Tuesday, January 27, 2009

الانتخابات للكنيست الصهيوني؟ لأ شكرا



تعرفون حكاية الشيخ الذي كان يعرج بشكل دائم على دار للدعارة فسألوه: الى أين يا شيخ؟ فأجابهم للصلاة. فقالوا له: ما نعرفه أن من يريد الصلاةيذهب الى المسجد وليس الى دار للدعارة. هذه هي حكايتنان بل هذه هي مصيبتنا، بإختصار مع المناضلين الاشاوس من الاحزاب العربية المتهافتة هذه الايام على إنتخابات الكنيست . تسأل أحدهم: الى أين يا أخ؟ الى أين يا رفيق؟ فيجيبك بكل فخر وإعتزاز: الى الكنيست. وماذا تفعل في الكنيست؟ أناضل ضد التمييز العنصري ومن أجل المساواة واطالب بالحقوق المشروعة لجماهير شعبنا، أنا في الكنيست من أجل خدمة هذا الشعب المظلوم.
بعد المجازر التي إقترفتها الدولة الصهيونية في غزة والتي تشيب من هولها الصبيان، وبعد أن شاهدنا الدم المسفوك بالالوان الطبيعية وببث مباشر على الشاشة التي أمامنا، ندعو أصحاب الضمائر الحية من جماهير شعبنا أن يقفوا للحظة واحدة أمام ضمائرهم ويحاولوا الاجابة عن هذا السؤال: هل حقا الكنيست الصهيوني مكان للنضال والمطالبة بالحقوق أم هو وكر للدعارة السياسية حيث تطبخ به المجازر التي لا تتوقف ضد شعبنا؟
لنبدأ من النهاية. اليس الثالوث المجرم الذين قادوا مجازر غزة ونفذوها، أولمرت وبراك وليفني هم أعضاء في الكنيست ؟ وهم الذين يقودون هذه المؤسسة العنصرية؟ ألم يكن جميع من ارتكبوا المجازر في هذه الدولة في حق شعبنا من بن غوريون الى موشه ديان الى غولدا مئير الى بيغن وشامير ورابين وبيرس وشارون ونتنياهو وغيرهم الكثيرون أعضاء في الكنيست؟
يوجد هناك من يعيدنا الى كتابات جان جاك روسو ومونتسكيو ويلفت انتباهنا الى نظرية الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في الدولة "الديموقراطية" الحديثة. ويقول: الحكومة هي التي تنفذ الجرائم وهي المسؤولة عنها والكنيست هي المؤسسة الوحيدة التي تستطيع لجمها. هذا المنطق الهزيل المريض يتهاوى أمام الواقع الذي يؤكد العكس تماما: الكنيست هي التي فوضت هذه الحكومة كما فوضت الحكومات السابقة بتنفيذ هذه الجرائم. الفصل بين السلطات وخصوصا في دولة اسرائيل ليس سوى وهم لم يعد يصدقه حتى طلاب المدارس الابتدائية في دروس المدنيات. ما كان قبل 250 سنة يسمى فصلا بين السلطات ليس اليوم أكثر من تقسيم أدوار، من تعاون وتنسيق بين هذه السلطات لإنجاح النظام ككل. البرلمان يسن القوانين والحكومة تنفذها والمحكمة تحاكم من يخرقها وهكذا تبقى الدائرة مغلقة. هذا هو جوهر الديموقراطية الغربية التي تبنت إسرائيل أقبح وابشع اشكالها. والتي وصفها كارل ماركس منذ زمن طويل:" الدولة الديموقراطية الرأسمالية تمنح الجماهير المسحوقة الحق في أن تختار من يقمعها كل اربع او خمس سنوات". هذا الكلام كان وصفا للدول الديموقراطية الراسمالية التي تطورت بشكل طبيعي من خلال الصراع الطبقي فما بالكم بدولة مصطنعة زرعت على هذه الارض بالقوة بعد إغتصابها وتهجير أهلها؟
لنعود الى البرلمان الاسرائيلي، الكنيست، حتى الاسم ينضح بالتمييز والتزييف ولا تربطه أية صلة بثقافتنا او حضارتنا، وهو مأخوذ من الاساطير المؤسسة لهذه الدولة ابتداء من الكنيست الكبيرة بعد السبي المزعوم، مرورا بالمؤتمر الصهيوني الاول في بازل عام 1897 وحتى الجمعية التأسيسية والكنيست الحديثة التي أعلن من على منصتها قيام دولة اسرائيل عام 1948.
