Wednesday, September 17, 2008

خمسة عشرة عاما على إتفاقيات أوسلو- ألا يكفي؟



لصالح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نسجل نقطة هامة جدا ولافتة للنظر وهي انه بعد 15 عاما على توقيع إتفاقيات اوسلو في حديقة البيت الابيض بقي هو الوحيد في مركز صنع القرار من جميع الموقعين، بل وأكثر من ذلك هو الوحيد الذي أحرز تقدما ملحوظا، من موظف مغمور استمد قوته من خلال مفاوضات سرية بعضها لا يزال في طي الكتمان الى رئيس سلطة. باقي الشركاء في عملية التوقيع إما قتلوا ( اسحاق رابين وياسر عرفات) وإما أنهوا دورهم القيادي وعادوا الى صفوف الشعب ( بيل كلنتون) أو أقصوا عن مراكز صنع القرار (شمعون بيرس ويوسي بيلين). فما هو سر بقاء محمود عباس بل وتسلقه الى قمة الزعامة الفلسطينية؟ وما هو سر تمسكه منقطع النظير بإتفاقيات قضت نحبها منذ سنوات طويلة بإعتراف أشد المتحمسين في تأيديها؟.
بالرغم من المتابعة المستمرة لهذه الاتفاقيات وقراءة الكثير حولها ومن مصادر مختلفة، أعترف بأنني لم اصل الى تحليل منطقي يشفي غليلي يفسر هذه الظاهرة الغريبة. فوجدت نفسي أتذكر أحد أفلام الرعب الامريكية القديمة حول ذلك الشخص المهووس والمختل عقليا والذي يبقي والدته التي ماتت وكأنها ما زالت على قيد الحياة ويعاملها على هذا الاساس وذلك بسبب عجزه عن التحرر من سيطرتها عليه طوال حياتها. فهل يمكن أن يكون ذلك سر تمسك الرئيس الفلسطيني بهذه الجيفة النتنه التي تسمى اتفاقيات السلام التي إنبثقت عنها السطة السقيمة التي يترأسها؟
من المفروض أنه بعد خمس سنوات كحد أقصى بعد التوقيع على هذه الاتفاقيات التي سميت في ذلك الوقت "غزة وأريحا أولا" أن يحل السلام العادل والشامل في المنطقة بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الاراضي الفلسطينية التي إحتلتها اسرائيل عام 1967. ولكن وبعد 15 سنة وكأننا "لا رحنا ولا أجينا"، لا سلام لا شامل ولا جزئي، لا عادل ولا ظالم، اما الكيان المسخ الذي قام والذي يعرف رسميا ب"السلطة الوطنية الفلسطينية" فلا يجرؤ أحد مهما كان دوره او منصبه بتسميته دولة.
لقد قدمت منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت تنازلات هائلة من أجل عيون ما سماه عرفات "سلام الشجعان" فقد تم الاعتراف رسميا بدولة اسرائيل وحقها في الوجود. وتم تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بحيث شطبت كافة البنود التي تتعارض مع هذا الاعتراف. وتمت التضحية بالعديد من الثوابت الوطنية التي لم يكن أحد يجرؤ حتى على ذكرها. وتم إرجاء كافة القضايا الخلافية لمرحلة لاحقة مع التلميح بإمكانية التنازل في هذه القضايا مثل اللاجئين والحدود والقدس والمستوطنات الخ. وتعهدت الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة برعاية هذه المسيرة "السلمية" والعمل الدؤوب من أجل إنجاحها، يساعدها في ذلك جامعة الدول العربية والمؤتمر الاسلامي وأطراف محلية واقليمية وعالمية لا تعد ولا تحصى. ولسخرية الاقدار فإن هذه الاطراف ما زالت ملتزمة بتعهداتها وتبذل جهودها لتحقيق الهدف المنشود: إقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام بالشرق الاوسط.
ولكن لدولة اسرائيل كان راي آخر في هذا الموضوع برمته. طبعا هي تريد السلام، هذا ما صرحت به في ذلك الوقت وما زالت تكرره يوميا على لسان كافة زعمائها: "لن نبقي على حجر إلا ونقلبه بحثا عن السلام" " سوف نقدم التنازلات المؤلمة من أجل السلام". والحالة هذه، لا يسعنا الا أن نعترف بأن دولة اسرائيل تريد السلام. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي سلام تريده دولة اسرائيل؟ انها تريد السلام مع الاستمرار في بناء المستوطنات وتهويد القدس ومنع اللاجئين من العودة الى ديارهم ومواصلة نهب الاراضي والمياه الفلسطينية وبناء الجدار العنصري وقمع كل نضال من أجل الحرية والاستقلال بما فيه الاغتيالات وهدم البيوت والاعتقالات التعسفية.
هذا هو السلام الاسرائيلي، الذي يحظى بتأييد أمريكي – اوروبي – دولي والانكى من ذلك يحظى بتعاطف وتجاوب عربي وفلسطيني. سلام كهذا ليس فقط انه مرفوض فلسطينيا وإنسانيا وإخلاقيا ولكنه مستحيل أيضا.
بعد 15 عاما لم تعد مشكلتنا أصلا مع هذه الاتفاقيات ذاتها، التي انتهت عمليا في لحظة توقيعها ورسميا بعد إنطلاق إنتفاضة الاقصى في عام 2000 ومن ثم الاجتياح المجدد للاراضي الفلسطينية وتقطيع أوصالها ومحاصرة ياسر عرفات في رام الله حتى التخلص منه نهائيا فيما بعد، وفرض الحصار الشامل على قطاع غزة.
مشكلتنا الحقيقية والاساسية هي مع عقلية أوسلو، هذه العقلية الانهزامية التي ورثناها منذ النكبة وما زالت تعشش في رؤوسنا وتثقل كواهلنا. إتفاقيات اوسلو ماتت ولكن عقلية اوسلو ما زالت حية. هذه العقلية التي لا تعرف سوى المفاوضات مهما كانت عبثية وسوى المساومات مهما كان تفريطية وسوى الاستجداء وتقبيل اليد التي تلطمنا صباح مساء.
لقد آن الاوان أن نقبر هذه العقلية الى جانب جثة اتفاقيات أوسلو التي شبعت موتا. ونتخلص من كل الشوائب التي خلفتها وعلى راسها هذا المسخ المسمى بالسلطة الفلسطينية المتنازع عليها حاليا، نزاع يهدد القضية الفلسطينية برمتها.
لقد آن الاوان أن نتبنى عقلية تحررية ثورية وننطلق من جديد نحو الحرية والاستقلال.

No comments: