Wednesday, June 29, 2011

من نقد الأنظمة إلى نقد الثورات

من نقد الأنظمة إلى نقد الثورات
علي زبيدات – سخنين

منذ أن وعينا على هذه الدنيا ونحن ننتقد الأنظمة العربية ونحملها مسئولية تخلف الشعوب العربية عن ركب الحضارة ونحملها كل ما هو سلبي في مجتمعاتنا العربية في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة. أنا شخصيا توصلت منذ زمن طويل إلى نتيجة مفادها أن الأنظمة العربية ذات جوهر واحد بغض النظر عن تسميتها لنفسها: ملكية أم جمهورية، متطرفة أو معتدلة، دينية أو علمانية، رأسمالية أم اشتراكية، دولة رفض أو قبول، إلى ما هنالك من تصنيفات. جميعها تشكل حالة تخلف بنيوي وحضاري في المنطقة. وبالتالي فإن جميع هذه الأنظمة تستحق السقوط أو الإسقاط.
لا أستطيع أن أتصور نفسي في موقع المدافع عن هذا النظام أو ذاك مهما كانت الظروف ومهما كانت التبريرات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، بعد مرور أكثر من نصف سنة على هبوب رياح التغيير والثورة على العالم العربي من المحيط إلى الخليج، هو: هل هذه الثورات هي البديل التاريخي الأفضل لهذه الأنظمة؟
بالرغم من قصر الفترة الثورية في العالم العربي إلا أن المحللين والدارسين لها قد سارعوا إلى تصنيفها إلى صنفين رئيسيين: الأول، ثورات نجحت في إسقاط النظام وتحقيق معظم مطالبها أو البدء في تحقيقها على الأقل وهي تونس ومصر. والثاني ثورات تعثرت فيها الثورة بشكل أو آخر وما زال الصراع دائرا لم يحسم بعد كما في ليبيا، اليمن، البحرين وسوريا.
المقصود من هذه المقالة ليس الحكم على هذه الثورة أو تلك بالفشل أو النجاح، وحتى ليس تقييما لهذه الثورات من منطلق الانجازات التي حققتها أو الإخفاقات التي كانت من نصيبها، بل هي مجرد ملاحظات نقدية قد يتقبلها البعض وقد يرفضها آخرون. ولكن سلاح النقد يبقى ضروريا ولا بد منه من أجل دفع عجلة النضال الثوري إلى الأمام.
حسب رأيي، كانت انجازات الثورة في البلدان التي انتصرت فيها أي في تونس ومصر متواضعة جدا. وذلك لأسباب عديدة لا مجال لسردها وتفصيلها هنا ولكني سوف أتوقف عند عاملين على غاية الأهمية تم تجاهلهما من قبل جميع المحللين والدارسين عن قصد أو عن غير قصد.
الأول: غياب الثورة الثقافية الفكرية. في أوروبا مثلا، لو لم تسبق الثورة السياسية التي نقلت القارة من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة ثورة ثقافية فكرية حطمت القيود التي فرضتها الأفكار الكنسية المتحجرة البالية، لما استطاعت الثورة السياسية الانتصار وإن انتصرت لأخفقت في تحقيق تحولات جذرية عميقة في مجتمعاتها. في أوروبا سمي ذلك عصر التنوير ابتداء من عيمانوئيل كانت، مرورا بجان جاك روسو وفولتير وهيغل وحتى ماركس وباقي المفكرين العمالقة. الثورات العربية جرت، تحت وطأة الاستبداد السياسي والركود الاقتصادي والفساد الإداري فحسب، ولكن بمفاهيم وأفكار قديمة وفي أغلب الأحيان عقيمة. الأحزاب السياسية التي من المفروض أن تقود النضال الثوري كانت هامشية أو شكلت دعامة للنظام البائد. لذلك بعد سقوط النظام تسارعت الخطوات لتحويل الثورة إلى نظام. وكانت التحولات الجذرية متواضعة وسطحية برزت في أفضل الحالات في التخلص من رموز النظام السابق ومحاكمة بعضهم. لو كانت هناك تحولات ثورية في الثقافة والفكر لمهدت الطريق أمام الثورة السياسية ولدفعت التحولات السياسية والاجتماعية إلى المزيد من التحولات الجذرية. لا يستطيع جيل الثورة أن ينتصر على النظام القائم بواسطة استخدام أفكار النظام القائم.
العامل الثاني هو التخلف الصناعي والاقتصادي للبلدان العربية: مرة أخرى نلجأ إلى أوروبا كنموذج: بالإضافة للثورة الفكرية، سبقت الثورة السياسية ثورة صناعية دكت أسس النظام الإقطاعي المنهار مما جعل الثورة السياسية حتمية تاريخية. وقد جرت محاولات لتحقيق الثورة الصناعية بعد انتصار الثورة السياسية ولكنها فشلت، وأكبر مثال على ذلك فشل الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي السابق. حيث كان العامل الاقتصادي نقطة ضعف في هذه الثورة حتى زوالها بعد سبعين عاما من الثورة. العالم العربي بالرغم من الغنى الفاحش لبعض أجزائه بالنفط والأموال ومواد الخام، حافظ على تخلفه الاقتصادي وخصوصا الصناعي. كان النظام الإقطاعي سائدا حتى في البلدان التي لم تعرف الزراعة كدول الخليج التي أقامت ما أسميه بنظام الإقطاع المالي. في هذه الأيام، لا يمكن الحديث عن تقدم حضاري بدون الحديث عن ثورة صناعية. العالم العربي هو من حيث الأساس عالم مستهلك وليس عالما منتجا.
يجب العمل على إنقاذ الثورة في تونس ومصر من أن تتحولا بسرعة إلى نظام وبالتالي إلى ضرورة اللجوء إلى ثورة جديدة.
قلت في مناسبات عديدة أن الثورة تقاس بمقياسين، الأول: درجة التحولات الجذرية التي تحدثه في المجتمع في كافة المجالات. والثاني درجة عدائها للنظام الامبريالي العالمي. من هذا المنطلق لا نستطيع أن نصف المعارضة الليبية المتحالفة مع القوة الامبريالية بالثورة. ومن هذا المنطلق أيضا لا يمكن أن نعتبر السلطة الفلسطينية التي تلهث وراء الحلول الأمريكية سلطة ثورية أو وطنية. ومن هذا المنطلق نحذر من خطورة انزلاق المعارضة السورية للتحالف مع القوى الامبريالية. الشعب الذي لا يستطيع انتزاع حريته بالاعتماد على قواه الذاتية وعلى أبنائه فهو لا يستحق الحرية. بطش النظام لا يبرر اللجوء إلى قوى أجنبية دخيلة مهما كانت التسميات. من أجل إنقاذ الثورة في تونس وفي مصر ومن أجل انتصار الثورة في باقي البلدان العربية ينبغي المحافظة على نقاء الثورة وتنظيفها من الشوائب العالقة، الاستمرار بها وتعميقها وتوسيعها حتى تشمل كافة المجالات وأن تصعد العداء للنظام الامبريالي العالمي لأنه الداعم الأول للنظام المحلي الرجعي.

Wednesday, June 22, 2011

مافي مرمرة" ولكن يوجد مرارة"

مافي مرمرة" ولكن يوجد مرارة

علي زبيدات – سخنين

قد لا تكون هناك علاقة لغوية بين كلمة "مرمرة" التركية وبين كلمة مرارة العربية ولكن من غير شك يوجد هناك علاقة سياسية وأخلاقية قوية بينهما تصل إلى حد التطابق. كنت قد كتبت قبل سنة عندما كانت تهب على المنطقة تسونامي تركيا وصلت عند البعض إلى درجة الهلوسة، حيث تكلم هذا البعض عن عودة الخلافة الإسلامية وأن الطريق إلى القدس تمر في أنقرة، كتبت أنه يجب علينا أن نتريث قليلا، وألا نطفو على شبر من الماء. فتركيا ما زالت عضوا فعالا في حلف الناتو وسياستها الخارجية في نهاية المطاف تخدم المصالح الامبريالية الغربية وعلاقتها بأمريكا وإسرائيل أعمق من أن تؤثر عليها حادثة "مافي مرمرة". وكان كلامي هذا حينذاك نوع من أنواع الكفر خصوصا على ضوء انحطاط الموقف العربي.
هذا الأسبوع أعلنت مؤسسة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية ( IHH) أنها لن تشارك بسفينة "مافي مرمرة" في أسطول الحرية الثاني وبذلك طعنت ظهرها وظهر باقي المنظمين من الخلف. وأوردت أعذار كانت جميعها أقبح من ذنوب فتارة تحججت في الأوضاع غير المستقرة على الحدود التركية – السورية وطورا آخرا تحججت بأسباب فنية. ونفت الحقيقة الواضحة الوحيدة التي يراها العالم أجمع وهي الخضوع لضغوط الحكومة التركية التي رضخت بدورها للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية.
لا أريد أن أفاخر بأن الموقف الذي عبرت عنه قبل عام اثبت صحته، وفي الوقت نفسه لا أريد أن اشمت بالذين ظنوا أن أردوغان هو صلاح الدين هذا العصر وأن النظام التركي قد أصبح نموذجا مثاليا على الأنظمة العربية أن تحتذي به. ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال طمس الحقيقة مهما بلغت مرارتها.
اعتبر الشعب الفلسطيني، بمعظم أطيافه السياسية، شهداء أسطول الحرية التسعة شهداء للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية قبل أن يكونوا شهداء لتركيا، وهذه حقيقة. إلا أن الحكومة التركية ومؤسسة الإغاثة التركية قد قدموا هذه الحقيقة قربانا على مذبح مصالحهم الضيقة مع أمريكا وإسرائيل. فكان القرار التركي أولا وقبل كل شيء غدرا بشهداء أسطول الحرية قبل أن يكون غدرا بقطاع غزة المحاصر. وفي الحقيقة لم أتوقع مثل هذا الموقف التركي المخزي خصوصا على ضوء تعنت الحكومة الإسرائيلية الذي رفضت حتى تقديم الاعتذار للحكومة التركية وأكثر من ذلك، في أعقاب تبني الأمم المتحدة نفسها للرواية الإسرائيلية وتبرئة الجيش الإسرائيلي من جرائمه بحجة الدفاع عن النفس وبأن سياسة حصار قطاع غزة لا تتعارض مع القانون الدولي. كنت أتوقع في ظل هذه العنجهية الإسرائيلية أن تكون المشاركة التركية المكثفة في أسطول الحرية الثاني هي الرد الحازم. ولكن يبدو أن وراء الأكمة يوجد ما وراءها. وإلا لماذا أعلنت تركيا عن موقفها فقط بعد الانتخابات التركية التي حقق فيها حزب أردوغان النصر؟ وما هي حقيقة وطبيعة المحادثات الإسرائيلية – التركية السرية والعلنية للمصالحة؟ وبماذا وعدت الإدارة الأمريكية الحكومة التركية؟
أنا شخصيا لا أتوقع خيرا كثيرا من السياسة التركية. العكس هو الصحيح: تركيا ما زالت أسيرة النظام العالمي الامبريالي – الصهيوني وما زالت أداة يستعملها هذا النظام لفرض هيمنته على العالم العربي، وإلا كيف نفسر وقوفها إلى جانب حلف الناتو في ضرب ليبيا؟ هل هي حقا لحماية المدنيين الليبيين من بطش القذافي؟ وما هو دورها الحقيقي بما يجري في سوريا الآن؟ هل هو دعم لمطالب الشعب السوري في الحرية أم هي رأس الحربة في التدخل الأجنبي؟
رأيي المتواضع يقول أن تركيا ما دامت عضوا ناشطا في حلف الناتو وتحتضن القواعد العسكرية الأمريكية التي تهدد أمن واستقلال المنطقة، وما دامت علاقتها حميمة مع إسرائيل بالرغم من التوترات الكلامية الأخيرة، وما دامت الأراضي التركية مشاعا أمام الموساد الإسرائيلي لغزو سوريا والعراق فإنها لا تستطيع أن تلعب دورا ايجابيا بناء في المنطقة.
تركيا، مثلها مثل باقي البلدان العربية، أحوج ما تكون إلى ثورة حقيقية. الديمقراطية التركية التي يتغنى فيها البعض ويعتبرها نموذجا لنظام إسلامي متنور ومعتدل، هي ديمقراطية مشوهة ومحدودة الضمان. لأنه لا يوجد هناك ديمقراطية حقيقية في ظل التبعية.
الحصار على قطاع غزة سوف يسقط عاجلا أم آجلا، بالرغم من تكالب ما يسمى بالمجتمع الدولي والعالم الحر والشرعية الدولية وتواطؤ الأنظمة العربية المخزي. وهو لن يسقط على يد أسطول الحرية هذا أم ذاك، بالرغم من كل التقدير والاحترام لكل من يشارك فيها معرضا نفسه للخطر، ولكنه سوف يسقط على يد الشعوب العربية بعد أن تنجز ثوراتها وتنال حريتها.
وأخيرا، في هذه المناسبة لا بد من التطرق إلى زعامات الأحزاب العربية المنطوية تحت كنف لجنة المتابعة العليا، الذين تركهم التراجع التركي كالأيتام وحرمهم من لعب دور البطولة وتوجيه السؤال التالي لهم: متى سوف تبدؤون بالتفكير في تنظيم أسطولا بريا لكسر الحصار عن قطاع غزة؟