منذ إعلان ما يسمى بوثيقة "الاستقلال" التي تنفي وجودنا في هذه البلاد نفيا مطلقا وحتى اليوم، قامت الكنيست بسن مئات القوانين المجحفة بحق شعبنا وتجريدنا من ابسط حقوقنا الطبيعية واولها حقنا بالحياة على أرضنا. فقد سنت الكنيست القوانين التي تخلد نفينا في المهاجر وبالمقابل سنت "قانون العودة" الذي يمنح اليهودي الذي لا تربطه اية صلة بالبلاد الحق بأن يستوطن في أي مكان يريد على وطننا. وسنت عشرات القوانين لشرعنة نهب اراضينا وبيوتنا وممتلكاتنا. بالاضافة الى ذلكن تمنح الكنيست الحكومة ثقتها بعد أن توافق على خطوطها السياسية العريضة وتراقب عملها من خلال اللجان البرلمانية. وهذا يدل على أن الكنيست هي التي تجسد الطبيعة العنصرية للدولة وتتحمل المسؤولية الاولى عن نكبتنا، أضعاف ما تتحمله الحكومات المتتالية. أهمية البرلمان في كل نظام تفوق أهمية اية حكومة. فالحكومات تقوم وتسقط وتتغير بينما البرلمان هو الذي يمنح النظام استمراريته. لذلك فإن دخول النواب العرب للكنيست بحجة محاربة سياسة الحكومة هو إفتراء وفي احسن الحالات هو غباء سياسي. وهم كمن يرتكب الكبائر بدون حرج ويأنف عن ارتكاب الصغائر.
بعد قرار لجنة الانتخابات المركزية بشطب قائمتين عربيتين ومن ثم قرار المحكمة بشطب قرار الشطب، اتضح مدى زيف وعبثية هذه اللعبة وقوانينها التي تراوح بين عنصرية النظام وبين قدرته على الخداع. لكي تمر كذبة الديموقراطية محليا وعالميا، يكون النظام بحاجة الى معارضة. في إسرائيل يتم إستخدام النواب العرب كورقة لستر عورات النظام والتغطية على جرائمه التي يقترفها. الاحزاب الصهيونية ليست بحاجة ماسة الى نواب عرب في صفوفها وليس من باب الصدفة وجود نائب عربي واحد في الاحزاب الصهيونية المركزية ويستعمل عادة للزينة لا أكثر ولا اقل. ولكن هذه الاحزاب بحاجة الى 10 أعضاء كنيست عرب على الاقل، يشتمون ويصرخون ويعارضون لكي يستطيعوا بعد ذلك الخروج الى العالم حتى بعد المجازر التي ارتكبت مؤخرا في غزة ويقولوا: هذه هي الديمقراطية الاسرائيلية، للنواب العرب الحرية في شتمنا في عقر دارنا.
بعد قرار لجنة الانتخابات المركزية بشطب القائمتين العربيتين لوح حزب التجمع الوطني الديموقراطي باللجوء الى "بدائل سياسية وشعبية لا ترتاح لها الدولة" على حد تعبير السكرتير العام عوض عبدالفتاح. أما رئيس القائمة النائب جمال زحالقة فقد صرح:" لا يصنعون لنا معروفا بل عليهم أن شكروننا على خيارنا بالمشاركة بالانتخاابات البرلمانية، وفي حالة شطب التجمع ستجري مقاطعة جماهيرية للإنتخابات". هذه التصريحات تذكرنا بما قاله القائد التاريخي لهذا الحزب، عزمي بشارة بعد أن نفى نفسه، بإن النضال البرلماني قد استنفذ نفسه ويوجد أمام حزبه خيارات أخرى.
ولكن الشعارات شيء والسياسة العملية شيء آخر. فسرعان ما هرول الحزب الى المحكمة الاسرائيلية ليقدم استئنافا على قرار الشطب، وهناك نفى زعامة الحزب التهم الموجهة ضدهم واعلنوا مرة أخرى اعترافهم والتزامهم بالدولة العبرية كتجسيد لحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره. وأكبر دليل على مصداقيتهم أنهم في حالة دخولهم للكنيست سوف يقسمون يمين الولاء للدولة تماما مثل النواب الصهاينة الذين طالبوا بشطبهم.
