Wednesday, July 28, 2010

هذه اخطوات الاحتجاجية لا تكفي لوقف سياسة الهدم

هذه الخطوات الاحتجاجية لا تكفي لوقف سياسة الهدم
علي زبيدات – سخنين

أقدمت دولة إسرائيل، الدولة اليهودية الديمقراطية التي تطالبنا بالولاء لها، على اقتراف جريمة جديدة ليس فقط في حق أهالنا في قرية العراقيب بل أيضا في حق الإنسانية جمعاء، عندما قامت جرافاتها بهدم هذه القرية الصامدة التي بنيت قبل أن ترى هذه الدولة الغاصبة النور. جميع القوانين والمواثيق الدولية تقول أن هدم البيوت وتشريد سكانها الآمنين هي جريمة ضد الإنسانية يجب تقديم مقترفيها إلى المحاكمة وإنزال العقاب الرادع بهم. ولكن، بالطبع، دولة إسرائيل فوق القانون الدولي. هذه الجريمة ليست الأولى من هذا النوع التي تقترفها الدولة ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، فقد سبق ودمرت أكثر من 500 قرية فلسطينية وشردت أهلها، ولم تجد من يردعها، لا على الصعيد المحلي ولا على الصعيد الدولي.
دولة إسرائيل لم ولن تتغير فهي لا تستطيع أن تبني نفسها وتتطور إلا على أنقاض القرى والمدن العربية التي دمرتها وشردت أهلها. المصيبة الكبرى أن رد فعلنا، نحن كضحايا هذه السياسة الغاشمة لم يتغير. ما زلنا عاجزين عن تخطي موقف الاستنكار والإدانة وربما بعض الأمور الأخرى من باب تسكيت الأوجاع ومن ثم الاستكانة والخضوع للأمر الواقع.
ما حدث هو أن لجنة المتابعة، التي من المفروض أن تقود النضال ضد سياسة هدم البيوت قد دعت إلى اجتماع لأعضائها على ارض العراقيب وأصدرت سلسلة من القرارات، منها ما يبدو كقرارات جيدة وضرورية مثل إعادة بناء البيوت المدمرة ولكن تجارب الماضي تقول أن مثل هذا القرار يبقى حبر على ورق. والسعي لتوفير الدعم المادي والمعنوي، لاحظوا كلمة السعي لتوفير الدعم، ومن يضمن أن هذا السعي سوف يتمخض عن نتائج ملموسة؟ لا ضمان. وهكذا نبقى في دائرة الاستنكار والإدانة ليس إلا. ولا أدري ما هي ضرورة تشكيل لجنة خاصة تبقى في حالة استنفار وانعقاد دائم لملاحقة مثل هذه القرارات.
لقد آن الأوان أن تقوم لجنة المتابعة بكافة مركباتها السياسية والأهلية بإعادة تقييم نشاطاتها والعمل من أجل الارتقاء إلى مستوى الإحداث وتطوير جاهزيتها لمواجهة هذه الإحداث. بهذا الصدد أطرح هنا بعض الأفكار التي قد تساهم في بلوغ هذه المهمة:
