Thursday, June 30, 2016

عمليات واتفاقيات



عمليات واتفاقيات
علي زبيدات – سخنين

حسب كافة المصادر الاخبارية، لا يوجد هناك علاقة مباشرة بين العملية الارهابية في مطار اتاتورك في اسطنبول والتي اودت بحياة حوالي ٥٠ شخصا بالاضافة إلى عدد من الجرحى وبين اتفاقية المصالحة التي وقعتها الحكومتين التركية والاسرائيلية في اليوم نفسه. أي أن هذه العملية لم تأت لا من قريب ولا من بعيد كرد على تلك الاتفاقية. ولكن حسب رأيي يوجد هناك علاقة متينة بينهما، علاقة تبدو غير مرئية للوهلة الاولى ولكنها تصبح أوضح كلما نظرنا إلى الصورة شاملة ومن كافة جوانبها حتى تصبح واضحة وضوح الشمس. لا اقصد بذلك أن الذين اقترفوا هذا العمل الاجرامي في المطار والذي راح ضحيته الابريياء هم من الفلسطينيين أو ممن تربطهم أية علاقة بفلسطين، أو ان ما قاموا به كان نوعا من الانتقام للعلاقات الحميمة المتجددة بين الدولة التركية والاسرائيلية أو للغدر بفلسطين وخصوصا بقطاع غزة من وجهة معارضي الاتفاقية. ما اقصده هنا باختصار هو أن العملية والاتفاقية كل على حدة ومجتمعتان تشكلان عناصر اولية مركبة ليس للسياسة التركية فحسب بل للسياسة السائدة في دول المنطقة باسرها ايضا: عمليات اجرامية رهيبة من جهة واتفاقيات قذرة من جهة اخرى. وهي نفسها تصبح بالنسبة للآخرين عمليات بطولية من جهة واتفاقيات تحقق انجازات عظيمة من جهة اخرى. الامر يتعلق بمن تسأل. فمثل عملية مطار اسطنبول الاخيرة حدث في السابق الكثير، في تركيا نفسها وفي سوريا، العراق، لبنان، مصر، الاردن، فلسطين وغيرها من الدول. وسوف يحدث في المستقبل العديد من مثل هذه العمليات. فما هو الجديد إذن؟ اما بالنسبة للاتفاقية، ولا ادري اذا كان هذا الاسم يليق بها اصلا، ففي كل يوم يوجد اتفاقية، بعضها يبقى سرا او انها لا تصل اصلا إلى وسائل الاعلام. غالبا ما لا يلتزم بها اي طرف، كل طرف يفسرها على هواه، ينفذ ما يريده بشكل انتقائي ويخرق ما يريده. وبعد فترة تزول ويطويها النسيان ولن تجد من يسميها اتفاقية الا الصحف القديمة، اليس هذا ما حدث لاتفاقيات أهم من اتفاقية تركيا واسرائيل؟ كإتفاقية كامب ديفد وأوسلو على سبيل المثال وغيرها الكثير؟.
لقد كتبت منذ زمن طويل وبالتحديد في الاجواء التي تلت احداث سفينة مرمرة عندما سطع نجم اردوغان وأخذ يلعب دور الفارس المنقذ، انه لم يتغير شيء جذري على تركيا فما دامت عضوا مركزيا في الحلف الاطلسي، تحتضن قواعد عسكرية امريكية وتسلح جيشها بالسلاخ الغربي فانها لن تخرج من دائرة هذا الحلف مهما فعلت ومهما اختلفت مع باقي حليفاتها. وما دامت تهضم حقوق ٢٠ مليون كردي وتمارس ضدهم ابشع اشكال القمع والاضهاد فهي لا يمكن ان تكون نصيرا حقيقيا لشعب مشرد ومضطهد كالشعب الفلسطيني. كتبت في ذلك الوقت، وها انا اكتب حاليا أن النظام التركي قبل مرمرة هو نفسه بعد مرمرة. وأن النظام التركي قبل الاتفاقية الاخيرة هو نقسه بعدها. والحالة هذه لا يمكن دمغه بالخيانة لانه لم يكن في يوم من الايام متهما بالاخلاص مثله مثل غيره، فهو يبحث أولا وقبل كل شيءعن مصلحته كنظام، وليس كشعب او كبلد. وكباقي الانظمة يسير على هدى المبدأ المكيافيلي الذي يقول: لا علاقة بين الاخلاق والسياسة، فاذا كان الوعد الذي اعطي ضرورة في الماضي فالوعد المنتهك هو ضرورة في الوقت الحاضر. نعم، وعد اردوغان برفع الحصار عن غزة والا لن يعيد العلاقات إلى طبيعتها مع اسرائيل. كان هذا الوعد ضروريا قبل ٦ سنوات عندما اراد أن يجعل من تركيا قوة اقليمية. في الوقت الحاضر لم يعد هناك ضرورة فاصبح بالامكان التخلي عنه.