وعند خروج المشطوبين "منتصرين" من قاعة المحكمة صرح بعضهم قائلا: والان بعد أن حققنا النصر على ليبرمان الترانسفيري علينا أن نحقق النصر على الذين يريدون لنا الترانسفير السياسي من الداخل والذين ينادون بمقاطعة الانتخابات. حتى أن بعض الاصوات لم تخجل من القول: أن المقاطعين لإنتخابات الكنيست أشد خطرا من ليبرمان نفسه وكرروا الفرية المجوجة أن المقاطعة هي دعم للأحزاب الصهيونية.
هذا في الوقت الذي كان محمد كناعنة، الامين العام لحركة أبناء البلد التي تقود حركة المقاطعة يصرح:" اننا في حركة أبناء البلد نشجب ونستنكر قرار لجنة الانتخابات المركزية بشطب قائمتي الموحدة والتجمع ونعتبرها ملاحقة عنصرية فاشية ومحاولة لضرب القوى السياسية الفاعلة والحية، بالرغم من مقاطعتنا للإنتخابات ننظر بخطورة لهذا الاسلوب".
وانا هنا اوجه اللوم الى الرفيق محمد كناعنة، ولو كنت مكانه لقلت:" هذه هي المؤسسة التي راهنتم عليها 60 عاما تلفظكم من داخلها، تدوس على كرامتكم وتعاملكم كما تعامل المومس وضربتم بعرض الحائط كل ما قلناه عنها. تستحقون ما فعلوه بكم، من غير شماتة لعلكم تستخلصون العبر. ولكن من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام..
نعم، الكنيست ليست مكانا للنضال الوطني الشريف كما أن دار الدعارة ليست مكانا للصلاة. وكما قال أمير البيان، شكيب ارسلان:" يفكر الوطني بالاجيال القادمة اما السياسي فيفكر بالانتخابات القادمة". من أجل فلسطين، من أجل العودة ومن أجل الاجيال القادمة نناشد جماهيرنا الفلسطينية أن تقاطع انتخابات الكنيست، أن تنزع الشرعية عن هذه المؤسسة اللاشرعية حسب كافة القيم والمقاييس الاخلاقية. هذه المؤسسة ملطخة بدماء اطفال غزة تماما كالحكومة والجيش، بل هي التي تتحمل المسؤولية الاولى.
لا يكفي ان نهتف بالشعارات الرنانة ونقول نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، واننا شعب واحد مهما تشتتنا وتمزقنا. كيف نقبل بهذا الفتات وباقي شعبنا محروم من أبسط حقوقه؟ لماذا نناشد أهالي القدس بمقاطعة الانتخابات ولا نطبق ذلك على انفسنا؟ هل لأننا، بعيدا عن الشعارات، نعترف بواقع الاحتلال ونرى أن مصيرنا مرتبط باسرائيل وليس بمستقبل شعبنا؟ ألم تكن أحد اسباب رفضنا لاتفاقيات أوسلو هو شطبنا من معادلة حل القضية الفلسطينية؟ ولأن هذه الاتفاقيات تعاملت مع شعبنا كأجزاء مبتورة؟
الدعوة الى مقاطعة انتخابات الكنيست لا تعني بأي حال من الاحوال التقوقع في البيوت ولا تعني صم الآذان وإغماض العيون عن آلام شعبنا وعن النضال من أجل تحقيق مطالبه العادلة. بل على العكس من ذلك تماما: مقاطعة الانتخابات للكنيست الصهيوني تعني قيادة النضال في مساره الصحيح، تعني ما لمح اليه البعض حينما وقف للحظة امام خطر الشطب: اللجوء الى "بدائل سياسية شعبية". تعني بناء مؤسساتنا الوطنية التي توحدنا كشعب ولا تفرقنا. تعني الحفاظ على هويتنا الوطنية ورفض الاسرلة مهما كانت التبريرات والتسويغات. التهافت على انتخابات الكنيست هي عملية تطبيع واسرلة الى ابعد الحدود ولن تفيد كل الفلذكات الكلامية طمس هذه الحقيقة. ليكن شعارنا الوطني الصادق: هذا هو وطننا الذي لا وطن لنا سواه ولكن هذه الدولة ليست دولتنا.

