاحيان تتفاقم عند العائلات الصغيرة. في هذه الحالة تكتفي بخوض الانتخابات المحلية للعضوية وتتحالف مع عائلات أكبر حول مرشح الرئاسة. وفي حالات أخرى تتحالف عائلات صغيرة وترشح من بينها مرشحا لمنافسة مرشح العائلة الكبيرة. فالتحالفات العائلية تتخذ اشكالا عديدة، وفي بعض الاحيان لا تخلو من "إبداع".
في سخنين مثلا (وهذا المثل ينطبق على قرى ومدن أخرى عديدة مع بعض التغيرات في التفاصيل) نما تاريخيا قطبان يتنافسان في كل انتخابات على رئاسة البلدية: الجبهة الديموقراطية من جهة وعائلة غنايم من جهة. ومن يظن أن المنافسة هي بين حزب سياسي وعائلة فهو مخطئ تماما. فالجبهة لها عائلاتها كما أن العائلة لها أحزابها. المرشح الثاني في قائمة الجبهة هو مرشح عائلي كان لسنوات طويلة على رأس قائمة عائلية تخوض الانتخابات ضد الجبهة بالذات. في هذه الانتخابات غير ولاءه لإعتبارات خاصة فإحتضنته الجبهة بأذرع مفتوحة بعد أن شطبت مواقفها السابقة ضده وأصبح يشار اليه بالمرشح الفلاح. وتوزعت الاماكن الاخرى على مرشحين ينتمون الى عائلات صغيرة ومتوسطة لكي يشكلوا في نهاية المطاف ندا للعائلة الكبيرة. فالعائلية لا تتحكم بتركيبة قائمة الجبهة الخاصة للعضوية فحسب، بل تتعداها الى القوائم المتحالفة معها ايضا. احدى هذه القوائم الحليفة ليست عائلية فحسب، بل تربطها علاقة حميمة مع حزب العمل ووعدت مرشحها في حالة الفوز بالنيابة. وهذا ليس التحالف الاول من هذا القبيل، فقد تحالفت الجبهة قبل دورتين مع مرشح آخر معروف ينتمي الى حزب العمل ومنحته منصب نائب رئيس لمدة خمس سنوات. ولكنهما إختلفا في الدورة السابقة وفقد" المسكين" صفته الوطنية التي اكتسبها اثناء تحالفه مع الجبهة. أما الحليف الرئيسي للجبهة في السنوات العشر الاخيرة فهي قائمة عائلية اخرى مقربة من حزب شاس الصهيوني المتطرف. والجبهة مستعدة أن تدعم كل قائمة عائلية وتمنحها أصواتا للعضوية اذا ما أعلنت هذه القائمة بدعم مرشح الجبهة للرئاسة. في مثل هذه الظروف يأتينا أيمن عودة بالفرية التي تقول: " هناك عائلات وطنية وأخرى سلطوية". أما عن الاساليب الاخرى التي تتبعها الجبهة من أجل الحصول على بعض الاصوات، والتي لا تخجل أية قائمة عائلية، فحدث ولا حرج. ولا مجال للخوض بها هنا فكل من له عينان يراها ومن له أذنان يسمعها. بالطبع يجب الا يفهم كلامي هذا وكأنه دفاع عن الطرف الآخر. فهو عائلي تماما كالطرف الاول وهو في الوقت نفسه حزبي بنفس الصورة.
في هذه الانتخابات تتجسد المكيافلية بأقذر وابشع صورها: الغاية تبرر الوسيلة. كل الوسائل مشروعة من أجل الحصول على حفنة من الاصوات.
في هذه الاجواء ما احوجنا الى حركة المعتزلة التاريخية من جديد لوضع الامور في نصابها.

Wednesday, October 08, 2008

الجريمة والعقاب وليس الجريمة والغفران



يوم الغفران (يوم كيبور) هو أقدس أيام السنة في الديانة اليهودية. في هذا اليوم يقوم الرب بشطب خطايا وجرائم شعبه المختار بعد أن يتوبوا اليه لكي يستقبلوا العام الجديد بضمائر نظيفة ورؤوس هادئة. ولكن في الحقيقة كي يبدأوا بإرتكاب خطايا وجرائم جديدة حتى يحل يوم الغفران القادم فتشطب الخطايا والجرائم من جديد. وهكذا دواليك، في كل سنة، في مثل هذا اليوم، يقوم الرب الغفور بتنظيف شعبه المختار من جميع آثامه.
ماذا يعني هذا لنا، نحن الذين لا ننتمي الى هذا الشعب المختار، والذين لا يشملهم الرب بغفرانه؟ أولا وقبل كل شيء يعني أن الجرائم التي اقترفتها دولة اسرائيل في ال60 سنة الاخيرة في حق الشعب الفلسطيني قد شطبت جميعها وكأنها لم تكن. لم يكن هناك تشريد شعب بأكمله، لم يكن هناك تدمير لأكثر من 500 بلدة عربية. حتى وإن حصل ذلك فإن الرب قد غفر لشعبه هذه الهفوات البسيطة، فمن نحن حتى نعارض مشيئته.
بالرغم من أن الديانة اليهودية تنص صراحة أن التكفير عن الخطايا المرتكبة في حق الآخرين لا يمكن أن تتم بدون طلب السماح من هؤلاء الآخرين الذين ارتكبت في حقهم هذه الخطايا. الا انه نظرة سريعة للأمور تبين اننا حتى لسنا في تعداد الآخرين. أو اننا نتمي الى صنف من الآخرين المنبوذين. فلا يوجد هناك خطيئة اصلا وبالتالي لامجال للإعتراف بها فكم بالاحرى طلب السماح او محاسبة النفس او التوبة عن الرجوع اليها.
في هذا اليوم بالذات، اقدس ايام السنة، يوم التوبة والغفران، تناقلت وسائل الآخبار موت شابين فلسطينيين آخرين من غزة منعا من تلقي العلاج بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ سنتين لينضما الى قافلة من 249 شهيدا قتلوا بدم بارد بسب منع العلاج عنهم. هذه الجرائم التي يعاقب عليها القانون هل يغفرها الرب الرحيم ايضا؟
في هذا اليوم بالذات، أقدس ايام السنة، قام المستوطنون المتدينين جدا جدا بمهاجمة الفلاحين الفلسطينيين في عدة أماكن وسرقوا محاصيل الزيتون وقلعوا الاشجار كل ذلك بحماية جيش الاحتلال الاكثر تنورا في العالم. هذه الجرائم هي الاخرى سوف تمحى بعد العودة الى الكنائس وذبح بعض الديوك البائسة؟.
في هذا اليوم، اقدس ايام السنة، تقوم قوات الاحتلال بإغلاق المناطق الفلسطينية إغلاقا شاملا، لا عمل، لا تنقل، لا علاج، لا حركة. شعب الله المختار يريد أن يعيد بهدوء وطمأنينة، يريد أن يتخلص من خطاياه بدون إزعاج.
انها لصفقة مربحة حقا: مقابل الامتناع عن الأكل والشرب والغسل والتطيب بالعطور وممارسة العلاقات الجنسية في هذا اليوم ومقابل بعض الطقوس البدائية والكثير من الصلاوات يخرج المستوطن والجندي والسياسي المنتمي لهذا الشعب المختار ناصعا كالثلج بريئا كالطفل.
ولكن إذا كان الله يغفر بهذه السهولة، فالضحايا لا تنسى ولا تغفر. وعندما تستطيع أن تنتقم ولو جزئيا فإنها لا تؤخر. وهذا ما فعلته هذه الضحايا في يوم الغفران بالذات في عام 1973، حيث حاولت الشعوب العربية أن تعيد المعادلة الى وضعها الطبيعي المنطقي: من الجريمة والغفران الى الجريمة والعقاب.
نعم من يرتكب جريمة يجب أن يعاقب عليها اولا، هكذا تنص كافة القوانين البشرية وإذا كان مكان للغفران فإنه يجب أن يأتي بعد العقاب وليس قبله أو مكانه.
إن الجرائم التي إرتكبتها اسرائيل على مدى 60 عاما في حق الشعب الفلسطيني لا يستطيع حتى ألف يوم غفران أن يغفرها.
"الخاتمة الجيدة" التي يهنؤون بها بعضهم البعض في نهاية هذا اليوم ستكون عديمة اية قيمة إذا لم يحاسب كل واحد منهم نفسه خسابا عسيرا، يعترف بخطاياه وجرائمه ويطلب السماح من الضحية أولا.

