Wednesday, September 03, 2008

المجلس التربوي العربي: ليس تربويا وليس عربيا


لست معلما. ولا أطمح بأن أكون من ضمن من يعنيهم الشاعر أحمد شوقي بقوله: كاد المعلم أن يكون رسولا. ولست من حملة الشهادات والالقاب التي تسبق الاسماء في كل كل مكان تظهر بها لكي تضفي عليها نوعا من الوقار والاحترام. ولست ممن يطلقون على انفسهم، او يطلق عليهم الآخرون اسم المربي. ولكن بعد قراءة البيان لذي صدر قبل فترة عن "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل" واللجنة "المهنية" المنبثقة عنها "لجنة متابعة قضايا التعليم العربي"، تحت عنوان: المجلس التربوي العربي – حق جماعي وحاجة تربوية، قررت أن أجازف وأحشر انفي في هذا الموضوع بعد أن لمست مدى التشويه والمغالطة التي يتضمنها هذا البيان خصوصا فيما يخص بقضايا الهوية الوطنية. وبعد أن لمست الصمت الصارخ من قبل المثقفين والمفكرين إزاء هذه التشويهات والمغالطات.
فكرة اقامة المجلس التربوي العربي كما يقول القيمون عليها جاءت كرد على سياسية التمييز التي تنتهجها وزارة التربية والتعليم في كافة المجالات التي تتعلق بالتعليم العربي في البلاد، بهدف رفع الغبن الواقع عليه والمشاركة في رسم السياسات والقرارات والعمل على استقلاليته. ولكن حسب رايي، وهذا ما احاول ان اشرحه في السطور القادمة، أن مثل لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، كما يقول مثلنا العربي: جاء ليكحلها فعورها بل وعماها.
"نحو إستعادة المسؤولية على التعليم العربي، مساواة جوهرية، شراكة حقيقية، وإعتراف بالخصوصية الثقافية" هكذا تلخص اللجنة مهام المجلس التربوي الجديد. ماذا يعني هذا الكلام؟ هل كانت مسؤولية التعليم العربي في السابق بين يدي هذه الجنة او أي جسم عربي آخر، وجاءت وزارة التربية والتعليم وصادرته والآن المطلب هو استعادة المسؤولية؟ كلنا يعلم أن التعليم العربي منذ بدايته، ومن الفه الى يائه هو نتاج وزارة التعليم التربية والتعليم بمساهمة فعالة من قبل المخابرات الاسرائيلية (الشين بيت). وما هي المساواة "الجوهرية" التي يطالب بها المجلس؟ وهل يوجد هناك أصلا مساواة غير جوهرية؟ هل المساواة الشكلية أو الظاهرية هي مساواة؟ قد يظن البعض أن المقصود، حتى ولو لم يقال ذلك صراحة، مساواة التعليم العربي بالتعليم اليهودي السائد. ولكن يبدو أن هذا ابعد من طموحات المجلس التربوي، وكما جاء في نص البيان يظهر أن التعليم الديني اليهودي الذي يحظى بإستقلالية هو النموذج المطلوب والمطالب به.
أما المشاركة الحقيقية فإنها تعني المشاركة في رسم السياسات وإتخاذ القرارات وعدم الاكتفاء بتنفيذها. فإذا راعينا التفسير المنطقي لهذا التصريح فسوف نصل الى نتائج سخيفة من حيث لا معقوليتها. فإذا كنا متفقين جميعا أن هذه السياسات والقرارات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم هي مصدر مصيبة التعليم العربي، فكيف نطالب بالمشاركة الفعالة بها؟ أم هل المقصود اللجوء الى النظرية الوهمية التي تدعو الى التغيير من الداخل؟ لذلك يسرع البيان بالقول:"يطرح المجلس التربوي العربي نفسه كمبادرة بإمكان الوزارة أن تتعاطى وتتعاون معها، وليس كبديل لوزارة المعارف وللسكرتارية التربوية فيها"
وأخيرا وليس آخرا، ما هي الخصوصية الثقافية التي يتكلم عنها القيمون على هذا المجلس؟ يؤكد البيان أن هذه الخصوصية منسجمة مع التصور المستقبلي الصادر عن لجنة المتابعة والذي روجت له بإعتباره إنطلاقة نوعية في علاقة "الاقلية العربية" مع الدولة. ولكنه لم يكن في الحقيقة أكثر من محاولة تهجين الهوية الوطنية الفلسطينية لكي تصبح مقبولة اسرائيليا.
حسب رايي أن مأزق المجلس التربوي، كمأزق والديه: لجنة المتابعة العليا ولجنة متابعة قضايا التعليم، نابع من تعريف المواطن العربي الفلسطيني في هذه البلاد. كما نص عليه بيان المجلس التربوي وكما نص عليه التصور المستقبلي من قبل: " المواطن العربي ينتمي الى الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت هو مواطن في دولة اسرائيل". هذا التعريف الذي يظن المروجين له انه يحافظ على الهوية الوطنية الفلسطينية يقوم في حقيقة الامر بتشويه هذه الهوية. اليوم يستطيع كل شخص، حتى ولو كان عضو كنيست في حزب صهيوني أو وزير في الحكومة الاسرائيلية، أن يقوم ويقول بفم ملآن وبدون أن يرجف له جفن:"أنا عربي فلسطيني إسرائيلي" دائسا على جميع التناقضات النابعة عن هذا التعريف المشوهة للهوية الوطنية، متجاهلا عشرات السنين من الصراع التناحري بين الهوية الفلسطينية المذبوحة والهوية الاسرائيلية الغاصبة.
يبرر المتابعون (انصار لجان المتابعة المختلفة) وربما أصح ان نقول "المطبعون" نظرياتهم وممارساتهم التوفيقية بأنه بالرغم من إنتمائنا للأمة العربية والشعب الفلسطيني إلا ان ظروفنا الخاصة تفرض علينا واقعا مختلفا وبالتالي تلقي على أكتافنا مهاما مختلفة. في هذا الصدد تستذكرني مقولة لكارل ماركس أقتبسها هنا:" أن النظرية المادية التي تقر بأن الناس هم نتاج الظروف والتربية، وبالتالي بأن الناس الذين تغيروا هم نتاج ظروف اخرى وتربية متغيره، هذه النظرية تنسى أن الناس هم الذين يغيرون الظروف وأن المربي هو نفسه بحاجة الى تربية".
كان من الاحرى بلجنة متابعة قضايا التعليم العربي وبرئيسها في السنوات الاخيرة الذي هو في الوقت نفسه رئيس قسم التربية والتعليم في بلدية سخنين، من أجل زيادة مصداقيتها ومن أجل مصداقيته الشخصية، أن يعمل على حل مشاكل التعليم المتفاقمة في مدينته، والتي بسببها استقبل الطلاب وأولياء الامور في كافة المدارس السنة الدراسية الجديدة بالاضراب. من المعروف أن قسم التربية والتعليم في البلدية من أكثر الاقسام تعاسة.
مما لا شك فيه أن حالة التربية والتعليم العربي يرثى لها وان العمليات التجميلية التي تدعو لها لجنة المتابعة غير مجدية بل تزيد الطين بلة. هذه الحالة سوف تبقى ما بقيت الهيمنة الصهيونية السياسية والثقافية. الخروج من هذه الحالة يجب أن يكون جزءا من عملية التحرير الشامل.

No comments: