Wednesday, October 31, 2012

أسطورة التغيير من الداخل

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000010132 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000010116 -->
أسطورة التغيير من الداخل
علي زبيدات - سخنين
كتبت في مقال سابق أن الكنيست الصهيونية أخطر بما لا يقاس من الحكومة مهما بلغت شراستها وعنصريتها مثل الحكومة الراهنة بزعامة الثنائي نتنياهو – ليبرمان. اعود واكرر هذه الحقيقة اليوم ايضا. الحكومة ليست سوى واجهة، ليست سوى مقاول ثانوي تنفذ سياسة وقرارات وتعليمات صاحب العمل الحقيقي، ألا وهي الكنيست . الاعتداءات الاخيرة على غزة هي جزء من هذه السياسة ومن يظن انه لا علاقة بين هذه الاعتداءات والانتخابات القادمة فهو يعاني من مشكلة فهم المقروء. ولو رجعنا قليلا الى الوراء لوجدنا أن كافة الحروب التي شنتها الحكومات المختلفة جاءت اولا وقبل كل شيء كدعاية انتخابية. هل ما زال احد يذكر رجل السلام شمعون بيرس ومجزرة قانا عام ١٩٩٦؟ وبالرغم من ذلك نودي من على مآذن بعض المساجد للتصويت له ودماء اطفال قانا لم تجف بعد. وفي عام ٢٠٠١ إجتاحت جيوش براك الضفة الغربية وواصل شارون الاجتياج مرتكبا مجزرة جنين وغيرها الم تكن هذه أيضا جزءا من الدعاية الانتخابية للحزبين الكبيرين؟ وفي عام ٢٠٠٩ عندما شن رجل السلام الآخر ايهود اولمرت الحرب على غزة، ألم يكن ذلك من أجل انتخابات الكنيست محاولا وقف تدهور حزبه نتيجة الهزيمة التي مني بها في حرب لبنان ٢٠٠٦؟.
تريد الاحزاب العربية أن تقنعنا أن الهدف من دخولها للكنيست هو مواجهة المد العنصري والسياسات العدوانية انطلاقا من نظرية "التغيير من الداخل" من خلال الخطابات وتقديم الاستجوابات والتصويت ضد القرارات الحكومية. لو لم يكن هذا الامر مأساويا لكان مثيرا للضحك. في بيان الجبهة الديموقراطية الاخير مثلا جاء: أن أهم شيء هو منع نتنياهو – ليبرمان من تشكيل الحكومة القادمة. لنفرض أن الجبهة قد حققت هذا المطلب السامي فمن يا ترى سيشكل الحكومة القادمة؟ أولمرت؟ ام ليفني؟ أم براك؟ ام يحموفيتش؟ أم لبيد؟ لكي نبدأ بسرد حكاية ابريق الزيت من جديد.