Tuesday, October 07, 2008

إنتخابات محلية؟ لأ شكرا


قلت في مقال سابق أن الانتخابات (كل انتخابات) في ظل الاحتلال هي بالضرورة مشبوهة وهي تأتي عادة لخدمة مصالح المحتلين وليس لخدمة المواطنين الذين يعانون من نير الاحتلال. وقلت أيضا أن فلسطين كلها محتل من قبل كيان كولونيالي يسمى دولة اسرائيل. الجزء الاكبر منها احتل عام 1948 والجزء الآخر أحتل عام 1967. قد تختلف بعض مظاهر الاحتلال وأشكاله من مكان لآخر ولكن جوهره يبقى ثابت لا يتغير، فالإحتلال هو الاحتلال. وأضفت أيضا انه لا فرق من حيث الجوهر بين الناصرة وأم الفحم وسخنين وبين جنين ونابلس ورام الله والقدس. وتوصلت الى استنتاج مفاده أن كل قائمة تخوض الانتخابات المحلية الوشيكة وكل مرشح لرئاسة بلدية أو سلطة محلية لا يأخذ هذه البديهية بعين الاعتبار فهو بالضرورة يخدم أجندة الاحتلال من حيث يدري أو لا يدري. وبالتالي يجب مقاطعة الانتخابات المحلية اسوة بالانتخابات البرلمانية.
على ضوء حمى الانتخابات التي تجتاح وسطنا العربي هذه الايام من الواضح أن كلامي هذا لا يلقى تجاوبا حتى من قبل المقتنعين به نظريا ويبقى مجرد كلمات تتلاشى في العراء. والتبريرات عديدة، ومن يريد أن يبحث عن تبريرات فأنه سيجدها بغزارة وبعضها يلاقي آذان صاغية. وانا هنا لست بصدد الخوض في هذه التبريرات ولا أفكر في دحضها أو حتى في نقدها. وفي الوقت نفسه انا لا اوزع شهادات بالوطنية على أحد ولا أنزعها عن أحد. كل ما في الامر أن لدي وجهة نظر وارى من حقي بل من واجبي أن أعرضها على الملأ وأدافع عنها. وأرجو من المرشحين على اختلاف مشاربهم أن يوفروا جهودهم وأن لا يأتوا لإقناعي بالتصويت فأنا اقولها بصراحة لكل من يريد أن يسمع: أنا مع المقاطعة.
تقول الدعاية التي يحشون بها رؤوس طلابنا من المدارس الابتدائية مرورا بالثانوية وحتى الجامعات: أن الانتخابات هي من صميم النظام الديموقراطي، وهي حق وواجب ومسؤولية وعلى كل مواطن صالح أن يمارس حقه ويدلو بصوته. كلام جميل. ولكن يبدو أنني لست مواطنا صالحا.
ماذا يقول الواقع؟
قبل أن اتناول الاسباب التي دعتني الى تبني موقف المقاطعة والدعوة اليه والتي لم أذكرها في المقال السابق أود أن أنوه بظاهرة حيرتني: ما هو سر بلوغ نسبة المصوتين العرب في الانتخابات المحلية الى 90 و 95% وفي بعض الاماكن الى 100% وأكثر (إذ يقوم بعض الاموات من قبورهم للتصويت) بينما عند اليهود بالكاد تصل هذه النسبة الى 50%. هل هذا يعني اننا أكثر وعيا وأحرص على خدمة قرانا ومدننا؟ أم لأننا نساق كالقطيع الى صناديق الانتخابات من قبل المتنفذين في عائلاتنا وأحزابنا ومقاولي الاصوات المأجورين؟ أترك الاجابة على هذا السؤال، او الاصح على هذا التساؤول الى كل واحد فيكم.
أذكر بإيجاز الاسباب التي تجعل من مقاطعة الانتخابات المحلية في هذه الظروف الموقف السليم. بعضها ذكر بشكل أو بآخر في مقالات سابقة وبعضها لم يذكر.
1) تشويه الهوية الوطنية الفلسطينية للجماهير العربية: هذه الانتخابات تطمس التناقض التناحري بين كوننا شعب شرد من دياره وأغتصبت أرضه وبين الكيان المسؤول عن هذه الجريمة. هذه الانتخابات ليست أكثر من فتات تقدمها موائد السلطة لكي نرضى بواقع النكبة وتخليد واقع التمزق والشرذمة التي نعاني منه كشعب أصلي على هذه الارض. قانون الانتخابات جاء ليقول لنا: انتم إسرائيليون مرة كل اربع أو خمس سنوات داخل غرف الانتخابات ولكنكم مواطنون مهمشون من الدرجة الثانية او الثالثة فيما تبقى من حياتكم. عملية الانتخابات المحلية هي ليست تحدي لواقع الاحتلال والعنصرية والتمييز بل هي رضوخ له.
2) للإنتخابات المحلية يوجد غايات عملية وملموسة أكثر، منها إلهائنا بالقشور والامور التافهة وإدخالنا في معارك جانبية من أجل الحصول على سلطة وهمية. المهم أن ننسى معاركنا الحقيقية، مثل الحفاظ على الارض والدفاع عنها والعمل على إزالة آثار النكبة. لو قامت زعاماتنا الحزبية والحمائيلية بواحد بالمائة من المجهود الذي تقوم به في هذه المعركة الوهمية لرفع الحصار الاجرامي الذي فرضته نفس السلطات التي منحتهم حق التصويت على قطاع غزة ولأصبح جدار الفصل العنصري هباء منثورا.
3) هذه الانتخابات تعمق الطائفية والعائلية البغيضة والنزاعات في مجتمعنا. وهذا بالضبط ما تريده السلطات وفقا لسياسة: فرق تسد. إننا أجبن من أن نعترف بأن الانتخابات في الناصرة وشفاعمرو والرامة وكفر ياسيف وغيرها من القرى والمدن العربية التي تقطنها أكثر من طائفة، تأخذ منحى طائفي خطير. بينما تسود القرى الاخرى الحمائلية والعائلية التي تفتت حتى العائلات نفسها.
4) الانتخابات المحلية هي دفيئة للفساد والرشوات والمصالح الشخصية وهي مقبرة لكل القيم الانسانية السامية التي من المفروض أن نرفعها عاليا ونربي أبناءنا عليها. فلم يعد هناك مكان للنخوة والشهامة والتكافل الاجتماعي ولسان حالنا يقول: "الشاطر اللي بدبر حاله".
الانتخابات في ظل نظام عنصري وظالم بشكل وحشي، كالنظام الرابض على كواهلنا، لا يمكن أبدا أن تكون نزيهة. فقط عندما تكون هناك قائمة أمينة ومرشح أمين تتحدى الواقع وتحافظ على الثوابت الوطنية وعلى رأسها التمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية يمكن أن تستغل مثل هذه الانتخابات لتربية الجماهير وتعبئتها من أجل إنتزاع حقوقها.

Wednesday, September 24, 2008

أوهام الانتخابات المحلية في ظل الاحتلال







البناء والتطوير، الوحدة والتجديد، النهضة، الاعتصام، العدالة والانقاذ، الحق والحرية، الوفاق البلدي، جبهة العمل الوطني، الخ. الخ. هذا غيض من فيض من القوائم العائلية والحزبية المتكالبة على الانتخابات المحلية والتي تغزو في هذه الايام قرانا ومدننا العربية. المبدا الوحيد الذي يجمع هذه القوائم هو المثل الذي يقول: كلما كبرت الكذبة صدقها الناس. وحبذا لو يقف الموصوتون لحظة قبل إدلائهم بأصواتهم ويتمعنوا في مضمون هذه القوائم التي سوف يمنحون ثقتهم لها ولا ينبهروا بالاسماء الرنانة.
ماذا بنت وماذا طورت قائمة البناء والتطوير؟ ربما في أحسن الحالات بنت بعض الاسوار الواقية كرشوة للإنتخابات وطورت طرق الإلتفاف حول القانون لتمرير بعض المصالح الشخصية. وأين النهضة التي جلبتها قائمة النهضة؟ ولماذا تقود قائمة الوفاق البلدي عملية تمزيق وشرذمة البلد؟ وماذا أنقذت قائمة الانقاذ أكثر من انها انتزعت وظيفة نيابة لزعيمها من الرئيس الذي جاءت لتنقذ البلد من استبداده؟ وأين الوطن من جبهات العمل الوطني المختلفة والاتحادات " الوطنية الديموقراطية" على اشكالها؟
الانتخابات المحلية، هذا العرس الديموقراطي كما يسمونه، أو على الاصح هذه "الخطبة" الديموقراطية، على إعتبار أن الانتخابات للكنيست الصهيوني، غير البعيدة، هي العرس الحقيقي، ليست أكثر من دعارة رسمية، هدفها متعة مؤقتة رخيصة ولكنها تخبئء في طياتها اضرارا جسيمة تمس المجتمع بإسره في صميمه.
قد ابدو قاسيا. وقد يدمغني الكثيرون باللا واقعية والتطرف. ولكن في نظري هذا الموقف هو قمة الواقعية وقمة الاعندال. السؤال الذي أطرحه هنا بسيط للغاية: هل الانتخابات (كل انتخابات) في ظل الاحتلال شرعية؟ هل تعكس في نهاية المطاف رغبة المواطنين أم رغبة المحتلين؟ قد يصرخ الكثيرون: أن الاحتلال موجود في الضفة الغربية وقطاع غزة، اما نحن فإننا نعيش في دولة مستقلة عضو في الامم المتحدة تحظى بالشرعية الدولية واعتراف فلسطيني – عربي – عالمي، فأين الاحتلال؟
أنا ازعم بكل بساطة، وبإستطاعتكم على الاقل أن تتمعنوا بزعمي هذا أو أن تلقوا به فورا في سلة المهملات: أن الناصرة وأم الفحم وسخنين هي مدن فلسطينية محتلة تماما مثل جنين ونابلس والخليل. الفرق هو أن المدن الاولى أحتلت عام 1948 والثانية أحتلت بعد 19 عاما اي في سنة 1967. ولكن جوهر الاحتلال يبقى واحد. ممارسات الاحتلال كانت وما زالت واحدة: تفريغ الارض سكانها الاصليين وممارسة سياسة القمع والتمييز على الباقين وقد رافقتها سياسة منهجية مبرمجة لهدم البيوت والقتل من غير محاكمة، ومصادرة الاراضي، وبناء المستوطنات.
مع الوقت لم تعد الدولة بحاجة للحكم العسكري المباشر لتمرير سياستها في الاراضي المحتلة عام 1948 وإكتفت بالشرطة والامن (الشين بيت) وبالعملاء والمتعاونين المحليين. بينما لم تنجح حتى الان في ممارسة ذلك في المناطق المحتلة عام 1967. هذا الواقع الجديد منح السلطة الفرصة في تحسين ظروف الاحتلال. وكان أحد اشكال تحسين الاحتلال منح المواطنين حرية انتخاب الممثلين المحليين القييمين على تدجين المواطن واقناعه بأن الامتيازات الممنوحة من قبل الاحتلال بالمقارنة بالاحتلال "الآخر" هي مكاسب يجب المحافظة عليها ونسيان الجوانب الاخرى.
كل إنتخابات في ظل الاحتلال هي إنتخابات مشبوهة. فليس من قبيل الصدفة أن الانتخابات في افغانستان المحتلة أفرزت طبقة من العملاء وكذلك الامر في العراق المحتل وفي فلسطين. حتى عندما تكون الانتخابات نزيهة، نتيجة لخطأ في حسابات المحتلين، كما حدث في الانتخابات الفلسطينية الاخيرة ونجاح الطرف الخطأ، فلا تتوانى سلطات الاحتلال أن تكشف عن أنيابها الحقيقية وتستعمل كافة اساليب القتل والارهاب والحصار والتجويع لتصحيح خطأها وإقناع المواطن بأن الديموقراطية الاسرائيلية لا تعني ابدا انتخاب من يريده بل ما يريده الاحتلال. هذا الامر ساري المفعول على الانتخابات المحلية الاسرائيلية ايضا. وليس من باب الصدفة أن الحكومة، بخطوة استباقية، قد سنت قانونا يلزم رئيس السلطة المحلية أن يقسم يمين الولاء للدولة الصهيونية على غرار يمين الولاء الذي يقسمه أعضاء الكنيست والوزراء.
هل يوجد هناك قائمة واحدة تجرؤ أن تقول في برنامجها الانتخابي: نعم، إننا أيضا نرزح تحت نير الاحتلال منذ 60 عاما وإننا نطالب بزوال الاحتلال نهائيا وليس بتحسين ظروفه؟
هل يوجد هناك مرشح واحد لرئاسة بلدية او سلطة محلية يتحدى قانون قسم الولاء المهين والمذل ويقول بأعلى صوته: هذا وطننا ولكن دولة الاحتلال هذه ليست دولتنا، ولي الحق أن أخدم بلدي على هذا الاساس؟؟
ما دام لا يوجد قائمة إنتخابية كهذه ولا يوجد مرشح للرئاسة كهذا فانا ادعو إخواني في هذا الوطن المنكوب الى مقاطعة الانتخابات المحلية.