1) من الواضح أن مواجهة سياسة الهدم تحظى بتعاطف ودعم أوساط واسعة من جماهيرنا ولكن هذا التعاطف وهذا الدعم لا يحظيان بالتعبير العملي عنهما. لجنة المتابعة تكتفي بتواجد بعض أعضائها القادرين على التنقل والتواجد ولا تعمل بما فيه الكفاية لتعبئة وتجنيد الجماهير. مثلا، بدل تواجد بعض الاشخاص في قرية العراقيب أثناء الهدم والذي كان معروفا مسبقا، كان من الأفضل بما لا يقاس وصول الحافلات من شتى قرانا ومدننا العربية للوقوف إلى جانب أهلنا في النقب. ليس كل واحد منا يملك الإمكانية والوسيلة التي تنقله إلى مسافات بعيدة، وعلى لجنة المتابعة تأمين مثل هذه الإمكانية وهذه والوسيلة. يجب على لجنة المتابعة ألا تكون بديلا للعمل الجماهيري بل منظما له.
2) يجب العمل على إنشاء صندوق خاص يتكفل بتعويض الأضرار وإعادة بناء البيوت المدمرة، صندوق يستطيع مواجهة الصندوق القومي اليهودي، الكيرن كييمت، الذي يلعب دورا حاسما في سياسة الهدم والاقتلاع الإسرائيلية وتهويد المكان. بعد مرور 62 عاما من الهدم والتشريد ما زلنا نتكلم عن "السعي" لتوفير الدعم المادي. على كافة الجماهير العربية أن تساهم في تمويل هذا الصندوق من كل حسب طاقته.
3) منذ سنوات ونحن نتكلم عن ضرورة طرق أبواب الهيئات الدولية ولكننا حتى الآن لم نحرك ساكنا. ما المانع للتوجه إلى محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية أو الأمم المتحدة وباقي المؤسسات المهتمة بحقوق الإنسان؟
4) الإعلام العربي متخلف في تغطية هذه الناحية أيضا. تصوروا لو أن دولة في العالم مهما كانت قامت بإخلاء عائلة يهودية من بيتها لمجرد كونها يهودية، ماذا سيحدث لهذه الدولة؟ سوف يقوم الإعلام الإسرائيلي والغربي المؤيد لها بشن حرب إعلامية عالمية عليها. أما نحن فلا يصل إعلامنا إلى أكثر من بعض المواقع الصفراء التي لا تخاطب سوانا. أين المؤسسات الإعلامية التي ترقد تحت مظلة لجنة المتابعة مثل إعلام، عدالة، مدى الكرمل وغيرها؟
5) يقول المثل: إذا أردت أن تدفن قضية معينة فأقم لها لجنة لمتابعتها. لقد أثبتت سياسة "تشكيل لجنة خاصة" لمتابعة قضايا الهدم فشلها. إننا بحاجة إلى خطة عمل مدروسة ومبرمجة حسب المعايير العلمية والعملية التي تضمن نجاحها. مشكلتنا أننا ما زلنا أسرى سياسة رد الفعل لا يوجد هناك أية بوادر للانتقال إلى العمل المخطط والمدروس.
أرجو أن تعلمنا قرية العراقيب درسا يخلصنا من أوهامنا ففي نهاية المطاف جميع قرانا ومدننا ليست بأفضل من قرية العقاريب ومصيرها ليس بأفضل من مصير قرية العقاريب.

