Wednesday, January 29, 2014

داخل الاطار - خارج الاطار كيري يعيد اكتشاف مبادرة السلام العربية



داخل الاطار -خارج الاطار
كيري يعيد اكتشاف مبادرة السلام العربية

علي زبيدات – سخنين

لا يوجد هناك مؤامرة. اطار السلام الشامل مع اسرائيل حسب مبادرة السلام العربية التي قدمها الملك السعودي عبدالله في مؤتمر القمة المنعقد في بيروت عام ٢٠٠٢ معروف للجميع منذ ذلك الوقت. "اتفاق الاطار" الذي يعمل عليه جون كيري هو ايضا معروف حتى قبل أن يعلن عنه رسميا. وكان آخر من تناول تفاصيله صحيفة نيويورك تايمز بفلم كبير محلليها السياسيين توماس فريدمان. الخطوط العريضة وكثير من التفاصيل معروفة لكل من يريد أن يعرف وهي على بعد كبسة أو كبستين على لوحة المفاتيح للحاسوب. كلا الاطارين يعتمد على وينطلق من مصطلح الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧. طبعا، وهل اردتم ان يعتمد على فلسطين التاريخية؟ انسوا! ولتلافي العودة الى النقاش البيزنطي حول قرار ٢٤٢ هل المقصود الاراضي المحتلة ام أراض محتلة، قام الوصي على المبادرة العربية (جامعة الدول العربية برئاسة السعودية) بطرح مبدأ التبادل الذي تلقفه صاحب الاطار الثاني: كيري ويبدو انه ينال موافقة مبدئية من كافة الاطراف. فاذا تم الاتفاق على المبدأ فيمكن التغلب على العراقيل التي تعترض التوصل للاتفاق على التفاصيل.
يتفق الاطاران العربي والامريكي على ضرورة التوصل لحل عادل متفق عليه لمشكلة اللاجئين. وبما أن العودة من وجهة نظر اسرائيلية هي ليست حلا عادلا وهي لن توافق عليه اصلا بأي حال من الاحوال، فيجب البحث عن حل "عادل آخر". ويبدوا أن جميع الاطراف قد وجدت مثل هذا الحل: "يعود"بعض الفلسطينيين الى الدولة الفلسطينية ويتم توطين البعض في اماكن اخرى وإن لم يكن في دول عربية فمن الممكن تجنيد كندا واستراليا مثلا لهذا الغرض والبعض الآخر سوف يكتفي بالتعويضات. ماذا يوجد ايضا داخل اتفاق الاطار (أو بالاحرى الاطارين)؟ تريدون عاصمة في القدس؟ ما المشكلة؟ ابو ديس تصبح هي القدس الشرقية وهي في الوقت نفسه خارج الجدار. واذا كانت ابو ديس لا تكفي فمن الممكن اخراج حي آخر خارج الجدار وضمه للعاصمة. اما بالنسبة للمستوطنات فهي ليست مشكلة على الاطلاق، فالكتل الكبيرة سوف يتم ضمها إلى إسرائيل مع تبادل أو بدونه أما بالنسبة للمستوطنات المبعثرة هنا وهناك فيمكن بسهولة التوصل إلى حل خلاق مثلا استئجارها لفترة طويلة ولنقل ل٩٩ سنة، أو اخلائها تدريجيا حسب تطور الامور، أو ابقائها تحت السلطة الفلسطينية.
ليس من باب الصدفة أن عرج كيري بعد زيارته الاخيرة على الاردن والسعودية. فقد صرح ابو مازن بما معناه: انا موافق على كل ما يتفق عليه الاخوة العرب. ليتحملوا هم المسؤولية.
اتفاق الاطار حسب المعلومات المسربة والمتداولة ليس فقط انه جاهز بل يحظى بموافقة الجميع. ولكن من باب المناورات أوعز ابو مازن لكبير المفاوضين عريقات وللمالكي بأن يعترضا بشكل معقول ومعتدل، و يكررا للاستهلاك المحلي الشعار الذي وصل الى درجة الابتذال حول التمسك بالثوابت الوطنية. كما أوعز نتنياهو بالطرف الاخر الى ياعلون وبانط بالتعبير عن تحفظهم من هذا الاتفاق. وترك ليبرمان ليعبر عن الموقف الاسرائيلي الحقيقي عندما صرح: "أن اقتراح كيري هو افضل اقتراح يمكن أن نقبله ويجب علينا أن نقبله".
بينما يصرح عريقات بأن الجانب الفلسطيني لن يمدد المفاوضات حتى بيوم واحد بعد انتهاء الاشهر التسعة المخطط لها، يقول أبو مازن بأننا سوف نقبل بفترة ثلاث سنوات حتى تكمل اسرئيل تنفيذ انسحابها ويرى من الضروري تواجد جنود من حلف الناتو لحفظ السلام. في النهاية يتفق الجميع: ابو مازن وكبير مفاوضيه ووزير خارجيته مع نتنياهو ووزرائه عن يمينه وشماله بإن "اتفاق الاطار" الذي يحمله كيري ولا يخفي مرجعيته للمبادرة العربية سوف يفرض على المنطقة بقوة المال السعودي والخليجي والغربي والذي تسميه اسرائيل بالسلام الاقتصادي.
ما تم نسيانه من قبل جميع الفرقاء أن إطارهم هذا ضيق جدا يضع داخله صورة مشوهة ومهزوزة للواقع. وان كافة القوى الحاسمة موجودة خارج هذا الاطار. وعلى هذا القوى أن تبدأ فورا في تحطيم إطار كيري وعبدالله وتصنع صورة مشرقة للمنطقة بأسرها.

Wednesday, January 22, 2014

خطوة إلى الامام خطوتان إلى الوراء - الذكرى الثالثة للثورة المصرية



خطوة إلى الامام، خطوتان إلى الوراء - الذكرى الثالثة للثورة المصرية
علي زبيدات – سخنين

الذكرى الثالثة لثورة ٢٥ يناير/ كانون الثاني على الابواب .لا أدري، في ظل الظروف الراهنة، كيف سوف يحيي المصريون ذكرى ثورتهم. حتى الان تبدو الصورة بمجملها سريالية: جميع الاطراف المتحالفة والمتناحرة سوف تحيي هذه الذكرى مجتمعة من جهة وكل على حدة من جهة أخرى. يدعي كل فريق بأن الثورة ثورته وإنه الاشد اخلاصا لها ولمبادئها. وبالمقابل سوف يكيل الشتائم للفرقاء الاخرين ويتهمهم بانهم تسلقوا على الثورة أو خانوها وقلبوها الى ضدها بل قدموها هدية للنظام البائد الذي يعود ويمارس الانتقام بمنهجية. إذا صح الكلام، سيحتفل في الوقت نفسه القاتل والمقتول، السجين والسجان، الحاكم والمحكوم، الاخوان المسلمون المعزولون والعسكريون المسيطرون وكل من التف حولهم ودار في فلكهم. شيء واحد اصبح مؤكدا: في هذه الذكرى لن يمتلئ ميدان التحرير بالملايين. لن تخرج الجماهير الغفيرة إلى الشوارع في المدن الكبيرة وفي كافة المحافظات. الشعب خرج في إجازة لا يعرف احد كم تطول. الثورة انتصرت لكن النظام الذي سقط ما زال حيا يرزق ويرفص بقدميه.
كنا في سخنين أول من احتفل بانتصار الثورة المصرية قبل ثلاثة أعوام. كنت شخصيا من المبادرين لهذا الاحتفال. فقد اتصلت بعدد كبير من الفنانين المحليين الملتزمين ودعوتهم لاحياء مهرجان وطني احتفالا بسقوط نظام حسني مبارك. لبى بعض الفنانين الدعوة واعتذر بعضهم كل واحد لاسبابه الخاصة. كان اليوم ماطرا والبرد قارصا ونصحني بعض الاصدقاء أن ننقل المهرجان الى داخل قاعة البلدية القريبة ولكني رفضت ذلك قائلا: على هذا الاحتفال ان يكون في الهواء الطلق، نحن هنا في سخنين امتداد للجماهير المحتفلة في ميدان التحرير فلنتحمل بعض زخات المطر ولنقاوم البرد بالرقص فرحا، فليس كل يوم لدينا ثورة تنتصر. وعلا صوت الفنانة الملتزمة سلام ابو إمنه يصدح: بلادي، بلادي لك حبي وفؤادي...
لم أكن اتصور بأن حياة الثورة المصرية سوف تكون قصيرة الى هذا الحد. كنت اشعر منذ البداية بانها ولدت هزيلة تعاني من عيوب تشكل خطرا على حياتها وإن الاحتمال الوحيد لانقاذها يكمن في استمراريتها، في السير بها حتى النهاية حتى تحقق كافة غاياتها في بناء مصر جديدة وقوية. ولكن ابناءها عملوا كل ما في وسعهم لاجهاضها من