Wednesday, September 17, 2008

خمسة عشرة عاما على إتفاقيات أوسلو- ألا يكفي؟



لصالح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نسجل نقطة هامة جدا ولافتة للنظر وهي انه بعد 15 عاما على توقيع إتفاقيات اوسلو في حديقة البيت الابيض بقي هو الوحيد في مركز صنع القرار من جميع الموقعين، بل وأكثر من ذلك هو الوحيد الذي أحرز تقدما ملحوظا، من موظف مغمور استمد قوته من خلال مفاوضات سرية بعضها لا يزال في طي الكتمان الى رئيس سلطة. باقي الشركاء في عملية التوقيع إما قتلوا ( اسحاق رابين وياسر عرفات) وإما أنهوا دورهم القيادي وعادوا الى صفوف الشعب ( بيل كلنتون) أو أقصوا عن مراكز صنع القرار (شمعون بيرس ويوسي بيلين). فما هو سر بقاء محمود عباس بل وتسلقه الى قمة الزعامة الفلسطينية؟ وما هو سر تمسكه منقطع النظير بإتفاقيات قضت نحبها منذ سنوات طويلة بإعتراف أشد المتحمسين في تأيديها؟.
بالرغم من المتابعة المستمرة لهذه الاتفاقيات وقراءة الكثير حولها ومن مصادر مختلفة، أعترف بأنني لم اصل الى تحليل منطقي يشفي غليلي يفسر هذه الظاهرة الغريبة. فوجدت نفسي أتذكر أحد أفلام الرعب الامريكية القديمة حول ذلك الشخص المهووس والمختل عقليا والذي يبقي والدته التي ماتت وكأنها ما زالت على قيد الحياة ويعاملها على هذا الاساس وذلك بسبب عجزه عن التحرر من سيطرتها عليه طوال حياتها. فهل يمكن أن يكون ذلك سر تمسك الرئيس الفلسطيني بهذه الجيفة النتنه التي تسمى اتفاقيات السلام التي إنبثقت عنها السطة السقيمة التي يترأسها؟
من المفروض أنه بعد خمس سنوات كحد أقصى بعد التوقيع على هذه الاتفاقيات التي سميت في ذلك الوقت "غزة وأريحا أولا" أن يحل السلام العادل والشامل في المنطقة بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الاراضي الفلسطينية التي إحتلتها اسرائيل عام 1967. ولكن وبعد 15 سنة وكأننا "لا رحنا ولا أجينا"، لا سلام لا شامل ولا جزئي، لا عادل ولا ظالم، اما الكيان المسخ الذي قام والذي يعرف رسميا ب"السلطة الوطنية الفلسطينية" فلا يجرؤ أحد مهما كان دوره او منصبه بتسميته دولة.
لقد قدمت منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت تنازلات هائلة من أجل عيون ما سماه عرفات "سلام الشجعان" فقد تم الاعتراف رسميا بدولة اسرائيل وحقها في الوجود. وتم تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بحيث شطبت كافة البنود التي تتعارض مع هذا الاعتراف. وتمت التضحية بالعديد من الثوابت الوطنية التي لم يكن أحد يجرؤ حتى على ذكرها. وتم إرجاء كافة القضايا الخلافية لمرحلة لاحقة مع التلميح بإمكانية التنازل في هذه القضايا مثل اللاجئين والحدود والقدس والمستوطنات الخ. وتعهدت الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة برعاية هذه المسيرة "السلمية" والعمل الدؤوب من أجل إنجاحها، يساعدها في ذلك جامعة الدول العربية والمؤتمر الاسلامي وأطراف محلية واقليمية وعالمية لا تعد ولا تحصى. ولسخرية الاقدار فإن هذه الاطراف ما زالت ملتزمة بتعهداتها وتبذل جهودها لتحقيق الهدف المنشود: إقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام بالشرق الاوسط.
ولكن لدولة اسرائيل كان راي آخر في هذا الموضوع برمته. طبعا هي تريد السلام، هذا ما صرحت به في ذلك الوقت وما زالت تكرره يوميا على لسان كافة زعمائها: "لن نبقي على حجر إلا ونقلبه بحثا عن السلام" " سوف نقدم التنازلات المؤلمة من أجل السلام". والحالة هذه، لا يسعنا الا أن نعترف بأن دولة اسرائيل تريد السلام. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي سلام تريده دولة اسرائيل؟ انها تريد السلام مع الاستمرار في بناء المستوطنات وتهويد القدس ومنع اللاجئين من العودة الى ديارهم ومواصلة نهب الاراضي والمياه الفلسطينية وبناء الجدار العنصري وقمع كل نضال من أجل الحرية والاستقلال بما فيه الاغتيالات وهدم البيوت والاعتقالات التعسفية.
هذا هو السلام الاسرائيلي، الذي يحظى بتأييد أمريكي – اوروبي – دولي والانكى من ذلك يحظى بتعاطف وتجاوب عربي وفلسطيني. سلام كهذا ليس فقط انه مرفوض فلسطينيا وإنسانيا وإخلاقيا ولكنه مستحيل أيضا.
بعد 15 عاما لم تعد مشكلتنا أصلا مع هذه الاتفاقيات ذاتها، التي انتهت عمليا في لحظة توقيعها ورسميا بعد إنطلاق إنتفاضة الاقصى في عام 2000 ومن ثم الاجتياح المجدد للاراضي الفلسطينية وتقطيع أوصالها ومحاصرة ياسر عرفات في رام الله حتى التخلص منه نهائيا فيما بعد، وفرض الحصار الشامل على قطاع غزة.
مشكلتنا الحقيقية والاساسية هي مع عقلية أوسلو، هذه العقلية الانهزامية التي ورثناها منذ النكبة وما زالت تعشش في رؤوسنا وتثقل كواهلنا. إتفاقيات اوسلو ماتت ولكن عقلية اوسلو ما زالت حية. هذه العقلية التي لا تعرف سوى المفاوضات مهما كانت عبثية وسوى المساومات مهما كان تفريطية وسوى الاستجداء وتقبيل اليد التي تلطمنا صباح مساء.
لقد آن الاوان أن نقبر هذه العقلية الى جانب جثة اتفاقيات أوسلو التي شبعت موتا. ونتخلص من كل الشوائب التي خلفتها وعلى راسها هذا المسخ المسمى بالسلطة الفلسطينية المتنازع عليها حاليا، نزاع يهدد القضية الفلسطينية برمتها.
لقد آن الاوان أن نتبنى عقلية تحررية ثورية وننطلق من جديد نحو الحرية والاستقلال.

