خواطر حول التاريخ والإعلام والمقاومة
علي زبيدات – سخنين
لقد أظهرت دولة إسرائيل في السنوات الأخيرة مقدرة خارقة على تزييف الحقائق بل وقلبها رأسا على عقب. حيث شنت حرب إبادة على قطاع غزة واقترفت جرائم حرب على مرأى ومسمع من العالم وبعد ذلك خرجت إلى هذا العالم متسربلة بقناع الضحية وكأن غزة هي التي شنت الحرب عليها.، فوجدت من يسمعها ويتبنى روايتها ويكذب كل ما رآه بأم عينه. حتى التقرير المتهاون الذي لم يذكر سوى النزر القليل من الجرائم التي اقترفتها هذه الدولة والمعروف بتقرير غولدستون، وجد طريقه إلى سلة المهملات. وفرضت حصارا على قطاع غزة يعد سابقة في التاريخ البشري من حيث فظاعته وشموله وطول مدته وخرجت مرة أخرى للعالم برواية وكأن قطاع غزة هو الذي يفرض عليها الحصار وجل ما تفعله هو الدفاع عن نفسها، وكأن للآخرين لا يوجد نفس أصلا للدفاع عنها. وها هي مؤخرا تهاجم مواطنين عزل جاؤوا على متن أسطول الحرية لتقديم بعض المساعدات الإنسانية للمحاصرين، فتترك 9 شهداء وعشرات الجرحى وتخرج للعالم مرة أخرى مولولة على صورة ضحية لا حول ولا قوة لها وكل ما فعلته لا يتعدى الدفاع المشروع عن النفس وكأن أسطول الحرية أصبح أسطول نابليون جاء لاحتلال الشرق الأوسط بكامله. وعينت لجنة خاصة لكي تثبت ذلك للعالم. هذا بالطبع بدون أن نسهب في قضية الأسير الإسرائيلي الأكثر شهرة في العالم، جلعاد شليط، الذي أصبح اسمه معروفا من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي وعلى مدار خط الاستواء وكأنه رجل مسالم أكثر من المهاتما غاندي ونلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ مجتمعين وكأن اختطافه تم بعد انتزاعه من حضن أمه بعد منتصف الليل وليس من على ظهر دبابة حربية. أما آلاف الأسرى الفلسطينيين فليسوا سوى مجرمين وأرقام في السجون الإسرائيلية.
في ظل هذه المقدرة الخارقة على تزييف وقلب الحقائق، لا أدري كيف ستكون كتابة التاريخ في المستقبل ممكنة. لا أظن إني أبالغ إذا ما قلت، أمام هذه الآلة الدعائية الهائلة، أن التاريخ وكتابته قد دخلا في أزمة خانقة وربما أصبحا من المستحيلات.
لقد أثبتت دولة إسرائيل تفوقها على العرب في جميع المجالات وخصوصا في المجال الإعلامي. فلو أخذنا قناة الجزيرة كمثل وهي وسيلة الإعلام العربية ، نرى أنها تتكلم بلغتين فما تقوله على القناة الناطقة بالعربية لا تقوله بالضرورة على القناة الناطقة بالانجليزية. وهي حفاظا على "الموضوعية" و"الحيادية" و "المهنية" تفتح أبوابها على مصراعيها أمام أبواق الدعاية الإسرائيلية. فكل خبر يتعلق بالمنطقة لا بد من اتصال مباشر بأحد المسئولين الإسرائيليين لأخذ رأيه بالموضوع. بينما في الدولة الديمقراطية الأولى في العالم وفي أكبر وأوسع وسائل الإعلام يتم فصل الصحفيين مهما كانت مرتبتهم لمجرد تصريح بسيط أو زلة لسان كما حدث مع هلين توماس وأكتافيا ناصر مؤخرا. نريد أن نرى وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تفتح أبوابها أمام المحللين والمعلقين العرب كما هو الوضع في وسائل الإعلام العربية المخترقة كغيرها من المؤسسات.
متى يرتقي الإعلام العربي إلى المستوى المطلوب؟ أتحدى أن يقف إعلامي عربي واحد ويجيب عن هذا السؤال بجرأة وصراحة.
