Wednesday, September 25, 2013

الانتخابات والذكرى


الانتخابات والذكرى
علي زبيدات – سخنين

تحيي جماهيرنا في هذا الجزء من الوطن المحتل على مستوى قطري وبشكل جمعي ثلاث مناسبات هي: يوم الارض، ذكرى النكبة وذكرى هبة القدس والاقصى. وكان إحياء هذه المناسبات يتعرض دوما إلى حالة من المد والجزر، وفي معظم الاحيان، على الاصح، إلى القليل من المد والكثير من الجزر. وذلك لاسباب عديدة اهمها حسب رأيي الطبيعة المحافظة للهيئات القيادية على كافة المستويات من لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية مرورا بالاحزاب السياسية وحتى لجان وهيئات ما يسمى بالمجتمع المدني. ولكن بالرغم من هذه القيادات وليس بفضلها كانت الجماهير الفلسطينية تشارك بقدر الامكان في احياء هذه المناسبات لانها كانت وما زالت تمس وجدانها وصراعها من أجل البقاء. وكانت الفئات الاكثر وعيا والتزاما من جماهير شعبنا تطالب بالاعتراف بهذه المناسبات الثلاثة كمناسبات وطنية يتم إحيائها على الاقل باعلان الاضراب العام. للأسف الشديد النجاح في هذا المجال محدود جدا والغلبة في النهاية كانت إلى جانب الهيئات القيادية المحافظة.
اليوم نخطو خطوة اخرى الى الوراء. فقد فاجأتنا وسائل الاعلام المحلية بأن اللجنة الشعبية في سخنين والتي تضم كافة الفعاليات السياسية بالاضافة للبلدية ولممثلي ذوي الشهداء قد قررت الغاء المسيرة التقليدية والتي لم تنقطع منذ عام ٢٠٠٠ وفي كثير من السنوات كانت المسيرة المركزية للجماهير العربية وذلك بسبب قربها من الانتخابات المحلية وخوفا من وقوع "احتكاكات بين الاطراف المتنافسة خصوصا بين الشباب الذين يصعب السيطرة عليهم" . وقرأت في الوقت نفسه أن اللجنة الشعبية في عرابة هي الاخرى تناقش الغاء المسيرة للاسباب نفسها. وربما كانت هناك مدن وقرى فلسطينية اخرى ستقتدي بهذا النموذج.
كنت قد كتبت في الماضي وفي مناسبات عديدة ضد محاولات تحجيم هذه الذكرى ابتداء من الاسم الذي اطلق عليها. فمعظم وسائل الاعلام تسميها هبة اكتوبر، بعضها يستعمل هبة القدس والاقصى أو حتى يوم القدس والاقصى ومنها من يكتفي بذكرى الشهداء ال١٣ الذين سقطوا في احداث أكتوبر ٢٠٠٠. وطالبت بأن يكون الاسم الرسمي: "ذكرى انطلاقة انتفاضة القدس والاقصى" والتي تعرف شعبيا بالانتفاضة الثانية. وكنت اعرف مسبقا ان مصير هذه التسمية الفشل ليس فقط جراء معارضة القيادات التقليدية ولا مبالاة الاوساط التقدمية بل ايضا لأن السلطة الفلسطينية قد شنت حربا شرسة على هذه الانتفاضة حتى وصفها ابو مازن بأنها اكبر خطأ وقد دمرتنا، وفي كل مرة تذكر فيه هذه الانتفاضة يتعهد بألا تكون هناك انتفاضة ثالثة مهما كانت الظروف.
وبما أن الانسان لا يستطيع أن يحقق كل ما يتمناه قبلت كالآخرين بالشكل الراهن للذكرى على امل أن يتصاعد النضال وينتقل الى اشكال ارقى مستقبلا. ولكن أن يحصل هذا التراجع؟ حتى الخوف من تنظيم مسيرة؟ ولماذا؟ ليس بسبب تهديدات سلطوية ولكن بسبب الانتخابات المحلية وامكانية حدوث احتكاكات نحن في غنى عنها. هذا الكلام غير مقبول مع كل الاحترام لعائلات الشهداء فالذكرى اصبحت ملكا للجماهير كما اصبح الشهداء انفسهم ملكا للجماهير. قد تكون هناك احتكاكات وقد تكون هناك مشاكل ولكن اصابع الاتهام يجب ان توجه في هذه الحالة للذين خلقوا هذه الاحتكاكات وليس للمسيرة. ومن لا يستطيع أن يسيطر على اتباعه لا يستحق أن يكون مسؤولا عن بلد بكامله.
طبعا يوجد اشكال اخرى للذكرى. يمكن زيارة الاضرحة ووضع اكاليل الورود، ويمكن زيارة ذوي الشهداء، ويمكن تخصيص ساعات تثقيفية في المدارس والتي ثبت حتى الان انها مجرد ضريبة كلامية لا تطبق . ولكن هل هذه الاشكال كافية وتليق بهذه الذكرى؟
في المستقبل قد تأتي الانتخابات متزامنة مع ذكرى يوم الارض مثلا فهل يجب الغاء مسيرة يوم خوفا من وقوع "احتكاكات"؟ . فاذا تقبلنا هذا المنطق فمن الافضل أن نلزم بيوتنا بعد أن نوصد ابوابها فهذه هي الطريقة الافضل الانجع للابتعاد عن النزاعات والمشاحنات.
أنا شخصيا أفضل مسيرة شعبية مع "احتكاكات" على الغاء المسيرة بالمرة. وكم كنت اتمنى أن تكون هناك احتكاكات في جميع مناسباتنا الوطنية بشرط أن توجه للعنوان الصحيح، للذين فرضوا علينا ذكرى هذه المناسبات المأساوية.