Wednesday, September 10, 2008

عارنا من بلفاست الى أريحا


نشرت جريدة هآرتس مؤخرا تقريرا عن ضابط بريطاني يدعى كولن سميث يقوم بمهمة تدريب الشرطة الفلسطينية في أحد المعسكرات في أريحا. اصبت بالذهول وانا أقرا هذا التقرير. للوهلة الاولى لم أصدق ما تراه عيناي، أإلى هذا الحضيض قد وصلنا؟ هل هذا هو مصير الثورة الفلسطينية التي كنا نعتبرها طليعة حركات التحرر الوطني في العالم العربي، لا بل في العالم بإسره؟ شعوري بالذهول تحول الى غضب ولكن بما أن العين بصيرة واليد قصيرة، سرعان ما تحول الى شعور بالخجل والذل والاهانة. يا للعار.
كولن سميث هذا هو ضابط شرطة بريطاني خدم في سلك الشرطة البريطانية 30 عاما منها 15 سنة في ايرلندا الشمالية. يقود طاقما اوروبيا مكونا من 15 خبيرا في هذا المجال، سوف يزداد تعداده قريبا لكي يصل الى 53 شخصا. يعمل منذ بداية السنة في اريحا على تدريب 500 شرطي فلسطيني. وعند الانتهاء من هذه المهمة سوف يباشر بتدريب فوج آخر من رجال الشرطة الفلسطينيين. تركز هذه التدريبات على تفريق المظاهرات، إقامة الحواجز، الاعتقالات، السيطرة على السيارات والمباني. اي بإختصار محاربة ما يسمى في قاموس حكومة فياض بفوضى السلاح والانفلات الامني، وما يسمى في القاموس الامريكي – الاوروبي – الاسرائيلي الارهاب الفلسطيني، والمعروف في قاموسنا بالشعبية للإحتلال.
يقول هذا الضابط بدون خجل او حياء: " جئت هنا لأساعد من تجربتي ومعرفتي التي اكتسبتها خلال 15 سنة كضابط مخابرات في ايرلندا الشمالية وكرئيس الوحدة الدفاعية لتفريق المظاهرات".
هل يعرف رجال الشرطة الذين يتلقون التدريب في اريحا هذا الرجل؟ ويعرفون نواياه والمهمة التي أوكلت اليه لتنفيذها؟ الا يخجلون من أنفسهم؟ ألم يسمعوا عن نضال الشعب الايرلندي من أجل الحرية والاستقلال وعن الجرائم البريطانية في حقهم؟ ألم يخبرهم أحد عن وجوه الشبه بين القضية الايرلاندية والفلسطينية وبحكم ذلك عن التعاطف بين الشعبين؟
يتدرب رجال الشرطة على تفريق المظاهرات بالطرق الحديثة والناجعة. ولكن أي مظاهرات يعنون؟ المظاهرات ضد الاحتلال؟ ضد الجدار العنصري الفاصل؟ هل هذه مهمة الشرطة الفلسطينية أن تعمل كمقاول ثانوي عند الشرطة الاسرائيلية وتقوم بالاعمال القذرة نيابة عنها؟ وما هي الحواجز التي يتدربون على استعمالها؟ الا يكفي الحواجز الاسرائلية التي تقطع اوصال البلد طولا وعرضا؟ وألا تكفي المداهمات والاعتقالات التي تقوم بها قوات الاحتلال يوميا؟ لقد جرى التطبيق الاولي لهذه التدرييات في جنين ونابلس حيث تنفذ الشرطة الفلسطينية ما تمليه عليها قوات الاحتلال الاسرائيلية.
عمل الضابط البريطاني في الشرطة جاء ليكمل عمل الضابط الامريكي كيث دايتون في المؤسسات الامنية الاخرى. وقد صرح هو الآخر كما ورد في جريدة هآرتس: " انا أمريكي ، وموجود هنا لخدمة المصالح الامريكية وتطوير العلاقات بين بلدينا، أعمل بالتنسيق الكامل مع قوات الامن الاسرائيلية والهدف من التدريبات أن يعمل الامن الفلسطيني أكثر لكي يعمل الجيش الاسرائيلي أقل" وهذا يتناغم مع تصريحات عبدالرزاق اليحيى أمام المتدربين في الاردن: "أنتم لا تتعلمون هنا لمحاربة اسرائيل او لمقاومة الاحتلال، ولكن لمحاربة الانفلات الامني، الجريمة والفوضى في فلسطين والمجموعات المسلحة. فإذا قمتم بواجبكم كما ينبغي فسيكون لدينا مشروع وطني ناجح".
يبدو انه يوجد هناك توزيع أدوار واضح: الاتحاد الاوروبي يقوم بتدريب الشرطة لكي تستطيع إعفاء الشرطة الاسرائيلية من بعض مهماتها الصعبة والمكلفة. الولايات المتحدة الامريكية تقوم بتدريب ما يسمى بقوات الامن الوقائي وتسمياته الحديثة "الامن الوطني" و"حرس الرئاسة" لكي تعفي جيش الاحتلال من بعض ممارساته الاجرامية. الدول العربية وخصوصا مصر والاردن والسعودية ودول الخليج، تساهم هي الاخرى بالتمويل والتدريب والسلاح الموافق عليه اسرائيليا. وأخيرا السلطة الفلسطينية التي تتعهد بتنفيذ هذه السياسة للحصول على شهادة حسن سلوك لكي تحسن حظها في المفاوضات التي لا تنتهي. كل هذا من أجل عيون إسرائيل.
هذا الوضع مأساة حقيقية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني. وهو يتعدى الصراع الدموي بين تنظيمي حماس وفتح وتذبذب باقي الفصائل. لا اصدق أن الشرفاء في حركة فتح يقبلون هذا الوضع. الجريمة أن يتم ذلك بإسمهم. الشرفاء في حركة فتح إما أنه تم إغتيالهم أو إعتقالهم أو مطاردتهم أو تهميشهم. الحكومة برئاسة سلام فياض ليست فتحاوية حتى ولو تم شراء بعض الرموز الفتحاوية لتزينها وإضفاء الشرعية عليها.
على الجماهير الفلسطينية أن تتكاتف وتتعاضد حتى تضع حدا لهذه المأساة وتطرد ضابط الشرطة البريطاني سميث والضابط الامريكي دايثون وامثالهما وتطهر الارض الفلسطينية من دنسهما، وتحاسب المتطاولين على القضية الفلسطينية مهما كانت المراكز التي يتبوأونها. يجب على جموع الشعب الفلسطيني بغض النظر عن إنتماءاتها التنظيمية أن تغسل هذا العار الذي لطخ عدالة قضية شعبنا الناصعة.
علي زبيدات - سخنين

Wednesday, September 03, 2008

المجلس التربوي العربي: ليس تربويا وليس عربيا


لست معلما. ولا أطمح بأن أكون من ضمن من يعنيهم الشاعر أحمد شوقي بقوله: كاد المعلم أن يكون رسولا. ولست من حملة الشهادات والالقاب التي تسبق الاسماء في كل كل مكان تظهر بها لكي تضفي عليها نوعا من الوقار والاحترام. ولست ممن يطلقون على انفسهم، او يطلق عليهم الآخرون اسم المربي. ولكن بعد قراءة البيان لذي صدر قبل فترة عن "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل" واللجنة "المهنية" المنبثقة عنها "لجنة متابعة قضايا التعليم العربي"، تحت عنوان: المجلس التربوي العربي – حق جماعي وحاجة تربوية، قررت أن أجازف وأحشر انفي في هذا الموضوع بعد أن لمست مدى التشويه والمغالطة التي يتضمنها هذا البيان خصوصا فيما يخص بقضايا الهوية الوطنية. وبعد أن لمست الصمت الصارخ من قبل المثقفين والمفكرين إزاء هذه التشويهات والمغالطات.
فكرة اقامة المجلس التربوي العربي كما يقول القيمون عليها جاءت كرد على سياسية التمييز التي تنتهجها وزارة التربية والتعليم في كافة المجالات التي تتعلق بالتعليم العربي في البلاد، بهدف رفع الغبن الواقع عليه والمشاركة في رسم السياسات والقرارات والعمل على استقلاليته. ولكن حسب رايي، وهذا ما احاول ان اشرحه في السطور القادمة، أن مثل لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، كما يقول مثلنا العربي: جاء ليكحلها فعورها بل وعماها.
"نحو إستعادة المسؤولية على التعليم العربي، مساواة جوهرية، شراكة حقيقية، وإعتراف بالخصوصية الثقافية" هكذا تلخص اللجنة مهام المجلس التربوي الجديد. ماذا يعني هذا الكلام؟ هل كانت مسؤولية التعليم العربي في السابق بين يدي هذه الجنة او أي جسم عربي آخر، وجاءت وزارة التربية والتعليم وصادرته والآن المطلب هو استعادة المسؤولية؟ كلنا يعلم أن التعليم العربي منذ بدايته، ومن الفه الى يائه هو نتاج وزارة التعليم التربية والتعليم بمساهمة فعالة من قبل المخابرات الاسرائيلية (الشين بيت). وما هي المساواة "الجوهرية" التي يطالب بها المجلس؟ وهل يوجد هناك أصلا مساواة غير جوهرية؟ هل المساواة الشكلية أو الظاهرية هي مساواة؟ قد يظن البعض أن المقصود، حتى ولو لم يقال ذلك صراحة، مساواة التعليم العربي بالتعليم اليهودي السائد. ولكن يبدو أن هذا ابعد من طموحات المجلس التربوي، وكما جاء في نص البيان يظهر أن التعليم الديني اليهودي الذي يحظى بإستقلالية هو النموذج المطلوب والمطالب به.
أما المشاركة الحقيقية فإنها تعني المشاركة في رسم السياسات وإتخاذ القرارات وعدم الاكتفاء بتنفيذها. فإذا راعينا التفسير المنطقي لهذا التصريح فسوف نصل الى نتائج سخيفة من حيث لا معقوليتها. فإذا كنا متفقين جميعا أن هذه السياسات والقرارات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم هي مصدر مصيبة التعليم العربي، فكيف نطالب بالمشاركة الفعالة بها؟ أم هل المقصود اللجوء الى النظرية الوهمية التي تدعو الى التغيير من الداخل؟ لذلك يسرع البيان بالقول:"يطرح المجلس التربوي العربي نفسه كمبادرة بإمكان الوزارة أن تتعاطى وتتعاون معها، وليس كبديل لوزارة المعارف وللسكرتارية التربوية فيها"
وأخيرا وليس آخرا، ما هي الخصوصية الثقافية التي يتكلم عنها القيمون على هذا المجلس؟ يؤكد البيان أن هذه الخصوصية منسجمة مع التصور المستقبلي الصادر عن لجنة المتابعة والذي روجت له بإعتباره إنطلاقة نوعية في علاقة "الاقلية العربية" مع الدولة. ولكنه لم يكن في الحقيقة أكثر من محاولة تهجين الهوية الوطنية الفلسطينية لكي تصبح مقبولة اسرائيليا.
حسب رايي أن مأزق المجلس التربوي، كمأزق والديه: لجنة المتابعة العليا ولجنة متابعة قضايا التعليم، نابع من تعريف المواطن العربي الفلسطيني في هذه البلاد. كما نص عليه بيان المجلس التربوي وكما نص عليه التصور المستقبلي من قبل: " المواطن العربي ينتمي الى الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت هو مواطن في دولة اسرائيل". هذا التعريف الذي يظن المروجين له انه يحافظ على الهوية الوطنية الفلسطينية يقوم في حقيقة الامر بتشويه هذه الهوية. اليوم يستطيع كل شخص، حتى ولو كان عضو كنيست في حزب صهيوني أو وزير في الحكومة الاسرائيلية، أن يقوم ويقول بفم ملآن وبدون أن يرجف له جفن:"أنا عربي فلسطيني إسرائيلي" دائسا على جميع التناقضات النابعة عن هذا التعريف المشوهة للهوية الوطنية، متجاهلا عشرات السنين من الصراع التناحري بين الهوية الفلسطينية المذبوحة والهوية الاسرائيلية الغاصبة.
يبرر المتابعون (انصار لجان المتابعة المختلفة) وربما أصح ان نقول "المطبعون" نظرياتهم وممارساتهم التوفيقية بأنه بالرغم من إنتمائنا للأمة العربية والشعب الفلسطيني إلا ان ظروفنا الخاصة تفرض علينا واقعا مختلفا وبالتالي تلقي على أكتافنا مهاما مختلفة. في هذا الصدد تستذكرني مقولة لكارل ماركس أقتبسها هنا:" أن النظرية المادية التي تقر بأن الناس هم نتاج الظروف والتربية، وبالتالي بأن الناس الذين تغيروا هم نتاج ظروف اخرى وتربية متغيره، هذه النظرية تنسى أن الناس هم الذين يغيرون الظروف وأن المربي هو نفسه بحاجة الى تربية".
كان من الاحرى بلجنة متابعة قضايا التعليم العربي وبرئيسها في السنوات الاخيرة الذي هو في الوقت نفسه رئيس قسم التربية والتعليم في بلدية سخنين، من أجل زيادة مصداقيتها ومن أجل مصداقيته الشخصية، أن يعمل على حل مشاكل التعليم المتفاقمة في مدينته، والتي بسببها استقبل الطلاب وأولياء الامور في كافة المدارس السنة الدراسية الجديدة بالاضراب. من المعروف أن قسم التربية والتعليم في البلدية من أكثر الاقسام تعاسة.
مما لا شك فيه أن حالة التربية والتعليم العربي يرثى لها وان العمليات التجميلية التي تدعو لها لجنة المتابعة غير مجدية بل تزيد الطين بلة. هذه الحالة سوف تبقى ما بقيت الهيمنة الصهيونية السياسية والثقافية. الخروج من هذه الحالة يجب أن يكون جزءا من عملية التحرير الشامل.

