Wednesday, January 27, 2010

صناعة الموت الإسرائيلية

علي زبيدات – سخنين

يظن البعض أن إسرائيل هي دولة صناعية فائقة التطور تتمتع بمقدرات تكنولوجية رفيعة وإنجازات علمية في كافة المجالات. وتستخدم تطورها العلمي والتقني في الصناعات المختلفة وخصوصا في الطب والزراعة وباقي الصناعات الدقيقة. قد يحمل هذا الظن بعض الحقيقة، لكن ينسى هؤلاء أن يذكروا بأن الصناعة الأكثر تطورا في إسرائيل هي صناعة الموت لا أكثر ولا اقل.
وأنا لا أقصد بقولي هذا ما اقترفته هذه الدولة وما زالت تقترفه في حق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية منذ قيامها وحتى اليوم من تشريد ونهب أراضي وحروب مستمرة وحصار الخ. فهذا حسب رأيي مهما بلغت أهميته وقسوته لا يشكل جوهر صناعة الموت الإسرائيلية الأشهر في العالم. ما اقصده هنا هو صناعة الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، أسلحة الدمار الشامل وغير الشامل وتصديره إلى كافة أرجاء العالم.
طبعا ما هو مخفي في هذا المجال يفوق بما لا يقاس ما هو مكشوف. غير أن ما هو معروف في هذا المجال يكفي لأن يقف العالم بأسرة ليفكر ويتمعن في هذه الحالة الغريبة في عالمنا البشري وبالعواقب الوخيمة التي تحملها في أحشائها.
لأول مرة في التاريخ البشري تقوم دولة صغيرة بكافة المقاييس بإنتاج هذا الكم الهائل من صناعة الموت الذي يشكل خطرا حقيقيا على الحياة في كرتنا الأرضية.
هذه الدولة الصغيرة مدججة بأسلحة الدمار الشامل من أسنانها إلى أخمص قدميها. أحد الأسرار المفضوحة الذي يعرفه القاصي والداني والذي يجبن الجميع تقريبا الحديث عنه هو كون هذه الدولة ترسانة نووية لا تهدد المنطقة فحسب ولا تهدد أمن وسلامة العالم بأسره فحسب، بل أولا وقبل كل شيء تهدد أمن وسلامة المواطنين المحلين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية. ما كشفه مردخاي فعنونو قبل حوالي ربع قرن في هذا المجال لا يتعدى كونه جزءا يسيرا من رأس جبل هائل مخيف. هذه الترسانة النووية لم تصنعها إسرائيل بمفردها بل بمساعد الدول العظمى من الولايات المتحدة الأمريكية التي توفر لها الحماية والتعاون في كافة المجالات وتزودها بالطائرات القادرة على حمل القنابل النووية، إلى فرنسا التي زودتها بأول مفاعل نووي، إلى ألمانيا ألتي زودتها وتزودها بغواصات نووية. لقد جعلت دولة إسرائيل من نفسها برميلا هائلا من البارود يتهدده الانفجار في كل لحظة.
إسرائيل لا تكتفي بهذا الجانب من صناعة الموت، فهي كدولة صغيرة لا تختص بصناعة الأسلحة الثقيلة مثل الطائرات المقاتلة والمروحيات العسكرية والسفن الحربية الكبيرة ولكنها تختص بصناعة الأسلحة الفتاكة مما قل وزنه وزاد ثمنه وتعاظمت قوة دماره. وإذا صحت المعلومات حول التعاون الأمريكي – الإسرائيلي في تطوير ما يسمى ب"الأسلحة المناخية" التي كان زلزال هاييتي نتيجة لإحدى تجاربها، فإن عالمنا مقدم على مصير مجهول.
هذه الدولة الصغيرة هي رابع مصدر للسلاح في العالم. حيث تشكل هذه الصناعة 60% من الصناعة الإسرائيلية وقد بلغت أرباحها في السنة الأخيرة حوالي 7 مليار دولار. هناك 4 شركات إسرائيلية لصناعة الأسلحة تعد من أكبر الشركات في العالم من نوعها وهي: ألبيت، رفائيل، الصناعة العسكرية والصناعة الجوية. أما قائمة منتجاتها في طويلة ومتنوعة تمتد من البنادق والرشاشات إلى مختلف الصواريخ والقنابل المحرمة دولية، ولكن المسموح بها إسرائيليا.
لكي يبقى سوق الأسلحة رائجا فلا بد من استمرار النزاعات المسلحة في شتى أرجاء العالم. تقوم إسرائيل بدور فعال ونشيط في هذا المجال. في زيارته الأخيرة لأفريقيا أصطحب وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان مجموعة كبيرة من تجار الأسلحة. ضباط كبار متقاعدون منتشرون في معظم بلدان العالم في كافة القارات منهم من يخدم الأنظمة الفاسدة ومنهم من يعمل كمرتزقة عند الحركات الانفصالية وكارتيلات الإجرام العالمية. في كثير من الأحيان تقوم إسرائيل بتزويد طرفي النزاع بالأسلحة. غير مهم من يقتل من ولماذا طالما يوجد طلب متزايد للأسلحة الإسرائيلية. أليس غريبا أن نرى في معظم الدول الأفريقية التي تنخرها النزاعات العرقية والسياسية حيث لقمة الخبز غير متوفرة تفيض بالأسلحة؟
دولة إسرائيل، تلك الدولة الديمقراطية، الحديثة المتطورة صناعيا وتكنولوجيا لا تصنع الموت للاستهلاك الداخلي فقط بل للتصدير إلى الخارج أيضا وخصوصا إلى الدول النامية. لا يوجد نزاع في العالم لا يوجد لهذه الدولة أصبع وأحيانا يد كاملة. يكفي أن نذكر هنا بعض الأمثلة التي أصبحت تفاصيلها في متناول الجميع: قامت جورجيا بشن هجوم بالأسلحة الإسرائيلية على إقليم اوسيتيا الروسي مما أشعل الحرب بين روسيا وجورجيا الأمر الذي زاد التوتر وخطر توسع الحرب. التدخل العسكري الإسرائيلي في كردستان العراق قديم جدا ويزداد في هذه الأيام وانتقل إلى العلنية. تقوم إسرائيل بدور شديد الخطورة في شبه القارة الهندية حيث تؤجج النزاع بين الهند وباكستان الأمر الذي يعود عليها بأرباح فاحشة من خلال بيع الأسلحة. في أفريقيا، الحروب المستمرة في الصومال والسودان وارتريا والكونغو ورواندا وغيرها، السلاح الإسرائيلي هو الأكثر رواجا في أيدي الأطراف المتحاربة.
إذن ليس من باب الصدفة أن تشكل إسرائيل حسب استفتاء جرى في الدول أوروبية أكبر خطر على السلام العالمي.
عندما نشير بأصبع الاتهام إلى إسرائيل بأنها تصنع وتصدر الموت فإننا لا نبرئ الدول الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وكافة الدول التي تصنع الموت وتصدره.
العالم سوف يكون أكثر أمانا إذا تخلص من صناع وتجار الموت هؤلاء.