كالعادة، بالنسبة للاحزاب العربية، الانتخابات القادمة هي انتخابات استثنائية تأتي في ظروف خطيرة جدا لذلك يجب حشد كافة القوى ورفع نسبة التصويت عند الجماهير العربية. أما الذين ينادون بمقاطعة انتخابات الكنيست فما هم إلا مجموعة من اللامبالين الذين يريدون اقصاء الجماهير العربية عن السياسة او من المترددين وذوي المصالح الخاصة والنزاعات الشخصية. والبعض يروج للفرية التي ما زالت تجد من يصدقها والتي تقول أن كل صوت مقاطع يذهب مباشرة للاحزاب الصهيونية. مثل هذا الكلام هو اهانة واستخفاف بنصف الجماهير العربية التي تقاطع انتخابات الكنيست والتي تزيد عن عدد المصوتين للاحزاب العربية والصهيونية مجتمعة. حتى عندما نشطب عدد اللامبالين والزعلانين والمترددين من مجموع المقاطعين تبقى الاغلبية الساحقة للذين يقولون: لن نمنح الشرعية لهذه المؤسسة العنصرية التي تستطيع أن تعيش الا من خلال سفك دماء شعبنا.
يزعم البعض أن موقف المقاطعة يلتقي مع مواقف الاحزاب اليمينية المتطرفة والتي تحاول بشتى الطرق منع الاحزاب العربية من المشاركة في انتخابات الكنيست. مثل هذه المزاعم التي تتغاضى عن المنطلقات المبدئية والايديولوجية لن يكون غريب عليها أن تتوصل الى مثل هذه النتائج العبثية. التيار المركزي في الحركة الصهيونية من يسارة مرورا بوسطه وحتى يمينه سعيد جدا بالتواجد العربي في الكنيست. تواجد هامشي حدا على الصعيد الداخلي ولكنه على غاية الاهمية على صعيد الدعاية الصهيونية الخارجية. عندما يتم الحديث في العالم الغربي عن الديموقراطية الاسرائيلية الوحيدة في الشرق الاوسط فإن الركيزة الاساسية لمثل هذا الحديث هو: انتخابات الكنيست والمشاركة العربية فيها. وأقول أكثر من ذلك: ليس فقط أن التيار الصهيوني المركزي سعيد بالتواجد العربي في الكنيست بل يشجع على زيادته ايضا، فكلما زاد عدد النواب العرب كلما كان ذلك دليلا دامغا على ديموقراطية الكيان ككل.
لنفرض جدلا أن الاحزاب العربية قد ضاعفت من قوتها في الانتخابات القادمة وأصبح لديها ٢٢ نائبا فهل يشكل ذلك ضمانا لتغيير السياسة الاسرائيلية؟ حسب رأيي ستبقى الاحزاب اعربية على الهامش كما عهدناها. فها هو حزب كديما الصهيوني مع ٢٨ نائبا وهو الحزب الاكبر قد أمضى السنوات الاربع الاخيرة هو الاخر على الهامش.
ولكن بالمقابل لنفرض جدلا أيضا أن الكنيست القادمة ستكون وللمرة الاولى منذ عام ١٩٤٩ خالية تماما من النواب العرب جراء حملة مقاطعة تحت شعار: هذا البرلمان لا يمثلنا. اترك لكل واحد منكم تصور نتائج وتداعيات مثل هذا الموقف.