خلال تناحرهم لتحقيق اهدافهم الفئوية الخاصة. مرة اخرى اثبتت الثورة المصرية المقولة البائسة القديمة التي تقول: الثورة تأكل أبناءها. الثورة الفرنسية الكبرى التي بدأت بهدم سجن الباستيل واعدام الملك انتهت باعدام الثوار لبعضهم البعض ومهدت الطريق امام نابليون ليزج بفرنسا في حروب استمرت ربع قرن وانتهت بعودة الملكية مرة اخرى، وهذا ما حصل في الثورات التي تلتها في عام 1830 و1848 و1871 سرعان ما كانت الثورة تتحول الى ثورة مضادة. ولكنها لم تتخلى عن الاحتفال بالثورات السابقة التي مهدت لها الطريق للاستحواذ بالسلطة. وهذا ما حصل للثورة اكتوبر في روسيا والثورة الصينية والجزائرية وغيرها من الثورات. من سخرية الاقدار أن نظام مبارك البائد كان يحرص على احياء ذكرى ثورة يوليو حتى في سفارته في تل ابيب بمشاركة وزراء اسرائيليين.
مصير الثورات مهما كان مأساويا فأنه لا يقلل من قيمتها التاريخية كقاطرات تختزل الزمن وتنقل الشعوب من مرحلة الى أخرى. الثورة التونسية وسقوط نظام بن علي كانت ضرورة تاريخية بغض النظر عن النظام الجديد. سقوط نظام حسني مبارك هو الاخر كان ضرورة تاريخية تأخر لسنوات طويلة وسقوط حكم الاخوان في مصر ايضا ضرورة تاريخية وان تقدم كثيرا. وسقوط حكم العسكر عاجلا ام آجلا سيكون ضرورة تاريخية. الثورات في العالم العربي مهما كانت متواضعة ومهما اصابها من تشويه وانحرافات هي جميعها ضرورات تاريخية وليست نتيجة لفكر تآمري اجنبي كما يظن اصحاب نظرية المؤامرة. لا اعتقد أن وكالة المخابرات الامريكية أو برنارد ليفي الصهيوني الفرنسي باستطاعتهم على سبيل المثال جمع ملايين المصريين في ميدان التحرير وكأن هذه الملايين تتحرك بواسطة جهاز تحكم من بعيد. نظرية المؤامرة لا تدل على عجز وعفم أصحابها فحسب، بل تدل على عدم الثقة بشعوبهم وعلى تأليه القوة الاجنبية ايضا. اسباب الثورات اولا وقبل كل شيء هي نتيجة للتناقضات الداخلية ،واسباب فشلها أو نجاحها داخلية ايضا. العوامل الخارجية هي عوامل ثانوية مساعدة يمكن التغلب عليها.
أتمنى في الذكرى الثالثة للثورة المصرية ان يقوم الشعب المصري بتفجير ثورة جديدة تكون اكثر عمقا وجذرية من الثورة السابقة ويسير بها حتى تحقيق كافة مهامها لنقل البلاد نقلة نوعية للمكان الذي تستحقه. واتمنى قيام مثل هذه الثورة لتكنس الانظمة الملكية المهترئة التي تحتمي باموال النفط وبالحماية الاجنبية وتكنس كافة الانظمة العربية بما فيها سلطة أوسلو.



