Wednesday, January 07, 2009

المقاومة في غزة أعادتنا الى الجذور



حرب غزة الاخيرة أعادت الصراع العربي الصهيوني الى جذوره. الصراع هو صراع على الوجود وليس على الحدود. هو صراع بين امة، حتى وإن كانت ممزقة تعاني من التخلف في مجالات عديدة، ولكن جذورها تضرب في أعماق التاريخ، هي الامة العربية وبين حركة كولونيالية مدعومة من النظام الامبريالي العالمي، كونت لنفسها كيانا عسكريا يسمى دولة اسرائيل إغتصبت لنفسها جزءا عزيزا من وطن هذه الامة.
السؤال المطروح اليوم على الامة العربية من المحيط الى الخليج بل وعلى العالم بإسره هو: ما هو مدى شرعية هذا الكيان؟
إن منح هذا الكيان شرعية يعني الاعتراف بجميع المجازر التي إقترفها منذ عام النكبة 1948 وحتى اليوم. منذ مجزرة دير ياسين الى مجزرة مدرسة الانروا في غزة مرورا بالمجازر الاخرى التي تكاد لا تعد ولا تحصى، حتى يمكن تلخيص تاريخ هذا الكيان بتاريخ المجازر التي إرتكبها. هذا بالاضافة الى سياسة الابادة الاثنية (جينوسايد) التي يتبناها وينفذها، وليس سياسة "التطهير العرقي" (ethnic cleansing) المستعملة حاليا. ما يجري في غزة اليوم هو تصفية جسدية لمجموعة بشرية. ولن تغير جميع الإدانات والاستنكارات مهما تعالت من هذه الحقيقة شيئا.
على الدول العربية أن تسحب مبادرتها المخزية التي تمنح هذا الكيان الشرعية والسلام والعلاقات الطبيعية. وعلى المنظمات الفلسطينية بكافة اديولوجياتها أن تسحب إعترافها بهذا الكيان من خلال الغاء اتفاقيات اوسلو وكل ما نتج عنها من إفرازات، وعلى حماهيرنا الفلسطينية في الداخل أن تنزع الشرعية عن هذا الكيان من خلال مقاطعة الانتخابات المقبلة للكنيست الصهيوني. وعلى المجتمع الدولي أن يراجع قرارته التي منحت هذا الكيان الشرعية منذ وعد بلفور مرورا بصك الانتداب وحتى قرار التقسيم وما أعقبه من نتائج على ارض الواقع.
ينقسم العالم اليوم الى معسكرين كبيرين: المعسكر الداعم لمقاومة جماهير غزة ويضم الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وشعوب العالم اجمع والتي تعبر عنه بالمظاهرات الشعبية تنتشر في كل بقاع العالم. والمعسكر الداعم للطغمة الفاشية الاسرائيلية والذي يضم نادي الانظمة الرجعية من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي الى الانظمة العربية والتي تتحكم بما يسمى الشرعية الدولية.
وبذلك أعادت حرب غزة الصراع العالمي الى مساره التاريخي الصحيح: الصراع بين النظام الامبريالي العالمي الذي تقوده العولمة الامريكية وشعوب العالم التي ترزح تحت الهيمنة الامبريالية. وأعادت المصداقية لشعارات ظن الجميع أنها توارت عن الانظار وأصبحت في ذمة التاريخ وعلى رأسها شعار الثورة العالمية كطريق وحيد لحل هذا الصراع وإنقاذ المجتمع البشري من الدمار الذي تجره نحوه العولمة الامريكية.
ونعود الى ساحتنا المحلية: إن المظاهرة الجبارة التي شهدتها مدينة سخنين في الاسبوع الماضي والمظاهرات المحلية المتواصلة في كل مدينة وقرية وفي الجامعات تبرهن بما لا يترك مجالا للشك أن الجماهير تقف الى جانب المقاومة في غزة. ولكن هذه النشاطات ابرزت مرة أخرى الفجوة العميقة بين الجماهير الشعبية والقيادة. وأعادت العلاقات الجدلية المركبة بين هذين الطرفيين الى واجهة النقاش. فالقيادة متسترة وراء "الحكمة والمسؤولية" تعمل ما تستطيعه للجم التحرك الشعبي لكي لا يخرج من تحت رقابتها وإشرافها وهي من أجل ذلك تدفع ضريبة كلامية من خلال التنديد والاستنكار والمشاركة في نشاطات محدودة ومراقبة. هذه الجدلية بين القيادة والجماهير لا تحل الا من خلال تطور النضال ومن خلال التعبئة والتوعية.
مثال على هذه الاشكالية هو الرد المتشنج الذي عبر عنه محمد بركة وبعض اقطاب لجنة المتابعة التي تعتبر نفسها المرجعية الوطنية والسياسية للجماهير الفلسطينية في الداخل على تصريحات القيادي في حركة حماس اسامة حمدان الذي حييا جماهيرنا على مواقفها وطالب بالمزيد من النشاطات :"لإرباك العدو وزلزلة بيته من الداخل" وهي دعوة طبيعية ومتوازنة، فهو لم يطلب من جماهيرنا حمل السلاح دفاعا عن غزة فنحن لا نملك السلاح ومن يملكه مننا يضعه في خدم الجيش الاسرائيلي والشرطة الاسرائيلية، وهو يعرف بالضبط اوضاعنا ومقدراتنا. يمكن إرباك العدو وزعزعة اركان بيته من الداخل بالمزيد من المظاهرات والإضرابات العامة والاعتصامات السلمية والعصيان المدني بكافة اشكاله وهي نشاطات تشرعها كافة القوانين الدولية. ولم يكن من باب الصدفة أن يظهر محمد بركة على قناة العربية التي تعتبر منبرا لما يسمى بمعسكر الاعتدال. وبوقاحة يتوجه بركة الى حمدان طالبا منه أن "يحتفظ بنصائحه لنفسه"، مختبئا وراء شعارات مزيفة حول عدم "التدخل بأولوياتنا" وحول " الخصوصية الجغرافية والسياسية والمدنية" وحكمة وشجاعة لجنة المتابعة.. تصريحات محمد بركة تناغمت مع تصريحات الطيب عبد الرحيم أحد أركان التطبيع الفلسطيني مع اسرائيل الذي دعا الجماهير في الداخل الفلسطيني الى الانضباط خوفا من "جلب الويلات والتهجير" لجماهيرنا. وتصريحاته هذه ليست سوى تكرارا لما قاله رئيس السلطة محمود عباس في أكثر من مناسبة بصدد عدم تدخل جماهيرنا الفلسطينية في النضال ضد الاحتلال والاكتفاء بأن نكون "جسرا للسلام" مع اسرائيل.
إن كان هناك ثمة أي شيء ايجابي من حرب الابادة التي تشنهت اسرائيل في غزة فهو إعادة اللحمة الى هذا الشعب الممزق في جميع اماكن تواجده على الصعيد الشعبي.

1 comment:

Anonymous said...

كيف ممكن أن تساعد المظاهرات في الداخل؟ مثلا أنا لا أظن أن أسرائيل ستهتم بموقفنا