Wednesday, October 24, 2012

الكنيست اخطر من الحكومة

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009022 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009006
الكنيست أخطر من الحكومة
علي زبيدات – سخنين

قد يكون الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو واضع نظرية فصل السلطات من ذوي النوايا الحسنة. ففي ذلك الوقت كانت اوروبا تنتقل من العصور الوسطى حيث النظام الاقطاعي كان ساـئدا يعبر عنه حكم الملوك المطلق والنبلاء إلى عصر الرأسمالية وصعود الطبقة البرجوازية وبداية نشوء النظام الجمهوري. ولكن منذ ذلك الحين وحتى اليوم جرت مياه كثيرة في نهر السين وفي نهر العوجا (اليركون) وانقلبت الامور رأسا على عقب من باريس الى تل أبيب. فسرعان ما تبين أنه لا يوجد فصل حقيقي بين السلطات بل العكس من ذلك هو الصحيح: فالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ليس فقط انها شديدة الترابط فيما بينها بل تكمل بعضها البعض الى حد تشكيل نظام واحد منسجم.
تحاول الاحزاب العربية التي تلهث وراء انتخابات الكنيست أن تقنعنا عكس ذلك. فالحكومة هي مصدر الشر الوحيد وهي لوحدها المسوؤلة عن جرائم الاحتلال وعن سياسة التمييز والعنصرية وهي التي ترفض السلام وتثير الحروب ولا تحقق العدالة الاجتماعية وهي السبب في الازمات الاقتصادية. لذلك تؤكد هذه الاحزاب انها تعارض الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وتناضل من أجل اسقاطها. أما الكنيست فهي بريئة من كل ما ذكر. لذلك فإن مقاطعة الحكومة حلال أما مقاطعة الكنيست فهي حرام.
فإذا كانت الحكومة هي مصدر كل الجرائم فالكنيست هي أم كل الاجرام لأنها هي مصدر الحكومة. وعلى الاحزاب العربية ونوابها في الكنيست أن يراجعوا أسس كتب المدنيات التي تدرس في المدارس العربية قبل غيرها والتي توضح بشكل لا يقبل التأويل بأن الكنيست بصفتها السلطة التشريعية للدولة أهم بدرجات من السلطة التنفيذية (الحكومة) ومن السلطة القضائية (المحاكم). فالحكومة بحاجة لثقة الكنيست ليس فقط من أجل قيامها بل أيضا من أجل الموافقة على خطوطها العامة. ولأن الكنيست تستطيع أن تنزع ثقتها من الحكومة وتسقطها. بالاضافة الى ذلك فإن صلاحيات الحكومة تحددها القوانيين التي تسنها الكنيست. فقط قصير النظر يظن للوهلة الاولى بأن الحكومة هي كل شيء ولا يرى بأن الكنيست هي في الحقيقة كل شيء أو تكاد أن تكون كل شيء. ويجب ألا ننسى أيضا بأن رئيس الحكومة هو عضو كنيست ومعظم وزرائة وجميع نواب وزرائه أعضاء كنيست.
تدعي الاحزاب العربية بأن نوابها موجودين دائما في المعارضة وهم ليسوا جزءا من الائتلاف لا في الحكومة ولا في الكنيست. وقد يبدو هذا صحيحا للبعض ولكنه في حقيقة الامر أبعد ما يكون عن الصحة. ما زلنا نذكر الفترة التي شكل فيها النواب العرب درعا واقيا لحكومة رابين واعتبروا ذلك نجاحا ما بعده نجاح. ولو صح لهم أن يدخلوا الحكومة لدخلوها. ولكن هل وجودهم في المعارضة يزيل عن كاواهلهم وضمائرهم المسؤولية عن جرائم الكنيست والحكومة؟ ألا يعلمون أن الاكثرية المكلفة بتشكيل الحكومة بحاجة للمعارضة لكي تكتمل اللعبة وتسجل محليا وعالميا على أنها ديمقراطية لا غبار عليها؟ لا تخشى الاغلبية الصهيونية في الكنيست ولا تكترث أصلا بوجود عشرة نواب عرب ولا تكترث حتى لو ضاعفوا عددهم. فالاغلبية دائما مضمونة. ولا أبالغ إذا قلت أن وجود المعارضة العربية في الكنيست أهم بما لا يقاس من أوساط واسعة في الائتلاف الحكومي نفسه، إذ تستطيع الحكومة أن تقترف أفظع الجرائم وتخرج الى العالم لتقول: ها نحن دولة ديمقراطي خالصةة وأكبر دليل على ذلك وجود نواب عرب بينا في الكنيست لا يتوقفون لحظة عن شتمنا.
لنتصور للحظة واحدة فقط أن مقاطعة انتخابات الكنيست كانت شاملة وأن الجماهير الفلسطينية لم ترسل أي عضو للكنيست فكيف سوف تصبح صورة اسرائيل في العالم؟ إلى متى سنكتفي بستر عورات هذه الدولة؟
مقاطعة انتخابات الكنيست لا تعني التقوقع داخل انفسنا والاختباء داخل البيوت. فهناك شوارع كثيرة وساحات واسعة نستطيع أن نملأها.