Tuesday, January 19, 2010

مهما بلغت قسوة الطبيعة تبقى أرحم من الإنسان


علي زبيدات – سخنين

مما لا شك فيه أن الهزة الأرضية التي ضربت هاييتي هي أكثر من كارثة طبيعية، إنها أولا وقبل كل شيء مأساة إنسانية. حيث يقدر ضحاياها بمائتي ألف ضحية، هذا بالإضافة إلى مئات الآلاف من المشردين الذين فقدوا بيوتهم وأملاكهم الضئيلة أصلا وتدمير البنى التحتية والمرافق الاقتصادية. يقدر عدد المتضررون من هذه الهزة الأرضية ثلث السكان البالغ عددهم حوالي عشرة ملايين نسمة.
مأساة هاييتي لم تبدأ في 12 يناير 2010 يوم حدوث الهزة الأرضية بل تعود إلى زمن غابر منذ أن "اكتشفها" كولومبس واستعمرها الإنسان الغربي، الاسباني أولا ومن ثم الفرنسي والأمريكي وبدأ ينقل إليها آلاف العبيد الذين اقتلعوا من أفريقيا ليقوموا بأعمال السخرة في حقول البن وقصب السكر والتبغ وغيرها. لقد كانت هاييتي جزءا من جزيرة غنية وجميلة ولكن شره الإنسان المستعمر سلب خيراتها وثرواتها وجعلها من أفقر بلدان العالم. استبداد المستعمر فجر العديد من ثورات العبيد حتى نالت استقلالها في مطلع القرن الماضي بعد نضال عنيف ضد المستعمر الفرنسي. كانت هاييتي أول دولة في العالم للعبيد الذين تحرروا من نير العبودية. ولكن قبل أن تنعم باستقلالها وقعت تحت الهيمنة الأمريكية التي رأت بثورة العبيد تهديدا على نظام العبودية الذي كان متبعا في أمريكا. ويبدو أن الاستعمار لم يكن كافيا فقد بلي شعب هاييتي بحكام فاسدين ومتعاونين مع المستعمر الأجنبي. كان أشهرهم بابا دوك الذي حكم البلاد من 1957 إلى 1986 حيث أطيح به بثورة شعبية. غير أن الذين استلموا السلطة من بعده بدعم أمريكي لم يكونوا أفضل منه. وجاءت الطبيعة لتضع اللمسات الأخيرة على مأساة شعب هاييتي. فقد كانت البلاد دوما عرضة للزلازل والأعاصير والفيضانات والانهيارات الطينية.
وهكذا وقبل حدوث الزلزال الأخير كان الوضع في هذه البلاد الجميلة مأساويا. فقد تفشت أمراض الملا ريا والسل والايدز في كل مكان. وبلغت نسبة وفاة الأطفال أعلى نسبة في النصف الغربي من الكرة الأرضية. نصف الأطفال لا يعرفون المدارس. 2% فقط ينهون التعليم الثانوي. كل هذا كان يجري أمام أعين "المجتمع الدولي" أمام أعين الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التي تذرف حاليا دموع التماسيح و تدعي أنها تهب لإغاثة وإنقاذ الشعب الهاييتي من هذه الكارثة.
إن الموارد التي تهدرها الولايات المتحدة الأمريكية والتسابق في تدمير البيئة وتهديد الحياة على كرتنا الأرضية تبلغ أضعاف مضاعفة لما ترسله من إغاثة. الحرب في العراق وأفغانستان لوحدها تكلفها شهريا 25 مليار دولار. حتى اليوم زادت نفقات الحرب على 500 مليار دولار وهذا الرقم سوف يعد بالترليونات قريبا. هذه التكاليف المهدورة لا تشمل تدمير البنى التحتية في كل من العراق وأفغانستان ولا تشمل ملايين القتلى والجرحى والمشردين. إذ أن خسائر الشعوب لا تعد جزءا من ثمن الحروب في أعين الامبرياليين.