Tuesday, July 20, 2010

خواطر حول التاريخ والإعلام والمقاومة

خواطر حول التاريخ والإعلام والمقاومة
علي زبيدات – سخنين

لقد أظهرت دولة إسرائيل في السنوات الأخيرة مقدرة خارقة على تزييف الحقائق بل وقلبها رأسا على عقب. حيث شنت حرب إبادة على قطاع غزة واقترفت جرائم حرب على مرأى ومسمع من العالم وبعد ذلك خرجت إلى هذا العالم متسربلة بقناع الضحية وكأن غزة هي التي شنت الحرب عليها.، فوجدت من يسمعها ويتبنى روايتها ويكذب كل ما رآه بأم عينه. حتى التقرير المتهاون الذي لم يذكر سوى النزر القليل من الجرائم التي اقترفتها هذه الدولة والمعروف بتقرير غولدستون، وجد طريقه إلى سلة المهملات. وفرضت حصارا على قطاع غزة يعد سابقة في التاريخ البشري من حيث فظاعته وشموله وطول مدته وخرجت مرة أخرى للعالم برواية وكأن قطاع غزة هو الذي يفرض عليها الحصار وجل ما تفعله هو الدفاع عن نفسها، وكأن للآخرين لا يوجد نفس أصلا للدفاع عنها. وها هي مؤخرا تهاجم مواطنين عزل جاؤوا على متن أسطول الحرية لتقديم بعض المساعدات الإنسانية للمحاصرين، فتترك 9 شهداء وعشرات الجرحى وتخرج للعالم مرة أخرى مولولة على صورة ضحية لا حول ولا قوة لها وكل ما فعلته لا يتعدى الدفاع المشروع عن النفس وكأن أسطول الحرية أصبح أسطول نابليون جاء لاحتلال الشرق الأوسط بكامله. وعينت لجنة خاصة لكي تثبت ذلك للعالم. هذا بالطبع بدون أن نسهب في قضية الأسير الإسرائيلي الأكثر شهرة في العالم، جلعاد شليط، الذي أصبح اسمه معروفا من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي وعلى مدار خط الاستواء وكأنه رجل مسالم أكثر من المهاتما غاندي ونلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ مجتمعين وكأن اختطافه تم بعد انتزاعه من حضن أمه بعد منتصف الليل وليس من على ظهر دبابة حربية. أما آلاف الأسرى الفلسطينيين فليسوا سوى مجرمين وأرقام في السجون الإسرائيلية.
في ظل هذه المقدرة الخارقة على تزييف وقلب الحقائق، لا أدري كيف ستكون كتابة التاريخ في المستقبل ممكنة. لا أظن إني أبالغ إذا ما قلت، أمام هذه الآلة الدعائية الهائلة، أن التاريخ وكتابته قد دخلا في أزمة خانقة وربما أصبحا من المستحيلات.
لقد أثبتت دولة إسرائيل تفوقها على العرب في جميع المجالات وخصوصا في المجال الإعلامي. فلو أخذنا قناة الجزيرة كمثل وهي وسيلة الإعلام العربية ، نرى أنها تتكلم بلغتين فما تقوله على القناة الناطقة بالعربية لا تقوله بالضرورة على القناة الناطقة بالانجليزية. وهي حفاظا على "الموضوعية" و"الحيادية" و "المهنية" تفتح أبوابها على مصراعيها أمام أبواق الدعاية الإسرائيلية. فكل خبر يتعلق بالمنطقة لا بد من اتصال مباشر بأحد المسئولين الإسرائيليين لأخذ رأيه بالموضوع. بينما في الدولة الديمقراطية الأولى في العالم وفي أكبر وأوسع وسائل الإعلام يتم فصل الصحفيين مهما كانت مرتبتهم لمجرد تصريح بسيط أو زلة لسان كما حدث مع هلين توماس وأكتافيا ناصر مؤخرا. نريد أن نرى وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تفتح أبوابها أمام المحللين والمعلقين العرب كما هو الوضع في وسائل الإعلام العربية المخترقة كغيرها من المؤسسات.
متى يرتقي الإعلام العربي إلى المستوى المطلوب؟ أتحدى أن يقف إعلامي عربي واحد ويجيب عن هذا السؤال بجرأة وصراحة.