Wednesday, October 17, 2012

برلماننا وبرلمانهم

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009615 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009599
برلماننا وبرلمناهم
علي زبيدات – سخنين

مبدئيا أنا ضد "النضال" البرلماني بغض النظر عن مكان وزمان هذا البرلمان وبغض النظر عن طبيعته ودوره واهدافه. حسب رأيي حتى في البرلمانات الاكثر ديموقراطية في العالم لا يعدو دور المواطن الكادح والمقموع سوى اختيار من يستغله ويقمعه حتى الانتخابات القادمة. ولكن التاريخ يعرف أيضا بعض الاستثناءات مع أن جميع هذه الاستثناءات كانت نسبية ومشروطة ومؤقتة. هذا الكلام لا يعني أبدا التقليل أو الاستخفاف بأهمية البرلمان بالنسبة للطبقات الحاكمة وللطبقات المحكومة على حد سواء. بالنسبة للطبقات الحاكمة البرلمان هو أهم هيئة تمثيلية تضمن شرعية النظام من جهة وتقدم أدوات ناجعة لاستمرار الاستغلال والاضطهاد من جهة أخرى. وبالنسبة للطبقات المحكومة البرلمان هو أكبر مصدر لتصدير الاوهام التي تصبح في حالة الادمان عليها بديلا عن التحرر الحقيقي. مما لا شك فيه أن الكنيست الاسرائيلي هو أهم وأقوى مؤسسة تمتلكها الصهيونية، فهي مؤسسة حديثة، عصرية، متطورة جدا وناجعة الى اقصى حدود النجاعة. فلولا وجود هذه المؤسسة على رأس باقي المؤسسات الصهيونية لما استمرت دولة اسرائيل في الوجود بالشكل الموجودة عليه. مقاطعة انتخابات الكنيست، التي سوف أعود لمناقشتها من كافة جوانبها مرارا في الفترة المقبلة، هي أولا وقبل كل شيء موقف سياسي لا ينفي أهميتها بالنسبة للكيان ولكنه ينفي أهميتها بالنسبة لي كفرد من الشعب الفلسطيني. المعادلة بالنسبة للشعب الفلسطيني هي بكل بساطة: شرعية الكنيست هي نفي للشرعية الفلسطينية. وكل التبريرات الاخرى لا تغير من هذه الحقيقة شيئا. يعني لو فرضنا جدلا أن هذه المؤسسة قد منحتنا كافة الحقوق المدنية والغت كافة القوانين العنصرية وحققت المساواة في الميزانيات وفرص العمل ومناطق النفوذ، وهي أصلا غير قادرة على ذلك، لسوف يبقى موقف المقاطعة هو الصحيح لأنه الموقف الوحيد القادر على تغيير معادلة الشرعية.
هنا يفسح المجال للإستثناء النسبي والمشروط الذي ذكرته آنفا. يجب معارضة الكنيست كأعلى هيئة تمثيلية تشريعية للكيان الصهيوني بالمجلس الوطني الفلسطيني كأعلى هيئة تمثيلية تشريعية توحد الشعب في الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. ومن أجل إقصاء أي التباس أفصل ما المقصود بالشعب الفلسطيني: جميع الفلسطينيين القاطنين في المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ والمناطق المحتلة عام ١٩٦٧ وفي باقي دول الشتات.
ولكن يا للمأساة! شتان ما بين الهيئتين. خلال عملية بحث قصيرة وجدت نفسي أقف أمام ثلاثة برلمانات فلسطينية في برلمان واحد هو في الحقيقة لا برلمان على الاطلاق. البرلمان الاول هو "المجلس الوطني الفلسطيني" الذي توقف عن العمل منذ عام ١٩٩٨ بعد أن انعقد بشكل تعسفي لتغيير ميثاقه والتوقيع على وثيقة وفاته. ولا أحد يعرف ما هو عدد أعضائه بالضبط هل هو ٧٦٥ أم هو ٣٥٠ وما هي أسماءهم ومن توفي منهم ومن لا يزال على قيد الحياة. والبرلمان الثاني الذي يحتضنه الاول هو المجلس التشريعي المنبثق عن ديمقراطية أوسلو والذي أوقف عمله تماما منذ أكثر من خمس سنوات وأعضاؤه إما في السجون أو في البيوت أو في أروقة السلطة. والبرلمان الثالث ما يسمى بالمجلس المركزي وهو من مخلفات مرحلة بائدة عندما كانت السلطة توزع محاصصة على الفصائل.
أوساط واسعة من الشعب الفلسطيني قد تنبهت لهذا الجانب المأساوي وأخذت تطالب بإعادة الاعتبار للمجلس الوطني الفلسطيني كأعلى هيئة تمثيلية للشعب الفلسطيني عن طريق انتخابه من قبل أصحاب حق الاقتراع بصورة ديمقراطية أسوة بباقي البرلمانات في العالم. ولكن هذه الاوساط ما زالت تتخبط في مستنقع من النقاشات العقيمة وتتحسس طريقها في الظلام.
من السهل جدا أن نكيل المسبات والشتائم على الكنيست الصهيوني بينما نبحث عن التبريرات الواهية عندما نتكلم عن المجلس الوطني الفلسطيني. في هذا المجال نستطيع أن نتعلم الكثير من التجربة الاسرائيلية. الجماهير تبحث عن بديل ولكنها تبحث عن بديل أفضل. في الوقت الذي ينبغي علينا بذل كافة الجهود لاقناع الجماهير الفلسطينية بمقاطعة انتخابات الكنيست الصهيوني يجب علينا أن نبذل جهودا أكثر لاقناعهم بضرورة انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني كبديل للكنيست.

Wednesday, October 10, 2012

تحية من أمستردام

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000010966 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000010950
تحية من أمستردام
علي زبيدات – سخنين