Wednesday, January 15, 2014

مخيم اليرموك مر من هنا



مخيم اليرموك مر من هنا
علي زبيدات – سخنين
كلنا يعلم انه اصبح من الصعب بل من المستحيل أن تجد في عالمنا العربي مواطنا يعيش بكرامة في وطنه ينعم ولو بنزر قليل من الحرية ومن حقوق الانسان الطبيعية. ولكن أن يصبح من الصعب بل من المستحيل أن تكون لاجئا، مجرد لاجىء، تعيش في مخيم وتحت رحمة الاخرين، فهل هذا معقول؟ اليس هذا كثيرا ايها الحكام والثوار والمسؤولون؟هل يوجد هناك من يعي ما يحدث؟ لا تستطيع أن تعيش لاجئا في المخيم ولا تستطيع أن تعيش لاجئا خارج المخيم. ومن لا يموت بالرصاص وتحت القصف يموت غرقا أو جوعا؟ حتى التشرد من جديد اصبح ترفا لا يتمتع به غير المحظوظين.
علمونا في التاريخ أن اليرموك هو اسم لاهم معركة خاضها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد ضد الامبراطورية البيزنطية انتشر الاسلام بعدها في بلاد الشام. وعلمونا في الجغرافية أن اليرموك نهر ينبع من جبال حوران ويوحد على ضفتيه سوريا والاردن وفلسطين. اما السياسة العربية الحديثة فلم تعلمنا سوى أن اليرموك مخيم يقع الى الجنوب من دمشق ويفرض عليه الحصار حتى الموت جوعا.
١٤٢٠ سنة تفصل بين معركة اليرموك الاولى وبين معركة اليرموك الثانية. في معركة اليرموك الاولى انتصر العرب والمسلمون وفي معركة اليرموك الثانية انتصر العرب والمسلمون. الفرق انهم في المعركة الاولى انتصروا على امبراطورية استعمارية اما في المعركة الثانية فقد انتصروا على مخيم. وليذهب خالد بن الوليد الى جهنم فاليوم يوجد لدينا قادة متدينون يضعون الخلفاء الراشدين في جيوبهم الصغيرة كما يوجد لدينا رئيس قومي جدا بل آخر رئيس قومي ينحدر مباشرة من صلب الرسول لكي يحافظ على دولته القومية.
أشد ما يغظني ذلك النقاش الغبي والعقيم حول من هو المسؤول عن نكبة مخيم اليرموك. ابواق النظام "القومية" تتهم الارهابيين، التكفيريين، الوهابيين، المرتزقة، ثوار الناتو الخونة، بينما ابواق المعارضة الاسلامية الورعة تتهم النظام العلوي، النصيري، الكافر، الفاسد. ومن لم يمت بقذيفة قومية يتم نحره بسيف اسلامي. لم يسقط الاسلام السياسي أمام عجزه في مواجهة التحديات التي يفرضها عليه عالم الكفار ولم يسقط فرسان القومية العربية بسبب هزائمهم المشينة المتكررة امام إسرائيل والامبريالية الغربية التي تدعمها، بل يسقط الطرفان الان على اعتاب مخيم اليرموك. لا اريد أن اسمع المزيد من التبريرات فجميع الاطراف تملك كم لا يحصى منها. اذا كنتم غير قادرين على حسم معركتكم وغير قادرين على وقف القتل المتبادل فعلى الاقل تستطيعون ممارسة القتل الجماعي والعشوائي خارج المخيم. وهل تعرفون ماذا أيضا؟ يستطيع النظام السوري أن يأخذ معه القيادة العامة وفتح الانتفاضة وتستطيع المعارضة أن تأخذ معها حماس وارحلوا. ولكن رجاء اتركوا الاطفال والنساء والشيوخ وباقي المدنيين الذين لا ناقة ولا جمل لهم في هذا الصراع. لم يكف انكم استعرتم دموع التماسيح بل استعرتم جلودها ايضا. لا احد يملك ميزانا لوزن مسؤولية كل طرف، وكما يقول اليهود: حكم القرش كحكم المائة قرش. واذا كان الامر يسهل عليكم فلستم وحدكم من يتحمل المسؤولية فهناك ايضا المجتمع الدولي والامم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومجموعة عدم الانحياز ومنظمة التحرير الفلسطينية وسلطة أوسلو ومنظمات حقوق الانسان. هل هذا يكفي؟ هل نسيت أحدا؟ كلا، هذا لا يكفي وقد نسيت الكثيرين. نسيت أنفسنا، ابناء الشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده، الذين نشاهد ما يجرى وكأننا نشاهد شريطا سينمائيا ولا نحرك ساكنا، نتحمل قدرا كبيرا من مسؤولية ما يجرى في مخيم اليرموك. ليزداد الحراك الشعبي زخما لرفع الحصار. ليخرج الجميع الى الشوارع والى الميادين. وبمناسبة وفاة السفاح شارون يجب الا نسمح بتكرار نكبة صبرا وشاتيلا جديدة. يجب على جميع القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية أن تصرخ صرخة واحدة: كلنا مخيم اليرموك.

