Thursday, March 30, 2017

خواطر وذكريات من يوم الارض

خواطر وذكريات من يوم الأرض
علي زبيدات - سخنين

عند قراءة هذه السطور تكون الذكرى ال41 ليوم الأرض قد ولت، فهي إذن لن تؤثر سلبا أو إيجابا على مجريات الأمور. ولم يكن القصد منها أصلا أن تؤثر على أية مجريات. جرت العادة، في السنوات الأخيرة، أن أكتب قبيل حلول يوم الارض مقالا انتقد فيه ما آلت إليه هذه الذكرى وكنت كثيرا ما اتساءل: ماذا تبقى من يوم الأرض سوى المسيرة التقليدية المركزية في إحدى قرى يوم الأرض والتي تضمحل كل سنة لكي تنتهي بمهرجان خطابي يتكرر كل سنة ليس من حيث المحتوى فحسب بل لفظيا أيضا، وبعض المسيرات المحلية التقليدية أيضا في بعض القرى وبعض النشاطات الحزبية المحلية. في هذه السنة تنبهت إلى حقيقة ادهشتني وهي أن إحياء الذكرى ليس وحده أصبح روتينيا ومملا  بل نقدي هو الآخر أصبح روتينيا ومملا. بل أكثر من ذلك فقد وجدت أن صفحات التواصل الاجتماعي تعج بالانتقادات لما آلت اليه ذكرى يوم الأرض بروح الانتقادات التي كنت اكتبها سابقا وهي بدورها أصبحت روتينية ومملة. وشعرت أننا جميعا في ورطة. فقد تبين اننا كلنا تقريبا في النهاية غير راضين عما حدث لذكرى يوم الأرض ولكن كلنا ساهم من موقعه في بلورة هذه الذكرى حتى أخذت شكلها الحالي.
لذلك قررت هذه السنة وعلى غير المعتاد ألا أكتب مقالا نقديا بل أكتب عن بعض الخواطر والذكريات الشخصية من يوم الارض في سنواته الأولى.
لم يحصل لي شرف المشاركة في أحداث يوم الأرض الأول عام 1976 وذلك لاني كنت اقبع في أحد السجون الاسرائيلية كأسير سياسي أمضى عقوبة من ست سنوات. أذكر أن جميع الأسرى السياسيين من كافة التنظيمات قد شاركوا بالاضراب العام الذي دعت اليه لجنة الدفاع عن الأراضي على طريقتهم الخاصة. كان الإضراب داخل السجن يعني في الأساس الاعتكاف داخل الغرف والامتناع عن الخروج للنزهة اليومية المحددة لمدة  ساعة إلى ساحة السجن المغلقة من كافة نواحيها والتي كان الأسرى ينتظرونها بفارغ الصبر، وعقد جلسات تثقيفية على مستوى التنظيمات في كل غرفة. في تلك الفترة كانت وسائل الاتصال مع خارج السجن شبه معدومة، كان مسموحا لنا أن نرى نشرة الاخبار المسائية على التلفزيون الاسرائيلي وبسبب الإضراب منعنا من ذلك، وكانت تصل للقسم جريدة بالعبرية منعت هي الأخرى.  لذلك لم نعلم التفاصيل عن المواجهات والشهداء والجرحى والمعتقلين إلا في مرحلة متأخرة. ولكن الاجواء النضالية ليوم الأرض كانت مسيطرة في كافة الزنازين وجرفت حماس وفخر كافة الأسرى الذين شعروا بأنهم شاركوا فعلا في احداث يوم الارض . في السنوات التالية كان الأسرى في السجون يحيون ذكرى يوم الأرض بالإضراب أي بالامتناع عن الخروج للتنزه اليومية وفي بعض الأحيان الامتناع عن تناول الطعام ليوم واحد وتنظيم ندوات سياسية على مستوى الغرف أو التنظيمات ومتابعة إحياء الذكرى في الخارج.