روح النفاق الذي يسيطر على الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وقناع المنقذ التي يغطي وجوهها لا يمكن أن يخفي بشاعة جرائمها. ما يجري حاليا تحت ستار إغاثة المنكوبين في هاييتي يجب أن يتحول إلى لائحة اتهام ضد النظام الامبريالي العالمي البغيض. ليس من باب الصدفة أن يتهم الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز أمريكا بأنها في الحقيقة استغلت هذه الكارثة لتحتل هاييتي عسكريا، فقد قامت القوات الأمريكية باحتلال مطار العاصمة بورت أو برنس وتتحكم بوصول الاغاثات وطريقة توزيعها. فقد أصبح واضحا أن الاغاثات لا تصل بالسرعة المطلوبة ولا توزع بالشكل السليم الذي يصل إلى كافة المتضررين.
ما أشبه هاييتي ببلادنا فلسطين. كلا البلدين متشابهين من حيث المساحة وعدد السكان. ربما الفرق الوحيد هو أن ما دمرته الطبيعة هناك دمرته هنا آلة الحرب الإسرائيلية. ومن سخرية الأقدار أن تلعب إسرائيل دور المنقذ والمغيث من خلال إرسال بعض المساعدات والتي هدفها الأساسي ليس إنقاذ حياة البشر ولبس تقديم المساعدات الإنسانية للمنكوبين بقدر ما هي دعاية رخيصة لتجميل صورتها في العالم بعد الجرائم التي اقترفتها في قطاع غزة. إنه لأمر سريالي أن نسمع رئس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو يقول:" ما حدث في هاييتي هو مأساة كبيرة، نحن دولة صغيرة ولكن عندها قلب كبير، هذا تجسيد للتراث والقيم اليهودية لمساعدة الآخرين". هذا القلب الكبير الذي يحمل مستشفى متنقلا إلى الطرف الآخر من العالم وينقذ طفلة من بين الأنقاض ويساعد سيدة على الولادة لكي يتم عرضهما على شاشة التلفزيون الإسرائيلي وعلى باقي وسائل الإعلام الإسرائيلية هو نفسه القلب الكبير الذي دفن العديد من أطفال غزة تحت الأنقاض ومنع عنهم الدواء والعلاج. هل تجسيد التراث والقيم اليهودية لمساعدة الآخرين تعني فرض حصار شامل على شعب أعزل ناهيك عن سلب أرضه وتشريده وزج أبناءه في السجون؟ هل يعقل أن يكون صاحب القلب الكبير بطل إنساني في هاييتي ومجرم حرب في غزة؟
لو كان الذين يتظاهرون بالإنسانية الآن من نتنياهو إلى أوباوما إلى براون إلى ميركل وغيرهم ذوي قلوب كبيرة حقا، لما وصلنا أصلا، في أي بقعة من العالم إلى مثل هذه المأساة من جراء كارثة طبيعية. لماذا تحصد الفيضانات والزلازل والأعاصير الأرواح بهذه الأعداد في بنغلادش وتايلاند وهاييتي وغيرها من الدول النامية فقط؟ لو كانت البنى التحتية المتينة متوفرة ولو كانت أجهزة الإنذار المبكر المتطورة متوفرة في كل مكان لما حدث ما حدث.
يجب التخلص من النظام الرأسمالي العالمي المسئول عن إشعال الحروب وتدمير البيئة وتهديد الحياة على وجه الكرة الأرضية واستبداله بنظام يقوم على التعاون ليس لمواجهة الكوارث الطبيعية فحسب بل من أجل الحفاظ على عالم أفضل يقوم على أساس الحرية والرخاء والسلام لجميع شعوب العالم.