Wednesday, January 08, 2014

عام قديم - فلسطين جديدة



عام قديم - فلسطين جديدة
علي زبيدات – سخنين
في الاسبوع الماضي بعد نشر مقالتي بعنوان "عام جديد – عالم عربي قديم" لامني بعض الاصدقاء واتهمت بالمبالغة في التشاؤم. فالعالم العربي قد تغير الى درجة اصبح بالكاد التعرف عليه، وبالقفز عن الوضع الفلسطيني خصوصا في المناطق لمحتلة عام ١٩٤٨ . بالنسبة للتهمة الاولى، بالعكس لم يكن التشاؤم سوى شكل عرضي وعابر ومن خلفه يكمن التغاؤل بلا حدود يبشر بعالم عربي جديد. لا انكر ان العالم العربي القديم قد تعرض، خصوصا بالسنوات الثلاثة الاخيرة، الى العديد من الزلازل والعواصف السياسية والاقتصادية ولكنه ما زال صامدا وبشراسة بفضل اموال النفط وبفضل الاحلاف والتوازنات الاقليمية والدولية. فالتغيير موجود في كل يوم بل وفي كل لحظة ولكنه بطيئ ومتردد واحيانا في الاتجاه الخطأ، ولكنه مستمر بلا توقف. وقلت أن أوروبا كانت بحاجة الى أكثر من قرنين من الزمن لكي تخرج من القرون الوسطى الى العصر الحديث. فما قيمة ثلاث سنوات في تاريخ الشعوب؟
بالنسبة للتهمة الثانية صحيح، لم اتطرق لوضعنا الخاص في فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ وذلك لضيق المجال الذي تفرضه حدود مقالة صحفية،وهذا ما أود التطرق اليه بقدر ما تتيحه مثل هذه المقالات. ولكي لا افهم خطأ واتهم مرة اخرى بالتشاؤم المبالغ فيه أبدأ بالتفاؤل المبالغ فيه لانه في الحقيقة لا يوجد هناك مبالغة بالتفاؤل. لذلك قمت بعكس عنوان المقالة. العام الجديد هو استمرار للعام القديم. لم نشهد في الليلة الاخيرة من العام الماضي خسوفا للقمر ولم يشهد اليوم الاول من السنة الجديدة كسوفا للشمس. العام الجديد هو مجازا جديد. ولكي يصبح جديدا حقا ينبغي شحنه بشكل واع بالتجديدات والتغيرات الهادفة وهذا بدوره سوف يتمخض في نهاية المطاف لخلق فلسطين الجديدة.
استقبل العام القديم الذي حل علينا بقناع جديد بالترحاب من قبل المؤسسات الرسمية القديمة وبالتحديد من قبل لجنة المتابعة والاحزاب السياسية العربية. المصيبة ان هذه المؤسسات لا تعترف بأن وجودها اصبح مفارقة تاريخية وانها لا تصلح لأن تكون اداة للتغيير بل هي اداة لمحاربة التغيير. بالطبع المؤسسة