Wednesday, June 15, 2011

التطبيع الوطني

التطبيع الوطني
علي زبيدات – سخنين

للوهلة الأولى يبدو هذا العنوان غريبا، إذ كيف يمكن أن يكون التطبيع وطنيا؟ ونحن متفقون جميعا على وجود تناقض مباشر بين التطبيع والوطنية، بين الموقف التطبيعي مع الكيان الصهيوني وبين الموقف الوطني المقاوم. لا أنكر وجود غرابة صارخة في تزاوج هذين المصطلحين. ربما نقف أمام ضرورة إعادة النظر في مفهوم التطبيع ومفهوم الوطنية.
أذكر أنه في بداية سنوات الثمانين كان النقاش ما زال حاميا على الساحتين الفلسطينية والعربية إزاء الموقف من اتفاقيات كامب ديفيد ومن نظام السادات الذي وقع على هذه الاتفاقيات. وكان الموقف الوطني الذي لا غبار عليه في ذلك الوقت هو رفض هذه الاتفاقيات جملة وتفصيلا ومقاطعة النظام المصري الذي نعت بأبشع صفات العمالة والاستسلام والتفريط. على هذه الخلفية تشكلت جبهة الرفض العربية في حينه. وفي تلك الفترة بالذات، أي بعد مرور حوالي عامين على توقيع الاتفاقيات بدأت جبهة الرفض تكشف عن عجزها وتذبذبها وبدأت المياه تعود تدريجيا إلى مجاريها وتعود العلاقات مع نظام السادات إلى طبيعتها، وليس لأن هذا النظام تخلى أو ابتعد عن اتفاقيات كامب ديفيد بل لأن جبهة الرفض بدأت تقترب منها بخطوات حثيثة.
وأذكر أن كوادر قيادية من حركة ابنا البلد، وهي الحركة التي كانت الأكثر جذرية من الناحية الوطنية، قد اجتمعنا وخرجنا بقرار يؤكد على ضرورة التمسك بالموقف الوطني الذي كان يعني رفض كامب ديفيد ومواصلة مقاطعة النظام المصري. وهذا كان يعني عمليا حذر السفر إلى مصر لأن ذلك يعد تطبيعا. ولكن، بعد ذلك بفترة وجيزة فوجئنا بخبر زيارة شخصية قيادية من أبنا البلد لمصر مبررا ذلك فيما بعد بظروف خاصة تم تقبلها من معظم باقي الرفاق. في تلك الأثناء بدأ سيل المسافرين يتدفق إلى مصر وجرف معه كافة المعارضين وزال الحذر تماما. وكنا نحن، المعدودين على التيار الوطني الجذري، وربما من باب الخجل نبرر تصرفاتنا ومواقفنا الجديدة بأننا لا نسافر إلى مصر من أجل الترفيه والتطبيع بل من أجل مع الشعب المصري ومع قواه الوطنية وكنا نتخذ من زيارة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وعادل إمام (الذي كان يعد في ذلك الوقت نجم التقدم) وغيرهم قناعا.
في بداية التسعينات تكرر الموقف نفسه، هذه المرة مع الأردن. فقد دمغت كافة القوى الوطنية اتفاقيات وادي عربة بالعمالة والخيانة وتقرر رفضها وعدم التعامل معها على كافة المستويات ومن ضمنها زيارة الأردن لأنها تصب في بحر التطبيع القديم والجديد والذي لعب به النظام الأردني دورا مميزا. لكن مرة أخرى جرفت الجسور المفتوحة الجميع. ومرة أخرى وجدت القوى الوطنية الأكثر جذرية قناعا لها: زيارة الرفيق جورج حبش والمناضلة ليلي خالد وحضور حفلات مارسيل خليفة وسميح شقير بالإضافة إلى التواصل مع شعبنا في الأردن.
لا أريد أن أتطرق هنا بالتفصيل إلى اتفاقيات أوسلو وكيف يمكن أن نرفضها من أساسها ونتقبلها بحذافيرها في الوقت نفسه. وقد لجأ بعض منظرينا إلى قوانين الديالكتيك لتبريرها، إلى قانون وحدة وصراع الأضداد، والتناقض الرئيسي والتناقض الثانوي والتراكمات الكمية التي تتحول إلى كيفية.