كان علي أن أنتظر خمس سنوات لكي اشارك فعليا للمرة الأولى في إحياء ذكرى يوم الأرض. كان يوم الارض قد بدأ يفقد الكثير من زخمه النضالي ولكن روحه النضالية كانت لا تزال تنبض بقوة. كانت المسيرة التقليدية قد فرضت نفسها ولكن إلى جانبها كان الشباب يخرجون إلى الشوارع ويغلقون بعضها بالحجارة ويحرقون الإطارات وكانت الشرطة تلاحق الناشطين أياما وفي بعض الأحيان أسبوعا قبل أن تحل الذكرى وتعتقلهم. وفي بعض الأماكن كانت تحصل مواجهات بين الشرطة والشباب ليس بمستوى أحداث يوم الأرض الأول ولكن كانت كافية لإغلاق مداخل البلد. وكان الشباب يتسلحون بالإضافة للحجارة برؤوس البصل حيث كانت الغازات المسيلة للدموع ترافق كل يوم ذكرى. وكان لي الشرف أن أكون من ضمن هذا المشهد حيث تعرضت للملاحقة والاعتقال والإقامة الجبرية وفي احد ايام الارض الصاخبة في سخنين سجنت لفترة سنة كاملة. ولكن كانت هذه الأجواء تتراجع بخطوات سريعة حتى انتهت تماما بعد حوالي عشر سنوات من يوم الارض الاول. يبدو أن لجنة المتابعة ولجنة رؤساء السلطات المحلية قد توصلت إلى اتفاق مع الشرطة تبقى بموجبه خارج القرى على أن تقوم هي  بالحفاظ على النظام في المسيرات. وهكذا أخذ المنظمون المحليون دور الشرطة بمنع الشباب من التجمهر في الشوارع ومنعهم من إغلاق المفارق وحرق الإطارات، بالمقابل كانت الشرطة تتمركز خارج القرى واكتفت بأن تقوم من حين لآخر بعرقلة وصول المشاركين من القرى الأخرى إلى المسيرة المركزية.
وهكذا أصبحت ذكرى يوم الأرض نضالية على الورق وفي الخطابات البيانات و تقليدية ومحافظة ومملة على أرض الواقع. وهكذا تقلص عدد المشاركين في المسيرات وكثير منهم يشاركون بسبب التزامهم الذاتي والحنين الى الماضي النضالي ليوم الأرض. الاستثناء الوحيد كان يوم الارض سنة 2000 بسبب المعسكر على مدخل سخنين الغربي حيث تمت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الشرطة أسفرت عن استشهاد الشهيدة شيخة ابو صالح واعتقال العشرات وتقديمهم للمحاكمة، يوم الأرض هذا في ذكراه ال24 كان المقدمة الذي شحذ الهمم في هبة  القدس والأقصى في أكتوبر من العام نفسه. ولكن هذا موضوع آخر قائم بذاته.
الكل يتفق أن واقع جماهيرنا اليوم لا يقل سوءا عن الواقع في يوم الارض الاول بل اشد سوءا، ولكن من جهة اخرى الكل تقريبا يحاول جاهدا ألا تكرر أحداث يوم الأرض الأول.