Wednesday, January 21, 2009

شكرا جيش الدفاع الاسرائيلي




عاد جنودنا الابطال الى الديار بعد أن لقنوا العدو درسا لن ينسوه ابدا. عاد جنودنا ظافرين بعد أن شنوا حربا دفاعية على قطاع غزة، حربا هي من كثر الحروب عدالة وانسانية. في هذه الحرب قتل جنودنا الابطال من الجو والبحر والبر خلال 3 أسابيع أكثر من 1300 شخص منهم أكثر من 400 طفل واكثر من 100 إمرأة وجرحوا حوالي 6 آلاف شخص نصفهم من الاطفال والنساء. لولا القيم الاخلاقية العالية التي يتحلى بها جيشنا ولولا طهارة سلاحه وحساسيته المفرطة للجانب الانساني لقتل وجرح أعدادا أكبر بما لا يقاس. هذا بالاضافة الى تدمير قسم كبير من البنى التحتية حيث دمرنا اكثر من 20 الف منزل، 4 آلاف هدمناها بشكل كامل، اي سويناها مع الارض. منها المدارس والمساجد التي تحولت الى أوكار تعج بالمخربين.
هذا هو مصير كارهي إسرائيل، ليمح الرب اسمهم. لقد وصانا رب إسرائيل وهو يقف معنا دوما منذ أيام يهوشع بن نون أن نبيد أعدائنا عن بكرة ابيهم. ألم يأمرنا بقتل الاطفال والشيوخ والنساء وحتى الشجر والغنم والحمير عندما حررنا اريحا وباقي المدن التي وعدنا بها الرب ؟ كل من يخالفنا دمه في رأسه وعليه أن يدفع الثمن يحياته. فقط من يتعامل معنا ويخون وطنه وشعبه يستطيع أن يعيش بجوارنا. كما فعلت راحاب الزانية في ذلك الوقت، الم نحميها هي وعائلتها لأنها ساعدت جواسيسنا؟ واليوم الا نحمي ونحافظ على سلامة محمود عباس وسلطته وعلى كافة الانظمة العربية المعتدلة التي تخدمنا؟.
قد يقول البعض من أصحاب النفوس الجميلة من الاغيار او حتى من بيننا: إن قتل الاطفال هو عمل غير إنساني تحرمه القوانين الدولية. أولا من يقول أن هؤلاء الاطفال معدودين من البشر؟ انهم مجرد مخلوقات تدب على قدمين كما وصفهم مناحم بيغين، بل هم صراصير دائخة داخل قنينة كما وصفهم آخر. ثانيا، وهو الاهم، هؤلاء الاطفال سوف يكبرون وسوف يحاربوننا، الا نحارب اليوم أطفال الانتفاضة الاولى؟ فمن واجبنا إذن أن نقدم العلاج على الضربة وأن نقتل في الصباح من يريد قتلنا في المساء، اليست هذه تعاليم رب اسرائيل التي تنص عليها كتبنا المقدسة؟
ولماذا نقتل النساء الفلسطينيات؟ ألسن هن الامهات اللاتي ينجبن هؤلاء الارهابيين المخربين الصغار؟ وهن اللاتي يربينهم على كراهيتنا ويرسلنهم لمحاربتنا؟
طبعا، لكي يسكت الاغيار عنا، ويغضوا الطرف عن المجازر العادلة التي نقوم بها، خصوصا وأن معظم هؤلاء الاغيار يقدمون لنا الدعم، يجب أن نستمر في دعايتنا التي تقول: اننا نقتل الاطفال والشوخ والنساء من أجل مصلحتهم، لكي نخلصهم من المخربين الذين يستعملونهم كدروع بشرية، لكي يتمردوا عليهم ويساعدوننا على التخلص منهم، ونحن نتعهد، كما تعهدنا لراحاب الزانية أن ندعهم يعيشون بسلام بجوارنا وأن يخدموننا كما كانوا يفعلون في السابق.