الصهيونية هي الاخرى مفارقة تاريخية. لذلك نرى الوحدة بين المؤسسات الرسمية من كلا الطرفين هي الاساس بينما الصراع بينها نسبي ومشروط واحادي الجانب. وسوف تقف موحدة في وجه كل تغيير جذري. تتشبث هذه المؤسسات بالقديم بكل ثمن وترفض وتقاوم كل تغيير حقيقي. بالمقابل يوجد هناك قوى تبادر وتتحمس للتغيير وتقوده في ظروف صعبة قد تؤدي الى النجاح وقد تؤدي الى الفشل. ولكن حتى الفشل قد يكون مقدمة للنجاح مستقبلا حيث أن قوى التغيير تتجدد على الدوام. لنأخذ المعركة على النقب كمثال: لو بقيت القضية في اروقة الكنيست أو محصورة في احتجاجات لجنة المتابعة لدى السلطات لحسمت المعركة منذ زمن طويل ولتم تنفيذ سياسة التطهير العرقي لفلسطينيي النقب. ولكن صمود أهل النقب ودخول قوى التغيير الشبابية الى الصورة قد قلب المعادلة. اليوم يتكرر الوضع نفسه في قرية رمية المهددة بالتطهير العرقي. تدخل لجنة المتابعة سابقا تمخض عن اتفاق مجحف في حق أهالي القرية وتدخلها اليوم جاء لاجهاض أي مبادرة نضالية قد تعيد لهم بعض حقوقهم. لذلك من الضروري أن تنتزع قوى التغيير الشبابية قيادة نضال اهل الرمية وتسير به الى النهاية. وغدا سوف نواجه حملة أخرى لتهويد الجليل فكيف نواجهها؟ بخطابات اعضاء الكنيست المجترة؟ أم باحتجاحات لجنة المتابعة ورؤساء السلطات المحلية الخجولة؟
وكيف سنواجه المخطط الاخير لتصفية القضية الفلسطينية والذي يسمى كذبا وبهتانا باتفاقية السلام؟ اتفاقية اذا ما تم التوصل اليها سوف نتوق حنينا الى اتفاقيات اوسلو التصفووية. جامعة الدول العربية ستدخل التعديلات المطلوبة على مبادرتها بخصوص الاعتراف بالدولة اليهودية والتبادل السكاني. والسلطة الفلسطينية سوف تقبل بذلك بحجة قبول الدول العربية لها.
الصراع بين الجديد والقديم، بين التغيير والتشبث بالقديم، بين التجديد والتقليد، بين العقل والنقل لم ولن ينتهي. لكي نتخلص من الزمن الرديء الذي يلاحقنا عاما بعد عام منذ قرون، ولكي نبني فلسطين الجديدة نجد انفسنا واقفين امام تحديين: الاول، أن نتحرر ذاتيا من العوامل والقوى التي تشدنا الى الوراء وعلى كافة الاصعدة. والثاني، أن نوظف طاقاتنا الحضارية والانسانية من أجل تقويض نظام الفصل العنصري الصهيوني.