Wednesday, August 27, 2008

بؤس الديموقراطية وديموقراطية البؤس



تجتاح مدننا وقرانا العربية حمى شديدة الارتفاع هي حمى الانتخابات المحلية. وهي ككل حمى مرضية مرتفعة تنقل المصاب بها الى حالة من الهذيان والهلوسة بالاضافة الى اعراض اخرى عديدة مثل الصداع والاسهال والغثيان. حمى الانتخابات المحلية تصيب أول من تصيب معظم المرشحين لرئاسة البلديات والمجالس المحلية الذين يتوهمون ويوهمون بأنهم المسيح المنتظر الذين سوف يحولوا بلداتهم الى جنة عدن على الارض وسرعان ما يبدؤون بالهذيان حول مقدراتهم الخارقة وبطولاتهم الوهمية ويصابون بالاسهال الشديد في الشعارات الرنانة والخطابات الحماسية الملتهبة، ومن ثم ينتقل هذا الفيروس الى باقي الناس حيث تسود حالة عامة من الصداع والآلام الشاملة تصل عند بعض المرهفين حسيا الى حالة من الغثيان والتقيوء.
من يتابع المواقع الاخبارية الالكترونية والجرائد المحلية، او من يمشي في الشوارع في هذه الايام ويدخل الدواوين المتزايدة على قارعة الطرقات لا بد أن يصاب بعدوى هذه الحمى خصوصا اذا كانت المناعة عنده ضعيفة، ويسمع أمورا تصدق وأخرى لا تصدق.
فهذه العائلة الكبيرة، من تلك المدينة العامرة، تدعو أفرادها الى إجتماع عام لإختيار أو انتخاب مرشحها للرئاسة (برايمريز عائلي) وتتصرف وكأنها حزب سياسي لكل شي. في اليوم التالي نقرا الخبر في احد المواقع الاخبارية أو يوم الجمعة في احدى الصحف، تحت العنوان التالي: "عقد مساء أمس الاربعاء إجتماع تحضيري أولي لعائلة "فلان" في "اسم البلد" والذي اجتمع من خلاله كبار العائلة والشباب والنساء". وكثيرا ما يتم إنتخاب الدكتور فلان أو المهندس علان. ولكن هذا ليس شرطا فقد يتم إختيار شخص أمي أو شبه أمي إذا كان يملك القليل من الطموح والكثير من الفلوس. وهذا يعني أن المثقف وغير المثقف في الهوا سوا وجميعهم يصابون بنفس الحمى ويعانون من الاعراض نفسها.
بالمقابل نرى الاحزاب السياسية التي تحمل اسما طويلا مشبعا بالمصطلحات السياسية من ديموقراطية ووطنية وتقدمية ودينية، تلهث وراء العائلات المختلفة باحثة عن حفنة من الاصوات حتى ولو باعت هذه المصطلحات التي تزين اسم احزابها بأبخس الاثمان.
قبل عدة سنوات، عندما كنت محسوبا على إحدى الحركات الوطنية، وبعد جهد جهيد من المداولات والنقاشات حتى استطعنا الاتفاق على قائمة المرشحين، وفي اللحظات الاخيرة قبل تقديم القوائم جاءني بعض القياديين في الحركة وقالوا: اسمع يا رفيق، صحيح نحن حركة وطنية، تقدمية ومبدئية ولكن في صناديق الانتخابات لا يوجد هناك اوراق وطنية ومبدئية بل يوجد أوراق عائلية لذلك قررنا تغيير قائمة المرشحين لأن العائلة الفلانية وعدتنا بمنحنا اصواتهم اذا وضعنا ابنهم في مكان متقدم من القائمة.
عندها تذكرت مقولة ذلك الزعيم الصيني (الذي كان يتصدر الاخبار في ذلك الوقت) الذي اعاد الرأسمالية للصين الشعبية: "لا يهم إذا كان القط أحمر أم أسود ما دام يصطاد الفئران".
في الانتخابات الاخيرة، بعدما أعلنت كفري بجميع الاحزاب والتنظيمات والقوائم الانتخابية مهما كان لونها وشكلها، جائني بعض المثقفين من الحارة لاقناعي بالتصويت لأحد المرشحين من الحارة وفي أفواههم الحجة التالية: "يا أخي أنت تعلم أن حارتنا مهملة منذ سنوات ولا أحد منذ إقامة البلدية وحتى اليوم كلف خاطره والتفت الينا، وها هو "فلان" إبن الحارة قد وعدنا بأن يعمل على خدمة الحارة وتقدمها، فواجب علينا أن نمنحه أصواتنا".
لا أدري من أين تأتينا الوقاحة لنطالب العالم بأن يعترف بنا كشعب، ونحن نحمل في رؤوسنا عقلية الحارة ولا نعترف بأنفسنا حتى كقرية او مدينة.
هذا هو العرس الديموقراطي إذن. انه يشرذمنا الى حارات وطوائف وحمايل. هذا العرس الذي يزوجنا زواج متعة مبني على المصالح الخاصة.
اما الانتخابات الراهنة، فقد قدم اعرق واكبر حزب على الساحة المحلية والوطنية افضل مسرحية في الادب السياسي التجريدي أو الرمزي أو اللامعقول، إختارو ما تشاءون، عندما إختار مرشحه لرئاسة البلدية بالاجماع في عملية ديموقراطية سوف تدرس قريبا في الكليات والجامعات. ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، فهي متوفرة في كل مكان.
هذه الديموقراطية التعيسة التي تختزل جميع القيم كل أربع سنوات في ورقة صفراء مهما وصل ثمنها تبقى رخيصة. هذه الديموقراطية التي تجرف المثقفين والشباب، والمفروض أن يكونوا هم عماد المجتمع وضمان تقدمه، الى مستنقع المصالح الشخصية الضيقة، والفساد والرشوات.
نبقى نحن، بؤساء هذه الامة، من يدفع ثمن هذه الديموقراطية البائسة.