Wednesday, September 18, 2013

ذاكرة بين حربين


ذاكرة بين حربين
علي زبيدات – سخنين

من حيث المبدأ أنا ضد الحرب، كل حرب بغض النظر عن تعريفاتها وتصنيفاتها المتعددة: حرب امبريالية، حرب عدوانية، حرب عادلة، حرب تحررية، حرب هجومية، حرب دفاعية، حرب اختيارية، حرب مفروضة، إلى ما هنالك من تصنيفات. الحرب هي الحرب دائما وأبدا: قتلى، جرحى، مشردين، دمار، مجاعات، مصائب، مآسي والقائمة طويلة. ولكن، وهنا يوجد ولكن كبيرة، الحرب موجودة منذ بدء الحضارة البشرية وحتى اليوم، وهي موجودة موضوعيا بغض النظر عن ارادة وتمنيات الغالبية العظمى من بني البشر حتى هؤلاء الذين يحرضون عليها ويشعلونها ويخوضونها. فنحن هنا نقف امام معضلة حقيقية: نكره شيئا ولا نريده ولكننا في الوقت نفسه لا نتوقف عن ممارسته. فما العمل؟
انا شخصيا استسلم: الحروب لن تتوقف ولن تنتهي ما دامت هناك حياة على هذا الكوكب. ولا أومن بمجيء وقت يسكن الذئب به مع الخروف بينما بالكاد يستطيع الانسان أن يسكن مع الانسان. ولن يأتي وقت تتحول به السيوف إلى سكك والرماح الى مناجل بالعكس فالسيوف تتحول إلى دبابات وطائرات مقاتلة ومدافع والرماح تتحول الى صواريخ وقنابل فتاكة. وكلما ازدادت ثرثرتنا عن السلام كلما ازدات الحروب شراسة ووحشية. مرة اخرى: ما العمل؟
لقد وجدت إن افضل طريقة لمنع الحرب أو على الاقل لتحجيم اضرارها الى الحد الادنى هو عكس المعادلة السائدة حاليا: الكلام ضد السلام ومع الحرب. هل يبدو ذلك غير منطقي وغير عقلاني وغير اخلاقي؟ حسنا، اذا كانت ثرثرتنا عن السلام تتمخض عن المزيد من الحروبات الشرسة فلماذا لا نجرب؟
كانت هذه مقدمة ضرورية لكي استوعب ما قرأته في وسائل الاعلام الاسرائيلية في الذكرى الاربعين لحرب اكتوبر ١٩٧٣ والتي يطلقون عليها حرب الغفران ونسميها نحن تارة بحرب رمضان وطورا بحرب تشرين التحررية، وفي الوقت نفسه لكي استوعب ذاكرتي الخاصة عن هذه الحرب. من الواضح أن المجتمع الاسرائيلي بما فيه الجيش الذي وصف في يوم من الايام بالجيش الذي لا يقهر وبعد مرور ٤٠ سنة ما زال يعاني من الصدمة (بأل التعريف) وهذه الصدمة حسب رأيي سوف ترافقه لسنين طويلة قادمة. هذا بالرغم من ان هذه الحرب لم تلحق به أية هزيمة. على العكس ما خسره عسكريا عوضه بربح صاف على الساحة السياسية فيما بعد(اتفاقيات كامب ديفيد، وادي عربة وأوسلو). كان يكفي اسبوع واحد من الهجوم والصمود لكي يدب الرعب في قلبه لاجيال عديدة قادمة ويزيد من عجزه.
لا استطيع أن اتذكر حرب تشرين ١٩٦٧ بدون أن اتذكر حرب حزيران ١٩٦٧ . كنت حينها طالبا سنة أولى في الثانوية عندما دخل علينا مدير المدرسة ونحن نقدم احد الامتحانات قبل العطلة الصيفية وقال لنا: "ظبوا كتبكم ودفاتركم واذهبوا الى البيت، لقد بدأت الحرب". ستة أيام لم تكن كافية لاحتلال ما تبقى من فلسطين بالاضافة الى سيناء والجولان وحسب بل ايضا لالحاق هزيمة جديدة في نفوسنا المهزومة اصلا. لقد أصابتناحرب حزيران في كرامتنا وفي نظرتنا الى انفسنا. كنت أرى الشماتة في عيون كل اسرائيلي حتى عندما اكون متوهما. حرب اكتوبر ١٩٧٣ في اسبوعها الاول اعادت لنا الحياة. الجيش المصري يعبر القناة، يحطم خط بارليف ويجتاح سيناء. الجيش السوري يدخل الجولان، يتجه نحونا ويقترب منا وبدأنا في الجليل نستعد لاستقباله. كان حلما جميلا واللعنة على الذي ايقظنا منه.
بالرغم من تقلبات هذه الحرب لا يمكن بخسها من اهميتها. فالكيان الاسرائيلي لم يتحرر من الصدمة بعد وليس من باب الصدفة انه لم ينتصر في كافة حروبه اللاحقة وقد شن حروبا عديدة بعدها:حروب لبنان ١٩٧٨، ١٩٨٢، ٢٠٠٦ وحروب غزة ٢٠٠٨ و٢٠١٢ . صحيح انه لا يزال يحقق الانتصارات السياسية على الانظمة المهزومة. ولكن هذه الانتصارات من منظور تاريخي ليست سوى فقاعات سرعان ما تتلاشى وتزول.
للأسف الشديد الحروب لن تنتهي وسوف تستمر في التدمير وازهاق الارواح. ولن نستطيع ايقافها عن طريق مفاوضات عبثية أو تدخلات ما يسمى بالمجتمع الدولي.
الحرب على الحرب هي الطريق الوحيدة التي تضمن للشعوب العيش بسلام ولو كان سلاما نسبيا.