بنود الاتفاقية كما نشرتها وسائل الاعلام المختلفة ليست ذات اهمية، فهناك من يؤيدها بحماس ويرى فيها انجازا عظيما وهناك من يرفضها على اعتبار قبولها خيانة عظمى وهناك من يتأرجح بين هذين القطبين. الموقف المسطح المطلوب من الجميع ان يتخذوه ازاء الاتفاقيات هو بشكل عام اما االقبول أو الرفض. لا يشعر المفكرون والسياسيون والمحللون الذين يتبنون مثل هذا الموقف في أي فخ يقعون. فاذا قبلوها على الصعيد المحلي فسيجدون انفسهم في صف نتنياهو ومعظم وزرائه وان رفضوها فسيجدون انفسهم في صف ليبرمان وبينيت وشاكيد. وفلسطينيا يوجد هناك اصطفاف جديد ملفت للنظر جمع حماس وسلطة اوسلو في صف القبول بينما وجدت بعض الفصائل الاخرى نفسها في صف الرفض. طبعا، هذا لا يعني عدم وجود بعض الحقيقة في مواقف كلا الطرفين، ولكن احيانا بعض الحقيقة يكون اسوأ بما لا يقاس من غيابها تماما. بالنسبة لاسرائيل، فقد حصلت على اعتراف تركي (ومن خلفه على اعتراف حمساوي واوسلوي) بحقها في حصار غزة. وكل مساعدة "انسانية" يجب ان ترسي في ميناء اشدود اولا وتمر تحت الرقابة الاسرائيلية قبل ان تتوجه نحو غزة وكل هذا خاضع لحسن النوايا الاسرائيلية واعتباراتها الامنية. حصل الجنود الاسرائيليون مقابل ٢٠ مليون دولار على صك براءة وعدم الملاحقة. وهو ميلغ زهيد اذا ما قارناه مثلا بما دفعه القذافي في حينه لضحايا لوركربي حيث بلغت التعويضات ٢،٧ مليار دولار. هذا بالاضافة لمد انبوب الغاز وبيع الغاز المسروق الى تركيا ومنها الى الدول الاوروبية الاخرى. على الساحة الفلسطينية، حصلت حماس على بعض الفتات الذي يمكنها من اطالة عمر سلطتها تحت الحصار، ويبدو ان بعض هذا الفتات سيجد طريقه الى الضفة الغربيه الامر الذي من شأنه ضخ بعض الحياة في شرايين سلطة اوسلو التي ينخرها الفساد.
المطلوب ليس انتظار العملية القادمة او الاتفاقية القادمة وتحديد الموقف منها، بل المطلوب هو خلق حالة ثورية شاملة تكنس كافة الانظمة التي تنتج هذه العمليات والتفاقيات الى مزبلة التاريخ.

