Wednesday, September 24, 2008

أوهام الانتخابات المحلية في ظل الاحتلال







البناء والتطوير، الوحدة والتجديد، النهضة، الاعتصام، العدالة والانقاذ، الحق والحرية، الوفاق البلدي، جبهة العمل الوطني، الخ. الخ. هذا غيض من فيض من القوائم العائلية والحزبية المتكالبة على الانتخابات المحلية والتي تغزو في هذه الايام قرانا ومدننا العربية. المبدا الوحيد الذي يجمع هذه القوائم هو المثل الذي يقول: كلما كبرت الكذبة صدقها الناس. وحبذا لو يقف الموصوتون لحظة قبل إدلائهم بأصواتهم ويتمعنوا في مضمون هذه القوائم التي سوف يمنحون ثقتهم لها ولا ينبهروا بالاسماء الرنانة.
ماذا بنت وماذا طورت قائمة البناء والتطوير؟ ربما في أحسن الحالات بنت بعض الاسوار الواقية كرشوة للإنتخابات وطورت طرق الإلتفاف حول القانون لتمرير بعض المصالح الشخصية. وأين النهضة التي جلبتها قائمة النهضة؟ ولماذا تقود قائمة الوفاق البلدي عملية تمزيق وشرذمة البلد؟ وماذا أنقذت قائمة الانقاذ أكثر من انها انتزعت وظيفة نيابة لزعيمها من الرئيس الذي جاءت لتنقذ البلد من استبداده؟ وأين الوطن من جبهات العمل الوطني المختلفة والاتحادات " الوطنية الديموقراطية" على اشكالها؟
الانتخابات المحلية، هذا العرس الديموقراطي كما يسمونه، أو على الاصح هذه "الخطبة" الديموقراطية، على إعتبار أن الانتخابات للكنيست الصهيوني، غير البعيدة، هي العرس الحقيقي، ليست أكثر من دعارة رسمية، هدفها متعة مؤقتة رخيصة ولكنها تخبئء في طياتها اضرارا جسيمة تمس المجتمع بإسره في صميمه.
قد ابدو قاسيا. وقد يدمغني الكثيرون باللا واقعية والتطرف. ولكن في نظري هذا الموقف هو قمة الواقعية وقمة الاعندال. السؤال الذي أطرحه هنا بسيط للغاية: هل الانتخابات (كل انتخابات) في ظل الاحتلال شرعية؟ هل تعكس في نهاية المطاف رغبة المواطنين أم رغبة المحتلين؟ قد يصرخ الكثيرون: أن الاحتلال موجود في الضفة الغربية وقطاع غزة، اما نحن فإننا نعيش في دولة مستقلة عضو في الامم المتحدة تحظى بالشرعية الدولية واعتراف فلسطيني – عربي – عالمي، فأين الاحتلال؟
أنا ازعم بكل بساطة، وبإستطاعتكم على الاقل أن تتمعنوا بزعمي هذا أو أن تلقوا به فورا في سلة المهملات: أن الناصرة وأم الفحم وسخنين هي مدن فلسطينية محتلة تماما مثل جنين ونابلس والخليل. الفرق هو أن المدن الاولى أحتلت عام 1948 والثانية أحتلت بعد 19 عاما اي في سنة 1967. ولكن جوهر الاحتلال يبقى واحد. ممارسات الاحتلال كانت وما زالت واحدة: تفريغ الارض سكانها الاصليين وممارسة سياسة القمع والتمييز على الباقين وقد رافقتها سياسة منهجية مبرمجة لهدم البيوت والقتل من غير محاكمة، ومصادرة الاراضي، وبناء المستوطنات.
مع الوقت لم تعد الدولة بحاجة للحكم العسكري المباشر لتمرير سياستها في الاراضي المحتلة عام 1948 وإكتفت بالشرطة والامن (الشين بيت) وبالعملاء والمتعاونين المحليين. بينما لم تنجح حتى الان في ممارسة ذلك في المناطق المحتلة عام 1967. هذا الواقع الجديد منح السلطة الفرصة في تحسين ظروف الاحتلال. وكان أحد اشكال تحسين الاحتلال منح المواطنين حرية انتخاب الممثلين المحليين القييمين على تدجين المواطن واقناعه بأن الامتيازات الممنوحة من قبل الاحتلال بالمقارنة بالاحتلال "الآخر" هي مكاسب يجب المحافظة عليها ونسيان الجوانب الاخرى.
كل إنتخابات في ظل الاحتلال هي إنتخابات مشبوهة. فليس من قبيل الصدفة أن الانتخابات في افغانستان المحتلة أفرزت طبقة من العملاء وكذلك الامر في العراق المحتل وفي فلسطين. حتى عندما تكون الانتخابات نزيهة، نتيجة لخطأ في حسابات المحتلين، كما حدث في الانتخابات الفلسطينية الاخيرة ونجاح الطرف الخطأ، فلا تتوانى سلطات الاحتلال أن تكشف عن أنيابها الحقيقية وتستعمل كافة اساليب القتل والارهاب والحصار والتجويع لتصحيح خطأها وإقناع المواطن بأن الديموقراطية الاسرائيلية لا تعني ابدا انتخاب من يريده بل ما يريده الاحتلال. هذا الامر ساري المفعول على الانتخابات المحلية الاسرائيلية ايضا. وليس من باب الصدفة أن الحكومة، بخطوة استباقية، قد سنت قانونا يلزم رئيس السلطة المحلية أن يقسم يمين الولاء للدولة الصهيونية على غرار يمين الولاء الذي يقسمه أعضاء الكنيست والوزراء.
هل يوجد هناك قائمة واحدة تجرؤ أن تقول في برنامجها الانتخابي: نعم، إننا أيضا نرزح تحت نير الاحتلال منذ 60 عاما وإننا نطالب بزوال الاحتلال نهائيا وليس بتحسين ظروفه؟
هل يوجد هناك مرشح واحد لرئاسة بلدية او سلطة محلية يتحدى قانون قسم الولاء المهين والمذل ويقول بأعلى صوته: هذا وطننا ولكن دولة الاحتلال هذه ليست دولتنا، ولي الحق أن أخدم بلدي على هذا الاساس؟؟
ما دام لا يوجد قائمة إنتخابية كهذه ولا يوجد مرشح للرئاسة كهذا فانا ادعو إخواني في هذا الوطن المنكوب الى مقاطعة الانتخابات المحلية.

Wednesday, September 17, 2008

خمسة عشرة عاما على إتفاقيات أوسلو- ألا يكفي؟



لصالح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نسجل نقطة هامة جدا ولافتة للنظر وهي انه بعد 15 عاما على توقيع إتفاقيات اوسلو في حديقة البيت الابيض بقي هو الوحيد في مركز صنع القرار من جميع الموقعين، بل وأكثر من ذلك هو الوحيد الذي أحرز تقدما ملحوظا، من موظف مغمور استمد قوته من خلال مفاوضات سرية بعضها لا يزال في طي الكتمان الى رئيس سلطة. باقي الشركاء في عملية التوقيع إما قتلوا ( اسحاق رابين وياسر عرفات) وإما أنهوا دورهم القيادي وعادوا الى صفوف الشعب ( بيل كلنتون) أو أقصوا عن مراكز صنع القرار (شمعون بيرس ويوسي بيلين). فما هو سر بقاء محمود عباس بل وتسلقه الى قمة الزعامة الفلسطينية؟ وما هو سر تمسكه منقطع النظير بإتفاقيات قضت نحبها منذ سنوات طويلة بإعتراف أشد المتحمسين في تأيديها؟.
بالرغم من المتابعة المستمرة لهذه الاتفاقيات وقراءة الكثير حولها ومن مصادر مختلفة، أعترف بأنني لم اصل الى تحليل منطقي يشفي غليلي يفسر هذه الظاهرة الغريبة. فوجدت نفسي أتذكر أحد أفلام الرعب الامريكية القديمة حول ذلك الشخص المهووس والمختل عقليا والذي يبقي والدته التي ماتت وكأنها ما زالت على قيد الحياة ويعاملها على هذا الاساس وذلك بسبب عجزه عن التحرر من سيطرتها عليه طوال حياتها. فهل يمكن أن يكون ذلك سر تمسك الرئيس الفلسطيني بهذه الجيفة النتنه التي تسمى اتفاقيات السلام التي إنبثقت عنها السطة السقيمة التي يترأسها؟
من المفروض أنه بعد خمس سنوات كحد أقصى بعد التوقيع على هذه الاتفاقيات التي سميت في ذلك الوقت "غزة وأريحا أولا" أن يحل السلام العادل والشامل في المنطقة بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الاراضي الفلسطينية التي إحتلتها اسرائيل عام 1967. ولكن وبعد 15 سنة وكأننا "لا رحنا ولا أجينا"، لا سلام لا شامل ولا جزئي، لا عادل ولا ظالم، اما الكيان المسخ الذي قام والذي يعرف رسميا ب"السلطة الوطنية الفلسطينية" فلا يجرؤ أحد مهما كان دوره او منصبه بتسميته دولة.
لقد قدمت منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت تنازلات هائلة من أجل عيون ما سماه عرفات "سلام الشجعان" فقد تم الاعتراف رسميا بدولة اسرائيل وحقها في الوجود. وتم تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بحيث شطبت كافة البنود التي تتعارض مع هذا الاعتراف. وتمت التضحية بالعديد من الثوابت الوطنية التي لم يكن أحد يجرؤ حتى على ذكرها. وتم إرجاء كافة القضايا الخلافية لمرحلة لاحقة مع التلميح بإمكانية التنازل في هذه القضايا مثل اللاجئين والحدود والقدس والمستوطنات الخ. وتعهدت الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة برعاية هذه المسيرة "السلمية" والعمل الدؤوب من أجل إنجاحها، يساعدها في ذلك جامعة الدول العربية والمؤتمر الاسلامي وأطراف محلية واقليمية وعالمية لا تعد ولا تحصى. ولسخرية الاقدار فإن هذه الاطراف ما زالت ملتزمة بتعهداتها وتبذل جهودها لتحقيق الهدف المنشود: إقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام بالشرق الاوسط.
ولكن لدولة اسرائيل كان راي آخر في هذا الموضوع برمته. طبعا هي تريد السلام، هذا ما صرحت به في ذلك الوقت وما زالت تكرره يوميا على لسان كافة زعمائها: "لن نبقي على حجر إلا ونقلبه بحثا عن السلام" " سوف نقدم التنازلات المؤلمة من أجل السلام". والحالة هذه، لا يسعنا الا أن نعترف بأن دولة اسرائيل تريد السلام. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي سلام تريده دولة اسرائيل؟ انها تريد السلام مع الاستمرار في بناء المستوطنات وتهويد القدس ومنع اللاجئين من العودة الى ديارهم ومواصلة نهب الاراضي والمياه الفلسطينية وبناء الجدار العنصري وقمع كل نضال من أجل الحرية والاستقلال بما فيه الاغتيالات وهدم البيوت والاعتقالات التعسفية.
هذا هو السلام الاسرائيلي، الذي يحظى بتأييد أمريكي – اوروبي – دولي والانكى من ذلك يحظى بتعاطف وتجاوب عربي وفلسطيني. سلام كهذا ليس فقط انه مرفوض فلسطينيا وإنسانيا وإخلاقيا ولكنه مستحيل أيضا.