Wednesday, January 01, 2014

عام جديد - عالم عربي قديم



عام جديد – عالم عربي قديم
علي زبيدات – سخنين

عندما تنضب القدرة على الابداع ويتحجر الفكر ويشل العجز كل تغيير نحو الافضل، يلجأ المرأ إلى البحث عن بديل وهمي لتبرير عجزه وواقعه التعيس. يمكن تفهم هذا الوضع اذا تعلق بفرد او بمجموعة من الافراد ولكنه يصبح مصيبة عندما يتحول الى ظاهرة تكتسح العالم العربي على طوله وعرضه. في هذه هذه الايام بالذات اصبحت هذه الظاهرة هوسا اسميها: اللهث وراء التنجيمات والتنبؤات والتوقعات في العام الجديد. ولا أظنني ابالغ اذا قلت لا يوجد هناك قناة تلفزيونية عربية الا وكرست الساعات لمثل هذه الخزعبلات، ولا يوجد اذاعة عربية الا وخصصت الساعات الطويلة لبثها، ولا يوجد مجلة او جريدة مهما كانت مكانتها الا ولطخت صفحاتها بها، بدءا بالكوارث الطبيعية من زلازل واعاصير وفيضانات وجفاف وحتى المؤمرات السياسية والاغتيالات والحروب.
لست منجما. ولا تستهويني برامج التنبؤات المرئية والمسموعة والمكتوبة. ولكن هذا لا يعني بأنه، مثلي مثل غيري، ليس لدي توقعات قد تصدق وقد تخيب مبنية على نظرة نقدية للواقع الذي يحمل بين طياته الماضي وينقله بل يفرضه على المستقبل. العام الجديد هو امتداد للعام المنصرم ليس فقط بالمفهوم الزمني اذا لا يوجد هناك حالة انقطاع بينهما بل بالمفهوم الاجتماعي والفكري والاقتصادي والسياسي أيضا. انا لا ادعي بانه لا يوجد هناك تغيير من عام لاخر بالعكس يوجد هناك تغيير حتى خلال فترات اقصر من ذلك، في كل يوم بل كل ساعة وكل لحظة. ما أود قوله هنا أن التغيير الذي يشمل الامة بأسرها في عالمنا العربي هو تغيير بطيء، عشوائي، نسبي، وسطحي. وفي كثير من الاحيان يجرنا الى الخلف أو نحو الاسوأ وبالتالي نفقد الامل بأن يكون هوالتغيير الجذري المطلوب الذي ينهض بهذه الامة ويعيدها الى ركب الحضارة.
لست هنا بصدد تحليل ما يجلبه العام الجديد على الصعيد العالمي فهذا موضوع وواسع لا تتحمله مقالة صحفية. سوف اكتفي باعطاء رأيي بما يحمله العام الجديد للعالم العربي، وهنا ايضا يتعذر تناول كافة المجالات والاصعدة وسوف اقتصر على بعض الخطوط العامة الاساسية التي تشير الى الاتجاه العام الذي نسير نحوه في العام المقبل.
ثلاثة مراكز تتنازع صدارة الاحداث التي سوف تؤثر على مستقبل العالم العربي في العام الجديد والاعوام القادمة. وهذه المراكز هي مصر وسوريا وفلسطين. مصر بصفتها أكبر دولة عربية كان من المتوقع ومن المفروض أن تقود عملية التغيير الجذري على الصعيد العربي وليس عن طريق التدخل بشؤون الدول العربية الاخرى بل يكفي أن ينجح هذا التغيير في مصر لكي تنتقل ديناميكته بشكل طبيعي الى باقي البلدان العربية. في المرحلة الاولى كانت بوادر مثل هذا التغيير واضحة وملموسة تجسدت في خروج الملايين الى الشوارع والميادين حتى تمت الاطاحة بنظام مبارك الفاسد. ويبدو أن الجماهير الشعبية ارتعبت من انتصاراتها وانجازاتها، وفي غياب قيادة ثورية منظمة وقوية بدأت عملية التراجع رافقتها عملية صراع على السلطة انتهت بانفراد الاخوان المسلمين بالسلطة السياسية وبدل أن يستغلوا هذه السلطة في تصفية أسس النظام البائد استغلوها في محاولة الهيمنة على شركائهم في تقويض نظام