Wednesday, January 13, 2010

البيانات كبديل عن النضال



لفت نظري في الأسبوع الماضي خبران تناقلتهما وسائل الإعلام المحلية، بعضها بشكل متواضع وبعضها بشكل بارز وعلى الصفحات الأولى. الخبر الأول حول بيان أصدرته مجموعة من الأحزاب التي تسمي نفسها شيوعية أو يسارية وذلك بمناسبة الذكرى الأولى للحرب على قطاع غزة. اما الخبر الثاني فإنه يتناول إقرار المبنى التنظيمي (الدستور) للجنة المتابعة. للوهلة الأولى لا يبدو وجود أي شيء مشترك بين الخبرين أو أي وجه للشبه. فقط خيال جامح يستطيع أن يربط بينهما. ولكن نظرة ثانية تثبت العكس تماما فكلا الخبرين هو تجسيد حي لدرجة الإفلاس الفكري والسياسي الذي وصلنا إليه.
البيان بمناسبة الذكرى الأولى لحرب غزة يحمل توقيع الحزب الشيوعي السوري، الحزب الشيوعي اللبناني، الحزب الشيوعي الأردني، حزب الشعب الفلسطيني، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وقد نشرته (ربما حصريا) وسائل إعلام الحزب الشيوعي الإسرائيلي، مع إنه لم يضف إليه توقيعه وأترك المجال مفتوحا أمام القارئ لكي يتخيل لماذا. طبعا، كل حزب حر أن يطلق على نفسه الاسم الذي يريده ولكن الحكم عليه لا يكون أبدا بناء على هذا الاسم. لا أدري إذا طرحت الأحزاب الشيوعية العربية على نفسها سؤال: لماذا تسمي نفسها أحزابا شيوعية. أعرف فقط أن حزب الشعب (الشيوعي الفلسطيني سابقا)، وهذا لصالحه، قد طرح على نفسه هذا السؤال وبناء عليه قام بتغيير اسمه. ولكنه كما يبدو ما زال يحن إلى هذا الاسم الفارغ من أي معنى. معروف أن الأحزاب الشيوعية العربية قد فقدت مصداقيتها ونبذتها الجماهير العربية والفلسطينية بعد موافقتها على قرار التقسيم عام 1947 وبسبب مواقفها المؤيدة للمشروع الصهيوني بحجة حق الحركة الصهيونية (إسرائيل) في إقامة دولة في فلسطين كتجسيد لحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره. منذ ذلك الوقت وحتى هذا اليوم تواصل انحدار هذه الأحزاب حتى أصبحت على هامش الهامش في الخارطة السياسية. بالرغم من إنني أعتبر نفسي مطلعا ومهتما بالحركات اليسارية المحلية والعالمية، في الحقيقة نسيت أنه ما زال يوجد شيء اسمه أحزاب شيوعية عربية، جاء هذا البيان ليذكرني بذلك. متى كانت آخر مرة سمعنا بها عن الحزب الشيوعي السوري مثلا؟ هذا موجود منذ عشرات السنين في "جبهة وطنية" حاكمة مع انه محظور عليه أن يعقد اجتماعا أو يصدر صحيفة. أما حزب الشعب الفلسطيني بالرغم من انه غير اسمه إلا أنه لم يستطع أن يغير طبعه، حيث بقي كما كان ملتصقا بذيل البرجوازية (التي يسميها وطنية) حتى بعد أن أصبحت ملحقا بالرأسمالية العالمية. الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لا تختلف من حيث الجوهر عن حزب الشعب بل هي المنظر الأول لنظرية التذيل للبرجوازية والمنسجم حتى النهاية في تطبيقها. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي التنظيم الوحيد من بين الموقعين التي كانت تحمل مشروعا وطنيا ذا أفق ثوري، ولكن يبدو أنه بسبب موت أو استشهاد قادتها أو زجهم وراء القضبان قد أفقد الباقين البوصلة وفتح الباب على مصراعيه أمام العناصر الانتهازية.