بعد 15 عاما لم تعد مشكلتنا أصلا مع هذه الاتفاقيات ذاتها، التي انتهت عمليا في لحظة توقيعها ورسميا بعد إنطلاق إنتفاضة الاقصى في عام 2000 ومن ثم الاجتياح المجدد للاراضي الفلسطينية وتقطيع أوصالها ومحاصرة ياسر عرفات في رام الله حتى التخلص منه نهائيا فيما بعد، وفرض الحصار الشامل على قطاع غزة.
مشكلتنا الحقيقية والاساسية هي مع عقلية أوسلو، هذه العقلية الانهزامية التي ورثناها منذ النكبة وما زالت تعشش في رؤوسنا وتثقل كواهلنا. إتفاقيات اوسلو ماتت ولكن عقلية اوسلو ما زالت حية. هذه العقلية التي لا تعرف سوى المفاوضات مهما كانت عبثية وسوى المساومات مهما كان تفريطية وسوى الاستجداء وتقبيل اليد التي تلطمنا صباح مساء.
لقد آن الاوان أن نقبر هذه العقلية الى جانب جثة اتفاقيات أوسلو التي شبعت موتا. ونتخلص من كل الشوائب التي خلفتها وعلى راسها هذا المسخ المسمى بالسلطة الفلسطينية المتنازع عليها حاليا، نزاع يهدد القضية الفلسطينية برمتها.
لقد آن الاوان أن نتبنى عقلية تحررية ثورية وننطلق من جديد نحو الحرية والاستقلال.

Wednesday, September 10, 2008

عارنا من بلفاست الى أريحا


نشرت جريدة هآرتس مؤخرا تقريرا عن ضابط بريطاني يدعى كولن سميث يقوم بمهمة تدريب الشرطة الفلسطينية في أحد المعسكرات في أريحا. اصبت بالذهول وانا أقرا هذا التقرير. للوهلة الاولى لم أصدق ما تراه عيناي، أإلى هذا الحضيض قد وصلنا؟ هل هذا هو مصير الثورة الفلسطينية التي كنا نعتبرها طليعة حركات التحرر الوطني في العالم العربي، لا بل في العالم بإسره؟ شعوري بالذهول تحول الى غضب ولكن بما أن العين بصيرة واليد قصيرة، سرعان ما تحول الى شعور بالخجل والذل والاهانة. يا للعار.
كولن سميث هذا هو ضابط شرطة بريطاني خدم في سلك الشرطة البريطانية 30 عاما منها 15 سنة في ايرلندا الشمالية. يقود طاقما اوروبيا مكونا من 15 خبيرا في هذا المجال، سوف يزداد تعداده قريبا لكي يصل الى 53 شخصا. يعمل منذ بداية السنة في اريحا على تدريب 500 شرطي فلسطيني. وعند الانتهاء من هذه المهمة سوف يباشر بتدريب فوج آخر من رجال الشرطة الفلسطينيين. تركز هذه التدريبات على تفريق المظاهرات، إقامة الحواجز، الاعتقالات، السيطرة على السيارات والمباني. اي بإختصار محاربة ما يسمى في قاموس حكومة فياض بفوضى السلاح والانفلات الامني، وما يسمى في القاموس الامريكي – الاوروبي – الاسرائيلي الارهاب الفلسطيني، والمعروف في قاموسنا بالشعبية للإحتلال.
يقول هذا الضابط بدون خجل او حياء: " جئت هنا لأساعد من تجربتي ومعرفتي التي اكتسبتها خلال 15 سنة كضابط مخابرات في ايرلندا الشمالية وكرئيس الوحدة الدفاعية لتفريق المظاهرات".