مبارك مما اتاح المجال لفلول هذا النظام تنظيم انفسهم والاستعداد لهحوم مضاد سرعان ما أصبح حقيقة واقعة. الاستياء الشعبي وصل أوجه بعد مرور سنة على حكم الاخوان وأسفر عن الاطاحة بحكمهم بواسطة الجيش. ولكن في هذه المرة لم يتخذ الجيش موقفا حياديا بين الشعب والنظام وفي الوقت نفسه لم يستلم السلطة من اجل ولمصلحة الشعب كما يدعي بل لاكمال عودة النظام السابق ولكن بشكل جديد. المعركة التي بدأت بين الاطراف المتناحرة في منتصف العام الماضي لم تحسم نهائيا بعد، وسوف تستمر في العام الجديد بكل شراستها. الشعب المصري يواجه أزمة ذات ثلاثة ابعاد: الاول، رفض حكم العسكر المتحالف مع اركان النظام البائد والعائد الى احضان النظام الرأسمالي العالمي. البعد الثاني، رفض سيطرة الاخوان الاقصائية والتي لم يستطع الشعب المصري تحملها اكثر من سنة. والبعد الثالث، غياب قيادة ثورية مخلصة ذات رؤيا تحررية تحظى بدعم جماهيري. هل تستطيع قيادة غير ثورية رموزها البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي قيادة ثورة؟ طبعا لا. الخلاصة حسب رأيي أن ما حدث في السنوات الثلاثة الاخيرة في مصر لم يكن سوى مقدمة للثورة الحقيقية وأن الصراع الراهن سوف يستمر حتى تتغير المعادلة جذريا ويستطيع الشعب المصري افراز قيادة ثورية تستطيع السير بالثورة حتى النهاية
ما يحدث في سوريا لا يختلف من حيث الجوهر عما يحدث في مصر، هذا بالاضافة الى سمات خاصة اهمها الاستقطاب الاقليمي والدولي. وفي ظل هذا الاستقطاب دخول مجموعات من المرتزقة. الصراع في سوريا لن يحسم محليا لأنه لا يدور بين النظام والمعارضة فحسب. فالنظام مدعوم من قبل قوى اقليمية ودولية وكذلك معظم المعارضة المسلحة. ولم يبق امام الشعب السوري سوى تقديم التضحيات والدم والجوع والتهجير. وهذا يتم باسم الاسلام تارة وباسم القومية والمقاومة تارة اخرى وباسم الديمقراطية تارة ثالثة. التوازن الدولي في الازمة السورية فرض توازنا على المتحاربين على الارض. وهذه الازمة لن تحل في مؤتمر جنيف أو في أي مؤتمر مشابه. ولن تنتهي حتى ولو انتصر عسكريا طرف على طرف آخر. فلو فرضنا أن النظام حسم المعركة لصالحه، وهو من طبيعة الانظمة التي لا تتغير، فالصراع سيبقى حتى ولو اتخذ لفترة شكلا آخرا. اما اذا انتصرت قوى المعارضة عسكريا سوف تبدأ فورا بتصفية بعضها البعض وزج الشعب السوري في أتونها. لذلك اتوقع ان يستمر القتل والدمار في سوريا في العام الجديد ايضا حتى يستطيع الشعب السوري بما تبقى لديه من قوى كامنة أن يضمد جراحه وينتفض وينهض لبناء سوريا الحرة الجديدة الخالية من كافة اشكال الاستبداد والطائفية.
في فلسطين، وبسبب ضيق المجال، اختصر وأقول أن المهمة الاساسية أمام الشعب الفلسطيني وقواه الفاعلة تكمن في القضاء على معادلة المفاوضات والاستيطان. انتفاضة ثالثة جيدة ولكن لن يكون في مقدورها تغيير الاوضاع جذريا. يجب العودة الى منطق الثورة ، بدءا بتصعيد النضال ضد المفاوضات وضد الاستيطان ومن ثم التخلص من سلطة اوسلو نهائيا حتى تحقيق الانتصار التاريخي على الكيان الاستيطاني الصهيوني وعودة اللاجئين وتحرير فلسطين واعادة بنائها على مبادىء الحرية والعدالة.
مع تجدد العالم العربي سوف يطيب الاحتفال بالعام الجديد.