بعد 41 سنة تضعنا قضية الأرض أمام خيارين: مسيرة تقليدية لتنتهي بمهرجان خطابي ساخن ولكن خضوع فعلي كامل للسياسة الحكومية  أو مسيرة نضالية لا تهاب المواجهات والاعتقالات واستنشاق الغاز المسيل للدموع وهذا يبقى ثمنا رخيصا لإنقاذ ما تبقى من الأرض.

Thursday, March 23, 2017

من فاروق إلى عبدالله

من فاروق إلى عبدالله
علي زبيدات - سخنين


المقصود لمن ما زال يتذكر فاروق ملك مصر الأخير. أما عبدالله فهو عبدالله الثاني ملك الأردن الحالي. ما هو مشترك بينهما وما الذي جمعهما هنا؟  الاول قد ترأس مؤتمر القمة الأول عام 1946 في السنة الثانية بعد تأسيس جامعة الدول العربية أما الثاني فسوف يترأس مؤتمر القمة الأخير المزمع عقده في هذه الأيام في الاردن. في مؤتمر القمة الأول كان عدد الدول العربية المشاركة سبع دول وهي الدول المؤسسة للجامعة (بمساعدة بريطانيا العظمى)، أما اليوم فقد أصبح لدينا ما شاء الله 22 دولة عربية. بين مؤتمر القمة الأول ومؤتمر القمة الأخير يفصل 33 مؤتمر قمة جمع الملوك والرؤساء والأمراء العرب.
السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو بالطبع: ماذا حققت كل هذه المؤتمرات وما هي انجازاتها؟ الجواب  بالمختصر المفيد: صفر = صفر.
قد تستغربون إذا علمتم بأن المواضيع التي ناقشها المؤتمرون هي نفسها تقريبا في كافة مؤتمرات القمة وعلى رأسها قضية فلسطين بالرغم من القرارت المتباينة وفي بعض الأحيان المتناقضة مثلا بين قمة الخرطوم بعد هزيمة حزيران عام 1967 ولاءاتها الثلاثة: لا اعتراف ولا مفاوضات ولا صلح مع إسرائيل وبين مؤتمر بيروت عام عام 2002 في أعقاب سحق الانتفاضة الثانية ومحاصرة ياسر عرفات في المقاطعة حيث أطلق المؤتمرون "لمبادرة السلام العربية" التي ألقت بها إسرائيل في سلة المهملات وبين المؤتمر القادم الذي كما هو متوقع سوف يستجدي أمريكا وإسرائيل عدم التخلي عن حل الدولتين. كما هو واضح تغيرت القرارات ولكن النتيجة بقيت ثابتة.
موضوع آخر ملازم لكافة مؤتمرات القمة هو: "التعاون والتشاور والعمل يدا واحدة" بين الدول العربية أو كما تمت صياغته قبيل انعقاد المؤتمر الحالي:"توحيد الصف العربي". من نافل القول أن جامعة الدول العربية ومؤتمرات القمة المنبثقة عنها لم تعمل شيئا يذكر من أجل التعاون فيما بينها اللهم إذا اعتبرنا سياسة المعسكرات والتحالفات بين بعض الدول ضد دول أخرى "شقيقة" تعاونا.
لا ادري اذا كان عقد مؤتمر القمة على شاطئ البحر الميت وهو النقطة الأكثر انخفاضا في العالم جاء بمحض الصدفة أم أنه يرمز إلى مدى الانحطاط الذي وصل إليه مؤتمر القمة. أولا، بوجود الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي يعد أسوأ أمين عام عرفته الجامعة، وهذا لا يعني أن من سبقوه كانوا افضل منه بكثير، يكفي أن نتذكر تاريخه في السنوات الاخيرة حيث اعلنت تسيبي ليفني الحرب على غزة من القاهرة وهو يمسك بيدها وبعد الحرب هدد بقطع أرجل كل فلسطيني يحاول عبور الحدود المصرية، وثانيا بوجود الملوك والرؤساء العرب الذين وصلوا إلى نقطة انخفاض أضعاف انخفاض البحر الميت.
احدى النقاط الاساسية التي سوف توضع أمام المؤتمر هي إنهاء النزاعات في بعض البلدان العربية وخصوصا في سوريا ، العراق، اليمن وليبيا. لا أدري كيف سيتم ذلك خلال يومين أو ثلاثة وهم من خلقوا هذه النزاعات خلال أعوام من العمل الدؤوب بالتواطؤ مع قوى إقليمية ودولية أخرى.. للتذكير فقط معظم الملوك والرؤساء العرب المجتمعين وقفوا إلى جانب أمريكا في احتلال وتدمير العراق وإلى جانب حلف الناتو في تدمير ليبيا وها هم يشاركون في تدمير سوريا اما من خلال دعم الحركات التكفيرية أو دعم النظام الاستبدادي وإما من خلال التبعية لاحدى القوى الإقليمية أو الدولية.
نقطة أخرى ذكرتها سابقا هي كيفية التعامل مع مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة ومن المتوقع استجداء دونالد ترامب الا يتخلى عن حل الدولتين ولعب دور الوسيط ومناشدته عدم نقل السفارة الأمريكية للقدس وربما الطلب منه بإعادة النظر بمنع رعايا سبع دول عربية دخول أمريكا.
اما بالنسبة لقيام مؤتمر القمة بتنقية الأجواء في العالم العربي  وإلغاء التأشيرات وفتح الحدود والتعاون الاقتصادي والثقافي و التقدم ولو خطوة واحدة في توحيد الشعوب العربية و اللحاق بقافلة الحضارة فكفك عالضيعة.
وأخيرا وليس آخرا لا يضر أحد استذكار قصيدة مظفر النواب:
قمم قمم
معزى على غنم
جلالة الكبش
على سمو نعجة
على حمار بالقدم
وتبدأ الجلسة ….. إلى آخر القصيدة.