Wednesday, September 11, 2013

عندما تصبح إهانة المرأة العربية رمزا لنهوضها


عندما تصبح إهانة المرأة العربية رمزا لنهوضها
علي زبيدات – سخنين
نتفق جميعا على أن وضع المرأة العربية في هذه البلاد (وفي كافة البلدان العربية) في غاية السوء. بل في كثير من الاحيان وضعها مزري جدا ويثير الشفقة إلى درجة الاحباط. تكاد المرأة العربية أن تكون مغيبة بصورة شبه كاملة ليس عن الساحة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فحسب ولكنها في الوقت نفسه تعاني من الاجحاف والقمع والكبت والاستغلال في كافة مجالات الحياة. هذا الوضع المأساوي لا يمكن أن يتغير من خلال دعوات نفاق صادرة عن رجال تحركهم الشوفينية الذكروية في إطار الانتخابات المحلية ولا من خلال دعوات صادرة عن نسويات يلهثن وراء الشوفينية الذكروية (بعد شن الهجوم الكلامي الكاسح عليها طبعا).
منذ فترة وانا اتابع الحملة الاعلامية لتشجيع ودعم مشاركة المرأة العربية في الانتخابات المحلية كما تابعت في السابق الحملة لترشيح نساء عربيات في اماكن مضموتة في انتخابات الكنيست، وكأن اندماج المرأة العربية في اجهزة السلطة الاسرائيلية أصبح هو المقياس بل هو المقياس الوحيد لرفع مكانة المرأة والنهوض بها مع انه حسب رأيي هو إهانة وإذلال للمرأة العربية الفلسطينية.
للتذكير فقط، لمن يعاني من قصر الذاكرة، بعض الاحزاب الصهيونية كانت السباقة في هذه المجال فقد اختار حزب العمل وحزب ميرتس نساء عربيات لكي تمثلهما في الكنيست الصهيوني بسنوات قبل ان تفكر الاحزاب العربية بذلك. وعندما اختار التجمع الوطني الديمقراطي النائبة حنين الزعبي لتمثله في الكنيست لم يكن ذلك من منطلق رفع مكانة المرأة بقدر ما كان وسيلة للفوز ببعض الاصوات الاضافية بما لم يمس طبيعة هذا الحزب الذكروية بشيء. وقد اتقنت حنين الزعبي لعب دورها في الكنيست حسب قوانين اللعبة الذكورية. الحالة في الاحزاب العربية الاخرى لا تختلف من حيث المبدأ. فهل حقا كان سيتغير شيء على الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة لو وضعت نبيلة اسبانيولي في المكان الاول بدلا من الخامس؟ وهل كان سيطرأ أي تغيير حقيقي على مكانة المرأة العربية؟ اما القائمة العربية الموحدة، وهي اكبر قائمة عربية تخوض الانتخابات للكنيست، فقد زينت قائمتها باسم انثوي في المكان الثالث عشر ولكن لنفرض جدلا أن هذا التزيين كان في مكان اكثر تقدما فهل ستتغير الصورة؟. باختصار، وصول المرأة العربية للكنيست الاسرائيلي أو زج اسمها كمرشحة في إحدى القوائم هو ليس مفخرة وليس تكريما لها بل إهانة مزدوجة من قبل السلطة الاسرائيلية من جهة ومن قبل الزعامة الذكروية التي رشحتها من جهة أخرى.