لنعود إلى ساحتنا المحلية. في الحقيقة لم يكن هدف هذا المقال تناول وسائل الإعلام العربية بشكل عام، فهذا موضوع واسع وشائك ولا أظن أن مقالة صحفية قادرة على إيفائه حقه. لقد لفت نظري خبر على ساحتنا المحلية يجسد مأساتنا الإعلامية الخاصة. يقول الخبر: أن وفدا من لجنة متابعة قضايا الأسرى المنبثقة عن لجنة "المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل" زار وزير الأسرى في مقر وزارته في رام الله. حيث استعرض الوزير بالإسهاب الخدمات التي تقدمها وزارته للأسرى ولذويهم. بالطبع لم يذكر الأسرى الموجودين في سجون السلطة وكل جريمتهم هو مقاومة الاحتلال، وما هي الخدمات التي تقدمها لهم ولذويهم اللهم سوى نقل التقارير لأجهزة الأمن الإسرائيلية من خلال التنسيق الأمني. ولم يتطرق بالطبع للتعذيب الذي يلاقيه هؤلاء الأسرى. ولا أظن أن أحدا من أعضاء الوفد قد تجرأ على توجيه سؤال بهذا الموضوع لمعالي الوزير. قبل هذا اللقاء بفترة وجيزة قد تم تدشين جمعية جديدة تهتم بشؤون الأسرى، هي مؤسسة حريات – المؤسسة العربية من أجل الأسرى والمعتقلين بمبادرة أبناء البلد الذين كان أميناها العامين من ضمن الوفد لتنضم إلى أخواتها في هذا المجال كمؤسسة يوسف الصديق والرابطة العربية للأسرى والمحررين واللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التي وضعت نفسها تحت سقف لجنة المتابعة العليا ووزارة الأسرى. هذا بالرغم من النوايا الحسنة لبعض العاملين في هذه الجمعيات خصوصا ممن قضوا سنوات في السجون الإسرائيلية. ولكن كما يقول المثل: الطريق إلى جهنم مليئة بالنوايا الحسنة. بهذه المناسبة أريد أن أجري بعض المقارنة بين ما تفعله هذه المؤسسات مجتمعة لآلاف الأسرى الفلسطينيين وبين ما تفعله المؤسسة الإسرائيلية لأسيرها الوحيد. لا يزور إسرائيل أحد، إن كان رئيس دولة أو رئيس حكومة أو وزير خارجية أو مبعوث لأية لجنة دولية إلا ويتم إخباره عن ضرورة الإفراج عن الأسير شليط وعلى بلاده أن تبذل جهودا أكثر من أجل ذلك، وفي كثير من الحالات تكون عائلة شليط أول المتحدثين. بالمقابل: هل وزير الأسرى ورئيس حكومته ورئيس سلطته يطرحون قضية الأسرى على الضيوف الذين يحلون عليهم؟ أشك في ذلك. هل أشركوا أحد أفراد عائلة الأسرى الذين قضوا ربع قرن ونيف في هذه المقابلات؟ أجزم أن هذا الأمر لم يحصل.
منذ عشرات السنين وأنا أسمع من المسئولين على ضرورة طرح قضية الأسرى على المحافل الدولية. وفي اللقاء المذكور كرر وزير الأسرى قول ذلك. فلماذا الانتظار كل هذه السنين؟ لا أحد يدري.
ما فعلته عائلة شليط في المسيرة التي نظمتها من شمال البلاد إلى القدس على طول عدة أيام لم تستطع أن تفعله مؤسسات الأسرى مجتمعة على مدار سنوات. حيث كانت منغمسة بتنظيم المهرجانات، وفي بعض المناسبات تنظيم احتجاجات أمام بعض السجون تقتصر على ذوي الأسرى وبعض المهتمين. ماذا فعلت هذه المؤسسات لجعل قضية الأسرى قضية وطنية حقا، لتجنيد وتعبئة الجماهير الواسعة لكي تأخذ دورها في هذه المعركة. هل كثرة اللجان في هذا المجال هي من باب التعددية والتنافس أم من باب العجز والشرذمة؟ وهل هي قادرة أصلا على اجتياز أجندتها الخاصة والارتقاء بالعمل إلى المستوى المطلوب لخدمة القضية التي يتفق الجميع على أهميتها الوطنية؟