هكذا وجدنا أنفسنا ضد أوسلو بامتياز وفي الوقت نفسه معها بحماس منقطع النظير. تشابك وتقاطع التطبيع مع الوطنية. اختلطا وامتزجا واندمجا معا. لم نعد نعرف متى تنتهي الوطنية ومتى يبدأ التطبيع. أصبحنا كما يقول مظفر النواب: " الواحد فينا يحمل في الداخل ضده".
ما حملني إلى الكتابة في هذا الموضوع ألان ليس التطبيع السياسي وليس الموقف الوطني السياسي، بالرغم من أهميتهما، بل " التطبيع الوطني" الثقافي وهو الأكثر أهمية وخطورة حسب رأيي.
من منا لم يعشق فرقة العاشقين الفلسطينية ويردد أغانيها في المناسبات الوطنية وفي الإعراس وفي كل مكان. هل يمكن الكلام عن ثورة فلسطينية بدون التطرق إلى هذه الفرقة العريقة؟ لطالما حلمت بمشاهدتها بمهرجان حي. حتى تناولت وسائل الإعلام خبر دخولها إلى الضفة الغربية بدعوة من السلطة وبمباركة قوات الاحتلال، وكان في استقبالها زعامات السلطة الذين وأدوا الثورة ابتداء من محمود عباس وحتى ياسر عبد ربه. وأعلن عن إحيائها لمهرجان ضخم في قصر "الثقافة" (أي قصر وأية ثقافة؟) في رام الله. وهرع الوطنيون لمشاهدة الفرقة "العائدة إلى الوطن". وقررت بحسرة ألا أشارك في هذا التطبيع الوطني. وكم كان المشهد سرياليا عندما شاهدت مقطع فيديو من هذا المهرجان والفرقة تغني: هبت النار والبارود غنى" أمام صورة هائلة لرئيس السلطة محمود عباس ( إلى جانب الرئيس السابق عرفات حيث كان المهرجان بمناسبة الذكرى السادسة لاستشهاده). بينما النار الوحيدة التي تهب في ربوع الضفة في هذه الأيام هي نار جيش الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين بعد أن أخمد زعماء السلطة المحتفلين النار الوطنية.
تكررت خيبة أملي مرة أخرى قبل عدة أسابيع وتحطم الحلم على صخرة الواقع عندما قرأت عن قدوم عماد آخر من أعمدة الثقافة الوطنية وبالطريقة نفسها، وهو مطرب الثورة بدون منازع أبو عرب. لطالما آمنت، وما زلت، أن حق العودة لا خوف عليه طالما يردد اللاجئون وغير اللاجئين من جماهير الشعب الفلسطيني أغانيه. هل يوجد هناك فلسطيني واحد لم تهزه أغنية: هدي يا بحر هدي حتى الأعماق؟. لا أخفي أنني تصارعت مع نفسي حتى صرعتها ولم اذهب لمشاهدته.
أكاد اليوم أن افقد توازني مرة أخرى وأنا أتابع أخبار "مهرجان فلسطين الدولي" برعاية وزارة التطبيع الثقافي في سلطة أوسلو. لطالما عشقت سعاد الماسي وصوت مكادي نحاس. قد تكون مشاهدتهما في حفل مباشر وحي في رام الله فرصة لا تتكرر. لماذا تتساقط النجوم بهذا الشكل المخزي؟ هل حقا تغيير الزمن إلى هذه الدرجة وأنا من لا يستطيع التخلص من هذه العقلية المتحجرة؟ وماذا إذا كانت السلطة مطبعة؟ وماذا إذا كان قدوم هؤلاء النجوم مرهون بضابط إسرائيلي يحمل ختمه لدمغ عقولنا بالختم الإسرائيلي المتفوق؟ وجاء تصريح لطيفة التونسية ليعيدني إلى رشدي. أكاد لا أعرفها، ونادرا ما استمعت إليها. وقد قرأت بعض التهجمات عليها بسبب موقفها من الثورة التونسية. ولكن تصريحها بعد أن رفضت دعوة المشاركة في مهرجان فلسطين الدولي كان رائعا: أرفض ختم جواز سفري بالخاتم الإسرائيلي، لن أتحمل الوقوف أمام ضابط إسرائيلي على حاجز لكي يسمح لي بالدخول إلى أرض عربية. لي الشرف أن أغني لفلسطين عندما تتحرر ".
إذا كان رفض "التطبيع الوطني" تحجرا فأمنيتي أن يكون هذا الحجر من صوان. شكرا لطيفة وعذرا على ضعف إيماني.