Wednesday, June 22, 2016

مأزق مفكر سياسي



مأزق مفكر سياسي
علي زبيدات – سخنين
نشر موقع عرب ٤٨ مؤخرا مجموعة من المقالات أو على الاصح مقالة مطولة قسمت على خمس حلقات للدكتور عزمي بشارة تحت عنوان: مأزق معسكر سياسي. تناول فيها تطور تيارات الاسلام السياسي من عدة جوانب سياسية واجتماعية. بعد قراءة الخمس مقالات كاملة، لفتت نظري نقطتان اساسيتان : الاولى، انعدام اي تعليق على المقالات في الموقع من قبل القراء بالرغم من اهمية الموضوع ومن اهمية الافكار المطروحة. ولا ادري اذا كان ذلك ناتجا عن لامبالاة القراء أو ان اداراة الموقع تمنع أو لا تشجع الرد على صفحاتها. النقطة الثانية، وهي الاهم وردت في القسم الاخير من المقالة وهي رؤية بشارة وربما يمكن تسميتها نصيحته لتيارات الاسلام السياسة (وللتيارات الاخرى) للخروج من هذا المأزق. والتي تتضمن ايضا نظرته للدولة النموذجية التي تصلح أن تكون بديلا للانظمة الاستبدادية في الدول العربية. والامر الذي ادهشني، أو ربما لم يدهشني بتاتا، هو ان هذه الدولة النموذجية موجودة بالفعل وهي ليست سوى دولة إسرائيل، ولكي أكون منصفا: دولة إسرائيل محسنة. وهذا ما سأحاول اثباته بقدر الامكان في هذه السطور القليلة. ولكني انصح جميع القراء بالعودة لقراءة هذه المقالات كاملة قراءة نقدية والتوقف بشكل خاص عند المقالة الخامسة والتمعن بها جيدا وهي بعنوان:” مأزق معسكر سياسي: ماذا تبقى؟"
يقول الكاتب في المقالة الاولى:”مأزق معسكر سياسي: تجاوز المصطلح" أن تطور تيارات الاسلام السياسي مر بمرحلتين تشكل مأزقا أو مفترق طرق. الاولى: فشل تجربة حكم الاخوان في مصر بعد الثورة. والثانية: صعود تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا وتمدده في اماكن اخرى. ويستثني الكاتب حركة النهضة في تونس التي حسب رأيه هي في طريقها للخروج من المأزق وليس الدخول اليه. حسب رأيي يعود هذا التقييم للعلاقة الشخصية التي تربط الكاتب بزعيم النهضة راشد الغنوشي. فقد عادت فلول النظام في تونس بعد الانتخابات الاخيرة متمثلة بالسبسي الذي اصبح رئيسا والذي لم يكن بحاجة لانقلاب كما حدث في مصر حيث اصبحت النهضة شريكا للفلول تحت غطاء قبول المبادئ الديمقراطية. لا تخلو هذه المقالة من تحليل جيد للاشكالية التي تواجهها الحركات الاسلامية السياسية والتي تفرض عليها اما تقديس السياسة واما تسييس القدسية (الدين) وهذه الظاهرة لا تقتصر على الحركات الاسلامية فحسب بل الانظمة ايضا حتى العلمانية منها تجند الدين في السياسة وبالعكس.
في المقالة الثانية بعنوان: مأزق معسكر سياسي: "الاسلام السياسي في السياسة" يتناول الكاتب دور الحركات الاسلامية السياسية في ثورات الربيع العربي التي كشفت عن ضمور وضحالة الثقافة الديمقراطية عند نخبها على حد تعبيره. فبينما لجأت الانظمة للحفاظ على بقائها في الحكم سعت المعارضة للوصول إلى الحكم وليس لبناء نظام ديمقراطي مبني على الحرية والعدالة والكرامة الانسانية يكفلها ويضمنها دستور ديمقراطي، واكتفت الحركات السياسية الاسلامية وغير الاسلامية بالالتزام بمبدأ الانتخابات مما خلط اوراق التحالفات.