من المفروض، أو هذا ما أؤمن به على الأقل، أن تقود الأحزاب الشيوعية والحركات اليسارية النضال الثوري ضد الامبريالية والاحتلال والرجعية المحلية. ولكن أحزابنا الشيوعية والتنظيمات اليسارية في واد والنضال في واد آخر. البيان المذكور خير دليل على ذلك. ما عدا عبارات إدانة العدوان واستنكار استمرار الحصار التي نسمعها من أطراف عديدة في شتى أنحاء العالم لا يوجد في هذا البيان أي شيء جديد. هذا بالإضافة إلى التباكي على حالة الانقسام وضرورة إنهائها واستعادة الوحدة الوطنية، من غير التطرق ولو بكلمة واحدة حول أسباب هذا الانقسام، حول الارتماء في أحضان الامبريالية والرجعية، حول بيع الثوابت الوطنية في المزاد العلني. هل سمعت هذه الأحزاب عن شيء اسمه موقف؟ ويناشد البيان "المجتمع الدولي" بتكثيف الجهود لوقف مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتهويد القدس ووقف الاغتيالات ورفع الحصار وتقديم مجرمي الحرب للمحاكم الدولية. ولا يرى البيان بهذا "المجتمع الدولي" الذي يناشده شريكا فعليا بجميع الجرائم المذكورة. من يتمعن في هذا البيان يدرك لماذا غابت بل تلاشت هذه الأحزاب والتنظيمات عن الساحة النضالية.
إذا كانت هذه هي الأحزاب والتنظيمات التي سوف تقود النضال ضد الاحتلال ومن أجل انتزاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني فلا يبقى أمامنا سوى أن نتذكر قول جرير: زعم الفرزدق أن سيقتل مربع.. أبشر بطول سلامة يا مربع.
بعض الحركات الوطنية جدا جدا تسميها: لجنة المتابعة العليا وتضع نقطة لكي لا تضطر إلى القول:" للجماهير العربية في إسرائيل". أما باقي الأحزاب والحركات الأخرى التي بشرتنا بالتوصل إلى اتفاق حول دستور هذه اللجنة فلا مشكلة لديها من هذا النوع، بالعكس فإنها تشدد على كلمة إسرائيلية لكي لا تتهم بالتطرف والمس بالتعايش اليهودي العربي. يقول رئيس اللجنة: "أن هذا الاتفاق هو حصيلة 12 سنة من التداول".وأخيرا، بعد كل هذه السنوات الطويلة يتفق جميع الأطراف على حصة كل منها في المؤتمر العام وحصته في المجلس المركزي وفي السكرتارية. أكيد إنجاز رهيب. المتحمسون لإقرار هذا المبنى من القوى الوطنية لم يتورعوا من وصف لجنة المتابعة بالبرلمان العربي حيث تشكل الأحزاب القوة الأساس وبذلك تتخلص من التركيبة العائلية التي طغت سابقا. هل هذا صحيح؟ أليست الأحزاب العربية قائمة أصلا على العائلية والطائفية والمصالح الفئوية؟ وما الذي يضمن عدم انتقال هذه الآفات إلى التركيبة الجديدة؟
من اليوم وصاعدا، وبشكل رسمي يوجد تمثيل لكافة الأحزاب والحركات القائمة. يوجد لدينا حركتان إسلاميتان وحركتان لأبناء البلد هذا بالإضافة إلى أحزاب قومية غير موجودة إلا بفضل صفقات التمويل الانتخابية. من يظن أن هذه اللجنة من الآن وصاعدا سوف تقف بالمرصاد لسياسة الحكومة العنصرية وسوف ترتقي بالنضال إلى درجات عالية فليعلل نفسه بالأحلام.