Wednesday, June 08, 2011

من نكسة إلى أخرى

من نكسة إلى أخرى
علي زبيدات – سخنين

يبدو انه لا يوجد هناك من يكبح جماح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. فهو محافظ على خطابه السياسي كان ذلك أمام الكنيست الإسرائيلي أو أمام الكونغرس الأمريكي. أنا شخصيا أحسده على هذه المثابرة وعلى هذا الانسجام وأتمنى أن يكون هناك زعيم عربي أو فلسطيني يجاريه في هذه الصفة ولا يغير أفكاره ومواقفه بعد زيارة أي موظف أجنبي مهما كانت منزلته لإرضاء الدولة التي قدم منها. وأكثر من ذلك، في بعض المواقف أرى نفسي قريبا من نتنياهو أكثر من جميع القادة العرب والفلسطينيين المنافقين الذين يختبئون وراء أقنعة متهرئة من الوطنية. خذوا مثلا خطابه الأخير أمام الكونغرس الأمريكي الذي ظهر بصورة هزلية على غرار مجلس الشعب السوري أثناء خطاب بشار الأسد من حيث التصفيق والهتافات، حيث قال للعالم أجمع، ولكل من يريد أن يسمع: أن القدس ستبقى موحدة ولن تقسم أبدا. على عكس المفاوض الفلسطيني الذي تخلى ليس فقط عن القدس الغربية بل أيضا عن معظم القدس الشرقية بما فيها الحي اليهودي (وهو حي عربي طردت قوات الاحتلال سكانه) واللاتيني والشيخ جراح وكافة المستوطنات التي ضمت للقدس والقائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. ولا يخجل هذا المفاوض الفلسطيني أن يقول بأنه لن يتنازل عن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. عن أي قدس يتكلم؟ عن أبو ديس موسعة؟ أم عن مدينة مبتورة الرأس والأطراف؟
نعم، أنا مع نتنياهو وضد المفاوض الفلسطيني: القدس بشرقها وغربها، بقديمها وحديثها، داخل الأسوار وخارجها هي مدينة واحدة ويجب أن تبقى واحدة. كل ما في الأمر أن نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي نسي أن يقول كلمتين لا غير: أن هذه المدينة عربية فلسطينية.
بغض النظر عن أسطورة الملك سليمان مع المرأتين والطفل المتنازع عليه، هذه المدينة غير متنازع عليها. كل ما في الأمر إنها اغتصبت بالقوة وكما قال مظفر النواب وقف الحكام العرب يسترقون السمع لصرخات بكارتها. وكأن ذلك لا يكفي فطلبوا منها أن تسكت صونا للعرض. ماذا فعل هؤلاء الحكام من أجل القدس؟ سلموا الجزء الأكبر منها عام 1948 بدون قتال، وسلموا الجزء الباقي منها بدون قتال يذكر أيضا في عام 1967. وعندما بدأت دولة إسرائيل تعري المدينة من تاريخها لكي تلبسها ثوبا يهوديا مزيفا، تداعى هؤلاء الحكام للتستر على هذه الجرائم بإقامة لجنة القدس وأسندوا رئاستها إلى ملك التطبيع، الحسن الثاني، ملك المغرب وبعد وفاته إلى ابنه محمد السادس.
لا يوجد هناك قدس شرقية وقدس غربية، قدس قديمة وقدس جديدة. يوجد هناك قدس واحدة تمتد في الاتجاهات الأربعة، قدس واحدة تعود إلى العصور الغابرة لتصل إلى اليوم وغدا. هذا يذكرني بتصريح معيب لأحد رجالات سلطة أوسلو، ناصر القدوة: " لا قيمة قانونية ودينية ومعنوية للقدس الغربية بالنسبة للشعب الفلسطيني".