هل يعرف رجال الشرطة الذين يتلقون التدريب في اريحا هذا الرجل؟ ويعرفون نواياه والمهمة التي أوكلت اليه لتنفيذها؟ الا يخجلون من أنفسهم؟ ألم يسمعوا عن نضال الشعب الايرلندي من أجل الحرية والاستقلال وعن الجرائم البريطانية في حقهم؟ ألم يخبرهم أحد عن وجوه الشبه بين القضية الايرلاندية والفلسطينية وبحكم ذلك عن التعاطف بين الشعبين؟
يتدرب رجال الشرطة على تفريق المظاهرات بالطرق الحديثة والناجعة. ولكن أي مظاهرات يعنون؟ المظاهرات ضد الاحتلال؟ ضد الجدار العنصري الفاصل؟ هل هذه مهمة الشرطة الفلسطينية أن تعمل كمقاول ثانوي عند الشرطة الاسرائيلية وتقوم بالاعمال القذرة نيابة عنها؟ وما هي الحواجز التي يتدربون على استعمالها؟ الا يكفي الحواجز الاسرائلية التي تقطع اوصال البلد طولا وعرضا؟ وألا تكفي المداهمات والاعتقالات التي تقوم بها قوات الاحتلال يوميا؟ لقد جرى التطبيق الاولي لهذه التدرييات في جنين ونابلس حيث تنفذ الشرطة الفلسطينية ما تمليه عليها قوات الاحتلال الاسرائيلية.
عمل الضابط البريطاني في الشرطة جاء ليكمل عمل الضابط الامريكي كيث دايتون في المؤسسات الامنية الاخرى. وقد صرح هو الآخر كما ورد في جريدة هآرتس: " انا أمريكي ، وموجود هنا لخدمة المصالح الامريكية وتطوير العلاقات بين بلدينا، أعمل بالتنسيق الكامل مع قوات الامن الاسرائيلية والهدف من التدريبات أن يعمل الامن الفلسطيني أكثر لكي يعمل الجيش الاسرائيلي أقل" وهذا يتناغم مع تصريحات عبدالرزاق اليحيى أمام المتدربين في الاردن: "أنتم لا تتعلمون هنا لمحاربة اسرائيل او لمقاومة الاحتلال، ولكن لمحاربة الانفلات الامني، الجريمة والفوضى في فلسطين والمجموعات المسلحة. فإذا قمتم بواجبكم كما ينبغي فسيكون لدينا مشروع وطني ناجح".
يبدو انه يوجد هناك توزيع أدوار واضح: الاتحاد الاوروبي يقوم بتدريب الشرطة لكي تستطيع إعفاء الشرطة الاسرائيلية من بعض مهماتها الصعبة والمكلفة. الولايات المتحدة الامريكية تقوم بتدريب ما يسمى بقوات الامن الوقائي وتسمياته الحديثة "الامن الوطني" و"حرس الرئاسة" لكي تعفي جيش الاحتلال من بعض ممارساته الاجرامية. الدول العربية وخصوصا مصر والاردن والسعودية ودول الخليج، تساهم هي الاخرى بالتمويل والتدريب والسلاح الموافق عليه اسرائيليا. وأخيرا السلطة الفلسطينية التي تتعهد بتنفيذ هذه السياسة للحصول على شهادة حسن سلوك لكي تحسن حظها في المفاوضات التي لا تنتهي. كل هذا من أجل عيون إسرائيل.
هذا الوضع مأساة حقيقية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني. وهو يتعدى الصراع الدموي بين تنظيمي حماس وفتح وتذبذب باقي الفصائل. لا اصدق أن الشرفاء في حركة فتح يقبلون هذا الوضع. الجريمة أن يتم ذلك بإسمهم. الشرفاء في حركة فتح إما أنه تم إغتيالهم أو إعتقالهم أو مطاردتهم أو تهميشهم. الحكومة برئاسة سلام فياض ليست فتحاوية حتى ولو تم شراء بعض الرموز الفتحاوية لتزينها وإضفاء الشرعية عليها.