لنعود إلى ساحتنا المحلية. في الحقيقة لم يكن هدف هذا المقال تناول وسائل الإعلام العربية بشكل عام، فهذا موضوع واسع وشائك ولا أظن أن مقالة صحفية قادرة على إيفائه حقه. لقد لفت نظري خبر على ساحتنا المحلية يجسد مأساتنا الإعلامية الخاصة. يقول الخبر: أن وفدا من لجنة متابعة قضايا الأسرى المنبثقة عن لجنة "المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل" زار وزير الأسرى في مقر وزارته في رام الله. حيث استعرض الوزير بالإسهاب الخدمات التي تقدمها وزارته للأسرى ولذويهم. بالطبع لم يذكر الأسرى الموجودين في سجون السلطة وكل جريمتهم هو مقاومة الاحتلال، وما هي الخدمات التي تقدمها لهم ولذويهم اللهم سوى نقل التقارير لأجهزة الأمن الإسرائيلية من خلال التنسيق الأمني. ولم يتطرق بالطبع للتعذيب الذي يلاقيه هؤلاء الأسرى. ولا أظن أن أحدا من أعضاء الوفد قد تجرأ على توجيه سؤال بهذا الموضوع لمعالي الوزير. قبل هذا اللقاء بفترة وجيزة قد تم تدشين جمعية جديدة تهتم بشؤون الأسرى، هي مؤسسة حريات – المؤسسة العربية من أجل الأسرى والمعتقلين بمبادرة أبناء البلد الذين كان أميناها العامين من ضمن الوفد لتنضم إلى أخواتها في هذا المجال كمؤسسة يوسف الصديق والرابطة العربية للأسرى والمحررين واللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التي وضعت نفسها تحت سقف لجنة المتابعة العليا ووزارة الأسرى. هذا بالرغم من النوايا الحسنة لبعض العاملين في هذه الجمعيات خصوصا ممن قضوا سنوات في السجون الإسرائيلية. ولكن كما يقول المثل: الطريق إلى جهنم مليئة بالنوايا الحسنة. بهذه المناسبة أريد أن أجري بعض المقارنة بين ما تفعله هذه المؤسسات مجتمعة لآلاف الأسرى الفلسطينيين وبين ما تفعله المؤسسة الإسرائيلية لأسيرها الوحيد. لا يزور إسرائيل أحد، إن كان رئيس دولة أو رئيس حكومة أو وزير خارجية أو مبعوث لأية لجنة دولية إلا ويتم إخباره عن ضرورة الإفراج عن الأسير شليط وعلى بلاده أن تبذل جهودا أكثر من أجل ذلك، وفي كثير من الحالات تكون عائلة شليط أول المتحدثين. بالمقابل: هل وزير الأسرى ورئيس حكومته ورئيس سلطته يطرحون قضية الأسرى على الضيوف الذين يحلون عليهم؟ أشك في ذلك. هل أشركوا أحد أفراد عائلة الأسرى الذين قضوا ربع قرن ونيف في هذه المقابلات؟ أجزم أن هذا الأمر لم يحصل.
منذ عشرات السنين وأنا أسمع من المسئولين على ضرورة طرح قضية الأسرى على المحافل الدولية. وفي اللقاء المذكور كرر وزير الأسرى قول ذلك. فلماذا الانتظار كل هذه السنين؟ لا أحد يدري.