Thursday, March 02, 2017

روبوت أيوب قرا وهلوسات أخرى

روبوت أيوب قرا وهلوسات أخرى
علي زبيدات - سخنين

لست شريكا في السخرية من الوزير "العربي" بدون حقيبة في الحكومة الإسرائيلية، أيوب قرا، على تصريحاته حول الروبوت الخارق الذي سوف تستعمله دولة إسرائيل في تصفية قادة المقاومة في حزب الله وحماس. روبوت القرا متطور أكثر من التيرميناتور في أفلام أرنولد شفارتزينغر التي قد تكون الوحي والخلفية لأقواله. فهو مصنوع من مادة خاصة لا يمكن تدميره ولا يتأثر بأي سلاح يوجه إليه، يقاتل فوق الارض وتحت الارض وفي الإنفاق، يتعرف على هدفه عن بعد ولا يعود الا بعد انجاز مهمته. وبذلك لن يكون هناك بعد الآن حاجة لجنود يعبرون الحدود ويعرضون أنفسهم للخطر.
قلت لست شريكا في السخرية من هذه التصريحات التي سخر منها كل من نقل الخبر بما في ذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها ومن ضمنها  الصحيفة التي أجرت معه المقابلة، هذا ناهيك عن وسائل الإعلام العربية والعالمية. وعدم سخريتي من الوزير، وأنا أعترف بذلك لأول مرة على رؤوس الأشهاد، نابع من أنني مثله أمارس أحيانا مثل هذه الهلوسات. صحيح أنا لست وزيرا ولست مشهورا ولا أحد يهتم بهلواساتي وينشرها ذات اليمين وذات الشمال ولكني أتفهمه واتفهم ضرورة إطلاق العنان للخيال حتى يصل إلى حد الهلوسة ويتساءل الناس: ماهو نوع المخدر الذي استعمله؟.
مثلا، في الآونة الأخيرة، راودتني أفكار لا تختلف كثيرا عن أفكار القرا وهي أيضا من وحي وعلى خلفية بعض الأفلام من الخيال العلمي، مع بعض الاختلافات البسيطة إذ لم يعلمني بها شمعون بيرس قبل موته ولا ادري اذا كانت هناك معاهد أبحاث اسرائيلية وامريكية تقوم بدراستها وتطويرها. تخيلت أنني أملك قوة خارقة استطيع من خلالها السيطرة التامة على الأشخاص والتحكم بهم من بعد ومن ثم أمرهم بتنفيذ ما أمليه عليهم بعد أن سلب إرادتهم بشكل مطلق، أي يصبحون مثل روبوت القرا. وعندما تجتمع الحكومة الإسرائيلية بكامل أعضائها في جلستها الاسبوعية، أقوم بالسيطرة على عقول الحراس وآمرهم باطلاق النار على جميع الوزراء للتخلص من هذه الحكومة مرة واحدة وإلى الأبد. مرة أخرى فكرت في تغيير السيناريو: بدل السيطرة على عقول الحراس لماذا لا اسيطر على عقل رئيس الحكومة وعقول كبار الوزراء وأحولهم من صقور جارحة إلى حمائم سلام وديعة؟ وبعد انتهاء الجلسة يقوم رئيس الحكومة نتنياهو بإلقاء خطاب تاريخي موجها إلى الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء بهذا الروح: "أيها الفلسطينيون الاعزاء، أعلم أن المشروع الصهيوني قد قام على أنقاض وطنكم وبيوتكم واننا سببنا لكم ظلما تاريخيا بتشريدكم والاستيلاء على اراضيكم ومن هنا أقدم الاعتذار على جميع الجرائم التي اقترفناها في حقكم. لقد آن الأوان تصحيح هذا الظلم التاريخي فهيا قوموا فورا بالعودة إلى مدنكم و قراكم ودعونا نعيش معكم ليس كمحتلين أو مستوطنين بل كمواطنين. وايها الإسرائيليون هذه ليست أرضكم وما عليكم إلا أن تطلبوا من اصحاب الارض العيش هنا بسلام ومساواة وإلا عودوا من حيث جئتم". بعد هذا الخطاب يعم التصفيق من باقي الوزراء الذين تمت السيطرة على عقولهم.
مما لا شك فيه أن أيوب القرا قد أفاق من هلوساته بعد الانتهاء من المقابلة معه كما أفقت أنا أيضا من هلوساتي. أكاد أجزم أن لكل واحد فينا هلوساته الخاصة به، وإذا كانت هذه الكلمة ثقيلة بعض الشيء فلا مانع لدي من استعمال كلمة خيال، فنتازيا، أوهام.
ألم يقل اسحق رابين قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو بفترة قصيرة بأن يتمنى أن يصحو ويجد البحر قد ابتلع غزة؟ وأكاد أراه مستلقيا على سريره مغمض العينين قبل النوم، مستغرقا في خياله يرى البحر ينقض على غزة. وكان أول ما يفعله عندما يصحو الاتصال بضباط جيشه في غزة لعلهم يزفون إليه نبأ غرقها ولكنه يسمع فقط الأنباء عن قصف مستعمراته هناك.
قد تنبع التخيلات بكافة درجاتها حتى الأوهام والهلوسات من حالة إحباط أو يأس أو ضعف أو شعور بالعجز وقد تكون حالة مرضية مزمنة كما هي عند الوزير ايوب قرا. ولكنها قد تكون حالة إيجابية تساعد على الصمود والحفاظ على معنويات عالية وتمنح الجماهير المسحوقة أملا وشعورا بالتفاؤل الثوري.
قد يكون الخيال هروبا من الواقع وهذا أمر سلبي ومرفوض. ولكنه قد يكون تمردا على الواقع وأداة لتغيره إلى واقع أفضل وهذا ما نحتاج إليه.