عاد الابناء الى الديار بعد أن إستحموا بدماء الفلسطينيين ردا على الارهابين الملطخة ايديهم بدماء الشعب اليهودي. طبعا لا يوجد هناك مجال للمقارنة بين دم ابنائنا ودم ابنائهم. وكما قال شاعرنا القومي حاييم نحمان بيالك:" الانتقام لدم طفل يهودي لم يخلقه الشيطان بعد" أما دماء الاطفال الفلسطينيين فهي رخيصة حتى في أعين ذويهم لذلك يبعثونهم للموت. إننا شعب الكتاب، شعب الله المختار، لذلك نستعمل في حروينا آخر ما توصل له العلم، فإذا اردنا ان نصفي أحد زعامتهم نلقي عليه قنبلة وزنها طن تقضي عليه وعلى عائلته وعلى كل من يتواجد بقربه، ونستعمل الاسلحة المحرمة دوليا والتي نصنعها بأنفسنا لكي نجرب نجاعتها. هذا بالاضافة الى الطائرات الحربية من آخر طراز والدبابات والغواصات أما هم، بصفتهم شعب بدائي متخلف يستعملون بدورهم اسلحة بدائية متخلفة تسبب بعض الثقوب في الجدران وفي الساحات المفتوحة ولكنها تسبب الرعب والهلع لمواطنيننا.
حربنا حرب دفاعية عادلة، بدأت في عام 1948 حيث طردنا أعدائنا من بيوتهم واراضيم وهدمنا قراهم، ومن ثم لاحقناهم الى مخيماتهم وقتلنا منهم الكثيرين، فرضنا عليهم الحصار برا وبحرا وجوا، منعنا عنهم الاكل والدواء، جعلنا من القطاع سجنا كبيرا، وأخيرا شن جيشنا الذي يعتبر رابع أكبر جيش في العالم حرب غبادة ضدهم، ولكنهم لا يستسلمون ويصرون على العودة لبيوتهم المهدمة. أي نوع من البشر هؤلاء؟.
مرة أخرى شكرا جيش الدفاع الاسرائيلي.

Tuesday, January 13, 2009

مقاطعة انتخابات الكنيست موقف وطني وواجب أخلاقي



على ضوء المجازر التي ترتكبها المؤسسة الاسرائيلية في غزة والجرائم ضد الانسانية التي تقترفها، فإن مقاطعة إنتخابات الكنيست القادمة تختلف عن مقاطعتها في المرات السابقة. في الماضي كان الكلام عن المقاطعة عبارة عن إجتهادات نظرية حتى عندما كانت تتناول قضايا مبدئية. وكانت نسبة كبيرة من المقاطعين تتبنى موقف المقاطعة لأسباب سياسية أو شخصية آنية كفقدان الامل من التوصل الى مساواة حقيقية من خلال النضال البرلماني أو لخيبة املهم من النواب العرب والاحزاب التي ارسلتهم الى الكنيست. هذه المرة الامر يختلف تماما. النظريات التي كان معظمها في أعين الناخبين مجرد شعارات خاوية من أي محتوى عملي أو في أحسن تعريف، تنطلق من ابراج عاجية منفصلة عن هموم الجماهير، أصبحت اليوم شيئا ملموسا يصل الى كل مواطن من خلال الصور التي تكاد لا تصدق الآتية من غزة.
علاقة الحرب على غزة، وخصوصا من خلال توقيتها وشراستها، بإنتخابات الكنيست القادمة لم يعد ينكرها أحد. لقد أصبح كل صوت في هذه الانتخابات ملطخا بدماء أطفال ونساء وشيوخ ومناضلي غزة. عين تحصي القتل والدمار في غزة وعين على االاستطلاعات الانتخابية.
لم يعد يالامكان التهرب من هذا الواقع. إذا كانت الحرب هي سياسة ولكن بوسائل أخرى فإن السياسة هي أيضا حرب لكن بوسائل أخرى. وعلى الجماهير العربية في هذه البلاد أن تحدد موقفها ليس من الحرب التي افرزتها السياسة الاسرائيلية وحسب بل ومن السياسة التي سوف تعقب هذه الحرب أيضا.