Wednesday, July 14, 2010

التضامن واجب وطني ولكن ليس في كل مكان

التضامن واجب وطني ولكن ليس في كل مكان
علي زبيدات – سخنين

عندما عاد أعضاء وفد فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948 الذين شاركوا في أسطول الحرية لكسر الحصار على غزة والذي هاجمته دولة إسرائيل بهمجية تاركة تسعة شهداء وعشرات الجرحى، استقبلوا استقبال الأبطال وكأنهم قد عادوا من معركة. وقد كانت معركة بالفعل بالرغم من تواضعها. فالمعارك ليست حصرا على المدافع والدبابات والطائرات العسكرية. المواقف الوطنية الملتزمة والدفاع عن الحقوق الإنسانية لأي شعب أو فرد والكلمات الصادقة والجريئة ضد أي عدوان هي أيضا معارك، وهي لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية بل وفي كثير من الأحيان تتفوق عليها من حيث الأهمية.
لذلك، كان من الطبيعي أن تستقبل جماهير شعبنا أعضاء الوفد العائدين بالحفاوة والترحاب وتعبر عن ذلك بزيارات التضامن لأعضاء الوفد في بيوتهم أو مكاتبهم وتنظم أمسيات التضامن الاحتفالية على طول الوطن السليب وعرضه. لقد شارك في أعمال التضامن هذه أعداد كبيرة من كافة طبقات الشعب بغض النظر عن انتماءاتها الحزبية وبرامجها السياسية. لا أبالغ إن قلت أن أسطول الحرية قد قرب بين القلوب المتنافرة أضعاف ما يمكن أن تعمله الخطابات البلاغية الداعية للوحدة والصفقات المبرمة في مواسم الانتخابات المختلفة.
وقد كان للنائبة حنين الزعبي نصيب الأسد في هذا الترحاب والتضامن. ولم يكن ذلك فقط لكونها امرأة، وهي عملة نادرة في مثل هذه المناسبات، بل أيضا لموقفها الرائع في الدفاع عن المشاركين الذين تعرضوا للعدوان الإسرائيلي وموقفها الجريء في التصدي للمعتدين وفضح ممارساتهم وهي التي لا تملك إلا قوة جسدية سياسية محدودة جدا.
وأنا شخصيا، وغيري الكثيرين، وبالرغم من خلافاتي السياسية المبدئية مع النائبة حنين الزعبي ومع حزب التجمع الذي تمثله، ساهمت بشكل متواضع في التضامن معها لما قدمته ولما مثلته في مشاركتها بأسطول الحرية.
ولكني، وأقولها بصراحة، لم أستطع التضامن معها أمام الهجمة العنصرية التي تعرضت لها من قبل زملائها في الكنيست الإسرائيلي. وأظن أن السبب الرئيسي لذلك واضح للعيان: لقد كان عليها واجب وطني، أخلاقي وإنساني أن تشارك في أسطول الحرية وتعمل على كسر الحصار الجائر على قطاع غزة، بينما وجودها في الكنيست كان بمحض إرادتها، بسبب قناعاتها السياسية. لا يوجد هناك أي واجب وطني أو أخلاقي للتواجد في الكنيست، بل كان هناك واجب حزبي نابع عن قناعات سياسية معينة هي تعتبرها صحيحة وأنا أعتبرها خاطئة.
بالنسبة لي، وربما أيضا بالنسبة لآخرين، حنين الزعبي المناضلة التي كانت تشق عباب البحر متجهة إلى غزة من على متن سفينة مرمرة هي شخص وحنين الزعبي، عضوة الكنيست التي تقارع ريفلن وميخائيلي وليفين وغيرهم من العنصرين في الكنيست هي شخص آخر. لا يستطيع أحد أن يقنعني أن التضامن الذي منح من القلب لحنين ولغيرها من المشاركين في أسطول الحرية هو نفس التضامن معها من أجل الحفاظ على بعض "الامتيازات" التي تمنحها الكنيست لأعضائها والتي يريد بعض الأعضاء سلبها منها.
المرحلة ليست مرحلة انتخابات، وهذه المقالة ليست بصدد مقاطعة الانتخابات للكنيست الإسرائيلي. والكلام عن حنين الزعبي بالذات فقط لأنها كانت عضو الكنيست الوحيد في الأسطول، ولكنه ينطبق على كافة أعضاء الكنيست العرب بغض النظر عن جنسهم وأحزابهم.
ما جرى لحنين الزعبي في الكنيست يؤكد ما كنا دوما نقوله وما زلنا نقوله: أن الكنيست الإسرائيلي هو بؤرة عنصرية لا أمل في تغييره. وقد آن الأوان للأحزاب العربية أن تستفيق من أوهامها وتكف عن الترويج لمعاركها الدونكيشوتية التي تشنها في أروقة الكنيست:
تقول حنين الزعبي في خطابها الدفاعي:" قضيتي هي الامتحان الحقيقي للديمقراطية الإسرائيلية، وتهديدكم لي هو تهديد للإمكانية الوحيدة للديمقراطية والمساواة الحقيقية بين المواطنين العرب واليهود" ألم تكن أحداث النكبة وما نجم عنها من تشريد وسلب وقتل وحصار على مدى 62 عاما امتحانا حقيقيا للديمقراطية الإسرائيلية؟
ويقول عضو الكنيست محمد بركة: " هذه كنيست كهانا، أجواء البهيمية وأخلاقيات الرعاع تسيطر عليها". ومن الذي يضربك على يديك لكي تستنشق هذه الأجواء يا رفيق؟
عتابي لحنين الزعبي ولغيرها من أعضاء الكنيست العرب ليس من باب التشفي. لا أقول لها أنك تستحقين هذه المعاملة التي سعيت إليها بنفسك ولا تلومين غير نفسك. بل أقول أن الكنيست هو آخر مكان يمكن أن يكون مسرحا لمعركة وطنية أو أخلاقية. لندع العنصريين يرقصون مع بعض على أنغامهم العنصرية.