في الحلقتين الثالثة والرابعة من هذه المقالة يتطرق الكاتب الى تحول تيارات الاسلام السياسي من سياسة الاصلاحات إلى طريق العنف. والكاتب هنا لا يخوض نقاشا نظريا (فقهيا) حول دور النصوص الدينية وتفسيراتها في تفاقم العنف الديني واكتفى بالاشارة إلى ان هذا المأزق جرى بين حدين: الطالبان- تمدد على الارض وتقليد لبنية دولة، والقاعدة- التعبئة من كل ارجاء الارض للجهاد هذا من جهة، ومن جهة اخرى فشل تجربة الاسلاميين في السودان ومصر والاغتراب عن الثورة الاسلامية في ايران. في هذه الظروف تم تحويل غضب المظلومين إلى حقد طائفي استغلته الحركات الاسلامية السياسية التي تعتبر العنف الوسيلة الوحيدة للوصول للحكم من خلال تكفير الاخرين بمن فيهم الحركات الاسلامية الاخرى خصوصا بعد انضمام عناصر جنائية اجرامية لهذه الحركات وسياسة القمع الوحشية التي مارستها الانظمة عليها. ولكن السير بالعنف الى حده الاقصى بدأ في تنفير الجمهور التواق للاستقرار وتأليب التحالفات الاقليمية والدولية عليها.
وهكذا دخلت التيارات الاسلامية (وغير الاسلامية) حسب رأي عزمي بشارة الى مأزق. من أجل الخروج من هذا المأزق على القوى المناضلة ضد الاستبداد، الاسلامية وغير الاسلامية الاتفاق والالتزام بمبادئ الديمقراطية وطرح بديل ديمقراطي وهذا ما يقترحه الكاتب:
١- “سيادة الدولة الوطنية ووحدة اراضيها". الدولة الوحيدة التي تمارس السيادة في المنطقة هي دولة اسرائيل اما باقي الدول فهي مخترقة
٢- "مبدأ المواطنة الكاملة المتساوية امام القانون منظما للعلاقة بين الفرد والدولة. ليس الدين، المذهب، الطائفة ولا القبيلة والاثنية والجنس بل المواطنة". هل تذكرون الشعار الرئيسي الذي صاغه بشارة لحزب التجمع؟ "هوية قومية ومواطنة كاملة"؟ لا يتمتع الفلسطينيون في اسرائيل حاليا بمواطنة كاملة، لذلك يوجد هناك ضرورة لاسرائيل محسنة.
٣- “مبدأ الانتخاب والتمثيل والرقابة وتحديد الصلاحيات". تستطيع اسرائيل ان تبصم على ذلك باصابعها العشرة.
٤- “ تحييد الدولة في شأن قرار الافراد الديني ونمط الحياة الذي يختارونه" اليس هذا هو جوهر العلمانية الاسرائيلية؟
٥-"نظام الحكم يضمن التعددية الحزبية للقوى التي تقبل بالمبادئ الديمقراطية". اعترفنا أم لم نعترف اسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تضمن مثل هذه التعددية. نريدها فقط الا تهدد باخراج التجمع خارج القانون قبل كل انتخابات، وخصوصا وانه يقبل بمبادىء الديمقراطية الاسرائيلية.
٦- "استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية وعن اجهزة الامن وعن الاحزاب". هذا ما تدعيه اسرائيل طوال الوقت، وهذا ما تدعيه الانظمة الديمقراطية البرجوازية في العالم. منذ مونتسكيه وروسو جرت مياه كثيرة في نهري السين والاردن.
٧- “ جيش مهني محترف- يحيد عن السياسة والحياة الحزبية". يوريكا، يوريكا هذا هو "جيش الدفاع الاسرائيلي"
٨- “الاتفاق على عدم السماح بقيام قوى مسلحة من اي نوع خارج نطاق الجيش والقوى الامنية". ألم اقرأ شيئا من هذا القبيل عن بن غوريون عندما طالب بحل الاتسل والليحي وتوحيد الجيش الاسرائيلي؟؟
٩-”احترام الحقوق الجماعية والادارة الذاتية للجماعات الاثنية والعمل على صياغة هذه الحقوق الجماعية". اسرائيل يجب ان تتحسن في هذا المجال وهذا ما تسهر عليه مراكز الابحاث والدراسات المقربة من مدرسة مفكرنا السياسي التي اصدرت حتى الان التصور المستقبلي والدستور الديمقراطي ووثيقة حيفا وغيرها.
معسكرات سياسية ومفكرين سياسيين في مأزق.




Thursday, June 16, 2016

من نقد السماء إلى نقد الارض



من نقد السماء إلى نقد الارض
علي زبيدات – سخنين
لست هنا بصدد تحليل هذه المقولة المنسوبة لكارل ماركس في سياق نقده الفلسفي للعلاقة التي تربط الانسان بالدين. كل ما اردت اقتباسه من هذا العنوان هو التأكيد على ان نقدناا واحتجاجنا على دعوة رئيس دولة اسرائيل روبي ريفلين لافطار جماعي في سخنين يضم شخصيات لها دور حاسم في محتمعنا الفلسطيني المحلي ليس باي شكل من الاشكال نقدا للصيام نفسه او لتقليد الافطار الجماعي ولمشاركة اشخاص بنتمون لطوائف مختلفة. فلو كانت هذه الدعوة صادرة عن ورع الداعين من جهة وعن تضامن المدعوين من جهة اخرى لما كان هناك حق لاي انسان ان يتدخل حتى ولو كان موقفه يتعارض مع ما يجري امامه. من احداث. ولكن الكل يعرف ان وراء القناع الديني لهذا الافطار الجماعي تكمن حقيقة اخرى منافية تماما لروح الافطار الجماعي المتعارف عليه وتشبه الى حد بعيد مسرحية يشارك بها عدد كبير من المثلين وكل ممثل يلعب دوره كما حدد له من قبل المخرج. وهي ككل مسرحية من الممكن ان تكون رديئة وممكن ان تكون جيدة، وبعض الممثلين يلعبون دورهم بشكل جيد ومقنع وآخرين يتعثرون في كل خطواتهم.
في الحقيقة، ما اطمح به هنا هو ان اسلط بعض الاضواء على نواحي معينة من هذه المسرحية التي اطلق عليها مجازا في وسائل الاعلام افطار جماعي، والتي قد تبدو للوهلة الاولى وكأنها ليست في صلب الموضوع: غالبا ما يتم الافطار الجماعي في مكان عام بسيط أو حتى في شارع او ساحة عامة، اما أن يتم في قاعة فخمة معدة للافراح فان ذلك وحده يثير اكثر من علامة استفهام. وبسبب تواجد شخصية مرموقة مثل رئيس الدولة يجب اغلاق المنطقة بأسرها ومن كافة الاتجاهات ونشر اعداد كبيرة من رجال الامن المهنيين (شرطة ورجال مختبرات) وغير مهنيين من المتعاونين المحليين. وبسبب تواجد عدد بسيط من المحتجين الذي لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة تحدث حالة من الاستنفار ويتم ابعادهم عن مدخل القاعة لكي لا يستطيع الضيف الكبير رؤيتهم بالرغم من وصفهم له بأنه اشد المدافعين عن الديمقراطية والتعددية وحرية التعبير عن الرأي. وبما ان المناسبة دينية، على الاقل ظاهريا، فلا بد ان يكون هناك تواجد لافت للنظر لرجال الدين من كل الطوائف، وبالفعل كانت هناك طاولة خاصة جلس حولها رجال الدين المسلمين والمسيحيين والدروز، ولا ادري اذا كان في حاشية ريفلين راب يهودي انضم الى هذه الطاولة. وطبعا تكليف إمام لكي يلقي كلمة ترحيب لم يسمع بل لم يحلم بسماع مثلها في حياته.
وأخيرا أخذ المدعوون بالوصول، وبسبب ابعادنا عن مدخل القاعة لم نستطع رؤية ورصد جميع المدعووين ولكن ما رأيناه كان كافيا لرسم صورة سوريالية لما يجري. كان هناك تواجد لا بأس به من رؤساء السلطات المحلية والشخصيات المحسوبة على الحكومة.،وبدا لنا هذا الامر طبيعيا، فمن احق منهم في استقبال زلمتهم وولي نعمتهم؟ ووصل اشخاص معدودون على الخط الوطني وقد ظهر عليهم بعض الارتباك عندما مروا من امام المجموعة المحتجة والتي ترفع اعلام فلسطين ولافتات منددة بهذه الزيارة. واخيرا وليس آخرا مر من امامنا زعيم التيار الوطني، رئيس لجنة المتابعة، محمد بركة، الذي جلس فيما بعد وحسب الصور الملتقطة له من قبل الصحفيين الى يسار رئيس الدولة، خصوصا وانهما كانا زميليين لفترة طويلة في نفس المؤسسة. وهنا توقفت عن اطلاق تعليقاتي اللاذعة في حق المدعوين المحسوبين على السلطة بعد ان اختلط الحابل بالنابل، وهتفت باسلوبي الساخر: عاشت القيادة الوطنية لجماهير شعبنا. وجاء الرد سريعا وباسلوب اشد سخرية: خمسة اشخاص؟ هل هذا كل ما استطعتم ان تجندوه ضد هذه الزيارة؟ سأقف معكم محتجا.
لقد وضع محمد بركة برده الشامت هذا، من حيث يدري او لا يدري، اصبعه على جرحنا العميق النازف: العشرات من المدعوين من سخنين وباقي القرى المجاورة يتهافتون على شرف الافطار بمعية رئيس الدولة وبالمقابل عدد ضئيل يحتج ويرفض ان تمر هذه المسرحية السمجة في بلد يقتخر بشهدائه وبتاريخه النضالي.
ما دامت مسرحية هذه الافطارات الجماعية تتكرر كل سنة وتلاقي كل هذا الاقبال والنجاح فاننا نستحق ان نعامل مثل معاملة العبيد.

Wednesday, June 08, 2016

مائة عام من الثورة



مائة عام من الثورة
علي زبيدات – سخنين
كنت قبل اسبوع في زيارة خاصة لعمان عاصمة المملكة الاردنية الهاشمية. حالما غادرت الحافلة النصراوية التي نقلتنا من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية لنهر الاردن عبر جسر الشيخ حسين( بالمناسبة، لم اشعر لا بنهر ولا بجسر) ومشيت عدة خطوات باتجاه سيارة اجرة لكي تقلني إلى المكان الذي اريده، لفت نظري وجود جو غير عادي من حولي، نوع من العجقة تشمل الناس والسيارات والشوارع. يادرت السائق بالسؤال: ماذا يجري في البلد؟ فأجابني: نحتفل غدا بالذكرى المؤية للثورة العربية الكبرى. تابعت بعض الملصقات على جنبات الشوارع وعلى الحافلات والسيارات الخاصة تحت شعار: "المئوية الاولى للثورة العربية الكبرى – انتماء ووفاء" وتدعو الناس للمشاركة في احتفالات "النهضة" في حدائق الحسين. هذا بالاضافة للاعلام الاردنية التي كانت ترفرف في كل مكان تقريبا. قلت في نفسي مستغربا: الثورة العربية الكبرى؟ هل ما زال هناك احد في العالم العربي يعتبرها كذلك؟ وهل ما زال هناك احد يحتفل بها ليس كذكرى مر عليها قرن كامل من الزمن بل وكأن اوضاع اليوم استمرار طبيعي لهذه الثورة التي لم تتوقف ومن هنا تجري الاحتفالات تحت شعار النهضة؟ لقد نسيت للحظة أن النظام الملكي الاردني هو الوريث الشرعي الوحيد لهذه الثورة وبالتالي من حقه أن يحتفل بها بالشكل الذي يراه مناسبا. واضطررت أن اعترف وأقول بيني وبين نفسي: واوو، لقد صمد النظام الملكي الهاشمي قرنا كاملا وهذه حقيقة ملموسة وواقعية وليست امرا خياليا كما يوحي عنوان هذه المقالة المستمد من رواية غبرئيل غراتسيا ماركيز المعروفة: مائة عام من الوحدة.
لست هنا بصدد تحليل أو تقييم ما حدث قبل مائة عام، فهذا ما تزخر به كتب التاريخ التي تناولتها من كونها ثورة عربية كبرى الى كونها مؤامرة عالمية كبرى. وما ادهشني هو ذلك الشبه العجيب بين تلك الثورة والثورات الراهنة التي تجرف العالم العربي والتي تناولناها بنفس المنطق: اما ثورات مجيدة واما مؤامرات عالمية خبيثة. اود هنا أن اشير الى بعض النواحي المشتركة الاخرى: من الطبيعي، بعد اربعة قرون من الاحتلال العثماني المتخلف، أن تتوق الشعوب العربية للحرية والاستقلال وتناضل من اجلها، كما هو من الطبيعي اليوم وبعد قرن أن تقوم الشعوب العربية بالتمرد على الانظمة التي لا تقل تخلفا عن الحكم العثماني.تقول الدعاية الاردنية الرسمية كما لمستها في الصحافة التي تابعتها: أن الثورة العربية الكبرى قد حررت العرب من العبودية والتبعية ولكنها نسيت أن تقول ان جا ما فعلته هو انها استبدلتها بعبودية جديدة وتبعية جديدة. هذا هو حسي رأيي السؤال الحقيقي الذي طرح قبل قرن وما زال مطروحا حاليا: هل يمكن اعتبار استبدال عبودية بعبودية اخرى وتبعية بتبعية اخرى ثورة؟وما تمخض عنها استقلال وتحرر؟ احد الاسباب الذي اطال من عمر الاحتلال التركي لاربعة قرون كان اتقانه اللعب على وتر الدين الاسلامي. فالامبراطورية العثمانية هي في نهاية المطاف دولة الخلافة الاسلامية، الا يقول الحديث: لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى؟ ولكن ما بال الانجليز والفرنسيين؟ لا اريد أن اخوض هنا في مسألة هل تآمرت الاسرة الهاشمية في ذلك الوقت مع الاستعمار الانجليزي والفرنسي وكانت على علم بوعد بلفور واتفاقية سايكس-بيكو وقبلت بهما وساهمت في تنقيذها أم انها كانت ضحية لغدر الانجليز الذين نكثوا وعودهم؟ ربما كانت الحقيقة مزيجا من الامرين. المهم كانت النتيجة واحدة: بعد اشهر معدودة طردت فرنسا الملك فيصل الاول من سوريا فنصبته انجلترا تحت رعايتها ملكا على العراق ولم تعترف باستقلاله الا في سنة حياته الاخيرة وفي عام ١٩٥٨ أصبحت المملكة الهاشمية في العراق في ذمة التاريخ. في الوقت ذاته نصبت بريطانيا عبدالله اميرا على الاردن وفقط في عام ١٩٤٦ اعترفت به ملكا بعد أن ضمنت بان يقوم بدوره حتى بعد أن تغادر المنطقة. اذن تمخضت الثورة العربية الكبرى عن استعمار مباشر لسوريا من قبل فرنسا واستعمار انجليزي مباشر في العراق والاردن مع واجهة عربية، والاسوأ من ذلك كله انها تمخضت عن تقسيم العالم العربي وضياع فلسطين.
في اليوم التالي ذهبت إلى حدائق الحسين لحضور الاحتفالات بالمئوية الاولى ل"لثورة العربية الكبرى"، ليس من باب التضامن أو من باب الرغبة في الاحتفال بل محاولة للوقوف على نبض الشارع الاردني عن قرب. عشرات الالاف توافدت من كل حدب وصوب من عمان ومن خارج عمان، اختناقات مرورية وبشرية اغلقت المنطقة لساعات طويلة. وكان واضحا ان القادمين جاؤوا بمحض ارادتهم ولم يجبرهم احد على ذلك كما كان يحدث في دول عربية اخرى في مناسبات مشابهة. التبرير المنطقي الوحيد الذي خطر على بالي هو أن الاردنيين بالمقارنة بما يرونه يحصل حولهم يشعرون بدرجة عالية من الاستقرار والامن ولم تعد تؤرقهم كثيرا مسألة أن ثمن هذا الاستقرار وهذا الامن هو التبعية للاجنبي والدوران في فلكه.
الاوضاع اليوم كما كانت قبل قرن مع فارق بسيط: قبل قرن قاتلنا محتل واستبدلناه بمحتل آخر اماواليوم فاننا نقاتل بعضنا البعض ونرحب بالمحتلين الجدد لانتهاك حرمة اوطاننا.