من أجل انطلاقة ثورية حقيقية


علي زبيدات – سخنين

لم يصادف الأسبوع المنصرم الذكرى الأولى للحرب الإجرامية التي شنتها دولة إسرائيل على قطاع غزة فقط. بل صادف أيضا الذكرى ال45 لانطلاقة حركة فتح والتي يطلق عليها البعض، من حركة فتح ومن خارجها، بانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة. لا يستطيع أي فلسطيني مهما كان انتماءه التنظيمي ومهما كانت خلفيته السياسية التقليل من الأهمية التاريخية لهذه الذكرى. لكن خلال هذه السنوات ال45 جرت مياه كثيرة في نهر الأردن قلبت الأمور رأسا على عقب. السؤال الذي يجب أن يطرح اليوم: ما هو وجهة الشبه بين فتح سنوات الستين وفتح اليوم فيما عدا الاسم؟ وما هو المعنى الذي ما زالت تحمله كلمة انطلاقة؟ وهل بقي هناك شي نستطيع أن نطلق عليه ولو مجازا اسم: ثورة فلسطينية معاصرة؟.
يقولون شر البلية ما يضحك. والبلية التي تضحك يكون ضحكها اشد إيلاما على المرء من البكاء. لصالح الذين أطلقوا الرصاصة الأولى في 1/1/1965 نقول أن نواياهم كانت طيبة مفعمة بروح التضحية والحماس. كان لديهم حلم وهو ضرورة وإمكانية تصحيح الظلم التاريخي الذي أصاب الشعب والوطن، ولكن ماذا يمكن أن يقال في صالح الذين يحتفلون اليوم بالذكرى ال45 لهذه الانطلاقة؟ استمعت إلى خطاب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس في هذه المناسبة حيث بدأ يعدد انجازات "الثورة الفلسطينية" التي انطلقت لتبقى وتنتصر حسب تعبيره واستمعت إلى تأكيداته بالتمسك بالثوابت الوطنية. في الوقت نفسه كانت القوات الإسرائيلية تهاجم مدينة نابلس تحت سمع وبصر قوات الأمن التابعة للرئيس وتغتال بدم بارد ثلاثة مناضلين فتحاويين ظن بعضهم أن عباس قد كفل لهم الأمن والسلامة من قوات الاحتلال. أين هي الثورة التي انطلقت لتبقى وتنتصر؟ هل الثورة انطلقت لتقع في أحضان إسرائيل وأمريكا والرجعية العربية؟ ولتبقى كالمتسول في أروقة دهاليز المفاوضات من مدريد إلى أوسلو إلى كامب ديفيد إلى آنا بوليس وباقي الأماكن المعتمة التي تحاك بها المؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية برمتها؟
الانطلاقة قبل 45 عاما كانت متواضعة جدا. حتى الكلام عن ثورة فلسطينية كان على سبيل المجاز وليس الواقع. فقط بعض المزايدون الذين يطفون على شبر من الماء كانوا يتكلمون عن ثورة جبارة وسرعان ما قفز هؤلاء إلى المعسكر الآخر. كان المخلصون من أبناء الشعب الفلسطيني المشرد والمنكوب يتكلمون عن حركة مقاومة شعبية ويحلمون بأن تتطور هذه المقاومة حتى تصنع لهم العودة وتحرر لهم الوطن. ولكن جرت الأمور في الاتجاه المعاكس: الأنظمة العربية احتضنت المقاومة وأغدقت عليها دولارات تفوح منها رائحة النفط. فقامت في افتتاح مكاتب لها في معظم عواصم العالم وأصبح مدراء هذه المكاتب ضيوفا دائمين في السهرات الراقية. ولكنهم كانوا أذكياء: استمروا بالكلام باسم المقاومة والثورة. وهذه هي النتيجة. إننا نحصد اليوم ثمار ما زرعناه في ال45 سنة الأخيرة.
لا استغرب أن يأتي يوما تشاركنا به إسرائيل وأمريكا والأنظمة العربية العميلة احتفالات ذكرى الانطلاقة. ولن يعكر صفو هذه الاحتفالات ذكرى الحرب على غزة التي سوف يطويها النسيان. هل يبدو ذلك غريبا أو مستحيلا؟ أنظروا ما يجري اليوم في مصر. النظام المصري يحتفل كل سنة بذكرى ثورة يوليو ومن يكون ضيوف الشرف هناك؟ أليس السفير الإسرائيلي والأمريكي وسفراء أوروبا؟
ماذا تبقى من ثورة يوليو؟ الخطاب العروبي الوحدوي ودعم حركات التحرر العربية؟ أم الإصلاحات الزراعية وتوزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء؟ أم التحرر من الهيمنة الامبريالية؟ أم بناء جيش وطني قوي يقف بالمرصاد أمام أطماع الصهيونية؟ لا شيء من هذا بتاتا. ومع ذلك ما زال النظام يحتفل بذكرى الثورة.
ما حصل في فلسطين وما حصل في مصر حصل في أماكن أخرى من العالم. الأمور مع تطورها تتحول إلى نقيضها. فالثورة تصبح ثورة مضادة (في البلدان العربية يوجد عادة انقلاب يسمى ثورة، والثورة المضادة تسمى ثورة تصحيحية) والمقاومة تتحول إلى مجموعات من المفاوضين ودعاة التعايش المشترك، والانطلاقة تخبو تدريجيا حتى تنطفئ نهائيا.
منذ الانطلاقة الأولى وحتى اليوم مرت الحركة الوطنية الفلسطينية بتجارب عديدة بعضها كان ايجابيا يشكل ذخرا وطنيا ثمينا، مثل معركة الكرامة ومواجهة النظام الرجعي في الأردن والطائفية الفاشية في لبنان بالرغم مما رافقها من شوائب. ومواجهة الاجتياحات الاسرائيلية المتكررة على لبنان وخصوصا اجتياح عام 1982 بالإضافة إلى الانتفاضيتين الأولى والثانية وأخيرا الصمود الأسطوري في العام الماضي أمام أسلحة الدمار الاسرائيلية. ومنها ما كان سلبيا يصل إلى درجة الخزي والعار وذلك من خلال هيمنة فئة فاسدة على القرار الفلسطيني وربط الحصان الفلسطيني إلى عربة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية.
حركة التحرر الوطني تترسخ وتتطور حتى تحقيق أهدافها من خلال تنظيف صفوفها من العناصر الانتهازية التي فسدت وتساقطت، من خلال التمسك بالمبادئ والقيم الثورية السامية، من خلال شحذ الهمم وتعبئة الجماهير، من خلال انطلاقة ثورية جديدة.

