Wednesday, September 18, 2013

ذاكرة بين حربين


ذاكرة بين حربين
علي زبيدات – سخنين

من حيث المبدأ أنا ضد الحرب، كل حرب بغض النظر عن تعريفاتها وتصنيفاتها المتعددة: حرب امبريالية، حرب عدوانية، حرب عادلة، حرب تحررية، حرب هجومية، حرب دفاعية، حرب اختيارية، حرب مفروضة، إلى ما هنالك من تصنيفات. الحرب هي الحرب دائما وأبدا: قتلى، جرحى، مشردين، دمار، مجاعات، مصائب، مآسي والقائمة طويلة. ولكن، وهنا يوجد ولكن كبيرة، الحرب موجودة منذ بدء الحضارة البشرية وحتى اليوم، وهي موجودة موضوعيا بغض النظر عن ارادة وتمنيات الغالبية العظمى من بني البشر حتى هؤلاء الذين يحرضون عليها ويشعلونها ويخوضونها. فنحن هنا نقف امام معضلة حقيقية: نكره شيئا ولا نريده ولكننا في الوقت نفسه لا نتوقف عن ممارسته. فما العمل؟
انا شخصيا استسلم: الحروب لن تتوقف ولن تنتهي ما دامت هناك حياة على هذا الكوكب. ولا أومن بمجيء وقت يسكن الذئب به مع الخروف بينما بالكاد يستطيع الانسان أن يسكن مع الانسان. ولن يأتي وقت تتحول به السيوف إلى سكك والرماح الى مناجل بالعكس فالسيوف تتحول إلى دبابات وطائرات مقاتلة ومدافع والرماح تتحول الى صواريخ وقنابل فتاكة. وكلما ازدادت ثرثرتنا عن السلام كلما ازدات الحروب شراسة ووحشية. مرة اخرى: ما العمل؟
لقد وجدت إن افضل طريقة لمنع الحرب أو على الاقل لتحجيم اضرارها الى الحد الادنى هو عكس المعادلة السائدة حاليا: الكلام ضد السلام ومع الحرب. هل يبدو ذلك غير منطقي وغير عقلاني وغير اخلاقي؟ حسنا، اذا كانت ثرثرتنا عن السلام تتمخض عن المزيد من الحروبات الشرسة فلماذا لا نجرب؟
كانت هذه مقدمة ضرورية لكي استوعب ما قرأته في وسائل الاعلام الاسرائيلية في الذكرى الاربعين لحرب اكتوبر ١٩٧٣ والتي يطلقون عليها حرب الغفران ونسميها نحن تارة بحرب رمضان وطورا بحرب تشرين التحررية، وفي الوقت نفسه لكي استوعب ذاكرتي الخاصة عن هذه الحرب. من الواضح أن المجتمع الاسرائيلي بما فيه الجيش الذي وصف في يوم من الايام بالجيش الذي لا يقهر وبعد مرور ٤٠ سنة ما زال يعاني من الصدمة (بأل التعريف) وهذه الصدمة حسب رأيي سوف ترافقه لسنين طويلة قادمة. هذا بالرغم من ان هذه الحرب لم تلحق به أية هزيمة. على العكس ما خسره عسكريا عوضه بربح صاف على الساحة السياسية فيما بعد(اتفاقيات كامب ديفيد، وادي عربة وأوسلو). كان يكفي اسبوع واحد من الهجوم والصمود لكي يدب الرعب في قلبه لاجيال عديدة قادمة ويزيد من عجزه.
لا استطيع أن اتذكر حرب تشرين ١٩٦٧ بدون أن اتذكر حرب حزيران ١٩٦٧ . كنت حينها طالبا سنة أولى في الثانوية عندما دخل علينا مدير المدرسة ونحن نقدم احد الامتحانات قبل العطلة الصيفية وقال لنا: "ظبوا كتبكم ودفاتركم واذهبوا الى البيت، لقد بدأت الحرب". ستة أيام لم تكن كافية لاحتلال ما تبقى من فلسطين بالاضافة الى سيناء والجولان وحسب بل ايضا لالحاق هزيمة جديدة في نفوسنا المهزومة اصلا. لقد أصابتناحرب حزيران في كرامتنا وفي نظرتنا الى انفسنا. كنت أرى الشماتة في عيون كل اسرائيلي حتى عندما اكون متوهما. حرب اكتوبر ١٩٧٣ في اسبوعها الاول اعادت لنا الحياة. الجيش المصري يعبر القناة، يحطم خط بارليف ويجتاح سيناء. الجيش السوري يدخل الجولان، يتجه نحونا ويقترب منا وبدأنا في الجليل نستعد لاستقباله. كان حلما جميلا واللعنة على الذي ايقظنا منه.
بالرغم من تقلبات هذه الحرب لا يمكن بخسها من اهميتها. فالكيان الاسرائيلي لم يتحرر من الصدمة بعد وليس من باب الصدفة انه لم ينتصر في كافة حروبه اللاحقة وقد شن حروبا عديدة بعدها:حروب لبنان ١٩٧٨، ١٩٨٢، ٢٠٠٦ وحروب غزة ٢٠٠٨ و٢٠١٢ . صحيح انه لا يزال يحقق الانتصارات السياسية على الانظمة المهزومة. ولكن هذه الانتصارات من منظور تاريخي ليست سوى فقاعات سرعان ما تتلاشى وتزول.
للأسف الشديد الحروب لن تنتهي وسوف تستمر في التدمير وازهاق الارواح. ولن نستطيع ايقافها عن طريق مفاوضات عبثية أو تدخلات ما يسمى بالمجتمع الدولي.
الحرب على الحرب هي الطريق الوحيدة التي تضمن للشعوب العيش بسلام ولو كان سلاما نسبيا.

No comments: