Wednesday, June 08, 2016

مائة عام من الثورة



مائة عام من الثورة
علي زبيدات – سخنين
كنت قبل اسبوع في زيارة خاصة لعمان عاصمة المملكة الاردنية الهاشمية. حالما غادرت الحافلة النصراوية التي نقلتنا من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية لنهر الاردن عبر جسر الشيخ حسين( بالمناسبة، لم اشعر لا بنهر ولا بجسر) ومشيت عدة خطوات باتجاه سيارة اجرة لكي تقلني إلى المكان الذي اريده، لفت نظري وجود جو غير عادي من حولي، نوع من العجقة تشمل الناس والسيارات والشوارع. يادرت السائق بالسؤال: ماذا يجري في البلد؟ فأجابني: نحتفل غدا بالذكرى المؤية للثورة العربية الكبرى. تابعت بعض الملصقات على جنبات الشوارع وعلى الحافلات والسيارات الخاصة تحت شعار: "المئوية الاولى للثورة العربية الكبرى – انتماء ووفاء" وتدعو الناس للمشاركة في احتفالات "النهضة" في حدائق الحسين. هذا بالاضافة للاعلام الاردنية التي كانت ترفرف في كل مكان تقريبا. قلت في نفسي مستغربا: الثورة العربية الكبرى؟ هل ما زال هناك احد في العالم العربي يعتبرها كذلك؟ وهل ما زال هناك احد يحتفل بها ليس كذكرى مر عليها قرن كامل من الزمن بل وكأن اوضاع اليوم استمرار طبيعي لهذه الثورة التي لم تتوقف ومن هنا تجري الاحتفالات تحت شعار النهضة؟ لقد نسيت للحظة أن النظام الملكي الاردني هو الوريث الشرعي الوحيد لهذه الثورة وبالتالي من حقه أن يحتفل بها بالشكل الذي يراه مناسبا. واضطررت أن اعترف وأقول بيني وبين نفسي: واوو، لقد صمد النظام الملكي الهاشمي قرنا كاملا وهذه حقيقة ملموسة وواقعية وليست امرا خياليا كما يوحي عنوان هذه المقالة المستمد من رواية غبرئيل غراتسيا ماركيز المعروفة: مائة عام من الوحدة.
لست هنا بصدد تحليل أو تقييم ما حدث قبل مائة عام، فهذا ما تزخر به كتب التاريخ التي تناولتها من كونها ثورة عربية كبرى الى كونها مؤامرة عالمية كبرى. وما ادهشني هو ذلك الشبه العجيب بين تلك الثورة والثورات الراهنة التي تجرف العالم العربي والتي تناولناها بنفس المنطق: اما ثورات مجيدة واما مؤامرات عالمية خبيثة. اود هنا أن اشير الى بعض النواحي المشتركة الاخرى: من الطبيعي، بعد اربعة قرون من الاحتلال العثماني المتخلف، أن تتوق الشعوب العربية للحرية والاستقلال وتناضل من اجلها، كما هو من الطبيعي اليوم وبعد قرن أن تقوم الشعوب العربية بالتمرد على الانظمة التي لا تقل تخلفا عن الحكم العثماني.تقول الدعاية الاردنية الرسمية كما لمستها في الصحافة التي تابعتها: أن الثورة العربية الكبرى قد حررت العرب من العبودية والتبعية ولكنها نسيت أن تقول ان جا ما فعلته هو انها استبدلتها بعبودية جديدة وتبعية جديدة. هذا هو حسي رأيي السؤال الحقيقي الذي طرح قبل قرن وما زال مطروحا حاليا: هل يمكن اعتبار استبدال عبودية بعبودية اخرى وتبعية بتبعية اخرى ثورة؟وما تمخض عنها استقلال وتحرر؟ احد الاسباب الذي اطال من عمر الاحتلال التركي لاربعة قرون كان اتقانه اللعب على وتر الدين الاسلامي. فالامبراطورية العثمانية هي في نهاية المطاف دولة الخلافة الاسلامية، الا يقول الحديث: لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى؟ ولكن ما بال الانجليز والفرنسيين؟ لا اريد أن اخوض هنا في مسألة هل تآمرت الاسرة الهاشمية في ذلك الوقت مع الاستعمار الانجليزي والفرنسي وكانت على علم بوعد بلفور واتفاقية سايكس-بيكو وقبلت بهما وساهمت في تنقيذها أم انها كانت ضحية لغدر الانجليز الذين نكثوا وعودهم؟ ربما كانت الحقيقة مزيجا من الامرين. المهم كانت النتيجة واحدة: بعد اشهر معدودة طردت فرنسا الملك فيصل الاول من سوريا فنصبته انجلترا تحت رعايتها ملكا على العراق ولم تعترف باستقلاله الا في سنة حياته الاخيرة وفي عام ١٩٥٨ أصبحت المملكة الهاشمية في العراق في ذمة التاريخ. في الوقت ذاته نصبت بريطانيا عبدالله اميرا على الاردن وفقط في عام ١٩٤٦ اعترفت به ملكا بعد أن ضمنت بان يقوم بدوره حتى بعد أن تغادر المنطقة. اذن تمخضت الثورة العربية الكبرى عن استعمار مباشر لسوريا من قبل فرنسا واستعمار انجليزي مباشر في العراق والاردن مع واجهة عربية، والاسوأ من ذلك كله انها تمخضت عن تقسيم العالم العربي وضياع فلسطين.
في اليوم التالي ذهبت إلى حدائق الحسين لحضور الاحتفالات بالمئوية الاولى ل"لثورة العربية الكبرى"، ليس من باب التضامن أو من باب الرغبة في الاحتفال بل محاولة للوقوف على نبض الشارع الاردني عن قرب. عشرات الالاف توافدت من كل حدب وصوب من عمان ومن خارج عمان، اختناقات مرورية وبشرية اغلقت المنطقة لساعات طويلة. وكان واضحا ان القادمين جاؤوا بمحض ارادتهم ولم يجبرهم احد على ذلك كما كان يحدث في دول عربية اخرى في مناسبات مشابهة. التبرير المنطقي الوحيد الذي خطر على بالي هو أن الاردنيين بالمقارنة بما يرونه يحصل حولهم يشعرون بدرجة عالية من الاستقرار والامن ولم تعد تؤرقهم كثيرا مسألة أن ثمن هذا الاستقرار وهذا الامن هو التبعية للاجنبي والدوران في فلكه.
الاوضاع اليوم كما كانت قبل قرن مع فارق بسيط: قبل قرن قاتلنا محتل واستبدلناه بمحتل آخر اماواليوم فاننا نقاتل بعضنا البعض ونرحب بالمحتلين الجدد لانتهاك حرمة اوطاننا.

1 comment:

Anonymous said...

الثورة العربية كذبة كبيرة لم يطرد الاتراك من بلادنا بفعل حرب تحريرية قام بها العرب. الانجليز دخلوا بلادنا قبل الثوار الهاشميين ولم يكونوا بحاجة اليهم. حسين واولاده كانوا مجرد دمى وضعها الانجليز للسيطرة على بلاد الشام والعراق. بالنسبة للاردنيين اليوم اختلف معك قليلا. لا ارى انهم يأتون الى هذه المظاهرات ويلتفون حول النظام فقط لانهم لا يريدون مصير سوريا والعراق. النظام نجح في غسيل عقولهم غبر العقود كما يفعل الكثير من الانظمة والدول. اعتقد انها هيمنة ثقافية. انظر الى فلسطينيي ال٤٨ هم ايضا يتعرضون لهيمنة ثقافية منذ ٧٠ سنة فلا يعتبرون انفسهم تحت احتلال والمستوطنات اليهودية تسمى مدن والمواطنة في اسرائيل اصبحت شعارهم وهدفهم. من المفيد اعادة قراءة غرامشي وغيره في مسالة الهيمنة الثقافية لفهم الكثير مما يجري حولنا