Saturday, January 02, 2010

خواطر حول الاخلاق والسياسة والعام الجديد



تجري العادة في نهاية كل سنة أن تقوم وسائل الإعلام المحلية والعالمية، المكتوبة والمرئية والمسموعة، الصغيرة والكبيرة بتلخيص الأحداث الهامة التي حدثت خلال تلك السنة وتحليل عواقبها وتأثيرها على السنة القادمة. بعض وسائل الإعلام العريقة تختار شخصية السنة في كافة المجالات وتسهب في تحليل وتقييم أعمالها التي من أجلها استحقت أن تكون شخصية مختارة. وسائل إعلام أخرى تختار الحدث المركزي في تلك السنة، الذي ألقى بظلاله الثقيلة على تطور السياسة العالمية وتشبعه دراسة وتحليلا. بما أن نهاية هذه السنة لا يبشر بقدوم سنة جديدة وحسب بل يشير على انقضاء عقد من القرن الواحد والعشرين فبعض وسائل الإعلام العريقة تتيح لنفسها تناول عقد كامل من الزمن بالدراسة والتحليل والتعليق.
طبعا مقالة صحفية متواضعة كهذه لا تدعي أبدا تقييم أو دراسة أحداث العام المنصرم فكم بالأحرى العقد المنصرم ولن تتناول التوقعات للعام القادم الأمر الذي اتركه للمنجمين على اختلاف مشاربهم، من منجمي القنوات الفضائية إلى مشعوذي السياسة الذين يدفعون بكرتنا الأرضية نحو الهاوية. أكتفي هنا ببعض الخواطر النابعة عن غضب شديد على كل شيء تقريبا من جهة وعن خيبة أمل بكل ما كنا نتمسك به من مبادئ وقيم وأحلام من جهة أخرى.
اسمحوا لي أن أبدأ بعارنا المحلي على الصعيد الرياضي، أو الأصح أن نقول على الصعيد اللارياضي، وأعني الأحداث التي أعقبت مباراة كرة القدم بين فريقي سخنين والناصرة. ليس جديدا أن يقوم كل طرف بتبرئة ساحته وإلقاء التهمة والمسؤولية على الطرف الآخر. التبريرات التي لا تعد ولا تحصى موجودة لمن يريد أن يتناولها. وليس غريبا أن يقوم كلا الطرفين بإلقاء الكرة إلى ساحة الشرطة ويلقي عليها مسؤولية ما حدث وتبييت النية لتأجيج الخلاف بين الأشقاء والكيل بصاعين، الخ. وهكذا تضيع الطاسة.
ما حدث بين سخنين والناصرة، ولا أريد أن أقول بين نفر من الشباب الضائع من كلا الطرفين، هو صورة مصغرة لما حدث مؤخرا بين مصر والجزائر. وكل ما قيل وما كتب في تلك الحادثة هو ساري المفعول هنا أيضا. وقد قيل الكثير وكتب الكثير حول قلة الوعي عند الجماهير وسوء النية عند الطبقات الحاكمة التي استغلت هذا الحدث الرياضي لتمرير سياستها الرجعية المهادنة للغرب من جهة والمستبدة على شعبها والشعوب الشقيقة من جهة أخرى. لا يستطيع أي علم نفس أن يفسر كيف يصبح بلد عريق كمصر شرسا إلى هذه الدرجة بسبب مباراة كرة قدم زعم إنها مست كرامته الوطنية وفي الوقت نفسه يتصرف كالقطة الأليفة أمام إسرائيل التي تدوس على كرامته القومية كل يوم. ولا يستطيع أي علم نفس أن يفسر كيف يقف بعض الإفراد على دوار الشهداء في سخنين احتجاجا على جرائم الدولة في غزة بينما يشيح الكثيرون من العابرين بوجوههم، ويصبحون حيوانات مفترسة بعد مباراة كرة قدم بحجة إنهم لم يعد يطيقون الشتائم التي سمعوها من الجمهور الآخر.
في مصر والجزائر وفي سخنين وفي الناصرة، كلنا نعاني من المرض نفسه اسميه: انعدام المناعة الأخلاقية.