Wednesday, July 07, 2010

كيف أصبحنا جمهورية موز

كيف أصبحنا جمهورية موز؟
علي زبيدات – سخنين

يخطئ من يعتقد أن هذا المصطلح يقتصر على دول أمريكا الوسطى الصغيرة والفقيرة المنتجة للموز فقط، بل ينطبق أيضا على دول عديدة في العالم، من ضمنها وبدرجات متفاوتة على 22 دولة عربية. تتسم جمهورية الموز (حتى ولو كانت تسمى مملكة أو مشيخة أو إمارة) بعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، بسبب وقوعها تحت حكم طبقات أو فئات صغيرة وفاسدة تشكل نظاما ديكتاتوريا رجعيا متخلفا، تتصرف وكأن البلاد مزرعة خاصة لها، تحرص على أن تبقى البنى التحتية في البلد متدنية ومتخلفة تعتمد على مصدر اقتصادي واحد، قد يكون الموز في أمريكا الوسطى وقد يكون النفط في دول الخليج. هذا بالإضافة إلى الفوارق الاقتصادية الشاسعة بين الطبقات والبون الشاسع في توزيع الثروات الوطنية. كما تعتمد في الأساس على الرأسمال الأجنبي الذي يجلب معه الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للبلد.
هذه باختصار صفات جمهورية الموز بغض النظر عن موقعها الجغرافي. ألا تنطبق هذه الصفات على كافة بلدان جامعة الدول العربية؟ لنأخذ دول الخليج على سبيل المثال للحصر: سوف تعود هذه البلدان عندما ينضب النفط إلى العصر الحجري وستتحول سيارات الكاديلاك والمرسيدس إلى أقنان للدجاج. يعيث الفساد في أوساط الزمرة الحاكمة التي تستأثر بثروات البلد مما يجعل الفوارق بين الطبقات أبعد من المسافة بين السماء والأرض. من جهة أخرى أصبحت هذه الدول مرتعا لكافة مخابرات العالم ومشاعا أمام الهيمنة الأجنبية وخصوصا الغربية والإسرائيلية. تنتشر القواعد العسكرية على طول البلاد وعرضها وتستعمل لبسط الهيمنة وشن الاعتداءات على البلدان المجاورة مقابل حماية هذه الأنظمة.
الوضع ليس أفضل بكثير في باقي الدول العربية ولكني هنا لست بصدد تناول كل دولة ودولة. سوف اقتصر الكلام على مكان احترت في تسميته: هل هو جمهورية أم هو مشيخة ؟ هل يشكل دولة أصلا؟ أم هو خليط فريد من نوعه يجب أن نبحث له عن اسم مناسب؟ حسنا، الاسم ليس مهما هنا، المقصود طبعا المناطق الفلسطينية التي تسمى مجازا: "السلطة الوطنية الفلسطينية" والتي أصبحت خلال فترة عمرها القصير نموذجا كلاسيكيا لجمهوريات الموز.