القدس العربية الفلسطينية ليست فقط المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف وكنيسة القيامة. القدس العربية هي كل بيت وكل شارع وكل زقاق وكل شبر أينما كان موقعه. الكنيست الإسرائيلي هي جزء لا يتجزأ من القدس العربية لأنها بنيت على أرض عربية مغتصبة. وكذلك الأمر بالنسبة لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية، والجامعة العبرية ومستشفى هداسا وبيت رئيس الدولة ومتحف ضحايا النازية "يد فاشيم" وعشرات بل مئات المؤسسات الإسرائيلية الأخرى. مقاومة التهويد في القدس لا يتم فقط في الشيخ جراح وسلوان وجبل المكبر وغيرها من المناطق التي احتلت عام 1967 بل أيضا وفي الأساس في المناطق التي احتلت عام 1948. القضية ليست قضية تقسيم أو إعادة تقسيم المدينة بل القضية تحرير المدينة برمتها.
لم يقتصر انفلات رئيس الحكومة الإسرائيلية من عقاله على موقفه من القدس بل طال باقي المواضيع السياسية المطروحة مثل الاعتراف بيهودية الدولة وعدم الانسحاب إلى حدود 1967 وبقاء الكتل الاستيطانية ورفض عودة اللاجئين. هذه الامور يعرفها القاصي والداني بما فيهم المفاوض الفلسطيني المتهافت والذي لا ييأس (وهذا لصالحه) من اللهث وراء أوهام المفاوضات.
ولكن المصيبة الحقيقية عندما وضع نتنياهو نفسه نصيرا للثورات الشبابية العربية وحيى "الشباب الشجعان الذين يناضلون من أجل حقوقهم الديمقراطية" وواصل بتعجرف: " فقط عرب إسرائيل من بين 300 مليون عربي يتمتعون بحقوق ديمقراطية حقيقية".
لقد قلت في الماضي وها أنا أكررها مرة أخرى: أن الثورة التي ترفع شعار إسقاط النظام فقط ولا تعادي الهيمنة الامبريالية الأمريكية والصهيونية هي ليست ثورة بل هي مجموعة من العصابات تتصارع على السلطة . هذا ما نجحوا بصنعه في ليبيا واليوم يحاولون أن يصنعوه في سوريا. هذا الذي حيي الشباب المحتجين في الكونغرس هو نفسه الذي أعطى الأوامر بقتل 24 محتجا شابا في الجولان كل ما أرادوه العودة إلى بيوتهم. كان أحرى بمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية اوكامبو الذي ينشط لإصدار مذكرات اعتقال بحق القذافي والأسد أن يصدر مذكرة باعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية. فالقتل المتعمد عن سابق إصرار وبطريقة القنص في حق المدنيين هو جريمة ضد الإنسانية يعاقب عليه القانون الدولي. كان أحرى بالمحكمة الدولية التي تحاكم في هذه الأيام مجرم الحرب الصربي ميلادتيش أن تحاكم مجرمي الحرب الإسرائيليين.
مرة أخرى وقفت زعامتنا من لجنة متابعة وأحزاب سياسية وقفة المتفرج إزاء مجزرة الجولان في ذكرى النكسة واكتفت بالإدانة الكلامية. أليست هذه هي الأخرى نكسة؟ لقد آن الأوان لهذه الزعامة أن ترحل.