كلما تكلمنا عن الأخلاق، بغض النظر عن تعريفنا وفهمنا لهذه الأخلاق، كلما ابتعدنا عنها أكثر. لن يفيدنا بشيء تكرار البيت القائل: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا. أو: إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا. أو هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمات. وعشرات الأبيات والحكم التي تنضح بها مواعظنا وكتبنا التدريسية. لن نستفيد شيئا لو صعد أحد الأئمة كل يوم جمعة المنبر وردد الآية: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" بينما فظاظة كلماته وأعماله خارج المسجد تصل إلى السماء.
إذا عرفنا الأخلاق بأنها مجموعة من القيم والمبادئ التي تضبط وتوجه سلوك الأشخاص والشعوب وتكون شكلا من أشكال الوعي الإنساني وحاولنا أن نطبق ذلك على ما يحدث في غزة على سبيل المثال لا الحصر، فإننا كمجتمع إنساني في ورطة لا مخرج منها. ورطة كافية لأن تشوه وجهة البشرية إلى حد عدم التعرف عليه. وهنا لا اقتصر على دولة إسرائيل التي شنت حرب إبادة على أهل غزة وفرضت حصارا لا يعرف الرحمة عليها، ولا اقتصر على ما يسمى بالمجتمع الدولي والأنظمة العربية بسبب التواطؤ والمساهمة في هذه الحرب وهذا الحصار بل أقصد كل فرد ينتمي إلى الجنس البشري. إن ما يحدث في غزة اليوم هو وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.
لقد كتبت في الأسبوع الماضي عن تقصيرنا المخزي في نصرة أهل غزة. واليوم أريد أن أوجه عتابا شديد اللهجة إلى جميع الذين يذرفون الدموع على ما يجري في غزة ( ولا أقصد من يذرف دموع التماسيح، فهؤلاء لا يهمونني بالمرة) وأقصد بشكل خاص الناشطين في الحركات الشعبية لكسر الحصار ومنها قافلة شريان الحياة التي يقودها النائب الانجليزي جورج جلاوي والتي قطعت آلاف الأميال من بريطانيا عبر دول عديدة في أوروبا وآسيا حتى وصلت قبل عدة أيام إلى العقبة وهناك منعتها السلطات المصرية من الوصول إلى ميناء نويبع ومن ثم إلى قطاع غزة عن طريق معبر رفح. وهم يعرفون جيدا أن النظام المصري عبد مأمور لا يملك قراراته، مهما حاول أن يتقنع بقناع السيادة على أراضيه ومعابره. ولكن بما أن مصر هي الحلقة الأضعف تحاول قوافل كسر الحصار الوصول إلى غزة عن طريق مصر مع علمها أن إسرائيل هي القوة الرئيسية التي فرضت هذا الحصار. اليوم سمعنا إن قافلة شريان الحياة تعود القهقرى إلى سوريا ومن ثم إلى العريش حسب مطالب النظام المصري. العقبة لا تبعد عن إيلات سوى عدة مئات من الأمتار وعن طابة وشرم الشيخ والطريق المؤدية إلى رفح سوى عدة أميال. فلماذا يجبن جميع المتضامنين الأجانب عن مواجهة إسرائيل؟ لماذا لم تحاول القافلة اختراق الحدود المصطنعة إلى فلسطين المحتلة وهي اقصر الطرق للوصول إلى غزة؟ العالم بأسره يعلم أن كسر الحصار الإجرامي عن غزة لا يمكن أن يتم من غير مواجهة إسرائيل وإرغامها على ذلك؟ النوايا الحسنة والشعور بتأنيب الضمير من قبل بعض الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين لا ولن تكفي لكسر الحصار.
قد يستنكر البعض هذا الموقف ويعتبرونه جحودا، حسنا، فليكن. ولكن لم يعد هناك مكان للف والدوران، بحجة إنقاذ إسرائيل من نفسها.
الطريق إلى غزة تمر في تل أبيب.