ما فعلته عائلة شليط في المسيرة التي نظمتها من شمال البلاد إلى القدس على طول عدة أيام لم تستطع أن تفعله مؤسسات الأسرى مجتمعة على مدار سنوات. حيث كانت منغمسة بتنظيم المهرجانات، وفي بعض المناسبات تنظيم احتجاجات أمام بعض السجون تقتصر على ذوي الأسرى وبعض المهتمين. ماذا فعلت هذه المؤسسات لجعل قضية الأسرى قضية وطنية حقا، لتجنيد وتعبئة الجماهير الواسعة لكي تأخذ دورها في هذه المعركة. هل كثرة اللجان في هذا المجال هي من باب التعددية والتنافس أم من باب العجز والشرذمة؟ وهل هي قادرة أصلا على اجتياز أجندتها الخاصة والارتقاء بالعمل إلى المستوى المطلوب لخدمة القضية التي يتفق الجميع على أهميتها الوطنية؟
علي زبيدات – سخنين
لقد أظهرت دولة إسرائيل في السنوات الأخيرة مقدرة خارقة على تزييف الحقائق بل وقلبها رأسا على عقب. حيث شنت حرب إبادة على قطاع غزة واقترفت جرائم حرب على مرأى ومسمع من العالم وبعد ذلك خرجت إلى هذا العالم متسربلة بقناع الضحية وكأن غزة هي التي شنت الحرب عليها.، فوجدت من يسمعها ويتبنى روايتها ويكذب كل ما رآه بأم عينه. حتى التقرير المتهاون الذي لم يذكر سوى النزر القليل من الجرائم التي اقترفتها هذه الدولة والمعروف بتقرير غولدستون، وجد طريقه إلى سلة المهملات. وفرضت حصارا على قطاع غزة يعد سابقة في التاريخ البشري من حيث فظاعته وشموله وطول مدته وخرجت مرة أخرى للعالم برواية وكأن قطاع غزة هو الذي يفرض عليها الحصار وجل ما تفعله هو الدفاع عن نفسها، وكأن للآخرين لا يوجد نفس أصلا للدفاع عنها. وها هي مؤخرا تهاجم مواطنين عزل جاؤوا على متن أسطول الحرية لتقديم بعض المساعدات الإنسانية للمحاصرين، فتترك 9 شهداء وعشرات الجرحى وتخرج للعالم مرة أخرى مولولة على صورة ضحية لا حول ولا قوة لها وكل ما فعلته لا يتعدى الدفاع المشروع عن النفس وكأن أسطول الحرية أصبح أسطول نابليون جاء لاحتلال الشرق الأوسط بكامله. وعينت لجنة خاصة لكي تثبت ذلك للعالم. هذا بالطبع بدون أن نسهب في قضية الأسير الإسرائيلي الأكثر شهرة في العالم، جلعاد شليط، الذي أصبح اسمه معروفا من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي وعلى مدار خط الاستواء وكأنه رجل مسالم أكثر من المهاتما غاندي ونلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ مجتمعين وكأن اختطافه تم بعد انتزاعه من حضن أمه بعد منتصف الليل وليس من على ظهر دبابة حربية. أما آلاف الأسرى الفلسطينيين فليسوا سوى مجرمين وأرقام في السجون الإسرائيلية.
في ظل هذه المقدرة الخارقة على تزييف وقلب الحقائق، لا أدري كيف ستكون كتابة التاريخ في المستقبل ممكنة. لا أظن إني أبالغ إذا ما قلت، أمام هذه الآلة الدعائية الهائلة، أن التاريخ وكتابته قد دخلا في أزمة خانقة وربما أصبحا من المستحيلات.
لقد أثبتت دولة إسرائيل تفوقها على العرب في جميع المجالات وخصوصا في المجال الإعلامي. فلو أخذنا قناة الجزيرة كمثل وهي وسيلة الإعلام العربية ، نرى أنها تتكلم بلغتين فما تقوله على القناة الناطقة بالعربية لا تقوله بالضرورة على القناة الناطقة بالانجليزية. وهي حفاظا على "الموضوعية" و"الحيادية" و "المهنية" تفتح أبوابها على مصراعيها أمام أبواق الدعاية الإسرائيلية. فكل خبر يتعلق بالمنطقة لا بد من اتصال مباشر بأحد المسئولين الإسرائيليين لأخذ رأيه بالموضوع. بينما في الدولة الديمقراطية الأولى في العالم وفي أكبر وأوسع وسائل الإعلام يتم فصل الصحفيين مهما كانت مرتبتهم لمجرد تصريح بسيط أو زلة لسان كما حدث مع هلين توماس وأكتافيا ناصر مؤخرا. نريد أن نرى وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تفتح أبوابها أمام المحللين والمعلقين العرب كما هو الوضع في وسائل الإعلام العربية المخترقة كغيرها من المؤسسات.
متى يرتقي الإعلام العربي إلى المستوى المطلوب؟ أتحدى أن يقف إعلامي عربي واحد ويجيب عن هذا السؤال بجرأة وصراحة.