تدعي إسرائيل انها دولة "يهودية ديموقراطية". حسنا جدا، لنسلم جدلا بهذا التعريف. وعلى غرار الدول الديموقراطية الغربية فإن لهذه الدولة مؤسسات تتمركز في سلطات ثلاثة، منفصلة ظاهريا عن بعضها البعض ولكنها في حقيقة الامر تكمل بعضها وتقوم كل سلطة بدورها. وتكون محصلة هذا التقاسم وهذا التعاون والانسجام بالادوار هي الدولة ككل: 1) السلطة التشريعية، (البرلمان) الذي يسمى هنا الكنيست. 2) السلطة التنفيذية وهي الحكومة. 3) السلطة القضائية وهي المحاكم المختلفة.
تدعي الاحزاب العربية التي تشارك في الانتخابات أن وجودها في الكنيست ضروري من أجل محاربة سياسة التمييز والحرب التي تقوم بها السلطة التنفيذية (الحكومة). هذا الادعاء كاذب جملة وتفصيلا: أولا، معظم أعضاء الحكومة هم في الوقت نفسه أعضاء في الكنيست. ورئيس الحكومة هو عادة رئيس الحزب الذي يمتلك أكبر عدد من من نواب الكنيست. ثانيا، الحكومة لا تباشر بأعمالها الا بعد أن تنال الثقة من الكنيست. ثالثا، الكنيست هي التي توافق على الحكومة وعلى خطوطها الاساسية وهي الوحيدة التي تستطيع اسقاطها من خلال نزع الثقة عنها. رابعا، الكنيست تراقب عمل الحكومة من خلال لجانها المختلفة والتي تضم نوابا عربا. خامسا، أصلا صلاحيات الحكومة محددة بالقوانين التي تسنها الكنيست. من هنا نستنتج أن السلطة التشريعية (البرلمان) (الكنيست) تفوق من حيث اهميتها للنظام على السلطة التنفيذية (الحكومة).
إذن، ايتها الاحزاب العربية، اين الفصل بين الكنيست والحكومة؟ وكيف يمكن أن تكون حقا ضد الحكومة وفي الوقت نفسه عضوا في الكنيست؟ من يقول ذلك فهو يخدع نفسه ويخدع الجماهير.
اسرائيل، برؤوسها الثلاث، هي دولة كولونيالية عنصرية تحتل كامل فلسطين. هكذا كانت عند قيامها عام 1948 وهكذا هي اليوم. انها مخلصة لطبيعتها تمام الاخلاص، لم ولن تتغير. فهي لا تستطيع أن تخرج من جلدها. من هدم 530 قرية وطرد 750 مواطن آمن عام 1948 فما الغرابة في أن يدمر غزة عن بكرة ابيها ويقتل ألف ويجرح 5 آلاف؟
الاحزاب العربية التي تمنح هذا الكيان الشرعية من خلال التهافت على الكنيست وتدعي انها تعمل ذلك لمحاربة التمييز، مثلها كمن يرتكب الكبائر ويحرم الصغائر.
لكي تمر كذبة الدولة "اليهودية الديموقراطية" على سكان هذه البلاد وعلى العالم اجمع ترحب المؤسسة الاسرائيلية بوجود "نواب" عرب في الكنيست. ففي نهاية المطاف الديموقراطية تعني وجود معارضين في مؤسسات الدولة. الدور المحدد للنواب العرب هو تجميل صورة هذه الديموقراطية الزائفة. وهذا الدور في هذه الايام لا يقدر بثمن. بينما تقترف الدولة جرائم تستفز الضمائر الحية في شتى انحاء العالم، فما احوجها الى نواب معدودين على الشعب الضحية لكي يسوقوا مثل هذه الديموقراطية.