الوضع نفسه نواجهه اليوم قبيل الانتخابات للسلطات المحلية. ولكن المشكلة هنا أن هذه الانتخابات بعكس انتخابات الكنيست تجرف الغالبية العظمى من جماهيرنا وتنمي الوهم في صفوفنا بأننا نحكم انفسنا بأنفسنا. للمقارنة فقط: يوجد في الوسط اليهودي ٤٠ مرشحة لرئاسة بلدية او سلطة محلية. في مدينة هرتسليا يوجد هناك ثلاث مرشحات وفي حيفا يوجد مرشحتان اما في الوسط العربي فيوجد هناك مرشحة واحدة فقط وهي حنين الزعبي في الناصرة وكما هو معروف دوافعها للترشيح لا تمت بصلة بمكانة المرأة. أما نسبة المرشحات العربيات للعضوية فلا تصل إلى نصف بالمائة (في الوسط اليهودي حوالي ١٢٪).
المؤسسات التي تقود حملة تشجيع مشاركة المرأة العربية في الانتخابات المحلية إما تطبيعية (مركز مساواة) وإما نسوية مزيفة (الزهراء وما شابهها) والعديد من المرشحين الرجال الذين يقمعون زوجاتهم في البيت ويلبسون قناع مناصرة المرأة خارجه. وقد تابعت اخبار بعض الاجتماعات التي نظمها الائتلاف المذكور والذي جمع عددا من المرشحين الرجال للرئاسة وعددا من المرشحات للعضوية في سخنين وشفاعمرو وطمرة وغيرها من القرى العربية. وقد اجمع كافة المرشحين على مناصرتهم منقطعة النظير للمرأة. قال احدهم وهو رئيس سابق ومرشح جديد انه على استعداد للتنازل عن ترشيحه لو كانت هناك مرشحة متفق عليها. وقال آخر هو ايضا رئيس بلدية يترشح من جديد بأنه على استعداد لأن تقود قائمته للعضوية إمرأة ولكنه للأسف لم يجد إمرأة تبادر لذلك. خصوصا وأن قائمة منافسه على المنصب تقودها إمرأة فرض عليها هذا المنصب المشبوه. وتسابق باقي المرشحين كل على طريقته للتعبير عن مدى مناصرته للمرأة.
مجتمعنا العربي في هذه البلاد مهمش برجاله أصلا، وهذه الحملة في أحسن الحالات لن تؤدي إلى آكثر من ان تشارك بعض النساء في حالة التهميش هذه. المرأة المرشحة للانتخابات المحلية سوف تجد نفسها في أحضان قوائم عائلية وطائفية (بالرغم من الضريبة الكلامية ضد العائلية والطائفية) وسوف تحاصرها المصالح الشخصية وأشكال الفساد من كل حدب وصوب.
على المرأة العربية أن تبحث عن رفع مكانتها في مكان آخر بعيدا عن الكنيست وعن البلديات. وهذا المكان موجود وهو يستصرخ المرأة العربية لكي تطرق أبوابه وهو العمل الوطني الملتزم والهادف. لقد حققت المرأة العربية تقدما ملحوظا على الصعيد الشخصي من حيث التحصيل العلمي والعمل وما أجمل وأروع أن تستثمر ذلك في خدمة مجتمعها في نضاله من اجل الحرية والكرامة. لقد اكتسبت المرأة الفلسطينية مكانتها الرفيعة من خلال نضالها ضد المؤسسة الاسرائيلية العنصرية وليس من خلال الاندماج بها. نريد أن نرى نساء عربيات يكملن المشوار ويقدن النضال من أجل العودة، من أجل اطلاق سراح الاسرى، ومن أجل حياة حرة كريمة