Wednesday, August 20, 2008

النوايا الخبيثة للحكومة الاسرائيلية



منذ التوقيع على إتفاقيات أوسلو واسرئيل تتبع ما يسمى سياسة "النوايا الحسنة" في تعاملها مع قضية الاسرى السياسيين الفلسطينيين. كانت هذه "النوايا الحسنة" دائما وما زالت قناعا شفافا للنوايا الخبيثة الحقيقية للحكومة التي سرعان ما تطفو على السطح بعدة فترة قصيرة. فكلما دخلتا لمفاوضات بين الطرف الاسرائيلي والطرف الفلسطيني الى طريق مسدود، أو كلما إزداد الضغط الدولي على الحكومة الاسرائيلية، أو كلما ارادت الحكومة الاسرائلية تنفيذ خطة معينة تلاقي معارضة فلسطينية او دولية، مثل توسيع الاستيطانن او بناء الجدار العازل او المضي في تهويد القدس، ولذر الرماد في العيون كانت تلجأ الى هذه "النوايا الحسنة" وتطلق سراح بعض الاسرى.
لقد اصبحت هذه اللعبة الاسرائيلية مفضوحة حتى في عيون المفاوضين الفلسطينيين الذين قدموا وما زالوا يقدمون التنازل تلو التنازل لإرضاء الطرف الاسرائيلي. فقد كانت الحكومة الاسرائيلية في جميع نواياها الحسنة تختار عدد ضئيل من الاسرى غالبا من ذوي الاحكام الخفيفة، او الذين شارفوا على انهاء مدة سجنهم ولم يتبق لهم سوى شهور معدودة، وفي كثير من الاحيان لم يكن هؤلاء اسرى سياسيين اصلا، بل سجناء جنائيين. والانكى من ذلك انها كانت وخلال فترة وجيزة تعتقل اضعاف اضعاف عدد المحررين.
ألاخبار الاخيرة عن إطلاق سراح 199 اسيرا فلسطينيا كبادرة "حسن نية" تجاه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لا تحيد عن هذه الاستيراتيجية قيد انملة، اللهم سوى أن النوايا الخبيثة التي تقبع ورائها تزداد خبثا عن سابقاتها.
لقد جاءت هذه البادرة بعد عملية تبادل الاسرى مع حزب الله والتي كانت الحلقة الاخيرة من مسلسل الهزيمة الاسرائيلية في حربها الاخيرة ضد لبنان. وجاءت قبل الوصول الى إتفاقية تبادل الجندي المختطف جلعاد شليط باسرى فلسطينيين. الرسالة التي تريد الحكومة الاسرائيلية نشرها وتعميمها، أنه يمكن إطلاق سراح الاسرى من خلال المفاوضات والنوايا الحسنة للحكومة وليس من خلال إختطاف جنود إسرائيليين وإرغام الحكومة على التبادل. ولكنها في هذه المرة بالذات تريد تمرير رسالة أخرى أشد خبثا، فهي تريد صب الزيت على النار لإذكاء نار الفتنة بين حركتي حماس وفتح وتأجيج النزاع فيما بينهما وذلك بالتعاون مع أوساط متنفذة داخل السلطة التي أبدت إمتعاضها من إمكانية أن تحقق حركة حماس انجازات في اطلاق سراح عدد أكبر من الاسرى التي كانت إسرائيل ترفض على الدوام إطلاق سراحهم. وقد وصل الامر بهذه الاوساط المتنفذة أن تضغط على الحكومة الاسرائيلية لرفض مطالب حماس بإطلاق سراح بعض الاسرى لكي لا يفسر ذلك وكأنه نصر لها وبالتالي يزيد من قوتها وشعبيتها. فالنوايا الخبيثة للحكومة الاسرائلية تلتقي مع النوايا الخبيثة لهذه الاوساط. وجاءت هذه البادرة الاخيرة لتوفر القناع لهذة النوايا الحقيقية.
العقلية الاسرائيلية لم تتغير بتاتا: أكثر من نصف المحررين قد أنهوا القسم الاكبر من محكوميتهم. الاسرى جرى انتقائهم من التنظيم الاكبر الذي ما زال يقود العمية التفاوضية العقيمة، والاعتقالات الاسرائيلية ما زالت تجري على قدم وساق. حسب تقارير رسمية، أعتقلت اسرائيل منذ العودة من مؤتمر آنا بوليس الذي وعد بتحقيق السلام حتى نهاية هذه السنة، 3700 أسيرا فلسطينيا جديدا، 1751 اسيرا منذ بداية هذه السنة، و 313 في الشهر الاخير.
إذن، ما هو الجديد في "بادرة النوايا الحسنة" هذه؟ يقول البعض أن الحكومة الاسرائيلية توافق لأول مرة على إطلاق سراح أسرى "ملطخة ايديهم بالدم الاسرائيلي" من خلال الموافقة على إطلاق سراح اسيرين امضيا حوالي 30 سنة في السجون الاسرائيلية. هل يوجد هناك ضابط او جندي إسرائيلي يديه ليست ملطخة بالدم الفلسطيني؟ أم أنه يجري في عروق الفلسطيني ماء وليس دماء؟ كم جندي ومستوطن تلطخت يديه بالدم الفلسطيني وجرت محاكمته ومعاقبته؟ كم مستوطن سفك دما فلسطينيا وما زال يرتع ويلعب حرا طليقا؟ من المؤسف اننا بدأنا نستعمل المصطلحات الاسرائيلية نفسها. فإذا كان سفك الدماء هو المعيار لدخول السجن، فعلينا أن نزج بنصف المجتمع الاسرائيلي لكي يتعفنوا بالسجون. انه لمن سخرية الاقدرا أن يتكلم براك وموفاز وديختر وغيرهم عن الاسرى الفلسطينيين "الملطخة ايديهم بالدماء" وهم يقطرون بالدم الفلسطيني من رؤوسهم الى أخمص أقدامهم.
قضية الاسرى الفلسطينيين هي قضية سياسية تماما كقضية عودة اللاجئين وتحرير الارض المغتصبة. يجب التوقف عن إستجداء الحكومة الاسرائيلية واللهث وراء "نواياها الحسنة". يجب إطلاق جميع الاسرى بدون قيد أو شرط.

Wednesday, August 13, 2008

السلام على طريقة أولمرت



نشرت صحيفة هآرتس مسودة إتفاق "سلام" قدمها رئيس الحكومة الاسرائيلية أيهود أولمرت الى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وقد أورد هذا الخبر في الجريدة المذكورة الصحفي آلوف بن المعروف بعلاقاته الوثيقة بالدوائر الحاكمة وبمصادره المطلعة. لا أظن أن تسريب هذه المسودة ( او إتفاقية الرف، كما تسمى) في هذا الوقت بالذات جاء عن طريق الصدفة بل كان مخطط له تماما لكي يساهم في صمود اولمرت في ايامه الاخيرة في منصبه كرئيس حكومة.
أهمية هذه المسودة "الوثيقة" انها جاءت لتفضح مفاوضات أكثر من 18سنة حول ما يسمى السلام الاسرائيلي – الفلسطيني منذ مؤتمر مدريد وحتى اليوم. جاءت لتؤكد أنه بالرغم من تناوب ستة رؤساء حكومة وتشكيل إئتلافات متعددة من أحزاب اليسار والوسط واليمين الصهيونية فإن العقلية الاسرائيلية المتعجرفة والمعادية لأبسط معايير العدل والسلام لم تتغير. وقد آن الاوان للمفاوض الفلسطيني مهما كان جبانا ومتخاذلا أن يسأل نفسه سؤال بسيط وهو: هل بإستطاعة إسرائيل أن تتصرف بشكل يتناقض مع طبيعتها العدوانية وتجنح خقا للسلام؟
يكرر أولمرت الكذبة التي روجها ايهود براك وبيل كلينتون قبل عدة سنوات في أعقاب مؤتمر كامب ديفيد الذي رفض المرحوم عرفات التوقيع على مقترحاته، الكذبة التي قالت أن اسرائيل قدمت للفلسطينيين عرضا سخيا ولكنهم رفضوه. يقول اولمرت انه سيعيد 93% من الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 بينما سيتم مقايضة ال7% المتبقية ب 5.5% من أراضي النقب وهذا يعني إعادة 98.5% من الاراضي المحتلة. الكذبة الاولى في هذه الأرقام هو أن اولمرت استثنى القدس التي تم توسيعها حتى اصبحت تضم حوالي ربع اراضي الضفة الغربية. هذه الاراضي الحقت عنوة بإسرائيل لكي تشكل "العاصمة الابدية" للدولة اليهودية. إقتراح اولمرت يدعو الى ضم الكتل الاستيطانية الكبرى وهذا بحد ذاته يكرس واقع تجزئة وتمزيق ما تبقى من الاراضي الفلسطينية ويجعل من اقامة دولة مستقلة عليها مستحيلا. جدار الفصل العنصري الذي ادعت اسرائيل لسنوات أن هدفه امني لحماية المواطنين سيشكل الحدود المستقبلية بين الدولتين.
ولكن كذبة الانسحاب من الاراضي المحتلة حسب اتفاقية اولمرت ليست الكذبة الوحيدة. فالكذب وتزييف الحقائق والاجحاف يطول كافة البنود المقترحة. ولنذكر أهمها:
1- إنكار حق العودة للاجئين، وهذا موقف صهيوني ثابت منذ عام النكبة وحتى اليوم. يوحد جميع الاحزاب الصهيونية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار.
2- القدس، للحفاظ على الائتلاف الحكومي الهش، لم تذكر حتى ولو بكلمة واحدة. وهذه خطوة الى الوراء حتى بالمقارنة مع المقترحات الاسرائيلية السابقة.
3- المستوطنات الرئيسية ستبقى وستضم الى اسرائيل، اما الاخرى فقد وعد بإزالتها وكلنا يعلم الفرق الشاسع بين الوعود الاسرائيلية والتنفيذ.
4- الحدود، جدار الفصل العنصري الذي ينهب مساخات واسعة من الاراضي الفلسطينية ويقطع اوصال ما تبقى منها سيشكل الحدود المستقبلية
5- الدولة الفلسطينية المقترحة سوف تكون منزوعة السلاح، تخضع لترتيبات أمنية اسرائيلية، مزروعة بالحواجز العسكرية في كل معبر وطريق. اي أن الاحتلال مستمر.
هذه هي رؤية اولمرت للسلام مع الفلسطينيين، وهذه هي رؤيته للدولة الفلسطينية المقترحة. بالطبع بعد ذلك يمكن تسمية هذه الدولة " الجمهورية الفلسطينية العظمى" أو"امبراطورية فلسطين" إذا شئتم.
في الحقيقة لا تكمن المشكلة في المقترحات الاسرائيلية مهما كان مصدرها ومهما كان شكلها، ولكنها تكمن في استعدادنا منقطع النظير للتجاوب معها وتصديقها. قد يدعي البعض وبحسن نية، انه لن يكون هناك فلسطيني واحد يقبل بمثل هذه المقترحات. وانا هنا أحذر من هذه النظرة الساذجة وقصيرة النظر للأمور. وأقول انه يوجد هناك أوساط فلسطينية واسعة ليس فقط انها مستعدة لتقبل هذه الاقتراحات، بل انها على اتم استعداد لقبول مقتراحات أقل منها ايضا. المساومة تجر المساومة. والتنازل يجر التنازل، والمنتفعون يتكالبون.
لذلك على جماهير شعبنا أن تبقى بالمرصاد. هناك مؤشرات عديدة تشير الى انه بالرغم من الرفض اللفظي لهذه المقترحات وبالرغم من التمسك اللفظي ايضا بشعارات ما يسمى "الثوابت الوطنية"، تبذل جهود حثيثة من خلال استمرار المفاوضات العبثية السرية، للتوصل لإتفاق يهضم الحقوق الطبيعية المشروعة للشعب الفلسطيني. ولا أدري اذا كان التصريح الاخير لرئيس الوفد الفلسطيني المفاوض الذي يقول: اذا رفضت اسرائيل اقامة الدولة الفلسطينية فإننا سنطالب بالانضمام الى دولة ثنائية القومية، يصب في هذا الاتجاه. الكلام عن الانضمام الى اسرائيل لا يعني سوى الاعتراف وقبول الاحتلال.

Wednesday, July 30, 2008

أزمة الفكر العربي


دراسة الفكر العربي موضوع واسع لا تستطيع اية مقالة صحفية أن توفيه حقه. وقد كتب في هذا المجال العديد من الدراسات والابحاث والكتب. لعل اوسعها واشملها واعمقها كانت الكتاب الموسوعي للمفكر محمد عابد الجابري "نقد العقل العربي" والرد الموسوعي ايضا على هذا الكتاب للمفكر جورج طرابيشي: "نقد نقد العقل العربي". ولكن يبدو ان النقد بحد ذاته مهما كانت أهميته ومهما كان عمقه وصوابه فإنه لا يكفي لإجراء تغيير جذري على الفكر العربي وبالتالي على نتائج نشاطاته.
في هذه المقالة المقتضبة أود أن اضع الاصبع على بعض الصفات التي تجسد أزمة الفكر العربي الراهن، خاصة الفكر السياسي، والتي حسب إعتقادي هي السبب الرئيسي في شلل العالم العربي وتخلفه على كافة المستويات.
ننطلق من بديهية لم يعد ينكرها أحد وهي أن العالم العربي يعاني من تخلف حضاري على كافة المستويات، تخلف وضعه على هامش التاريخ بل وفي كثير من الاحيان أقصاه عن التاريخ نهائيا. مظاهر هذا التخلف عديدة تكاد لا تعد ولا تحصى أكتفي بذكر أهمها:
اولا، على الصعيد السياسي:
بعد قرون من الركود الذي ميز الحكم العثماني وقعت البلدان العربية تحت الهيمنة الامبريالية اما مباشرة واما بشكل غير مباشر. بعد رحيل القوى الامبريالية ونيل الاستقلال، لم يكن هذا الاستقلال الا شكليا، حتى في البلدان التي خاضت نضالا ثوريا من أجل استقلالها مثل الجزائر واليمن. وهكذا خرج الاستعمار بشكله القديم وعاد بشكله الجديد الامبريالي. ولعل أكبر دليل على تخلف العالم العربي في هذا المجال هو هزيمته المتكررة أمام الحركة الصهيونية وفشله في منعها من تحقيق مشروعها الا وهو قيام دولة اسرائيل. مظهر آخر ومهم للتخلف السياسي هو حالة التشرذم الذي يعيشه العالم العربي وصراعاته المتبادلة وإخفاقه في بناء نظام حديث يواكب التطورات العالمية.
ثانيا،على الصعيد الاقتصادي:
بالرغم من غنى البلدان العربية في المعادن ومواد الخام وخصوصا النفط الذي يعتبر روح الصناعة الحديثة، وبالرغم من سعة هذه البلدان وخصوبة اراضيها، الا انها من أكثر بلدان العالم تخلفا على الصعيد الصناعي والزراعي. أغلبية السكان يعيشون في ظل فقر مدقع يقارب المجاعة، بينما تعيش طبقة ضئيلة في ثراء فاحش. بشكل عام، العالم العربي من المحيط الى الخليج هو عالم استهلاكي غير منتج وهذا الامر يكرس التخلف.
ثالثا،على الصعيد الفكري والثقافي:
ما زالت نسبية الامية في العالم العربي من أعلى النسب في العالم. يكاد يكون الابداع في كافة المجالات معدوما، مما يؤدي الى هروب العقول العربية الى اوروبا وامريكا. حتى في حياتنا اليومية ما زلنا ضحايا لعادات وتقاليد بالية أكل الدهر عليها وشرب، وهي التي تحدد افقنا الحضاري والثقافي.
إذن، هذا هو واقعنا بإختصار. أمام هذا الواقع هل من باب الصدفة أن تستطيع دولة اسرائيل الصغيرة أن تسيطر على المارد العربي الذي يغط في سبات عميق يشبه الموت؟. كلا بالطبع. السبب يكمن في تخلفنا الحضاري. ولا يفيدنا قيد انملة التباكي على ماضينا المجيد عندما كنا مهد الحضارة بينما كان غيرنا يعيش في ظلمات القرون الوسطى.
حسب رأيي تخلفنا هذا هو نتيجة مباشرة وحتمية لتخلف الفكر العربي، العقل العربي او العقلية العربية، وكلها مصطلحات متقاربة تشير الى شيء واحد. المجتمعات مثل الافراد. فإذا كان الفرد مضروب في عقله فلن تفيده صحته ولا جماله ولا طيبة قلبه. العقل السليم هو المحرك لكل شيء وهو الذي يحدد كل شيء، لسلوك الافراد كما لسلوك الشعوب والامم.
لا يستطيع أحد أن ينكر انه كانت هناك، على الاقل في القرن الاخير، محاولات لتجديد الفكر العربي. وظهرت هناك تيارات عديدة ومتنوعة تنادي بالاصلاح والتجديد، ولكنها باءت بالفشل. كلما ازدادت هذه التيارات عددا كلما زاد عقمها، وبدلا من أن تقود الى تعددية وثراء قادت الى تشرذم وإنغلاق. إذا صنفنا هذه التيارات الفكرية الى ثلاثة معسكرات واسعة هي الاسلامية والقومية والاشتراكية، نرى انها جميعها فشلت بالرغم من انها جميعها تدعي النجاح الباهر. فالتيارات الاسلامية ما لبثت حتى اصطدمت مع نفسها، فمنها من نادى بعودة الخلافة الاسلامية ومنها من نادى بإقامة دولة ثيوقراطية يحكمها رجال الدين، ومنها من نادى بالاصلاح والصحوة وولاية الفقيه، الخ. ولكنها جميعها وقفت عاجزة امام انجاز عملي واحد. وذلك حسب اعتقادي لعدم مقدرة المفكر المسلم أن يتخذ موقفا نقديا من الاسلام نفسه. فما زال الاحياء يحملون على اكتافهم الموتى وتراثهم.
التيار القومي لم يكن أحسن حظا. حيث فشلت جميع محاولاته للنهوض بالفكر القومي العربي. وفي محاولاته لبناء نظام قومي عربي واحد على الاقل، حتى في البلدان التي استلم القوميون بها زمام الحكم ولفترات طويلة. فقد قاد القوميون العرب هذه البلدان لمزيد من الشرذمة والانغلاق تماما على عكس ما كان يدعون له.
التيار الاشتراكي بجميع اشكاله هو الآخر، بسبب عقمه وجموده العقائدي بقي على هامش العملية التاريخية وفرض على نفسه التقوقع بعيدا عن الجماهير الشعبية التي يتكلم بإسمها.
اذا اراد الفكر العربي أن يخرج من أزمته عليه أن يتخلص من إرهاصات الصراع بين الاصالة والمعاصرة، بين التراث والتجديد، بين الدين والعلمانية. يجب إستيعاب التناقضات بين هذه المصطلحات وحلها بشكل ديناميكي وديالكتيكيي. وعدم الخوف من الخوض في غمارها.
لكي يخرج الفكر العربي من أزمته القاتلة عليه أن يضع كل شيء في موضع السؤال والنقد وألا يقبل الاشياء مسلمة. عليه الا يقبل الافكار الجاهزة مهما كان مصدرها مع الادراك تماما انه لا يوجد هناك أجوبة نهائية لكل شيء، واذا وجدت فإننا لا نملكها.
على الفكر العربي للخروج من أزمته أن يذبح الكثير من بقراته المقدسة وأن يحطم العديد من الاصنام التي ورثها ابا عن جد. عليه أن ينفض عنه غبار الركود ويتخلص من الاتكالية وعدم الابداع والخلق.
يجب تحطيم جميع القيود التي تكبل الفكر العربي. فقط الفكر الحر يستطيع أن يحلق في أعالي السماء وينتشل الامة العربية من الحضيض الذي تقبع به الآن.