لقد قامت قائمة الاحزاب العربية التي شطبتها لجنة الانتخابات المركزية ولم تقعد. فهذا النائب واصل طه يصرح:" أن قرار لجنة الانتخابات المركزية بشطب الاحزاب العربية يفضح الوجه البشع للديموقراطية المزيفة". المجازر التي ترتكب في غزة ألم تكن كافية لفضح الوجه البشع للديموقراطية المزيفة؟
وهذه اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات تصرح:" قرار اللجنة المركزية للإنتخابات بشطب القائمتين هو قرار سياسي عنصري، يأتي ضمن منهج الملاحقات السياسية ونزع الشرعية القانونية والسياسية والمساعي لفك ارتباط جماهير شعبنا وحركاتها السياسية بوطنها وشعبها وبالقضية الفلسطينية.." هل وجودنا في الكنيست هو ضمان ارتباطنا بشعبنا ووطننا وقضيتنا؟؟ يا عيب الشوم. وهذا جمال زحالقة يقول:" في حالة شطب التجمع ستجري مقاطعة جماهيرية للإنتخابات، فهم لا يصنعون معنا معروفا بل عليهم أن يشكروننا على خيارنا بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية". المقاطعة الجماهيرية آتية سواء شطب التجمع أم لم يشطب ومن الافضل أن تغير خيارك وتلحق حالك.
هذا هو غيض من فيض من تصريحات قيادة الاحزاب المهددة بالشطب.
ولكن أخشى أن تكون هذه مرة أخرى مجرد مناورة ذكية. لجنة الانتخابات تشطب والمحكمة العليا تثبت. ويتم ضرب عصفورين بحجر. فمن ناحية تستطيع المؤسسة أن "تبرهن" للعالم أجمع على ديموقراطيتها وتحول الانظار عن جرائمها في غزة، وفي الوقت نفسه تستطيع الاحزاب العربية بعد سحب الشطب أن تستغلها في الدعاية الانتخابية.
الكنيست مكان ملطخ بدماء أهلنا في غزة. لن نمنح الشرعية لهذه المؤسسة العنصرية.

Wednesday, January 07, 2009

المقاومة في غزة أعادتنا الى الجذور



حرب غزة الاخيرة أعادت الصراع العربي الصهيوني الى جذوره. الصراع هو صراع على الوجود وليس على الحدود. هو صراع بين امة، حتى وإن كانت ممزقة تعاني من التخلف في مجالات عديدة، ولكن جذورها تضرب في أعماق التاريخ، هي الامة العربية وبين حركة كولونيالية مدعومة من النظام الامبريالي العالمي، كونت لنفسها كيانا عسكريا يسمى دولة اسرائيل إغتصبت لنفسها جزءا عزيزا من وطن هذه الامة.
السؤال المطروح اليوم على الامة العربية من المحيط الى الخليج بل وعلى العالم بإسره هو: ما هو مدى شرعية هذا الكيان؟
إن منح هذا الكيان شرعية يعني الاعتراف بجميع المجازر التي إقترفها منذ عام النكبة 1948 وحتى اليوم. منذ مجزرة دير ياسين الى مجزرة مدرسة الانروا في غزة مرورا بالمجازر الاخرى التي تكاد لا تعد ولا تحصى، حتى يمكن تلخيص تاريخ هذا الكيان بتاريخ المجازر التي إرتكبها. هذا بالاضافة الى سياسة الابادة الاثنية (جينوسايد) التي يتبناها وينفذها، وليس سياسة "التطهير العرقي" (ethnic cleansing) المستعملة حاليا. ما يجري في غزة اليوم هو تصفية جسدية لمجموعة بشرية. ولن تغير جميع الإدانات والاستنكارات مهما تعالت من هذه الحقيقة شيئا.
على الدول العربية أن تسحب مبادرتها المخزية التي تمنح هذا الكيان الشرعية والسلام والعلاقات الطبيعية. وعلى المنظمات الفلسطينية بكافة اديولوجياتها أن تسحب إعترافها بهذا الكيان من خلال الغاء اتفاقيات اوسلو وكل ما نتج عنها من إفرازات، وعلى حماهيرنا الفلسطينية في الداخل أن تنزع الشرعية عن هذا الكيان من خلال مقاطعة الانتخابات المقبلة للكنيست الصهيوني. وعلى المجتمع الدولي أن يراجع قرارته التي منحت هذا الكيان الشرعية منذ وعد بلفور مرورا بصك الانتداب وحتى قرار التقسيم وما أعقبه من نتائج على ارض الواقع.
ينقسم العالم اليوم الى معسكرين كبيرين: المعسكر الداعم لمقاومة جماهير غزة ويضم الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وشعوب العالم اجمع والتي تعبر عنه بالمظاهرات الشعبية تنتشر في كل بقاع العالم. والمعسكر الداعم للطغمة الفاشية الاسرائيلية والذي يضم نادي الانظمة الرجعية من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي الى الانظمة العربية والتي تتحكم بما يسمى الشرعية الدولية.