Tuesday, September 03, 2013

الحرب على الحرب


الحرب على الحرب
علي زبيدات – سخنين

سألني صديق: ما رأيك هل ستندلع الحرب في سوريا؟ فأجبته على الفور: ولو؟ هل كل ما يحدث في سوريا منذ سنتين ونيف لا يستحق أن تسميه حربا؟ عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين المهجرين وكل ذلك الدمار الرهيب ألا تسميه حربا؟ فعاد صديقي وسأل: طبعا، طبعا ولكني أقصد هل سوف تتدخل أمريكا؟ فأجبته: وهل حتى الان امريكا لم تتدخل؟ لقد تدخلت امريكا منذ اليوم الاول، بل وقبل اليوم الاول، ولم تكن هناك حرب في الشرق الاوسط الا وتدخلت امريكا فيها بشكل مباشر او غير مباشر، عسكريا احيانا وسياسيا واقتصاديا دوما. فصرخ صديقي في وجهي قائلا: وبعدين معك؟ لماذا تتفلسف وتتهرب؟ أقصد هل ستوجه امريكا ضربة الى سوريا كما يتوقع العالم أجمغ وكما آكدته امريكا نفسها وما زال العالم حتى هذه اللحظة يحبس انفاسه منتظرا حصول هذه الضربة، وما هو موقفك من هذه الضربة؟. فقلت لصديقي: طبعا افهم قصدك منذ البداية وما تعده تفلسف إنما هو مجرد مقدمة لما سوف اقوله وليس تهربا وما سوف تسمعه مني في هذا الموضوع للوهلة الاولى سوف يصدمك وسوف يصدم العديد من القراء. أنا، وبكل صراحة مع هذه الضربة وسوف أشرح لماذا:
اذا كانت الضربة الامريكية كما يؤكد النظام السوري من رئيس الجمهورية مرورا بوزير الخارجية وحتى وزير الاعلام وباقي الموظفين سوف تشعل النار في المنطقة بإسرها، وإذا كان حلفاء النظام المحليين والدوليين يؤكدون ذلك، فها هو قائد الحرس الثوري الايراني يصرح بأن أي هجوم عسكري على سوريا سيؤدي "إلى زوال إسرائيل قريبا، وستكون سوريا فيتنام أخرى للأمريكيين". واذا كانت روسيا، الحليف الاول للنظام السوري تهدد بضرب السعودية وقطر. إذا كان كل ذلك صحيحا فما علين إلاا أن نخرج إلى الشوراع متظاهرين تأييدا للضربة الامريكية والمطالبة بتعجيلها وليس من أجل التظاهر ضدها ومن أجل منعها. لماذا على الشعب السوري وحده أن يتحمل كل هذه الضحايا بينما في اسرائيل ينعمون بالاستقرار والامان؟ ولماذا تسقط الصواريخ على دمشق وحلب وحمص وحماة ولا تسقط على القدس وتل ابيب وحيفا؟ ولماذا لا تسقط الصواريخ على عمان التي كانت وما زالت منذ قيام المملكة مركزا للتآمر على الأمة العربية؟ ولماذا لا تسقط الصواريخ على الدوحة والرياض وابوظبي وغيرها من العواصم التي يحكمها عملاء امريكا واسرائيل؟ إذا كانت الضربة الامريكية سوف تجعل من سوريا فيتناما جديدة فنحن متأخرون بنصف قرن ولكن كما يقول المثل: متأخرا أفضل من أبدا.