لنعود إلى ساحتنا المحلية. في الحقيقة لم يكن هدف هذا المقال تناول وسائل الإعلام العربية بشكل عام، فهذا موضوع واسع وشائك ولا أظن أن مقالة صحفية قادرة على إيفائه حقه. لقد لفت نظري خبر على ساحتنا المحلية يجسد مأساتنا الإعلامية الخاصة. يقول الخبر: أن وفدا من لجنة متابعة قضايا الأسرى المنبثقة عن لجنة "المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل" زار وزير الأسرى في مقر وزارته في رام الله. حيث استعرض الوزير بالإسهاب الخدمات التي تقدمها وزارته للأسرى ولذويهم. بالطبع لم يذكر الأسرى الموجودين في سجون السلطة وكل جريمتهم هو مقاومة الاحتلال، وما هي الخدمات التي تقدمها لهم ولذويهم اللهم سوى نقل التقارير لأجهزة الأمن الإسرائيلية من خلال التنسيق الأمني. ولم يتطرق بالطبع للتعذيب الذي يلاقيه هؤلاء الأسرى. ولا أظن أن أحدا من أعضاء الوفد قد تجرأ على توجيه سؤال بهذا الموضوع لمعالي الوزير. قبل هذا اللقاء بفترة وجيزة قد تم تدشين جمعية جديدة تهتم بشؤون الأسرى، هي مؤسسة حريات – المؤسسة العربية من أجل الأسرى والمعتقلين بمبادرة أبناء البلد الذين كان أميناها العامين من ضمن الوفد لتنضم إلى أخواتها في هذا المجال كمؤسسة يوسف الصديق والرابطة العربية للأسرى والمحررين واللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التي وضعت نفسها تحت سقف لجنة المتابعة العليا ووزارة الأسرى. هذا بالرغم من النوايا الحسنة لبعض العاملين في هذه الجمعيات خصوصا ممن قضوا سنوات في السجون الإسرائيلية. ولكن كما يقول المثل: الطريق إلى جهنم مليئة بالنوايا الحسنة. بهذه المناسبة أريد أن أجري بعض المقارنة بين ما تفعله هذه المؤسسات مجتمعة لآلاف الأسرى الفلسطينيين وبين ما تفعله المؤسسة الإسرائيلية لأسيرها الوحيد. لا يزور إسرائيل أحد، إن كان رئيس دولة أو رئيس حكومة أو وزير خارجية أو مبعوث لأية لجنة دولية إلا ويتم إخباره عن ضرورة الإفراج عن الأسير شليط وعلى بلاده أن تبذل جهودا أكثر من أجل ذلك، وفي كثير من الحالات تكون عائلة شليط أول المتحدثين. بالمقابل: هل وزير الأسرى ورئيس حكومته ورئيس سلطته يطرحون قضية الأسرى على الضيوف الذين يحلون عليهم؟ أشك في ذلك. هل أشركوا أحد أفراد عائلة الأسرى الذين قضوا ربع قرن ونيف في هذه المقابلات؟ أجزم أن هذا الأمر لم يحصل.
منذ عشرات السنين وأنا أسمع من المسئولين على ضرورة طرح قضية الأسرى على المحافل الدولية. وفي اللقاء المذكور كرر وزير الأسرى قول ذلك. فلماذا الانتظار كل هذه السنين؟ لا أحد يدري.
ما فعلته عائلة شليط في المسيرة التي نظمتها من شمال البلاد إلى القدس على طول عدة أيام لم تستطع أن تفعله مؤسسات الأسرى مجتمعة على مدار سنوات. حيث كانت منغمسة بتنظيم المهرجانات، وفي بعض المناسبات تنظيم احتجاجات أمام بعض السجون تقتصر على ذوي الأسرى وبعض المهتمين. ماذا فعلت هذه المؤسسات لجعل قضية الأسرى قضية وطنية حقا، لتجنيد وتعبئة الجماهير الواسعة لكي تأخذ دورها في هذه المعركة. هل كثرة اللجان في هذا المجال هي من باب التعددية والتنافس أم من باب العجز والشرذمة؟ وهل هي قادرة أصلا على اجتياز أجندتها الخاصة والارتقاء بالعمل إلى المستوى المطلوب لخدمة القضية التي يتفق الجميع على أهميتها الوطنية؟
No comments:
Post a Comment