علاقتي بهولندا علاقة مركبة جدا. في الماضي غير البعيد سكنت في هذا البلد حوالي ٨ سنوات. زوجتي هولندية جاءت الى فلسطين للتضامن مع شعبها ولكنها كما يبدو تضامنت أكثر من اللازم بزواجها مني وبتفضيلها العيش في سخنين على العيش في قرية غاية في الجمال بالقرب من أمستردام. رزقت بإبنتين كنت اصفهما في الماضي بأنهن نصف فلسطينيتين ونصف هولنديتين ولكن تبين فيما بعد إني كنت على خطأ. فهن فلسطينيتان كاملتان وهولنديتان كاملتان. في الحقيقة، عدت للبلاد بعد ٨ سنوات لثلاثة أسباب رئيسية: أولا، حب اوشوقا للوطن السليب والتزاما بالقضية الوطنية التي استحوذت على فؤادي وعقلي منذ الصغر. ثانيا، الطقس البارد والماطر طيلة ايام السنة تقريبا وأنا من عشاق الشمس. ثالثا، الموقف الهولندي الحكومي والشعبي المؤيد لدولة اسرائيل من غير تحفظ. الموقف الحكومي ما زال على حاله ولكن الموقف الشعبي يتغير بخطوات حثيثة نحو التأييد للحق الفلسطيني.
لم اتوقع أن أعود الى هولندا ولكن هذه المرة في زيارة خاصة. بعد أن اختارت ابنتي الزواج من شاب غزاوي علقت ما بين سخنين وغزة ولم تجد مكانا تلجأ اليه غير امستردام معتمدة هذه المرة على هويتها الهولندية. كيف ستتطور الامور مستقبلا؟ لا أحد يعرف، كل ذلك يعتمد الى حد بعيد على قوانين المواطنة الاسرائيلية. على كل حال، هذا موضوع آخر قائم بذاته يعتمد على مقدرتنا جميعا في مواجهة هذه القوانين والتغلب عليها.
أود هنا أن أشارككم بثلاثة مواقف حصلت معي في الاسبوع الاول منذ قدومي الى هذا البلد. الموقف الاول: حصل في اليوم الثاني لوصولي حينما قابلت مجموعة من الشباب الهولنديين أعرف بعضهم معرفة سطحية. سألني أحدهم: من أين أنت؟ فأجبت: من فلسطين. فعاد وسأل من أين في فلسطين؟ هل من القدس أم من رام الله أم من الخليل؟ فقلت: لا، أنا من بلد اسمها سخنين. فسأل مجددا: أين في الضفة الغربية تقع؟ فقلت: انها لا تقع بالضفة الغربية اطلاقا بل تقع في الجليل. وسأل باستغراب: ولكن الجليل هو جزء من اسرائيل وليس من فلسطين. كنت متعبا بعض الشيئ ولا اريد أن اسرد الحكاية من بدايتها. فقلت له مختصرا: تصور أن المانيا عندما احتلت هولندا في الحرب العالمية الثانية غيرت اسمها وأطلقت عليها اسما آخرا فهل هذا يعني أن هولند اقد زالت؟ فقال بالطبع لا. فقلت له هذا ما حدث عندنا: البلد كلها تسمى فلسطين والاحتلال الاسرائيلي غير اسم مساحة واسعة منها. الفرق ان الاحتلال الالماني لهولندا دام خمس سنوات بينما الاحتلال الاسرائيلي ما زال مستمرا حتى اليوم بعد ٦٤ عاما من الاحتلال. والفرق الثاني أن الاحتلال الالماني لم يرحل السكان الاصليين ولم يجلب مستوطنين المان بدلا منهم كما حدث عندنا. والفرق الثالث، أن العالم أجمع كان ضد احتلال المانيا لهولندا بينما معظم هذا العالم لا يعتبر الاحتلال الاسرائيلي احتلالا. فأنتم محظوظين.
الموقف الثاني، قالت لي ابنتي: هناك متحف أفتتح مؤخرا سوف يعجبك وسوف نزوره غدا يسمى: "متحف التعذيب". وكان بالفعل متحفا فريدا،يسرد قصة التعذيب تاريخيا على مدى عصور ويشمل عددا كبيرا من الادوات التي استعملت للتعذيب منذ القرون الوسطى مرورا بمحاكم التفتيش وحتى الثورة الفرنسية. أدوات كانت تستعملها الكنيسة لتعذيب النساء اللاتي اتهمن بممارسة السحر. أدوات استعملها الحكام والنبلاء لتعذيب المتمردين. وفي وسط المتحف ارتفعت مقصلة حقيقية ما زالت بلطتها قادرة على قطع الرأس عن الجسد بضربة واحدة. عند الخروج من المتحف قلت للعامل المسؤول: المتحف جيد ولكن لماذا لا يوجد ذكر للتعذيب في العصر الراهن حتى تكتمل الصورة؟. عليك بزيارة بعض الدول "الديمقراطية" مثل أمريكا واسرائيل وتستمع لقصص التعذيب في السجون الاسرائيلية وأبو غريب وغوانتنامو.
الموقف الثالث والاخير أكثر تفاؤلا: بعد الخروج من متحف التعذيب وعلى الطرف الآخر من القناة يوجد هناك سوق فريد من نوعه هو "سوق الورود" عشرات بل مئات الانواع من الورود والاشتال والزهور والابصال والبذور، مناظر خلابة متعددة الالوان والروائح. التمشي في هذا السوق هي متعة حقيقية ليس فقط لعشاق الورد بل لكل شخص خصوصا بالنسبة لنا القادمين من أماكن أشبه بالصحراء.