وبذلك أعادت حرب غزة الصراع العالمي الى مساره التاريخي الصحيح: الصراع بين النظام الامبريالي العالمي الذي تقوده العولمة الامريكية وشعوب العالم التي ترزح تحت الهيمنة الامبريالية. وأعادت المصداقية لشعارات ظن الجميع أنها توارت عن الانظار وأصبحت في ذمة التاريخ وعلى رأسها شعار الثورة العالمية كطريق وحيد لحل هذا الصراع وإنقاذ المجتمع البشري من الدمار الذي تجره نحوه العولمة الامريكية.
ونعود الى ساحتنا المحلية: إن المظاهرة الجبارة التي شهدتها مدينة سخنين في الاسبوع الماضي والمظاهرات المحلية المتواصلة في كل مدينة وقرية وفي الجامعات تبرهن بما لا يترك مجالا للشك أن الجماهير تقف الى جانب المقاومة في غزة. ولكن هذه النشاطات ابرزت مرة أخرى الفجوة العميقة بين الجماهير الشعبية والقيادة. وأعادت العلاقات الجدلية المركبة بين هذين الطرفيين الى واجهة النقاش. فالقيادة متسترة وراء "الحكمة والمسؤولية" تعمل ما تستطيعه للجم التحرك الشعبي لكي لا يخرج من تحت رقابتها وإشرافها وهي من أجل ذلك تدفع ضريبة كلامية من خلال التنديد والاستنكار والمشاركة في نشاطات محدودة ومراقبة. هذه الجدلية بين القيادة والجماهير لا تحل الا من خلال تطور النضال ومن خلال التعبئة والتوعية.
مثال على هذه الاشكالية هو الرد المتشنج الذي عبر عنه محمد بركة وبعض اقطاب لجنة المتابعة التي تعتبر نفسها المرجعية الوطنية والسياسية للجماهير الفلسطينية في الداخل على تصريحات القيادي في حركة حماس اسامة حمدان الذي حييا جماهيرنا على مواقفها وطالب بالمزيد من النشاطات :"لإرباك العدو وزلزلة بيته من الداخل" وهي دعوة طبيعية ومتوازنة، فهو لم يطلب من جماهيرنا حمل السلاح دفاعا عن غزة فنحن لا نملك السلاح ومن يملكه مننا يضعه في خدم الجيش الاسرائيلي والشرطة الاسرائيلية، وهو يعرف بالضبط اوضاعنا ومقدراتنا. يمكن إرباك العدو وزعزعة اركان بيته من الداخل بالمزيد من المظاهرات والإضرابات العامة والاعتصامات السلمية والعصيان المدني بكافة اشكاله وهي نشاطات تشرعها كافة القوانين الدولية. ولم يكن من باب الصدفة أن يظهر محمد بركة على قناة العربية التي تعتبر منبرا لما يسمى بمعسكر الاعتدال. وبوقاحة يتوجه بركة الى حمدان طالبا منه أن "يحتفظ بنصائحه لنفسه"، مختبئا وراء شعارات مزيفة حول عدم "التدخل بأولوياتنا" وحول " الخصوصية الجغرافية والسياسية والمدنية" وحكمة وشجاعة لجنة المتابعة.. تصريحات محمد بركة تناغمت مع تصريحات الطيب عبد الرحيم أحد أركان التطبيع الفلسطيني مع اسرائيل الذي دعا الجماهير في الداخل الفلسطيني الى الانضباط خوفا من "جلب الويلات والتهجير" لجماهيرنا. وتصريحاته هذه ليست سوى تكرارا لما قاله رئيس السلطة محمود عباس في أكثر من مناسبة بصدد عدم تدخل جماهيرنا الفلسطينية في النضال ضد الاحتلال والاكتفاء بأن نكون "جسرا للسلام" مع اسرائيل.
إن كان هناك ثمة أي شيء ايجابي من حرب الابادة التي تشنهت اسرائيل في غزة فهو إعادة اللحمة الى هذا الشعب الممزق في جميع اماكن تواجده على الصعيد الشعبي.