الاحتلال والعملاء وجهان لعملة واحدة



ما يجري في قطاع غزة وفي الضفة الغربية تجاوز منذ زمن حدود المأساة وأصبح فضيحة، بل وصمة عار على جبين تاريخ النضال الفلسطيني الأغر. لن نحلم حتى في أسوأ كوابيسنا أن تصل الامور الى ما وصلت اليه في الاسبوع الاخير. التفجير على شاطئ غزة الذي طال عشرات الابرياء هو خط أحمر. لم يعد ذلك صراعا بين فريقين متكالبين على سلطة زائفة نتنة. بل أصبح جريمة ينبغي إجتثاثها من جذورها. لا أدري مدى صحة تورط تنظيم فتح في هذه التفجيرات، وأظن أن كل تعميم خاطئ، ولكن، بغض النظر عن الإنتماءات التنظيمية للايدي المجرمة التي اقترفتها، فهم لا يعدو كونهم سوى عملاء مباشرين للإحتلال. ويجب التعامل معهم من هذا المنطلق.
الاعتقالات العشوائية الانتقامية التي مارستها قوات أمن السلطة بتنسيق كامل مع قوات الاحتلال والتي طالت العديد من المناضلين الشرفاء ومن المواطنين المسالمين الآمنين وعلى رأسهم الزميل المناضل الوطني الذي يحظى بمكانة عالمية، البروفيسور عبدالستار قاسم، هي الاخرى خط أحمر لا يمكن الصمت عنها وتجاوزها.
يقول المثل المستخلص من تجارب الشعوب التي خاضت نضالا طويلا ومريرا من أجل حريتها واستقلالها: أينما يوجد إحتلال وإضطهاد توجد هناك مقاومة. هذه البديهية صحيحة في حالتنا الفلسطينية كذلك. ولكن يبدو انه لكي تكتمل الصورة ويصبح هذا المثل عاما وشاملا، علينا أن نعترف ايضا انه اينما توجد مقاومة توجد هناك عمالة وخيانة. واقعنا الفلسطيني يثبت أن قضيتنا ليست إستثناء. الى جانب المقاومين الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الدفاع عن الوطن وعن كرامة الانسان نمت وترعرعت شريحة لا يستهان بها من عملاء الاحتلال. المصيبة أن هذه الشريحة تتبوأ اليوم مراكز قيادية بإستطاعتها أن تفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها التحرري ومن عدالة مطالبها. علينا الا نستخف في هذه الظاهرة الخطيرة.
تجارب الشعوب تشير الا أن الثورات التحررية قد أجهضت بالاساس بواسطة الاعداء الداخليين الذين ترعرعوا في صفوف الثورة ولكنهم انتهوا في أحضان المستعمرين. في فيتنام مثلا، نصف الشعب الفيتنامي حارب ضد الهيمنة الامبريالية الامريكية بينما النصف الآخر حارب الى جانبها. وكذلك الامر في كوريا، افغانستان، العراق، لبنان وأماكن عديدة على وجهة كرتنا الارضية. وكما قلنا سابقا، فلسطين ليست إستثناء.
بحجة مفاوضات السلام، والوصول الى اتفاقية سلام وانهاء الصراع وإجراء المصالحة التاريخية بين "الشعبين" أصبح واضحا انه يوجد هناك تقسيم خطير للأدوار بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية. بينما يواصل الاحتلال بحماس جنوني مخططات تهويد القدس وبناء الجدار العازل وبناء المستوطنات من جهة، ويواصل الاغتيالات وهدم البيوت والحصار التجويعي والمداهمات والاعتقالات من جهة اخرى، تقوم السلطة الفلسطينية بالتنسيق الامني الكامل معه، تلاحق المقاومين وتعتقلهم وتغلق المؤسسات المدنية التي تحاول التخفيف من معاناة الجماهير.
هذا التنسيق مستمر بالرغم من إنفضاخ ما يسمى بالمسيرة السلمية وإفلاس مساعي التوصل الى اتفاقية سلام.
ما زلنا نذكر موجات عملاء الاحتلال التي إجتاحت قرانا ومدننا العربية أثناء وفي أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الاولى، ومقاومة جماهيرينا توطين هذه الحثالات بين ظهرانينا. يبدو انه اليوم لم يعد هناك حاجة لكي يغادر هؤلاء اماكن سكناهم بعد أن اصبحوا يتمتعون بحماية الدولة والسلطة الفلسطينية. من سخرية الاقدار أن يصبح الواقع معكوسا: خيث أصبح المقاوم منبوذا ومطاردا بينما يتبختر العميل علنا في الاماكن العامة.
بعد موجة الاعتقالات الانتقامية التي نفذتها السلطة في الضفة الغربية وخصوصا في نابلس، وزجهم في سجن نابلس الذي كانت تستعمله دولة الاحتلال لسجن المناضلين الفلسطينيين، تطالعنا بعض الصحف الاسرائيلية المطلعة، ذات المصادر الموثوقة (هآرتس 30/8) أن رئيس السلطة الفلسطينية بعث بمذكرة إحتجاجية شديدة اللهجة تحذر اسرائيل من إطلاق سراح شخصيات قيادية في صفقة لتبادل الاسرى مع الجندي الاسرائيلي المأسور جلعاد شاليط. لأن من شأن ذلك أن يضعف السلطة الضعيفة أصلا ويقوي أعدائها. من بين هؤلاء الاسرى 40 نائبا في المجلس التشريعي الذي يستمد رئيس السلطة بعض شرعيته منه. وبعض هذه القيادات (احمد سعادات، امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مثلا) تم تسليمهم بتواطؤ مباشر من اجهزة السلطة الامنية.
لقد أصبح واضحا أن هذه السلطة التي جلبتها إتفاقيات أوسلو المشؤومة لا تختلف من حيث الجوهر عن سلطة كرزاي في افغانستان او سلطة المالكي في العراق وأن المقاومة الحقيقية سوف تكنسها مع الاحتلال الى مزبلة التاريخ.

Tuesday, July 22, 2008

في الذكرى 56 لثورة يوليو المجيدة: الثورة هي الطريق الوحيد للحرية ولااستقلال


الثورات في العالم العربي نادرة. بينما كانت الثورات الاجتماعية والسياسية تجتاح أوروبا وتغير وجهها تغييرا جذريا كان العالم العربي خلال قرون طويلة يغط في سبات يكاد أن يكون موتا سريريا على كافة المستويات. في القرن العشرين كانت هناك بعض الاستثناءات أو على الاصح بعض المحاولات لثورات كانت تهدف إجراء تغيرات جذرية شاملة على مبنى المجتمع العربي. ولكن سرعان ما كانت هذه المحاولات تجهض قبل أن تحقق أهدافها أو سرعان ما تنحرف عن مسارها وتتحول الى ثورة مضادة.
يبدو أن القانون الذي يتحكم في تفجر الثورات وتطورها ونهايتها هو قانون ديالكتيكي ديناميكي مشحون بالتناقضات الداخلية والخارجية وتحت ظروف معينة يتحول الى ضده. هكذا تحولت الثورات الكبرى بعد فترة، كانت تطول أو تقصر، الى ضدها، الى ثورات مضادة بعد أن أكلت ابناءها الذين صنعوها. هذا ما حدث للثورة الفرنسية الكبرى التي انتهت الى أعمال إرهابية وحروب مستمرة وكانت فاتحة لعصر استعماري بغيض إجتاح العديد من بلدان العالم، وهذا ما حدث لكومونة باريس ومن ثم لثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا التي اندثرت نهائيا وللثورات في الصين وفيتنام والجزائر وغيرها.
غير أن تحول الثورة الى ضدها لا يقلل من ضرورتها ولا من اهميتها التاريخية. فهي قبل أن تجهض أو تنحرف تكون قد حققت أهدافا كان من المستحيل تحقيقها في فترة زمنية قصيرة. فالثورات تختصر المسافات. وفي معظم الاحيان حتى الثورة المضادة لا تستطيع أن تمحو كل الانجازات التي حققتها الثورة ونرها في كثير من المجالات تحقق وصية الثورة مرغمة.
ثورة 23 يوليو التي فجرها الضباط الاحرار بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في مصر هي إحدى الثورات الفريدة من نوعها التي حاولت نقل العالم العربي ( وليس مصر فحسب) من ركود وتخلف القرون الوسطى الى العصر الحديث واللحاق بقطار المدنية.
بعد 56 سنة من إنطلاقها، نستطيع أن نقول أن مصير هذه الثورة كان كمصير الثورات الكبرى التي ذكرناها. حيث تكالب عليها الاعداء من الداخل ومن الخارج، منعوها من تحقيق أهدافها، حرفوها عن مسارها الصحيح ومن ثم أجهضوها نهائيا. ولكن هذا المصير الماساوي لا يقلل من أهميتها التاريخية ولا ينفي ضرورة حصولها.
ما هي الظروف التي جعلت الثورة ضرورية وحتمية؟ وماهي الانجازات التي حققتها الثورة وما هي الانجازات التي لم تستطع تحقيقها؟
لقد كانت ثورة يوليو 1952 أولا وقبل كل شيء ثورة على النظام الاقطاعي الفاسد الذي كان سائدا في مصر. هذا النظام الطفيلي الذي اوصل الجماهير الى حافة المجاعة بينما كانت خيرات مصر حكرا على طبقة ضئيلة من الاقطاعيين الملتفين حول الملك والخاضعين في الوقت نفسه للهيمنة الاجنبية. لقد سددت الثورة ضربة قاضية الى هذا النظام. وخلال ايام قليلة من انطلاقة الثورة تم الغاء الملكية الى الابد واعلان الجمهورية. في الوقت نفسه تم توجيه ضربة قاسية الى البناء الاقطاعي من خلال الاصلاح الزراعي الذي جرد الاقطاعيين من إحتكارهم للأرض وإعادة تقسيمها على الفلاحين الفقراء. ولكن للأسف الشديد أحجمت قيادة الثورة عن تسديد ضربة قاضية للاقطاع مما أتاح له فيما بعد من رفع رأسه والعودة الى الواجهة.
وكانت الثورة ثانيا ضد الاستعمار. فقد كان استقلال مصر شكليا وكانت بريطانيا هي التي تحدد وتنفذ جميع السياسات. وفي بعض القطاعات كانت السيطرة الاستعمارية مباشرة وكاملة، خصوصا سيطرتها على قناة السويس. لقد طالبت الثورة منذ البداية بجلاء آخر مستعمر عن ارض مصر الامر الذي رفضته القوى الاستعمارية التي قامت بش هجوم ثلاثي انجليزي – فرنسي – اسرائيلي للقضاء على الثورة وتخليد السيطرة الاستعمارية. خرجت الثورة من هذا العدوان منتصرة بفضل البطولات والتضحيات التي قدمها الشعب المصري. ورحل الاستعمار بجميع أشكاله عن ارض مصر. غير أن الاستعمار بشكله الجديد ( الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية) قد عاد بعد إجهاض الثورة.
لقد خطت الثورة خطوات جبارة لتحقيق عدالة إجتماعية وإقامة حياة ديموقراطية سليمة. فقد أعلنت الثورة عن مجانية التعليم العالي، وهكذا وجد ابناء الفقراء طريقهم الى الجامعات بعد أن كانت حكرا على أبناء الاغنياء، وتم بناء السد العالي وهو أكبر مشروع تنموي على المستوى العالمي، وأتخذت الاجراءات اللازمة لبناء جيش وطني قوي. الا أن هذه الخطوات قد تعثرت من بدايتها. لم يكن لدى معظم قيادة الثورة رؤية واضحة للمجتمع الجديد الذي يناضلون من أجله وكانت تنقصهم النظرية الثورية الضرورية للتقدم على الطريق السليم.
لعل الانجاز الاهم لثورة يوليو كان يكمن في طابعها القومي التحرري المعادي للإستعمار. فقد اصبحت هذه الثورة نموذجا للبلدان العربية (الجزائر، اليمن، فلسطين) وللدول النامية خصوصا في أفريقيا وآسيا. للمرة الاولى منذ قرون شعرت الشعوب العربية بإنها ليست خارج التاريخ بل بدأت تصنعه بعد أن أعادت الثورة لها كرامتها القومية والانسانية.
ثورة يوليو، كما قلنا، لم تحقق كافة مهامها. وهناك من غير شك مهام يجب أن تنجز، ليس على صعيد مصر فحسب بل على صعيد العالم العربي. لذلك فإن ثورة يوليو جديدة هي ضرورية وحتمية. فقط من خلال ثورة جديدة، تتعلم من أخطاء الماضي، لا تقدم التنازلات المبدئية للعهد البائد، ولا تتوقف في منتصف الطريق، تستطيع الشعوب العربية توحيد صفوفها وانتزاع حريتها وإستقلالها.