لاحظوا اني استعملت كلمة "إذا" وإذا هذه هي ظرف للمستقبل تتضمن معنى الشرط. فإذا كان فعل الشرط كاذبا فجواب الشرط هو الآخر كاذب. وفي حالتنا هذه فإن فعل الشرط كاذب صادر عن اشخاص كاذبين. بصراحة انا لا اصدق اصحاب نظرية "الرد في الوقت المناسب" أن يحولوا الضربة أمريكية إلى " كتلة من النار واللهيب ستحرق الشرق الاوسط كله" على حد قول وزير الاعلام السوري. وانا لا اصدق قائد الحرس الثوري بان هذه الضربة سوف تؤدي الى زوال اسرائيل. وانصحه أن يكف عن العزف على هذا الوتر الحساس ويتلاعب بأعصابنا. فإذا كان زوال إسرائيل ممكنا حاليا فلماذا انتظار الضربة الامريكية. وأنا لا اصدق بأن روسيا سوف توجه ضربة للدوحة أو للرياض وأرجح أن تتوصل إلى صفقة مع امريكا وما كل تصريحاتها ومناوراتها الا لرفع سعر الصفقة.
والحالة هذه وبعد الاستفاقة من التخيلات والتعلل بالاوهام كان لا بد من الوقوف بحزم ضد مجمل التدخلات الامريكية في المنطقة ومن ضمنها الضربة المرتقبة والتي لو حصلت لن تكون أكثر من ضربة موضعية تكنيكية تضعف النظام ولكن لا تسقطة، تقوي عصابات المعارضة العميلة ولكن ليس الى درجة الحسم. أي أن هدفها هو الحفاظ على الوضع الراهن (ستاتوس كوو) وليستمر الطرفان باستنزاف بعضهما البعض حتى آخر رمق. فهذه افضل طريقة لكي تنعم اسرائيل بمزيد من الامن والاستقرار وافضل طريقة لكي تبقي السعودية والاردن ودول الخليج بمنأى عن التغيرات الثورية.
الطريقة الوحيدة للقضاء على هذه الحرب الامبريالية الرجعية هي بشن الحرب عليها وذلك بتحويلها الى حرب تحرير شعبية. الثورات هي الوحيدة القادرة على اخماد الحروب الامبريالية والرجعية. في الحرب الراهنة، الشعوب العربية تمزق وتقطع إربا إربا ويتم استعمالها وقودا للدفاع عن مصالح الطبقات الحاكمة محليا ودوليا. الثورة في المنظور التاريخي سوف توحد الشعوب العربية من المحيط الى الخليج وسوف تقوده الى الحرية والاستقلال الحقيقي والتقدم والازدهار.