على الجماهير الفلسطينية أن تتكاتف وتتعاضد حتى تضع حدا لهذه المأساة وتطرد ضابط الشرطة البريطاني سميث والضابط الامريكي دايثون وامثالهما وتطهر الارض الفلسطينية من دنسهما، وتحاسب المتطاولين على القضية الفلسطينية مهما كانت المراكز التي يتبوأونها. يجب على جموع الشعب الفلسطيني بغض النظر عن إنتماءاتها التنظيمية أن تغسل هذا العار الذي لطخ عدالة قضية شعبنا الناصعة.
علي زبيدات - سخنين

Wednesday, September 03, 2008

المجلس التربوي العربي: ليس تربويا وليس عربيا


لست معلما. ولا أطمح بأن أكون من ضمن من يعنيهم الشاعر أحمد شوقي بقوله: كاد المعلم أن يكون رسولا. ولست من حملة الشهادات والالقاب التي تسبق الاسماء في كل كل مكان تظهر بها لكي تضفي عليها نوعا من الوقار والاحترام. ولست ممن يطلقون على انفسهم، او يطلق عليهم الآخرون اسم المربي. ولكن بعد قراءة البيان لذي صدر قبل فترة عن "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل" واللجنة "المهنية" المنبثقة عنها "لجنة متابعة قضايا التعليم العربي"، تحت عنوان: المجلس التربوي العربي – حق جماعي وحاجة تربوية، قررت أن أجازف وأحشر انفي في هذا الموضوع بعد أن لمست مدى التشويه والمغالطة التي يتضمنها هذا البيان خصوصا فيما يخص بقضايا الهوية الوطنية. وبعد أن لمست الصمت الصارخ من قبل المثقفين والمفكرين إزاء هذه التشويهات والمغالطات.
فكرة اقامة المجلس التربوي العربي كما يقول القيمون عليها جاءت كرد على سياسية التمييز التي تنتهجها وزارة التربية والتعليم في كافة المجالات التي تتعلق بالتعليم العربي في البلاد، بهدف رفع الغبن الواقع عليه والمشاركة في رسم السياسات والقرارات والعمل على استقلاليته. ولكن حسب رايي، وهذا ما احاول ان اشرحه في السطور القادمة، أن مثل لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، كما يقول مثلنا العربي: جاء ليكحلها فعورها بل وعماها.
"نحو إستعادة المسؤولية على التعليم العربي، مساواة جوهرية، شراكة حقيقية، وإعتراف بالخصوصية الثقافية" هكذا تلخص اللجنة مهام المجلس التربوي الجديد. ماذا يعني هذا الكلام؟ هل كانت مسؤولية التعليم العربي في السابق بين يدي هذه الجنة او أي جسم عربي آخر، وجاءت وزارة التربية والتعليم وصادرته والآن المطلب هو استعادة المسؤولية؟ كلنا يعلم أن التعليم العربي منذ بدايته، ومن الفه الى يائه هو نتاج وزارة التعليم التربية والتعليم بمساهمة فعالة من قبل المخابرات الاسرائيلية (الشين بيت). وما هي المساواة "الجوهرية" التي يطالب بها المجلس؟ وهل يوجد هناك أصلا مساواة غير جوهرية؟ هل المساواة الشكلية أو الظاهرية هي مساواة؟ قد يظن البعض أن المقصود، حتى ولو لم يقال ذلك صراحة، مساواة التعليم العربي بالتعليم اليهودي السائد. ولكن يبدو أن هذا ابعد من طموحات المجلس التربوي، وكما جاء في نص البيان يظهر أن التعليم الديني اليهودي الذي يحظى بإستقلالية هو النموذج المطلوب والمطالب به.