فساد الزمرة "الحاكمة" – وقد وضعت هذه الكلمة بين هلالين لأنها في الحقيقة محكومة وليست حاكمة- أصبح على كل لسان. اعتمادها الأول والأخير على الرأسمال الأجنبي إن كان ذلك من الدول المانحة أو من هبات وكالة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وبعض الدول العربية. الفوارق الطبقية بين فئة المقامرين والمتسولين من عامة الشعب فاحشة جدا. والأسوأ من كل ذلك أن هذه الزمرة تتصرف وكأن فلسطين مزرعة خاصة لها ورثتها عن أجدادها. فتتنازل هنا وتعطي هناك وتفاوض في مكان آخر وكأن الشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات غير موجود بتاتا. فهذا رئيس السلطة يخبر الوسيط الأمريكي لكي يخبر المحتل الإسرائيلي (وكأنه لا يعلم!) بأنه في حالة التوصل إلى اتفاقية سلام سيوافق على بقاء حائط البراق و"الحي اليهودي" تحت السيطرة الإسرائيلية بالإضافة إلى ضم المستوطنات فيما يسمى غوش عتصيون ومودعين عيليت وجفعات زئيف وغيرها. يقول ذلك ببساطة وكأن هذه الأماكن ملك خاص له ولعائلته جاءته بالوراثة وليست ملكا للشعب الفلسطيني. وفي مناسبة أخرى، حول مائدة عشاء ضمته مع بعض الصحفيين الإسرائيليين يقول: إننا أخطأنا في رفض قرار التقسيم. والنا هنا تعني الشعب الفلسطيني، هل فوضه أحد أن يتكلم باسمه؟ كما يفتخر أمامهم بنجاح الأجهزة الأمنية بالحفاظ على أمن إسرائيل وذلك باعتراف رئيس الشاباك يوفال ديسكن نفسه. ويؤكد أمامهم مرة أخرى بأنه لن يقبل المصالحة مع حماس إذا لم تتبنى مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق وكافة الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل. ووصلت به المجاملة، وهذه ألطف كلمة أجدها، بأن نصف الفلسطينيين على الأقل يشجعون المنتخب الأمريكي في المونديال، وأنا أتحدى أن يقف عشرة فلسطينيين يعلنون على الملأ بأنهم من مشجعي المنتخب الأمريكي.
في الوقت نفسه يرسل رئيس حكومته للقاء وزير الحرب الإسرائيلي، ويقولون لنا أن لا علاقة بين هذا اللقاء وبين المفاوضات مباشرة كانت أو غير مباشرة. هل يوجد من يصدق مثل هذا الكلام؟ أم أنهم يتبعون المثل الذي يقول: كلما كبرت الكذبة كثر من يصدقها؟
هذه هي باختصار جمهورية الموز الفلسطينية. السؤال الذي يطرح نفسه على كل فلسطيني بعد هذه السنوات الطوال من النضال والتضحيات: هل نقبل أن نكون تلك القرون المعوجة من الموز، مع الاعتذار للموز كفاكهة، في أيدي تجار الموز الفاسدين؟
لقد آن الأوان أن نقرر: هل نريد جمهورية موز أم وطنا عزيزا حرا؟