أما المشاركة الحقيقية فإنها تعني المشاركة في رسم السياسات وإتخاذ القرارات وعدم الاكتفاء بتنفيذها. فإذا راعينا التفسير المنطقي لهذا التصريح فسوف نصل الى نتائج سخيفة من حيث لا معقوليتها. فإذا كنا متفقين جميعا أن هذه السياسات والقرارات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم هي مصدر مصيبة التعليم العربي، فكيف نطالب بالمشاركة الفعالة بها؟ أم هل المقصود اللجوء الى النظرية الوهمية التي تدعو الى التغيير من الداخل؟ لذلك يسرع البيان بالقول:"يطرح المجلس التربوي العربي نفسه كمبادرة بإمكان الوزارة أن تتعاطى وتتعاون معها، وليس كبديل لوزارة المعارف وللسكرتارية التربوية فيها"
وأخيرا وليس آخرا، ما هي الخصوصية الثقافية التي يتكلم عنها القيمون على هذا المجلس؟ يؤكد البيان أن هذه الخصوصية منسجمة مع التصور المستقبلي الصادر عن لجنة المتابعة والذي روجت له بإعتباره إنطلاقة نوعية في علاقة "الاقلية العربية" مع الدولة. ولكنه لم يكن في الحقيقة أكثر من محاولة تهجين الهوية الوطنية الفلسطينية لكي تصبح مقبولة اسرائيليا.
حسب رايي أن مأزق المجلس التربوي، كمأزق والديه: لجنة المتابعة العليا ولجنة متابعة قضايا التعليم، نابع من تعريف المواطن العربي الفلسطيني في هذه البلاد. كما نص عليه بيان المجلس التربوي وكما نص عليه التصور المستقبلي من قبل: " المواطن العربي ينتمي الى الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت هو مواطن في دولة اسرائيل". هذا التعريف الذي يظن المروجين له انه يحافظ على الهوية الوطنية الفلسطينية يقوم في حقيقة الامر بتشويه هذه الهوية. اليوم يستطيع كل شخص، حتى ولو كان عضو كنيست في حزب صهيوني أو وزير في الحكومة الاسرائيلية، أن يقوم ويقول بفم ملآن وبدون أن يرجف له جفن:"أنا عربي فلسطيني إسرائيلي" دائسا على جميع التناقضات النابعة عن هذا التعريف المشوهة للهوية الوطنية، متجاهلا عشرات السنين من الصراع التناحري بين الهوية الفلسطينية المذبوحة والهوية الاسرائيلية الغاصبة.
يبرر المتابعون (انصار لجان المتابعة المختلفة) وربما أصح ان نقول "المطبعون" نظرياتهم وممارساتهم التوفيقية بأنه بالرغم من إنتمائنا للأمة العربية والشعب الفلسطيني إلا ان ظروفنا الخاصة تفرض علينا واقعا مختلفا وبالتالي تلقي على أكتافنا مهاما مختلفة. في هذا الصدد تستذكرني مقولة لكارل ماركس أقتبسها هنا:" أن النظرية المادية التي تقر بأن الناس هم نتاج الظروف والتربية، وبالتالي بأن الناس الذين تغيروا هم نتاج ظروف اخرى وتربية متغيره، هذه النظرية تنسى أن الناس هم الذين يغيرون الظروف وأن المربي هو نفسه بحاجة الى تربية".
كان من الاحرى بلجنة متابعة قضايا التعليم العربي وبرئيسها في السنوات الاخيرة الذي هو في الوقت نفسه رئيس قسم التربية والتعليم في بلدية سخنين، من أجل زيادة مصداقيتها ومن أجل مصداقيته الشخصية، أن يعمل على حل مشاكل التعليم المتفاقمة في مدينته، والتي بسببها استقبل الطلاب وأولياء الامور في كافة المدارس السنة الدراسية الجديدة بالاضراب. من المعروف أن قسم التربية والتعليم في البلدية من أكثر الاقسام تعاسة.
مما لا شك فيه أن حالة التربية والتعليم العربي يرثى لها وان العمليات التجميلية التي تدعو لها لجنة المتابعة غير مجدية بل تزيد الطين بلة. هذه الحالة سوف تبقى ما بقيت الهيمنة الصهيونية السياسية والثقافية. الخروج من هذه الحالة يجب أن يكون جزءا من عملية التحرير الشامل.